اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

مع الحديث الشريف / سلسلة من المكتب الإعلامي لحزب التحرير


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل

فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة الكرام في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

جاء في صحيح الإمام مسلم في شرح النووي "بتصرف" في " باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء".

 

أيها الأحبة الكرام:

 

هذا هو الحال ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، حال يغني عن الكلام، حال يخرج الإنسان عن فطرته وواقعه، يكاد يخرج القلب من جوفه لشدة ما يرى ويُكابد. في هذا الزمن تغير كل شيء، لم يبق حال على حال، تغير التفكير، فأصبح الإنسان موجودا على هذه البسيطة من أجل إشباع رغباته فيها، فلا هم له أكبر من هذا الهم. تغيرت المفاهيم؛ فأصبح خلق الحياة من أجل نيل أكبر قدر من المتع الجسدية لدى الإنسان. تغيرت المفردات؛ فحلت مفردات القتل والدم والسلب والنهب والظلم والقهر مكان مفردات الحب والتضحية والعطاء والوفاء والإخلاص، حلت مفردات الكفر والفسق والفجور والعربدة والزعرنة مكان مفردات الإيمان والوئام والتسليم بالقضاء، حل الضياع مكان معرفة الذات والطمع والجشع مكان معرفة خالق النفس والهوى. ولكم- لتتصوروا هذا- أن تتابعوا نشرات الأخبار يوميا، وبرامج السقاطة، على الفضائيات العربية، لترصدوا أين وصل حال الإنسان؟ وأين وصل حال هذه الأمة؟ فكل يوم يمر أصبحنا نترحم على الذي سبقه، حتى صدق فينا حديث حبيبنا- صلى الله عليه وسلم-" حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكانه".

 

أيها المسلمون:

 

إن هذا الواقع لا يعني بأي حال من الأحوال أن نسكت ونقبل به، ذلك لأن الإسلام العظيم لا يقبل بذلك إطلاقا، فما جاء الإسلام أصلا إلا لتغير مثل هذه الوقائع المغلوطة، فلا قبول ولا استسلام أمام هذا الابتلاء، وما جاء في الحديث إنما هو توصيف لواقع سيأتي على الأمة، ليدفعها للعمل والتغيير، كما غيّر من قبل رسولنا الكريم- صلى الله علي وسلم-، وقد شقّ حزب التحرير طريقه في التغيير منذ سنوات، وهو الآن على أبواب استلام الحكم للحكم بكتاب الله تعالى وسنة نبيه، فهلموا- أيها المسلمون- للعمل معه لنيل رضوان الله تعالى، ولتفوزوا بنعيم الجنة.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

كتبه للإذاعة: أبو مريم

 

12 من شوال 1434

الموافق 2013/08/19م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

  • 4 weeks later...

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة الكرام في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني بتصرف في " باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه".

 

حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الزبير بن عدي قال: "أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج فقال اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم"، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم.

 

أيها الاحبة الكرام:

 

قال ابن بَطَّال: هذا الخبر من أعلام النبوة لإخباره صلى الله عليه وسلم بفساد الأحوال، وذلك من الغيب الذي لا يُعلم بالرأي وإنما يعلم بالوحي. وقد استشكل هذا الإطلاق مع أن بعض الأزمنة تكون في الشر دون التي قبلها ولو لم يكن في ذلك إلا زمن عمر بن عبد العزيز، وهو بعد زمن الحجاج بيسير، وقد اشتهر الخبر الذي كان في زمن عمر بن عبد العزيز، بل لو قيل: إن الشر اضمحل في زمانه لما كان بعيدا فضلا عن أن يكون شرا من الزمن الذي قبله وقد حمَلَهُ الحسنُ البصري على الأكثر الأغلب، فسئل عن وجود عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج فقال: لا بد للناس من تنفيس. وأجاب بعضُهم أن المراد بالتفضيل تفضيل مجموع العصر على مجموع العصر فإن عصر الحجاج كان فيه كثير من الصحابة في الأحياء وفي عصر عمر بن عبد العزيز انقرضوا، والزمان الذي فيه الصحابة خير من الزمان الذي بعده لقوله صلى الله عليه وسلم: خير القرون قرني. وهو في الصحيحين، وقوله: أصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون.

 

أخرجه مسلم. وعن عبد الله بن مسعود قال: لا يأتي عليكم يوم إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله حتى تقوم الساعة، لست أعني رخاء من العيش يصيبه ولا مالا يفيده؛ ولكن لا يأتي عليكم يوم وإلا وهو أقل علما من اليوم الذي مضى قبله، فإذا ذهب العلماء استوى الناس فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر فعند ذلك يهلكون.

 

أيها الأحبة الكرام:

 

لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه، وهل يوجد زمان أشر من هذا الزمان الذي نحيا؟ فقد أطبق الشر علينا من أطرافه، حتى أصبح فيه الخير لا يكاد يُرى، فلا تغرّنكم الحياة العصرية، ولا تغرّنكم الحضارة الرأسمالية ولا المدنية، ولا يغرنكم التقدم التكنولوجي والعلمي، ولا التقدم الصناعي ولا التقدم في اختراع القنابل الذكية التي تقتل الإنسان على البطاقة. ولا يغرنكم وضع الإنسان قدمه على سطح القمر أو المريخ، ولا تغرنكم أجهزة التنصت فائقة الدقة المزروعة في كل مكان في حياتنا، والتي تعُدُّ علينا أنفاسنا، ولا تغرنكم أساليب الكذب والنفاق والعهر السياسي الذي انكشف حتى للعمي من الناس، ولا تغرنكم اللحى والذقون التي نصّبت من نفسها محاميا للشياطين تدافع عنهم كما لو أنهم ملائكة تنزلت من السماء. لا يغرنكم هذا وغيره، فالزمان زمان عهر وفجور، تولى كبرَهُ حكام أشقياء وعصابات وعلماء سلاطين، باعوا أنفسهم بدنيا غيرهم، فالزمان زمان كفر والدار دار كفر والنظام نظام كفر، ولم يأت زمان على الأمة منذ عهد النبوة إلى الآن أشر من هذا الزمان، فحكامنا يصنعون زماننا كما يشاؤون، وصدق التابعي الجليل القاسم بن مُخيمرة إذ قال: " إنما زمانكم سلطانكم، فإذا صلح سلطانكم صلح زمانكم، وإذا فسد سلطانكم فسد زمانكم".

 

أيها المسلمون:

 

هذا زمن الجبرية التي تحدث عنها رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم-، زمان لا يمكن أن نتخلص من الشر الذي فيه إلا إذا خرجنا منه بالكامل، ودخلنا في زمان الخلافة الراشدة الثانية بالكامل، تحقيقا لما نطق به الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم-"ثم تكون خلافة على منهاج النبوة"، بهذا وبهذا فقط نتخلص من الشر الذي نعيش، بهذا وبهذا فقط نعيش الحياة كما أرادها لنا صاحبها سبحانه وتعالى، وغير ذلك من ترقيعات ستزيد الأمة رهقا، وبعدا عن كتاب ربها، وشرا لا يمكن التنبؤ بوقت زواله. اللهم مكن لنا في الأرض كما مكنت للذين من قبلنا.

 

اللهمَّ عاجلنا بخلافة تلم فيها شعث المسلمين، ترفع عنهم ما هم فيه من البلاء، اللهمَّ أنرْ الأرض بنور وجهك الكريم. اللهمَّ آمين آمين.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

كتبه للإذاعة: أبو مريم

 

05 من ذي القعدة 1434

الموافق 2013/09/11م

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

باب في تداعي الأمم على الإسلام

 

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود بتصرف في "باب في تداعي الأمم على الإسلام"

 

حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي حدثنا بشر بن بكر حدثنا ابن جابر حدثني أبو عبد السلام عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ؟ قال بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت".

 

التداعي: الاجتماع ودعاء البعض بعضا، والمراد من الأمم فرق الكفر والضلالة.

 

يوشك الأمم: أي يقرب فرق الكفر وأمم الضلالة. أن تداعى عليكم: بحذف إحدى التائين أي تتداعى بأن يدعو بعضهم بعضا لمقاتلتكم وكسر شوكتكم وسلب ما ملكتموه من الديار والأموال.

 

ولكنكم غثاء كغثاء السيل: بالضم والمد وبالتشديد أيضا ما يحمله السيل من زبد ووسخ شبههم به لقلة شجاعتهم ودناءة قدرهم.

 

ولينزعن: أي ليخرجن. المهابة: أي الخوف والرعب.

 

وليقذفن: بفتح الياء أي وليرمين الله.

 

الوهن: أي الضعف، وكأنه أراد بالوهن ما يوجبه؛ ولذلك فسره بحب الدنيا وكراهة الموت قاله القاري.

 

وما الوهن: أي ما يوجبه وما سببه؟

 

لعل هذا الحديث الشريف يختصر المشهد المعاصر اليوم، يختصر حال المسلمين والأمة وهي بين أيادي الكفار الذين ينهشون لحمها ويأكلون منه بل ويدعو بعضهم بعضا للأكل، أي مشهد مهيب هذا؟ وما أدق التشبيه! فالأمة بين يدي الكفار لا يرقبون فيها إلا ولا ذمة، فانظروا ما يحدث اليوم في الشام قلعة التضحية وعنوان الصبر ورمز الثبات، كيف تكالبت عليها قوى الأرض قاطبة، البعيد والقريب، بل وصاحب اللحى والحليق، أي تداعٍ هذا؟ وأي واقع أليم هذا؟! فالشام الآن يقاتل عن الأمة، ولأنه وقف رافعا لواءها ورايتها. فكان الأكلة أكثر عددا وأكثر شراهة.

 

أيها المسلمون: هذه نفسيات الأكلة من الأمريكان والأوروبيين وغيرهم، نفسيات عفنة تحمل أفكارا قذرة لا علاقة لها بالإنسان، بل لا ترقى إلى مستوى الحيوان، كيف لا وهم يبنون حياتهم على جماجم الآخرين، يبنون راحتهم على تعاسة غيرهم. لهذه الصورة البشعة كان سؤال القائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ فكان جواب رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم- يعلِّمه ويعلّمنا من بعده أن الأمر لا يُقاس بكثرة المسلمين أو قلتهم؛ بل بقوة الإيمان بالله تعالى.

 

فالعدد لا وزن له هنا؛ بل الكثرة هنا غثاء فوق السيل الجارف، وأنى لهذه الفقاقيع والأوساخ أن تُؤثر في سيره بشيء؟

 

أيها المسلمون:

 

هنا لفتة ينبغي الوقوف عندها، وهي أن أعداءنا كانوا يهابوننا، " ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم"، ذلك لأننا كانت لنا قوة ومنعة، فرسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم- "يقول يوشك أن تداعى" فالتداعي لم يكن حاصل، ذلك لأن الإسلام والمسلمين كانوا في عزة ورفعة، وكانت بيضته مُصانة ومحمية من خلال دولته التي أقامها الرسول - صلى الله عليه وسلم-، والتي استمرت أربعة عشر قرنا من الزمان، تعاقب على رأسها خلفاء طبقوا شرع ربهم وسنة نبيهم، كانت قوتهم وكانت هيبتهم تخاطب رأس كفرهم قائلة: "الجواب ما ستراه لا ما ستسمعه يا ابن الكافرة".

 

أيها المسلمون:

 

إن هذا الزمن الذي تحياه الأمة اليوم، زمن الأكلة والقصعة قد شارف على الأفول، فالأمة تعد العدة اليوم لاستقبال مرحلة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، بعد أن ودَّعت مرحلة الحكم الجبرية، فقد بدأت أصنام هذه المرحلة بالتهاوي والسقوط واحدا تلو الآخر... وداعا أيتها المرحلة... وداعا لا لقاء بعده... فالذي أخبرنا عن الأكلة والقصعة وهو الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم-، هو نفسه الذي أخبرنا وقال لنا: "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة". فالله الله فيمن يريد ويبحث عن الأجور، العمل العمل أيها المسلمون لتحقيق بُشرى رسولكم الكريم- صلى الله عليه وسلم-، فالعمل في هذا الزمان لاستئناف الحياة الإسلامية بالخلافة الراشدة الثانية من أجلّ الأعمال.

 

اللهمَّ عجل لنا بخلافة تلم فيها شعث المسلمين، ترفع عنهم ما هم فيه من البلاء، اللهمَّ أنرْ الأرض بنور وجهك الكريم. اللهمَّ آمين آمين.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

كتبه للإذاعة: أبو مريم

 

06 من ذي القعدة 1434

الموافق 2013/09/12م

 

http://www.hizb-ut-tahrir.info/info/index.php/contents/entry_28981

رابط هذا التعليق
شارك

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

مع الحديث الشريف

 

 

الاجراءات العملية لنصب الخليفة

 

Share on facebooklisten.gifprint.gifgroup.png

 

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بيعة أبي بكر في السقيفة: روى البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ قَالَ إِسْمَاعِيلُ يَعْنِي بِالْعَالِيَةِ فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ وَقَالَ عُمَرُ وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ أَيُّهَا الْحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ وَقَالَ{ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ }،وَقَالَ:{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } قَالَ فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ قَالَ وَاجْتَمَعَتْ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ فَقَالَ فِي كَلَامِهِ نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَقَالَ عُمَرُ بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ فَقَالَ قَائِلٌ قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقَالَ عُمَرُ قَتَلَهُ اللَّهُ.

 

جاء في كتاب فتح الباري لابن حجر: حَدِيث عَائِشَة فِي الْوَفَاة وَقِصَّة السَّقِيفَة، وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّق بِالْوَفَاةِ فِي مَكَانهَا فِي أَوَاخِر الْمَغَازِي، وَأَمَّا السَّقِيفَة فَتَتَضَمَّن بَيْعَة أَبِي بَكْر بِالْخِلَافَةِ، وَقَدْ أَوْرَدَهَا الْمُصَنِّف أَيْضًا مِنْ طَرِيق اِبْن عَبَّاس عَنْ عُمَر فِي الْحُدُود، وَذَكَرَ شَيْئًا مِنْهَا فِي الْأَحْكَام مِنْ طَرِيق أَنَس عَنْ عُمَر أَيْضًا، وَأَتَمّهَا رِوَايَة اِبْن عَبَّاس.

 

في سقيفة بني ساعدة تمت البيعة لأبي بكر رضي الله عنه على الخلافة، ومن أحداث ذلك الاجتماع في السقيفة والتي أسفرت عن بيعة أبي بكر رضي الله عنه، وثم سكوت باقي الصحابة على تلك الأحداث وإقرارهم لها، ليدل على أن اقتراح مرشحين من قبل أهل الحل والعقد تجتمع فيهم شروط الإنعقاد، ثم النقاش في من هو الأصلح فيهم، ومن ثم بيعته على ولاية أمر المسلمين، هي إجراءات شرعية لنصب خليفة المسلمين، والمتتبع لكيفية نصب باقي الخلفاء الراشدين، يجدها نفس الكيفية لنصب أبي بكر لكن باختلاف في الأساليب، فبينما تمت بيعة عمر رضي الله عنه، بعد أن كان أبو بكر رضي الله عنه قد رشحه للمسلمين قبل وفاته بناءا على طلب الصحابة وإصرارهم على ذلك، ثم اجتمع عليه المسلمون بعد وفاة أبي بكر فبايعوه، فقد رشح عمر قبل وفاته ستة من الصحابة لهذا المنصب وليس شخصاً واحداً، على أن يختار المسلمون واحداً من هؤلاء الستة المرشحين بعد وفاة عمر يباعونه على الخلافة، فتشاور الستة في الأمر وأوكلوا أمر اختيار مرشح من بينهم يقدم للناس ليبايعوه على الخلافة إلى عبد الرحمن بن عوف بعد أن أخرج نفسه من المنافسة، فقام بالمهمة خير قيام وبذل في ذلك كل الوسع إذ وصل ليله بنهاره ساعياً بين الخمسة المرشحين أولاً لمعرفة من يرشح كل منهم لو صرف النظر عنه، وترجح لديه أن المنافسة محصورة بين عثمان وعلي، خرج بعدها للناس يستشيرهم أي هذين يختارون، فسأل المهاجرين وسأل الأنصار رجالاً ونساءا، ثم جمع الناس في المسجد وعرض البيعة على علي فلم يجبه إلى بغيته، فعرضها على عثمان فبايعه، ثم بايعه بقية المسلمين في المسجد فانعقدت له الخلافة، أما بيعة علي فقد جاءت من جمهرة المسلمين في المدينة والكوفة بعد وفاة عثمان رضي الله عنهما.

 

وقد كانت هذه الإجراءات على تنوع أساليبها بإقرار من الصحابة رضي الله عنهم، فكانت إجماعاً، ومنها تؤخذ كيفية اختيار الخليفة في دولة الإسلام، دولة الخلافة القادمة قريباً بإذن الله، فإنه بالتدقيق في تلك الإجراءات نجد أنه في كل حالة:

 

1- كان المرشحون يعلنون للناس.

2- كانت تتوفر في كل منهم شروط الإنعقاد.

