اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

معالم الإيمان المستنير / سلسلة حلقات من المكتب الإعلامي


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

 

الإيمان بالملائكة

 

ح5

 

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

نتابع معكم أيها الكرام الحديث حول الإيمان بالملائكة. فنقول وبالله التوفيق:

 

لم يطلع الله عز وجل الناس على شيء من غيبه إلا وكان فيه نعمة عظيمة وفائدة كبيرة لهم، ومن فضل الله علينا أن عرفنا بهذه المخلوقات الكريمة. وجعل الإيمان بها من الإيمان بالغيب الذي يعد أول صفة للمتقين. قال تعالى: ( الم * ذلك الكتاب لا ر‌يب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما ر‌زقناهم ينفقون ). (البقرة1-3) وللإيمان بالملائكة ثمرات عظيمة، منها:

 

أولا: عدم الوقوع في الخرافات: فعندما أطلعنا الله عز وجل على أمر هذه المخلوقات المؤمنة وأفعالها، فإنه بذلك قد حفظنا وجنبنا الوقوع في الخرافات والأوهام التي يقع فيها من لا يؤمنون بالله، وهذه نعمة كبيرة تستحق الحمد الدائم للمولى سبحانه على عنايته بعباده.

 

ثانيا: الاستقامة وتقوى الله: فإن من يستشعر وجود الملائكة معه وعدم مفارقتها له، ويؤمن برقابتهم لأعماله وأقواله، وشهادتهم على كل ما يصدر عنه ليستحيي من الله ومن جنوده، فلا يخالفه في أمر, ولا يعصيه في العلانية أو في السر، فكيف يعصى الله من علم أن كل شيء محسوب ومكتوب؟ ولله در الشاعر أبي العتاهية حيث يقول:

 

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل: * خلـوت ولكـن قل: علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفــل ساعة * ولا أن مــا يخفـى عليه يغيب

لهونا لعمر الله حتى تتابعت * ذنوب على آثارهـن ذنوب

فيا ليـت أن الله يغفـر ما مضى * ويأذن في توباتنا فنـتــــوب

إذا ما مضى القرن الذي كنت فيهم * وخلفــت في قرن فأنــت غريب

وإن امرءا قد ســار خمسين حجـة * إلى منهــل من ورده لقريـب

نسيبـك من ناجـاك بالود قلبه * وليس لمن تحـت التراب نسيب

فأحسن جزاء ما اجتهدت فإنما * بقرضك تجزى والقروض ضروب

 

 

ثالثا: الطمأنينة: فالمسلم مطمئن إلى حماية الله له، فقد جعل الله عليه حافظا من الملائكة الحفظة يحفظونه من الجن والشياطين ومن كل شر: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر‌ اللـه ) . (الرعد11)

 

رابعا: حب الله عز وجل: فالمسلم عندما يؤمن بالملائكة وأعمالهم ويرى كيف أن الله عز وجل وكل ملائكة بالسماء، وملائكة بالأرض، وملائكة بالجبال، وملائكة بالسحاب, وملائكة بالبحار وغيرها, وكل ذلك من أجل الإنسان وراحته؛ فتزداد محبة الله في قلبه, ويعمل على طاعته, ويتوجه إليه بالحمد والثناء.

 

خامسا: الصبر عل طاعة الله: ومن ثمرات الإيمان بالملائكة الصبر، ومواصلة الجهاد في سبيل الله، وعدم اليأس, والشعور بالأنس والطمأنينة، فحينما يدعو المؤمن إلى الله ويجد من أهله وقومه الصد والاستهزاء فإنه يجد من ملائكة الرحمن أنيسا ورفيقا يصحبه ويطمئنه ويشجعه على مواصلة السير في طريق الهدى؛ لأن جنود الله معه، يعبدون الله كما يعبد المؤمن ربه، ويتجهون إلى خالق السماوات والأرض كما يتجه؛ فيشعر بأنه لا يسير وحده إلى الله بل يسير مع موكب إيماني من مخلوقات الله تعالى.

