اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

التفكير الصائب


Recommended Posts

التفكير الصائب

=============

 

أولا قبل كل شيء يجب معرفة ماذا تعني عملية (تفكير) أو (إدارك) أو (عقل) وهنا نتحدث عن عملية يقوم بها الإنسان، هذه العملية تتم ببساطة أن يكون هناك واقع خارجي يتم نقل الإحساس به بواسطة الحواس الخمس لدماغ صالحة للربط، مع وجود معلومات سابقة تفسر هذا الواقع، وعندها تحصل عملية التفكير أو الإدراك أو العقل لذلك الواقع، ويمكن للإنسان عندها إصدار حكمه على هذا الواقع.

 

والواقع قد يكون أشياء مادية مثل الكرسي والشجرة وأي شكل مجسم، وممكن أن يحس به الإنسان ولا جسم له مثل الأصوات والروائح، وممكن أن يحس به عن طريق حاسة الذوق مثل تذوق الملوحة والحلاوة والمرارة في الطعام، وممكن أن يكون الواقع فكريا أو معنويا، المهم أن الواقع شرط فيه أن تستطيع حواس الإنسان الإحساس به ولو كان قصة حدثت في الزمن الغابر عند سماعها يدرك الإنسان القصة وما فيها من معاني.

 

أما الأشياء التي لا تقع الحواس عليها فلا يجوز التفكير فيها، أو بالأحرى لن يستطيع العقل التفكير فيها، مثل التفكير في ذات الله أو الأمور الغيبية مثل الجن والملائكة فإن حس الإنسان لا يستطيع الوصول لها، وبناء عليه يكتفى بالمعلومات عنها فقط، ولكن يمكن التفكير في أثرها مثل التفكير في مخلوقات الله للاهتداء لوجود الله تعالى.

 

أما الإحساس فيكون عن طريق حواس الإنسان الخمس وهي حاسة البصر والسمع والشم والذوق واللمس، وأهم حاستان عند الإنسان هما البصر والسمع، ومع ذلك لا يمكن الإحساس بأي أمر إلا عن طريق الحواس الخمس، والإحساس لا يحصل إلا إذا وصل الأمر للدماغ وبدأ التفكير فيه، أما مجرد النظر العابر أو أي صوت يدخل الإذن دون تفكير فيه، أو والإنسان يسرح في تفكير غير ما يقع عليه سمعه وبصره فلا يعد هذا إحساسا.

 

أما الدماغ الصالحة للربط فذلك لتمييز الإنسان الصحيح عن الإنسان المجنون أو الذي عنده مشكلة عقلية، وأيضا لتمييزه عن دماغ الحيوان الذي لا يستطيع الربط بين المعلومات، فلا يحصل عند الحيوان تفكير.

 

وأما المعلومات السابقة فعنصر أساسي ورئيسي لعملية التفكير، فبدون معلومات سابقة لا يوجد تفكير، تخيل نحن من نقرأ ونكتب العربية، لو جاؤونا بكتاب باللغة الصينية وطلب منا تفسير المكتوب فإننا سنعجز عن تفسير أي سطر في الكتاب، وذلك لأنا نفتقد عنصر المعلومات السابقة عن اللغة الصينية، ولو جلسنا طيلة اليوم ننظر في الكتاب فسنبقى عاجزين عن تفسيره إلا اذا بدأنا تعلم الاحرف الصينية وطريقة لفظها ومعاني الكلمات الصينية عندها فقط نستطيع تفسير المكتوب باللغة الصينية، وللعلم اول انسان وضع على الارض وهو نبي الله آدم عليه السلام وقد تم تعليمه المعلومات السابقة الاساسية التي يحتاجها أي إنسان، وهو نقلها لجميع البشر من بعده، قال تعالى: { وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}، ولو أن إنسانا عاش في الغابة فإنه سيبقى كالحيوان لا يستطيع التفكير إلا إذا تم تزويد بالمعلومات السابقة عن الحياة وعن أي أمر يريد التفكير فيه.

