اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

ام سارة

الأعضاء
  • Posts

    57
  • تاريخ الانضمام

  • تاريخ اخر زياره

ام سارة's Achievements

  1. معنى قوله تعالى (إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ) في قوله تعالى(قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) الاستثناء من مجموع النفع والضر ، والأولى جعله متصلا ، أي إلا ما شاء الله أن يملكنيه بأن يعلمنيه ويقدرني عليه ، فإن لم يشأ ذلك لم يطلعني على مواقعه ، وخلق الموانع من أسباب تحصيل النفع ، ومن أسباب اتقاء الضر ، وحمله على الاتصال يناسب ثبوت قدرة للعبد بجعل الله - تعالى - وهي المسماة بالكسب ، فإذا أراد الله أن يوجه نفس الرسول - عليه الصلاة والسلام - إلى معرفة شيء مغيب أطلعه عليه لمصلحة الأمة أو لإكرام الأمة له كقوله - تعالى - إذ يريكهم الله في منامك إلى قوله ليقضي الله أمرا كان مفعولا وقوله ولو كنت أعلم الغيب إلخ تكملة للتبرؤ من معرفة الغيب ، سواء منه ما كان يخص نفسه وما كان من شئون غيره . فحصل من مجموع الجملتين أنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، في عالم الشهادة وفي عالم الغيب ، وأنه لا يعلم شيئا من الغيب ، مما فيه نفعه وضره وما عداه . ____________ التحرير والتنوير
  2. تفسير قوله تعالى (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ۚ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) في قوله تعالى (وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَٰذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا ۖ وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ ۚ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ۚ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) وجملة سيجزيهم وصفهم مستأنفة استئنافا بيانيا ، كما قلت في جملة سيجزيهم بما كانوا يفترون آنفا . والوصف : ذكر حالات الشيء الموصوف وما يتميز به لمن يريد تمييزه في غرض ما ، وتقدم في قوله : سبحانه وتعالى عما يصفون في هذه السورة . والوصف هنا : هو ما وصفوا به الأجنة من حل وحرمة لفريق دون فريق ، فذلك وصف في بيان الحرام والحلال منه كقوله تعالى : ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام . وجزاؤهم عنه هو جزاء سوء بقرينة المقام ؛ لأنه سمى مزاعمهم السابقة افتراء على الله . وجعل الجزاء متعديا للوصف بنفسه على تقدير مضاف ؛ أي : سيجزيهم جزاء وصفهم ، ضمن ( يجزيهم ) معنى يعطيهم ؛ أي : جزاء وفاقا له . وجملة إنه حكيم عليم تعليل لكون الجزاء موافقا لجرم وصفهم . وتؤذن ( إن ) بالربط والتعليل ، وتغني غناء الفاء ، فالحكيم يضع الأشياء مواضعها ، والعليم يطلع على أفعال المجزيين ، فلا يضيع منها ما يستحق الجزاء . _________ التحرير والتنوير
  3. تقسير قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) في قوله تعالى (( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ( 105 ) رُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) وَتَضَعُونَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَلَا تَدْرُونَ مَا هِيَ ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا مُنْكَرًا فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِعِقَابِهِ " . وَفِي رِوَايَةٍ " لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيَسْتَعْمِلَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ فَلَيَسُومُنَّكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ، ثُمَّ لَيَدْعُوَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خِيَارَكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ [ لَكُمْ ] " . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : خَافَ الصِّدِّيقُ أَنْ يَتَأَوَّلَ النَّاسُ الْآيَةَ عَلَى غَيْرِ مُتَأَوَّلِهَا فَيَدْعُوهُمْ إِلَى تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ [ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ] فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَأَنَّ الَّذِي أُذِنَ فِي الْإِمْسَاكِ عَنْ تَغْيِيرِهِ مِنَ الْمُنْكَرِ ، هُوَ الشِّرْكُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ الْمُعَاهَدُونَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ بِهِ ، وَقَدْ صُولِحُوا عَلَيْهِ ، فَأَمَّا الْفُسُوقُ وَالْعِصْيَانُ وَالرَّيْبُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ . وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : الْآيَةُ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، يَعْنِي : عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَخُذُوا مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ وَاتْرُكُوهُمْ . وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ مَا قُبِلَ مِنْكُمْ فَإِنْ رُدَّ عَلَيْكُمْ فَعَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ مِنْهُ آيٌ قَدْ مَضَى تَأْوِيلُهُنَّ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلْنَ ، وَمِنْهُ آيٌ قَدْ وَقَعَ تَأْوِيلُهُنَّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمِنْهُ آيٌ يَقَعُ تَأْوِيلُهُنَّ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ بِيَسِيرٍ ، وَمِنْهُ آيٌ يَقَعُ تَأْوِيلُهُنَّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ، وَمِنْهُ آيٌ يَقَعُ تَأْوِيلُهُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، مَا ذُكِرَ مِنَ الْحِسَابِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَمَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ وَأَهْوَاؤُكُمْ وَاحِدَةً وَلَمْ تَلْبَسُوا شِيَعًا وَلَمْ يَذُقْ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ، فَأْمُرُوا وَانْهَوْا ، وَإِذَا اخْتَلَفَتِ الْقُلُوبُ وَالْأَهْوَاءُ وَأُلْبِسْتُمْ شِيَعًا ، وَذَاقَ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ، فَامْرُؤٌ وَنَفْسُهُ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْزِيُّ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ جَارِيَةَ اللَّخْمِيُّ أَنَا أَبُو أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيُّ قَالَ : أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ : يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ كَيْفَ تَصْنَعُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ؟ قَالَ : أَيَّةُ آيَةٍ؟ قُلْتُ : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ( عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) فَقَالَ : أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا خَبِيرًا ، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً ، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ ، وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا بُدَّ لَكَ مِنْهُ فَعَلَيْكَ نَفْسَكَ وَدَعْ أَمْرَ الْعَوَامِ ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ ، فَمَنْ صَبَرَ فِيهِنَّ قَبَضَ عَلَى الْجَمْرِ ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ " قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : وَزَادَنِي غَيْرُهُ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ قَالَ : " أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ " . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ : دَخَلَ عَلَى صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ شَابٌّ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَذَكَرَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ ، فَقَالَ صَفْوَانُ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَاصَّةِ اللَّهِ الَّتِي خَصَّ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ) الضَّالُّ وَالْمُهْتَدِي ، ( فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( 105 ) ____________ تفسير البغوي
  4. تفسير قوله تعالى (فقد جاءوا ظلمًا وزورًا) في قوله تعالى (وقالَ الذينَ كفروا إنْ هذا إلا إفكٌ افتراهُ وأعانَهُ عليهِ قومٌ آخرونَ فقد جاءوا ظلمًا وزورًا) وفرع على حكاية قولهم هذا ظهور أنهم ارتكبوا بقولهم ظلما وزورا ؛ لأنهم حين قالوا ذلك ظهر أن قولهم زور وظلم ؛ لأنه اختلاق واعتداء . و ( جاءوا ) مستعمل في معنى ( عملوا ) وهو مجاز في العناية بالعمل والقصد إليه ؛ لأن من اهتم بتحصيل شيء مشى إليه ، وبهذا الاستعمال صح تعديته إلى مفعول كما في هذه الآية . والظلم : الاعتداء بغير حق بقول أو فعل ، قال تعالى : ( قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ) وتقدم في قوله : ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله ) في سورة البقرة . والظلم الذي أتوه هو نسبتهم الرسول إلى الاختلاق ، فإنه اعتداء على حقه الذي هو الصدق . والزور : الكذب ، وأحسن ما قيل في الزور : إنه الكذب المحسن المموه بحيث يشتبه بالصدق . وكون قولهم ذلك كذبا ظاهر لمخالفته الواقع فالقرآن ليس فيه شيء من الإفك ، والذين زعموهم معينين عليه لا يستطيع واحد منهم أن يأتي بكلام عربي بالغ غاية البلاغة ومرتق إلى حد الإعجاز ، وإذا كان لبعضهم معرفة ببعض أخبار الرسل فما هي إلا معرفة ضئيلة غير محققة كشأن معرفة العامة والدهماء . التحرير والتنوير
  5. تفسير قوله تعالى(كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ) في قوله تعالى (كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) (8) و " كيف " هذه مؤكدة لـ " كيف " التي في الآية قبلها ، فهي معترضة بين الجملتين . وجملة وإن يظهروا عليكم إلخ يجوز أن تكون جملة حالية ، والواو للحال ويجوز أن تكون معطوفة على جملة كيف يكون للمشركين عهد إخبارا عن دخائلهم . وفي إعادة الاستفهام إشعار بأن جملة الحال لها مزيد تعلق بتوجه الإنكار على دوام العهد للمشركين ، حتى كأنها مستقلة بالإنكار . لا مجرد قيد للأمر الذي توجه إليه الإنكار ابتداء ، فيؤول المعنى الحاصل من هذا النظم إلى إنكار دوام العهد مع المشركين في ذاته ابتداء ; لأنهم ليسوا أهلا لذلك ، وإلى إنكار دوامه بالخصوص في هذه الحالة . وهي حالة ما يبطنونه من نية الغدر إن ظهروا على المسلمين ، مما قامت عليه القرائن والأمارات ، كما فعلت هوازن عقب فتح مكة . فجملة وإن يظهروا عليكم معطوفة على جملة كيف يكون للمشركين عهد وضمير يظهروا عائد إلى المشركين في قوله : كيف يكون للمشركين عهد عند الله ومعنى إن يظهروا إن ينتصروا . وتقدم بيان هذا الفعل آنفا عند قوله تعالى : ولم يظاهروا عليكم أحدا . والمعنى : لو انتصر المشركون ، بعد ضعفهم ، وبعد أن جربوا من العهد