اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

التغيير الصحيح في ميزان الإسلام


أبو الحسن

Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

(التغيير الصحيح في ميزان الإسلام)

إن اكبر مصيبة ابتليت بها امة الإسلام في العصر الحديث؛ هي غياب منهج الله تعالى من الحكم والسلطان، بهدم صرح الإسلام المتمثل بدولته (دولة الإسلام) ....

فكان هذا الحدث الجلل العظيم بمثابة الصاعقة التي تنزل على الرؤوس، وبمثابة الليل البهيم الذي يرخي سدله على الشمس الوضاءة المشمسة، فيحجب نورها خلف ظلامه الدامس ..

ومنذ ذلك التاريخ ... ومنذ تلك الفاجعة العظيمة والمسلمون في بلاء ما بعده بلاء، وكرب ليس اكبر منه كرب، ويعيشون في ظلم متواصل، وظلام دامس طويل، وحالهم كحال الأيتام الذين فقدوا أمهم وأباهم فأصبحوا أضيع من هؤلاء الأيتام بين اللئام المتجبرين المتكبرين المتغطرسين!! .

إن هذا الحدث الجلل لم يحدث بين عشية وضحاها، ولم يحدث في ساعةٍ واحدةٍ من نهار إنما كان ثمرة جهود وإعمالٍ كبيرة، وحروبٍ طاحنة منذ بداية الإسلام، وبعد ذلك قيام دولة الإسلام، حتى كانت الخاتمة المفجعة بهدم هذا الصرح العظيم!! ...

لكن هذه الأمة العظيمة –امة القرآن- امة الرسول العظيم عليه السلام –، امة (لا اله إلا الله محمد رسول الله) ...، امة الإسلام ... الأمة المرتبطة بالله العظيم العزيز العلي العظيم؛ صاحب صفات العظمة والجلال والكمال ..، هذه الأمة أبت إلا أن تعودَ إلى أصالتها وكريم معدنها، وسمِّوها ورفعتها المتصلة بالله السامي العظيم ..،أبت هذه الأمة إلا أن تستعيد كرامتها ودينها وشريعتها الضائعة من حياتها، وتستعيد ما تقوم به هذه الشريعة بين الأنام؛ تستعيد دولة الإسلام ...

إن الأمة الإسلامية اليوم -وقد اكتوت بالشرور العديدة- باتت تدرك يقينا أنها يجب أن تغيّر هذا الواقع، وتزيل عن نفسها أطمارَ وأوحالَ الذلّ والهوان، والفقر والتخلّف والتردّي والجهل، وقد زاد هذا الإصرارُ على تغيير حالها بعد أن انكشف أمر حكامها لها بشكل واصح جليّ، وانكشفت عمالاتهم وأعمالهم الشيطانية الإجرامية، وخاصةً بعد ما حصل من هؤلاء الحكام في حرب الخليج الأولى والثانية، وما حصل كذلك منهم في خذلان قضية المسلمين في بيت المقدس (المسجد الأقصى المبارك وما حوله من ارض الإسراء)، ثم اعترافهم بكيان يهود صراحةً وعلى الملأ من الناس جميعاً، بما فيهم شعوبهم!! ..

ثم ازداد هذا الإصرار عزماً وحزماً وتصميماً في ظلّ هذه الثورات العظيمة، والانتفاضات المباركة التي بدأت في بلاد العرب وستمتد عما قريب إلى كل بلاد المسلمين بإذنه تعالى ..

لكن السؤال المهم في هذا المقام هو: هل تنشد الشعوب التغيير على أساس الإسلام بإسقاط هؤلاء الحكام العملاء، وتغيير الدساتير العفنة، التي جلبت الشقاء والبؤس والظلم والفقر للمسلين جميعاً؟! هل تسعى الشعوب بالفعل إلى قلع جذور الاستعمار الثقافي والسياسي وخلع عملائه الفكرييّن والسياسيّين؟! وهل يكون هناك تغييرٌ صحيحٌ في العالم الإسلامي بغير هذا السبيل الواضح؟!

