اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

العدد 203 من جريدة التحرير ليوم الاثنين 02 ذو الحجة 1439 الموافق لـ 13 اوت 2018


Recommended Posts

 
ديمقراطية الاستعلاء واحتقار الجماهير

ديمقراطية الاستعلاء واحتقار الجماهيرجماهير

 في كلمة العدد, مميز August 13, 2018 157 زيارة

 

         مرّة أخرى تنكشف الطبيعة العلمانية الاستبدادية للزمرة الحاكمة في تونس, و لم تفلح الشعارات المرفوعة من حداثة ولبرالية في حجب حقيقة تعاليهم واحتقارهم للشعوب والجماهير التي يدّعون تمثيلها والحكم باسمها.

         فقد كشفت رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة امام وسائل الاعلام انها ترفض الاستفتاء الشعبي حول التقرير الذي اصدرته اللجنة  قبل اكثر من شهرين, رغم الرفض الشعبي العام الذي لا يمكن اخفاؤه. أما الأمر الأكثر إثارة في تصريحها فقد ورد في تعليلها لهذا الرفض وهو اعتبار الشعب التونسي غير مؤهل لهذا الاستفتاء لأنه لازال يتعلم “الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان”.

        لقد وقعت رئيسة ” لجنة الحريات الفردية والمساواة”  والعضو في حزب “نداء تونس” الحاكم في خطأ اتصالي فضيع حين فشلت ما إخفاء ما تعوّد أسيادها اخفاؤه ثم تمريره بالحيلة والمكر والدهاء, فقادتها تلقائيتها الى الكشف عن عزم “الباجي قايد السبسي” وزمرته الحاكمة الاكتفاء بمجلس النواب في نقاش وتمرير محتوى التقرير دون الرجوع الى الجماهير الشعبية للحسم فيه. كما كشف تصريحها عن قدر كبير من التعالي والاحتقار الذي يكنّوه الى جماهير الامة , والتي يعتبرونها قاصرة وغير مؤهلة , وتناسوا أنهم كانوا قبل أشهر قليلة يستعملون كل الأساليب والوسائل للتأثير عليها وكسب أصواتها في الإنتخابات..

التمثيل ديمقراطي تفويض مطلق

         لقد كشف التعاطي الرسمي مع المواضيع المصيرية والحساسة كموضوع العلاقات الاجتماعية الذي تناولته اللجنة, أو موضوع المصالحة مع رجالات النظام السابق أو النظام الاقتصادي والسياسة المالية عن خلل كبير في مفهوم الحكم ومعنى التمثيل الشعبي , والذي يختلف تماما  في النظام الديمقراطي عن معناه في النظام الإسلامي.

         فالنظام الديمقراطي يسمح للشعب بالمشاركة في القرار السياسي عبر انتخاب نوابه في البرلمان من بين الأحزاب المشاركة, فإذا تم ذلك أصبح النائب مفوضا للتشريع باسم الشعب. فالعلاقة بين الناخب والبرلماني في النظام الديمقراطي هي علاقة تفويض مطلق غير مشروط, لذلك فكثيرا ما نجد النواب بعد الانتخابات يسنّون قوانين لا تخدم الجماهير التي انتخبتهم بل تخدم الأحزاب التي ينتمون اليها او الجهات التي تدعم الأحزاب سياسيا وماليا وإعلاميا.

النظام الإسلامي نظام وكالة مشروطة

          اما في نظام الإسلام فلا توجد سلطة تشريعية منتخبة تسن القوانين , لان القوانين هي أحكام يستنبطها العلماء والمجتهدون من النصوص الشرعية, والانتخابات في نظام الإسلام تجري لانتخاب من يطبق النظام وليس من يشرع قوانين النظام. فالسيادة للشرع والسلطان للأمة.  فالعلاقة بين المسلم وبين من الحاكم الذي ينتخبه هي علاقة وكالة مشروطة بتطبيق احكام وقوانين الشرع التفصيلية. لذلك فان مخالفة الحاكم لمضمون وشروط الوكالة يجعل عقد البيعة باطلا يستوجب الخروج عليه.

الديمقراطي استقواء الأقلية ضد الاغلبية

        كما تأكد لكل المتابعين للشأن السياسي بالبلاد أن عمليات اتخاذ القرار في الملفات الحساسة  الدولة مع الملفات الحساسة تتم داخل الغرف والدكاكين المغلقة اين تتم مراعاة المصالح الاستعمارية للدول الغربية أولا كما هو الحال مع اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وإصلاحات صندوق النقد الدولي و تجديد عقود الشركات النفطية, ثم تأتي ثانيا مراعاة مصالح الوكلاء المحليين للدول الاستعمارية من رجال الاعمال المرتبطين بالسلطة وبالغرب كما هو الحال مع قانون المصالحة الاقتصادية.

        فالدولة بأجهزتها ومقدراتها هي غنيمة للمستعمر تحت اشراف حفنة من الحكام والسياسيين المتنفّذين  ورجال الاعمال المرتبطة مصالحهم بالغرب, وبتأييد تيار علماني فاقد لأي امتداد شعبي,  ودولة عميقة غارقة في الفساد.

         أما المجالس النيابية المنتخبة وما تمخض عنها من لجان تشريعية مختصة فيتم ترويضها بالضغوط السياسية والأمنية والإغراءات المالية حتى يصبح البرلمان مجرد أداة لتقنين وتنفيذ الإرادة الأجنبية على حساب مصلحة الامة.

ديمقراطية الواجهة

       هكذا تحولت تونس التي فتح شبابها مسلسل ثورة الامة ضد الاستعباد والتخلف والتبعية لتجد نفسها في وضع واجهته مسار ديمقراطي بسلطة وبرلمان منتخب وتعددية ولكن في باطنه دولة عميقة غارقة في الفساد و التبعية,  تسير بالتعليمات وليس بالقوانين, فنجدها تطارد المدونين والصحفيين, وتجر الناس الى المحاكم لمجرد تدوينة على “الفيس بوك” وتمارس الحصار الإعلامي الموجّه و تضغط على أصحاب القاعات العمومية لمنع الندوات والمؤتمرات السياسية, كما يحصل دائما مع حزب التحرير, ومع كل من يحرك الملفات الحارقة كموضوع الثروات المنهوبة او حقيقة الاستقلال المزعوم, وتسمح  بجميع انواع الشذوذ الفكري والأخلاقي تحت عنوان الحرية وتسوغ له المبررات القانونية كما يحصل مع لجنة الحقوق والحريات.

