اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

فصبر جميل والله المستعان


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

فصبر جميل والله المستعان

الرجاء من الله لا ينقطع

 

   الإنسان بكونه كائناً اجتماعياً يحب ويكره ، ويفرح ويحزن، ويرجو ويأمل، ويرضى ويغضب. فلا يبقى على حال، بل هو تارة في حال وأخرى بغيره. فكان لا بد من وجود قاعدة تضبط حاله، وتحدد له مقاييس ومعايير لفرحه وحزنه ورضاه وغضبه.

فكانت العقيدة الإسلامية القائمة على الإيمان بالله ابتداءً. ومبني على هذا الإيمان قواعد ومفاهيم مثل الرزق والأجل والنصر، فكانت هذه العقيدة والمفاهيم المنبثقة عنها ضوابط لسلوكه ومقاييس ومعايير يتقيد بها، بغض النظر عن حالته في ظرف معين.

ومن هذه المفاهيم دوام الرجاء ونبذ اليأس والقُنوط.

واليأس في اللغة هو القُنوط أو انعدام الرجاء، وهو حاله يصل إليها الإنسان، أو يوصله غيره إليها، فإذا لم يحصل الرجاء، أو انعدم الرجاء وجد اليأس قطعاً، وأقول هنا قطعاً لأن وجود الرجاء عند الإنسان ينفي وجود اليأس. فالمؤمن يرجو الله في البلاء ويحمده في الرخاء، قال تعالى: (( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ويرجون رحمته ويخافون عذابه)).

أما غير المؤمن فإن نهاية الدنيا في نظره هي خسارته، أو فقده لولد أو حبيب، وتتوقف الدنيا بنظره فيملها أو تمله…وقد ينتحر. أما المؤمن فيقابل ذلك بالصبر والرجاء. قال تعالى مبيناً حال المؤمن والكافر : ((وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)).

ولنا في يعقوب عليه السلام الأسوة الحسنه في دوام الرجاء والثقة بوعد الله؛ فقد ضاع ولده يوسف … وانقطع خبره سنواتٍ وسنوات، ثم لحقه أخوه، فقال يعقوب لبنيه: ((إذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه، ولا تيئسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)).

إذهبوا إلى مصر ... وما أدراك ما مصر، ليبحثوا عن شخص أضاعوه طفلاً فكبر وتغيرت ملامحه وسماته، ولا يعلمون أين هو؟ فهم كالباحث عن محمد اليوم في الحجاز وما أكثرهم!! ولكن حبل رجاء يعقوب بربه لم ينقطع ((إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)).

فالموضوع هو الرجاء ونبذ اليأس وهو بارز في مواقف يعقوب عليه السلام في سورة يوسف، وقد نزلت السورة بمكة، وكان فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومكة في ذلك الوقت تعج بالمشركين المبغضين و المتربصين بالرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه ومن آمن معه. والوقت زمان ماتت فيه حبيبته صلى الله عليه وسلم، ومات عمه.

فهي أحرج الفترات و أشقِها في تاريخ الدعوة، فبعد موت أبي طالب، وجرأة المشركين على ما لم يكونوا ليجرئوا عليه في حياة أبي طالب. وقد بلغت الحرب عليه وعلى دعوته أقسى وأقصى مداها. وتجمدت الدعوة حتى ما يكاد يدخل في الإسلام أحد من مكة وما حولها.

في تلك الفترة الحرجة نزلت هذه السورة، في الوقت الذي كان رسول صلى الله عليه و سلم يعاني الوحشة والغربة و الانقطاع في جاهلية قريش … وتعاني معه الجماعة المسلمة هذه الشدة والمحنة، قص الله الكريم الرحيم على سيد الخلق قصة أخيه الكريم يوسف بن يعقوب بن اسحق بن إبراهيم ، وما عاناه من المحن والإبتلاءات. تثبيتاً للرسول صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه.

أيها الاخوة: لنقف عند هذا المشهد وقفة قصيرة:

يعقوب -الشيخ الكبير- يحب يوسف ولده الصغير، وتعلقه به أشد ما يتعلق والد بولده، وبينهما جسر من المودة يجعل الغلام يسر إلى أبيه حتى أحلامه وما يراه في منامه… ومرة واحدة يختفي يوسف، فلا هو حي فيراه ولا هو ميت فيرثيه!! فقال ولم يزد: ((فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون)). وتوالت الأيام والشيخ على نفس الحال، فقد استعان بالله اعتقاداً ظهر في سلوكه.