وقبل الإجابة عن هذا السؤال العظيم، نقول: إن الشعوب في العالم الإسلامي قامت ضدّ الظلم المتمثل بالاستعمار العسكري في بدايات القرن الماضي؛ أي بعد أن غزا الغربيون بلادهم، ورأوْا ما رأوْا من فساده وشرّه وتخريبه وتدميره بحياتهم وبلادهم .. وقد استطاعت الشعوب بالفعل أن تقدّم تضحياتٍ عظيمة مكّنتها من إخراج الاستعمار في نهاية المطاف، وكان الدافع في ثورات الأمة آنذاك إسلاميا؛ إي كانت المشاعر المحركة إسلامية، لكن كان ينقصها الوعي على واقعها التغيير الحقيقي الصحيح، مما جعل القوى الاستعمارية تلتفّ على هذه الجهود العظيمة، والتضحيات الكبيرة، وذلك بواسطة عملاء سياسييّن نصبتهم على رقاب الأمة بدلاً منها..!!

 وها هي الشعوب اليوم تكتشف الحقيقية بعد سنوات طويلة من الآلام العريضة بسبب هؤلاء الحكام؛ لتكتشف أن الحكام هؤلاء هم أدوات رخيصة بيد أمريكا وكيان يهود، لا يعصون لها أمراً ولا نهياً، ويفعلون ما يؤمرون!!..، فقامت الشعوب- وخاصة في بلاد العرب- ضدّ القهر والظلم والتسلط بثورات عظيمة واسعة شملت اغلب البلاد العربية، وكانت الشعوب كلها تهتف بصوت واحد : (الشعب يريد إسقاط النظام )، الشعب يريد إسقاط الحاكم!!..

لكن هذه الشعوب لم تعل صوتها حتى الآن بشكل واضح أنها تريد الإسلام ، مع أنها بالفعل تريد الإسلام؛ لأنها شعوب مسلمة، وعقيدتها إسلامية، ومشاعرها إسلامية وتحبّ الإسلام ..

وأمام هذا الواقع نريد أن نضع الأمة أمام الحقائق التالية( وهي تنشد الانعتاق والتحرر والخلاص) :   

1-إن أيّ عملية تغيير في العالم الإسلامي لا تقوم على أساس دين الإسلام؛ -دين الأمة وأساس حياتها – هذه العملية لن تغني الأمة شيئاً، ولكن تنقذها مما هي فيه من ضياع وظلم، لان ما سوى الإسلام ظلمٌ شرٌ واعوجاج قال تعالى: " وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" 89- النحل،وقال: " وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" 153- الأنعام، وقال عليه السلام " :تركت فيكم..."

فقد جرّبت الأمة شعارات القومية العربية فوجدتها سراباً لا ماء فيه، وضاعت في ظلّ حكامها مقدساتها ومقدراتها، وغُزيت في عقر دارها من كافة الاتجاهات، ومورس عليها الظلم والقهر والتسلط بكافة أشكاله وأساليبه، وجربت القوانين الرأسمالية فزادتها انحطاطاً فوق انحطاط، وظلماً فوق ظلم، وتسلطاً فوق تسلط، وأصبحت هذه القوانين ستارة بين الأمة والحكام، يغطي بها الحكام عوراتهم وجرائمهم، وجرّبت شعارات الاشتراكية الكاذبة فلم تجد فيها شيئاً فكانت كطاحونة الهواء لا تُنتج سوى إزعاج الصوت، واتخذ منها الحكام في نفس الوقت أغطية مزركشة يغطون بها  أكاذيبهم وأعمالهم !!..

2-إن شعارات (الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان)، والتي يحاول الاستعمار زرعها في عقول أبناء المسلمين، عن طريق وسائل الإعلام المسمومة، وعن طريق الأحزاب العميلة، وذلك في ظلّ ثورات الشعوب العارمة في البلاد العربية؛ هذه الشعارات ما هي إلا أكاذيب يحاول بها الغرب صرف المسلمين عن دينهم، وعن المطالبة بتحكيم هذا الدين في الدولة والمجتمع ..