 

إذن التفكير او الادراك أو العقل هي عملية يقوم بها الانسان، ويخطئ من يظن ان العقل هو الدماغ، فالدماغ هي كتلة موجودة في راس الانسان وحسب ما توصل اليه البشر فان الدماغ هو موضع ربط المعلومات، ولكن العقل عملية يتم فيه الاحساس بالواقع عن طريق الحواس ونقل هذا الاحساس الى الدماغ ومع وجود معلومات سابقة مخزنة حصل عليها الانسان من الابوين اولا ومن تعلمه ثانيا فانه عندها يستطيع التفكير في هذا الواقع وتفسير هذا الواقع، وهذه العملية هي التي تسمى العقل، لذلك فالمجنون عنده دماغ ولكن ليس عنده عقل، وكذا الحيوان -اجلكم الله-.

=-=-=-=-=-=-=

وهنا يتبادر الى الذهن تساؤل ما دام العقل بهذه البساطة فلم تختلف الأحكام من إنسان لإنسان، ولم ترى إنسان مصر على الخطأ الذي هو عليه، ولم ترى العجب العجاب من تفكير البشر؟

 

أقول وبالله التوفيق:

إن هناك عدة أمور تؤثر في أن يختلف التفكير من إنسان لإنسان آخر ولا يعني ذلك تعدد الحقائق عن الشيء الواحد، بل نقول أن إنسانا وصل الحقيقة وإنسان آخر ضل تفكيره فلم يصل للحقيقة، ومن العوامل التي تؤدي لاختلاف التفكير من إنسان لآخر:

 

أولا: عدم إدارك حقيقة الواقع، فلو نظرت على سبيل المثال لإنسان يبكي وظننت أنه يبكي حقا، فان تفكيرك سينصب على انه انسان مسكين عنده مصيبة او الم معين، ولكن لو أخبرك إنسان ثقة ان بكاء هذا الرجل غير حقيقي وانه يجيد الكذب، عندها سيتحول تفكيرك لمعرفة سبب الخداع اهو لاستعطاف الناس او لكسب صدقة منهم أو لاخفاء امر معين، وايضا عدم معرفة الواقع المجتمعي مثلا يجعل احكام الناس تختلف في طريقة اصلاح الخلل المجتمعي.

 

ثانيا: قوة وغزارة المعلومات السابقة عند الإنسان تؤثر في حكمه وتجعل الأحكام تختلف من إنسان لآخر، لاحظ ان تشخيص الطبيب الماهر في الطب لحالة المريض يختلف عن تشخيص الطبيب المبتدئ وذلك لقوة المعلومات السابقة عند الطبيب الماهر.

 

ثالثا: الأساس الذي ينطلق منه الإنسان للتفكير ولربط المعلومات، فإنسان يؤمن بالله يؤمن ان الروابط بين الذرات مثلا جاءت بأمر الخالق بهذا الترتيب وهذا النسق، بينما الانسان الملحد يفسر هذا الامر بالصدفة وبنظريات لم تثبت مثل النظرية الداروينية وبنظريات تطور المادة.

 

فالأساس مهم جدا ودوره يبدأ بعد عملية الاحساس مباشرة، فكل الناس تحس بنفس المشكلة وتشعر بنفس الحدث، ولكن التاثر بالحدث واتخاذ سلوك معين اتجاهه يعتمد على الاساس الذي يفكر عليه، فانسان مسلم مثلا يتاثر بمشهد شرب الخمور والعري ويعتبره عملا مغضبا لله ويثور من اجل ذلك، بينما الغربي الكافر عندما يحس او يرى تلك الامور فانه يشعر بالفرح والسرور لكون هذا مما يؤمن به وهي الحرية الشخصية، ولذلك كان الاساس مهما في عملية التفكير ولذلك يختلف الحكم من شخص لآخر.

