اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

أبو مالك

المشرفين
  • Posts

    272
  • تاريخ الانضمام

  • تاريخ اخر زياره

  • Days Won

    16

كل منشورات العضو أبو مالك

  1. نظرة إجمالية إلى موضوعات سورة البقرة: هدف السورة: رسم معالم المنهج القويم لاستخلاف الإنسان في الأرض كما أسلفنا، نزلت سورة البقرة في المدينة، وبدأ نزولها مع بدء تأسيس المجتمع الإسلامي فيها، فكان تأسيس صورة المنهج الصحيح الذي يقوم عليه هذا المجتمع، هدف السورة الكبير، فهي تذكر قصة خلق آدم، مبرزة مهمته الأساس، وهي أن يكون خليفة في الأرض، فكان تساؤل الملائكة عن طبيعته، أمفسد في الأرض؟ يسفك الدماء، فبين لهم رب العالمين أنه يعلم ما لا يعلمون، فكان هذا الإنسان، الذي إن نسي وأخطأ وعصى وحاد عن منهج الله تعالى، تاب وثاب إلى الحق، فاستحق بهذا أن يكون خليفة في الأرض، يسير على منهج معين لعمارتها، من هنا كان تعليم الله تعالى لآدم الأسماء كلها. في أول آياتها، في الربع الأول منها، تجلو صورة أصناف ثلاثة من الناس، المؤمنين، والكفار، والمنافقين، وتضم إليهم فيما بعد صنفا رابعا يتمثل في أهل الكتاب وخصوصا بني اسرائيل منهم، وفيها يتحدى رب العزة سبحانه البشر والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، ثم في الربع الثاني منها يبين لنا قصة أول معصية عُصيَ بها ربُّ العالمين سبحانه، حين خلق آدمَ عليه السلام، وامتنع إبليسُ عليه لعنة الله من السجود امتثالا لأمر رب العزة سبحانه، فطرده، تحدثنا عن بشاعة المعصية، وعن أهمية التوبة، وتربط ذلك في خاتمة هذه القصة بالهداية مرة أخرى، (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) آية 38 وهي تؤكد ما ورد في أول سورة البقرة (هدى للمتقين) ومن ثم تحدثنا هذه السورة من الربع الثالث فيها إلى السابع عن قصة بني اسرائيل مع موسى عليه سلام الله، لتحلل لنا بدقة متناهية معالم شخصية هذا الصنف من البشر، في ظل مسألة الاستخلاف في الأرض، ولقصتهم معالم رئيسة أبرزتها السورة في محطاتها الطويلة، تدور في فلك حيدتهم عن المنهج القويم دائما، لذا لم يكونوا حقيقين بالقيام بواجب الاستخلاف قياما يرضي الله تبارك وتعالى، فوعظنا بحالهم ليكون بنيان المجتمع الجديد في المدينة، قائما على غير هذا النموذج المغرق في التفلت من أوامر الله، المسرع في معصيته، المعاند للخضوع والاستسلام لله ورسله. ومن محطات هذا القسم نجد التذكير بآلاء الله تعالى ونعمه، مع الجحود والمعصية، وهو عين السبب الذي جعل إبليس يُطرد من السماء، والمعصية أنزلت آدم عليه السلام وزوجه من الجنة فكان التعب والنصب والشقاء مكان الدعة ورغد العيش في الجنة، ربطًا في هذين الموضعين بين شكر النعم بأداء حق الله تعالى فيها، وما يحصل جراء المعصية أو كفر النعمة، كما في حال بني اسرائيل. ومن ثم تنتقل لتمهد لموضوع قِبلةِ المسلمين في الصلاة، الوِجهة التي يتوجه إليها المسلمون حيث حلوا وارتحلوا، في صلاتهم وعبادتهم، فتمهد لمسألة تحويل القبلة بقصة بناء ذلك البيت المقدَّس، في مكة المكرمة، لتحدثنا عن نبي الله إبراهيم عليه سلام الله، وابنه اسماعيل عليه سلام الله تعالى، وتبرز لنا هذا النموذج الذي برزت مسألة طاعة الله والاستسلام لأمره فيه بأعظم صورها، إذ عرض على إبراهيم عليه سلام الله أن يترك زوجه ورضيعها في واد غير ذي زرع، حيث لا بشر ولا ماء، وصورة تلك الزوجة الواعية المؤمنة بأن الله لا يضيع من اتكل عليه حق الاتكال والتزم أمره حق الالتزام، فالتزما هذا الأمر على عظمه ومشقته وصعوبته، فكان هذا البيتُ المباركُ حقيقا بأن ينال شرف بناء هذا البيت المقدس، الكعبة، فكانت بركة حسن القيام بالإيمان بالله والاستسلام والخضوع لأوامره طريقا لنوال هذا الشرف الأبدي، ولتمثل صورة لأفضل ما يكون عليه استخلاف الناس في الأرض، وإقامة منهج الله في تلك النفوس العالية الشامخة، لتكون مثالا يحتذى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فكانت مسألة الاستخلاف في الأرض وفق منهج الله الحق تمثل أساس قصة آدم عليه سلام الله، (إني جاعل في الارض خليفة) وقصة بني اسرائيل (واني فضلتكم على العالمين) وقصة سيدنا ابراهيم الخليل وولده اسماعيل عليهما سلام الله، (إني جاعلك للناس اماما) وهي تشكل الجزء الأول من السورة، وتمهد للجزء الثاني الذي فيه مسألة تحويل قبلة المسلمين من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، هذا الأساس يضع صورة مثالية لتطبيق المنهج، تمثل صورة ابراهيم عليه سلام الله، وصورة شابتها معصية، لحقتها توبة، تمثل قصة آدم عليه سلام الله، وقصة بني اسرائيل بكل ما فيها من فظائع ارتكبوها، لتضع هذه الصور أمام المجتمع الوليد في المدينة المنورة لترسم لهم الخط المستقيم كي يتبينوه. وفي القصص الثلاث ايضاً اختبار نماذج مختلفة من الناس في طاعة الله تعالى فاختبار سيدنا آدم عليه سلام الله كان في طاعة الله (منع من الأكل من الشجرة) واختبار بني اسرائيل في طاعتهم لأوامر الله من خلال رسوله واختبار سيدنا ابراهيم عليه سلام الله، بذبح ابنه اسماعيل ايضا اختبار طاعة لله تعالى (واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات)، حتى يتصور الإنسان أن هذه الحياة التي هو مستخلف فيها هي دار اختبار، يفلح فيها من أطاع الله واهتدى، وإن حصلت منه معصية فعليه التوبة والإنابة، رسمت له صورة اشق ابتلاء يمكن أن يبتلى به المرء، وهو الامتثال لاختبار ذبح الولد باليد، فاستحق من خضع له أن يُفتدى بذبح عظيم، وينال شرف الإمامة في الناس، وسلم الله له ولده وجعله نبيا، وأحد أبسط الاختبارات، أن لا يأكل من شجرة واحدة، وعنده ما لا يحصى غيرها من الأشجار والثمار، فكانت تلك المعصية على صغرها، عظيمة في جنب من عصاه، فاستحق بها النزول من الجنة إلى الأرض. في الجزء الثاني من السورة كما أسلفنا ابتدأ بمسألة تحويل القبلة، لتتميز هذه الأمة عن الأمم السابقة بقبلتها، وبمنهجها القائم على هدى صراط الله المستقيم، وحتى بمصطلحاتها، (لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) وفي الربع الثاني من هذا الجزء يضع مقومات للنفس الإنسانية، تستعين بالصبر والصلاة، تصبر على الابتلاءات، ترتبط بالله تعالى في سرائها وضرائها، ثم أنها مسئولة عن إظهار ما أنزل الله من البينات والهدى ليٌعمل فيه في المجتمع، وتصل الخطورة لدرجة استحقاق اللعنة حال الكتمان، لأن صلاح المجتمع من الخطورة بحيث يتطلب السفور في حمل الدعوة وبيان الحق في موضعه، وتظهر بعد ذلك مسألة اتخاذ الأنداد من دون الله، فإن كانوا رؤساء في الضلالة والباطل تبرأوا ممن اتبعهم يوم القيامة، لينقاد المسلم في حياته لله، وفي الله، مع من يوالي الله تعالى. وهذا كله في ظل عملية وضع أساسِ قيمٍ شاملةٍ وجملة من الأحكام الشرعية التي تناولت تفصيلا لأنظمة كثيرة من أنظمة الحياة، على صعيد الفرد والمجتمع، على صعيد التشريع الجنائي ونظام العقوبات، والتركات والوصايا، والعبادات كفرض الصيام، والحج وشعائره، وجواب جملة من الأسئلة التي سُئِلَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، والنفقة التي تناولتها السورة بالترغيب فيها والترهيب من تركها، وضربت للحض عليها أروع الأمثال، وأشدها فعلا في النفس، فأحكامٌ تتعلق بالاقتصاد، وأحكامٌ تتعلق بالأشهر الحرم والقتال، وآياتٌ تحض على الصبر على الابتلاءات، وتربط التمكين باشتداد الأذى حتى يبلغ من النفوس مبلغا عظيما فتصبر في جنب الله تعالى، لتستحق نزول نصر الله تعالى عليها، فجملةٌ من أحكام المطعومات، وجملةٌ من أحكام النظام الاجتماعي كالنكاح والطلاق والرضاعة