ونحن اليوم!!

هل مر بنا يوماً ذقنا فيه طعم العزة؟

 ألا ترون معي أن البلاء يصب علينا صباً، وأن الفتن تحيط بنا من كل جانب.

 ألا ترون أن يومنا أشد علينا من أمسنا.

 ألا ترون أننا فقدنا عزيزاً غائباً منذ أكثر من سبعين سنة، ولا طعم لحياتنا ولا لوجودنا بدونه.

ألا ترون أننا بحاجة إلى من يلم شعثنا ، ويحفظ لنا شاهدنا وغائبنا.

 ألا ترون أن الشكوى والتشكي لا يردان حقاً ولا يدفعان ضيما.

 ألسنا بحاجة إلى مثابرة وإرادة لتغيير هذا الحال.

ألا تذكرون أجدادكم العظام كيف كانوا يفصلون للدنيا أثوابها.

 وكيف كانوا يفتتحون الأرض وهم يحملون ألوية الحق والعدل صابرين محتسبين موقنين بوعد الله لهم بالنصر والتمكين.

 وعندما ذهب سندنا ضاع جاهنا وذهبت أرضنا يوم نعيت خلافة المسلمين، يوم أن سكت المسلمون ولم يبذلوا المهج والأرواح في سبيل إعادتها. يوم أن فقدت أرض المسلمين حاميها وحارسها وسيدها!! يوم أن بكت أرض الإسلام العزة والأعزة.

أيها الاخوة:

                                                                                                                                                        

لنعد إلى مشهد آخر مع يعقوب لا يختلف عن الأول، حيث طلب الاخوة اصطحاب الابن الصغير، فتتحرك كوامن يعقوب ، فإذا به يجهر بما يدور في صدره: ((قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل )) فخلوني من وعودكم ومن حفظكم، فإذا طلبت الحفظ لولدي والرحمة بي ((فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين)).

ويتكرر المشهد المؤلم على الشيخ وقد أفضوا إليه بالنبأ الفظيع بسجن ولده الآخر، فلا تسمع إلا رداً سريعاً شجياً ((فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً إنه هو العليم الحكيم )) فقد قالها من قبل ((فصبر جميل والله المستعان((  واليوم أضاف إليها هذا الأمل والرجاء بربه بقوله (عسى)… فيُرد عليه يوسف وأخوه.
هذا الشيخ المتعب القلق لم ينس يوسف بعد، ثم هذا أخوه من بعده، ورجاؤه بربه زاد في الثانية عن الأولى فقال (عسى) فكأنه كلما ازداد تعبه وتحجر مَنْ أمامه زاد رجاؤه بربه. إنه الشعاع الحق جاء لقلب هذا الرجل، إنه الرجاء بالله والاتصال الوثيق به، والشعور بوجوده ورحمته … ذلك الشعور الذي يتجلى في قلوب الصفوة المختارة من الأمة ممن يعملون عمل الأنبياء، فرجاؤهم بربهم ووعده لهم بالنصر والغلبة والتمكين أصدق وأعمق من الواقع المحسوس الذي تلمسه الأيدي وتراه الأبصار.

صلى الله عليه وسلم فأي منا لا يمتحن أو يبتلى…تعلموا من يعقوب وتصرفوا تصرفه أنتم أيها الصفوة بمكة أو من كان حالكم كحال من بمكة فالرجاء حادٍ يحدو القلوب ويقودها إلى الله والدار الآخرة وإلى الغاية التي يريدها حملةُ الدعوة من استئناف حياة إسلامية وحملٍ للدعوة إلى العالم، وبذلك يطيب لحامل الدعوة السيرُ ويقبل على العمل مستبشراً متهللاً بثقة وارتياح بحتمية نصر الله وجوده وكرمه.