 

فالراسماليون وهم المسيطرون حاليا في نظام حياتهم على جميع دول العالم تقريبا مقياسهم النفعية ولذلك حكمهم على الاشياء يعتمد على قاعدة المصلحة والمنفعة والانانية، اما المسلم الحق فالأصل ان يكون مقياسه الوحيد هو الحلال والحرام فقط، فما كان حلالا فعله بغض النظر عن الحكم العقلي وعن النتائج، وما كان حراما ابتعد عنه بغض النظر عن الحكم العقلي وعن النتائج، ولكن بسبب الغزو الفكري والثقافي الغربي وبالذات من قبل الرأسماليين طغت مقاييس المصلحة والمنفعة والأنانية على تفكير كثير من المسلمين.

 

فأصبح كثير من المسلمين لا يرى باسا بحاكم يحكم بالعلمانية لان هذا ما يستطيع فعله، ولا يرى باسا بأخذ الدعم من المجرمين بعلة المرحلية والتدرج في نيل الحقوق وللتقوي على المطالبة بالحقوق، واصبحت الكثير من الحركات تفكر بأنانية وبمصلحتها الذاتية وتبيع القضية والثورة والبلاد والعباد للأعداء، وأصبح الوصول لمنصب زعيم عربي غاية الغايات عند كثير من الحركات الإسلامية، واصبح النفاق مبررا باسم السياسة والتكتيك السياسي، وأصبح الالتزام الصحيح بالإسلام تطرفا لأنه يغضب الكفار ولذلك اخترعوا الاسلام المعتدل ليرضوا الغرب عنهم، وهذه التفاكير سببها طغيان مقاييس المنفعة والمصلحة والأنانية على تفكير كثير من الحركات الاسلامية.

   

رابعا: عدم التجرد عند التفكير يجعل الشخص يخطئ في معرفة الحقيقة، فشخص عنده آراء سابقة عن زعيم أنه إنسان جيد ويحبه كثيرا، وجئت أنت بأدلة تبين خيانته، فإن الآراء السابقة التي لديه ستمنعه من الوصول للحقيقة لأنه يعتبر آراءه السابقة مسلمات ويعتبر النقاش معك ترفا فكريا قد يأخذ به وقد يتركه.

 

أيضا من يجعل مشاعره تغلب على التفكير لن تصل معه للحقيقة، كان تأتي انسان وتحاول أن تبين له نفاق شيخ معين وهو يحب هذا الشيخ حبا كبيرا، فان نقاشك معه لو بينت سلبيات الشيخ سيصطدم فورا بمشاعر الحب لهذا الشيخ وسيهاجمك ويعتبرك عدوا له ولشيخه، لان المشاعر طغت على التفكير العقلي السليم.

 

خامسا: العقل عرضة عند نفس الشخص للتغير والتبدل من مكان لمكان ومن زمان لزمان وحسب الظروف والأهواء، فعندما تراه في بلد معين تراه يمتدح زعيم ذلك البلد وعندما يطرده الزعيم يصبح ذلك الزعيم مجرما، وفي الصغر وقبل الوعي تراه يحب شخصا معينا وبعد فترة من الزمن عندما تضح الصورة له يدرك أن هذا شخص منافق، وعندما يكون الرخاء موجودا يمدح الزعيم وعندما تقسو الحياة عليه يسب الزعيم وكل البلد، وهكذا نفس الإنسان أحيانا يختلف تفكيره من وقت لوقت ومن مكان لمكان وحسب الظروف والأهواء.

 

لذلك لو نظرت لتلك الأمور لوجدت أن الوضع طبيعي أن تجد آراء كثيرة عند البشر في المسألة الواحدة، ولكن لو جعل الإنسان أساس تفكيره العقيدة الإسلامية فقط وفكر بطريقة سليمة بعد بحث وتحر، وفكر بشكل مجرد عن الظروف والأحوال والأهواء ومع وضع آرائه السابقة جانبا، فإنه بإذن الله سيصل الحقيقة وسيكون تفكيره صائبا قد أصاب الحقيقة، ولكن لو حصل أي خلل أثناء عملية التفكير مما ذكره المقال فسيحصل الخطأ في التفكير كما نرى اليوم الكثير من الآراء في المسألة الواحدة.

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...