وحتى تدرك الشعوب الحقيقة جيداً يجب أن تنظر إلى هذا الأمر من زوايتين؛ الأولى: إن هذه الشعارات لا تطبق في بلاد المسلمين إلا في جانب واحد هو نشر الفساد الأخلاقي، ووجود الدساتير العلمانية في بلاد المسلمين، ولا تطبق أبدا في جانب حرية اختيار الشعوب لدستورهم، والغرب يضع كلّ العقبات المادية والمعنوية للحيلولة دون اختيار الشعب للإسلام كدستور لحياتهم، وما حادثة انتخابات الجزائر عنا ببعد!!..

الزاوية الثانية : هو أن الديمقراطية والحرية كأساس للحياة وللدساتير قد فشلت عملياً فشلاً ذريعاً في موطنها الأصلي؛ أي في أوروبا وأمريكا، وإلا ماذا نسمي هذا الانحطاط الأخلاقي في بلاد الغرب، أليس انحطاطاً حضارياً سببه الحريات الشخصية؟!، وما هو سبب هذه الأزمات المالية العاصفة في بلاد المسلمين، أليس سببها الحرية المتعلقة بالملكية ( في التنمية والانتفاع والتصرف بالملك) ؟!.

3- هناك شروط خبيثة تضعها الأنظمة العميلة بإيعاز من الاستعمار وتروّج لها وسائل الإعلام المسموعة المتمثلة هذه الأيام بالفضائيات، ومن هذه الشروط: أن دخول أي حزبٍ حلبة الصراع السياسي يجب أن يكون على أساس الدولة المدنية، لا على أساس الدولة الدينية، ويحاولون تبرير هذه المقولة السامة، بان الدولة الدينية تقضي على الحريات، وعلى الديمقراطيات وحقوق المرأة والتعددية الفكرية .. إلى غير ذلك من تلفيقات وأكاذيب ما انزل الله بها من سلطان!!..

وهذا الأمر واضح فيه عداء الإسلام، والجماعات الإسلامية العاملة على أساس الإسلام، وواضح فيه موضوع تحريض الشعوب وإثارتها ضد الجماعات الإسلامية المخلصة، والهدف من ذلك هو بقاء السيطرة الاستعمارية في أي عملية تغيير في العالم الإسلامي، والحيلولة دون تمكّن المسلمين من هذه الغاية!! . وقد برز هذا الشرط في قانون الأحزاب في تونس لسنة 2011 

 

وبرز أيضا في مشروع (قانون الأحزاب في مصر)، الذي كلف بصياغة نصوصه بالتشاور مع الأحزاب والتجمعات السياسية الدكتور ( يحيى الجمل، نائب رئيس مجلس الوزراء)، حيث قال:  في مقابلة صحفية بتاريخ 4/6/2011 (  يجب على الأحزاب المشاركة في الانتخابات في مصر الالتزام بالإعلان الدستوري والقانون اللذان ينصصان على عدم جواز إنشاء أحزاب سياسية على أساس ديني)  وأضاف:  أن مصر دولة مدنية ولن يسمح بإقامة دولة دينية، متابعاً: سأظل أردد بأنه لا أسوء من الدولة البوليسية إلا الدولة الدينية التي تضطهد مواطنيها باسم الدين.

وللأسف الشديد فان بعض الجماعات الإسلامية في مصر وتونس؛ مثل حركة الإخوان المسلمين وحزب النهضة الإسلامي قد قبلوا بهذه الشروط المجحفة بحق الإسلام والمسلمين، حيث جاء على لسان احد زعماء الإخوان المسلمين في مصر( أبو الفتوح) بشان الحريات:  " "أول مبادئ الدين الإسلامي هي الحرية والعدالة، والهوس الديني الموجود حاليا هو الحرام بعينه، فلا يجب أن يزج اسم الدين في حالة التسطيح الموجودة على الساحة الآن، فالالتزام بالإسلام لا يعني تحجّب جميع سيدات مصر، فالتدين بالإجبار والقهر المعنوي لا يصح"، وتابع  "لا أطالب بفصل الدين عن الدولة، فالدولة في الإسلام دولة مدنية..)