 

سادسا: العلم بعظمة الله وقوته وسلطانه: ما أضعف الإنسان حين يصر على معصية الله، وهو يعرف أن البيت المعمور في السماء يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، وأن ملكا واحدا كان يستطيع بقدرة الله أن يطبق جبلي مكة على من فيها من المشركين. قال تعالى: (وخلق الإنسان ضعيفا) (النساء28) ولكن المؤمن يعلم عظمة الله, ويقدره حق قدره فلا يعبد غيره، ولا يطيع سواه.

 

روى البخاري في صحيحه عن عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: "لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك, وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا".

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

23 من شوال 1433

الموافق 2012/09/10م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المعلم التاسع عشر: الإيمان باليوم الآخر

(ح1)

 

 

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان، ولا يتم إيمان الإنسان إلا بالتصديق الجازم به وما يحصل فيه من أحداث وأهوال ذكرها القرآن الكريم والسنة المتواترة.

واليوم الآخر هو اليوم الذي قدره الله لنهاية الحياة الدنيا وبداية الحياة الآخرة الدائمة، قال تعالى: (وإن الدار‌ الآخر‌ة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون). (العنكبوت64).

 

ويشتمل هذا اليوم على أحداث وأهوال عظيمة، وتغيرات كونية كبيرة. تبتدئ بالنفخ في الصور ثم الحشر والحساب والميزان وتنتهي بدخول أهل الجنة الجنة، ودخول أهل النار النار.

 

أدلة اليوم الآخر:

 

أدلة اليوم الآخر مأخوذة من النقل أي من القرآن الكريم والسنة النبوية المتواترة. ولا يستطيع العقل الإنساني وحده مجردا ومعزولا عن النقل إدراك اليوم الآخر؛ لأن اليوم الآخر مغيب لا يقع تحت الحس, فكان لا بد من النقل يخاطب العقل ويقدم له البراهين كي يؤمن ويعتقد باليوم الآخر. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا آمنوا باللـه ور‌سوله والكتاب الذي نزل على ر‌سوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر‌ باللـه وملائكته وكتبه ور‌سله واليوم الآخر‌ فقد ضل ضلالا بعيدا). (النساء 136). وقال تعالى: (اللـه لا إلـه إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ر‌يب فيه ومن أصدق من اللـه حديثا). (النساء 87).

 

أهمية اليوم الآخر:

 

ممــــا يدل على أهمية اليوم الآخر:

 

أولا: تكرار ذكر القيامة في القرآن الكريم نحو سبعين مرة، وذكر الآخرة خمسا وستين مرة. مما يدل على أهمية ذلك اليوم، وأثره في توجيه النفس الإنسانية إلى الطريق المستقيم المنجية من العذاب والهلاك يوم القيامة.

ثانيا: اقتران اليوم الآخر بالإيمان بالله سبحانه قال تعالى: (ولـكن البر‌ من آمن باللـه واليوم الآخر‌). ( البقرة 177)

 

ثالثا: تعظيم الله ذلك اليوم الآخر وتحذيره عباده.

 

رابعا: كثرة أسماء اليوم الآخر.

 

أسماء يوم القيامة:

 

كثرت أسماء يوم القيامة, وكل اسم يدل على حال وحدث يحصل في ذلك اليوم. ومن أشهر هذه الأسماء: يوم القيامة، ويوم البعث، ويوم الفصل، ويوم الحشر، ويوم الحساب، ويوم الدين، ويوم الخروج، ويوم الخلود، ويوم الوعيد، ويوم الآزفة، ويوم الجمع، ويوم التناد، ويوم التلاق، ويوم التغابن، والساعة، والآخرة، والقارعة، والطامة الكبرى، والصاخة، والحاقة، والواقعة، والرادفة.