         ما لا يدركه أعضاء اللجنة ومن وراءهم هو أن السحر سوف يتقلب على الساحر وستكون هذه اللجنة ومقترحاتها سببا في استفاقة حضارية للأمة ألإسلامية وفي زيادة وعيها على ضرورة استعادة كيانها السياسي الذي يحفظ سيادتها وحضارتها وكرامة أهلها.

محمد مقيديش

رابط هذا التعليق
شارك

16qpt958.5-620x330.jpg

 

السلطة مع حزب التحرير: غباء يصنع الاستثناء

 في بطاقات خاصة, مميز August 17, 2018 183 زيارة

 

لم يعد يخفى على عاقل، اتساع الهوة بين الحاكم والمحكوم في تونس كما الحال في عدة مناطق من بلاد العالم الإسلامي، ولا تزايد حجم التدخل الغربي المباشر في صغير الأمر وكبيره، إلى درجة مخجلة مخزية، صار فيها حضور السفراء الأجانب في المواكب الرسمية وغير الرسمية يفوق أضعاف أضعاف الحضور الحكومي، بداية من الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية عقب صياغة الدستور وانتهاء بالإشراف بشكل مباشر على عقود نهب الثروات.
ربما كان العهر السياسي فضيحة والإرتباط بالأجنبي جريمة زمن صناعة النضال المزعوم، ألا وقد سقط الجميع في نفس المستنقع الذي أنتجه “المجتمع الدولي” بزعامة أمريكا، فقد صار الإرتماء في أحضان الكافر المستعمر وخطب وده والتمسح المذل على أعتابه أمرا مألوفا لدى النخبة السياسية الرسمية خاصة في مرحلة ما بعد الثورات، وكأن الإشتراك في جريمة البغاء السياسي مكفر للذنوب وساتر للعيوب، مع أن الجميع يجاهر بجريمة الخضوع للغرب وإملاءاته المباشرة، تحت عنوان “توصيات”، وأيّة توصيات…
ليس المشكل عند الفئة الحاكمة في بلدنا، عقلية الانهزام والخنوع والخضوع، فهي أساس لكل عمل سياسي يرضي المسؤولين الكبار في الغرب، ويبقي الحكم بأيدي من باع البلاد والعباد، ولا في غياب الرؤى والحلول الجذرية الكفيلة بتحرير الأمة من التبعية على أساس عقيدتها ودينها، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في وجود من يرفض فكرة الدخول إلى حضيرة “النفاق الرسمي”.
النفاق الرسمي لمن لا يعلم، له نظام رسمي، ودستور رسمي، وإعلام رسمي، ونخب رسمية، وأجهزة رسمية، ومجتمع رسمي يسمى بالمجتمع المدني، وهذا كله يشكل حضيرة رسمية تصنع على عين الحاكم الرسمي من أرباب النظام الرأسمالي العالمي ومنتجي النفاق الدولي العابر للقارات، أما من يرفض الدخول إلى حضيرة “النفاق الرسمي” ويتمرد على منتجات أمريكا وأوروبا الديمقراطية جدااا، فلا بد أن تلحقه أقسى العقوبات وإن كان شعبا بأكمله، وهو ما تلخصه حقيقة تجربة الشعب السوري في ثورته ضد نظام بشار المسنود دوليا، عملا بقاعدة: نحكمكم أو نقتلكم.
ليس لأحد أن يتهم القائمين على حضيرة “النفاق الرسمي” بالديكتاتورية وسلب إرادة الناس، فهم من يجودون على شعوبهم بجرعات قوية من الحقوق والحريات تجاوزت حد الفجور والشذوذ، ويستعينون بكفاءات في تطويع الشرع وأحكامه لغاياتهم الدنيئة، فقط من أجل الحفاظ على النسب الديمقراطي العريق، عراقة النذالة والعمالة.
هؤلاء جميعا ومن ورائهم قادة الحملة الصليبية المعاصرة ممن صاروا يراهنون على قاذورات المجتمع بدل مفكريه، يدركون يقينا أن أكبر خطر يهدد مصالحهم هو الإسلام إذا صارت له دولة وشوكة، وأن الفصيل السياسي الوحيد الذي يدعو قولا وفعلا إلى بناء هذه الدولة هو حزب التحرير، ولذلك هم يعمدون إلى التضييق عليه وعزله عن الناس عبر كل أجهزة “النفاق الرسمي”.