ويشتد الحزن على يعقوب فما شكا لمخلوق، وإن كان قد حزن كإنسان، ويكظم حزنه فينعكس على عينيه ((وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم )) أما حال أبنائه وقومه فإنهم لم يواسوه مواساة تخفف ألمه، بل زاده كلامهم ألماً فوق ألمه، حتى تخلص من حجابهم فكأنه بشفافيته حلق في أجواء غير أجوائهم وحزنه معه فقال: ((إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون)) قالها بقلب المؤمن المبتلى الصابرِ المتعلقِ بحبال ربه عز وجل، المدركِ لحقيقة الألوهية، الموصولِ برجاء المنعم عليه. وقالها رسولكم صلى الله عليه وسلم بعد ما لاقي من أهل الطائف ما لاقى من الصد والتكذيب والأذى فقال: ((اللهم إليك أشكو ضعف قوتي …)) وأنتم لمن تشكون أيها المسلمون؟؟

في هذا الواقع الميئس من يوسف، وهذه المدة الطويلة التي تقطع الرجاء من حياته فضلاً عن عودته، ما زال الرجاء عنده هو الرجاء، ويعلمه لأولاده ((وأعلم من الله ما لا تعلمون)) علماً يقينياً، فتتجلى الحقيقة، وتعرض مذاقاً لا يعرفه إلا من ذاقه فأدرك معناه. ويعقوب ذاق حلاوة رجاءه بربه فلم تبلغ منه الشدائد مبلغاً فيقول لهم: ((يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيئسوا من روح الله إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون)).

تحسسوا بحواسكم بلطف وبصر وصبر على البحث، والعمل للهدف دون يأس من الله ولو بَعُد الفرج أو طال الزمن ((إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون))، أما المؤمنون الذين يعملون جادّين وبصبر وثبات، المؤمنون الموصولة قلوبهم بالله، الندية أرواحهم بروْحه، الشاعرون بأنه يرعاهم ويكلؤهم برحمته، فإنهم لا ييئسون من روْح الله، ولو أحاط بهم الكرب واشتد بهم الضيق، فلا يشعرون بغربة ما دامت قلوبهم موصولةً به عز وجل. فثقتهم ورجاؤهم بوعد ربهم يضفي عليهم طمأنينة وسعادة مهما اشتدت المحن والكروب. وصدق الله العظيم إذ يقول: (( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)).

أيها الاخوة:

يعقوب فقد ولده الأول والثاني ولم يتغير رجاؤه بالله، وكان مصدقاً بوعد الله له الذي أوحاه إليه ((وأعلم من الله ما لا تعلمون)) في الوقت الذي كان يسخر منه قومه ويقولون: ((إنك لفي ضلالك القديم)).

ورسولكم صلى الله عليه وسلم في أشد المحن والشدائد لم تتزعزع ثقته بوعد الله له الذي أوحاه إليه، ويقسم على تحققه: ((والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على الغنم، ولكنكم تستعجلون)) ويتحقق له وعد الله.

واليوم -أيها المسلمون- نسمع من يستغرب إمكانية عودة العزة للمسلمين، ونسمع من انقطع رجاؤه بعودة الخلافة والدولة الإسلامية، حتى اقترح بعضهم على المسلمين التفكير باتحادات فدرالية أو كنفدرالية بدل دولة الخلافة، فهل يختلف هذا عن قول قوم يعقوب له ((إنك لفي ضلالك القديم)) ونحن نقول لهم كقول يعقوب إننا نعلم من الله ما لا تعلمون.

فعندكم -أيها المسلمون- العلم من الله بأنه سينصر دينه وسيظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وبشركم ربكم على لسان رسوله أنه بعد زوال دولتكم وتكالب الأمم عليكم، سيمن عليكم بالنصر والتمكين وعودة البلاد والدولة إليكم، أليس ذلك بكاف لكم، لتنهضوا من سباتكم وتنبذوا المثبطين والمرجفين، وتتمسكوا بحبل رجائكم بالله.

نسأل الله أن يجعل نصره قريباً.

اللهم انقطع الرجاء إلا فيك، وانقطع الآمال إلا منك

اللهم هذا حالنا لا يخفى عليك، فغير حالنا إلى أحسن حال، ومُنَّ علينا بدولة الاسلام.

اللهم إليك نشكو ضعف قوتنا

اللهم أعنا ولا تعن علينا

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...