اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

خطبة جديدة للشيخ عصام عميرة


Recommended Posts

الجمعة 14/7/1434 هـ

الموافق 24/5/2013 م

 

كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة

 

 

(الخطبة الأولى)

 

أيها الناس: إن من سنة الله في عباده المؤمنين أن ينصرهم ولو كانوا قلة، ويقويهم ولو كانوا ضعَفة، ويجعلَ أمرهم في علاء بعد أن كان في سفال. قال تعالى: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ، وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}، قال قتادة: وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ثلثمائة وبضعة عشر، فقال لأصحابه: "أنتم بعِدّةِ أصحاب طالوت، ثلثمائة". قال ابن زيد: الذين لم يأخذوا الغرفة أقوى من الذين أخذوا، وهم الذين قالوا: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين}. وفي حديث العباس حين أَسَرَهُ أَبو اليَسَرِ يوم بَدْرٍ قال: إنه لأَعظم في عيني من الخَنْدَمَةِ؛ قال ابن الأَثير: هو جبل معروف عند مكة؛ قال ابن بري: كانت به وقعة يوم فتح مكة، ومنه يوم الخَنْدَمَةِ، وكان لقيهم خالد بن الوَليد فهَزَمَ المشركين وقَتَلَهم؛ وقال الرَّاعِشُ لامرأَته وكانت لامَتْهُ على انهزامه: إنَّكِ لو شاهَدْتِ يومَ الخَنْدَمَهْ، إذ فَرَّ صَفْوانُ وفَرَّ عِكْرِمَهْ، ولَحِقَتْنا بالسُّيوف المُسْلِمَهْ، يَفْلِقْنَ كلَّ ساعِدٍ وجُمْجُمَهْ، ضَرْباً فلا تُسْمَعُ إلا غَمْغَمَهْ، لهم نَهِيتٌ حَوْلَهُ وحَمْحَمَهْ، لم تَنْطِقِي باللوم أَدنى كَلِمهْ. وكان قد قال قبل ذلك: إن يُقْبِلُوا اليومَ فما بي عِلَّهْ، هذا سِلاحٌ كامِل وأَلَّهْ، وذو غِرارَيْنِ سَريعُ السِّلَّهْ! قال القرطبي في تعليقه على آية {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة}: وهذا تحريض على القتال، واستشعار للصبر، واقتداء بمن صدق ربه. وهكذا يجب علينا نحن أن نفعل؟ لكن الأعمال القبيحة والنيات الفاسدة منعت من ذلك حتى ينكسر العدد الكبير منا قدام اليسير من العدو كما شاهدناه غير مرة، وذلك بما كسبت أيدينا. وفي البخاري: قال أبو الدرداء: إنما تقاتلون بأعمالكم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم). فالأعمال فاسدة، والضعفاء مهملون، والصبر قليل، والاعتماد ضعيف، والتقوى زائلة. قال الله تعالى: {اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله}، وقال: {وعلى الله فتوكلوا}، وقال: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}، وقال: {ولينصرن الله من ينصره}، وقال: {إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}. فهذه أسباب النصر وشروطه، وهي معدومة عندنا غير موجودة فينا، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما أصابنا وحل بنا، بل لم يبق من الإسلام إلا ذكره، ولا من الدين إلا رسمه لظهور الفساد ولكثرة الطغيان وقلة الرشاد، حتى استولى العدو شرقا وغربا برا وبحرا، وعمت الفتن وعظمت المحن، ولا عاصم إلا من رحم. أهـ

أيها الناس: هذا قول القرطبي قبل نحو ثمانمائة عام، ومنذ ذلك الحين وأمر الإسلام في ضعف وانهزام، حتى سقطت دولة الإسلام، وظهر الكفر على الأنام، وتولى أمرنا حفنة من الحكام اللئام، فأصبح حالنا على غير ما يرام. فانهزمت الجيوش الإسلامية أمام البريطانيين والفرنسيين وأحلافهم اليعربيين، وانهزمت الجيوش العربية السبعة أمام زحف يهود القليل عام 48 وفي حروب كثيرة ومعارك عديدة، إلا معركة الكرامة. وانهزم الجيش الأفغاني الطالباني والجيش العراقي الصدامي أمام الأميريكيين الغزاة، وانهزمت الجيوش المصرية والأردنية والسورية معا عام 67 أمام جيش يهود في حرب الأيام الستة، وانهزم الجيش التركي أمام الجيش اليوناني عام 74 في قبرص، وانهزم الجيش الليبي عام 87 أمام الجيشين التشادي والفرنسي في إقليم أوزو، وانهزم الجيش السوداني قبل ثلاثة أعوام أمام المتمردين الجنوبيين. وما انفكت الهزائم تلاحقنا منذ فتحنا عيوننا على هذه الدنيا إلى يومنا هذا، في ميادين الحياة كافة، حتى صارت الهزيمة فينا أمرا محتوما، وقدرا مقدورا، بعد أن كانت عارضا مؤقتا، وظرفا معزولا. إلى درجة أن انهزم جمهور محاضرة السفارة العراقية في الأردن في المجلس الثقافي الملكي أمام ثلة من لقطاء السياسة المتطفلين في غياب الأمن الأردني! ولو كانت محاضرة للإسلام دعوية، أو وقفة للشام نصروية لمُنعت أو أُغرقت بالأمن، حتى لو كان حضورها والداعون إليها من النساء، ساء ما يحكمون.