أنه كان سببا في قوتكم ، لنقضوا العهد . وضمير " عليكم " خطاب للمؤمنين . ومعنى لا يرقبوا لا يوفوا ولا يراعوا ، يقال : رقب الشيء : إذا نظر إليه نظر تعهد ومراعاة ، ومنه سمي الرقيب ، وسمي المرقب ، مكان الحراسة ، وقد أطلق هنا على المراعاة والوفاء بالعهد ; لأن من أبطل العمل بشيء فكأنه لم يره وصرف نظره عنه . والإل : الحلف والعهد ; ويطلق الإل على النسب والقرابة . وقد كانت بين المشركين وبين المسلمين أنساب وقرابات ، فيصح أن يراد هنا كلا معنييه . والذمة ما يمت به من الأواصر من صحبة وخلة وجوار مما يجب في المروءة أن يحفظ ويحمى . يقال : في ذمتي كذا ، أي ألتزم به وأحفظه . _____________ التحرير والتنوير
  6. قوله تعالى (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ) قيل : أريد به الأخنس بن شريق الثقفي واسمه أبي وكان مولى لبني زهرة من قريش وهم أخوال النبيء صلى الله عليه وسلم ، وكان يظهر المودة للنبيء صلى الله عليه وسلم . ولم ينضم إلى المشركين في واقعة بدر بل خنس أي تأخر عن الخروج معهم إلى بدر وكان له ثلاثمائة من بني زهرة أحلافه فصدهم على الانضمام إلى المشركين فقيل : إنه كان يظهر الإسلام وهو منافق ، وقال ابن عطية : لم يثبت أنه أسلم قط ، ولكن كان يظهر الود للرسول فلما انقضت وقعة بدر قيل : إنه حرق زرعا للمسلمين وقتل حميرا لهم فنزلت فيه هاته الآية ونزلت فيه أيضا ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم ونزلت فيه ويل لكل همزة لمزة ، وقيل بل كانت بينه وبين قومه ثقيف عداوة فبيتهم ليلا فأحرق زرعهم وقتل مواشيهم فنزلت فيه الآية وعلى هذا فتقريعه لأنه غدرهم وأفسد. التحرير والتنوير
  7. تفسير قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار) . أعيد خطاب المؤمنين وأعيد نداؤهم وهو نداء ثالث في هذه السورة . والذي قبله نداء للواعظين . وهذا نداء للموعوظين وهذا الأسلوب من أساليب الإعراض المهتم بها . أمر المؤمنون بالتوبة من الذنوب إذا تلبسوا بها لأن ذلك من إصلاح أنفسهم بعد أن أمروا بأن يجنبوا أنفسهم وأهليهم ما يزج بهم في عذاب النار ، لأن اتقاء النار يتحقق باجتناب ما يرمي بهم فيها ، وقد يذهلون عما فرط من سيئاتهم فهدوا إلى سبيل التوبة التي يمحون بها ما فرط من سيئاتهم . وهذا ناظر إلى ما ذكر من موعظة امرأتي النبيء - صلى الله عليه وسلم - بقوله ( إن تتوبا إلى الله ) . والتوبة : العزم على عدم العود إلى العصيان مع الندم على ما فرط منه فيما مضى . وتقدمت عند قوله تعالى ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ) في [ ص: 368 ] سورة البقرة . وفي مواضع أخرى وخاصة عند قوله تعالى ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ) في سورة النساء . وتعديتها بحرف ( إلى ) لأنها في معنى الرجوع لأن تاب أخو ثاب . والنصوح : ذو النصح . والنصح : الإخلاص في العمل . والقول ، أي الصدق في إرادة النفع بذلك . ووصف التوبة بالنصوح مجاز جعلت التوبة التي لا تردد فيها ولا تخالطها نية العودة إلى العمل المتوب منه بمنزلة الناصح لغيره ففي نصوح استعارة وليس من المجاز العقلي إذ ليس المراد نصوحا صاحبها . وإنما لم تلحق وصف ( نصوح ) هاء التأنيث المناسبة لتأنيث الموصوف به لأن فعولا بمعنى فاعل يلازم الإفراد والتذكير . وقرأ الجمهور ( نصوحا ) بفتح النون على معنى الوصف كما علمت . وقرأه أبو بكر عن عاصم بضم النون على أنه مصدر نصح مثل : القعود من قعد . وزعم الأخفش أن الضم غير معروف والقراءة حجة عليه . ومن شروط التوبة تدارك ما يمكن تداركه مما وقع التفريط فيه مثل المظالم للقادر على ردها . روي عن علي رضي الله