هكذا إذن، تظن قوى الاستعمار الدولي أنها قادرة على تقويض مشروع الأمة في بناء دولتها واستئناف حياتها الإسلامية بعد أن فشلت فشلا ذريعا في احتواء حزب التحرير أو حرفه عن مساره. بل هكذا نجد السلطة في تونس وهي ظل الاستعمار في بلادنا، تنافس مثيلاتها في دول أخرى فتحرص كل الحرص على منع حزب التحرير من ممارسة نشاطه وإيصال أفكاره إلى الناس، بعد أن عجزت نهائيا عن جره إلى الوسط السياسي “الرسمي” وجعله جزء من اللعبة السياسية القذرة عبر آلية الترخيص القانوني، تلك الآلية التي فعّلتها الحكومة التونسية يوما ما انتصارا للديمقراطية الغربية، ثم ها هي اليوم تعطي الحجة الدامغة على فساد وزيف هذه المنظومة، حيث بلغ مستوى تعامل السلطة مع حزب التحرير إلى حد التناقض الصارخ، لتصنع بغبائها استثناء حقيقيا ومحيرا، يطرح على الناس ألف سؤال، إذ كيف يمنع أكثر الأحزاب نشاطا في البلاد من القيام بأعماله الجماهيرية في الوقت الذي حصل فيه على ترخيص إن لم تكن تلك هي حقيقة التناقض الديمقراطي؟
قد يكون لحضيرة “النفاق الرسمي” مشتقات وملحقات جديدة تتغنى بالوفاق وتمارس النفاق، وتحدث اللجان والتنسيقيات فقط من أجل صرف أنظار الناس عن المشروع الحضاري للأمة، فتعلن الدفاع عن الإيمان والكفر، وعن القرآن والدستور في آن واحد، ولكن هذا كله لم يعد ينطلي على من أدرك أن الحلال بين وأن الحرام بين.
خلاصة القول، أن السلطة بشقيها في تونس، تسير بخطى حثيثة من حيث لا تدري نحو تثبيت وعي عام لدى هذا الشعب الطيب، أن حزب التحرير هو الجدير بالقيادة نحو إحداث التغيير المنشود، وما محطات منع الحزب وعزله عن الناس وإدخاله في دوامة الإجراءات القانونية والترتيبات الإداريات والقضايا الملفقة ضمن مسلسل من الإرهاب الفكري والترهيب الأمني، سوى حجج عملية للرأي العام أن هذه الديمقراطية العرجاء، تقبل كل أنواع الكفر والشذوذ استنادا إلى دستور 2014 الذي أقر حرية الضمير، ولكن ضمير السلطة يأبى الإستماع إلى دعوة الخلافة الراشدة التي وعدنا بها رب العالمين وسارع لإقامتها حزب التحرير.
غباء السلطة إذن، يشكل وعي الشعب الرافض لمنتجات “النفاق الرسمي”، وغيّها سيجعلها تسارع على الأرجح في دفع الشعب نحو اختيار من يقلب الطاولة على رؤوس من نصّب مشايخ الوفاق والنفاق، وعسى أن يكون ذلك قريبا غير بعيد بإذن الله.

م. وسام الاطرش

تم تعديل بواسطه واعي واعي
رابط هذا التعليق
شارك

Srebrenica9-620x330.jpg

مذبحة سربرينيتشا إبادة جماعيّة بتواطؤ الأمم المتّحدة والعالم الحرّ

 في اقليمي ودولي, مميز August 17, 2018 65 زيارة

حدّث أبو ذرّ التونسي قال: ممّا لا شكّ فيه أنّ الأسرة الدولية أو الجماعة الدّولية بما انبثق عنها من قانون دولي وبما تمخّض عنها من منظّمات أمميّة وإقليميّة، إنّما أُنشئت ابتداءً للمّ شمل أوروبّا النّصرانية وإيقاف الزّحف العثماني الذي أضحى يهدّد قلبها (أسوار فيينّا) بما ينذر بفناء العالم المسيحي…ومع تحقّق هذا الهدف بامتياز بسقوط الدّولة العثمانية سنة 1924، وقع توظيف ذلك النادي الأوروبي النصراني لإخضاع أيتام الدّولة الإسلاميّة وتمزيقهم ومسخهم ومحاربة عقيدتهم واستنزاف مقدّراتهم والحيلولة دون اتّحادهم مجدّدًا في كيان سياسي قائم على أساس الإسلام…لذلك لسنا نبالغ إذا اعتبرنا أنّ أوّل خطوة نحو تصفية قضايا العرب والمسلمين هي تدويلها، وأنّ أولى طلائع الإستعمار الحديث في العالم الإسلامي هي المنظّمات الدّولية، فهذا ممّا تصدّقه الوقائع الميدانيّة بالمشاهد الملموس والأمثلة على ذلك لا تدخل تحت الحصر، ودونك سائر قضايا المسلمين في العالم (فلسطين ـ كشمير ـ قبرص ـ بورما ـ البوسنة ـ كوسوفو ـ أذربيجان ـ تيمور الشرقية ـ أرتريا ـ الصومال ـ تركستان الشرقية ـ الشيشان ـ إفريقيا الوسطى ـ جنوب السودان…)

(حزّة باجيّة)

فكلّما تعلّق الأمر بقضايا المسلمين، أو بصراعات فيها أطراف إسلاميّة فإنّ الأسرة الدوليّة ـ دولاً ومنظّمات وقوانين ـ تنحاز غريزيًّا للطرف المقابل بصرف النّظر عن الحقّ والصّواب وسواءٌ أكان هذا الطّرف أوروبيًّا نصرانيًّا أم ما دونه من سائر الملل والنّحل، المهم ألاّ يكون القرار في صالح الإسلام والمسلمين ـ كيانات وشعوبًا وأقليّات ـ لم يشذّ عن ذلك قرار أممي واحد منذ تأسيس عصبة الأمم سنة 1919م…أمّا عسكريًّا فإنّ المنتظم الأممي أثناء إدارته وفضّه للنّزاعات يقوم بدور (المعدّل للتّوازن) بعقليّة (حزّة باجيّة): فإن كانت كفّة الصّراع ميدانيًّا راجحة لصالح الطّرف الإسلامي يتدخّل بكامل قوّته لفرض (الشرعيّة الدّولية) ووقف إطلاق النّار، وحظر الأسلحة والحصار الاقتصادي والمفاوضات والحلول السلميّة حتى يستعيد الطّرف المقابل أنفاسه وتنقلب الأوضاع لصالحه…أمّا إذا كانت الدّوائر دائرة على المسلمين فإنّ يده الطّولى تصاب بالشّلل وعينه الثّاقبة تصاب بالعمى ولسانه السّليط يصاب بالخرس، فيكتفي بالدّعوات الخجولة لضبط النّفس ويُسخّر نفسه لتهجير المسلمين من مناطق النّزاع وإيوائهم وغوثهم وتشغيلهم (المهمّ أن يخلو المكان) ثمّ ينتصب شاهد زور يزيّف الحقائق ويطمس معالم الجرائم ـ وقد يشارك فيها عمليًّا ـ بما يُنصف الجلاّد على الضحيّة ويشرعن له ما اغتصبه بالحديد والنار والمذابح المروّعة، ودونك ما حصل في البوسنة في تسعينات القرن المنصرم ونحن على أطلال الذكرى (23) لمذبحة سربرينيتشا الرهيبة…