 

أيها المؤمنون:

 

 

إن أساس الإيمان باليوم الآخر يقوم على ثوابت الوحي الإلهي الصادر عن الذات الإلهية المقدسة، ولقد حظيت عقيدة المعاد بنصيب وافر من الآيات القرآنية، فلا تكاد تخلو سورة من سور القرآن الكريم من بضع آيات تتكلم عن عالم الآخرة، وكان الإخبار القرآني عن اليوم الآخر وما يتصل به قد جاء على مستويات مختلفة، فقد ساق الأدلة والبراهين المختلفة على إمكان المعاد وضرورته ووجوبه كأصل من أصول الاعتقاد الثابتة في جميع الشرائع السماوية، ورد على شبهات المنكرين، وأخبر عن أشراط الساعة والبعث بعد الموت والمحشر والحساب والصراط، ووصف حال المؤمنين في الجنة وما أعد لهم من النعيم الدائم، وحال المجرمين في جهنم وما أعد لهم من العذاب الأبدي. وفي الحلقات القادمة بإذن الله نقدم لكم صورة موجزة عن أهم المضامين القرآنية الواردة في النشأة الأخرى، وما يتعلق بها.

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

24 من شوال 1433

الموافق 2012/09/11م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

المعلم التاسع عشر: الإيمان باليوم الآخر

(ح2)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

نقدم لكم ايها الكرام فيما يأتي صورة موجزة عن أهم المضامين القرآنية الواردة في النشأة الأخرى، وما يتعلق بها. وإليكم الأدلة القرآنية على حتمية اليوم الآخر:

 

أولا: إعطاء اليوم الآخر موقعه في البنية العقائدية، والتأكيد على أنه من أصول الاعتقاد الواجبة،

قال تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين) . (البقرة 177) وقال تعالى: (من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم) . (المائدة 69)

 

ثانيا: التأكيد على وجود اليوم الآخر، وكونه أمرا محتوما لا ريب فيه، ووعدا حقا لا يقبل التخلف، قال تعالى: (ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لأ يخلف الميعاد) . (آل عمران 9) وقال تعالى: (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا). (النساء 87) وقال تعالى: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) . (النحل 38) وقال تعالى: (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم) . (سبأ 3)

 

ثالثا: إثبات إمكان المعاد والنشور بطريق ملموس لا يقبل التأويل، وذلك بذكر أمثلة من إعادة بعض الأشخاص والأقوام والحيوانات من الأمم السابقة إلى الحياة الدنيا، بعد أن ثبت موتهم, وخروجهم إلى عالم الموتى، فعاشوا بعد حياتهم الثانية مدة إلى أن توفاهم الله سبحانه بآجالهم، وقد وقع ذلك في أدوار وأمكنة مختلفة، لدفع استبعاد الناس للنشأة الآخرة، وإثبات قدرة الله تعالى على المعاد، وفي ما يلي بعض الأمثلة على ذلك:

 

أ ـ إحياء قوم من بني إسرائيل، قال تعالى: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون) . (البقرة 243)

 

ب ـ إحياء أحد أنبياء بني إسرائيل، قال تعالى: (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير) . ( البقرة 259)

 

جـ ـ إحياء سبعين رجلا من قوم موسى عليه السلام، قال تعالى: (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون) . (البقرة 56)

 

د ـ إحياء قتيل بني إسرائيل، قال تعالى: (وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون) . (البقرة 73)

 

هـ ـ إحياء الطيور لإبراهيم عليه السلام بإذن الله سبحانه، قال تعالى: (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم). (البقرة 260)

 

رابعا: بين الكتاب الكريم أن من أهم وظائف الأنبياء عليهم السلام هو إنذار الناس بالبعث والحساب في اليوم الآخر، فقال تعالى: (يا معشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين) . (الأنعام 130) وقال تعالى: (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) . (الزمر 71) والإنذار هنا عام لا يقتصر على امة دون أخرى.

 

25 من شوال 1433

الموافق 2012/09/12م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

الإيمان باليوم الآخر

 

المعلم التاسع عشر

 

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

نقدم لكم أيها الكرام فيما يأتي صورة موجزة عن أهم المضامين القرآنية الواردة في النشأة الأخرى، وما يتعلق بها. وإليكم الأدلة القرآنية على حتمية اليوم الآخر ومع الدليل الخامس:

 

خامسا: أكد الكتاب الكريم على وجود عقيدة المعاد في الشرائع السماوية السابقة للإسلام، فقال سبحانه في ذكر خطاب نوح عليه السلام لقومه وكان فيه: (والله أنبتكم من الارض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا) (نوح 18) وقال تعالى في شأن موسى عليه السلام: (ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون) (الأنعام 154) وقال تعالى حكاية عن تنديد موسى عليه السلام بفرعون وملئه: (إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لأ يؤمن بيوم الحساب) (غافر 27) وقال سبحانه مذكرا عيسى عليه السلام بيوم القيامة: (إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون) (آل عمران 55)

