اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

دروس من قصة موسى في القرآن: الاستخلاف في الأرض


Recommended Posts

دروس من قصة موسى في القرآن: الاستخلاف في الأرض

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

 

فرعون هو الشخصية الشريرة الرئيسية في قصة موسى عليه السلام، وقد اقترن ذكره في القرآن مع سيدنا موسى، يقول تعالى: (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، ولم يقل من نبأ "موسى وهارون". لأن دور فرعون في القصة أكبر من دور هارون. والقرآن الكريم يعطي كل شخصية دورها المناسب في القصة بالقدر الذي تلعبه في القصة والذي لعبته في الحياة. وقد تردد ذكر فرعون في القرآن الكريم أربعاً وسبعين مرة، بينما ذكر القرآن هارون عشرين مرة فقط، مع أنّ هارون عاش مدة طويلة بعد غرق فرعون وشارك موسى في قيادة بني إسرائيل.

وتلك الأهمية التي يضفيها القرآن على فرعون مرجعها لكونه رمزاً لكل حاكم مستبد يصل به استبداده إلى ادعاء الألوهية وإهلاك نفسه وتدمير شعبه، وهو رمز الكفر والطغيان في كل زمان ومكان فقد وصف سيدنا محمد أبا جهل بأنه فرعون هذه الأمة، أما فراعنة هذا الزمان فهم حكام الشرق والغرب.

والقرآن الكريم يؤكد على جانب العبرة في قصة فرعون حين يقول عنه: (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى). وسنركز في هذه الكلمة على قضية استخلاف بني إسرائيل في الأرض.

  

قضية الاستخلاف تدور حولها حتى الآن علاقات الدولة وصراعاتها، فكل دولة قوية تطمح في السيطرة على محيطها وتوسيع مجالها الحيوي، وإذا كانت قوية جداً طمحت في السيطرة على العالم واتسع مجالها الحيوي بقدر قوتها وأطماعها.

وفي عصر فرعون كان العالم المعروف محصوراً في مصر وما حولها، ولذلك فإنّ فرعون حين علا نفوذه في مصر فإنه علا في الأرض: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ)، أي كانت مصر وقتها تمثل (الأرض) كلها ، ومن يعلو شأنه في مصر فقد علا شأنه في الكوكب الأرضي كله.

وكالعادة السيئة لأغلبية البشر فإن فرعون ترجم قوته إلى ظلم، ولم يحصن قوته بالعدل، لذا أضاع نفسه ودولته وبقي عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد!! يقول تعالى: (لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ).

 

لقد تسلط فرعون بكل قوته على طائفة استضعفها من رعاياه يذبّح أطفالهم ويستحيي نساءهم ليبدأ أول عملية تطهير عرقي في التاريخ الإنساني، والقرآن يعبر عن نفسية فرعون – وكل حاكم ظالم دموي – حين يقول: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ)، أي لم ينظر إلى سكان مصر على أنهم فريق واحد، بل جعلهم طبقات ودرجات وشيعاً، وجعل طائفة منهم في الحضيض، أعداءً له، وقارن بين قوته وقوة تلك الطائفة من رعيته "فاستضعفهم" وحين استضعفهم انطلق يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، أي نظر إليهم وهو الفرعون نظرة العدو وتسلط عليهم ليبيدهم، ولو لم يستضعفهم ما جرؤ على اضطهادهم، إذن غرور القوة والتفوق دفعت فرعون للظلم العاتي ولم يدرِ أنه بذلك قد دخل في مواجهة مع الله تعالى المنتقم الجبار الذي يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.

 

وذلك الدرس الأهم الذي ينبغي أن يعيه حملة الدعوة من قصة فرعون المذكورة في القرآن والتوراة.

إنّ الظالم يقضي على نفسه في النهاية، ويأخذ معه في الهلاك كل من أيده وسار معه، والله تعالى يعلن أنه الذي يتدخل في إهلاك الظلم إذا لم يسلط عليه قوة أخرى، ولذلك فإن الآية القرآنية التي تتحدث عن استضعاف فرعون لطائفة من رعيته تأتي بعدها الآية التي تقول: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ). أي معنى أن يكونوا وارثين أن يرثوا ملك فرعون بعد هلاك فرعون، وهذا هو معنى التمكين هنا.   

فالتمكين في الأرض هو الاستخلاف، وذلك يعني أنّ الله مكن لفرعون في الأرض فطغى وبغى فأهلكه الله ومكّن للمستضعفين بعده، فالاستخلاف في الأرض له مسؤوليته في إقرار العدل وإحقاق الحق ومنع الظلم، وإلا تلاشت الدولة القوية وانتهت وانتقلت إلى متحف التاريخ.