أيها الناس: في ظلمة ليل الهزيمة الحالك، يشع شعاع من نور النصر في مدينة القصير الشامية الأبية، حيث تكسرت النصال على النصال، وتكالبت على أهل القصير والمجاهدين المدافعين عنها ومن هب لنجدتهم، تكالبت عليهم قوات النظام الأسدي المجرمة، وجنود إبليس أجمعون من الفئات المضلَّلة اللبنانية والإيرانية والعراقية، ووقف العالم "الحر" يتفرج عليهم وهم يقصفون ويذبحون ويشردون، وخذلهم الأصدقاء المفترضون من الأقربين والأبعدين. لكم الله يا أهل القصير، فاثبتوا واصبروا، إنكم على الحق المبين، ولكم العزاء الأكبر في قوله عز وجل: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ، وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}. فالنصر والغلبة لكم بإذن الله، {عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}، وما ذلك على الله بعزيز. فهناك فرق كبير بين من يقاتل للمغنم أو حمية أو شجاعة أو رياء أو خدمة لطائفة أو فئة كافرة، يهاجم المدن والقرى ليدمرها ويخرج أهلها، ويقتل النساء والشيوخ والأطفال، وقد مضت السنة أن دابر هؤلاء مقطوع، وكيدهم في تباب. وبين من يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ويدافع عن دينه وماله وأهله وعرضه ونفسه، وينصرون الله ورسوله، وقد مضت السنة أن هؤلاء هم المنصورون، وأن جند الله هم الغالبون. فالحكام وأشياعهم وأسيادهم مخذولون وملعونون أينما ثقفوا، وأهل الشام وحمص وحلب ودير الزور والقصير وباقي المسلمين منصورون بإذن الله، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

(الخطبة الثانية)

 

أيها الناس: لقد خاض المسلمون عبر تاريخهم الطويل معارك كثيرة ودخلوا حروبا متعددة، وكانوا دوما منتصرين، قاتلوا أم لم يقاتلوا، خرجوا لملاقاة العدو أم مكثوا، وما بدر وأحد والخندق والحديبية وفتح مكة وحنين وتبوك وفتح بيت المقدس واليرموك والقادسية ونهاوند والجسر وحطين وعين جالوت وتستر وغيرها كثير كثير إلا شواهد على هذه السنّة الربانية. انتصر المسلمون لما أخلصوا دينهم لله، وقاتلوا لتكون كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا، انتصروا لما رضي الله عنهم باتباع أوامره واجتناب نواهيه، انتصروا لما كانت الاخرة أكبر همهم، والشهادة مطلبهم، وعيونهم مصوبة نحو الفردوس الأعلى من الجنة، انتصروا لما حكموا بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، انتصروا لما استنصروا بالله وتركوا الاعتماد على من سواه، انتصروا لما كانوا أمة واحدة عليها أمير واحد رغم قلة العدد والعتاد. ولكنهم انهزموا لما تفرقوا، وصارت الدنيا أكبر همهم، ومبلغ علمهم، انهزموا لما عطلوا شرع ربهم وسنة نبيهم، انهزموا لما اتبعوا البعثية والاشتراكية والوطنية والقومية والرأسمالية، انهزموا لما نادوا بالدولة المدنية والديموقراطية، وانهزموا لما استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، فسلط الله عليهم أعداءهم، فشتتوا شملهم، وفرقوا جماعتهم، رغم كثرة العدد والعتاد. {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ، يَقُصُّ الْحَقَّ، وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}.

أيها الناس: لا بد لنا من الأخذ بأسباب النصر وتحقيق شروطه، وهذا لا يكون إلا بالعمل لإقامة الخلافة الثانية الراشدة على منهاج النبوة في بلاد المسلمين، لنحقق التمايز والمفاصلة، ونرجو من الله النصر والغلبة، فيأتينا النصر ولو كنا قله، ويهابنا العدو ولو كانوا كثرة.

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...