اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

رحلة الشك العلمي


Recommended Posts

بروفيسور ماهر الجعبري: رحلة الشك العلمي.. أول الكلام

maher-jabari-1-457x320.jpg

 

بروفيسور ماهر الجعبري

 

 

يخيل للبعض أن العلوم الطبيعية التي تمخضت عن النهج العلمي التجريبي هي ذروة المعرفة البشرية، وأنها باتت الحكمَ على غيرها من المعارف، بل وهي التي تُصدِّق العقائد أو تكذّبها، وقد تمر الحياة على كثير من العلماء دون أن يعيشوا لحظة من صحوة حقيقية، وهم ينخرطون في دهاليز العلم المادي متفاعلين معه، ومستسلمين لكل المعلومات «العلمية» التي انغمست في أذهانهم عبر مسيرتهم العلمية، وهي التي تتحوّل مع مرور الزمن، ومع التدفق العلمي والإعلامي على عقول البشرية إلى ما يشبه اليقين، وهي التي تحوّل تعاطيهم معها إلى ما يشبه الإيمان، عبر التصديق الجازم الذي لا يتطرق إليه شك، رغم أنهم يدركون أن من ثوابت الطريقة العلمية: أن مخرجاتها قابلة للنقد والنقض والدحض.

 

 

 

ومع كرّ الأيام وتكرار الكلام وتقليب الصفحات، تصبح تلك المعارف العلمية لدى غالبية العلماء ثابتًا أو مرجعًا عقليًّا لكل فكر، وأساسًا ذهنيًّا للحكم على الأفكار الأخرى؛ إذ من الصعب على كثير من العلماء أن يستشعروا بجدران ذلك «الصندوق» الذي وُضعوا أو وَضعوا أنفسهم فيه، فكيف بهم أن يحاولوا الخروج منه بتفكيرهم الناقد وإبداعهم الرائد! رغم أن «التفكير الناقد» و«الإبداع» باتا كلمي السر للحركة العلمية العالمية.

 

إذ إن ثمة سطوة للعلم كما للساسة، ولصفحاته هيبة في نفوس البشر كما الأديان، ومن الصعب على الناس أن تفكّر بإعادة النظر بمخرجات العلم المفصلية أمام تلك الهيبة وذلك السلطان، وخصوصًا أن العلماء والهيئات العلمية تصبح أحيانًا قاسية جدًا في ردود أفعالها على من يحاول «إعادة النظر»، وكأنّها تُغيَّبُ عندها العقليةُ المنفتحة، وتنسى تَقَبُّلَ الرأي الآخر أمام أية محاولة للخروج من الصندوق.

 

وأمام تلك الغفلة «العلمية» نطرح في أول الكلام سؤالًا تأسيسيًّا: هل يمكن أن يكون التاريخ العلمي للبشرية قد مرّر أباطيل «علمية» وحوّلها في الذاكرة الجمعية للبشرية إلى حقائق لا يمكن النقاش حولها؟ وهل يمكن أن تكون أذهاننا قد امتلأت بـ«الخزعبلات العلمية» من التي تَكوَّنت لها هالةٌ عاطفية تجعل ممن يطرح أي تساؤل حولها محل نقد وقدح وردح؟

 

 

 

هنا سؤال مصيري لا يقل أهمية عن تلك الأسئلة الوجودية التي تَطرقُ ذهنَ المفكر في بداية مشواره العقلي، والتي تكون الفاتحة لموقفه الديني من الوجود: من أين أتيت وإلى أين أمضي؟ لأن تلك المعلومات العلمية لم تكتفِ بطرح أجوبة عن تلك الأسئلة الوجودية، بل إن العلم قد أقحم نفسه في طرح نهج معرفي بديل للإجابة عن تلك الأسئلة الوجودية، وهو المنهج العلمي، في مقابل المنهج العقلي، وما يتمخض عنه من النهج النقلي الذي يؤكد العقل صدق النقل فيه.

 

ولذلك فإن البحث في الموقف مما تُسمّى الحقائق العلمية لا يقل أهمية عن التفكير العقائدي، لأن المجالين قد تشابكا في المجالات المعرفية، وتعاركا في طريقة التفكير، وتنافسا على عقول البشرية وقلوبها، وخصوصًا في ما يتعلق بموقف الإنسان من الوجود وما حوله.