عنه يجمع التوبة ستة أشياء : الندامة على الماضي من الذنوب ، وإعادة الفرائض . ورد المظالم ، واستحلال الخصوم ، وأن تذيب نفسك في طاعة الله كما ربيتها في المعصية ، وأن تذيقها مرارة الطاعات كما أذقتها حلاوة المعاصي . وتقوم مقام رد المظالم استحلال المظلوم حتى يعفو عنه . ومن تمام التوبة تمكين التائب من نفسه أن ينفذ عليها الحدود كالقود والضرب . قال إمام الحرمين : هذا التمكين واجب خارج عن حقيقة التوبة لأن التائب إذا ندم ونوى أن لا يعود صحت توبته عند الله وكان منعه من تمكين نفسه معصية متجددة تستدعي توبة . وهو كلام وجيه إذ التمكين من تنفيذ ذلك يشق على النفوس مشقة عظيمة فلها عذر في الإحجام عن التمكين منه . [ ص: 369 ] وتصح التوبة من ذنب دون ذنب خلافا لأبي هاشم الجبائي المعتزلي ، وذلك فيما عدا التوبة من الكفر . وأما التوبة من الكفر بالإيمان فصحيحة في غفران إثم الكفر ولو بقي متلبسا ببعض الكبائر بإجماع علماء الإسلام . والذنوب التي تجب منها التوبة هي الكبائر ابتداء ، وكذلك الصغائر وتمييز الكبائر من الصغائر مسألة أخرى محلها أصول الدين وأصول الفقه والفقه . إلا أن الله تفضل على المسلمين فغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر ، أخذ ذلك من قوله تعالى ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) وقد مضى القول فيه في تفسير سورة النجم . ولو عاد التائب إلى بعض الذنوب أو جميعها ما عدا الكفر اختلف فيه علماء الأمة فالذي ذهب إليه أهل السنة أن التوبة تنتقض بالعودة إلى بعض الذنوب في خصوص الذنب المعود إليه ولا تنتقض فيما سواه . وأن العود معصية تجب التوبة منها . وقال المعتزلة ، تنتقض بالعودة إلى بعض الذنوب فتعود إليه ذنوبه ووافقهم الباقلاني . وليس في أدلة الكتاب والسنة ما يشهد لأحد الفريقين . ___________ التحرير والتنوير
  8. تفسير قوله تعالى ( إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) وفي ذكر إمساك السماوات عن الزوال بعد الإطناب في محاجة المشركين وتفظيع غرورهم تعريض بأن ما يدعون إليه من الفظاعة من شأنه أن يزلزل الأرضين ويسقط السماء كسفا لولا أن الله أراد بقاءهما لحكمة ، كما في قوله تعالى لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ، وهذه دلالة من مستتبعات التراكيب باعتبار مثار مقامات التكلم بها ، وهو أيضا تعريض بالتهديد . ولذلك أتبع بالتذييل بوصف الله تعالى بالحلم والمغفرة بما يشمله صفة الحليم من حلمه على المؤمنين أن لا يزعجهم بفجائع عظيمة ، وعلى المشركين بتأخير مؤاخذتهم فإن التأخير من أثر الحلم ، وما تقتضيه صفة الغفور من أن في الإمهال إعذارا للظالمين لعلهم يرجعون كما قال النبيء - صلى الله عليه وسلم - لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده لما رأى ملك الجبال فقال له : إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين . وفعل ( كان ) المخبر به عن ضمير الجلالة مفيد لتقرر الاتصاف بالصفتين الحسنيين . __________ التحرير والتنوير
  9. تفسير قوله تعالى (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا) انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا لما كان العطاء المبذول للفريقين هو عطاء الدنيا ، وكان الناس مفضلين فيه على وجه يدركون حكمته ; لفت الله لذلك نظر نبيه عليه الصلاة والسلام لفت اعتبار وتدبر ، ثم ذكره بأن عطاء الآخرة أعظم عطاء ، وقد فضل الله به المؤمنين . والأمر بالنظر موجه إلى النبيء صلى الله عليه وسلم ترفيعا في درجات علمه ، ويحصل به توجيه العبرة إلى غيره . والنظر حقيقته توجه آلة الحس البصري إلى المبصر ، وقد