 

سادسا: أكد الكتاب الكريم في آيات كثيرة على أن الله تعالى قد وكل رسلا من الملائكة برصد أعمال العباد وأقوالهم بشكل دقيق، وضبطها في صحف لا تغادر صغيرة ولا كبيرة، فقال تعالى: (إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) (يس 12) وقال تعالى: (أم يحسبون أنا لأ نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون) (الزخرف 80) وقال تعالى: (ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليـمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) وبينت الآيات القرآنية أن صحائف الأعمال تعرض على الناس يوم يجيئون للحساب، فيقال لهم: (اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) (الجاثية 29) فينتاب المجرمين الدهشة والخوف والرهبة مما في تلك الصحائف من الأمانة والدقة ، قال تعالى: (ووضع الكتاب فترى المـجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) (الكهف 49) ولا يخفى أن في هذه الآيات ما يتعدى الدلالة على الرصد والتسجيل، إلى الدلالة على يوم الجزاء، الذي يعرض فيه على كل امرئ ما كان قد تم رصده وتسجيله عليه في حياته الدنيا، والذي استوعب كل صغيرة وكبيرة.

 

سابعا: تبنت الكثير من الآيات القرآنية الرد على شبهات منكري المعاد ، مؤكدة أنهم لا يمتلكون أدنى برهان أو دليل على إنكارهم ، وليس لديهم إلا الظن الذي لا يغني من الحق شيئا، قال تعالى: (وقالوا ما هي إلاحياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ) (الجاثية 24) وقال في موضع آخر: (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ) (النجم 28) وطالبهم بإقامة البرهان على إنكارهم: ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) (النمل 64) فما كان منهم إلا أن أتوا بشبهات ضعيفة وتخرصات واهية، أجاب عنها الكتاب الكريم بأجوبة شافية، يستند بعضها إلى البرهان العقلي الذي يؤكد ضرورة المعاد وحتمية الوعد الإلهي، كما في قوله تعالى حاكيا شبهتهم ورادا عليهم: ( وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) (يس 35)

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

26 من شوال 1433

الموافق 2012/09/13م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

الإيمان باليوم الآخر

ح4

 

أيها المؤمنون :

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد :

 

لقد أسهبت الأحاديث النبوية في وصف اليوم الآخر، وما فيه من الحشر والحساب والنعيم والعذاب، وعلى المستويات المذكورة في القرآن الكريم، بل بتفصيل أكثر وتوضيح أوفر، وسنقتصر في هذا المقام على ذكر بعض الأحاديث الدالة على وجوب المعاد وضرورته وحتميته.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا بني عبد المطلب، إن الرائد لا يكذب أهله، والذي بعثني بالحق لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، وما بعد الموت دار إلا جنة أو نار، وخلق جميع الخلق وبعثهم على الله عزوجل كخلق نفس واحدة وبعثها، قال الله تعالى: (ما خلقكم ولأ بعثكم إلا كنفس واحدة). (البقرة 177) وقال صلى الله عليه وسلم : "لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربعة: حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنى رسول الله بعثني بالحق، وحتى يؤمن بالبعث بعد الموت، وحتى يؤمن بالقدر".

 

إن الاعتقاد باليوم الآخر هو عقيدة المسلمين كافة، وإن الإيمان باليوم الآخر من ضرورات الدين التي يجب الاعتقاد بها، ومن أنكرها فهو خارج عن عداد المسلمين. وما يردده المسلمون كل يوم في صلواتهم هو تعبير عن إيمانهم بوجود الحياة بعد الموت، فهم يرددون قوله تعالى من سورة الفاتحة: ( مالك يوم الدين ).