3- ثم يؤخذ رأي أهل الحل والعقد من المسلمين الممثلين للأمة، وقد كانوا في ذلك الوقت هم الصحابة

4- من يختاره ممثلو الأمة ( أهل الحل والعقد ) أو أكثريتهم، بويع بيعة الإنعقاد، فأصبح الخليفة، ووجبت له الطاعة.

5- ثم يبايعه الناس بيعة الطاعة.

 

وبالرجوع إلى قصة بيعة عثمان وترشيح عمر لستة من الصحابة نتبين:

 

وجود الأمير المؤقت الذي يتولى فترة تنصيب الخليفة الجديد.

 

أن أقصى حد لعدد المرشحين يجب أن يكون ستة مرشحين.

 

هذه هي إجراءات نصب الخليفة للمسلمين، مأخوذة من أعمال الصحابة في نصب الخلفاء الراشدين .... وبإذن الله تعالى سيقوم المسلمون قريباً بإعادة هذه السيرة العطرة للصحابة الكرام والخلفاء الراشدين، ونعيش تلك الأجواء الإيمانية التي عاشوها، فنعيد دولة الخلافة وننصب خليفة يحمي بيضة الإسلام ويرعى مصالحهم، في الداخل والخارج .... اللهم آمين

.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

07

من ذي القعدة 1434

الموافق 2013/09/13م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

مع الحديث الشريف

 

 

 

 

 

صلاحيات الخليفة

 

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

روى البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إِمَارَتِهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ.

أحبتنا الكرام:

 

هذا رسول الله أول رئيس لدولة الإسلام يعين أمير الجيش بنفسه ... ما يدل على أن رئيس الدولة في الإسلام ( الخليفة ) هو قائد الجيش الفعلي وليس قائداً أعلى للجيش فحسب. فليست قيادته للجيش رمزية

 

وقيادة الجيش هي إحدى صلاحيات الخليفة وإلا فصلاحيات الخليفة كثيرة وتتلخص فيما يلي

 

1- هو الذي يتبنى الأحكام الشرعية اللازمة لرعاية شؤون الأمة المستنبطة باجتهاد صحيح من كتاب الله وسنة رسوله، فتصبح هذه الأحكام بتبنيه لها قوانين تجب طاعتها ولا تجوز مخالفتها ...ودليلها إجماع الصحابة ... فقد رأى أبو بكر حين ولي الخلافة أن يوزع المال بين المسلمين بالتساوي لأنه حقهم جميعاً بالتساوي، ورأى عمر أنه لا يصح أن يعطى من قاتل رسول الله كمن قاتل معه، وأن يعطى الفقير كالغني .... لكن أبا بكر كان هو الخليفة فأمر بالعمل برأيه أي تبنى توزيع المال بالتساوي فاتَّبعه المسلمون في ذلك، وسار عليه القضاة والولاة وخضع له عمر وعمل برأي أبي بكر ونفذه. ولما تولى عمر الخلافة تبنى رأياً يخالف رأي أبي بكر أي أمر بتوزيع المال بالتفاضل لا بالتساوي فيعطى حسب القِدم والحاجة, فاتَّبعه المسلمون، وعمل به الولاة والقضاة، فكان إجماعاً من الصحابة على أن للإمام أي الخليفة، أن يتبنى أحكاماً معينة مأخوذة من الشرع باجتهاد صحيح ويأمر بالعمل بها وعلى المسلمين طاعتها ولو خالفت اجتهادهم وترك العمل بآرائهم واجتهاداتهم.

 

2- هو المسؤول عن سياسة الدولة الداخلية والخارجية معاً، وهو الذي يتولى قيادة الجيش، وله حق إعلان الحرب، وعقد الصلح والهدنة وسائر المعاهدات :.... ودليلها عمل الرسول صلى الله عليه وسلم ... فهو كان يقوم بكل تلك الأعمال بنفسه أو يعين من يقوم بها نيابة عنه كما كان يوظف من يقوم بالأعمال الإدارية فقد كان يعين المعاونين والولاة والقضاة ويحاسبهم ويراقب البيع والشراء وتوزيع المال ومساعدة العاطلين عن العمل في إيجاد أعمال لهم ... وغيرها من الأمور الداخلية وكذلك كان يخاطب الملوك ويستقبل الوفود وسائر الأمور الخارجية، وقاد الغزوات بنفسه وبعث السرايا وعين قادتها مما يدل على أنه كان القائد الفعلي للجيش وليس القائد الأعلى فحسب ... فأعلن الحرب وعقد الهدن والمعاهدات .... مما يدل أن كل هذه الأعمال هي من صلاحيات الخليفة

 

3- هو الذي له قبول السفراء الأجانب ورفضهم وتعيين السفراء المسلمين وعزلهم: ودليلها عمل الرسول صلى الله عليه وسلم فقد تلقى صلى الله عليه وسلم رسولي مسيلمة، وأبا رافع رسولاً من قريش، وهو الذي أرسل الرسل إلى هرقل وكسرى والمقوقس والحارث الغساني والحارث الحميري ملك اليمن والنجاشي وغيرهم من الملوك ... كما أرسل عثمان بن عفان رسولا إلى قريش مما يدل على أن الخليفة هو الذي يعين السفراء ويستقبلهم أو يرفضهم.

 

4- هو الذي يعين ويعزل المعاونين والولاة، وهم جميعاً مسؤولون أمامه، كما أنهم مسؤولون أمام مجلس الأمة .... دليله فعل الرسول فقد عين أبا بكر وعمر معاونين له كما عين الولاة... وحاسبهم وعزل بعضهم فقد عزل العلاء بن الحضرمي عن ولاية البحرين وحاسب ابن اللتبية على قبوله الهدية حين بعثه عاملاً على الصدقة.

 

5- هو الذي يعين ويعزل قاضي القضاة، والقضاة، باستثناء قاضي المظالم فهو يعينه، ولكن عزله عليه قيود، وهو الذي يعين ويعزل مديري الدوائر، وقواد الجيش، ورؤساء أركانه وأمراء ألويته... وهم جميعاً مسؤولون أمامه، وليسوا مسؤولين أمام مجلس الأمة. دليله فعل الرسول فقد عين قضاة.. ومنهم علي بن أبي طالب وأبو موسى الأشعري وقادة للجيوش والسرايا منهم أسامة بن زيد وحمزة بن عبد المطلب

 

6- هو الذي يتبنى الأحكام الشرعية التي توضع بموجبها ميزانية الدولة، وهو الذي يقرر فصول الميزانية، والمبالغ التي تلزم لكل جهة، سواء أكان ذلك متعلقاً بالواردات أم بالنفقات... ودليلها إجماع الصحابة... فقد فعل ذلك الخليفة الراشد أبو بكر كما فعله الخليفة عمر بن الخطاب ولم ينكر عليه أحد من الصحابة مع أنه مما ينكر مثله، فكان إجماعاً.

 

أحبتنا الكرام:

 

مما تقدم من عمل الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره حاكماً ومن إجماع الصحابة على أعمال الخلفاء الراشدين من بعده يتبين أن الخليفة هو صاحب جميع الصلاحيات في الحكم... فهو ولي أمر المسلمين وراعي مصالحهم.... وله كل الصلاحيات التي تمكنه من القيام بمسؤوليته في الولاية والرعاية ...

 

وهذا حكم الله وليس لأحد أن يعترض عليه أو ينتقده... فمن أدرى من الله تعالى بما يصلح الأمة ويصلح لها من خالقها وبارئها.... ومع هذا فإن فوائد تلك الصلاحيات الواسعة للخليفة ستظهر للعيان حين تعود الخلافة قريباً بإذن الله.... ويباشر الخليفة رعايته لشؤون الأمة..... فيكون المسؤول عن كل كبيرة وصغيرة فيها معروف بعينه... فتسائله الأمة وتحاسبه... ولا تضيع حقوق الناس بين مسؤولين كثر يلقي كل منهم اللوم على غيره فتضيع الحقوق ولا يحاسب المقصر فينتشر الظلم والفساد كما هو حاصل اليوم في الأنظمة الديمقراطية المطبقة في العالم ومنه عالمنا الإسلامي....

 

فعجل اللهم لنا بخليفة يرعى شؤوننا ويصغي لنصائحنا ويتقبل محاسبتنا ومساءلاتنا... فلا يعود هناك مجال للظلم أو الفساد.... ويعم الأمن والطمأنينة والأمان في أمة طال ظلمها وإرهابها وقهرها..... وهي تتطلع إلى يوم خلاصها بعيون ملؤها الرجاء برب رؤوف رحيم..... اللهم آمين

 

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

08 من ذي القعدة 1434

الموافق 2013/09/14م

 

 

http://www.hizb-ut-t...nts/entry_29061

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

جاء في صحيح الإمام مسلم في شرح النووي "بتصرف" في "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن"

 

حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا يحيى بن زكريا عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بثلاث يقول: "لا يموتن أحدُكم إلا وهو يحسن بالله الظن".

 

قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن ) وفي رواية: إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى قال العلماء: هذا تحذير من القنوط، وحث على الرجاء عند الخاتمة. قال العلماء: معنى حسن الظن بالله تعالى، أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه، قالوا: وفي حالة الصحة يكون خائفا راجيا، ويكونان سواء، وقيل: يكون الخوف أرجح، فإذا دنت أمارات الموت غلب الرجاء أو محضه؛ لأن مقصود الخوف: الانكفاف عن المعاصي والقبائح، والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذا الحال، فاستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى الله تعالى والإذعان له.

 

أيها الأحبة الكرام:

 

لا بد من أن نحسن الظن بالله تعالى في كل أمر من أمور حياتنا، فحسن الظن من العبادة، وقد صح عن ابن مسعود قوله: "والذي لا إله غيرُه ما أُعطي عبدٌ مؤمن شيئاً خيراً من حسن الظن بالله عز وجل، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله عز وجل الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنَّه؛ ذلك بأنَّ الخيرَ في يده".

 

فعند الموت -كما ورد في الحديث- يجب أن نحسن الظن بالله تعالى، وعند الشدائد والكرب وعند ضيق العيش وغلبة الدين، وعند الدعاء كذلك فقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة"، فإذا دعوتم الله تعالى فأحسنوا الظن بالله تعالى أن يستجيب لكم الدعوة.

وإني لأدعو الله حتى كأنني أرى بجميل الظن ما الله صان

وعند التوبة كم نحتاج أيضا إلى إحسان الظن بالله تعالى؟ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم - فيما يحكي عن ربِّه عز وجل- قال: «أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنَبَ ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً فعلم أنَّ له ربَّاً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. اعمل ما شئت فقد غفرت لك» رواه مسلم.

وإني لآتي الذنب أعرف قدره وأعلم أن الله يعفو ويصفح

 

أيها الأحبة الكرام:

 

ويقابل حسن الظن بالله تعالى سوء الظن، وهذا خطير خطير، فمن أساء الظن هنا وقع في الحرام، وكأنه يشكو الله بهذا الظن السيئ، لسان حاله يقول: "ظلمني ربي ولم يعطني ما أستحق".

 

وهنا نقول: من ظن أن الله لن ينصره...من ظن أن الله لن يُغيّر حال الأمة في هذه الأوقات العصيبة، فقد جانب الصواب ووقع فيما نهى الشرع عنه. فالله سبحانه تعالى نصر أنبياءه وهم في حالة شديدة من الضعف، فهذه سنة من سنن ونواميس الكون، أن يأتي النصر والخير لهذه الأمة بعد عناء وشقاء وتعب، لا أن يأتي على طبق من ذهب، ونحن نؤمن بالله ونتوكل عليه، ونظن به سبحانه وتعالى خيرا، فندرك أن هذا الأمر كائن قريبا قريبا، وندرك أننا لا ننتظر أن يأتي خليفة المسلمين على جناح ملك من ملائكة السماء؛ لا بد من العمل، "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم"، هذا هو الظن الذي نظنُّه بالله سبحانه وتعالى، أن يحقق لنا النتيجة لهذه الأعمال. وواقع الحياة اليوم ينطق بقرب ذلك، كيف لا والهجوم على الإسلام يزداد كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة؟ كيف لا وقد عاد المسلمون يصطفون في صفوف العاملين لإعادة الخلافة؟ كيف لا وقد رفعت الأمة رايات التوحيد في الشام وغيرها، تطالب بتحكيم القرآن؟ هذه الإمارات وغيرها الكثير تدفع الأمة إلى الطريق الحقيقي للتغيير الحقيقي بإقامة دولة الإسلام قريبا إن شاء الله تعالى. فاللهم إنا نؤمن بك ونتوكل عليك ونظن بك خيرا، اللهم أنجز لنا ما وعدتنا، اللهمَّ عاجلنا بخلافة تلم فيها شعث المسلمين، ترفع عنهم ما هم فيه من البلاء، اللهمَّ أنرْ الأرض بنور وجهك الكريم. اللهمَّ آمين آمين.

 

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

كتبه للإذاعة: أبو مريم

 

09 من ذي القعدة 1434

الموافق 2013/09/15م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

أقصى مدة مسموح بها لانتخاب خليفة

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

أقصى مدة مسموح بها لانتخاب خليفة

 

روى مسلم في صحيحه قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَاصِمٌ وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ اطْرَحُوا لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً فَقَالَ إِنِّي لَمْ آتِكَ لِأَجْلِسَ أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّة .

 

هذا الحديث يبين فرضية وجود خليفة له في أعناق المسلمين بيعة شرعية ... ولأهمية وجود الخليفة في حياة المسلمين إذ يتوقف على وجوده إقامة أحكام الشرع، فقد حدد لخلو منصب الخلافة مدة قصيرة جدا تتناسب مع أهمية منصب الخلافة وهي ثلاثة أيام بلياليها، فلا يَحِلّ لمسلم أن يبيت ثلاث ليال وليس في عنقه بيعة. أما تحديد أعلى الحد بثلاث ليال، فلأن نصب الخليفة فرض منذ اللحظة التي يتوفى فيها الخليفة السابق أو يعزل، ولكن يجوز تأخير النصب مع الاشتغال به مدة ثلاث أيام بلياليها، فإذا زاد على ثلاث ليال، ولم يقيموا خليفة، يُنظَر، فإن كان المسلمون مشغولين بإقامة خليفة، ولم يستطيعوا إنجاز إقامته خلال ثلاث ليال، لأمور قاهرة لا قبل لهم بدفعها، فإنه يسقط الإثم عنهم؛ لانشغالهم بإقامة الفرض، ولاستكراههم على التأخير بما قهرهم عليه. روى ابن حبان وابن ماجه عن ابن عباس قال: قال رسول الله r: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استُكْرِهوا عليه». وإن لم يكونوا مشغولين بذلك فإنهم يأثمون جميعاً حتى يقوم الخليفة، وحينئذٍ يسقط الفرض عنهم. أما الإثم الذي ارتكبوه في قعودهم عن إقامة خليفة فإنه لا يسقط عنهم، بل يبقى عليهم يحاسبهم الله عليه، كمحاسبته على أي معصية يرتكبها المسلم، في ترك القيام بالفرض.

 

أما دليل وجوب مباشرة الاشتغال في بيعة الخليفة لمجرد خلو منصب الخلافة، فهو أن الصحابة قد باشروا ذلك في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول، في اليوم نفسه، وقبل دفنه ، وقد تمت بيعة أبي بكر بيعة انعقاد في اليوم نفسه، ثم في اليوم الثاني جمعوا الناس في المسجد لبيعة أبي بكر بيعة الطاعة.

 

روى ابن حبان في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: وإنه كان من خبرنا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن عليا والزبير، ومن معهما تخلفوا عنا، وتخلفت الأنصار عنا بأسرها، واجتمعوا في سقيفة بني ساعدة واجتمع المهاجرون، إلى أبي بكر، فبينا نحن في منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ رجل ينادي من وراء الجدار: اخرج إلي يا ابن الخطاب، فقلت: إليك عني فإنا مشاغيل عنك، فقال: إنه قد حدث أمر لا بد منك فيه، إن الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمرا، فيكون بينكم وبينهم فيه حرب، فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نؤمهم، فلقينا أبو عبيدة بن الجراح، فأخذ أبو بكر بيده، فمشى بيني وبينه.

 

فهذا دليل واضح على انشغال الصحابة بأمر بيعة خليفة، وتأخير اشتغالهم بدفن الجثمان الطاهر للنبي صلى الله عليه وسلم، إلى ما بعد تنصيب الخليفة، أما كون أقصى مدة يمهل فيها المسلمون لنصب الخليفة ثلاثة أيام بلياليها؛ فذلك لأن عمر عهد لأهل الشورى عند ظهور تحقق وفاته من الطعنة، وحدّد لهم ثلاثة أيام، ثم أوصى أنه إذا لم يُتفق على الخليفة في ثلاثة أيام، فليقتل المخالف بعد الأيام الثلاثة، ووكّل خمسين رجلاً من المسلمين بتنفيذ ذلك، أي بقتل المخالف، مع أنهم من أهل الشورى، ومِنْ كبار الصحابة، وكان ذلك على مرأى ومسمع من الصحابة، ولم يُنْقَل عنهم مُخالف، أو مُنكِر لذلك، فكان إجماعاً من الصحابة على أنه لا يجوز أن يخلوَ المسلمون من خليفة أكثر من ثلاثة أيام بلياليها، وإجماع الصحابة دليل شرعي كالكتاب والسنة.