وموسى حين قال لقومه: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ردوا عليه يشكون الظلم الذى حاق بهم: (قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا) فطمأنهم وبشرهم بالتدخل الإلهي الذى يجعلهم مستخلفين بعد هلاك فرعون: (قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ) وأوضح لهم مسؤولية الاستخلاف التى أضاعها فرعون بظلمه، وأنّ الله جل وعلا سيختبرهم باستخلافهم بعده: أضاعها فرعون بظلمه ومنحها الله بني إسرائيل حيث قال في آخر الآية (فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ). أي أنّ الاستخلاف ليس مطلقا لأية طائفة، وإنما هو بشروطه، وإذا كان بنو إسرائيل هم المرشحون للاستخلاف بسبب صبرهم على ظلم فرعون، فإن ذلك الاستخلاف لهم مرتبط بنفس الشروط وهي العدل ومنع الظلم.

وانتهت القصة كما نعرف بهلاك فرعون ونظامه وانتصار بني إسرائيل ليس بقوتهم وإنما بضعفهم وبصبرهم على الظلم وفرارهم من الظالم العاتي الطاغية الذى استحق انتقام العزيز الجبار، ويقول تعالى عن تحقيق وعده لهم بالاستخلاف بعد فرعون: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ)، لقد نصر الله بني إسرائيل لأنهم كانوا مستضعفين، ولأنهم صبروا.

 

ومن بين الإمبراطورات الكثيرة التي طغت فأهلكها الله تظل قصة فرعون وبني إسرائيل قصة فريدة، ليس فقط لأنها أقدم قصة في الظلم والاضطهاد، ولكن أيضاً لأن العنصر القوي الظالم كان بالغ القوة عنيف الظلم ولأنّ العنصر الضعيف كان بالغ الضعف لا يملك من أمره شيئاً، يقول تعالى: "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ العَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ" فقد وقع على بني إسرائيل أشد صنوف العذاب ومن ضمنها قتل ذكورهم وإبقاء نسائهم أحياءً للخدمة والمتعة، ثم أتت القوة الإلهية لتنحاز إلى جانب المظلوم الذي وقف يواجه الظلم بالصبر والصلاة.

ففي مواجه الطغيان الفرعوني وقف موسى يوصي قومه بالصبر والتوكل على الله، وقد كانوا عزلاً من كل قوة إلا الصبر والصلاة: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).

وحين تطرف فرعون في اضطهادهم لم يعد بوسعهم الصلاة جهراً فاضطروا الى الصلاة خلسة في بيوتهم وتحولت صلاتهم الى سلاح يوجهونه ضد فرعون يستعينون على مقاومته بالدعاء عليه ـ فاقترنت الصلاة بالصبر و التحمل والدعاء على الظالم الطاغية. ومن هنا ارتبطت صلاة المظلومين من بني اسرائيل بالبشرى لهم بقرب الفرج و تحقيق الانتصار على الطاغية .

نفهم هذا من قوله تعالى :(وأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) أي جاءت البشرى مع الصلاة. واقترنت الصلاة أيضاً بدعاء موسى وهارون على فرعون: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ) واقترنت الصلاة والدعاء باستجابة إلاهية سريعة :(قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) وتحققت الاستجابة فى غرق فرعون وملكه وجنوده: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، فالله تعالى يستجيب دعوة المظلوم ويهلك بها الظالم.

إذن انتصر موسى وقومه على فرعون بالصبر والصلاة ، لذا كانت الوصية الذهبية لبني إسرائيل "وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ" ونفس الوصية الذهبية لنا نحن المؤمنين المتمسكين بالقرآن المستضعفين في الأرض (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين) أي أننا في هذا الزمان مطالبين بالتزام أمر الله والثبات على الحق وحمل الدعوة بكل ما أوتينا من قوة وأتيح لنا من وسائل فالله تعالى حتماً ناصرنا ما دمنا على ذلك.