 

جاء في الكتاب الكريم الكثير من الأدلة العقلية والبراهين الوجدانية على حتمية وثبوت اليوم الآخر ووجوبه, للرد على منكري البعث، وإثبات كونه قطعي الوجوب وحتمي الحدوث، وفي ما يلي نذكر بعض تلك البراهين :

 

أولا : برهان المماثلة :

 

ورد في القرآن الكريم بعض الأمثلة، في المساواة بين الإحياء في الدنيا والإحياء في الآخرة، وذلك من خلال نمطين في المماثلة؛ الأول: مماثلة النشأة الأولى من العدم بالنشأة الآخرة، والثاني: مماثلة إحياء الأرض بعد موتها بالإحياء في الآخرة، والعقل يحكم بتساوي الأمثال في الحكم، ومنه يتبين أن القادر على الإحياء الأول قادر على الإحياء الآخر؛ لأنهما مثلان.

 

النمط الأول من المماثلة :

 

ونريد به البرهان على المعاد من خلال المبدأ، عن طريق المماثلة بينهما، فقد أكد الكتاب الكريم على إمكان المعاد عن طريق ثبوت مثله أولا، وذلك بالمماثلة بين إيجاد الإنسان في هذه الدنيا بعد أن كان عدما ـ كما في خلق آدم عليه السلام ابتداء من غير مادة لأب وأم, وبين إعادته إلى الحياة بعد الموت والفناء؛ فقال تعالى: ( يا أيها الناس إن كنتم في ر‌يب من البعث فإنا خلقناكم من تر‌اب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير‌ مخلقة لنبين لكم ونقر‌ في الأر‌حام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخر‌جكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من ير‌د إلى أر‌ذل العمر‌ لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وتر‌ى الأر‌ض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت ور‌بت وأنبتت من كل زوج بهيج ). (الحج 5) إلى قوله تعالى: ( ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير ). (الحج 6) فالإنسان لم يكن شيئا مذكورا، فأوجده الله تعالى من تراب، وأخرجه من العدم إلى حيز الوجود، ووهبه النطق والعقل، وجعله في أحسن تقويم، فلا ريب إذن في إمكان بعثه بعد الموت وتفرق الأجزاء، لأنه يماثل خلقه وإيجاده في هذه الدنيا بعد أن كان عدما، ولأن حكم الأمثال واحد، والعقل لا يفرق بين المتساويين، بل يجعل وجود أحدهما دليلا على إمكان وجود المساوي الآخر ، فضلا عن أن النشأة الأولى أعظم وأجل، قال تعالى: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والارض). (الروم 27) ويدخل في هذا البرهان جميع الآيات التي تساوي بين المبدأ والمعاد من حيث الحكم ، منها قوله تعالى: (الله يبدؤا الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون). (الروم11) وقوله تعالى: (فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة). (الإسراء 51) وقوله تعالى: (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين). ( الأنبياء 104).

 

النمط الثاني من المماثلة :

 

أكد الكتاب الكريم في كثير من آياته على إثبات المعاد عن طريق المماثلة بين إحياء محسوس ومشاهد، وهو إحياء الأرض بعد موتها، بخروج النبات منها وعودة نشاطه الحيوي بعد جفافه أو ركوده وتوقفه عن العمل في الشتاء، وبين إحياء الأموات يوم القيامة، قال تعالى: ( فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها إن ذلك لـمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ). (الروم50) وقال تعالى: ( وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون ). (الأعراف 57) هذه الآية الكريمة والتي قبلها في معرض مناشدة العقل السليم الذي يقرر أن حكم الأمثال واحد، فإذا تحقق الإحياء في الأرض بعد موتها، أمكن تحققه في الإنسان بعد موته، وفي غيره من الأحياء. فالمراد بقوله: ( إن ذلك لـمحيي الموتى ). (الروم 50) الدلالة على المماثلة بين إحياء الأرض الميتة وإحياء الموتى، إذ في كل منهما موت، وهو سقوط آثار الحياة من الكائن الحي، وقد تحقق الإحياء في الأرض والنبات، وحياة الإنسان وغيره من ذوي الحياة مثلهما، وحكم الأمثال واحد, وقد أشار الكتاب الكريم إلى ما يقرب هذا المعنى، وهو كون خلق الإنسان كالإنبات وكذلك إعادته، قال تعالى: (والله أنبتكم من الارض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا). (نوح 17).