 

جاء في كتاب تاريخ الرسل والملوك للطبري قول عمر وهو على فراش الموت، للمرشحين للخلافة من بعده: فإذا متُّ فتشاوروا ثلاثة أيام، وليصلّ بالناس صهيب، ولا يأتينّ اليوم الرابع إلاّ وعليكم أمير منكم ويحضر عبد الله بن عمر مشيراً، ولا شيء له من الأمر؛ وطلحة شريككم في الأمر؛ فإن قدم في الأيام الثلاثة فأحضروه أمركم؛ وإن مضت الأيَّام الثلاثة قبل قدومه فاقضوا أمركم.

 

ثم أوصى أنه إذا لم يُتفق على الخليفة في ثلاثة أيام فليقتل المخالف بعد الأيام الثلاثة، ووكل خمسين رجلاً من المسلمين بتنفيذ ذلك، أي بقتل المخالف، مع أنهم من أهل الشورى ومن كبار الصحابة، وكان ذلك على مرأى ومسمع من الصحابة ولم ينقل عنهم مخالف أو منكر ذلك، فكان إجماعاً من الصحابة على أنه لا يجوز أن يخلو المسلمون من خليفة أكثر من ثلاثة أيام بلياليها، وإجماع الصحابة دليل شرعي كالكتاب والسنة.

 

جاء في كتاب تاريخ الرسل والملوك للطبري أيضاً:

 

وقال لأبي طلحة الأنصاريّ: يا أبا طلحة، إنّ الله عزّ وجلّ طالما أعزّ الإسلام بكم، فاختر خمسين رجلاً من الأنصار؛ فاستحثّ هؤلاء الرّهط حتى يختاروا رجلاً منهم.

 

فتنافس القوم في الأمر؛ وكثر بينهم الكلام؛ فقال أبو طلحة: أنا كنت لأنْ تدفعوها أخوف منِّي لأن تنافسوها! لا والذي ذهب بنفس عمر؛ لا أزيدكم على الأيّام الثلاثة التي أُمِرْتُم، ثم أجلس في بيتي؛ فأنظر ما تصنعون!

 

ثلاثة أيام بلياليها هي أقصى مدة يسمح للمسلمين فيها أن يبقوا بلا خليفة، على أن يكونوا منشغلين بتنصيبه .... فكيف بنا وقد مضى على خلو منصب الخلافة بضع وتسعون سنة، سنة لا يوم أيها المسلمون .... فأي إثم وأي معصية يعيش فيها المسلمون اليوم، إلَّا من رحم ربي ... نعم فلعل الله تعالى يتجاوز عمن يشتغل بالعمل على إعادة دولة الإسلام وتنصيب خليفة للمسلمين، فيغفر له بقاءه بلا خليفة ولا بيعة في عنقه لخليفة، جزاء اشتغاله بتحقيق هذا الفرض العظيم ....فسابقوا إلى مغفرة من ربكم أيها المسلمون، قبل أن تعرضوا عليه ولا حجة لديكم فيصيبكم منه عذاب أليم.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

10 من ذي القعدة 1434

الموافق 2013/09/16م

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مع الحديث الشريف

 

حصر المرشحين للخلافة

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

روى البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال: وَاجْتَمَعَتْ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ فَقَالَ فِي كَلَامِهِ نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَقَالَ عُمَرُ بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ فَقَالَ قَائِلٌ قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقَالَ عُمَرُ قَتَلَهُ اللَّهُ .

 

في هذه الرواية رأينا أن المرشحين للخلافة، كانوا أربعة هم سعد بن عبادة وأبو بكر وعمر وأبو عبيدة، لكن عمر وأبا عبيدة لم ينافسا أبا بكر لعلمهما بفضله، فانحصر الترشيح عملياً بين أبي بكر وسعد بن عبادة، ثم وبعد مناقشة ومجادلة كثيرة بين أهل الحل والعقد في السقيفة، اختاروا أحد المرشحين وقاموا ببيعته بيعة انعقاد في السقيفة ... ثم بيعة الطاعة في اليوم التالي في المسجد .... فمراحل حصر المرشحين ابتدأت بقبول أربعة مرشحين ثم حصروا في اثنين ثم اختار أهل الحل والعقد واحدا من الاثنين وبايعوه.

 

وإن بيعة عمر لم يظهر فيها حصر للمرشحين، لأنه كان المرشح الوحيد، وكذلك كان الأمر في بيعة علي إذ لم يكن هناك مرشح غيره، فتمت بيعة كل من عمر وعلي دون ظهور مراحل حصر المرشحين للخلافة، فلا ظهر حصر المرشحين بعدد معين كحد أقصى، ولا تقليص عدد المرشحين لأدنى حد، قبل عملية الاختيار.

 

أما بيعة عثمان فقد كانت الأوضح في بيانها طرح أسماء المرشحين، وحصرهم في ستة مرشحين، ثم بيان مراحل حصرهم في اثنين، حيث تم حصرهم في اثنين هما علي وعثمان، ثم استُفتِيَ الناس من أهل الحل والعقد وعامة الناس في هذين المرشحين فرجحت كفة عثمان، فتمت بيعته بيعة انعقاد في المسجد، ثم بيعة طاعة.

 

وبالرجوع إلى رواية تلك المراحل من كتاب تاريخ الرسل والملوك للطبري نرى:

 

يقول عمر: عليكم هؤلاء الرّهط الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إنهم من أهل الجنة؛ سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل منهم؛ ولست مدخله؛ ولكن الستّة: عليّ وعثمان ابنا عبد مناف، وعبد الرحمن وسعد خالا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والزبير بن العوام حواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم وابن عمته، وطلحة الخير بن عبيد الله؛ فليختاروا منهم رجلاً؛ فإذا ولَّوا والياً فأحسنوا مؤازرته وأعينوه. فعمر هنا عَدَّدَ الصحابة ممن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو راضٍ عنهم فكانوا سبعة ممن تتوفر فيهم شروط الانعقاد، ثم حصر الترشيح بستة منهم،

 

فقال عبد الرحمن: أيكم يخرج منها نفسه ويتقلدها على أن يوليها أفضلكم؟ فلم يجبه أحد، فقال: فأنا أنخلع منها؛ فقال القوم: قد رضينا ....... فأخذ منهم ميثاقاً وأعطاهم مثله،

 

في هذه الرواية يقوم عبد الرحمن بأخذ توكيل من المتنافسين على أن يختار لهم من بينهم خليفة وذلك بعد أن أخرج نفسه من المنافسة، ليقتصر عدد المرشحين على خمسة.

 

بعد ذلك بدأ عبد الرحمن مشاوراته وبدأ بالمرشحين: قال لعليّ: .... أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك فلم تحضر، من كنت ترى من هؤلاء الرّهط أحقّ بالأمر؟ قال: عثمان. وخلا بعثمان؛ فقال: ....لو لم تحضر فأيّ هؤلاء الرهط تراه أحقّ به؟ قال: عليّ. ثم خلا بالزّبير، فكلمه بمثل ما كلم به عليًّاً وعثمان؛ فقال: عثمان. ثم خلا بسعد، فكلمه، فقال: عثمان.

 

ثم وَسَّعَ دائرة المشاورة إلى أهل الحل والعقد ممن هم في المدينة:

 

ودار عبد الرحمن لياليه يلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد وأشراف الناس، يشاورهم، ولا يخلوا برجل إلا أمره بعثمان؛ حتى إذا كانت الليلة التي يستكمل في صبيحتها الأجل، أتى منزل المسور بن مخرمة بعد هجع من الليل؛ فأيقظه فقال: ألا أراك نائماً ولم أذق في هذه الليلة كثير غمض! انطلق فادع الزبير وسعداً.

 

فدعاهما فبدأ بالزبير في مؤخر المسجد في الصفة التي تلي دار مروان، فقال له: خلّ ابني عبد مناف وهذا الأمر، قال: نصيبي لعليّ، وقال لسعد: أنا وأنت كلالة، فاجعل نصيبك لي فأختار، قال: إن اخترت نفسك فنعم، وإن اخترت عثمان فعليّ أحبّ إليّ.

 

هنا رأينا أن المرشحين حصروا بعد التشاور مع أهل الحل والعقد في اثنين: عثمان وعلي

 

وأخيرا يختار عبد الرحمن ـــ بالوكالة عن أهل الحل والعقد ـــ الخليفة من بين المرشحَيْن فيبادر بمبايعته فيتبعه بقية الحضور فيبايعون الخليفة الجديد بيعة الانعقاد فقال عبد الرحمن: إني قد نظرت وشاورتً. ودعا عليّاً، فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده؟ قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي؛ ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعليّ، قال: نعم، فبايعه،

 

من هذه الأحداث استدل حزب التحرير على خطوات نصب الخليفة، وحصر المرشحين للخلافة مرتين ... وتبدأ هذه الخطوات بحصر المرشحين من حيث توفر شروط الانعقاد فيهم ... وهذا تقوم به محكمة المظالم. وَمَثَّلَهَا فيما سبق الخليفة، فهو كان قاضي المظالم في خلافته.

 

ثم حصر المرشحين المؤهلين مرتين: الأولى حصر المرشحين بستة.... وهذا ما فعله عمر نيابة عن الأمة، حين طلبت منه أن يرشح لها من يخلفه.

 

الثانية حصر المرشحين في اثنين: وهذا ما قام به عبد الرحمن بن عوف بتوكيل من أهل الحل والعقد، ممثلين للأمة ...وفي دولة الخلافة القادمة سيقوم بهذا الحصر للمرشحين مجلس الأمة نيابة عنها.

 

كل ما يتعلق بالحكم من إقامة للدولة وتنصيب الخليفة وتفصيل ذلك كله معد في مشاريع قوانين جاهزة وتنتظر التنفيذ، فما على المسلمين إلا إقامة الدولة وتنفيذ هذه الأحكام، ومبايعة الخليفة الذي يحكمنا بكتاب الله وسنة رسوله.

 

وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

11 من ذي القعدة 1434

الموافق 2013/09/17م

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

كيفية البيعة

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

روى مسلم في صحيحه قال: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا وقَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ فَأَتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ وَقَالَ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي فَقُلْتُ لَهُ هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا وَاللَّهُ يَقُولُ{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } قَالَ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ.

 

هذا الحديث يبين لنا أن البيعة هي الطريقة الشرعية لتنصيب الخليفة، فبها كما يذكر الحديث يعطى الخليفة كامل صلاحياته ويصبح واجب الطاعة لا تحل مخالفته إلا إن أمر بمعصية،

 

فكيف تكون البيعة للخليفة؟

 

تكون مصافحة بالأيدي: لقوله صلى الله عليه وسلم: وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ وصفقة يده، أي أن يصفق يده على يد الخليفة حين يقول له بايعتك ... وصفق اليدين هو كيفية إبرام العقود، ومنها عقد البيعة على الخلافة.

 

بالكتابة: لما رواه البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ شَهِدْتُ ابْنَ عُمَرَ حَيْثُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ كَتَبَ إِنِّي أُقِرُّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِعَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مَا اسْتَطَعْتُ وَإِنَّ بَنِيَّ قَدْ أَقَرُّوا بِمِثْلِ ذَلِكَ

 

وتصح أيضاً بأي وسيلة من الوسائل:

 

إلا أنه يشترط أن تصدر البيعة من البالغ فلا تصح البيعة من الصغار لما روى البخاري قال: حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْهُ فَقَالَ هُوَ صَغِيرٌ فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ وَعَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ إِلَى السُّوقِ فَيَشْتَرِي الطَّعَامَ فَيَلْقَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَيَقُولَانِ لَهُ أَشْرِكْنَا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ دَعَا لَكَ بِالْبَرَكَةِ فَيَشْرَكُهُمْ فَرُبَّمَا أَصَابَ الرَّاحِلَةَ كَمَا هِيَ فَيَبْعَثُ بِهَا إِلَى الْمَنْزِلِ أما ألفاظها:

 

فليست البيعة مقيدة بألفاظ معينة لكنها يجب أن تشتمل على العمل بكتاب الله وسنة رسوله من جانب الخليفة، وعلى الطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره من قبل من يعطي البيعة.

 

وهي أي البيعة حق للمسلم باعتبار انعقاد الخلافة بها فالحديث يقول: وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ.

 

أما بعد المبايعة للخليفة وانعقاد الخلافة له: فإنها تصبح ملزمة لمن بايعه عليها وأمانة في عنقه، لا يجوز له الرجوع عنها، لما رواه البخاري: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَصَابَ الْأَعْرَابِيَّ وَعْكٌ بِالْمَدِينَةِ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى فَخَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا، ولما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ له ...

 

وإن نقض بيعة الخليفة هي خلع لليد من طاعة الله عز وجل فهي حرام .... وهذا في حال نقض بيعة خليفة مبايع بيعة شرعية ومنعقدة له الخلافة، فلا يحل نقض بيعته سواء أكانت بيعة انعقاد أو بيعة طاعة.

 

أما الرجوع عن بيعة من لم تتم له بيعة المسلمين فلم تنعقد له الخلافة فهو جائز لا شيء فيها، إذ النهي منصب على الرجوع عن بيعة الخليفة، وليس عن بيعة رجل لم تنعقد له الخلافة.

 

وإنه لمما يدمي القلب وتذرف له العيون دماً، جهل الأمة بهذه الأحكام، فتراهم ينتخبون شخصاً فيتولى عليهم بغير بيعة شرعية ... ثم لا يطبق عليهم أحكام الشريعة الإسلامية، فإذا عزل من قبل فئة انقلبت عليه، وسلبت منه السلطة، أصر الناس الذين انتخبوه على بقائه، وتشبثوا بشرعيته، فوقفوا في وجه الانقلابيين عزلاً وغريمهم مدجج بالسلاح، فأريقت دماؤهم الزكية على مذبح الشرعية الانتخابية والدستورية ... مع أن تلك الشرعية مستمدة من نظام ديمقراطي ودستور وضعي، وليست شرعية إسلامية مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله، لكنهم لجهلهم بأحكام البيعة، وبنظام الحكم في الإسلام، دعموا الطاغوت وضحوا بدمائهم في سبيله، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً .فاللهم ربنا اهد قومنا، فإنهم لا يعلمون.

 

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

12 من ذي القعدة 1434

الموافق 2013/09/18م

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

شروط الأفضلية

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

روى البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ.

 

وروى مسلم عن أبي ذر قال: «أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً مُجدَّع الأطراف» وفي رواية: «إن أُمّر عليكم عبد مُجدَّع أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا»

 

 

 

في هذه الأحاديث الشريفة يأمرنا صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة لولي الأمر ما أقام الدين، ويشدد على السمع والطاعة له، إذ أمر به حتى لو كان ولي الأمر عبد حبشي، فهي نصوص صريحة في جواز أن يتولى أمر المسلمين عبد أسود. فليس المقصود بالعبد في الحديث الرقيق المملوك لأن العبد لا يتصور أن يكون ولياً للأمر لأنه لا يملك أمر نفسه فضلاً عن أن يملك أمر الناس.

 

وفي هذه الأحاديث أمران هامان:

 

الأول: أن السمع والطاعة تجب لكل أمير بداية بأمير المؤمنين، الخليفة فمن دونه من ولاة وعمال ....وغيرهم ممن يتولون أمر العامة، أو حتى من يتولون أمر فئات خاصة من مثل أمير السفر أو أمير الحزب، أو أمير الجهاد أو أمثالهم ....

 

الثاني: أن ولي الأمر أي الخليفة، قد يكون من أي فئة من الأمة الإسلامية، وليس محصوراً بفئة معينة من الناس أو بحسب أو نسب معين، فكل من تجتمع فيه شروط الانعقاد له حق الترشح للخلافة، وتنعقد له الخلافة إن أخذها بحقها، أما اشتراط أن يكون الخليفة من قريش أو أن يكون مجتهداً أو ماهراً في استعمال السلاح أو أي شرط آخر فهي ليست شروط انعقاد، لأن الشرط حتى يكون شرط انعقاد يلزمه أن يأتي الدليل على اشتراطه متضمناً طلباً جازماً حتى يكون قرينة على اللزوم، أي الوجوب. فإن لم يكن الدليل متضمناً طلباً جازماً كان الشرط شرط أفضلية، لا شرط انعقاد. ولم يرد دليل فيه طلب جازم إلا سبعة شروط هي: أن يكون (1) رجلاً (2) مسلماً (3) بالغاً (4) عاقلاً (5) حراً (6) عدلاً (7) قادراً على القيام بأعباء الخلافة. لهذا كانت هذه الشروط وحدها هي شروط الانعقاد. أما ما عداها مما صح فيه الدليل فهو شرط أفضلية فقط وليس شرط انعقاد .... فيجوز أن يكون الخليفة قرشي ويجوز أن يكون عربي، ويجوز كذلك أن يكون بشتوني أو كردي أو تركي أو أمازيغي أو من أي عرق أو لون ما دامت تجتمع فيه شروط الانعقاد، واختارته الأمة لتولي أمرها فبايعته بيعة شرعية. فالرسول في هذا الحديث الشريف يأمر بطاعة ولي الأمر كائناً من كان، ما دامت قد عقدت له الخلافة ببيعة شرعية، فلم يحصره بجنس أو قبيلة أو لون ....