صليبيّة القرن العشرين

هذه هي إذن الأسرة الدوليّة أو الجماعة الدوليّة (نادٍ للدول النصرانيّة) وهذا هو القانون الدّولي (تسيير شؤون العالم وفق مصالح أعضاء ذلك النادي على حساب الإسلام والمسلمين) بهذه الخلفية العقائديّة السياسية الصليبية وُجدت الأعمال الدوليّة الجماعيّة، وعلى هذا الأساس تدخّلت الأمم المتّحدة والعالم الحرّ في الصراع الدّائر في البلقان بعد تفكّك يوغوسلافيا السابقة مطلع تسعينات القرن المنصرم…فالإطار السياسي برمّته بعيد عن منطق رعاية الشؤون وليس ـ ابتداءً ـ مظنّة الحق والعدل والإنصاف والحماية لمسلمي البلقان…لقد اندلعت الحرب في البوسنة والهرسك في 17 أفريل 1992 وتواصلت إلى أواخر سنة 1995 بعد توقيع اتفاقيّة (دايتون) للسلام مسفرة عن إبادة أكثر من 300 ألف مسلم وتشريد الملايين واغتصاب آلاف الحرائر وتدمير كافّة المعالم التاريخيّة العثمانيّة…وقد خيضت هذه الحرب ـ أهدافًا وأساليب ـ بروح صليبيّة مقيتة تؤجّجها حالة متقدّمة من الإسلاموفوبيا والكراهية الدينيّة العمياء: فعلى المستوى الشعبي اعتُبرت الحرب (ثأرًا من الغزاة الأتراك واستردادًا لأرض الأجداد)، وعلى مستوى الكنيسة الأرثذوكسية اعتُبِرت حرْبًا مقدّسة ضدّ الإسلام بوصفه (دينًا غازيًا غريبًا أجنبيًّا وافدًا لا ينتمي لا إلى البلقان ولا إلى أوروبا)، أمّا دوليًّا فقد اعتُبرت الحرب (حائلاً دون قيام دولة إسلاميّة في قلب أوروبا): ذكر الرّئيس الأمريكي الأسبق (بيل كلينتون) في مذكّراته أنّ بعض الحلفاء الأوروبيّين كانوا يعتبرون أنّ (دولة بوسنيّة مستقلّة ستكون غير طبيعيّة باعتبارها دولة لشعب مسلم في قلب أوروبّا)، وأضاف أنّ البريطانيّين يتحدّثون عن واقعيّة إقامة دولة مسيحيّة أوروبيّة من جديد في البوسنة رغم الألم المصاحب لذلك)…فلا غرابة إذن أن استجابت اتّفاقيّة (دايتون) لهذه الأضغان الصّليبيّة وكرّستها على أرض الواقع…

النّموذج الأندلسي

ولتحقيق هذا الهدف الصّليبي الوضيع من الطّبيعي أن تكون الوسائل والأساليب المعتمدة من جنسه ـ جبْنًا وخسّة وإجرامًا ـ وعلى كثرة النّماذج في تاريخه الحافل بالمذابح والمجازر، فإنّ الكافر المستعمر تخيّر أشدّها نجاعة مع الإسلام والمسلمين ألا وهو النّموذج الأندلسي هذا الذي أثمر طمس أعظم حضارة عرفتها أوروبا في العصور الوسطى ومحو ثمانية قرون من الوجود الإسلامي فيها حتّى وكأنّه لم يكن…أمّا آليّاته فتتمثّل في القضاء على البنية التحتيّة البشريّة والثقافيّة للكيان الإسلامي عبر المذابح الجماعيّة والقتل بالجملة على الهويّة وهدم البنى التحتيّة والمعالم والهرسلة والترويع المتواصل ثمّ التهجير الجماعي القسري بما يُفضي عمليًّا إلى تغيير الواقع العرقي والإثني والحضاري للمنطقة…ولقد انطلق الكافر المستعمر في تنفيذ هذا النّموذج الإجرامي في البلقان المسلمة منذ أواسط القرن (19م) مع بوادر ضعف الرّجل المريض وانحلاله وتفكّكه، إذ أشعلت كلٌّ من بريطانيا وروسيا حروبًا طاحنة مدمّرة ضدّ الدّولة العثمانيّة وأثارت ضدّها شعوب البلقان ودعمتهم بالعتاد والسّلاح لطرد (المستعمر التركي)، وانطلق هذا السّيناريو الدّموي مع اليونان ثمّ توسّع ليشمل (رومانيا ـ ألبانيا ـ الجبل الأسود ـ بلغاريا ـ النمسا ـ المجرّ ـ صربيا ـ كرواتيا)… وما إن ينحسر النّفوذ العثماني عن مقاطعة حتّى تتحرّك ماكنة (الحلاقة) لتأتي على أخضر الإسلام والثقافة الإسلاميّة ويابسها بالطّس والمحو والإلغاء، ناهيك وأنّ اليونان تحتفل سنويًّا بذكرى هدم آخر مسجد في البلاد كما أنشأت لجنة أكاديميّة لتنقية المعجم اليوناني من شوائب الألفاظ التركيّة والإسلاميّة…أمّا من نجا من المسلمين من المذابح والمجازر فكان مصيرهم الطّرد والتهجير نحو تركيا أو الشرق الأوسط…وهكذا مع مطلع القرن العشرين انحسر الوجود الإسلامي في البلقان وأصبح مجرّد أقليّات في البوسنة وكوسوفو فيما أوكِل أمر الألبان إلى (الرفيق أنور خوجا) ونظامه الشيوعي الاستئصالي للقضاء على آخر نفس إسلامي فيه…