شاع في كلام العرب استعماله في النظر المصحوب بالتدبر ، وتكرير مشاهدة أشياء في غرض ما ، فيقوم مقام الظن ، ويستعمل استعماله بهذا الاعتبار ، ولذلك شاع إطلاق النظر في علم الكلام على الفكر المؤدي إلى علم أو ظن ، وهو هنا كذلك ، وقد تقدم نظيره في قوله تعالى انظر كيف يفترون على الله الكذب في سورة النساء . و ( كيف ) اسم استفهام مستعمل في التنبيه ، وهو معلق فعل انظر عن العمل في المفعولين ، والمراد : التفضيل في عطاء الدنيا ; لأنه الذي يدركه التأمل ، والنظر وبقرينة مقابلته بقوله وللآخرة أكبر درجات . والمقصود من هذا التنظير التنبيه إلى أن عطاء الدنيا غير منوط بصلاح الأعمال ، ألا ترى إلى ما فيه من تفاضل بين أهل العمل المتحد ، وقد يفضل المسلم فيه الكافر ، ويفضل الكافر المسلم ، ويفضل بعض المسلمين بعضا ، وبعض الكفرة بعضا ، وكفاك بذلك هاديا إلى أن مناط عطاء الدنيا أسباب ليست من وادي العمل الصالح ، ولا مما يساق إلى النفوس الخيرة . ونصب درجات ، وتفضيلا على التمييز لنسبة أكبر في الموضعين ، والمفضل عليه هو عطاء الدنيا . والدرجات مستعارة لعظمة الشرف ، والتفضيل : إعطاء الفضل ، وهو الجدة والنعمة ، وفي الحديث : ويتصدقون بفضول أموالهم ، والمعنى : النعمة في الآخرة أعظم من نعم الدنيا . ____________ التحرير والتنوير
  10. قول الله تعالى (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) في قوله تعالى (لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ۗ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ۖ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) وأطلق الإتيان على القبول والمتابعة على طريق المجاز أو الاستعارة لأن الإتيان لشيء يقتضي الرغبة فيه ويجوز أن يراد بالإتيان هنا حضور النبي صلى الله عليه و سلم لسماع دعوته فجعلوه إتيانا لأن غالب حضور المجالس أن يكون بإتيان إليها وجعلوا كلامه سحرا فنهوا من ناجوهم عن الاستماع إليه . وهذا كقوله تعالى : ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) في سورة فصلت وقوله ( وأنتم تبصرون ) في موضع الحال أي تأتون السحر وبصركم سليم وأرادوا به العلم البديهي فعبروا عنه بالبصر لأن المبصرات لا يحتاج إدراكها إلى تفكير ( قل ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم [ 4 ] ) ________ التحرير والتنوير
  11. تفسير قوله تعالى (الْبَيْتَ الْحَرَامَ ) في قوله (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) وَالْحَرَامُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ حَرُمَ إِذَا مُنِعَ ، وَمَصْدَرُهُ الْحَرَامُ ، كَالصَّلَاحِ مِنْ صَلُحَ ، فَوَصْفُ شَيْءٍ بِحَرَامٍ مُبَالَغَةٌ فِي كَوْنِهِ مَمْنُوعًا . وَمَعْنَى وَصْفِ الْبَيْتِ بِالْحَرَامِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ فَهُوَ مُحْتَرَمٌ عَظِيمُ الْمَهَابَةِ . وَذَلِكَ يَسْتَتْبِعُ تَحْجِيرَ وُقُوعِ الْمَظَالِمِ وَالْفَوَاحِشِ فِيهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقَالُ رَجُلٌ حَرَامٌ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى : غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، وَأَنَّهُ يُقَالُ : شَهْرٌ حَرَامٌ ، عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ فِيهَا أَيْضًا ، فَيُحْمَلُ هَذَا الْوَصْفُ عَلَى مَا يُنَاسِبُهُ بِحَسَبِ الْمَوْصُوفِ الَّذِي يَجْرِي عَلَيْهِ ، وَهُوَ فِي كُلِّ مَوْصُوفٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّا يُتَجَنَّبُ جَانِبُهُ ، فَيَكُونُ تَجَنُّبُهُ لِلتَّعْظِيمِ أَوْ مَهَابَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، فَيَكُونُ [ ص: 56 ] وَصْفَ مَدْحٍ ، وَيَكُونُ تَجَنُّبُهُ لِلتَّنَزُّهِ عَنْهُ فَيَكُونُ وَصْفَ ذَمٍّ ، كَمَا تَقُولُ : الْخَمْرُ حَرَامٌ . التحرير والتنوير