 

فيا معشر المسلمين، أين أنتم من حكم ربكم الذي لا يفرق بين قرشي وخزاعي، ولا بين عربي وأعجمي، ولا بين أسود وأحمر إلا بالتقوى ..... أفحكم ربكم خير أم الديمقراطية التي هي من وضع البشر والتي تنقلب على أهلها إن أفرزت انتخاباتها حاكما لا يوافق أهواء النخبة المضبوعة في الأمة، أو لم ترضى عنه دول الإستكبار الغربي، حتى لو نال هذا الحاكم أصوات الأكثرية الساحقة من أبناء الأمة الذين شاركوا في العملية الديمقراطية.

 

أرضيتم بالذي هو أدنى من الذي هو خير؟

 

وصدق الله العظيم: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (50 سورة المائدة)

 

فاعتبروا يا أولي الألباب.

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله،

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

14 من ذي القعدة 1434

الموافق 2013/09/20م

 

http://www.hizb-ut-tahrir.info/info/index.php/contents/entry_29242

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

الخليفة مقيد في التبني بأحكام الشرع

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

روى البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ.

 

جاء في كتاب فتح الباري لابن حجر:

قَوْله ( إِذَا حَكَمَ الْحَاكِم فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ ) فِي رِوَايَة أَحْمَد " فَأَصَابَ " قَالَ الْقُرْطُبِيّ: هَكَذَا وَقَعَ فِي الْحَدِيث بَدَأَ بِالْحُكْمِ قَبْل الِاجْتِهَاد، وَالْأَمْر بِالْعَكْسِ فَإِنَّ الِاجْتِهَاد يَتَقَدَّم الْحُكْم إِذْ لَا يَجُوز الْحُكْم قَبْل الِاجْتِهَاد اِتِّفَاقًا، لَكِنَّ التَّقْدِير فِي قَوْله " إِذَا حَكَمَ " إِذَا أَرَادَ أَنْ يَحْكُم فَعِنْد ذَلِكَ يَجْتَهِد، قَالَ وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ أَهْل الْأُصُول قَالُوا: يَجِب عَلَى الْمُجْتَهِد أَنْ يُجَدِّد النَّظَر عِنْد وُقُوع النَّازِلَة، وَلَا يَعْتَمِد عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُ لِإِمْكَانِ أَنْ يَظْهَر لَهُ خِلَاف غَيْره اِنْتَهَى، وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون الْفَاء تَفْسِيرِيَّة لَا تَعْقِيبِيَّة.

 

وَقَوْله " فَأَصَابَ " أَيْ صَادَفَ مَا فِي نَفْس الْأَمْر مِنْ حُكْم اللَّه تَعَالَى.

 

قَوْله ( ثُمَّ أَخْطَأَ ) أَيْ ظَنَّ أَنَّ الْحَقّ فِي جِهَة، فَصَادَفَ أَنَّ الَّذِي فِي نَفْس الْأَمْر بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَالْأَوَّل لَهُ أَجْرَانِ: أَجْر الِاجْتِهَاد وَأَجْر الْإِصَابَة. وَالْآخَر لَهُ أَجْر الِاجْتِهَاد فَقَط.

إن المسلم مكلف بالتزام أحكام الشرع في أموره كلها، ولكن معظم الأحكام الشرعية استنبطت وتستنبط من أدلتها باجتهاد، وكثيراً ما تتعدد الأحكام الشرعية بالنسبة للمسألة الواحدة تبعاً لتعدد أفهام المجتهدين وتعدد طرق الاستنباط لديهم، مع أن حكم الله في المسألة الواحدة لا يتعدد، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر المسلمين حين اجتهدوا، ولم يذم اختلافهم في الفهم، والقياس، فكانت مشروعية الإجتهاد، ومشروعية تعدد الأحكام في المسألة الواحدة .... إلا أنه لا بد من التأكيد أن حكم الله في المسألة الواحدة لا يتعدد، وإنما الذي يتعدد هو الأفهام، وطرق الاستنباط، ولذا فقد رأينا الرسول يَعِدُ المجتهد الذي يصيب بأجرين، أجر الإجتهاد، وأجر إصابة الحكم الصحيح في المسألة.... بينما يَعِدُ المجتهد الذي أخطأ في إصابة الحكم الصحيح في المسألة بأجر واحد هو أجر الإجتهاد وبذل الوسع في معرفة الحكم .... وحكم الله في المسألة بالنسبة للمجتهد هو الحكم الذي أداه إليه اجتهاده، فحكم الله في المسألة الخلافية لا يعرف حقيقة، وإنما يستدل عليه بغلبة الظن، فيبقى صواباً في حق مستنبطه يحتمل الخطأ... وفي رأي غيره ممن يخالفونه في الفهم: خطأ يحتمل الصواب. وحكم الله في عنق كل منهم هو الحكم الذي استنبطه هو فعليه أن يتبناه ويعمل به، ولا يخالفه ... لأنه حكم الله في حقه.

 

والمسلم في أخذه للأحكام أحد اثنين، مجتهد يستنبط الأحكام بنفسه، فيتبنى ما يؤديه إليه اجتهاده، أو مقلد، يأخذ الحكم من أحد المجتهدين فعليه، أن يتبنى ذلك الحكم ويلتزم به لأنه يصبح حكم الله في حقه إذا اتصل عمله به... وعلى كُلٍّ فعلى المسلم أن يتبنى من الأحكام ما يحتاجه في حياته، سواء تبنى ما اجتهد به واستنبطه بنفسه أو ما قلد به غيره من المجتهدين فالمهم أن لا يكون كالريشة في مهب الريح يميل حيث تميل به الريح، حين يتنقل بين أراء المجتهدين تبعاً للمصلحة والظروف والهوى، بل عليه الإلتزام بفهم معين للحكم الشرعي لأنه سيكون هو حكم الله في حقه الذي سيحاسب على مدى التزامه به في الدنيا، أمام العلي القدير يوم القيامة.

 

والخليفة وهو واحد من المسلمين، ينطبق عليه ما ينطبق على كل مسلم:

 

هو مكلف بتطبيق شرع الله في حياته كفرد مسلم، ومكلف بتطبيق شرع الله على المسلمين كخليفة لهم وولي لأمرهم، لقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}.

 

لذا فهو مكلف بتبني أحكام معينة مما يحتاجه في حياته، وكذلك هو مكلف أن يتبنى من الأحكام الشرعية ما يلزمه لرعاية شؤون الأمة ... وهو مقيد بالأحكام الشرعية في تبنيه سواء على الصعيد الفردي أو الصعيد العام كولي للأمر له وحده حق إصدار القوانين ... فيجب أن تكون كل القوانين التي يتبناها لإدارة الدولة ورعاية شؤون الأمة أحكام شرعية مستنبطة استنباطاً صحيحاً سواء أكان هو من استنبطها أو كان قلد غيره فيها ... فهو منصب لتنفيذ أحكام الشرع فلا يجوز له أن يأخذ أحكاما من غير الشرع ليسنها قوانين يحكم بها البلاد والعباد .... فهكذا نص عقد البيعة بينه وبين الأمة .... على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله، أي الحكم بشرع الله.

 

وخلاصة القول: أن الخليفة مقيد في التبني أي في سنه للقوانين بالأحكام الشرعية:

 

فأولاً: يحرم عليه أن يتبنى حكماً لم يستنبط استنباطاً صحيحاً من الأدلة الشرعية.

 

وثانياً: هو مقيد بما يتبناه من أحكام، وبما التزمه من طريقة استنباط.

 

ا- فلا يجوز له أن يتبنى حكماً استنبط حسب طريقة تناقض الطريقة التي يتبناها.

 

ب- ولا أن يعطي أمراً يناقض الأحكام التي يتبناها.

 

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

16 من ذي القعدة 1434

الموافق 2013/09/22م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

دولة الخلافة دولة بشرية وليست دولة إلهية

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

روى مسلم في صحيحه قال: عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا فَمَا تَأْمُرُنَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَقَالَ اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ.

 

السمع والطاعة هي القاسم المشترك بين الأحاديث الشريفة التي تتعرض للعلاقة بين الأمة والخليفة وكذلك هي الآيات القرآنية التي تعرضت لهذه العلاقة ...

فالسمع والطاعة، هي عهد في عنق كل مسلم، لا يحل له نبذه أو التبرؤ منه ما دام الخليفة قائماً بتطبيق أحكام الشرع، بغض النظر عن بعض الإساءات أو التجاوزات التي قد تقع من الخليفة أو من دونه من الولاة، إذا كانت هذه التجاوزات أو الإساءات لا تصل إلى تغيير أو العبث بالأحكام المعمول بها في الدولة والتي يجب أن تصدر كلها بلا استثناء من مصدر واحد هو الكتاب والسنة وما أرشدا إليه من إجماع صحابة وقياس شرعي....

 

فدولة الخلافة تقوم في أساسها على الفكرة الإسلامية: عقيدة ينبثق عنها منهج حياة للفرد والجماعة ( الدولة )، أما في تطبيقها لهذا المنهج فإنها تقوم على البشر، أخرج البخاري عن أم سلمة عن رسول الله عليه الصلام والسلام أنه سمع خصومةً بباب حجرته فخرج إليهم فقال: «إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها» وكذلك أخرج الترمذي عنه عليه الصلاة والسلام: «وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمَظْلِمة في دم ولا مال». ما يدل على أنه كان يتولى منصبين: منصب النبوة والرسالة، ومنصب رئاسة المسلمين في الدنيا لإقامة شريعة الله التي أوحى له بها. وكان يتصرف في القيام بأعباء كل منصب منهما بما يقتضيه ذلك المنصب، ويتصرف في أحدهما على غير ما يتصرف في الآخر، وأما عصمة الرسول عليه الصلام والسلام فهي آتية من حيث كونه نبياً، لا من حيث كونه حاكماً، لأن العصمة من الصفات التي يجب أن يتصف بها جميع الأنبياء والرسل، بغض النظر عن كونهم هم الذين يحكمون الناس بشريعتهم ويطبقونها، أو كونهم يقتصرون على تبليغها، ولا يتولون الحكم بها ولا تطبيقها.

 

فسيدنا موسى وسيدنا عيسى وسيدنا إبراهيم معصومون، كما أن سيدنا محمداً عليه الصلام والسلام معصوم، فالعصمة للنبوة والرسالة وليست للحكم. أما كونه عليه الصلام والسلام لا يفعل أثناء قيامه بأعباء الحكم فعلاً حراماً، ولا يترك القيام بفعل واجب، فذلك آت من حيث كونه معصوماً من ناحية النبوة والرسالة، لا من حيث كونه حاكماً، فيكون قيامه عليه الصلاة والسلام بالحكم لا يقتضي اتصافه بالعصمة، ولكنه عليه الصلام والسلام واقعياً كان معصوماً من حيث كونه نبياً ورسولاً. وعلى ذلك كان يتولى الحكم بوصفه بشراً يحكم بشراً؛ ولذلك فكل خلفاء الدولة الإسلامية بشر غير معصومين عن الخطأ والخطيئة، والنسيان والإساءة. فيجوز على الخلفاء أن ينسوا ويسهوا ويخطئوا ويعصوا بل ويظهروا الكفر البواح، وحينها أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن لا نطيعهم بل نقاتلهم. فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قَالَ دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ.

 

فدولة الإسلام إذاً هي دولة بشرية، حكامها ليسوا أنبياء ولا معصومين، بل هم من البشر الذين يخطئون ويصيبون، ليس فيها عصمة لعلماء ولا حكام ولا رعية .... بل دولة الإسلام اسمها دولة الخلافة: وهي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا.... فإذا بويع خليفة بيعة شرعية في أي بلد من بلاد المسلمين، وأقيمت الخلافة، فإنه يحرم على المسلمين في كل بقاع الدنيا أن يقيموا خلافة أخرى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا".

 

هذه هي دولة الإسلام دولة الخلافة: دولة يحكمها بشر ليسوا أنبياء ولا معصومين حتى يقال أنها دولة إلهية ... فيها يبايع المسلمون خليفة لإقامة أحكام الشرع الإسلامي طاعة لله تعالى وطلباً لرحمته ورضوانه.

 

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

17 من ذي القعدة 1434

الموافق 2013/09/23م

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

 

وزراء التنفيذ

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

روى الترمذي في سننه قال: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ حَدَّثَنَا تَلِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: " وَسَلَّمَ مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا لَهُ وَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَوَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ فَجِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ".

 

جاء في تحفة الأحوذي:

 

قَوْلُهُ: " مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَلَهُ وَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَوَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ " الْوَزِيرُ الْمُوَازِرُ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ الْوِزْرَ أَيْ الثِّقَلَ عَنْ أَمِيرِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا أَصَابَهُ أَمْرٌ شَاوَرَهُمَا كَمَا أَنَّ الْمَلِكَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ مُشْكِلٌ شَاوَرَ وَزِيرَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى { وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْوَزِيرُ هُوَ الَّذِي يُوَازِرُهُ فَيَحْمِلُ عَنْهُ مَا حَمَلَهُ مِنْ الْأَثْقَالِ وَاَلَّذِي يَلْتَجِئُ الْأَمِيرُ إِلَى رَأْيِهِ وَتَدْبِيرِهِ فَهُوَ مَلْجَأٌ لَهُ وَمُفْزِعٌ.

 

قَوْلُهُ: ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ )

 

وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَأَقَرَّهُ وَالْحَكِيمُ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ.

 

كلمة الوزير في اللغة تعني المعين والمساعد، وقد استعمل القرآن الكريم كلمة وزير بهذا المعنى اللغوي، قال تعالى: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي} (29) ....طه ... أي معيناً ومساعداً.

 

وفي هذا الحديث فإن الكلمة جاءت بمعناها اللغوي أي وزير بمعنى معاون أو مساعد، كما جاءت مطلقة تشمل أي معونة، وأي مساعدة في أي أمر من الأمور ومنها معونة الخليفة في مسؤولية الخلافة وأعمالها... ومن الحديث أخذ حزب التحرير الأحكام الآتية.

 

للخليفة أن يعين معاونين له ليعاونوه في تحمل أعباء الخلافة والقيام بمسؤولياتها.

 

جواز تعدد المعاونين ... فللخليفة أن يعين معاوناً له أو أكثر حسب حاجته،

 

للخليفة أن يعين معاونين له في الحكم وفي غير الحكم ... إذ أن معاوني الرسول صلى الله عليه وسلم من السماء لم يكونا معاونين له في الحكم، فدل على أن للخليفة أن يعين معاونين له في غير الحكم ففيه دلالة على مشروعية الجهاز الثالث في دولة الخلافة وهو جهاز معاوني التنفيذ ( وزراء التنفيذ ):

 

معاون التنفيذ هو الوزير الذي يعينه الخليفة ليكون معاوناً له في التنفيذ والملاحقة والأداء، ويكون وسيطاً بين الخليفة وبين أجهزة الدولة والرعايا والخارج:

يؤدي عن الخليفة ويؤدي إليه، فهو مُعِينٌ في تنفيذ الأمور وليس والٍ عليها، ولا مُتَقَلِّدٍ لها، فعمله من الأعمال الإدارية وليس من الحكم. ودائرته هي جهاز لتنفيذ ما يصدر عن الخليفة للجهات الداخلية والخارجية، ولرفع ما يرد إليه من هذه الجهات، فهي وسيطة بين الخليفة وبين غيره: تؤدي عنه وتؤدي إليه .

التسمية:

 

كان يطلق على معاون التنفيذ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين اسم: الكاتب .... ثم صار يسمى صاحب ديوان الرسائل أو المكاتبات، ثم استقر على كاتب الإنشاء أو صاحب ديوان الإنشاء، ثم سمي وزير التنفيذ عند الفقهاء ....

 

حاجة الخليفة لمعاون التنفيذ:

 

إن الخليفة حاكم يقوم بالحكم والتنفيذ ورعاية شؤون الأمة، والقيام بكل هذه الأعمال يحتاج إلى أعمال إدارية وهذا يقتضي إيجاد جهاز خاص يكون مع الخليفة لإدارة الشؤون التي يحتاجها للقيام بمسؤوليات الخلافة، فاقتضى إيجاد معاون للتنفيذ يعينه الخليفة، يقوم بأعمال الإدارة لا بأعمال الحكم، فليس له أن يقوم بأي عمل من أعمال الحكم، فلا يعين والياً ولا عاملاً، ولا يرعى شؤون الناس، وإنما عمله إداري لتنفيذ أعمال الحكم وأعمال الإدارة التي تصدر عن الخليفة أو تصدر عن معاون التفويض.... ولذلك أطلق عليه معاون تنفيذ... والفقهاء كانوا يطلقون عليه وزير تنفيذ أي معاون تنفيذ باعتبار أن كلمة وزير تطلق لغة على المعين.