والعدة، والنفقة والخلع، في ظل من الأجواء المشحونة بالتقوى، ومراقبة الله، ومراقبة حدوده، وقد سبق هذا كله تقويم النفس لتهيئتها قبل إقامة نظام الأسرة، لتقيمها وهي مستعدة الاستعداد الكامل بسلاح التقوى وما يشحذه من عبادات وطاعات، وصبر، وتحمل مسئولية، لأن الأسرة لبنةٌ مهمة في تكوين المجتمع، فكان الحرص على بناء لبناتها على أساس صحيح لضمان حسن البناء. وهذا كله توجته آية عظيمة، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) آية 208 والسلم هو الإسلام، وهو الخضوع والاستسلام الكامل لأوامر الله تعالى، ومراقبة حسن تطبيقها في الحياة، في إطار مسئولية الفرد والجماعة والدولة، وهو توجيه للمسلمين أن لا يكونوا كبني إسرائيل الذين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) آية 85 وأن يأخذوا الدين كاملا غير مجتزأ فكأنما يوجهنا الله تعالى في سياق السورة الى الطاعة والتميز ثم يعطينا بعض عناصر المنهج ثم يأمرنا أن نأخذ الإسلام كافة و لا نفعل كما فعل بنو اسرائيل ثم يكمل لنا باقي المنهج. وهذ الآية (ادخلوا في السلم كافة) كان لا بد من وجودها في مكانها بعد الطاعة والتميز واتباع الاوامر والنواهي والجهاد والانفاق للحفاظ على المنهج ثم الاخذ بالدين كافة ثم التقوى التي تجعل المسلمين ينفذون هذا المنهج بوازع مراقبة الله تعالى، وبوازع عيشهم في المجتمع حياة إسلامية تعينهم على الاستزادة من هذه التقوى، وتقطع عنهم أسباب المعصية بحسن تطبيق المنهج على مستوى المجتمع كله. يتخلل هذا كله جملة من القواعد العقدية، كالتفكر في خلق السموات والأرض، والإيمان بالغيب، وقرب الله تعالى ممن يدعوه، إلى الإيمان بالملائكة، لتربط الإيمان أبدا بالعمل، ويجعل الإنسان الإيمان المحرك الذي يسيره في الحياة الدنيا، ويجعل الأحكام الشرعية المقياس الذي يقيس عليه تصرفاته وسلوكه. ثم تأتي قصة قتال طالوت لجالوت، وما فيها من معان عظيمة لمقارنة قيم زائفة بقيم راقية، قيم الفئة القليلة التي ثبتت على الحق وأقبلت وهي تقدم لقاء ربها والموت في طاعته على حياتها، لينتصر المنهج الذي تحمله، مقابل قيم الفئة التي تشبثت بالحياة الدنيا، ولم تفهم معنى الطاعة، ولم تحتمل الابتلاءات، ففشلت ولم تستحق نوال شرف الاقتداء بها. في الجزء الثالث من السورة تبرز آية عظمة الله تبارك وتعالى، آية الكرسي، تدل على أن من يريد أن يطبق المنهج فعليه أن يستشعر عظمة الله وجلال الله، وهيبة الله، وقدرة الله، فالمنهج ثقيل، ويتطلب وازعا عظيما يدفع المرء لحملة وتحمله والثبات عليه، فكان لا بد من تصور عظمة من وضع هذا المنهج لنا لنسير عليه، وعظمة ما يستحق من الطاعة والمحبة وعظيم خطر معصيته، ثم تبين لنا بوضوح لا خفاء فيه، أن هذا المنهج من الوضوح بمكان، معالم الرشد فيه جلية بينة، لا تخفى على ذي لب، لدرجة أنه يستحيل مع سطوع هذا الحق تبرير أي إكراه لحمل الناس عليه، فقد تبين فيه الرشد من الغي، والإنسان السوي يتبع الرشد إذ يتبين له، فلا معنى لإكراهه عليه، ولكن من اتبع هذا الرشد، فعليه أن يقوم بذلك وفق منهج التخلية قبل التحلية، فيؤمن بالله تعالى بعد أن يكفر أولا بالطاغوت بكل أشكاله وأصنافه وأنواعه، ليستحق أن يلحق في زمرة من يتمسكون بحبل الله المتين وعروته الوثقى التي لا تنفصم. وقد وضحت لنا السورة نماذج مهمة من قصص الطواغيت ففي جنبات السورة نرى أنواعا كثيرة من هؤلاء الطواغيت، إبليس، وفرعون، والنمرود، وطغيان بني اسرائيل بعد كل ما أنعم الله عليهم، ليستحقوا بذا غضب رب العالمين الذي اختتم به سورة الفاتحة، فهنا بيان معالم ما استحقوا به نزول الغضب عليهم لنعتبر منهم، ثم لتضع هذه السورة أحكاما عظيمة وأوامر صارمة بخصوص مفهوم الطاغوت الذي تناولناه بتفصيل كبير في أحد ملاحق هذا التفسير لشديد أهميته، لأنه الصارف الأعظم عن منهج الله، فقد يضع منهجه مكان منهج الله ليطبق في الأرض، أو يتكبر على منهج الله، أو يتصرف أي تصرف يطغى فيه عن الحق، فيستحق بذلك كله اسم الطاغوت فكان لزاما علينا أن ننفر منه ونكفر به. في الربع الأخير من السورة العظيمة، يتكرر الأمر بالنفقة ثانيا وثالثا ورابعا، ويصورها لنا القرآن بصور بليغة، عميقة الأثر في النفس، تصور مآل من ينفق، ومآل من يبخل، أثر النفقة على ذرية المنفق، والمحق على من يبخل، وتنتقل بنا في إطار النظام الاقتصادي إلى الحديث عن خطر عظيم على الاقتصاد في المجتمع، ألا وهو جريمة الربا، أكبر مفسد لنظام الاقتصاد، فأحكام الدَّين، والمعاملات، فخاتمة السورة بما فيها من صفات الجماعة المؤمنة، وأركان الإيمان، وربط ذلك بالتكليف، وأخيرا الدعاء إلى الله تعالى، وختامه الدعاء بنصر الإسلام على الكفر وتمكين المؤمنين في الأرض. بدأت السورة بتمجيد كتاب الله تعالى، وجعله مصدرا للهداية الحقة، واختتمت بانتصار الإسلام على الكفر، وأنَّى أن يحصل ذلك النصر إلا بكتاب الله تعالى، فهو مبتدأ النصر ومنتهاه. فآخر آيتين في السورة، قال فيهما صلى الله عليه وسلم: "الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفتاه" ﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)﴾ أولاهما عن الإيمان والإخبات التام لله تعالى، وثانيتهما تبين التكاليف التي على المرء التزامها، وتذكر بشديد المحاسبة عليها، في ظل إنسانية الإنسان، فإن نازعته نفسه التجاوز فعليه التوبة، واللجوء إلى الله والاستعانة به، ليتحقق من مجموع الإيمان المخبت، والتزام التكاليف التي في هذا الكتاب المبين، يتحقق النصر بعد استحقاقه بالصبر على الابتلاءات والمحن!! ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)﴾ البقرة، تزاوج في هذا كله، بين دور الفرد في مسألة النصر والتمكين التي تعقب مسألة التزامه التكاليف، وقيامه بها، وإيمانه، وبين دور الجماعة التي تظلل دور ذلك الفرد، فالإيمان المطلوب هو أن يدخل في جملة ما دخل به المؤمنون ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾، والخطاب الذي أتى بصيغة الجماعة، ثم في الآية الأخيرة، تناولت الفرد بتكليفه بنفسه ما في وسعها، ومحاسبته فردا على أعماله، ثم تبين له أهمية الجماعة في ضمان حسن سيره على هذا المنهج: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا﴾ وفي وسط السورة بينت له أن التمكين يأتي للجماعة التي تصبر على المنهج الحق: ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ ثم الدعاء لله بصيغة الجمع: ﴿أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)﴾، إذ النصر بيد الله، فلا بد من دعائه لينزله على من صبر والتزم وآمن ودعا. والنصر إنما يكون بتمكين هذا المنهج من حياة المجتمع ليصوغها وفق نموذج الحياة الإسلامية، وفي حياة الدولة، ليسوسها وفق أوامر الله تعالى ونواهيه، وفي حياة الفرد، ليسوس حياته متحملا مسئولياته في تطبيق شرع الله على نفسه وأهله وفي مجتمعه، فإذا قام المجتمع كله على أساس هذا المنهج سعدت البشرية به، ورضي عنهم رب العالمين سبحانه. يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى: هذه السورة تضم عدة موضوعات. ولكن المحور الذي يجمعها كلها محور واحد مزدوج يترابط الخطان الرئيسيان فيه ترابطا شديدا.. فهي من ناحية تدور حول موقف بني إسرائيل من الدعوة الإسلامية في المدينة، واستقبالهم لها، ومواجهتهم لرسولها صلى الله عليه وسلم وللجماعة المسلمة الناشئة على أساسها... وسائر ما يتعلق بهذا الموقف بما فيه تلك العلاقة القوية بين اليهود والمنافقين من جهة، وبين اليهود والمشركين من جهة أخرى.. وهي من الناحية الأخرى تدور حول موقف الجماعة المسلمة في أول نشأتها؛ وإعدادها لحمل أمانة الدعوة والخلافة في الأرض، بعد أن تعلن السورة نكول بني إسرائيل عن حملها، ونقضهم لعهد الله بخصوصها، وتجريدهم من شرف الانتساب الحقيقي لإبراهيم - عليه السلام - صاحب الحنيفية الأولى، وتبصير الجماعة المسلمة وتحذيرها من العثرات التي سببت تجريد بني إسرائيل من هذا الشرف العظيم.. وكل موضوعات السورة تدور حول هذا المحور المزدوج بخطيه الرئيسيين https://www.facebook.com/photo.php?fbid=561065530636566&set=a.550275911715528.1073741828.549756781767441&type=1&theater
