اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

تجربة الأحكام الشرعية


أبو موسى

Recommended Posts

★ تجربة الأحكام الشرعية ؟!
     °°°°°°°°°°°°°°°°°°°°° 
      وفي شأن السؤال الثاني: 
هناك من يصف العمل لإقامة الدولة الإسلامية بالتجربة، ويصف الطريق بأنها الخط التجريبي الذي تمر به الدعوة؛ فهل يصح هذا الإطلاق؟
 
    إن وصف الطريق بالتجربة هو في غير محله، ويعطي مدلولاً غير مطابق لمدلول كلمة (الطريق الشرعية). 
     إن طريق العمل في الإسلام هي أحكام شرعية تعتمد على قوة الدليل، ويجب على الجماعة الإلتزام بها إلتزامها بالشرع، ولا يجوز الحيد عنها طالما رأتها بحقها أحكاماً شرعية؛ فلا تكون موضع تجربة وإختبار (إن هي حققت الهدف تكن تجربة ناجحة وإلا فهي فاشلة ويجب تغييرها) حتى تجد الطريق التجربة التي من شأنها تحقيق الهدف. 
       بل إن الطريق الشرعية هي مجموعة من الأحكام الشرعية – كما أسلفنا – من شأنها أن تحقق غايتها والتي هي إستئناف الحياة الإسلامية؛ وهذه الأحكام تعتمد على قوة الدليل، و يُتَعَبَّدَ الله سبحانه بالتقيد بها والصبر عليها طالما أنها أحكام شرعية بحق من يقوم بها، ولا يغيرها إلا إذا تبين له أن هناك دليلاً أقوى في العمل. 
      والطريق الشرعية يجب أن يظهر فيها التأسي واضحاً بعمل الرسول ﷺ ، وهي بهذا المعيار تختلف عنها عند الذين يعملون بحسب الأنظمة الوضعية؛ حيث يُجَرِّبَ الناس أفهامهم ويختبرون العمل ويربطون الصحة والخطأ بالنجاح والفشل وبتحقيق الهدف أو عدم تحقيقه.
 
    إن طبيعة الأنظمة الوضعية أنها غير نهائية عند أصحابها، وتحتاج دائماً إلى التغيير والتطوير؛ فأي عمل يقومون به يصح أن يُطلق عليه أنه تجربة، وإن قوانين الغرب كلها تجارب، ومعيار صحة الفعل عندهم هو تحقيق الغاية منه فقط؛ فإن حقق النتيجة كان صحيحاً وإلا فـلا. وهذا يختلف عن المسلم لـإختلاف طبيعة الإسلام الذي هو منهج ربانيّ من العليم الخبير، فهو صحيح ومكتمل طالما أنه إعتمد على الدليل الشرعي. وصحته آتية من صحة الدليل الشرعي، وصحة الإستدلال، وليس من ربطه بالنتيجة. 
    لذلك كان التقيد هو الأساس، ومنه يُنطَّلَق بالتقويم.

    وفيما يتعلق بأعمال الطريق فإن النتيجة أي الإستخلاف والتمكين هو تحصيل يجب حصوله لقوله تعالى :
 ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾  [ الآية(55) من سورة النور ]
  ولقوله تعالى : 
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾
[ الآية (7) من سورة محمد ] ؛ وإن لم تحصل النتيجة لا يُلغى الطريق ولا يُستبدل، ولا يعلن عن فشله، بل يُراجع ويُعاد النظر في أحكام الطريق؛ ولا يترك أي حكم شرعي إلا إذا تأكدت الجماعة من خطأ فهمها فيه؛ وإذا لم يتبين للجماعة خطأٍ فما عليها إلا الإلتزام بما عندها، والصبر عليه حتى يأتي الله بأمره. 

    وقد يكون الأمر متعلقاً بسنة تأخير النصر التي لم ينج منها الرسل من قبل؛ قال تعالى: 
﴿ حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ﴾ [ من الآية (110) من سورة يوسف ].
 