ميزات عمل معاون التنفيذ:

 

عمله متصل بالخليفة مباشرة كمعاون التفويض،

 

وهو من بطانة الخليفة وعمله لصيق به،

 

مطالعة الخليفة والاجتماع به اجتماعاً معزولاً في أي وقت من ليل أو نهار وهذا لا يتناسب مع ظروف المرأة لذلك فإن معاون التنفيذ يكون رجلاً.. كذلك لا يجوز أن يكون معاون التنفيذ كافراً بل يجب أن يكون مسلماً لكونه من بطانة الخليفة لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} (118) ". آل عمران

 

يجوز أن يكون معاونوا التنفيذ أكثر من واحد حسب الحاجة وحسب العمل الذي يكون فيه وسيطاً بين الخليفة وغيره.

 

الأمور التي يكون معاون التنفيذ وسيطاً فيها بين الخليفة وغيره هي أربعة:

 

العلاقات الدولية: سواء أكان الخليفة يتولاها مباشرة أم يعين لها دائرة خارجية....

 

الجيش أو الجند...

 

أجهزة الدولة غير الجيش...

 

العلاقات مع الرعية

 

هذا هو معاون التنفيذ وهذا هو واقع عمله.... أسأل الله تعالى أن يعجل لنا بعودة دولة الخلافة لنرى قيام هذا الجهاز الحيوي إلى جانب باقي أجهزة الدولة لتقر أعيننا، وتطمئن قلوبنا، بأننا أقمنا فرض ربنا وحكَّمنا شرعه. اللهم آمين.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

18 من ذي القعدة 1434

الموافق 2013/09/24م

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

مدة الرئاسة للخليفة

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

روى البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ قُلْنَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ.

 

جاء في كتاب فتح الباري لابن حجر:

 

قَوْلُهُ ( فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا ): أَيْ اِشْتَرَطَ عَلَيْنَا. قَوْله ( أَنْ بَايَعَنَا )، بِفَتْحِ الْعَيْن ( عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة ): أَيْ لَهُ

 

( فِي مَنْشَطِنَا ): بِفَتْحِ الْمِيم وَالْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون بَيْنَهُمَا ( وَمَكْرَهِنَا ) أَيْ فِي حَالَة نَشَاطنَا وَفِي الْحَالَة الَّتِي نَكُون فِيهَا عَاجِزِينَ عَنْ الْعَمَل بِمَا نُؤْمَر بِهِ. وَنَقَلَ اِبْن التِّين عَنْ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ الْمُرَاد الْأَشْيَاء الَّتِي يَكْرَهُونَهَا، قَالَ اِبْن التِّين: وَالظَّاهِر أَنَّهُ أَرَادَ فِي وَقْت الْكَسَل وَالْمَشَقَّة فِي الْخُرُوج لِيُطَابِقَ قَوْله مَنْشَطنَا. قُلْت: وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بْن عُبَيْد بْن رِفَاعَة عَنْ عُبَادَةَ عِنْدَ أَحْمَد " فِي النَّشَاط وَالْكَسَل ".

 

قَوْله ( وَعُسْرنَا وَيُسْرنَا ): فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيلَ بْن عُبَيْد " وَعَلَى النَّفَقَة فِي الْعُسْر وَالْيُسْرِ " وَزَادَ" وَعَلَى الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَرِ ".

 

قَوْله ( وَأَثَرَة عَلَيْنَا ): بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالْمُثَلَّثَة وَقَدْ تَقَدَّمَ مَوْضِعُ ضَبْطهَا فِي أَوَّلِ الْبَاب، وَالْمُرَاد أَنَّ طَوَاعِيَتهمْ لِمَنْ يَتَوَلَّى عَلَيْهِمْ لَا تَتَوَقَّف عَلَى إِيصَالهمْ حُقُوقهمْ بَلْ عَلَيْهِمْ الطَّاعَة وَلَوْ مَنَعَهُمْ حَقَّهُمْ.

 

قَوْله ( وَأَنْ لَا نُنَازِع الْأَمْر أَهْله ): أَيْ الْمُلْك وَالْإِمَارَة، زَادَ أَحْمَد مِنْ طَرِيق عُمَيْر بْن هَانِئ عَنْ جُنَادَةَ " وَإِنْ رَأَيْت أَنَّ لَك - أَيْ وَإِنْ اِعْتَقَدْت أَنَّ لَك - فِي الْأَمْر حَقًّا فَلَا تَعْمَل بِذَلِكَ الظَّنّ بَلْ اِسْمَعْ وَأَطِعْ إِلَى أَنْ يَصِل إِلَيْك بِغَيْرِ خُرُوج عَنْ الطَّاعَة، زَادَ فِي رِوَايَة حِبَّان أَبِي النَّضْر عَنْ جُنَادَةَ عِنْدَ اِبْن حِبَّانَ وَأَحْمَد " وَإِنْ أَكَلُوا مَالَك وَضَرَبُوا ظَهْرَك " وَزَادَ فِي رِوَايَة الْوَلِيد بْن عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ " وَأَنْ نَقُوم بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَاف فِي اللَّه لَوْمَة لَائِم " وَسَيَأْتِي فِي كِتَاب الْأَحْكَام.

 

قَوْله ( إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا )

 

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى قَوْله بَوَاحًا يُرِيد ظَاهِرًا بَادِيًا مِنْ قَوْلهمْ بَاحَ بِالشَّيْءِ يَبُوح بِهِ بَوْحًا وَبَوَاحًا إِذَا أَذَاعَهُ وَأَظْهَرَهُ " وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَنْ رَوَاهُ بِالرَّاءِ فَهُوَ قَرِيب مِنْ هَذَا الْمَعْنَى ، وَأَصْل الْبَرَاح الْأَرْض الْقَفْرَاء الَّتِي لَا أَنِيس فِيهَا وَلَا بِنَاء، وَقِيلَ الْبَرَاح الْبَيَان يُقَال بَرَحَ الْخَفَاء إِذَا ظَهَرَ.

 

قَوْله ( عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّه فِيهِ بُرْهَان )

 

أَيْ نَصّ آيَة أَوْ خَبَر صَحِيح لَا يَحْتَمِل التَّأْوِيل، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوز الْخُرُوج عَلَيْهِمْ مَا دَامَ فِعْلهمْ يَحْتَمِل التَّأْوِيل، قَالَ النَّوَوِيّ: الْمُرَاد بِالْكُفْرِ هُنَا الْمَعْصِيَة، وَمَعْنَى الْحَدِيث لَا تُنَازِعُوا وُلَاة الْأُمُور فِي وِلَايَتهمْ وَلَا تَعْتَرِضُوا عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ تَرَوْا مِنْهُمْ مُنْكَرًا مُحَقَّقًا تَعْلَمُونَهُ مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام؛ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَنْكِرُوا عَلَيْهِمْ وَقُولُوا بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنْتُمْ اِنْتَهَى. وَقَالَ غَيْره: الْمُرَاد بِالْإِثْمِ هُنَا الْمَعْصِيَة وَالْكُفْر، فَلَا يُعْتَرَض عَلَى السُّلْطَان إِلَّا إِذَا وَقَعَ فِي الْكُفْر الظَّاهِر، وَاَلَّذِي يَظْهَر حَمْل رِوَايَة الْكُفْر عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ الْمُنَازَعَة فِي الْوِلَايَة فَلَا يُنَازِعهُ بِمَا يَقْدَح فِي الْوِلَايَة إِلَّا إِذَا اِرْتَكَبَ الْكُفْر، وَحَمْل رِوَايَة الْمَعْصِيَة عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ الْمُنَازَعَة فِيمَا عَدَا الْوِلَايَة، فَإِذَا لَمْ يَقْدَح فِي الْوِلَايَة نَازَعَهُ فِي الْمَعْصِيَة بِأَنْ يُنْكِر عَلَيْهِ بِرِفْقٍ وَيَتَوَصَّل إِلَى تَثْبِيت الْحَقّ لَهُ بِغَيْرِ عُنْف، وَمَحَلّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ قَادِرًا وَاَللَّه أَعْلَم. وَنَقَلَ اِبْن التِّين عَنْ الدَّاوُدِيِّ قَالَ: الَّذِي عَلَيْهِ الْعُلَمَاء فِي أُمَرَاء الْجَوْر أَنَّهُ إِنْ قُدِرَ عَلَى خَلْعه بِغَيْرِ فِتْنَة وَلَا ظُلْم وَجَبَ، وَإِلَّا فَالْوَاجِب الصَّبْر. وَعَنْ بَعْضهمْ لَا يَجُوز عَقْد الْوِلَايَة لِفَاسِقٍ اِبْتِدَاء، فَإِنْ أَحْدَثَ جَوْرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ عَدْلًا فَاخْتَلَفُوا فِي جَوَاز الْخُرُوج عَلَيْهِ ، وَالصَّحِيح الْمَنْع إِلَّا أَنْ يُكَفَّر فَيُجِبْ الْخُرُوج عَلَيْهِ.

 

إن نص البيعة التي عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأنصار في العقبة الثانية ــ وهي البيعة على الحكم ــ كانت بيعة مطلقة غير مقيدة بمدة معينة، وكذلك كانت بيعة الخلفاء الراشدين، غير مقيدة بمدة معينة، بل كانت بيعة على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله، فما استقام الخليفة على الحكم بالإسلام، فيحافظ على الشرع وينفذ أحكامه، قادراً على القيام بشؤون الدولة ومسؤوليات الخلافة فإنه يبقى خليفة.

 

ولقد رأينا الرسول صلى الله عليه وسلم حاكماً لدولة الإسلام إلى أن ارتقى للرفيق الأعلى، وكذلك الخلفاء الراشدون من بعده تولى كل منهم الخلافة منذ بويع حتى توفاه الله تعالى، فكان إجماعاً من الصحابة رضوان الله عليهم على أنه ليس للخلافة مدة محددة بل هي مطلقة، فإذا بويع خليفة يظل خليفة حتى ينتقل لجوار ربه.

 

لكن إذا طرأ على الخليفة طارئ يجعله معزولاً أو يستوجب العزل، فإن مدته تنتهي، ويعزل، وهذا ليس تحديدا لمدة خلافته، بل هو نتيجة لحدوث اختلال في شروط انعقاد الخلافة، وهذا واضح في صيغة البيعة في حديثنا لهذه الليلة، فقد جعل إظهار الخليفة للكفر البواح، موجباً لعصيانه والخروج عليه، بمعنى عزله من منصب الخلافة بسبب عدم حفاظه على الشرع وعدم تنفيذه لأحكامه.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

19 من ذي القعدة 1434

الموافق 2013/09/25م

 

 

http://www.hizb-ut-tahrir.info/info/index.php/latest

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

عزل الخليفة

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

قالوا: أفلا نقاتلهم، قال: لا، ما صلوا

 

روى مسلم في صحيحه قال: حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ قَالُوا أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ قَالَ لَا مَا صَلَّوْا

 

جاء في كتاب شرح النووي على مسلم:

 

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( سَتَكُونُ أُمَرَاء فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ، قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلهُمْ؟ قَالَ: لَا. مَا صَلَّوْا )

هَذَا الْحَدِيث فِيهِ مُعْجِزَة ظَاهِرَة بِالْإِخْبَارِ بِالْمُسْتَقْبَلِ، وَوَقَعَ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ ) وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْدهَا: ( فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ ) فَأَمَّا رِوَايَة مَنْ رَوَى ( فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ ) فَظَاهِرَه، وَمَعْنَاهُ: مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْمُنْكَر فَقَدْ بَرِئَ مِنْ إِثْمه وَعُقُوبَته، وَهَذَا فِي حَقّ مَنْ لَا يَسْتَطِيع إِنْكَاره بِيَدِهِ لَا لِسَانه فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ، وَلْيَبْرَأْ.

 

وَأَمَّا مَنْ رَوَى ( فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ ) فَمَعْنَاهُ - وَاَللَّه أَعْلَم - فَمَنْ عَرَفَ الْمُنْكَر وَلَمْ يَشْتَبِه عَلَيْهِ؛ فَقَدْ صَارَتْ لَهُ طَرِيق إِلَى الْبَرَاءَة مِنْ إِثْمه وَعُقُوبَته بِأَنْ يُغَيِّرهُ بِيَدَيْهِ أَوْ بِلِسَانِهِ، فَإِنْ عَجَزَ فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ.

 

وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ) مَعْنَاهُ: لَكِنَّ الْإِثْم وَالْعُقُوبَة عَلَى مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ.

 

وَفِيهِ: دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ إِزَالَة الْمُنْكَر لَا يَأْثَم بِمُجَرَّدِ السُّكُوت. بَلْ إِنَّمَا يَأْثَم بِالرِّضَى بِهِ، أَوْ بِأَلَّا يَكْرَههُ بِقَلْبِهِ أَوْ بِالْمُتَابَعَةِ عَلَيْهِ .

 

وَأَمَّا قَوْله: ( أَفَلَا نُقَاتِلهُمْ؟ قَالَ: لَا، مَا صَلَّوْا ) فَفِيهِ مَعْنَى مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجُوز الْخُرُوج عَلَى الْخُلَفَاء بِمُجَرَّدِ الظُّلْم أَوْ الْفِسْق مَا لَمْ يُغَيِّرُوا شَيْئًا مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام.

في هذا الحديث الشريف يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الطاعة للخليفة واجبة في كل ظرف وحين، ما دام يطبق أحكام الشرع، فالصلاة في الحديث هي كناية عن الحكم بالإسلام.

 

وفيه أن الخليفة إذا لم يحكم بأحكام الشرع، بأن كفر أو فسق فسقاً ظاهراً، فلا طاعة له على المسلمين، بل لا يجوز له شرعاً الاستمرار في الخلافة، ويصبح مستحق العزل. لأنه قد فقد أحد شروط الانعقاد ... شرط الإسلام في حال كفره ... وشرط العدالة في حال ظهور فسقه.

 

فشروط الانعقاد السبعة هي شروط استمرارية يجب أن تبقى مع الخليفة ما دام في منصب الخلافة، فإذا فقد أحدها، أصبح مستحق العزل، وعليه فكل تغير يطرأ على حال الخليفة فيفقده أحد شروط الانعقاد يجعله مستحقاً للعزل .... أما صاحب الصلاحية في عزل الخليفة فهي محكمة المظالم.

 

ودليل ذلك هو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (59)... النساء

 

إن التنازع بين أولي الأمر والأمة يجب رده إلى الله ورسوله، كما تبين الآية، ورده إلى الله ورسوله يعني رده إلى القضاء، ولما كان التنازع مع أولي الأمر هو مظلمة تجب إزالتها فإن ردها إلى القضاء ليس مطلقاً بل محدداً بمحكمة المظالم.

 

لأن محكمة المظالم هي التي تحكم بإزالة المظالم، وقاضيها هو صاحب الصلاحية في إثبات المظلمة والحكم فيها، ولأن تغير حال الخليفة بما يفقده أحد شروط الانعقاد هو مظلمة يجب إزالتها، ولإزالتها يجب إثبات حدوثها أولاً، كانت محكمة المظالم هي صاحبة صلاحية إثبات تغير حال الخليفة واستحقاقه للعزل، وكانت هي صاحبة صلاحية عزله.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم.

 

في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

20 من ذي القعدة 1434

الموافق 2013/09/26م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

وزراء التفويض

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

روى الترمذي في سننه قال: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ حَدَّثَنَا تَلِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا لَهُ وَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَوَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ فَجِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ".

 

جاء في تحفة الأحوذي:

 

قَوْلُهُ: " مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَلَهُ وَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَوَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ " الْوَزِيرُ الْمُوَازِرُ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ الْوِزْرَ أَيْ الثِّقَلَ عَنْ أَمِيرِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا أَصَابَهُ أَمْرٌ شَاوَرَهُمَا كَمَا أَنَّ الْمَلِكَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ مُشْكِلٌ شَاوَرَ وَزِيرَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى { وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْوَزِيرُ هُوَ الَّذِي يُوَازِرُهُ فَيَحْمِلُ عَنْهُ مَا حَمَلَهُ مِنْ الْأَثْقَالِ وَاَلَّذِي يَلْتَجِئُ الْأَمِيرُ إِلَى رَأْيِهِ وَتَدْبِيرِهِ فَهُوَ مَلْجَأٌ لَهُ وَمُفْزِعٌ.

 

قَوْلُهُ: ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ )

 

وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَأَقَرَّهُ وَالْحَكِيمُ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ

 

كلمة الوزير في اللغة تعني المعين والمساعد، وقد استعمل القرآن الكريم كلمة وزير بهذا المعنى اللغوي، قال تعالى: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي} (29) ....طه ... أي معيناً ومساعداً.