  2. وقفات تأمل في ظلال آية "وظنوا أنهم أحيط بهم" فلنحاول أولا أن نتلمس بعض ظلال الظن لنرى ما تتميز به عن اليقين، لنرى مناسبتها للآيات التي وردت فيها في كتاب الله العزيز: بعد أن يورد الله سبحانه في سورة يونس بعض آياته في الكون، الدالة عليه، يحذر فيها الغافلين عن لقائه: "إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ 7 أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ" 8يونس ثم يُذكّر الناس باستعجالهم الخير، وكيف إذا مس الإنسان الضر دعا الله لجنبه أو قاعدًا أو قائماً، فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا لضر مسه، ثم قضية التوحيد في أن النفع والضر بيد الله وحده إلى أن يصل إلى قوله "هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ 22 فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" 23يونس يضعنا النص أمام صورة حية نابضة لهذا الإنسان الغافل عن ربه، المطمئن بالحياة الدنيا، أول ما نلاحظه هو هذا الالتفات في البداية "يسيركم، كنتم" ثم ينتقل للحديث بضمير الغائب "وجرين بهم" فما أن ينساب المرء في سيل الحياة الجارف حتى يوغل في البعد عن ربه (جرياً) وهنا ركب البحر متنعمًا بنعم الله الذي هيأ له البر لسكناه وسخر البحر له، وركوب البحر قد يكون في طلب الصيد أو الرزق، أو السفر إلى ما وراء البحر طلبًا لدعة الحياة ورغد العيش، ثم تلمس معي الظلال التي تلقيها "وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا"، فالفلك تجري بسرعة نحو عالم الدعة والهناء والراحة والريح مواتية والبحر يحتضن الفلك كأم رءوم، ألم تر كيف اقترنت الريح بحرف الباء وكأنه يقول إن البحر يجر الفلك من يدها لفرط خوفه عليها، وذلك يبعث في النفس روح الطمأنينة –وهذا مَثَلُ الحياة الدنيا التي رضوا بها واطمأنوا بها فغفلوا عن لقاء ربهم وعن آياته- أقول: يترك ذلك الحال للخيال عنانه للتيه في عالم الأحلام، وبينا هم كذلك إذ تضرب فلكَهم ريحٌ عاصف، قذفت بهم من عالم الدعة والهناء والاطمئنان إلى دنـيا القلق والخوف والاضطراب، ريح تُزمجر، تجعل الموج جبالا لتصبح الفلك فيه ريشة في مهب الريح الهائجة، تكاد الفلك تنقلب ميمنة فتنخلع قلوبهم ويتشبثوا بميسرة الفلك، وتضربهم الأمواج بقسوة في وجوههم فتقذفهم ليصطدموا بدفة الفلك، يحاط بهم، يأتيهم الموت من كل مكان، حتى الفلك التي من لحظات كانت تحتضنهم أصبحت تكيل لهم الضربة تلو الضربة إنهم ولا شك ينتظرون الموت!! تختلف هنا لفظة الظن المستعملة في القران عن لفظة اليقين معنى وأداء، فالظن بأنه قد أحيط بهم وبأن الموت يأتيهم من كل مكان يختلف عن اليقين بذلك: فالموت ما زال مندفعاً بأمل تعطيه لفظة الظن وتمنعه لفظة اليقين أو العلم، فالذي يتيقن أن الموت قادم يقنط ويدفعه اليأس إلى استعجال الموت بقذف نفسه في البحر ما دام أن الموت قادم لا محالة وأن فيه الخلاص من هذا البلاء العظيم (الموت البطيء)، أما الظان فلا يزال متشبثاً بأمل بالنجاة مهما ضؤل. والأهم هو أنهم ما داموا قد دعوا الله بأن ينجيهم فهذا يعني أنهم لم يتيقنوا الموت، فلا يمكن أن يدعو المرء ربه بالنجاة وقلبه فارغ من أي أمل مهما كان صغيراً بإمكانية حدوثها، وهذا هو ما نسميه "الظن" أي ترجح احتمال الموت مع بقاء أمل مهما كان صغيراً بالنجاة؛ واليائس لا يصلح لأن يتفكر ولا لأن يبحث عن أمل بالنجاة، علاوة على أن إبراز حال يائس ليس هو المراد من جو الآيات العام، فهي تتحدث عن التشبث بالحياة في حال الدعة والاستقرار كما في أشد حالات الخطر والاقتراب من الموت، فلو قلنا وعلموا أنهم أحيط بهم بدلا من وظنوا لقضينا على أي معنى للتشبث بالحياة ولماتت معها الصورة المرسومة؛ والأهم لِما قد نتج عن أملهم بالنجاة، وهو "دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ" إذن فالأمل الذي تعطيه لفظة "وظنوا" والذي منعته لفظة "وعلموا" هذا الأمل هو الذي عرى فطرتهم مما ران عليها، وجعلهم يلتجئون إلى من بيده ملكوت البر والبحر لينجيهم، تذكروه في تلك اللحظة فقدرته أكبر من هذه الجبال المتلاطمة من الأمواج. هذا الأمل بالنجاة أنشأ لديهم إخلاصًا ما كانوا ليصلوا إليه وهم غافلون، لذلك نرى أن النص يضعنا على حال جديدة برزت في تلك اللحظة، حال من صحا من سكرته ومن عمهه ومن نسيانه خالقه وهو في حال الاطمئنان بالحياة الدنيا ليلجأ إليه بضمير المخاطب لأنه استشعر قربه منه، ورآه أقرب إليه من الماء الذي يكاد يقلب فلكه ومن الريح التي تعصف به ومن الفلك التي تضربه على رأسه وجسده، إنه وحده القادر على إنقاذهم: "لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ"، وفي كلمة "لئن" إقرار بأنهم ليسوا أهلا لهذه النجاة لشدة غفلتهم، هذا الإقرار صدر في لحظة صدق وإخلاص، إن الإنسان الغافل ليوقن بالله أشد اليقين ساعة الشدة عندما يظن أنه قد أحيط به وأن الموت قريب منه لتضافر أسبابه، ولكنه يبقي في نفسه أملا بالنجاة فنراه لا يوقن بالموت بل يظنه قادماً، وهذه النفسية تناسب الأجواء العامة للآيات التي تتحدث عن التشبث بالحياة ونسيان الموت وما كنا لنصل إليها لو كانوا علموا أن الموت قادم بدلا من ظنهم ذلك والذي أبقى احتمالا لإمكانية عدم حصوله لأملهم بقدرة الله. ونلاحظ أيضاً في هذه الآية أن الظن إذ لا يؤدي معنى اليقين؛ كذلك فإنه لا يؤدي معنى الشك أبداً، فمن كان يحاط به ويأتيه الموت من كل مكان لا معنى لقولنا عنه أنه يستوي لديه إمكانية حدوث الموت وإمكانية النجاة، وهو ما يؤديه معنى الشك؛ كما أبرزت الآية تعلقهم بأمل النجاة أي لم يتيقنوا الموت وهذا ما يؤكد لنا أن الظن ما هو إلا مرحلة متوسطة بين الشك واليقين ليس بشك ولا بيقين، ترفعه القرائن تجاه اليقين أو تهبط به باتجاه الشك والقرائن في هذه الآية توحي بشدة اقترابه من اليقين لكنها إذ تبقيه قريبًا منه فإنها لا توصله إليه وهذا ما سميناه "غلبة الظن"، والله أعلم. نتذكر هنا تعريف الظن: هو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض فيترجح لديهم هنا الموت ويبقى احتمال النقيض ( أي النجاة ) واردًا. لاحظنا إذن أهمـيّة الجو العام للنص والسياق العام للسورة وكلاهما يُبرز تعلق الناس بالحيـاة واطمئنانهم بها ونسيان الآخرة فالألصق بهذا أنهم حتى والموت يأتيهم من كل جانب ما زالوا متشبثين بالحياة، يرون الموت رأي العين ولا يزالون يرغبون بالبقاء على ظهرها. https://www.facebook.com/photo.php?fbid=560215214054931&set=a.550275911715528.1073741828.549756781767441&type=1&theater
  3. http://www.facebook.com/ThaerA.Salameh الله يرضى عليك أبا عصام ويزيدك علما وعملا ورضا