 

وتبدو معالم هذا الصراع بين التصورات العلمية والأطروحات الدينية جلية في المناظرات والمؤلفات والوثائقيات، رغم محاولات كثير من علماء الطبيعة وعلماء الشريعة (وعلماء اللاهوت) إيجاد حالة من التصالح المعرفي، وفرض السِّلم بين العلمانية والدينية، عبر نهج التوفيق بين مخرجات العلم، وبين مظّنات النصوص الدينية ودلالاتها في الكتب السماوية، وخصوصًا بعدما تجاوزت أوروبا مرحلة الكبت الديني في عصورها الظلامية، وانفتحت على عصر النهضة الذي قام على «العلم»! ثم لحقتها ضمن ذلك المسار بقيةُ شعوب الأرض وأممها، ومنهم الأمة الإسلامية، التي رضخت تحت ضغط الغلبة العسكرية أمام الغزو الاستعماري إلى الشعور بالغلبة الفكرية أمام سلطان المعرفة الغربية.

 

 

 

إن النظرة العامة للتصورات الدينية للوجود المادي تكشف عن تصوّر مبسّط جدًا للأرض والسماء ومصابيحها، قد لا يبدو في انسجام مع ذلك المشهد المعقّد الذي ترسمه وكالات الفضاء العالمية لذلك الكون المتمدد في الزمان والمكان، والمركب في الكرات والحركة والدوران! رغم كل محاولات التوفيق وليّ أعناق النصوص… وقد تكشف تلك النظرةُ المقارنةُ عن تنافر ظاهر أو خفي، رغم الحديث عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، ورغم دعوى أن الأديان السماوية نزلت على الناس خلال مرحلة متواضعة من المعرفة البشرية للكون، بينما هي دعوى لا تصمد أمام الوثائق الإغريقية والتفاسير الإسلامية للقرآن التي تناولت الأطروحات الحديثة نفسها حول شكل الأرض مثلًا، ونقلت شيئًا من الجدل المُزمن حول بعض تلك الأمور، مما لا زال العلم نفسه يردد صداه، كأنه جدل عابر للأزمان، مما سنبيّنه خلال هذا المسار المعرفي الذي يبدأه أول الكلام هذا.

 

ثم إن ذلك التصوير البسيط لمشهد الأرض والسماء وانبثاق الحياة في القرآن -وما يشبهه في الكتب السماوية- يوجد طمأنينة ذهنية وقلبية، قد تتزحزح أمام ذلك التدفق العلمي لذلك الكون المتمدد في الزمان والمكان، والمركّب في الكرات والحركة والدوران كما كتبنا أعلاه، ويصبح ذهن المؤمن بالدين السماوي محل هجوم ذهني لكثير من الأسئلة التي تقلقه كلّما حاول التوفيق بين مخرجات العلوم التي تصنَّفُ على أنها حقائقُ ضمن ذلك الصندوق العلمي، وبين دلالاتِ النصوصِ الكونيةِ التي تُعتبر عقائد في الأديان السماوية، وعبثًا يحاول الكثيرون أن يلبَسوا طاقية لكل وقت ومهمة، واحدة للعالم الطبيعي، وأخرى للمتدين بدينه السماوي الذي يطرح إجابات كونية قد لا تتجانس مع تلك المعلومات العلمية (أو الحقائق!).

 

من هنا تبدأ مسيرة شقاء، شقاء أوّلُه نفسي يقلق الباحث المفكر، ومنتهاه بشري يقلق هذه البشرية، رغم محاولة المفكرين الغربيين تعريف العلمانية على أنها فصل الدين عن الحياة، فربما من الضروري العودة إلى البحث في تعريفها الأصلي، مما سنطرحه ضمن هذا المسار المعرفي.

 

 

 

وفي أول الكلام، قبل أن نفتح ما يليه، نطرح أسئلة استهلالية للتفكير الذاتي:

 

1- هل ترى أن التصور العلمي لتركيب المادة ومكونات الذرة وسلوكها هو حقيقة لا تقبل الجدل؟

 

2- هل تؤمن بأن أقدام الأمريكان قد وطئت سطح القمر حقًّا؟

 

3- هل انتهى علم البشر إلى أن شكل الأرض مكوّر بيضاوي أم هل تصح نظرية الأرض المسطحة؟

 

4- هل انبثق الوجود المادي من نقطة متناهية في الصغر عبر الانفجار الكوني العظيم وأدى إلى الكون الفسيح المتمدد؟

 