 

وفي هذا الحديث فإن الكلمة جاءت بمعناها اللغوي أي وزير بمعنى معاون أو مساعد، كما جاءت مطلقة تشمل أي معونة، وأي مساعدة في أي أمر من الأمور ومنها معونة الخليفة في مسؤولية الخلافة وأعمالها... ومن الحديث أخذ حزب التحرير الأحكام الآتية

 

للخليفة أن يعين معاونين له ليعاونوه في تحمل أعباء الخلافة والقيام بمسؤولياتها

 

جواز تعدد المعاونين ... فللخليفة أن يعين معاوناً له أو أكثر حسب حاجته،

 

للخليفة أن يعين معاونين له في الحكم وفي غير الحكم ... إذ أن معاوني الرسول صلى الله عليه وسلم من السماء لم يكونا معاونين له في الحكم، بينما كان أبو بكر وعمر معاونين في الحكم. فدل على أن للخليفة أن يعين معاونين له في الحكم وغير الحكم....

 

أما المعاونون في الحكم فيطلق عليهم لقب: معاونوا التفويض:

 

معاونوا التفويض:

 

هم الوزراء الذين يعينهم الخليفة معه ليعاونوه في تحمل أعباء الخلافة والقيام بمسؤولياتها وبخاصة أنه كلما كبرت وتوسعت دولة الخلافة، ينوء الخليفة بحملها وحده ويحتاج إلى من يعاونه في حملها والقيام بمسؤولياتها.

 

لا يصح أن يطلق عليهم وزراء دون تقييد، حتى لا يلتبس مدلول الوزير في الإسلام مع مدلول الوزير في الأنظمة الوضعية الحالية التي على الأساس الديمقراطي العلماني أو غيره من الأنظمة الموجودة في عصرنا الحاضر.

 

يشترط في معاون التفويض ما يشترط في الخليفة، أي أن يكون: رجلاً مسلماً حراً بالغاً عاقلاً عدلاً قادراً من أهل الكفاية فيما أوكل إليه من أعمال... وذلك أن عمل المعاون من الحكم، وأنه يمثل الخليفة في الحكم فكان اشتراط أن تتوفر فيه الشروط التي يجب أن تتوفر في الخليفة.

 

يقلد الخليفة معاون التفويض النيابة عنه في كل أرجاء الدولة مع عموم النظر في كل الأعمال... ومع ذلك فله أن يكلفه بعمل معين... فقد عين رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الحج، وعين عمر على الصدقة.... مع كونهما وزيري تفويض على الإطلاق، فكان جواز التقييد... على أن يراعى ما يلي:

 

من حيث التقليد: يقلد المعاون عموم النظر والنيابة في كل أرجاء الدولة

 

من حيث العمل: يكلف المعاون بعمل في جزء من الدولة، أي أن الولايات تقسم بين المعاونين، فيكون للخليفة مثلاً معاون في الشرق وآخر في الغرب، وآخر في الشمال، وآخر في الجنوب وهكذا...

 

من حيث النقل: ينقل المعاون من مكان إلى آخر ومن عمل إلى آخر دون حاجة إلى تقليد جديد، بل بتقليده الأول ... لأن أصل التقليد يشمل كل عمل.

 

إن المعاون له صلاحيات الخليفة في كل ما يكلف فيه من أعمال، نيابة عن الخليفة... فله أن يحكم بنفسه وأن يقلد الحكام، و ينظر في المظالم ويستنيب فيها، وأن يتولى الجهاد بنفسه وأن يقلد من يتولاه، وأن يباشر تنفيذ الأمور التي دبرها وأن يستنيب في تنفيذها...

 

لا يخصص معاون التفويض بأي دائرة من الجهاز الإداري كدائرة المعارف مثلاً ... لأن الذين يباشرون الأمور الإدارية هم أجراء وليسوا حكاماً، وهو حاكم وليس أجيرا، فعمله رعاية الشؤون وليس القيام بالأعمال التي يستأجر الأجراء للقيام بها ... وهو ليس ممنوعا من القيام بأي عمل إداري، لكنه لا يختص بأعمال إدارية، فهو له عموم النظر.

 

على معاون التفويض: أن يرفع إلى الخليفة ما اعتزمه من تدبير، ثم مطالعة الخليفة لما أمضاه من تدبير وأنفذه من ولاية وتقليد... حتى لا يصير في صلاحياته كالخليفة، فعليه أن يرفع مطالعته وأن ينفذ هذه المطالعة ما لم يوقفه الخليفة عن تنفيذها فواقع المعاون أنه نائب عن الخليفة فيما كلف به من أعمال.

 

على الخليفة أن يتصفح أعمال معاون التفويض وتدبيره للأمور، ليقر منها الصواب ويستدرك الخطأ وذلك:

 

لأن تدبير شؤون الأمة موكول إلى الخليفة، ومحمول على اجتهاده هو، لقوله عليه الصلاة والسلام: "الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته ".

 

لأن معاون التفويض قد يخطئ، فلا بد أن يستدرك الخطأ، لذا كان لا بد للخليفة من أن يتصفح جميع أعمال المعاون... على النحو التالي:

 

إذا دبر معاون التفويض أمراً وأقره الخليفة فله أن ينفذه كما أقره الخليفة ليس بزيادة ولا نقصان

 

إذا عاد الخليفة وعارض المعاون في رد ما أمضاه فينظر:

 

إن كان في حكم نفذه على وجهه أو مال وضعه في حقه فرأي معاون التنفيذ هو النافذ، لأنه بالأصل رأي الخليفة، وليس للخليفة أن يستدرك ما نفذ من أحكام أو انفق من أموال.

 

إن كان ما أمضاه المعاون في غير ذلك مثل تقليد والٍ، أو تجهيز جيش، فللخليفة أن يعارضه، وفي هذه الحالة ينفذ رأي الخليفة لا رأي المعاون، لأن للخليفة أن يستدرك ذلك من فعل نفسه، فله أن يستدركه من فعل معاون التفويض.

 

تعيين معاوني التفويض وعزلهم:

 

يعين المعاون ويعزل بأمر من الخليفة

 

عند وفاة الخليفة تنتهي ولاية معاوني التفويض ولا يستمرون في عملهم إلا في فترة الأمير المؤقت

 

لا يحتاجون إلى عزل، لأن ولايتهم في حكم المنتهية بوفاة الخليفة الذي اتخذهم معاونين له

 

إذا أراد الخليفة الجديد أن يعينهم معاوني تفويض له فإنهم يحتاجون إلى تقليد جديد من الخليفة الجديد.

 

إن معاونوا التفويض هم الجهاز الثاني من أجهزة دولة الخلافة بعد الجهاز الأول والرئيس في الدولة وهو: الخليفة...

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

21 من ذي القعدة 1434

الموافق 2013/09/27م

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة المستمعون في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي

 

روى مسلم في صحيحه قال: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا".

قِيلَ لِسُفْيَانَ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَرْفَعُهُ قَالَ لَكِنِّي أَرْفَعُهُ.

 

 

جاء في شرح النووي على مسلم:

 

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْر وَأَرَادَ أَحَدكُمْ أَنْ يُضَحِّي فَلَا يَمَسّ مِنْ شَعْره وَبَشَره شَيْئًا )، وَفِي رِوَايَة: ( فَلَا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا وَلَا يُقَلِّمَنَّ ظُفْرًا ) وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ عَشْر ذِي الْحِجَّة وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَرَبِيعَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَدَاوُد وَبَعْض أَصْحَاب الشَّافِعِيّ: إِنَّهُ يَحْرُم عَلَيْهِ أَخْذ شَيْء مِنْ شَعْره وَأَظْفَاره حَتَّى يُضَحِّي فِي وَقْت الْأُضْحِيَّة، وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه: هُوَ مَكْرُوه كَرَاهَة تَنْزِيه وَلَيْسَ بِحَرَامٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا يُكْرَه، وَقَالَ مَالِك فِي رِوَايَة: لَا يُكْرَه، وَفِي رِوَايَة: يُكْرَه، وَفِي رِوَايَة: يَحْرُم فِي التَّطَوُّع دُون الْوَاجِب. وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث. وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيّ وَالْآخَرُونَ بِحَدِيثِ عَائِشَة - رَضِيَ اللَّه عَنْهَا - " قَالَتْ: كُنْت أَفْتِل قَلَائِد هَدْي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُقَلِّدهُ، وَيَبْعَث بِهِ وَلَا يَحْرُم عَلَيْهِ شَيْء أَحَلَّهُ اللَّه حَتَّى يَنْحَر هَدْيه" رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم. قَالَ الشَّافِعِيّ: الْبَعْث بِالْهَدْيِ أَكْثَر مِنْ إِرَادَة التَّضْحِيَة، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُم ذَلِكَ وَحَمَلَ أَحَادِيث النَّهْي عَلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه. قَالَ أَصْحَابنَا: وَالْمُرَاد بِالنَّهْيِ عَنْ أَخْذ الظُّفْر وَالشَّعْر النَّهْي عَنْ إِزَالَة الظُّفْر بِقَلَمٍ أَوْ كَسْر أَوْ غَيْره، وَالْمَنْع مِنْ إِزَالَة الشَّعْر بِحَلْقٍ أَوْ تَقْصِير أَوْ نَتْف أَوْ إِحْرَاق أَوْ أَخْذه بِنَوْرَةٍ أَوْ غَيْر ذَلِكَ، وَسَوَاء شَعْر الْإِبْط وَالشَّارِب وَالْعَانَة وَالرَّأْس، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ شُعُور بَدَنه، قَالَ إِبْرَاهِيم الْمَرْوَزِيُّ وَغَيْره مِنْ أَصْحَابنَا: حُكْم أَجْزَاء الْبَدَن كُلّهَا حُكْم الشَّعْر وَالظُّفْر، وَدَلِيله الرِّوَايَة السَّابِقَة: ( فَلَا يَمَسّ مِنْ شَعْره وَبَشَره شَيْئًا ) قَالَ أَصْحَابنَا: وَالْحِكْمَة فِي النَّهْي أَنْ يَبْقَى كَامِل الْأَجْزَاء لِيُعْتِق مِنْ النَّار، وَقِيلَ: التَّشَبُّه بِالْمُحْرِمِ، قَالَ أَصْحَابنَا: هَذَا غَلَط؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَزِل النِّسَاء وَلَا يَتْرُك الطِّيب وَاللِّبَاس وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَتْرُكهُ الْمُحْرِم.

مستمعينا الكرام:

 

هذا الحديث الشريف يعلمنا بعض ما يستحب للمضحي أن يفعله في نفسه إذا ما نوى تقديم الأضحية .......فمن نوى القيام بهذه الشعيرة المباركة فليتهيأ لها, وليعش في أجوائها ويستشعر ثوابها من اليوم الأول لدخول شهر التضحية والفداء ....شهر ذي الحجة ....فلا يحلق شعره ولا يقلم أظافره ....

إن ما هو مطلوب في هذا الحديث شيء ثقيل على النفس مناقض للفطرة ......لكنه في هذه الأجواء المباركة يكون محببا تتقبله النفس بل وتسعد به ...لم لا وهي تعلم أن هذا مما يستحب لها حتى يكون عملها كاملا متكاملا, تستحق عليه الثواب غير منقوص بل مضاعفاً بإذن الله. نعم إن الثواب متحصل بالذبح المجرد ما دام خالصاً لله تعالى... إلَّا أن أداءه في أجواء إيمانية, على الهيئة التي حثنا عليها رسولنا صلى الله عليه وسلم, ليس خوفاً من العقاب بل حباً في الله وحرصاً على تقديم طاعاتنا له بأحب صوره ترضيه ليضاعف حسناتنا ويرفع درجاتنا

 

ثم إن التحلل من هذه الممنوعات بعد ذبح الأضحية قربة خالصة لوجه الله ليشعر المضحي بالفرحة التي تعم الحجيج وهم يتحللون من إحرامهم وتكتمل لهم شعائر حجهم ....فما أسعدها من لحظات .....وما أجملها من أوقات, تستحق المشاركة فيها والعيش في أجوائها

مستمعينا الكرام

 

إن كل عبادة من العبادات تحتاج إلى أجواء إيمانية تبين عظمتها وجميل أثرها على نفس المؤمن, وأن شعيرة الأضحية وما يصاحبها من أعمال وما يرافقها من أجواء, لتذكر المؤمن بأن الحياة الحقة هي بالبذل والعطاء, وأن السعادة تأتي بعد الجهد والعناء, ولعلها تحثنا على مزيد من الجهد والبذل في سبيل إقامة دين الله, فالعبودية لله لا تتجزأ ....والطاعة لا تتنوع ....وإن الله ليحب أن يطاع بما افترضه علينا قبل أن نتقرب إليه بالنوافل .... وإن فريضة إقامة دولة الإسلام مقدمة على غيرها من الفرائض بل هي تاج الفروض .....وإن الأجواء الإيمانية التي ترافق أعمالنا لتجعلنا نعرف مقادير العبادات .....فنقدم الفريضة على النافلة, والنافلة على المباح ليس نفياً لأي منها بل وضعاً لكل في منزلته حتى تكون أعمالنا متقبلة ....وهنا تكون الفرحة الكبرى ...... هي رضوان من الله اكبر .....

 

مستمعينا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

27 من ذي القعدة 1434

الموافق 2013/10/03م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

ح2

 

إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي

 

روى مسلم في صحيحه قال: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا".

قِيلَ لِسُفْيَانَ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَرْفَعُهُ قَالَ لَكِنِّي أَرْفَعُهُ.

 

 

 

 

جاء في شرح النووي على مسلم:

 

 

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْر وَأَرَادَ أَحَدكُمْ أَنْ يُضَحِّي فَلَا يَمَسّ مِنْ شَعْره وَبَشَره شَيْئًا )، وَفِي رِوَايَة: ( فَلَا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا وَلَا يُقَلِّمَنَّ ظُفْرًا ) وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ عَشْر ذِي الْحِجَّة وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَرَبِيعَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَدَاوُد وَبَعْض أَصْحَاب الشَّافِعِيّ: إِنَّهُ يَحْرُم عَلَيْهِ أَخْذ شَيْء مِنْ شَعْره وَأَظْفَاره حَتَّى يُضَحِّي فِي وَقْت الْأُضْحِيَّة، وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه: هُوَ مَكْرُوه كَرَاهَة تَنْزِيه وَلَيْسَ بِحَرَامٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا يُكْرَه، وَقَالَ مَالِك فِي رِوَايَة: لَا يُكْرَه، وَفِي رِوَايَة: يُكْرَه، وَفِي رِوَايَة: يَحْرُم فِي التَّطَوُّع دُون الْوَاجِب. وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث. وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيّ وَالْآخَرُونَ بِحَدِيثِ عَائِشَة - رَضِيَ اللَّه عَنْهَا - " قَالَتْ: كُنْت أَفْتِل قَلَائِد هَدْي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُقَلِّدهُ، وَيَبْعَث بِهِ وَلَا يَحْرُم عَلَيْهِ شَيْء أَحَلَّهُ اللَّه حَتَّى يَنْحَر هَدْيه" رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم. قَالَ الشَّافِعِيّ: الْبَعْث بِالْهَدْيِ أَكْثَر مِنْ إِرَادَة التَّضْحِيَة، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُم ذَلِكَ وَحَمَلَ أَحَادِيث النَّهْي عَلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه. قَالَ أَصْحَابنَا: وَالْمُرَاد بِالنَّهْيِ عَنْ أَخْذ الظُّفْر وَالشَّعْر النَّهْي عَنْ إِزَالَة الظُّفْر بِقَلَمٍ أَوْ كَسْر أَوْ غَيْره، وَالْمَنْع مِنْ إِزَالَة الشَّعْر بِحَلْقٍ أَوْ تَقْصِير أَوْ نَتْف أَوْ إِحْرَاق أَوْ أَخْذه بِنَوْرَةٍ أَوْ غَيْر ذَلِكَ، وَسَوَاء شَعْر الْإِبْط وَالشَّارِب وَالْعَانَة وَالرَّأْس، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ شُعُور بَدَنه، قَالَ إِبْرَاهِيم الْمَرْوَزِيُّ وَغَيْره مِنْ أَصْحَابنَا: حُكْم أَجْزَاء الْبَدَن كُلّهَا حُكْم الشَّعْر وَالظُّفْر، وَدَلِيله الرِّوَايَة السَّابِقَة: ( فَلَا يَمَسّ مِنْ شَعْره وَبَشَره شَيْئًا ) قَالَ أَصْحَابنَا: وَالْحِكْمَة فِي النَّهْي أَنْ يَبْقَى كَامِل الْأَجْزَاء لِيُعْتِق مِنْ النَّار، وَقِيلَ: التَّشَبُّه بِالْمُحْرِمِ، قَالَ أَصْحَابنَا: هَذَا غَلَط؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَزِل النِّسَاء وَلَا يَتْرُك الطِّيب وَاللِّبَاس وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَتْرُكهُ الْمُحْرِم.