 

أيها المؤمنون :

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

27 من شوال 1433

الموافق 2012/09/14م

 

 

 

 

http://www.hizb-ut-tahrir.info/info/index.php/contents/entry_19801

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

الإيمان باليوم الآخر

ح6

 

 

أيها المؤمنون :

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد :

 

جاء في الكتاب الكريم الكثير من الأدلة العقلية والبراهين الوجدانية على حتمية وثبوت اليوم الآخر ووجوبه, للرد على منكري البعث، وإثبات كونه قطعي الوجوب وحتمي الحدوث، وفي ما يلي نذكر بعض تلك البراهين :

 

أولا: برهان المماثلة :

 

ثانيا : برهان القدرة: وقد سبق الحديث عن البرهانين الأول والثاني في الحلقتين الماضيتين.

 

ثالثا : برهان الحكمة: وهذا هو موضوع حلقتنا لهذا اليوم.

 

إن الله تعالى حكيم في أفعاله، وكل ما يصدر منه جل وعلا في عالمي التكوين والتشريع يخضع لمبدأ الغاية الإلهية الحكيمة، فالمنظومة الكونية في نظامها العجيب تسير بكل جزئياتها وفق حركة هادفة، وتتجه صوب نهاية مرسومة بدقة وإحكام، وكذلك تخضع الأحكام التشريعية في وجودها وحركتها وتفاعلها إلى مبدأ الغاية الإلهية الحكيمة التي تتجافى عن العبث واللغو والباطل، قال تعالى: ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) . (المؤمنون 115) وقال تعالى: ( وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ) . (ص 27) وقال تعالى : ( أيحسب الانسان أن يترك سدى ) . (القيامة 36).

 

ويمكن صياغة صورة هذا البرهان على شكل قياس، يتركب من مقدمتين ونتيجة: الأولى: إن الله حكيم. والثانية: إن الحكيم لا يفعل العبث، والنتيجة إذن فالله تعالى لا يفعل العبث، ولو لم يكن للإنسان معاد لكان خلقه عبثا، ومقتضى الحكمة الإلهية أن الله تعالى لا يفعل العبث، إذن فلا بد للإنسان من معاد يوم القيامة تتجلى فيه الحكمة الإلهية.

 

فلو كان الإنسان ينعدم بالموت، دون أن تكون هناك نشأة أخرى يعيش فيها بما له من سعادة أو شقاء، لكان خلقه في هذا العالم عبثا وباطلا، لأن الفعل لا يخرج عن العبثية إلا إذا ترتب عليه فائدة أو غاية عقلانية، وترتب الفائدة أو الغاية موقوف على وجود المعاد؛ لأنه إذا انعدم الإنسان بالموت، فذلك يعني أنه ليس ثمة غاية من خلقه غير هذه الحياة المحدودة التي تعج بالمتضادات ، والمحفوفة بأنواع المصائب والبلايا والفتن والفجائع، ويعني أيضا أن الله تعالى قد اقتصر في خلقه على الإيجاد ثم الإعدام، ثم الإيجاد ثم الإعدام، وهكذا دون أي هدف أو غاية في أفعاله سبحانه، وذلك ما لا نقبله للإنسان العاقل، فكيف نقبله للخالق، جلت حكمته، الذي لا يعتريه الباطل ولا يتجافى عن الحكمة؟! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

 

وعليه فلا بد من وجود عالم آخر يتضح فيه هدف الخلقة، وذلك هو عالم البقاء الأبدي المليئ بالحيوية والنشاط, والمعبر عنه في القرآن, بلفظ "الحيوان" , وهوعلى صيغة "فعلان" الدالة على معنى الحياة الحقيقية في الآخرة قال تعالى: ( وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الاخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ) . (العنكبوت 64) ومن هنا أكدت الآيات القرآنية على أن وجود عالم الآخرة يقتضيه خلق العالم بحكمة، قال تعالى: ( أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والارض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ) . (الروم 8) وقال تعالى: ( وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لأعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لأ يعلمون إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين ) .(الدخان 40) .