  4. التناقض بين الديمقراطية والليبرالية، الديمقراطية الحديثة، أساسها فكرة منع تحكم الأقلية في الأكثرية، وفكرة تداول السلطة، وفكرة أن الشعب مصدر السلطات، فعلى سبيل التشريع ينبغي للتشريع أن يكون نتاج رأي الأكثرية، وعلى سبيل التنفيذ ينبغي للسلطة... أن تكون ممثلة لرأي الأغلبية ومنتخبة من قبل الأغلبية، وعلى سبيل القضاء والقوانين ينبغي أن تكون ممثلة لرأي الإغلبية وإلا فإن فشلت في شيء من هذا فإنها تنقلب من ديمقراطية إلى أوليغارخية، أي تصبح أداة لتكريس تحكم الأقلية في الأغلبية. فالديمقراطية إذن نقيض ما يسمى بالأوليغاريخية أي تكريس حكم الأقلية، هذه الديمقراطية وهي تحاول منع تكريس حكم القلة، لا تنظر إلى تكريس وحماية حقوق الأفراد والأقليات، وحرياتهم، لأنها تخلو من الضمانات التي تمكنها من تحقيق ذلك، بمعنى آخر، فإن رأت الأكثرية ضمان حقوق الأقلية كان لهم ذلك، وإلا فلا، فالأكثرية هي التي تتحكم، بغض النظر عن الرأي الذي تخرج به وعلى الأقلية الخضوع لرأي الأكثرية وإن أجحف بحقها، وعلى الأفراد الخضوع لحكم الأكثرية وإن منعهم بعض ما يرونه حقوقا لهم. إن واقع الحال أن امتناع الأقلية عن التصويت في الانتخابات، أو فوز الأكثرية في تشريع أمر رفضته الأقلية المعارضة لهذا التشريع، يعني أن الأقلية تخضع لحكم الأكثرية، وبالتالي فإن قوام الديمقراطية يقوم على أساس إخضاع الأقلية لحكم الأكثرية لا ضمان حقوق الأقلية ولا أن يمثل القانون الذي يجري التصويت عليه ما يرى فيه الأقلية حقوقا لهم، فلو رأوا فيه ضمانة لحقوقهم لصوتوا له، وبتصويتهم للرأي النقيض فإن ما رأوه من حق لهم في الرأي النقيض لا يحققه الرأي الذي تم التصويت له، وبالتالي فالديمقراطية لا يمكن أن تضمن حقوق الأقلية ولا أن ترعى مصالحهم، بل عليهم الخضوع لما رأته الأكثرية بغض النظر عن صوابية الرأي الذي رأته الأكثرية أو خطئه، لأن المعيار الوحيد المراعى هو أن يمثل رأي الأكثرية. لذلك احتيج في الغرب إلى الليبرالية، التي تقوم على حماية حقوق الأفراد والأقليات، لذلك يفرق بين الديمقراطية الليبرالية، والديمقراطية اللاليبرالية. لاحظ أيها القارئ الكريم أن الديمقراطية تحارب ديكتاتورية القلة، وأن الليبرالية تحارب ديكتاتورية الكثرة، لذا والفوا بينهما هذه الموالفة العجيبة ببدعة: الديمقراطية الليبرالية! وهذا من فذلكات اللعب بالألفاظ حين يظهر عوار نظام ما، فتجد أنهم يسندونه بنقيضه كي لا يظهر بمظهر النظام المجحف، فمن السماجة بعد أن نَظَّرَ المنظرون للفكر الديمقراطي ما نظَّروه أن يتبين لهم أن هذا النظام ديكتاتوري في حكمه على الأقليات، وأنه لا يضمن لهم أي حق، ويخضعهم لرأي الأغلبية، وإن كان فيه تعديا على حرياتهم، أو على رغبتهم بتشريع آخر أو رئيس آخر ينتخبونه، لذلك لم يجدوا بُدَّاً من ترقيعه بنقيضه، وهو مذهب الفردية، أي الليبرالية، فكيف سيتم التزاوج بين مذهب يحارب الفردية ويحارب تحكم القلة، مع مذهب يمنع الكثرة من الاستئثار بمقاليد تشريعات أو نظم تمنع الأقليات أو الأفراد حقوقهم وتجبرهم على الخضوع للأكثرية!! فالديمقراطية قد تحد من حريات الفرد أو الأقليات إن خولتها الأكثرية بهذا، أي إن اقتضتها ظروف المجتمع إلى هذا، لكن الليبرالية التي تقوم أساسا على ضمان الحريات، والمساواة أمام القانون، تلجم الديمقراطية من ذلك. والليبرالية تضمن للأفراد حرياتهم، ولكن الديمقراطية تلجمها في حال تعارض هذه الحريات مع رأي الأغلبية! فلئن رأت القلة ضرورة إباحة التدخين في الأماكن العامة، ورأت الكثرة ضرورة منعه، فإن الديمقراطية تقضي بفرض منعه، والليبرالية تقضي بفرض إباحته حتى لا يلجم الأقلية، فكيف سيتزاوج المذهبان إذن؟ وكيف سينتج لنا هذا التناقض ديمقراطية ليبرالية؟؟ لذلك يمكن لليبرالية أن توجد في ظل حكم أقلية، طالما أن حريات الافراد مضمونة، ومساواتهم أمام القانون مراعاة، ويمكن للديمقراطية أن توجد بلا ليبرالية، فكل فكرة منهما تبغي إلى تحقيق غرض، وهي لا تملك المقومات الذاتية في فلسفتها لضمان أساس ما قامت عليه الفكرة الأخرى، فليس من مقومات الديمقراطية ضمان المساواة أمام القانون، ولا ضمان الحريات، إلا إن رأت الأكثرية ذلك، لأن فكرتها الأساس تقوم على منع تحكم القلة في الكثرة، وفكرة تداول السلطة، ولهذا فقد زاوج بعض المفكرين بين الديمقراطية والليبرالية، بما يسمى الديمقراطية الليبرالية. وحين نقول بأن فكرتها الفلسفية لا تقوم على أساس ضمان مساواة الأفراد أمام القانون مثلا، فإن هذا لأن الفكرة الأساس التي قامت عليها إنما هي لتحقيق أن تكون السلطات للشعب، فإن رآى شعب أن يحكم بقانون لا يكترث بحقوق العبيد والنساء والمحكومين والعسكريين، فلا حق لهم في التصويت، ولا حق لهم في اختيار القوانين التي تسودهم، ولا يعدل القضاء بينهم لأنهم عبيد أو لأن المجتمع ينظر إلى أن إنسانيتهم ناقصة، فإن هذا سيسري عليهم، ومثاله أثينا في ديمقراطيتها المباشرة التي منعت العبيد والنساء والمحكومين من ممارسة أي من هذه الحقوق، ومع هذا فهي دولة ديمقراطية بامتياز، ومثاله أيضا أي دولة ديمقراطية اليوم تمنع أطيافا من المجتمع من ممارسة ذلك الحق، لاعتبارات سياسية أو ثقافية، فالقانون المصري اليوم على سبيل المثال يمنع الجنود، ومن هم دون سن الثامنة عشرة والمحكومين، ومن لم يكن مصريا لأكثر من خمس سنوات من أن يصوت في الانتخابات، فما الفارق بين من بلغ الثامنة عشرة مثلا ومن هو بالغ عاقل في السادسة عشرة من عمره؟ ولهذا فإنه من بين الخمسة والتسعين مليونا الذين يمثلهم سكان مصر من المصريين، تجد أن ما يقارب الخمسة والأربعين مليونا محرومين من ممارسة حق الانتخاب!. https://www.facebook.com/ThaerA.Salameh
  5. العلمانية تناقض نفسها! ثم إن العلمانية، قامت على أساس فصل الدين عن الدولة، ثم تطورت لتصبح فصل الدين والقيم والأخلاق عن الحياة، فلا بد للمشرع مثلا، أو للفكر الذي يراد له أن يسود العلاقات المجتمعية، أن يكون مبنيا على أساس أن يزيل من فكره و...هو يحكم على قضية ما أي تأثر بقيم مصدرها الدين أو الأخلاق أو العادات، أو ما شابه، ليصل إلى ما يسمى الخلو من القيم، value free، فهذا الخلو من القيم ضمانة لأن تكون العلمانية محايدة، فالتشريعات محايدة، والعلم محايد، والعلاقات التي تسود المجتمع قائمة على أساس محايد، وذلك لأن نظرتهم إلى الدين أنه هو السبب في التأخر وفي لجم العقل وكبح جماحه، فلا بد من تنحيته حال الحكم على الشيء، حتى ينطلق العقل ويسمو ولا يتأثر بما يكبحه، وكذلك أي قيمة لها مصدر من أخلاق أو عادات أو إنسانية، أو ما شابه. والواقع أن هذا في حد ذاته مما يستحيل وجوده في الواقع، فخذ مثلا مسألة الحكم على الزنا أي العلاقة خارج إطار الأسرة والزواج، لو أراد متشرع أن يحكم عليها ليسن قانونا يحرمها أو يبيحها، فإنه سينظر إلى أنها مشكلة معينة بحاجة لرأي، فإذا نحى جانبا نظرة الدين إليها على أساس أنها محرمة، ونحى جانبا الأخلاق على أساس أن هذه العلاقة لا أخلاقية، ونحى جانبا القيم الإنسانية، على أساس أن القيم الإنسانية قد تعتبر أن هذه العلاقة فيها هدر لكرامة الاسرة، أو كرامة المرأة، أو كرامة الرجل، أو من جانب آخر القيم التحررية الليبرالية التي ترى أن هذه العلاقة تكرس الحرية والحق في ممارسة ما يحقق الحرية، ... الخ، فهو عليه أن ينحي كل هذه القيم سواء تعارضت أو تشاركت في النتيجة، وإن اختلفت في المنطلقات، أقول، حين ينحي كل هذه القيم جانبا، فإنه لن يستطيع إصدار أي حكم على المسألة، لأن أساس الحكم على مسألة ما هو تحقيقها لقيم معينة، أو منعها لأنها تعارض تحقيق قيم معينة، فكيف به وهو ينحي كل القيم جانبا؟ هذه الإشكالية تجعل إصدار الحكم على أي قضية أمرا مستحيلا، فإن هو منع القيم التي أساسها الدين، وسمح بالقيم التي أساسها الليبرالية، فإنه ولا شك سيقع في التناقض، كما قال الشاعر: حرام على بلابله الدوح، حلال على الطير من كل جنس؟ أما موضوع هذا الحكم، أي الشيء الذي يصدر حكماً على الأفعال والأشياء، فهو الحسن والقبح؛ لأن المقصود من إصدار الحكم هو تعيين موقف الإنسان تجاه الفعل، هل يفعله، أو يتركه، أو يخير بين فعله وتركه؟ وتعيين موقفه تجاه الأشياء المتعلقة بها أفعاله، هل يأخذها، أو يتركها، أو يخير بين الأخذ والترك؟ وتعيين موقفه هذا متوقف على نظرته للشيء، هل هو حسن، أو قبيح، أو ليس بالحسن، ولا بالقبيح؟ فالحكم على الأفعال والأشياء، إما أن يكون من ناحية واقعها ما هو، ومن ناحية ملاءمتها لطبع الإنسان وميوله الفطرية، ومنافرتها لها، وإما من ناحية المدح على فعلها والذم على تركها، أو عدم المدح وعدم الذم، أي من ناحية الثواب والعقاب عليها، أو عدم الثواب وعدم العقاب. فهذه ثلاث جهات للحكم على الأشياء: أحدها من حيث واقعها ما هو، والثاني من حيث ملاءمتها لطبع الإنسان أو منافرتها له، والثالث من حيث الثواب والعقاب أو المدح أو الذم. ثم إن الحاكم إذ يحكم على قضية ما، ولنضرب مثالا مسألة القتل، لإصدار حكم على هذه المسألة يعطي حكما فيها، فإن هذا الحاكم سيجد أن فعل القتل بذاته يمكن الحكم عليه أي إصدار حكم أنه "صواب" أو "خطأ"، أو "حسن" أو "قبيح"، من خلال واقع الشيء أو الفعل، ومن خلال الملاءمة للطبع أو العقل أو الفطرة أو أي قيم معينة يتخذها أساسا للمحاكمة، أو منافرته لهذه القيم، ومن خلال الثواب والعقاب عليه، ولا زاوية رابعة لهذه الزوايا الثلاث للحكم على أي قضية أو أي فعل. فلا بد إذن من "مقياس" يرجع إليه لوصف الفعل بأنه حسن أو قبيح، ولاتخاذ موقف إزاءه، هذا المقياس تمنع العلمانية أن يكون دينيا، أو أخلاقيا، أو إنسانيا، بل لا بد أن يكون عقليا صرفا، فالعقل المجرد من "القيم" هو الذي سيصدر حكمه، فالأخلاق قد تصِمُ فعلا معينا بأنه خسيس، كأن يتسكع سابح ماهر في الطريق وهو يرى غريقا يوشك على الهلاك، فلا يسعى لإنقاذه، وقد تصم القيم الدينية فعل قتل النفس البريئة بأنه حرام، والكذب على الأعداء في الحرب بأنه فرض، فلا بد من ناحية علمانية أن يتبرأ المتشرع أو المفكر أو العلماني من كل هذه القيم حين نظرته إلى الفعل وتحديده للموقف إزاءه، إن المرء العاقل إذ يقوم بفعل ما، فلا بد له من "قصد" من وراء قيامه بهذا الفعل، وهذا القصد هو "القيمة" التي يريد تحقيقها حين قيامه بهذا الفعل، ولذلك كان حتماً أن تكون لكل عمل قيمة يراعي الإنسان تحقيقها حين القيام بالعمل ، وإلا كان مجرد عبث . ولا ينبغي للإنسان أن يقوم بأعماله عبثاً من غير قصد ، بل لا بد أن يراعي تحقيق قيم الأعمال التي قصد القيام بالعمل من اجلها . وقيمة العمل إما أن تكون قيمة مادية ، كالأعمال التجارية والزراعية والصناعية ونحوها ، فإن المقصود من القيام بهذه الأعمال هو إيجاد فوائد مادية منها ، وهي الربح ، وهي قيمة لها شأنها في الحياة ، وإما أن تكون قيمة العمل إنسانية كإنقاذ الغرقى وإغاثة الملهوفين ، فإن المقصود منها إنقاذ الإنسان بغض النظر عن لونه وجنسه ودينه أو أي اعتبار آخر غير الإنسانية ، وإما أن تكون قيمة العمل أخلاقية ، كالصدق والأمانة والرحمة ، فإن المقصود منها الناحية الخلقية بغض النظر عن الفوائد وبغض النظر عن الإنسانية ، إذ قد يكون الخلق مع غير الإنسان ، كالرفق بالحيوان والطير ، وقد تحصل من العمل الخلقي خسارة مادية ، ولكن تحقيق قيمته واجبة ، ألا وهي الناحية الخلقية . وإما أن تكون قيمة العمل روحية كالعبادات ، فإنه ليس المقصود منها الفوائد المادية ، ولا النواحي الإنسانية ولا المسائل الخلقية ، بل المقصود منها مجرد العبادة ، ولذلك يجب أن يراعى تحقيق قيمتها الروحية فحسب بغض النظر عن سائر القيم . هذه هي القيم للأعمال جميعها، وهي التي يعمل لتحقيقها الإنسان عند القيام بكل عمل من أعماله . وقياس المجتمعات الإنسانية في حياتها الدنيوية إنّما يكون حسب هذه القيم ، ويكون بقدر ما يتحقق منها في المجتمع ، وما يضمن تحقيقها من رفاهية وطمأنينة . فالعقل حين حكمه على الفعل لا بد له من أن يربطه بالقصد الذي يراد حين القيام به، ومن أن يرى أثره في المجتمع والعلاقات، حتى يحقق نهوضا وحضارة للإنسان لا ارتكاسا وإسفافا وعبثية تنعكس على الفرد والمجتمع. فحين تقول العلمانية بأن الحكم على الفعل ينبغي أن لا يتأثر بالقيم، فإنها بهذا تفصل بين العمل وبين القيم التي يراد تحقيقها على صعيد الفرد، فتلغي مثلا أشواقه الروحية، وحاجاته الغرائزية، وتلغي القيمة الإنسانية في إنقاذ الغرقى، فلا تجعلها أساسا للنظرة إلى فعل إنقاذ الغريق، وهكذا، فماذا يتبقى بعض فصل العمل عن قيمته وقصده وغايته؟ ثم إن الانسان حين يقوم بكثير من الأعمال، فإنه يجد نفسه "مفطورا" على القيم التي تحققها هذه الأفعال، فمثلا قد لا يخطر في باله أنه يحقق قيمة إنسانية حين ينقذ الغريق، لكنها ولا شك جزء من غريزة حفظ النوع المغروسة فيه، فكيف تريد العلمانية فصل الانسان عن غرائزه وما فطر في أعماق نفسه مما جعله إنسانا! والعقل حتى يحكم على أمر بأنه حسن أو قبيح، وبالتالي يحكم بصوابية القيام به أو بخطأ ذلك، فإما أن الحسن والقبح ذاتيان في الفعل، كالعلم والجهل، والصدق والكذب، وإما أن هذه القيمة خارجية عن الفعل، فيحكم على قتل القاتل بأنه حسن بتسليط قيم أخلاقية أو دينية معينة على الفعل، ويحكم على قتل النفس البريئة بالقبح بتسليط قيم أخلاقية أو دينية على نفس الفعل وهو فعل القتل. فالعلمانية تريد منع تسليط القيم على الفعل حين الحكم عليه، فهل الحسن والقبح ذاتيان في الأفعال ظاهران يستوي حكم العقل عليهما في كل حان وفي كل زمان ومكان؟ فليس ثمة إلا "أبيض" و "أسود"؟ فلو كانت الأفعال في ذاتها فيها قابلية أن تشي عن الحكم الواجب إزاءها منعزلا عن القيم التي تدفع المتشرع ليحكم فيه باتجاه أحد حدود المنع أو الإيجاب أو الإباحة، لكانت نظرة العالم العلماني واحدة لكل الأفعال ولاستوت التشريعات، ولكن اختلافها يشي بأن مصدر هذا الاختلاف تحكُّمُ قيمٍ ما في عقلية المتشرعين، فبطل إمكان أن ينعزل الحكم عن القيمة، واستحال أن يكون العقل حياديا حين إصداره للحكم على الأفعال. قد يختلف العقل في نظرته إلى الفعل نفسه، فيحكم عقل إنسان على القتل بأنه أمر حسن، فيرى هتلر مثلا إستحسان قتل من يعارض تفوق الجنس الآري على باقي الأجناس، ويقف في وجه الزحف النازي، ويستسيغ عقل آخر قتل هتلر نفسه، ويحكم عقل ثالث بأن قتل القاتل نفسه غير مستحسن، لذلك تجد القوانين الغربية تتفاوت في نظرتها إلى عقوبة القاتل من مبيح لعقوبة الإعدام إلى مانع لها. فالعقل إذن لا يمكنه أن يطلق حكما مطلقا على الفعل يتفق فيه مع باقي العقول، فيشترك البشر في حكمهم على فعل ما بأنه حسن أو قبيح، لذلك تجد من ينكر الشذوذ وتجد من يتظاهر نصرة له، ومن يجرم الاتجار بالرقيق الأبيض ومن ينتفع من ورائه ويبذل عمره فيه، وهكذا لا تجتمع البشرية أو العقل البشري على قيمة ما تصف الأفعال بأنها حسنة أو قبيحة، وقد تصف بعض التشريعات أمورا بأنها قبيحة ثم تعدل عن هذا وتجعلها من المباحات بل من المفروضات، كنظرة بعض الأمم الغربية للشذوذ. إذن فحتى وإن كان الفعل نفسه في نظر "الفطرة" حسنا، فقد تقبحه بعض العقول، وقد لا تستطيع العقول في أغلب الأحيان أن تتخلى عن الأهواء وهي تنظر إلى القيم التي ترتجى من تحريم فعل ما، فلا تتخلى عن شهواتها حين نظرتها إلى الزنا، فتميل إلى إباحته، وإن حرمته القوانين، أو العكس، وقد لا تتخلى عن نظرتها للمنافع المادية التي يحققها الفعل لها، أي القيم المادية، فتجدها تبيح الربا لأنه ينفع الرأسماليين والبنوك، مع أنه يضر ضررا فادحا بالعامة والفقراء، وبهذا فإننا نجد أن مسألة طرح القيم جانبا حين الحكم على الفعل مسألة مستحيلة، إذ لا بد من أن يتأثر الانسان بقيم ما للحكم على الفعل، وبهذا يستحيل أن يكون المرء محايدا حين حكمه على فعل ما.