 

ونعود إلى فرعون وطغيانه لنعرف كيف أصابه الله في مقتل، فقد تحولت عناصر الاستخلاف والقوة التي منحها الله إياه إلى عناصر إهلاك لفرعون، حيث أنّ ثروة فرعون تمثلت في الأرض الزراعية المصرية، وتتركز تلك الثروة في نهر النيل الذي صارت به مصرُ مصراً، وقد وقف فرعون يتباهى بقوته وثروته  (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ)، فقد اعتبر فرعون أنهار مصر ومياهها مسخرة له!! وبإرادة الله الواحد القهار جعل نهر النيل يعمل ضد فرعون ويتآمر عليه، حدث ذلك مع قيام فرعون في اضطهاد بني إسرائيل وذبحه لأطفالهم، عندها أمر الله النيل أن يحمل التابوت وفيه موسى رضيعاً إلى قصر فرعون ليقوم فرعون نفسه بتربية موسى ورعايته، ثم واصل النيل مؤامراته ضد فرعون فحمل إلى فرعون وآله الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، وكانت تلك مجرد انذارات فلما لم يتعظ بها فرعون وآله كان غرقه أخيرا في اليم!

والذي نريد التذكير به أنّ نهر النيل كان نعمة من الله لفرعون فلما طغى تحولت النعمة إلى نقمة، وكفران النعمة هو أسرع الطرق لفقدانها، والله تعالى يقول: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ).

 

الخلاصة:

لقد تضمنت قصة موسى عليه السلام في القرآن الكريم في أحداثها المختلفة ووقائعها المتعددة جملة من الدروس والعبر والعظات، نقف عليها فيما يلي:

أولاً: إنّ قصة موسى عليه السلام -وكذلك قصص غيره من الأنبياء- تدعو كل مسلم في كل زمان ومكان إلى المداومة على ذكر الله تعالى في كل موطن بقوة لا ضعف معها، وبعزيمة لا فتور فيها، وأنّ الله سبحانه إذا أراد أمراً هيَّأ أسبابه، ويسر له وسائله، وأنّ رعايته إذا أحاطت بعبد من عباده صانته من كل أعدائه، مهما بلغ مكر هؤلاء الأعداء وبطشهم.

ثانياً: إنّ سنة الله اقتضت في هذه الحياة أن تكون (الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) مهما طال الزمان وبلغ الظلم منتهاه.

ثالثاً: منطق الطغاة في كل العهود أنهم يلجؤون إلى قوتهم المادية؛ ليحموا عروشهم وشهواتهم وسلطانهم، ففي سبيل هذه الأمور كل شيء عندهم مباح ومستباح. وشأنهم في كل عصر ومصر أنهم عندما يرون الحق قد أخذ يحاصرهم، ويكشف عن ضلالهم وكذبهم، يرمون أهله -زوراً وبهتاناً- بكل نقيصة ووضيعة، حيث يقول الله تعالى على لسان فرعون: (إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) ويقول: (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ).

رابعاً: إنّ الطغاة والظلمة في كل زمان ومكان يضربون الحق بكل سلاح من أسلحتهم الباطلة، ثم يزعمون بعد ذلك أمام العامة والبسطاء المغلوبين على أمرهم، أنهم ما فعلوا ذلك إلا من أجل الحرص على مصالحهم! يقول الله تعالى على لسان فرعون: (قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ).

خامساً: إنّ من عادة الطغاة أن يستخفوا بأتباعهم، ومن عادة الأتباع أن يطيعوا سادتهم وكبراءهم، ويتابعوهم على باطلهم وما يزينون لهم من الأعمال  ويصل الأمر إلى أن يفرض الطاغية على الأتباع طريقة التفكير، يقول الله تعالى على لسان فرعون: (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ) ويقول: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ).

سادساً: إنّ الباطل قد يسحر عيون الناس ببريقه لفترة من الوقت، وقد يسترهب قلوبهم لساعة من الزمان، حتى ليخيل إلى الكثيرين الغافلين أنه غالب وجارف، ولكن ما إن يواجهه الحق الهادئ الثابت المستقر بقوته التي لا تُغَالب، حتى يزهق ويزول، وينطفئ كشعلة الهشيم، وإذا بأتباع هذا الباطل يصيبهم الذل والصَّغار، والضعف والهوان، وهم يرون صروحهم تتهاوى، وآمالهم تتداعى، أمام نور الحق المبين.

سابعاً: إنّ موقف الدعاة إلى الحق في كل العهود أنهم لا يلقون بالاً لتهديد الظالمين، ولا يقيمون وزناً لوعيد المعاندين، بل يمضون في الطريق غير هيَّابين ولا وجلين، مستعينين بالله رب العالمين، ومسلِّمين قيادهم لأمره وقدره ومشيئته، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، وإنّ الدعاة إلى الحق يحتاجون في مقاومتهم لأهل الباطل إلى إيمان عميق، واعتماد على الله وثيق، وثبات يُزيل المخاوف، ويطمئن القلوب إلى حسن العاقبة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...