سربرينيتشا الثّكلى

لقد مثّلت حرب البوسنة القذرة نموذجًا معبّرًا عن كيفيّة حلّ قضايا المسلمين من وجهة نظر المنتظم الأممي والعالم الحرّ: إخراج أضغان اليمين المتطرّف في أوروبا من الوجود بالقوّة إلى الوجود بالفعل وتحويلها إلى حقيقة ميدانيّة نهائيّة مع شرعنتها بالقانون الدولي…فلم يكتف الصّرب بنصيبهم من التركة اليوغوسلافية وطالبوا بالبوسنة والهرسك رغم أنّهم أقليّة ميكروسكوبيّة فيها، وكذلك فعل الكروات…وإزاء تمسّك المسلمين البوشناق بأرضهم وهويّتهم شنّ الصّرب حملة تطهير عرقي مسعورة كُلّلت بأفظع المجازر الجماعيّة التي عرفتها أوروبا منذ الحرب العالميّة الثانية…أمّا مسرحها فهو (مدينة الفضّة) سربرينيتشا وهي مدينة تقع في وادي (درينا) شمال شرق البوسنة وقد استولى الصّرب على العديد من القرى والبلدات التي تحيط بها منذ بداية الصّراع، فلجأ إليها السكّان الفارّون من البطش الصّربي ما ضاعف من عدد سكّانها من 7 آلاف إلى 37 ألفًا…حُوصرت المدينة سنتي (1993/1995) قبل أن تسقط وعانى لاجئوها الجوع والبرد القارس والقصف والاعتداءات المتكرّرة إلى حدود شهر جويلية 1995: ففي الحادي عشر منه حدث المشهد الأكثر دمويّة وسوداويّة في الحرب البوسنيّة، إذ قامت قوّات صرب البوسنة بقيادة (راتكو ملاديتش) بعمليّات تطهير عرقي واسعة وممنهجة ضدّ سكّانها المسلمين تواصلت لعشرة أيّام كاملة، جرى فيها إعدام الذّكور المسلمين من كلّ الأعمار ـ أطفالاً وكهولاً وشيوخًا ـ لتجفيف منابع العرق، كما اغتُصبت النّساء المسلمات بشكل مدروس ومقصود لتغيير النسيج السكّاني للمدينة لصالح الصّرب، وقد أدّى الاغتصاب الجماعي الوحشي المتكرّر بالعديد منهنّ إلى الموت تحت نظر القوّات الأمميّة التي لم تحرّك ساكنًا لنجدتهنّ…وبالمحصّلة جرى عمليًّا تصفية كلّ الذكور فيما بين 12 إلى 77 سنة ودفنهم في مقابر جماعيّة، وتهجير جميع النّساء بعد اغتصابهنّ إلى المناطق البوشناقيّة، وقد أسفرت هذه المجزرة المروّعة عن ثمانية آلاف و 372 شهيدًا مسلمًا منهم ألف جثّة غير مكتملة لم يكتف الجناة بقتل أصحابها بل قطّعوهم إربًا وفرّقوا أعضاءهم على مقابر جماعيّة عديدة إمعانًا في التمثيل والتّنكيل والتشفّي…

(حاميها حراميها)

نعم : يحدث هذا في قلب أوروبا في القرن العشرين وعلى مرأى ومسمع من الأمم المتّحدة والدّولة الأولى في العالم وبغطاء القانون الدولي للعالم الحرّ…فالمنتظم الأممي الذي من المفترض أن يحمي الشعوب المستضعفة ويضمن لها حقوقها تواطأ عمليًّا مع القتلة الصّرب وشاركهم في الجريمة وأعانهم على اقترافها ثمّ انتصب شاهد زور يطمس المعالم ويزيّف الحقائق وينصف الجلاّد ويزوّد جرائمه بالغطاء القانوني الشرعي: ففي أفريل 1993 أعلنت الأمم المتّحدة سربرينيتشا (منطقة آمنة) تحت حماية عناصر الكتيبة الهولنديّة المتكوّنة من 400 عنصر، وقد طلبت هذه الكتيبة من المسلمين المدافعين عن المدينة تسليمها أسلحتهم مقابل ضمان أمن السكّان فانصاعوا لها ولما تمثّله من (أسرة دوليّة)، إلاّ أنّها غدرت بهم وأدخلت الذّئاب إلى زريبتهم وسلّمتهم إلى عدوّهم وتركتهم يواجهون الإبادة عُزّلاً فلا هي دافعت عنهم ولا تركتهم يدافعون عن أنفسهم…ففي 11 جويلية 1995 دخلت قوّات (راتكو ملاديتش) المدينة دون مقاومة وقامت بعزل الذكور عن الإناث وارتكبت المجزرة المروّعة في حقّهم دون أن تحرّك الكتيبة الهولنديّة المكلّفة بحماية المدنيّين ساكنًا…بل إنّ قرابة الخمسة آلاف مسلم كانوا قد لتجأوا إلى قاعدة الأمم المتّحدة في (بوتوكاري) للإحتماء بها، فقامت تلك الكتيبة بتسليمهم إلى الميليشيات الصربيّة وقايضتهم بـ (14) جنديًّا هولنديًّا من قوات حفظ السّلام كانوا أسرى لدى الصّرب، فتمّت تصفيتهم بدم بارد…هذا وقد التزم (العالم الحرّ) حياد التّواطؤ والتشفّي فلم تحرّك أيّ دولة أوروبية ساكنًا بل زوّدت الصّرب بالعتاد والمحروقات والغطاء الإعلامي والأممي (لاسيما روسيا)…أمّ الدّولة الأولى في العالم فقد حاولت التغطية على المذبحة ومغالطة المجتمع الدّولي وصرف انتباه العالم عن مكان المجزرة والعدد الحقيقي للقتلى ،فعرضت صورًا ملتقطة بالأقمار الصّناعية تُظهر ما ادّعت أنّه مكان دفن الضّحايا حيث لم يُستخرج منه إلاّ 33 جثّة فقط…

قانون دولي (صليبي)