  6. الليبرالية تناقض نفسها وأما الليبرالية، فإنها وقعت في تناقض آخر، فهي لا تعترف بمرجعية ليبرالية مقدسة؛ لأنها لو قدست أحد رموزها إلى درجة أن يتحدث بلسانها، أو قدست أحد كتبها إلى درجة أن تعتبره المعبر الوحيد أو الأساسي عنها، لم تصبح ليبرالية، ولأصبحت مذهبا من المذاهب المنغلقة على نفسها، مع اتفاق الليبراليين على أهمية حرية الفرد. مرجعية الليبرالية هي في هذا الفضاء الواسع من القيم التي تتمحور حول الإ...نسان، وحرية الإنسان، وكرامة الإنسان، وفردانية الإنسان. الليبرالية تتعدد بتعدد الليبراليين. وكل ليبرالي فهو مرجع ليبراليته. وتاريخ الليبرالية مشحون بالتجارب الليبرالية المتنوعة، ومن حاول الإلزام سقط من سجل التراث الليبرالي. فالليبرالية إذن تتناقض مع العلمانية، في أنها تكرس قيما إنسانية، مع أن العلمانية لا تقف في وجه الليبرالية، إلا إن كان مصدر هذه القيم دينيا أو أخلاقيا، لعداء العلمانية للدين، فهي تغض الطرف عن القيم التي تقدس حرية الانسان، والليبرالية لا تمنع في فلسفتها الذاتية أن يكون مصدر القيمة التي تحقق الحرية والكرامة والحقوق القانونية للانسان، أن يكون مصدرها دينيا، أو غير ذلك، طالما أنها تحقق هذه القيم، لذلك لا ترى بأسا في أن يكون الليبرالي مسلما أو نصرانيا، طالما هو يحقق هذه القيم. وهي في هذا لا تؤطر لفلسفة تبين كيفية تحقيق هذه القيم، فمن رآى تحقيقها من خلال قيم أساسها ديني فله ذلك، وهذا فيه تناقض بغيض إذ أن ثقافة أمة ما، وحضارتها، إنما تقوم على أسس تحدد لمن يتحضر بهذه الحضارة وجهة نظر في الحياة، قد تكون هذه الأسس نتاج عقيدة عقلية كما هو الحال في العقيدة الاسلامية أو في العقيدة الرأسمالية، أو قد تكون هذه الأسس نتاج موروثات من العادات والتقاليد والنظم التي يحيا عليها مجتمع ما، أو بمفاهيم اعتنقها أصحاب القوة في مجتمع ما، وفرضوها على الناس، فتمثلت في حياتهم، فإن فشل أصحاب القوة في إقناع الناس بها، بقيت تركيبة مجتمعهم هشة لا تتحول مع هشاشتها هذه الأفكار إلى أن تكون حضارة، كحال الشيوعية في نموذج الاتحاد السوفياتي البائد، وفي كلتا الحالتين الأوليين، حددت له حضارته وجهة نظر في الحياة، ومفهوما معينا للسعادة، ومقاييس يقيس عليها سلوكه وتصرفاته، وبالتالي فلا بد لكل حضارة من مجموعة من المصطلحات والمفاهيم المنبثقة عن عقيدتها، وآيديولوجيات ذات منطلقات محددة مترابطة نشأت نتاج حل العقدة الكبرى، فهي ومصطلحاتها ومفاهيمها المنبثقة عن عقيدتها كل منسجم يهدف إلى إيجاد نمط معين من العيش يحياه من يؤمن بهذه الحضارة. فالليبرالية إذ منعت انغلاق نفسها على نفسها، ومنعت نفسها من أن تكون مذهبا منغلقا منضبطا، منعت نفسها من أن تشكل منظومة فكرية متجانسة تسعى إلى إيجاد نمط معين من العيش له مفاهيمة وآلياته وعقيدته ذلك الكل القائم على أسس مترابطة تحقق للانسان نمطا معينا من العيش، فما هو شكل الانسان الذي يعيش تناقضات في قيمه، فمن قيمة أساسها العلمانية، إلى قيمة أساسها الانسانية إلى قيمة أساسها الاسلام، كيف له أن يحقق سعادة وأسس هذه القيم متناقضة، فهو إذ لا يسرق لأن السرقة حرام، يزني لأن الزنا يحقق له الحرية، ويرى منع تدخل الاسلام في نظام حياته إلا أنه لا يسرق لأن السرقة حرام! فيرى منع الاسلام من أن يصوغ قيمة إلا أن بعض قيمة قائمة على أساس الاسلام، كيف سيتجانس تفكير هذا الانسان ويفضي به إلى السعادة والطمأنينة، بل كيف سيكون انسانا يحترم عقله! كيف سيبقى احترامه والتزامه لبعض هذه القيم إذ تناقض بعضها بعضا؟ فهل سيغلب عليه منع الدين من صياغة قيمه فيتخلى عن فكرة تحريم السرقة؟ أم سيلغي منع تدخل الدين، فيحرم على نفسه الزنا؟ إذن فهذا سيفضي إلى صياغة الانسان المتقلب المتناقض فكريا وسلوكيا!
  7. كذبة أن الديمقراطية اليونانية تعني حكم الشعب! هل كانت أثينا ديمقراطية؟ قد يظن البعض تساؤلي غريبا، فالديمقراطية كلمة يونانية قديمة، وأغلب ما نقرأ من كتب يروج لفكرة أن الديمقراطية اخترعها ومارسها اليونان، وأخذها عنهم الرومان، فلها جذور ضاربة في التاريخ!... والحقيقة أنها كانت فكرة منبوذة في اليونان، لم تطبق في أي عهد، ولم يكن من مقوماتها في اليونان القديمة : الانتخابات، ولا كان من مقوماتها الحريات، ولا الشفافية، ولا حكم الأغلبية، بل إن كلمة قراطية في اليونانية لا تعني حكم، فالديمقراطية ليست حكم الشعب! كانت تسود اليونان القديمة نظريات سياسية كثيرة، بمسميات يونانية تعكس طبيعة تلك النظريات فقد أخذ المنظرون الغربيون من مجموعة النظريات السياسية التالية خليطا ووضعوه تحت مسمى الديمقراطية، وهذه النظريات هي: الأيزومويريا (أي تحقيق العدالة)، والإيسمونوميا (المساواة أمام القانون)، والإيسوقراطية (قوة المساواة) والإيزيجوريا (أي حرية التعبير) و الإيزوبسيفيا (الحق في التصويت)، و الأيزونوميا (المساواة في الحقوق القانونية)، والإيزومويريا (التشاركية) أخذوا من هذه النظريات خليطا ووضعوه تحت مسمى الديمقراطية، مع العلم بأن فكرة الديمقراطية اليونانية لم تكن تقول بأي من تلك الحقوق أو النظريات، فهي ليست دعوة للمساواة القانونية، ولا لحرية التعبير، ولا للحق في التصويت، ولا للتشاركية، فالديمقراطية بالتعبير اليوناني تعني تمكين الشعب من أسباب القوة للتأثير في القرارات المؤثرة في حياته. فهي ليست: حكم الشعب، ولا حكم الشعب بالشعب! وللعلم فقد عاب منظروا وفلاسفة اليونان فكرة الديمقراطية، لقد أثارت فكرة الديمقراطية اليونانية اشمئزاز أفلاطون، وسقراط، ويمكن أن نفهم من نقد أفلاطون لفكرة الديمقراطية في كتابه "الجمهورية" شيئا من المقصود بتمكين الشعب من امتلاك القوة، يلقي مزيدا من الضوء على طبيعة المصطلح ومفهومه. قال أفلاطون عن الديمقراطية في كتابه ' الجمهورية ' إنها تفضي إلي الطغيان , إذ يبرز من بين دعاة الديمقراطية أشدهم عنفا وأكثرهم دهاء فيستأثر بالسلطة ويقطع رأس كل منافس . ومن ثم سميت الديمقراطية , بعد أرسطو , بأنها حكم الغوغاء . وكان لكل من أفلاطون وأرسطو سلطان أفضي إلي اختفاء لفظ ' ديمقراطية . ولا أدل علي ذلك من أن المؤرخ اليوناني بوليبيوس (204-122 ق . م ) قد ارتأي أن الديمقراطية هي حكم العامة التي ترفض إعمال القانون أيا كان. وفي العصر الهيلليني فإن لفظ ' ديمقراطية ' فقد معناه الأصلي من حيث هو تمكين الشعب من القوة , وأصبح معناه كل ما ليس فلكيا , واستمر فقدان المعني الأصلي لأكثر من ألفي عام , ثم عاد في القرن السادس عشر , أو بالأدق في عام 1543 م . وحين تفتح صفحات كتب منظري الديمقراطية الحديثة، تجدهم يحاولون إيجاد نسب بينها وبين "ديمقراطية اليونان" فيقولون: بأن صولون، من أوائل من بشر بالديمقراطية، وكلايزيسيس، Cleisthenes الذي يسمونه بأبي الديمقراطية، وإيفاليتس، هؤلاء الثلاث تحديدا تجد منظري الديمقراطية يحاولون القول بأن إصلاحاتهم ومبادئهم كانت أساس الديمقراطية، وبالرجوع لأنظمتهم نجد بأن صولون سمى إصلاحاته بإتيكا، قانون أتيكا (وهي كلمة تعني أرض الأثينيين Attike ge) ويتضمن حق الملكية الفردية المحدودة، وحق الشعب في الإشراف على مؤسسات الدولة، وحق الجماعة في تشكيل وحدة لها قوانينها الخاصة التي تحكمها وتخضع لقانون [الدولة] العام. ومن العجيب أن المؤرخين الحديثين يربطونه بالديمقراطية، مع أنه