وجاء على لسان زعيم حزب النهضة في تونس ( الغنوشي) في تصريحات لوكالة "آكي" الإيطالية للأنباء:  إن التيار الإسلامي الوسطي الذي تمثله حركة النهضة في تونس وحركة الإخوان في مصر يؤمن بالدولة المدنية والديمقراطية وحقوق الفرد.

4-إن ثمرة الدماء الزكية الطاهرة -في دار الدنيا- يجب أن تكون قلع هؤلاء المجرمين من الحكام، وقلع دساتيرهم الإجرامية، لأنها هي التي تسببت بهذه الدماء الطاهرة، وبهؤلاء الآلاف من الجرحى والمعوّقين، وهي السبب الأصلي في قيام الجماهير الثائرة المنتفضة في البلاد العربية على وجه الخصوص.. فسكوت الأمة على بقاء هؤلاء الحكام وأعوانهم ودساتيرهم هو خيانة لله ورسوله ولدينه، وفوق ذلك خيانة للدماء الزكية الطاهرة التي سقطت على أيدي هؤلاء المتنفّذين وأعوانهم، وفي ظل دساتيرهم السقيمة.

5-إن المبادرة بعميلة التغيير الحقيقي على أساسٍ صحيح سليم سيوفر على الأمة معاناة جديدة في ظل أوضاع جديدة لا يعلم نتائجها إلا الله تعالى، تماماً كما حصل معها بعد الثورات التحرر من الاستعمار الأول حين أغفلت دينها، ولم تبن حياتها على أسس سليمة، فكانت النتيجة هذه المعاناة وهذه الدماء الزكية التي تسيل في ظل هذه الثورات العارمة اليوم!!..

فإذا أرادت الشعوب بالفعل أن تجنّب نفسها طريق معاناةٍ جديد فعليها أن تختار الإسلام دستوراً لحياتها فوراً ودون أي تأخير، ويجب عليها أن تختار لذلك أخيار الناس من المخلصين الذين لم يسيروا يوما ً في درب الحكام، ولا في درب أسياد الحكام من الدول الاستعمارية ..

6-إن القاسم المشترك الذي يقبله الناس جميعاً في بلاد المسلمين في كافة الدول، ويرضى به الجميع هو الدستور الإسلامي، ولو كان هناك اخذ للرأي بشكل صريح دون مخادعةٍ، لكان رأي الأمة جميعاً أنها تريد الإسلام، لان الإسلام أصبح رأياً عاماً في كل العالم الإسلامي، ولولا عمليات القهر والسجون والتنكيل بالمسلمين، وصرف الناس عن دينهم لكان الإسلام مطابقاً عمليا في بلاد المسلمين منذ عشرات السنين ..

وفي الختام نقول : بان ما يقوم به الكفار وأعوانهم؛ من أحزاب وعملاء سياسيّين وفكريّين لتغطية الشمس بالغربال ما هو إلا عبثٌ وخيال، ولن يفيدهم ذلك الاستعمار شيئاً!!

 فهذه الأمة هي امة الإسلام؛ عقدتها إسلامية، وتريد الإسلام بالفعل في حياتها، فالأمة عمّا قريبٍ ستُعلي صوتها عالياً بأنها تريد الإسلام؛ عن طريق دولة الإسلام ودستور الإسلام، لأنها بالفعل تريد ذلك، وان ما يحرفها ويعزلها عن هذا الهدف هي عمليات التضليل الشيطانية عن طريق العملاء ووسائلهم وأبواقهم من خلال وسائل الإعلام..

فنسأله تعالي أن لا تطول معاناة الأمة، وان لا يطول تضليلها وحرفها عن الحقيقة، وان ترى نور الإسلام وعدل الإسلام، واستقامة الإسلام بأعينها، وتعايشه في ظل دولة إسلامية تملأ الأرض عدلاً واستقامة كما ملأت ظلماً وجوراً،ليصدق بذلك حديث الرسول عليه السلام: " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم ، حتى يبعث الله فيه رجلاً مني – أو من أهل بيتي – بواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت جوراً وظلماً) رواه الترمذي،  وروى مسلم عن أبي سعيد أيضاً ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خلفائكم خليفة يحثو المال حثياً ، لا يعده عداً "

     نسأله تعالى أن يكون ذلك قريبا-  انه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...