5- هل تطورت الحياة من خلية بسيطة إلى إنسان «جبّار» يحلّق في الفراغ الكوني ويجوب آفاق السماوات والأرض؟

 

6- هل تعاني الأرض حقًّا من أزمة الاحتباس الحراري التي تهدد مستقبلها وديمومتها أم هي قضية مفتعلة لغايات سياسية؟

 

 

 

وأمام هذه السيل الجارف من التساؤلات العلمية الوجودية وما يلحق بها، يُلحّ على الذهن تساؤل عام: هل يمكن أن نكون قد حملنا خزعبلات علمية خلال حشرِنا داخل الصندوق العلمي؟ وهل يمكن أن نكون قد خضعنا لأجندات سياسية وحضارية قادتنا إلى ما نحن عليه الآن من معرفة علمية كادت أن تكون غير خاضعة للنقاش؟

 

 

 

وضمن محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة العلمية المصيرية، نتساءل عن طريق المعرفة التي تتولد عنها تلك الإجابات، وعن مستوى القناعة بها، من حيث التصديق بها حد اليقين الذي لا يتزحزح والتسليم بها في ما يشبه «الإيمان» وهو التصديق الجازم! أو الشك العلمي؟

 

 

 

وقبل أن نتقدم خطوة في الإجابة عن هذه الأسئلة، نتساءل أيضًا حول «التفكير الناقد» الذي يختبر المعلومات، ويميز الحقائق عن الأباطيل، ثم حول مستويات التصديق بتلك المعارف حسب تصنيف العلم نفسه ما بين حقيقة ونظرية وفرضية، ضمن هذا المسار المعرفي حول الشك العلمي.

 

أستاذ الهندسة – باحث ومفكر أكاديمي من فلسطين

الخليل – فلسطين

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم. بالفعل لقد أثرت النهضة العلمية التي جاءت من الغرب  عن طريق البحث العلمي القائم على فكرة فصل الدين عن الحياة على طريقة تفكير العلماء وعلى سلوك عامة الناس فالعلم والوسائل العلمية التي توصل اليها الانسان بالطريقة العلمية في التفكير  اصبحت مقدسة عند الانسان الا ما رحم ربي وهذه الطريقة العلمية في التفكير حولت وجهة الانسان على حقيقة هذا الكون والانسان والحياة وما قبلها وما بعدها هذه الطريقة العلمية القائمة على عقيدة باطلة ألهت الانسان وأصبحت  قبلة تفكير كثير من الناس .لقد يفنى عمر الانسان مع هذه الطريقة في التفكير ويحسب انه ملك الدنيا  باكملها بما توصل اليه عقله وهو في الحقية انه لم يتوصل الى شيئ ما لم يهتدي الى العقيدة الاسلامية التي تجيبه على جميع الاسئلة 

رابط هذا التعليق
شارك

وعليكم السلام، تابعنا باهتمام بالغ الحلقات الثلاث التي نشرت حول الموضوع من الأستاذ الكريم المفكر ماهر الجعبري، وسررنا بإضاءاته وتأملاته، وننتظر المزيد منه بارك الله تعالى فيه

رابط هذا التعليق
شارك

  • 2 weeks later...

السلام عليكم

للدكتور ماهر الجعبري كتاب "مناهج البحث العلمي- عرض مهني من منظور حضاري"

وهو يقوم بتدريسه في جامعته بالخليل

وهو كتاب قيم ورائع ويعتبر مرجعا مهما للبحث العلمي بالشكل الصحيح وفق معايير الفكر الاسلامي المستنير

رابط هذا التعليق
شارك

  • 3 weeks later...

سأتوقف عن الحكم النهائي كون المقالات لم تتم بعد، و لكن عندي بعض الملاحظات (و ليست هذه الملاحظات او الانتقدات موجهة للمقالات و انما هي خواطر خلال قرائتي لها):

اعتبار الاسئلة المطروحة في البداية اسئلة وجودية او جوهرية في رايي هو امر غير دقيق. كروية الارض؟ الاحتباس الحراري؟ هبوط الامريكان على سطح القمر؟ لا أدري. فانا ارى ان تلك الاسئلة لا تستحق هذا الوصف (و الاخيرة ليست سوالا علميا حتى، بل هي بحث في تصديق الاخبار لا العلوم). ربما تكون محورية عند المسيحي الانجيلي اللذي ينكر كروية الارض بناءا على فهمه للانجيل او عند الامريكي الجمهوري الذي ينكر الاحتباس الحراري لكي لا يرضخ تحت سياسات الحد من التصنيع بما يتماشى مع سياسته (و هنا ملاحظة ان انكار تلك الحقائق العلمية، كالتصديق بها، قد يكون امرا مسيسا). و لكن، لنا كمسلمين، لم تكون تلك التساولات جوهرية وجودية؟