لم يؤمن بقوة الشعب! بعد صولون بمائة عام أتى كلايزثينيس Cleisthenes، الذي يدعي المؤرخون إنه قام بوضع أسس أثينا الديمقراطية، ولذا سماه المؤرخون بأبي أثينا الديمقراطية، على أساس إضعاف قوة النبلاء وزيادة قوة الشعب، واستبدل بنظامِ التمثيل على أساس منطقة العيش نظامَ التمثيل على أساس الانتماء الأسري، وجعل القرعة القائمة على الحظ واليانصيب أساسا للتمثيل بدلا من النظام القديم القائم على الانتماء الأسري. إن تسميته بأبي الديمقراطية لا يعود في الواقع لوصفه النظام الذي بشر به على أساس أنه الديمقراطية بل على أساس أن ما يسمى اليوم بالديمقراطية ينطبق على ما بشر به بشكل ما، لذا فلا يمكن القول بأنه أقام نظاما ديمقراطيا. لذلك نجد أنه هو سمى نظامه الذي بشر به وإصلاحاته بالإيزونوميا، isonomia أي المساواة أمام القانون، لا بالديمقراطية. إن مصطلح الأيزونوميا هو الأب الشرعي لمصطلح الديمقراطية الحديث، وإن الديمقراطية لا تعني شيئا من غير الأيزونوميا، وإن الانتقال من مصطلح الأيزونوميا إلى مصطلح الديمقراطية عند التأريخ لليونان غامض، فما يقال عن الديمقراطية لم يكن إلا في الإيزونوميا. ثم جاء إيفيالتيس Ephialtes الذي شملت إصلاحاته التدقيق والمراقبة على أصحاب المناصب، والمهام القضائية في محاكمات الدولة، واخترع مصطلح المواطنة. وقام Pericles بيريكليس بتمكين الفقراء من مزيد من القوة والسلطات بعد معركتي ماراثون وسيلاميز، فكان هذا تكريسا للإيزونوميا الأثينية، الأب الشرعي لمصطلح الديمقراطية الحديث، أي أنه لربما يكون هذا التوجه من تمكين الفقراء من مزيد من السلطات والقوة تجسيدا للديمقراطية، وإن كان من الصعب جدا الربط بين ما فعله وبين مصطلح الديمقراطية، إلى أن خسر بيريكليس الحرب، فانتقلت معظم الولايات للحكم الأوليغاريخي، إذن فالبحث عن تسمية الحضارة اليونانية القديمة بالديمقراطية، إنما يقوم على أساس محاولة إسقاط مفهوم الديمقراطية الحديث على نظام تطور مع الزمن في أثينا، وصفه الأثينيون بأسماء كثيرة تناسب مصطلحات لغتهم، ومفاهيم فلسفتهم، لم يكن مصطلح الديمقراطية وسما لها، أي أن النظام الأثيني القديم قام على فلسفات كثيرة في الحكم منها فلسفة إعطاء الشعب القدرة على مباشرة ما يراه صالحا له، وقد تم تجاهل الكثير من مصطلحات ومفاهيم تلك المرحلة ودمجها في كلمة الديمقراطية لتقديمها للناس على أساس أنها مبدأ منع تحكم الأقلية في الأكثرية، وتداول السلطة وأن الشعب مصدر السلطات. وحتى الرومان وعلى رأسهم سيسرو Cicero الروماني إنما تبنوا الأيزونوميا، لا الديمقراطية أساسا للحكم. ومن الصعوبة بمكان أن نجد ربطا تاريخيا بين فكرة المساواة، وسيادة القانون، والانتخاب، وبين الديمقراطية، إذ أن لهذه المبادئ لدى اليونانيين مسميات ونظما أخرى، قد تناقضها الديمقراطية نفسها، فمثلا لا يتم الانتخاب بالتصويت، بل بدلا من هذا كانت أثينا تمارس مبدأ القرعة والحظ! لقد كان اليونانيون أعلم بلغتهم وبما يمكن أن تعنيه المصطلحات المشتقة منها، لذلك فإن مصطلح الديمقراطية لا يمتلك من الجزالة اللغوية ما يؤهله لأن يعبر عن مفاهيم سياسية تتعلق بالانتخابات، والعدالة، والشفافية، وتداول السلطة، وما شابه، وكان المفكرون والفلاسفة اليونان يشتقون لهذه المفاهيم مصطلحات مناسبة لها في لغاتهم. لقد كان الحق في التصويت لدى اليونانيين والذي يسمونه أيزبوبسيفيس isopsephos، يعطى لفئات معينة من المجتمع دون غيرها، فليس للمرأة ولا للعبيد، ولا للأجانب الحق في التصويت، وكان الانتخاب يتم بالقرعة، ولا يتم التصويت المباشر إلا لاختيار القادة العسكريين، وكان قوام جوهر الأسلوب الأيزوبفيسي قائما على جعل معايير المواطنة قائمة على أسس العلاقات بين طبقات المجتمع، وقوة الاعتمادات. هل كان اليونانيون يسمون هذا النظام بالديمقراطية! سؤال يصعب الإجابة عليه! في ظل تزوير تاريخي هائل أريد من خلاله إيجاد أب شرعي للديمقراطية الغربية يضرب جذوره في تاريخ البشرية!!
  8. هل من الممكن لألف مؤمن أن يقيموا دولة الإسلام؟ Share on facebook الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله بينما يتردد القائلون بالتدرج أن يطرحوا تطبيق الاسلام، بحجة أن الامة غير مهيئة بعد ويتساءل المتسائلون: هل نحن بحاجة لأن تكون الأمة الاسلامية على ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من الإخلاص والعلم والعمل حتى نستطيع أن نقيم دولة الاسلام وبينما يضع البعض معوقات في طريق تطبيق الشريعة مثل: الجهل بحقيقة الشريعة وقدرتها على مواكبة متطلبات العصر الحديث أو ضعف الإيمان عند كثير من المسلمين، وشعورهم بالهزيمة النفسية. وبينما يرى البعض أن الهوة سحيقة بين واقع المسلمين المتخلف تقنيا، وعلميا، وعسكريا، ويرى سيطرة الاستعمار اقتصاديا وسياسيا وعسكريا على مقاليد الأمور في بلاد المسلمين، فيتساءلون: أين نحن من تطبيق الشريعة! وما هي المعايير التي يجب توفرها في الأمة حتى تستطيع تطبيق الاسلام؟ وما هي الطريقة الصحيحة للوصول إلى إزالة كل تلك العوائق حتى نستطيع وضع الاسلام موضع التطبيق أو قد ينظر البعض إلى واقع الإعلام، وسيطرة المنافقين والمرجفين في المدينة على مقاليده، وتركيزهم على إثارة الغرائز، ونشر الفضائح والرذائل، وانجرار الكثرة من أبناء الأمة وارءهم، فهل أمثال هؤلاء أهل لأن تقوم الدولة الاسلامية على أيديهم؟ والبعض ينظر للمسألة على شاكلة الانتخابات، فهل لدينا أغلبية ممن يريدون تطبيق الشريعة، وهم على استعداد للتضحية في سبيلها إذا ما وقعت الفأس بالرأس وجمع الغرب والشرق جموعه لمنع استمراها بل لمنع التحرك باتجاه تحقيقها! في خضم هذه التساؤلات، يأتي سؤال صادم لهؤلاء جميعا، وهو: هل يستطيع ألف من أبناء هذه الأمة أن يغيروا وجه التاريخ فيقموا دولة الاسلام ويهزموا جموع الكفر قاطبة؟ للجواب على هذا السؤال سأبدأ بطائفة من بني اسرائيل أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُواْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ سألفت النظر في هذه الآيات إلى الأمور التالية: أولا: الملأ من القوم، أي علية القوم والمتنفذون، وأصحاب الكلمة، طلبوا ملكا يقاتلون معه بعد إخراجهم من ديارهم وتشريدهم عن أبنائهم، فلديهم كل أسباب القتال مع هذا الملك ثانيا: لما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم فهذا يعطينا حال من إيمانهم ادعاء، وهذا يذكرنا بتلك العوائق التي يضعها أصحاب العوائق في طريق تطبيق الاسلام! هل تطبقه على من لم يستحكم الايمان بقلبه ويقوده في عمله؟ ثالثا: اختار الله لهم ملكا، ليس من بيت الملك وخالف أهواءهم، فهم غير راضين بالانقياد له. رابعا: كان من دواعي اختياره ومبررات أهليته لهذا المنصب أنه أوتي أمرين: بسطة في العلم، والجسم، وهنا مربط فرس. خامسا: لا شك أننا سننتظر من الآيات أن تجلي لنا: كيف ظهرت آثار علمه وتجلت؟ فإن العلم لم يذكر عرضا، وإنما ذكر ليبين لنا أثر ما علمه الله تعالى. سادسا: اختبر هذا الملك القومَ بأن طلب منهم أن لا يشربوا إلا غرفة باليد، فكان أن أطاعه فئة قليلة جدا من القوم، ومتى كان هذا الاختبار؟ في أشد ساعات الحاجة للتزود بالقوة، حين برزوا لأعدائهم، فاختبر إيمانهم بأن طلب منهم أن لا يشربوا، ولو حكمنا العقل، لحكم بضرورة التزود بالماء قبل المعركة، ولو كان الأمر لحكم العقل لكان أن رأوا أن "قراره" غير صائب، فهو يضعفهم بدلا من أن يقويهم، أي أنه يشكك في قدراته على القيادة! لكن الواقع أن هذا هو تجلي "العلم" الذي أخبر عنه النبي لهم، بأنه زاده بسطة في العلم. وهذا هو الدرس الذي أراد لنا أن نفهمه من وراء هذه الآيات. قلة قليلة أطاعت، ولديهم إلى جانب مقومات الطاعة لمن اختاره لهم نبيهم، لديهم مقوم آخر وهو أنهم يظنون أنهم ملاقوا الله، أي أنهم مستعدون للتضحية في سبيل الله، فيقابلون العدو، فيغلب على ظنهم أنهم سيلقون الله شهداء، وكذلك هم مؤمنون بأن النصر من الله يمنحه للفئة القليلة التي لديها مقومات استحقاق النصر: الطاعة، والإيمان، والتضحية. فكانت النتيجة أن غلبت الفئةُ القليلةُ العدوَّ واستحقوا نصر الله. إذن، فالعلم الذي أخبر الله عنه في هذه الآيات، تجلى بأن هذا الملك أراد أن يصطفي من القوم فئة تستحق نزول النصر عليها، ونقى الجحفل من أولئك المرجفين الذين لا يستحقون نزول النصر عليهم، والذين هم العائق الحائل دون نزول النصر. والنتيجة أن انتصر بالفئة القليلة، وورث الجميع، الفئة التي استحقت النصر، وأولئك الذين لم يطيعوا ولكنهم كانوا من بني اسرائيل، كل أولئك ورث الأرض . إذن فهو درس عظيم بأن النصر ينزل من الله على من يستحق. وأننا يمكن أن ننتصر بالفئة القليلة إن تحقق فيها: طاعة الله بالثبات على منهجه والاستعداد للتضحية في سبيل الله، بالغالي والنفيس استعدادا حقيقيا والإيمان التام بموعود الله. فهذه الفئة تستحق نزول نصر الله على يديها، سواء كانت فئة قليلة، أم فئة كثيرة، المهم أن تتحقق فيها صفات النخبة، فيتنزل عليها النصر. ولكن لهذا النزول سنن، لا بد من المرور بها، لإثبات أن هذه الفئة فعلا مؤمنة، مضحية مطيعة من هذه السنن، أن تؤذى في جنب الله أشد الإيذاء، فتثبت ولا تنحرف عن الجادة أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ ومن هذه السنن ثبات الفئة على منهج الحق: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ لقد أقام الرسول صلى الله عليه وسلم الدولة الاسلامية في المدينة، وواقع المدينة وقتها أن ثلثا من أهلها كانوا مشركين، وثلثا كانوا من اليهود، وثلثا كانوا من أهل القوة والمنعة القادرين على إقامة الدولة، فالعبرة إذن ليست في الكثرة، والأغلبية. وهؤلاء الذين أقاموا الدولة في المدينة، كانوا حديثي عهد بالاسلام، تعلموه على يد مصعب الخير رضي الله عنه، وأما أهل مكة، فمن أسلم منهم في خلال الفترة المكية بالكاد يزيدون قليلا عن المائة شخص! إذن: مائة مؤمن ابتلوا وثبتوا وآمنوا وأطاعوا وبذلوا أنفسهم ، أعانهم الله بفئة من أهل المدينة قادرة على نصرهم، أقام الله على أيدي هذه القلة القليلة دولة الاسلام العظيمة. فنحن بحاجة لتلك الفئة القليلة التي تظهر فيها صفات الطاعة والتضحية والإيمان. وأن تبث هذه الفئة في الكثرة الكاثرة من أبناء الأمة فكرها حتى يوجد رأي عام له، ولسنا بحاجة لأن تتحول الكثرة الكاثرة إلى ما عليه الفئة القليلة من العلم بدقائق المسائل، والتضحية بالغالي والنفيس، وتحقق الإيمان الذي يهز الجبال، بل يكفينا من هذه الكثرة رأيا عاما مساندا ، ونريد إلى جنب هذا فئة مثل الأنصار تنصر هذا الدين لقدرتها على تغيير واقع بقعة ما فيها مقومات الدولة فإن توفرت هذه المقومات، فإن النصر آت من عند الله تعالى مصداقا لقوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
  9. العلمانية تطورت، بدأت بقاعدة اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس، ففصلت الدين عن الدولة، ثم تطورت لما استأسدت ورأت فصل الدين والأخلاق وسائر القيم عن الحياة، إذ أن نظرتهم أن الحكم حتى يكون محايدا، يجب أن يخلو من تحكيم أي قيم مهما كان مصدرها، سواء أكان الدين أم الخلق أم العادات أم غير ذلك، لذلك قرروا فصل الحياة عن كل ذلك، فلا مكان للدين إلا في صومعة الراهب ولا يتعداها بشبر واحد
  10. أخي الكريم أرجو منك تحميل كتاب موقف العقل والعلم من وجود من بيده ملكوت السموات والأرض من هذا الموقع وفيه رد كاف على كل هذه الترهات https://www.facebook.com/groups/169561169861992/
  11. نحن نسميها الأفكار المتعلقة بالعقيدة، وهي الأفكار التي موضوعها ليس الأحكام العملية، بل موضوعها أمور يكون الموقف إزاؤها التفكير والتصديق ، أي أنها من جنس موضوع الأفكار العقدية، مثل سؤال هل رآى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج؟ فهذه مسألة ليست من مسائل الأفعال التي جوابها حرام أو فرض، بل موضوعها فكرة يراد اعتقادها، أو التصديق بها، لكنها وصلتنا بطريق غير قطعية، لذلك ينبغي اتخاذ موقف تجاهها، ولأن الآراء انقسمت تجاهها ما بين مصدق بها وراد لها بأن المعنى أن محمدا عليه سلام الله وصلاته رآى جبريل عليه السلام، ولم ير ربه، فإنها فكرة لا يفضي التكذيب بها إلى الكفر، ويجوز التقليد فيها، ولا يصح إيصال أحد الرأيين للجزم، والله تعالى أعلم
  12. جزاك الله عنا وعن المسلمين خيرا ونفع الله بك هذه الامة الكريمة وفتح الله عليك فتوح خير لنهضة هذه الامة خلافة على منهاج النبوة
  13. ليس كل ما ينشر على النت يصدق أين عقولكم؟ سبحان الله، أخبار بلا مصادر، وسخيف ينشر على موقع مجهول خبرا وكأننا نعيش على المريخ، كنت أريد شطب الموضوع ولكني أحببت أن أكتب هذه الكلمات ليتدبر كل من ينقل الأخبار بأن عليه أن يستوثق، على الجميع أن يستوثقوا والله من وراء القصد
  14. انا لله وانا اليه راجعون رحم الله الفقيد وجعل الجنة مثواه ورزقه رؤية وجهه الكريم اللهم صبر اهله واجزه عنا خير الجزاء
  15. كل الصفحات التي على الفيس بوك التي تنشر باسم أحمد منصور ليست له بل تستغل اسمه
  16. لله درك يا أبا عبد الله، بارك الله بك على كل كلمة قلتها ملايين من الحسنات وحط عنك بكل حرف ملايين من السيئات ورفعك الله بها الملايين من الدرجات لتكون في عليين
  17. ليس عند إبليس التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل ، وهو ليس بمؤمن بل هو كافر وتفصيل ذلك قال الامام تقي الدين النبهاني رحمه الله: ومما يجب أن يُلفت النظر إليه أن اعتناق العقيدة الإسلامية معناه الإيمان بكافة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إجمالاً وما ثبت بالدليل القطعي تفصيلاً، وأن يكون تقبل ذلك عن رضى وتسليم. ويجب أن يعلم أن مجرد المعرفة لا يغني، وأن التمرد على أصغر شيء ثابت يقيناً من الإسلام يخرج الشخص ويفصله من العقيدة. والإسلام كلٌ غير قابل للتجزئة من حيث الإيمان والتقبل فلا يجوز في الإسلام إلا أن يُتقبل كاملاً، والتنازل عن بعضه كفر،... انتهى فالتصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل هو التصديق بكل ما جاء به الرسول عليه السلام إجمالا وما ثبت بالدليل القطعي تفصيلا عن رضى وتسليم
  18. بشركم الله بالجنة الصفحة تتعرض أحيانا لحملة من الفيس بوك تقلل من عدد المعجبين بين يوم وآخر فاعملوا على النشر الواسع يرحمكم الله
  19. رحم الله الإمام حسن البنا رحمة واسعة ولو عاش ليرى ما آلت إليه الأمور اليوم لكان له منها موقف يغضب لله ولرسوله فقد بدل القوم من بعده وغيروا وما هي إلا ساعات يميز الله فيها الخبيث من الطيب وينصر من ينصر دينه
×
×
  • اضف...