هذا عسكريًّا ميدانيًّا، أمّا على المستوى القانوني السياسي فقد أقرّت اتّفاقية (دايتون) للسلام بأن يحتفظ كلّ طرف بما سيطر عليه من أراضي ولو بالحديد والنّار والمجازر، فكانت سربرينيتشا الشهيدة من نصيب المجرمين الصّرب…كما تفتّق اتّفاق السلام هذا عن أغرب كيان سياسي في تاريخ البشريّة: دويلة يرأسها مجلس يتناوب على رئاسته ثلاث عرقيّات (البوشناق والكروات والصّرب) ينتخب كلٌّ منهم رئيسًا لمدّة ثمانية أشهر، كلّ هذا من أجل تذويب الهوية البوسنية الإسلاميّة والحيلولة دون وجود كيان إسلامي داخل قلعة النّصرانيّة (أوروبا)…ورغم أنّ محكمة جرائم الحرب في يوغوسلافيا ومحكمة العدل الدّولية قد أقرّتا سنة 2007 أنّ ما وقع في سربرينيتشا هو (تطهير عرقي وإبادة جماعيّة) إلاّ أنّ ذلك ظلّ حبرًا على ورق: فقد استخدمت روسيا حقّ الفيتو ضدّه وبُرّئت ساحة الدّولة الصربيّة باعتبارها (غير ضالعة ولا متواطئة ولا مساعدة في تنفيذ المجزرة) رغم أن وحدة (العقرب) التي نفّذت العمليّة كانت إلى حدود 1991 جزءًا من وزارة الداخليّة الصربيّة…أمّا جمهوريّة صرب البوسنة فقد تجاهلت القرار وأنكرت المذبحة وروّجت لروايات مغلوطة تهوّن من الحدث وتعتبر ما حصل مجرّد (جريمة) لا ترتقي إلى الإبادة أو التّطهير العرقي…كما بُرّئت ساحة الكتيبة الهولنديّة ولم تُدَن إلاّ بمقتل 300 بوسني من مجموع 08 آلاف…وفي الأثناء عمدت الولايات المتّحدة إلى الالتفاف على قرار عودة المهجّرين البوسنيّين إلى ديارهم بأن فتحت لهم أبواب الهجرة إلى أمريكا وأوروبا فبلغ حجم النّزيف البشري السنوي قرابة 35 ألف مهاجر، وبذلك يكون جزءٌ كبير من المكوّن الدّيمغرافي للمدينة المسلمة قد ضاع إلى الأبد، ويكون قد تحقّق للعصابات الإجراميّة الصّربية ما خطّطت له وذلك بغطاء أممي وشرعية قانونيّة ومباركة دوليّة..ولا عزاء للمسلمين…

بسّام فرحات

تم تعديل بواسطه واعي واعي
رابط هذا التعليق
شارك

38834939_6101070308238_33598469802924441
 
نقض المفاهيم المؤسّسة لتقرير لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة

نقض المفاهيم المؤسّسة لتقرير لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة

 في بطاقات خاصة, مميز August 13, 2018 4,511 زيارة

 
  1.   فساد  نظرة اللجنة لعلاقة الانسان بخالقه

        ورد في تقرير اللجنة أن الانسان  يتحمل “مسؤولية التصرف في الكون, وهو حر في هذا التصرف، بما في ذلك إفساده أو إصلاحه”.

        هذه الفكرة تقوم على تصور فلسفي غربي معروف, اساسه الاعتقاد بان الانسان سيّد نفسه أو إله نفسه , وانه  ينظم شؤون حياته دون الرجوع الى أي جهة أخرى ولو كان خالق إذا كان ممن يعترف بوجوده , من هنا جاء المثل المعروف ” دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله”, وجاءت العقيدة العلمانية فصل الدين عن الحياة, وجاء نفي القدسية عن النصوص الدينية.

        هذه الفكرة تتناقض بداهة مع أصل الدين الإسلامي القائم على أساس الخلق والتكليف. وقد أكّد الله عز وجلّ اقتران الاستخلاف في الأرض بتطبيق شرعه. {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}  والعبادة بمفهومها الإسلامي تشمل الانقياد لأحكام الشريعة.

  1.   فساد تصور اللجنة لمفهوم الدّين  

          اعتمدت اللجنة في تقريرها على  تعريف حرية المعتقد والضمير الوارد في اللجنة الأممية عدد 22 حول المادة 18 (1993), منبهة الى ضرورة احترام ديانة الأقليات ومحذرة من افراغ هذه الحرية من جوهرها.( ص36 ).

       ويحق لنا ان نتساءل هل ان حرص اللجنة على المعتقد وعدم افراغ التدين من جوهره يقتصر على الأقليات فقط , ام انه يشمل أيضا دين أغلبية  الناس ويضمن حقوقهم في العيش بالنظام الذي يرتضونه.

والإسلام دين، وهو عقيدة ونظام حياة يشتمل على تشريعات في كلّ المجالات السياسية  والاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك.

       فإذا كان الاسلام هو دين الدولة، و دين أهل هذا البلد، فلماذا يقصى من الحياة ومن التّشريع؟ ولماذا تعمل اللّجنة على محو آثاره من المنظومة القانونية؟

  1. في بيان بطلان تصوّر الإيمان الفردي

       جاء في التقرير (ص8) “، أن “الإيمان في الأصل هو إيمان فردي”, وأن “الدخول في الإسلام كذلك يكون فرديا” , وان ” يرفض الايمان بالوراثة “.

       كل هذه المقدمات جاءت لتخلص إلى أن الإيمان والإسلام  هو  اختيار شخصي متعلق بفردية الانسان, والمعنى الذي يقصده التقرير، هو أنّ الإسلام ليس مقوّما من مقوّمات الهويّة الجمعية  ، وأنّ أهل تونس يمكن أن يكونوا مسلمين بوصفهم الفردي، ولكن ليس بوصفهم الجمعي.

        هذه الخلاصة التي يريد التقرير الوصول اليها تكذبها الوقائع التاريخية التي تشهد على ان العقيدة الإسلامية لم تكن هوية فردية بل كانت هوية جماعية لشعوب عديدة من أصول مختلفة انصهرت عاداتها وتقاليدها وأعرافها في بوتقة الإسلام وأصبح سلوكهم الجماعي  محكوما بالإسلام حتى في فترات غياب السلطة المركزية.

  1. حول عبارة “الإسلام دينها”

       مع ادراكنا الكامل ان عبارة “الإسلام دينها” الواردة في الفصل الأول من دستور 2014 لا تكفي لتأكيد الهوية الإسلامية للدولة, وان الواجب كان التأكيد على تشريع الدولة لا على دينها, إلا أن إصرار اللجنة على تأويل العبارة بشكل تعسفي أمر يثير الاستغراب.