قد يتوهم البعض ان مثل هذه الشكيكات هو كسر لحجاز الهيمنة الثقافية الغربية، ولكن كثير من هذه التشكيكات، ان لم يكن جلها او كلها، مستوردة. فالتشكيك بكروية الارض و نظريات الموامرة حول الهبوط على القمر و الجدال حول الاحتباس الحراري كلها صرعات غربية تبدأها جماعات هامشية في المجتمع الغربي ثم ترى هنا من يستوردها و يتبعها. فليست هي شكوكا محلية حتى!

و ربما قال قائل ان هنالك من يشكك بالدين على اساس العلم او ما الى ذلك من اطروحات كـ"العقل ضد النقل" او "العلم مقابل الدين" او "الحداثة ة التقليد"... و لكن الرد على هذه الاطروحات لا يكون بالخوض فيها على اساس القبول بمقدماتها. فلا يكون التحرر منها بلانطلاق من فرضها المسبق لوجود التعارض و محاولة الانتصار للدين بالتشكيك في العلم او ما الى ذلك. و انما يكون التحرر يكون بادراك بطلان المقدمة اساسا! فكل من عنده علم بالمنهج العلمي يدرك ان العلوم لم بتنى كبديل للدين و ان مجالها مجال مختلف. و كل من عنده علم بالدين يدرك ان الدين، على الاقل الاسلام، لم ينزل ليكشف تفسيرات علمية للظواهر المحسوسة. فكل جدل "الدين ضد العلم" و ما الى  ذلك هو جدل متوهم. و التحرر منه لا يكون بلانطلاق من مقدماته بل برفضها.

فما ان زال الوهم ارتقينا عن الموقف الدفاعي و استطعنا ان نفكر بوضوح اكثر. و هنا ناتي لمجال العلوم. لم يدع المنهج العلم يوما ان مجاله اعطاء الحقائق اليقينية. و انما مجاله ان يحاول البعض ان يقدم تفسيرات للمشاهدات و التجارب المختلفة، و اي تفسير يظل صامدا امام المشاهدات و التجارب اللاحقة فذلك يظل متقبلا كتفسير يغلب أن يكون الاصح. و كلما أتى بحث جديد فانه يحاول ان ينقض من سبقه، او يبني عليه، او يحسن منه. فمن اطلع على اي من الابحاث العلمية يرى انها تتبع هذا النمط: ياتي فريق و يجري تجربة و يضع تفسيره و محدوديات بحثه و ما يمكن للتحسين منه. فياتي اخر يحسن على بحثه و يبني عليه و يعمم او يخصص بعض التفسيرات السابقة. و ياتي آخر يشكك بكل من سبقه معترضا اما على تجاربهم او على استدلالاتهم و ياتي بتفسير اخر للمشاهدات و التجارب! فهكذا كل الابحاث العلمية.

فليس التشكيك في العلوم و انكار يقينيته بالحذاقة ولا الجديد، و انما الاختصاص و اهله لا يهدفون ليكون مجالهم يقينيا ولا ينكرون ولا يخجلون من ظنية ابحاثهم. فالمنهج العلمي المعاصر مبني على دوام الشك و البحث. و كل من يخرج ببحث جديد، سواءا منتقدا او مكملا، يعطى شهادة في الدراسات العليا. فمن كان عنده نظرية علمية تنقد ما سبقه من نظريات و يستطيع اثباتها فله ذلك.

و هذا ياتي بنا الى ما ذكر حول "الجرح التعديل" في المجال العلمي. ان عملية النشر للابحاث العلمية لا تخلوا منها. فمعلوم ان الابحاث تنشر في مجلات علمية و ان تلك المجلات لا تستو بدرجة القوة و هنالك معايير و شروط تخضع لها و ان كل بحث لكي ينشر لا بد له ان يخضع لمناقشة من مختصين في المجال. فالموسسة العلمية الى حد كبير تطبق كثيرا من الجرح و التعديل ذاتيا.