  12. تفسير قوله تعالى (يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) في قوله تعالى (وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) . ومن قوم موسى عطف على قوله : واتخذ قوم موسى من بعده من حُليهم عِجلاً الأعراف : 148 الآية ، فهذا تخصيص لظاهر العموم الذي في قوله : واتخذ قوم موسى الأعراف : 148 قصد به الاحتراس لئلا يتوهم أن ذلك قد عمله قوم موسى كلُّهُم ، وللتنبيه على دفع هذا التوهم ، قُدّم ومن قوم موسى على متعلقه . وقوم موسى هم أتباع دينه من قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فمن بقي متمسكاً بدين موسى ، بعد بلوغ دعوة الإسلام إليه ، فليس من قوم موسى ، ولكن يقال هو من بني إسرائيل أو من اليهود ، لأن الإضافة في قوم موسى تؤذن بأنهم متبعو دينه الذي من جملة أصوله ترقب مجيء الرسول الأمي صلى الله عليه وسلم و أمة : جماعة كثيرة متفقة في عمل يجمعها ، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى : أمة واحدة في سورة البقرة 213 ، والمراد أن منهم في كل زمان قبل الإسلام . و يَهدون بالحق أي يهدون الناس من بني إسرائيل أو من غيرهم ببث فضائل الدين الإلهي ، وهو الذي سماه الله بالحق ويعدلون أي يحكمون حكماً لا جَور فيه . وتقديم المجرور في قوله : وبه يعدلون للاهتمام به ولرعاية الفاصلة ، إذ لا مقتضي لإرادة القصر ، بقرينة قوله : يهدون بالحق حيث لم يقدم المجرور ، والمعنى : إنهم يحكمون بالعدل على بصيرة وعِلم ، وليس بمجرد مصادفة الحق عن جهل ، فإن القاضي الجاهل إذا قضى بغير علم كان أحدَ القاضيين اللذين في النار ، ولو صادف الحق ، لأنه بجهله قد استخف بحقوق الناس ولا تنفعه مصادفة الحق ؛ لأن تلك المصادفة لا عمل له فيها ______________ التحرير والتنوير
  13. تفسير قوله تعالى (لاَ يُنَازِعُنَّكَ فِى الاَْمْرِ ) في قوله تعالى (لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِى الاَْمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ). وفرّع على هذا الاستدلال أنهم لم تبق لهم حجة ينازعون بها النبي * صلى الله عليه وسلم * في شأن التوحيد بعد شهادة الملل السابقة كلها ، فالنهي ظاهره موجّه إلى النبي * صلى الله عليه وسلم * لأن ما أعطيه من الحجج كافٍ في قطع منازعة معارضيه ، فالمعارضون هم المقصود بالنهي ، ولكن لما كان سبب نهيهم هو ما عند الرسول * صلى الله عليه وسلم * من الحجج وُجه إليه النهي عن منازعتهم إياه كأنه قيل : فلا تترك لهم ما ينازعونك به ، وهو من باب قول العرب : لا أعْرِفَنّك تفعل كذا ، أي لا تَفْعل فأعرِفك ، فجعل المتكلم النهي موجهاً إلى نفسه ، والمراد نهي السامع عن أسبابه ، وهو نهي للغير بطريق الكناية . وقال الزجاج : هو نهي للرسول عن منازعتهم لأن صيغة المفاعلة تقتضي حصول الفعل من جانبي فاعله ومفعوله ، فيصحّ نهي كل من الجانبين عنه . وإنما أسند الفعل هنا لضمير المشركين مبالغة في نهي النبي * صلى الله عليه وسلم * عن منازعته إياهم التي تفضي إلى منازعتهم إياه فيكون النهي عن منازعته إياهم كإثبات الشيء بدليله . وحاصل معنى هذا الوجه أنه أمر للرسول بالإعراض عن مجادلتهم بعدما سيق لهم من الحجج . واسم * الأمر * هنا مجمل مراد به التوحيدُ بالقرينة ، ويحتمل أن المشركين كانوا ينازعون في كونهم على ضلال بأنهم على ملّة إبراهيم وأن النبي * صلى الله