      فقد أكّدت اللجنة في تقريرها ص (35) أنّ ما جاء في الفصل الأول من الدستور هي  قاعدة وصفية لا قاعدة حكمية باعتبار أن أغلبية التونسيين مسلمون، “لكن ليس في هذا الفصل ما يخضع سلطة الدولة لأمر من فوقها، وليس فيه ما يقيّد مشيئتها في سنّ القوانين بغير إرادتها” (ص 132).

         إنّ هذا التعسّف في تأويل العبارة الدستورية والتكلّف في إخراجها عن سياقها التاريخي والسياسي والفكري ليدلّ دلالة قاطعة على موقف  أيديولوجي علماني هدفه أبعاد الإسلام عن كلّ عمليّة تشريع لسنّ القوانين.

  1. في بيان مفهوم الاجتهاد المحرّف عند اللجنة.

       من خلال الأمثلة الواردة في التقرير(ص 17- 20),  يتبين ان اللجنة تفهم الاجتهاد على أنه “تعديل ألأحكام و”تقديم المصلحة العامة على النص من كتاب وسنة”.

وذلك من خلال التركيز على بيان اختلاف وقع بين الصحابة والعلماء, وعلى  وجود اختلافات في القراءات و التأويلات”,  والقول بأنّ العبرة ليست بما جاء به الإسلام إنما بما جاء من أجله (ص20).

       أما علماء الأصول فقد عرفوا الاجتهاد في الاصطلاح الشّرعي على أنه “بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق ألاستنباط فالاجتهاد إذن هو عملية فهم للنّص، منه تنطلق وإليه تنتهي.

         فالغاية من الاجتهاد هي استنباط الأحكام الشرعيّة , من خلال النصّوص الشرعية وليس من خارجها, كما أن مجال الاجتهاد  يتعلّق بالظنّيات وليس القطعيات؛ وعليه، فإنّ عمل اللّجنة المتعلّق بمناقشة النصّ القطعي وإعادة قراءته بما يخالف مدلوله القطعي، يعدّ لاغيا، وغير معتبر من وجهة نظر اصطلاحية شرعية؛ “لأنّه لا اجتهاد مع النّص”.

  1. حول مسألة الحريات واضطراب مقاييسها

           بني التقرير على أساس فلسفي أيديولوجي مستمدّ من الفكر الغربي يركّز على الفرد، ويعتبر الحرّية أهمّ قيمة، وبناء عليه فإنّ مهمّة الدولة ووظيفتها الحفاظ على حرّية الفرد. (ص24).

        كما اعتمد التقرير على المادة الرابعة لحقوق الانسان الفرنسي 1798 لتأكيد حق الدولة في فرض قوانين لتقييد حرية الافراد “لتمكين أعضاء الجماعة الآخرين من التمتع بحقوقهم” (ص 23 ).

     وعند هذا الحدّ يحق لنا ان نتساءل, إذا كان لا بد من تقييد فعل الافراد من اجل الجماعة فكيف يقبل العقل الغربي وعقول أعضاء اللجنة قيودا وقوانين وضعية وفق التصور الغربي العلماني ويعتبرونها حرية وعقلانية,  ولا يقبلون الضوابط  الشرعية الإسلامية ويعتبرونها انتهاكا للحرية وفقدانا للوعي والقدرة على الاختيار !

  1. حول مسألة المساواة

         يدعو التقرير إلى “المساواة المطلقة بين الرجال والنساء على مستوى الحقوق والواجبات، وعلى مستوى التكليف والاستحقاق والثواب والعقاب. (ص15)

       إنّ مسألة المساواة المطلقة التي يريد التقرير فرضها على المسلمين بالتضليل والخداع هي في حقيقتها منبثقة عن عقيدة الغرب وفلسفته التّشريعية. وفكرة “الجندر” (النوع) التي عبّرت عنها الفيلسوفة الفرنسية “سيمون دي بوفوار” بقولها: “نحن لا نولد نساء، إنما نصبح كذلك”.

      وأمّا رؤية الإسلام لما يتعلّق بالمرأة والرجل، فهي رؤية خاصة تختلف عن الفكر الغربي الحداثي. فهو يقوم على مفهوم العدل وليس على مفهوم المساواة؛ لذا اعتبر المساواة حين لزومها ولم يعتبرها حين عدم لزومها.

       فالإسلام يتميز بالنظرة الإنسانية الواحدة التي لا تفرق بين الرجل والمرأة ككيان انساني عاقل له حاجات عضوية وغرائز تتطلب الاشباع , كما انه لا يفرّق في أصل التكليف بين الرجل والمرأة ويدعو الإنسان ككل إلى الإيمان بغضّ النظر عن الذكورة والأنوثة. لذلك نجد أنّ التكاليف الشرعية المتعلّقة بالعبادات والمعاملات والأخلاق واحدة للرجال والنساء على السواء. ونجد أنّ حقّ التعلّم واحد لا فرق فيه بين الرجال والنساء.

           أمّا الاحكام التي حصل فيها اختلاف بين الرجل والمرأة فهي احكام اقتضتها طبيعتهما , وهي ليست مقياسا لأفضلية احد على الآخر لذلك نجد أنّ الكسب والقتال واجب على الرجل ولا يجب على المرآة  وأنّ الحضانة حقّ للمرأة دون الرجل.

        فالمسألة إذن ليست مسألة مساواة أو عدم مساواة، إنما هي جملة من الأحكام الشرعية تتعلّق بالمرأة والرجل، شرّعها ربّ العالمين وأمرنا بقبولها فقال عزّ وجلّ: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)} (سورة النساء).

الاطار العام   مسيرة الإصلاح   انتاج الاستعمار

           يدّعي “الباجي قايد السبسي” ولجنة الحرّيات الفرديّة والمساواة أنّهم يواصلون مسيرة الإصلاح التي يزعمون أنّ  محطاتها السياسية  انطلقت مع عهد الأمان الصادر في 10 سبتمبر 1857, إلى دستور 26 أفريل 1861, فدستور الاستقلال المؤرخ في أول جوان 1959, ومجلة الأحوال الشخصية الصادرة في 13 أوت 1956 الى دستور 27 جانفي 2014.