مستمعينا الكرام:

 

 

هذا الحديث الشريف يعلمنا بعض ما يستحب للمضحي أن يفعله في نفسه إذا ما نوى تقديم الأضحية .......فمن نوى القيام بهذه الشعيرة المباركة فليتهيأ لها, وليعش في أجوائها ويستشعر ثوابها من اليوم الأول لدخول شهر التضحية والفداء ....شهر ذي الحجة ....فلا يحلق شعره ولا يقلم أظافره ....

إن ما هو مطلوب في هذا الحديث شيء ثقيل على النفس مناقض للفطرة ......لكنه في هذه الأجواء المباركة يكون محببا تتقبله النفس بل وتسعد به ...لم لا وهي تعلم أن هذا مما يستحب لها حتى يكون عملها كاملا متكاملا, تستحق عليه الثواب غير منقوص بل مضاعفاً بإذن الله. نعم إن الثواب متحصل بالذبح المجرد ما دام خالصاً لله تعالى... إلَّا أن أداءه في أجواء إيمانية, على الهيئة التي حثنا عليها رسولنا صلى الله عليه وسلم, ليس خوفاً من العقاب بل حباً في الله وحرصاً على تقديم طاعاتنا له بأحب صوره ترضيه ليضاعف حسناتنا ويرفع درجاتنا

 

 

ثم إن التحلل من هذه الممنوعات بعد ذبح الأضحية قربة خالصة لوجه الله ليشعر المضحي بالفرحة التي تعم الحجيج وهم يتحللون من إحرامهم وتكتمل لهم شعائر حجهم ....فما أسعدها من لحظات .....وما أجملها من أوقات, تستحق المشاركة فيها والعيش في أجوائها

 

 

 

مستمعينا الكرام

 

 

إن كل عبادة من العبادات تحتاج إلى أجواء إيمانية تبين عظمتها وجميل أثرها على نفس المؤمن, وأن شعيرة الأضحية وما يصاحبها من أعمال وما يرافقها من أجواء, لتذكر المؤمن بأن الحياة الحقة هي بالبذل والعطاء, وأن السعادة تأتي بعد الجهد والعناء, ولعلها تحثنا على مزيد من الجهد والبذل في سبيل إقامة دين الله, فالعبودية لله لا تتجزأ ....والطاعة لا تتنوع ....وإن الله ليحب أن يطاع بما افترضه علينا قبل أن نتقرب إليه بالنوافل .... وإن فريضة إقامة دولة الإسلام مقدمة على غيرها من الفرائض بل هي تاج الفروض .....وإن الأجواء الإيمانية التي ترافق أعمالنا لتجعلنا نعرف مقادير العبادات .....فنقدم الفريضة على النافلة, والنافلة على المباح ليس نفياً لأي منها بل وضعاً لكل في منزلته حتى تكون أعمالنا متقبلة ....وهنا تكون الفرحة الكبرى ...... هي رضوان من الله اكبر .....

 

 

مستمعينا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

27 من ذي القعدة 1434

الموافق 2013/10/03م

 

 

http://www.hizb-ut-t...nts/entry_29621

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مع الحديث الشريف

 

 

ح3

 

 

كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين

 

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين

 

روى البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ

 

وقال: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ

 

وقال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ

 

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ

 

جاء في فتح الباري لابن حجر

 

قَوْله: ( كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ )

 

هَكَذَا فِي هَذِهِ الطَّرِيق، وَقَائِل ذَلِكَ هُوَ أَنَس، وَهَذِهِ الرِّوَايَة مُخْتَصَرَة وَرِوَايَة أَبِي قِلَابَةَ الْمَذْكُورَة عَقِبهَا مُبَيَّنَة، لَكِنْ فِي هَذِهِ زِيَادَة قَوْل أَنَس أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ لِلِاتِّبَاعِ، وَفِيهَا أَيْضًا إِشْعَار بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَتَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ الضَّأْن فِي الْأُضْحِيَّة أَفْضَل.

 

قَوْله فِي رِوَايَة أَبِي قِلَابَةَ ( إِلَى كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ )

 

الْأَمْلَح بِالْمُهْمَلَةِ هُوَ الَّذِي فِيهِ سَوَاد وَبَيَاض وَالْبَيَاض أَكْثَر، وَيُقَال هُوَ الْأَغْبَر وَهُوَ قَوْل الْأَصْمَعِيّ، وَزَادَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ الْأَبْيَض الَّذِي فِي خَلَل صُوفه طَبَقَات سُود، وَيُقَال الْأَبْيَض الْخَالِص قَالَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ، وَبِهِ تَمَسَّكَ الشَّافِعِيَّة فِي تَفْضِيل الْأَبْيَض فِي الْأُضْحِيَّة، وَقِيلَ الَّذِي يَعْلُوهُ حُمُرَة، وَقِيلَ الَّذِي يَنْظُر فِي سَوَاد وَيَمْشِي فِي سَوَاد وَيَأْكُل فِي سَوَاد وَيَبْرَك فِي سَوَاد، أَيْ أَنَّ مَوَاضِع هَذِهِ مِنْهُ سُود وَمَا عَدَا ذَلِكَ أَبْيَض وَاخْتُلِفَ فِي اِخْتِيَار هَذِهِ الصِّفَة: فَقِيلَ لِحُسْنِ مَنْظَره، وَقِيلَ لِشَحْمِهِ وَكَثْرَة لَحْمه، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اِخْتِيَار الْعَدَد فِي الْأُضْحِيَّة، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيَّة إِنَّ الْأُضْحِيَّة بِسَبْعِ شِيَاه أَفْضَل مِنْ الْبَعِير لِأَنَّ الدَّم الْمُرَاق فِيهَا أَكْثَر وَالثَّوَاب يَزِيد بِحَسْبِهِ، وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّي بِأَكْثَر مِنْ وَاحِد يُعَجِّلهُ وَحَكَى الرُّويَانِيّ مِنْ الشَّافِعِيَّة اِسْتِحْبَاب التَّفْرِيق عَلَى أَيَّام النَّحْر، قَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا أَرْفَق بِالْمَسَاكِينِ لَكِنَّهُ خِلَاف السُّنَّة، كَذَا قَالَ وَالْحَدِيث دَالّ عَلَى اِخْتِيَار التَّثْنِيَة، وَلَا يَلْزَم مِنْهُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّي بِعَدَدٍ فَضَحَّى أَوَّل يَوْم بِاثْنَيْنِ ثُمَّ فَرَّقَ الْبَقِيَّة عَلَى أَيَّام النَّحْر أَنْ يَكُون مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ وَفِيهِ أَنَّ الذَّكَر فِي الْأُضْحِيَّة أَفْضَل مِنْ الْأُنْثَى وَهُوَ قَوْل أَحْمَد، وَعَنْهُ رِوَايَة أَنَّ الْأُنْثَى أَوْلَى، وَحَكَى الرَّافِعِيّ فِيهِ قَوْلَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيّ أَحَدهمَا عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيّ الذَّكَر لِأَنَّ لَحْمه أَطْيَب وَهَذَا هُوَ الْأَصَحّ، وَالثَّانِي أَنَّ الْأُنْثَى أَوْلَى، قَالَ الرَّافِعِيّ وَإِنَّمَا يُذْكَر ذَلِكَ فِي جَزَاء الصَّيْد عِنْد التَّقْوِيم، وَالْأُنْثَى أَكْثَر قِيمَة فَلَا تُفْدَى بِالذَّكَرِ، أَوْ أَرَادَ الْأُنْثَى الَّتِي لَمْ تَلِد. وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ: الْأَصَحّ أَفْضَلِيَّة الذُّكُور عَلَى الْإِنَاث فِي الضَّحَايَا وَقِيلَ هُمَا سَوَاء، وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب التَّضْحِيَة بِالْأَقْرَنِ وَأَنَّهُ أَفْضَل مِنْ الْأَجَمّ مَعَ الِاتِّفَاق عَلَى جَوَاز التَّضْحِيَة بِالْأَجَمِّ وَهُوَ الَّذِي لَا قَرْن لَهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَكْسُور الْقَرْن. وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب مُبَاشَرَة الْمُضَحِّي الذَّبْح بِنَفْسِهِ وَاسْتُدِلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّة اِسْتِحْسَان الْأُضْحِيَّة صِفَة وَلَوْنًا، قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: إِنْ اِجْتَمَعَ حُسْن الْمَنْظَر مَعَ طِيب الْمَخْبَر فِي اللَّحْم فَهُوَ أَفْضَل، وَإِنْ اِنْفَرَدَا فَطِيب الْمَخْبَر أَوْلَى مِنْ حُسْن الْمَنْظَر.

لا زلنا مع الأضحية والمضحين ......نتتبع أحاديث المصطفى ونتعلم منه ونهتدي بهديه .. وحديث اليوم يبين لنا بعض ما يفضل في الأضحية ...من حيث نوعها وصفاتها .....وما يندب للمضحي أن يقوم به عند النحر ....فيندب له أن يسمي الله ويكبر ...وأن يذبح أضحيته بنفسه ....

 

إن مسألة ذبح المضحي لأضحيته بنفسه وإن كانت على الندب إلا أنها تصبح مسألة حيوية إذا كان السبب في دفع المضحي أضحيته لغيره ليذبحها نيابة عنه ....أنه لا يطيق رؤية كائن حي يذبح .....أو أنه لا يطيق رؤية دم يسفح .....فإنها تصبح المسألة طامة كبرى.

 

فهل يليق بأمة مجاهدة أن يكون فيها من لا يطيق الذبح أو لا يطيق رؤية الدم المسفوح حتى لو كان دم حيوان .......هذا ليس من شيم أمَّة محمد أمة التضحية والجهاد .... لكننا بتنا مؤخرا نرى ونسمع من أمثال هؤلاء, نراهم يهربون من رؤية الذبح ...أو نسمعهم يقولون لن أذبح أضحيتي بنفسي لأنني لا أطيق رؤية الدم ....أو لا أطيق رؤية عملية الذبح .....فيا حسرتاه على الرجال... ماذا تركتم للنساء

 

لقد أنفت نساء دولة الخلافة من عملكم هذا وتعالت عليه فشهدت نحر أضحياتها بل إن بعضهن ذبحتها بنفسها ....مهللة مكبرة تبتغي التقرب إلى الله ونيل رضوانه

إن توكيل المضحي من يذبح عنه جائز ....وذبحه لأضحيته بنفسه مندوب وليس فرضاً ...لكن العبرة هي في التأسي بالرسول والمسارعة لما ندبنا إليه أولاً

 

وثانيا وهو بيت القصيد .....استعدادنا لخوض غمار الحياة في كل الظروف ....وإراقة الدم أي دم ما دام في سبيل الله وقربة إلى الله ....سواء في ساحات الوغى أو في ذبح الأضحيات ...فمن لا يقدر على إراقة دم أضحية تقربا إلى الله فكيف سيقدر على قتل الأعداء غدا في ساحات الجهاد؟

 

لا تخدعنكم مقولة الأعداء إن الإسلام إرهابي محب لسفك الدماء ...فإنما نحن نسفكها تقرباً إلى الله وفي سبيل نشر دينه وإعلاء كلمته ....أما هم فيسفكونها في سبيل نزواتهم وتحقيق أطماعهم فأي الفريقين هو مصاص الدماء وناشر الإرهاب

 

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

28 من ذي القعدة 1434

الموافق 2013/10/04م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

لا تذبحوا إلا المسنة

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

لا تذبحوا إلا مسنة

 

روى مسلم في صحيحه قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ".

 

 

 

جاء في شرح النووي على مسلم:

 

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّة إِلَّا أَنْ يَعْسُر عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَة مِنْ الضَّأْن )

 

قَالَ الْعُلَمَاء: الْمُسِنَّة هِيَ الثَّنِيَّة مِنْ كُلّ شَيْء مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم فَمَا فَوْقهَا، وَهَذَا تَصْرِيح بِأَنَّهُ لَا يَجُوز الْجَذَع مِنْ غَيْر الضَّأْن فِي حَال مِنْ الْأَحْوَال، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاض، وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيّ وَغَيْره مِنْ أَصْحَابنَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يُجْزِي الْجَذَع مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْمَعْز وَالضَّأْن، وَحُكِيَ هَذَا عَنْ عَطَاء.

وَأَمَّا الْجَذَع مِنْ الضَّأْن فَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة يُجْزِي سَوَاء وَجَدَ غَيْره أَمْ لَا، وَحَكَوْا عَنْ اِبْن عُمَر وَالزُّهْرِيّ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا يُجْزِي، وَقَدْ يُحْتَجّ لَهُمَا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث. قَالَ الْجُمْهُور: هَذَا الْحَدِيث مَحْمُول عَلَى الِاسْتِحْبَاب وَالْأَفْضَل، وَتَقْدِيره يُسْتَحَبّ لَكُمْ أَلَّا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّة فَإِنْ عَجَزْتُمْ فَجَذَعَة ضَأْن، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيح بِمَنْعِ جَذَعَة الضَّأْن، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِي بِحَالٍ،.

 

وَالْجَذَع مِنْ الضَّأْن: مَا لَهُ سَنَة تَامَّة، هَذَا هُوَ الْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا، وَهُوَ الْأَشْهَر عِنْد أَهْل اللُّغَة وَغَيْرهمْ. وَقِيلَ: مَا لَهُ سِتَّة أَشْهُر، وَقِيلَ: سَبْعَة، وَقِيلَ: ثَمَانِيَة، وَقِيلَ: اِبْن عَشْرَة، حَكَاهُ الْقَاضِي، وَهُوَ غَرِيب، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنْ بَيْن شَابِّينَ فَسِتَّة أَشْهُر، وَإِنْ كَانَ مِنْ هَرِمَيْنِ فَثَمَانِيَة أَشْهُر، وَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور: أَنَّ أَفْضَل الْأَنْوَاع الْبَدَنَة، ثُمَّ الْبَقَرَة، ثُمَّ الضَّأْن، ثُمَّ الْمَعْز. وَقَالَ مَالِك: الْغَنَم أَفْضَل؛ لِأَنَّهَا أَطْيَب لَحْمًا. حُجَّة الْجُمْهُور أَنَّ الْبَدَنَة تُجْزِي عَنْ سَبْعَة، وَكَذَا الْبَقَرَة، وَأَمَّا الشَّاة فَلَا تُجْزِي إِلَّا عَنْ وَاحِد بِالِاتِّفَاقِ. فَدَلَّ عَلَى تَفْضِيل الْبَدَنَة وَالْبَقَرَة. وَاخْتَلَفَ أَصْحَاب مَالِك فِيمَا بَعْد الْغَنَم، فَقِيلَ: الْإِبِل أَفْضَل مِنْ الْبَقَرَة، وَقِيلَ: الْبَقَرَة أَفْضَل مِنْ الْإِبِل، وَهُوَ الْأَشْهَر عِنْدهمْ. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى اِسْتِحْبَاب سَمِينهَا وَطَيِّبهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي تَسْمِينِهَا، فَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور اِسْتِحْبَابه، وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ كُنَّا نُسَمِّن الْأُضْحِيَّة، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُون.

 

إن الأضحية سنة مندوبة وهي من أهم ميزات عيد الأضحى..... بل لقد سمي العيد باسمها. ولذا نجد القرآن الكريم قد حث عليها, يقول تعالى: { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (36) الحج

 

والرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من الحث عليها والحديث عنها وبيان شروطها الواجبة والمندوبة حتى تكون محققة ما شرعت لأجله....

 

وحديثنا لهذا اليوم يبين لنا أحد هذه الشروط .....وهو: أن تكون مسنة أي أن تكون مكتملة النمو والنضوج مع ما يفهم من ذلك من أن تكون مليئة باللحم وليست صغيرة ضئيلة الحجم قليلة اللحم ..... لتليق بأن تقدم قربة لرب الأرباب جل وعلا ....فهو طيب لا يقبل إلا الطيب من القربات.

 

ثم إن المسنة وهي مظنة أن تحوي الكثير من اللحم ستكفي لإطعام العيال والتصدق على المحتاج ...فهذا العيد عيد النحر وأكل اللحم ....ليس لمن يضحي خاصة بل لجميع المسلمين .....ولما كان النحر ليس متيسرا لكثير من المسلمين فقد جعل الشرع للفقير والمحتاج في الأضحية نصيب.... لكي ينال كل فرد من المسلمين حظاً من المتعة ودواعي الفرحة والسرور.

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

29 من ذي القعدة 1434

الموافق 2013/10/05م

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

ما يتقى من الضحايا

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

ما يتقى من الضحايا

روى مالك في موطئه قال: حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ مَاذَا يُتَّقَى مِنْ الضَّحَايَا فَأَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ: " أَرْبَعًا" وَكَانَ الْبَرَاءُ يُشِيرُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ يَدِي أَقْصَرُ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي.

 

 

ها هم الصحابة الكرام في هذا الحديث الشريف يسطرون لنا درساً قيما في كيفية إحسان العمل, والإحاطة بكل ما يجعله مقبولا عند الله.

 

إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ........فمن أراد أن يتقرب إلى الله , فليتقرب إليه بشيء يليق بجلاله وعظيم سلطانه ....هذا ما يعلمنا إياه حديثنا لهذا اليوم .