عليه وسلم * قرر الحَجّ الذي هو من مناسكهم ، فجعلوا ذلك ذريعة إلى ادعاء أنهم على الحق وملّة إبراهيم ، فكان قوله تعالى : * لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه * كشفاً لشبهتهم بأن الحج منسك حقّ ، وهو رمز التوحيد ، وأن ما عداه باطل طارىء عليه فلا ينازعُنّ في أمر الحجّ بعد هذا . وهذا المحمل هو المناسب لتناسق الضمائر العائدة على المشركين مما تقدم إلى قوله * وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير * * الحج : 72 * ، ولأن هذه السورة نزل بعضها بمكة في آخر مُقام النبي * صلى الله عليه وسلم * بها وبالمدينة في أول مُقامه بها فلا منازعة بين النبي وبين أهل الكتاب يومئذ ، فيبعد تفسيرُ المنازعة بمنازعة أهل الكتاب . __________ التحرير والتنوير
  14. معنى قوله تعالى (وَفَارَ التَّنُّورُ ) في قوله تعالى (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ) والفوران : غليان القدر ، ويطلق على نبع الماء بشدة ، تشبيهاً بفوران ماء في القدر إذا غلي ، وحملوه على ما جاء في آيات أخرى من قصة نوح عليه السّلام مثل قوله : وفجّرنا الأرض عيوناً القمر : 12 . ولذلك لم يتضح لهم إسناده إلى التنور ، فإن التنور هو الموقد الذي ينضج فيه الخبز ، فكثرت الأقوال في تفسير التنور ، بلغت نسبة أقوال منها ما لا ينبغي قبوله . ومنها ما له وجه وهو متفاوت . فمن المفسرين من أبقى التنور على حقيقته ، فجعل الفوران خروج الماء من أحد التنانير وأنه علامة جعلها الله لنوح عليه السّلام إذ أفار الماء من تنوره علم أن ذلك مبدأ الطوفان فركِب الفلكَ وأركبَ من معه . ومنهم من حمل التنور على المَجاز المفرد ففسره بسطح الأرض ، أي فار الماء من جميع الأرض حتى صار بسطح الأرض كفوهة التنور . ومنهم من فسره بأعلى الأرض . ومنهم من حمل فار و التنور على الحقيقة ، وأخرج الكلام مَخرج التمثيل لاشتداد الحال ، كما يقال : حمي الوطيس . وقع حكاية ذلك في تفسير ابن عطية في هذه الآية وفي الكشاف في تفسير سورة المؤمنون : وأنشد الطبرسي قول الشاعر . وهو النابغة الجعدي : تفورُ علينا قِدرهم فنديمها ونفثأها عنّا إذا قِدرها غلى يريد بالقدر الحرب ، ونفثأها ، أي نسكنها ، يقال : فثأ القِدر إذا سكن غليانها بصب الماء فيها . وهذا أحسن ما حكي عن المفسرين . والذي يظهر لي أن قوله : وفارَ التنور مثَل لبلوغ الشيء إلى أقصَى ما يتحمل مثله ، كما يقال : بلغ السيل الزُبى ، وامتلأ الصاع ، وفاضت الكأس وتفاقم . والتنور : محفل الوادي ، أي ضفته ، فيكون مثل طَما الوادي من قبيل بلغ السيل الزُبى . والمعنى : بأن نفاذ أمرنا فيهم وبلغوا من طول مدة الكفر مبلغاً لا يغتفر لهم بعدُ كما قال تعالى : فلما آسفونا انتقمنا منهم الزخرف : 55 . والتنور : اسم لمَوقد النار للخبز . وزعمه . الليث مما اتفقت فيه اللغات ، أي كالصابون والسمور . ونسب الخفاجي في شفاء الغليل هذا إلى ابن عباس . وقال أبو منصور : كلام الليث يدل على أنه في الأصل أعجمي . والدليل على ذلك أنه فعّول من تنر ولا نعرف تنر في كلام العرب لأنه مهمل ، وقال غيره : ليس في كلام العرب نون قبل رَاء فإن نرجس معرب أيضاً . وقد عدّ في الألفاظ المعربة الواقعة في القرآن . ونظمها ابن السبكي في شرحه على مختصر ابن الحاجب الأصلي ونسب ذلك إلى ابن دريد . قال أبو علي الفارسي : وزنه فَعّول . وعن ثعلب أنه عربي ، قال : وزنه تَفعول من النور أي فالتاء زايدة وأصله تنوور بواوين ، فقلبت الواو الأولى همزة لانضمامها ثم حذفت الهمزة تخفيفاً ثم شددت النون عوضاً عما حذف أي مثل قوله : تقَضّى البَازي بمعنى تقضّض . التحرير والتنوير
×
×
  • اضف...