   نعم إن العمل شاق ويحتاج إلى جهود ضخمة؛ ووسائل الجماعة هي أقل بكثير من وسائل الأنظمة التي تواجهها؛ وإن نجاح العمل ليس مربوطاً بمدة زمنية محددة، حتى إذا انقضت ولم يُؤتِ العمل ثماره حُكم عليه بالفشل، بل هو مربوط بصحة الفكرة وقوة الإلتزام من قبل القائمين بها، والتقبل للفكرة بشكل عام من قبل الناس. ومتى إكتملت هذه الأمور يُسأل عن النصر الذي يتوصل إليه عن طريق طلب النصرة. كل ذلك كما فعل الرسول ﷺ ؛ وتقدير إكتمال هذه الأمور القطعي متروك لله. وتقدير الجماعة في هذا المجال يكون على غلبة الظن. 
   فإذا تحققت عوامل النصر جاء، وإلا فهو يتأخر؛ وتأخره لايعني وجود خطأٍ ما بالضرورة؛ بل قد يعني أن نسبة الإعداد والتهيئة غير كافية، ويجب أن تزاد. 

    والتأخير قد يكون من باب الإبتلاء لشباب الكتلة أو الجماعة؛ أتسقط بعد يأسٍ، أم تبقى على العهد، أو يسقط أفراد منها. على كل حال تجب المراجعة. وفي حال لم تجد الجماعة ما يدعو إلى تغيير طريقها فلا يجوز التغيير تحت حجة التأخير. وعليها أن تَفَتِّش في أساليب عملِها ووسائلِها التي هي في الأصل مباحة وتختار منها الأنسب. 
    وعليه فإن التأخير قد لا يعني فشلاً، وليس هناك أدلة شرعية على بلوغ الهدف في مدة زمنية معينة.
 
    نعم يجب أن ينصبّ النظر على صحة الأفكار والأحكام المتعلقة بالطريق، وبها يُعَـدُّ الشباب، وبها تُهيـأُ الأمة. فإن صحت هذه الأفكار وهذه الأحكام بنظر الجماعة، وتم إختيـار الأساليب والوسائل الناجحة لها، فيجب الصبر عليها ولا يجوز تغييرها مهما تأخر قِطـاف ثمرها. 

 

   إن أمر التغيير يتعلق بأُمَّةٍ، وليس بتغيير فرد أو أفراد. ودولاب تغيير المجتمع أكبر بكثير من دولاب تغيير الأفراد. لذلك فحركته أبطأ بكثير. حتى لا يكاد يراها إلا من أوتي بصيرة نافذة وتوجهاً صحيحاً. وهذا لا يعني أن الفرد عندما يعمل يجب أن يعمل وفي ذهنه أن هذا الأمر لن يقوم على يديه، وأنه سيقوم على أيدي الأجيال القادمة، بل ينطلق الفرد أو أفراد الجماعة وفي ذهنهم أنه سيقوم على أيديهم، وسيشهدونه ان شاء الله تعالى، كما قام على أيدي الرسول ﷺ وصحبه. بل المقصود أن عُمرَ الفرد الزمني قد يقصر وقد يطول والوعد لم يأت لفرد أو لأفراد بل للجماعة؛ فهذه الجماعة المؤمنة هي التي وعدها الله سبحانه بالإستخلاف؛ وحين العمل قد يموت الفرد وقد يموت الأمير، وقد يسقط الكثير ويبقى الوعـد قائماً ما دامت الجماعة قائمة على أمر الله، وسيتحقق النصر على يديها طال أمده أم قصر. فهذا علمه عند الله ولا يُسأل عنه سبحانه؛ والجماعة مسؤولة عن الإلتزام فقط. 

 

   لذلك لا يقال عن الحكم الشرعي إنه تجربة، بحيث لو تأخر تحقق هدفها حكمنا عليها بالفشل وتخلينا عنها، لمصلحة عمل آخر تجريبي. لا يقال ذلك مادُمنَا متأكدين أنه حكم شرعي بحسب الدليل؛ أما الأساليب والوسائل فيصح إخضاعها للتجربة.

 

   •••••••••••••••••••••••

من كتاب «الدعوة إلى الإسلام»

رابط هذا التعليق
شارك

كلام دقيق، ومن ذلك مثلا، وصف الأحكام الشرعية بالتعاليم، فالتعاليم كلمة تعطي انطباعا بأنها اختيارية، أو أنها إرشادات، مع أنها أحكام شرعية لا خيار في اتباعها

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...