        ولكن حين التدقيق في المحتوى التشريعي والسياسي لتلك المحطات فإننا نجد أنها كانت مسيرة للخضوع والتبعية للمفاهيم الحضارية الغربية, والتي أجبر اهل الزيتونة على اتباعها بالتضليل حينا وبالقهر أحيانا..

      أمّا عهد الأمان   1857م , فقد أعلنه “الباي محمد بن حسين بن محمود” تحت تهديد أساطيل إنجلترا وفرنسا وبضغط منهما، فنصّ في بعض فصوله على قوانين تراعي مصلحة الأوروبيين مدّعيا عدم مصادمتها للقواعد الشرعية. وقد رفضه أكبر علماء القطر التونسي آنذاك ومنهم: شيخ الإسلام محمد بيرم الرابع، والشيخ محمد ابن الخوجة المفتي الحنفي، والشيخ أحمد بن حسين رئيس الفتوى في المذهب المالكي، والشيخ محمد البنا المفتي المالكي.

       وأما دستور 1861م الذي أعلن في عهد “الباي محمد الصادق” فقد كتب هو الآخر “تحت تأثير القوى الأوروبية، خاصة القنصل  الفرنسي “ليون روش”. وقد كان هذا الدستور احد أسباب ثورة “علي بن غذاهم” سنة 1864م والتي كان شعارها “كفانا مجبى، ومماليك ودستورا”، وكان من شروط الثوار لإنهاءها إبطال العمل بهذا الدستور. فهو الذي مكن من تغلغل النفوذ الأجنبي في تونس وخاصة فرنسا,  فكان السبب المباشر في استعمارها وامضاء معاهدة الحماية سنة 1881م.

         أما مجلّة الأحوال الشخصية التي اعتبرها التقرير: “ثورة تونس الأولى، ثورة اجتماعية استحقت بها لقب دستور تونس الاجتماعي” (ص3)، هي كما قال فيها الشيخ “محمد الصالح النيفر” رحمه الله: “ليست من اجتهاد مجموعة من فقهاء المسلمين وإنما صنعت في الخارج، ووقعت الموافقة عليها في الداخل”.

         وحتى في هذه المرة, فإن مبادرة “الباجي قائد السبسي” الأخيرة والتي بموجبها تم تشكيل هذه اللجنة لم تكن من وحي أفكاره بل كانت استجابة لإملاءات الاتحاد الأوروبي الصادرة في 14/09/2016 والتي بموجبها وضع الأوروبيون شروطا سياسية واقتصادية وحضارية لاستمرار علاقتهم بالدولة التونسية, وقد استجاب تقرير اللجنة لكل هذه الشروط.

د. محمد مقيديش

 
رابط هذا التعليق
شارك

الديون الخارجية تتجاوز عائدات السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج

 في خبر وتعليق, مميز August 19, 2018 14 زيارة

dinar_tunisien-620x330.jpg

كشفت أحدث الاحصاءات الصادرة عن البنك المركزي التونسي تجاوز قيمة خدمة الدين الخارجي عائدات تونس على مستوى السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج إلى غاية 31 جويلية 2018، حيث بلغت قيمة خدمة الدين الخارجي، أكثر من 4.024 مليار دينار مقابل نحو 1.748 مليار دينار مداخيل سياحية و2.173 مليار دينار تحويلات التونسيين بالخارج إلى تاريخ 31 جويلية 2018، كما يرجح ارتفاع قيمة خدمة الدين بسبب تراجع قيمة الدينار إزاء الدولار والأورو بنحو 11 %.
تضخم الديون بسبب انزلاق الدينار
وتتوقع وزارة المالية بلوغ مجموع خدمة الدين العمومي، أصلا وفائدة، ما قيمته 7.972 مليار دينار هذا العام وبزيادة بـ 12.4 % ويتوزع بين 3.428 مليار دينار ديونا داخلية وبزيادة متوقعة بـ 40.9 % و4.544 ديونا خارجية وبتراجع بـ 2.4 %.
ديون ضخمة تقدر ب76.17 مليار دينار
في المقابل، وفي ظل استمرار هبوط قيمة العملة التونسية إزاء العملات الأجنبية، ينتظر مراجعة توقعات الحكومة بالنسبة لخدمة الدين الخارجي نحو الارتفاع خاصة وأنه قيمته المسجلة إلى نهاية شهر جويلية 2018 اقتربت من تلك المتوقعة لكامل السنة الحالية. وبشكل عام تقدر تراكمات الدين العمومي هذا العام نحو 76.17 مليار دينار ويمثل 71.4 % من الناتج المحلي الإجمالي، وفق وزارة المالية.
واردات قياسية
ويأتي ذلك في وقت تم خلاله تسجيل عجز في الميزان التجاري ليناهز 10 مليارات دينار إلى نهاية شهر جويلية 2018، بحسب أرقام رسمية صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء. وبحسب مراقبين في الشأن الاقتصادي، تؤشر هذه الأرقام على صعوبة الوضع المالي في تونس خاصة وان احتياطي تونس من النقد الأجنبي نزل إلى ما دون دائرة الخطر (90 يوم توريد) وبالكاد يغطي 71 يوم توريد حاليا.
إن هذه البيانات تؤكد خطر التمشي الذي سلكته الحكومات المتعاقبة في اعتماد التداين الخارجي لحل مشكلة العجز في ميزان المدفوعات، فسياسة الاقتراض لم ينتج عنها إلا تضخم في الديون و زيادة في الفقر، كما تبين أن استجابة الحكومة لتوصيات صندوق النقد الدولي بزيادة خفض قيمة الدينار ب20 % عن قيمته الحالية سيزيد العجز في ميزان المدفوعات، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السلع محليا، بسبب انخفاض القيمة الشرائية للعملة المحلية، و أما ما وقع الترويج له بان انخفاض العملة سيؤدي إلى منافسة الصادرات التونسية للبضائع الأخرى في الأسواق الدولية، فلم تستفد منه البلاد بسبب قلة هذه الصادرات، وكل ما هنالك أن هذا سيؤدي إلى بيع طاقات وثروات البلاد بسعر زهيد.

د. الاسعد العجيلي

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...