 

فأنت إذا ما أردت تقديم هدية لأحد في هذه الدنيا تراعي قرابته منك ودلالته عليك ومكانته في المجتمع, فتجعل الهدية تليق به حتى تلقى القبول منه..... فهذا الهدف من الإهداء في النهاية..... إنه التحبب والتقرب من المهدى إليه, ولا يتحقق الهدف إلَّا إن نالت الهدية قبول ورضى المهدى إليه. فما بالنا برب الأرباب ملك الملوك الكبير المتعال، ولقد وعى الصحابة هذه الحقيقة، كيف لا وقد درسوا في مدرسة النبوة، وتتلمذوا على يد خير معلم للبشرية, فعرفوا أن العمل حتى يكون مقبولا يجب أن يسير وفق ما يحب الله تعالى ويرضى, فسارعوا لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الصفات التي تجعل الضحية تفقد قيمتها ولا تلقى القبول من رب العالمين حتى يتجنبوها, فهم حريصون على قبول هداياهم ونيل ثواب قرباتهم, وجاء الجواب مفصلاً وواضحاً من سيد المعلمين ورأس المدرسين المبعوث رحمة للعالمين, صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

فإلى أحفاد الصحابة، وأتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم, الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، لنلتزم بالدرس الذي تعلمه أجدادنا والذي مفاده لا تعمل عملاً قبل معرفة حكمه وشروطه وكيفية القيام به, فإن جهلت فاسأل فإنما دواء العي السؤال.

 

فمن نوى التضحية فليختر من الأضاحي ما يليق بأن يقدم بملك الملوك, ورب الأرباب, الكبير المتعال. ومع أن هذا ما يحتمه العقل السليم، إلا أن الشرع أكد عليه وجعله حكما شرعيا واجبا، يتوقف على الالتزام به قبول الأعمال والقربات, فالله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا, فاحذر من اختيار الأضحية الناقصة فأنت تقدمها لمن تنزه عن كل نقص, وترفع عن كل عيب وضعف.

 

ودرسنا لهذا اليوم مستمعينا الكرام, عام شامل لا يقتصر على تعليمنا التحري والتدقيق في اختيار الأضحية, بل يعلمنا التحري والتدقيق في كل ما نتلقاه وكل ما يصدر عنا فكل عمل وكل قول وكل حركة في حياتنا لها حكم شرعي ونحن مسؤولون عنه أمام الله تعالى، فلنحرص على تعلم تلك الأحكام. فإذا ما رأينا أن تعلمها لا يكفي لإحسان تطبيقها، فلنعمل على إيجاد الأجواء المُعِينة على التطبيق، الأجواء الإسلامية, التي لا يوفرها إلا الحكم بالإسلام في جميع نواحي الحياة وليس فقط في العبادات, فدولة الإسلام هي الضامنة لتطبيق أحاكم الإسلام كافة وتمكين المسلمين من عبادة الله كما يحب ويرضى

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

01 من ذي الحجة 1434

الموافق 2013/10/06م

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

إذا قتلتم فأحسنوا القتلة

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

إن الله كتب الإحسان على كل شيء

روى مسلم في صحيحه قال: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: خَصْلَتَانِ سَمِعْتُهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا قَالَ غَيْرُ مُسْلِمٍ يَقُولُ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ.

 

 

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّه كَتَبَ الْإِحْسَان عَلَى كُلّ شَيْء فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَة، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْح، وَلْيُحِدَّ أَحَدكُمْ شَفْرَته وَلْيُرِحْ ذَبِيحَته )

 

 

أَمَّا ( الْقِتْلَة ) فَبِكَسْرِ الْقَاف، وَهِيَ الْهَيْئَة وَالْحَالَة، وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

( فَأَحْسِنُوا الذَّبْح ) فَوَقَعَ فِي كَثِير مِنْ النُّسَخ أَوْ أَكْثَرهَا ( فَأَحْسِنُوا الذَّبْح ) بِفَتْحِ الذَّال بِغَيْرِ هَاء، وَفِي بَعْضهَا ( الذِّبْحَة ) بِكَسْرِ الذَّال وَبِالْهَاءِ كَالْقِتْلَةِ، وَهِيَ الْهَيْئَة وَالْحَالَة أَيْضًا.

 

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَلْيُحِدَّ ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاء يُقَال: أَحَدّ السِّكِّين وَحَدَّدَهَا وَاسْتَحَدَّهَا بِمَعْنًى، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَته، بِإِحْدَادِ السِّكِّين وَتَعْجِيل إِمْرَارهَا وَغَيْر ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبّ أَلَّا يُحِدّ السِّكِّين بِحَضْرَةِ الذَّبِيحَة، وَأَلَّا يَذْبَح وَاحِدَة بِحَضْرَةِ أُخْرَى، وَلَا يَجُرّهَا إِلَى مَذْبَحهَا.

 

وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَة ) عَامّ فِي كُلّ قَتِيل مِنْ الذَّبَائِح، وَالْقَتْل قِصَاصًا، وَفِي حَدّ وَنَحْو ذَلِكَ. وَهَذَا الْحَدِيث مِنْ الْأَحَادِيث الْجَامِعَة لِقَوَاعِد الْإِسْلَام. وَاللَّهُ أَعْلَم.

 

في هذا الحديث يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم كيف نتعامل مع الأضحية حين ذبحها, فإن يبح الله تعالى ذبحها لا يعني أنه أباح تعذيبها أو إرهابها وإنما شاء سبحانه أن يكون الذبح بأسرع الوسائل وأقلها إيلاما وأبعدها عن التعذيب، إن عملية الذبح شيء مهول وليس أمرا مسلياً, والتعامل معه يجب أن يكون بهذا المفهوم، بعيدا عن القسوة والهمجية, والحكم الشرعي في كيفية تنفيذ عملية الذبح، أوضحه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف، فاستعمال السكين الحاد والسرعة في تنفيذ الذبح وعدم إطلاع الذبيحة على شحذ السكين وعدم ذبح أضحية أمام أختها، كلها لتدل على حرص الإسلام على إحسان القيام بالأعمال. وإن الإحسان هو أن يقام بالعمل وفق حكمه الشرعي, وأن يستشعر المسلم مراقبة الله له أثناء قيامه بأفعاله لأن هذا الشعور يبقيه ملتزما بأحكام الله متقياً مخالفته.

 

والإحسان مطلوب من المسلم في كل الأمور أي مطلوب منه أن يستشعر مراقبة الله له في كل أحواله في صلاته وصيامه في نومه وقيامه, في حله وترحاله في عمله واستراحته في تعامله مع أسرته وعائلته وقرابتهن فمن كان محسنا في أعماله حمى نفسه من الزلات ونال أعلى الدرجات بإذن رب السموات.

 

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أنك أنت السميع المجيب

 

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

02 من ذي الحجة 1434

الموافق 2013/10/07م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

مع الحديث الشريف

 

 

 

ما عمل آدمي من عمل يوم النحر

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ

 

روى الترمذي في سننه قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُسْلِمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ الْحَذَّاءُ الْمَدَنِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ الصَّائِغُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنْ الْأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا".

 

جاء في تحفة الأحوذي

 

قَوْلُهُ: ( مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِن مَاجَهْ اِبْنُ آدَمَ ( مِنْ عَمَلٍ ): مِنْ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ الِاسْتِغْرَاقِ أَيْ عَمَلًا

 

( أَحَبَّ ): بِالنَّصْبِ صِفَةُ عَمِلَ وَقِيلَ بِالرَّفْعِ وَتَقْدِيرُهُ هُوَ أَحَبُّ قَالَهُ الْقَارِي

 

( مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ ): أَيْ صَبَّهُ. ( وَأَنَّهُ ): الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ إِهْرَاقُ الدَّمِ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ: ( بِقُرُونِهَا ): جَمْعُ قَرْنٍ. ( وَأَشْعَارُهَا ): جَمْعُ شَعْرٍ

 

( وَأَظْلَافُهَا ): جَمْعُ ظِلْفٍ، وَضَمِيرُ التَّأْنِيثِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمِهْرَاقَ دَمَهُ أُضْحِيَّةٌ، قَالَ الْقَارِي قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: يَعْنِي أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ يَوْمَ الْعِيدِ إِرَاقَةُ دَمِ الْقُرُبَاتِ. وَأَنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ نُقْصَانِ شَيْءٍ مِنْهُ لِيَكُونَ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ أَجْرٌ، وَيَصِيرُ مَرْكَبُهُ عَلَى الصِّرَاطِ اِنْتَهَى.

 

( وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعَ مِنْ اللَّهِ ): أَيْ مِنْ رِضَاهُ. ( بِمَكَانٍ ): أَيْ مَوْضِعِ قَبُولٍ.

 

( قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنْ الْأَرْضِ ) وَفِي رِوَايَةِ اِبْنِ مَاجَهْ: قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ بِحَذْفِ مِنْ أَيْ يَقْبَلُهُ تَعَالَى عِنْدَ قَصْدِ الذَّبْحِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ دَمُهُ عَلَى الْأَرْضِ

 

( فَطِيبُوا بِهَا ): أَيْ بِالْأُضْحِيَّةِ. ( نَفْسًا ): تَمْيِيزٌ عَنْ النِّسْبَةِ. قَالَ اِبْنُ الْمَلَكِ: الْفَاءُ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ: أَيْ إِذَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ تَعَالَى يَقْبَلُهُ وَيَجْزِيكُمْ بِهَا ثَوَابًا كَثِيرًا فَلْتَكُنْ أَنْفُسُكُمْ بِالتَّضْحِيَةِ طَيِّبَةً غَيْرَ كَارِهَةٍ لَهَا.

 

الأضحية هي من مناسك الحج الواجبة للقارن والمتمتع فمن نوى الحج متمتعاً أو قارناً وجب عليه التضحية, وهي نسك مندوب للمقيم يتقرب بها إلى الله تعالى, فيطعم منها أهله ويتصدق منها على الفقراء والمحتاجين, في يوم بل أيام جعلها الله عيداً للمسلمين, وشرع لهم التمتع فيها بالطيبات. يوم النحر وأيام التشريق، فليس النحر مقصورا على يوم العيد بل إن أيام التشريق أيضاً أيام نحر وأكل وشرب وذكر.

 

فسبحانك اللهم ما أكرمك وما أرحمك، تكلفنا بالتكاليف الثقال وتعدنا لقاءها بجزيل الثواب ثم تعطينا الجوائز المعجلة لتجعل أداءها ميسورا بل مرغوبا محببا. كيف لا وأنت الخالق المدبر العالم بمن خلق، تعلم أن الحوافز تغري الإنسان للمسارعة بالعمل.

 

فتشرع الحوافز المعجلة تمهيدا للمؤجلة.

 

إن العيد جائزة ثمينة معجلة لمن أدى فريضة الحج، لكن رحمة الله الواسعة لم تقصر العيد على الحجيج بل جعلته عاما لجميع المسلمين. وحتى يشعر المسلمون بطعم العيد, ندبهم إلى القيام بأعمال فيها من المشقة ما يشوقهم للعيد، للفرح والمرح والسرور. فكان الندب لخص الأيام العشر بالطاعات والقربات من صيام وقيام ودعوات ثم الحث على ذبح الأضاحي في يوم العيد، ليفرح الغني والفقير ويشعر المسلمون جميعاً بأن العيد حقا يوم جائزة, يكافئون فيه على بذلهم وجهدهم، فيتشاطرون الفرح والسرور, والحمد والشكور.

احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

03 من ذي الحجة 1434

الموافق 2013/10/08م

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع الحديث الشريف

 

 

من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه

 

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ

 

ضَحَّى خَالِي أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً مِنْ الْمَعْزِ فَقَالَ: ضَحِّ بِهَا وَلَا تَصْلُحُ لِغَيْرِكَ ثُمَّ قَالَ مَنْ ضَحَّى قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ

 

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ الْإِيَامِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَقَدْ ذَبَحَ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً فَقَالَ اذْبَحْهَا وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ".

 

قَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ".

 

جاء في فتح الباري لابن حجر:

 

قَوْله فِي حَدِيث الْبَرَاء" إِنَّ أَوَّل مَا نَبْدَأ بِهِ يَوْمنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّي ثُمَّ نَرْجِع فَنَنْحَر"

 

وَقَعَ فِي بَعْض الرِّوَايَات" فِي يَوْمنَا هَذَا نُصَلِّي" بِحَذْفِ" أَنْ" وَعَلَيْهَا شَرْح الْكَرْمَانِيّ فَقَالَ: هُوَ مِثْل" تَسْمَع بِالْمُعَيْدِيّ خَيْر مِنْ أَنْ تَرَاهُ" وَهُوَ عَلَى تَنْزِيل الْفِعْل مَنْزِلَة الْمَصْدَر، وَالْمُرَاد بِالسُّنَّةِ هُنَا فِي الْحَدِيثَيْنِ مَعًا الطَّرِيقَة لَا السُّنَّة بِالِاصْطِلَاحِ الَّتِي تُقَابِل الْوُجُوب، وَالطَّرِيقَة أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُون لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلنَّدْبِ، فَإِذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيل عَلَى الْوُجُوب بَقِيَ النَّدْب وَهُوَ وَجْه إِيرَادهَا فِي هَذِهِ التَّرْجَمَة. وَقَدْ اِسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بِوُقُوعِ الْأَمْر فِيهِمَا بِالْإِعَادَةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُود بَيَان شَرْط الْأُضْحِيَّة الْمَشْرُوعَة، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِمَنْ صَلَّى رَاتِبَة الضُّحَى مَثَلًا قَبْل طُلُوع الشَّمْس : إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس فَأَعِدْ صَلَاتك، وَقَوْله فِي حَدِيث الْبَرَاء" وَلَيْسَ مِنْ النُّسُك فِي شَيْء" النُّسُك يُطْلَق وَيُرَاد بِهِ الذَّبِيحَة وَيُسْتَعْمَل فِي نَوْع خَاصّ مِنْ الدِّمَاء الْمُرَاقَة، وَيُسْتَعْمَل بِمَعْنَى الْعِبَادَة وَهُوَ أَعَمُّ يُقَال فُلَان نَاسِك أَيْ عَابِد، وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي حَدِيث الْبَرَاء بِالْمَعْنَى الثَّالِث وَبِالْمَعْنَى الْأَوَّل أَيْضًا فِي قَوْله فِي الطَّرِيق الْأُخْرَى" مَنْ نَسَكَ قَبْل الصَّلَاة فَلَا نُسُك لَهُ" أَيْ مَنْ ذَبَحَ قَبْل الصَّلَاة فَلَا ذَبْحَ لَهُ أَيْ لَا يَقَع عَنْ الْأُضْحِيَّة،

 

أحبتنا الكرام:

 

يبدأ وقت ذبح الأضحية بعد صلاة العيد وكما ورد في الحديث الذي بين أيدينا فمن ذبح بعد الصلاة، كتبت له أضحية ونال ثوابها بإذن الله، فقد تأسى بالنبي واهتدى بهديه. أما من تعجل وذبح قبل الصلاة فما ضحى ولا نال أجر الأضحية وإنما هي ذبيحة كسائر الذبائح التي تذبح في باقي أيام السنة.

 

نعم إخوتي وأخواتي، فليست العبرة بالذبح أو التضحية بل العبرة بالتزام أحكام الله وهدي نبيه عليه أفصل الصلاة والتسليم. يقول تعالى: ((لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ))

 

إن العبرة الثمينة التي تتبادر للأذهان إخوتي الكرام من هذا الحديث الشريف: أن يحرص المسلم على إحسان التأسي بالرسول الكريم, والتيقن من فهم أحكام دينه الحنيف قبل أن يشرع بتنفيذ أي عمل يريد القيام به, فليس كل عمل متقبل ولا كل عبادة مجزئة، إذ لا بد من معرفة العمل المطلوب وحكمه وكيفية أدائه قبل الشروع به حتى يكون موافقاً للشرع مقبولا عند الله يستحق فاعله الأجر والثواب المترتب عليه.

 

فإلى من يريدون تحكيم شرع الله، ولا يعرفون الطريق الشرعي لإقامة حكم الله. لا تجازفوا بالعمل بأي طريقة دون تأن وتفكير ولا تتوسلوا بأي وسيلة كانت، دون بحث وتمحيص؛ لأن الثواب لا يحصله إلا من بحث عن الطريقة الشرعية وسار عليها متأسياً برسولنا العظيم، فعمل في صفوف حزب سياسي لإعادة الخلافة الإسلامية، الدولة التي بناها رسولنا الكريم وهدمها الكفار الملاعين فأولئك هم من أصابوا سنة الرسول واستحقوا الثواب الجزيل على ما قدموا من أعمال. أما من تهاون في تحري الطريقة، أو تسرع في فهمها، فزاغ عن الطريق السوي أو تاه في زحمتها فما يناله إلا التعب وضياع العمر، وندم حيث لا ينفع الندم.

 

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

04 من ذي الحجة 1434

الموافق 2013/10/09م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل

×
×
  • اضف...