و لكن بالطبع ليس هذا كفيلا بان يعطيك يقينا. و لا ينفي ان كثيرا من المرات قد تكون هنالك اساءة تطبيق و تقصير. و لا ينكر حقيقة ان هنالك مدلسين و كذابين في المجال. و لكن هذا تماما ما وجدت العملية العلملية للحد منه و التعامل معه و تنقيحه.

فهذا بالنسبة للمنهج العملي. فالطريقة العلمية ليست مجالها اعطاء اليقين عن الواقع و لا حل العقدة الكبرى ولا ما الى ذلك و لكنها طريقة عملية و فعالة الى حد كبير في اعطاء التقسيرات الظنية التي يغلب عليها الصحة بالنسبة للمشاهدات. (و لست اقر هنا بعصمة العلم ولا الموسسة العلمية فهنالك مجال للانتقادات و لكني احصر تعليقاتي في بعض ما اثارته المقالات).

فان فرغنا من هذا بالنسبة للبحث العلمي، انتقلنا الى كيفية تعامل الناس مع العلوم. و هذا مجال مختلف و المشكلة بها ليست مشكلة بالعلم نفسه و التشكيك و الانتقاد فيه ليس انتقادا للبحث العلمي و انما هو انتقاد لكيفية تعامل الناس مع العلوم. و هنا بلا شك هنالك مجال كثير للنقد و الانتقاد. فهنالك فعلا من يتسرع باخذ بعض الامور دون التحقق من مصداقياتها (و هذا ليس خاصا في مجال العلوم و لكن هو عام في كل مجال). و كذلك فعلا دور للاعلام و تضخيمه بعض الامور و عدم نقلها بدقة. و لكن كل هذا مشكلة من الاعلام و ليس من العلم.

و هنا قد يتساءل البعض اذن كيف لنا ان نعلم ان ما تلقيناه فعلام كلام علمي ام لا. فنعم، كثير ياخذ كل ما هب و دب كمسلمات. فهذا التساؤل ليس مجاله العلم و لا التشكيك به تشكيك بالعلم، و لكنه بحث مجرد في المعرفة و كيف نعلم اننا نعلم. و هنا نعم، نحن ناخذ كثيرا من المعلومات العلمية بالتلقي و لكن يجدر الاشارة اننا لا ناخذها كغيبيات. و هذا امر مهم. فمثلا نظرية نيوتن لا توخذ كنظرية صائبة لان نيوتن قال بها، و لكنها صحيحة لانها تنطبق على واقع التجربة او الحسابات. و جزئية التلقي تكون عادة بتلقي ان التجربة فعلا وقعت او ان المشاهدة المنقولة في الكتاب فعلا حقيقية و ما يقوم به من له اهتمام (كطلاب المدارس) بعد ذلك هو تحقيق انطباق واقع النظرية على تلك المشاهدات سواء بالبراهين او المسائل الحسابية. و يقوم الخواص (كطلاب الدراسات العليا و الاساتذة و في بعض الحالات حتى طلاب المدارس) بالتحقق من الابحاث و التجارب السابقة فاما يبنون عليها و اما ينتقدوها كما ذكرنا سابقا. و بالنسبة لمن يبدي اهتماما اقل في الموضوع فقد يقبل تلقي ان المشاهدة وقعت و ان التفسير الاصح هو كذا او كذا دون ان يتحقق من برهان او غيره. و هذا طبيعي، فلا احد يستطيع ان يفحص و يتحق من كل شيئ لوحده و بعض التجارب و المشاهدات تطلب ادوات و تقنيات متخصصة او وقتا طويلا. لكن لهذا توجد الموسسة العلمية التي، كما اسلفنا، دائما فيها في كل تخصص طبقة من الباحثين اللذين يقومون بذلك.

و قد يأتي من يشك شكا مريبا في مصداقيات كل ما في الكتب و الابحاث و يدّع ان كل العلماء مشتركون بموامرة بما فيهم منتقديهم لكي يشغلوا الناس عن التصديق بان الارض مسطحة لسبب ما. بالطبع الاحتمال ليس صفرا! ولكن من وصل هذا الشك فلم يتوقف، ليس بينه و بين الشك في كل شيئ حائل! و هذا بالطبع ليس صوابا. فالظن امر طبيعي. و نحن نبني معظم افعالنا على الظن. و لا يبدي الجميع الاهتمام بكل شيئ حتى يستثمر وقت كاف للتحق منه. فهنالك من يبذل جهده في مجال و يتحقق و يتفكر فيه و يتعامل مع مجال اخر باكتراث اقل و لا يتجاوز التلقي.

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...