 

أيها المؤمنون :

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

29 من شوال 1433

الموافق 2012/09/16م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

المعلم التاسع عشر: الإيمان باليوم الآخر

(ح7)

 

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

جاء في الكتاب الكريم الكثير من الأدلة العقلية والبراهين الوجدانية على حتمية وثبوت اليوم الآخر ووجوبه, للرد على منكري البعث، وإثبات كونه قطعي الوجوب وحتمي الحدوث، وفي ما يلي نذكر بعض تلك البراهين:

 

أولا: برهان المماثلة.

 

ثانيا: برهان القدرة.

 

ثالثا: برهان الحكمة: وقد سبق الحديث عن هذه البراهين الثلاثة في الحلقات الماضية.

 

رابعا: برهان العدالة: وهذا هو موضوع حلقتنا لهذا اليوم.

 

1. وجود التكليف يقتضي وجود المعاد: من المعلوم أن الله تعالى جعل الحياة الدنيا دار امتحان وابتلاء للإنسان، ووهبه النوازع الخيرة إلى جنب النوازع الشريرة، لتتم بذلك حقيقة الابتلاء، وأعطاه العقل الذي يميز به بين الخير والشر، وبعث له الأنبياء والرسل ليحددوا له طريق الخير وطريق الشر، ثم كلفه باتباع سبيل الخير والحق، وتجنب سبيل الشر والباطل، وأعطاه الإرادة والاختيار ليستحق الثواب أو العقاب، قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) . (الملك 2) وقال سبحانه: (وبلوناهم بالحسنات والسيئات) . (الأعراف 168) وقال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) . (الأنبياء 35) وعليه فإن واقع الحياة الدنيا بما يحمل من متناقضات: الراحة والعناء، والصحة والمرض، والغنى والفقر، والإقبال على الأشرار والإدبار عن الأخيار، هو امتحان وابتلاء، وليس فيه ما يصلح للمكافأة والجزاء، وبما أن ضرورة التكليف تقتضي ضرورة المكافأة، لذا يجب المعاد ليجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، وإلا لبطلت فائدة التكليف، ولكان عبثا ولغوا. وفي بيان ذلك يقول بعض العلماء: "لو لم يكن المعاد حقا لقبح التكليف، ذلك أن التكليف مشقة مستلزمة للتعويض عنها، فإن المشقة من غير عوض ظلم، وذلك العوض ليس بحاصل في زمان التكليف، فلا بد حينئذ من دار أخرى يحصل فيها الجزاء على الأعمال، وإلا لكان التكليف ظلما، وهو قبيح، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا".

 

2. العدل الإلهي يستلزم وجود اليوم الآخر:

 

إن وجوب إيفاء الوعد, وإنفاذ الوعيد, والحكمة في تصريف الأمور, كل ذلك يقتضي وجوب البعث. لقد وعد الله تعالى بالثواب، وتوعد بالعقاب, وهو سبحانه الحكيم, مع مشاهدة الموت للمكلفين، فوجب القول بعودهم ليحصل الوفاء بوعده ووعيده, إذ لا ريب أن الناس لا يصلون إلى الثواب أو العقاب الملائم لأعمالهم في هذا الزمان المحدود؛ فالمحسنون الذين قضوا أعمارهم في العبادة ونشر الفضائل والإصلاح في الأرض، وتحملوا الكوارث والمحن والأرزاء في هذا السبيل، لايمكن لأي سلطة في الأرض أن تعطيهم مرادهم، وتوصلهم إلى ثوابهم، والمجرمون الذين ارتكبوا الجرائم الفظيعة بحق الإنسانية، وتوفروا على النعم والملذات والحياة الرغيدة أكثر من غيرهم، قد لا يقعون في قبضة القانون، وإذا وقعوا فإن عقابهم لا يتناسب مع الجرائم التي ارتكبوها، فقد يقتص منهم مرة واحدة، وتبقى أكثر الجرائم التي ارتكبوها تمر بلا عقاب، وعليه فليس ثمة قوة في هذه النشأة المحدودة تستطيع استرداد جميع الحقوق المهضومة للناس.

 

وإذا كان الإنسان ينعدم بالموت، ويفد الظالمون والمظلومون والمصلحون والمفسدون إلى مقابر الفناء دون محكمة عادلة تثيب المحسنين وتضع المجرمين في أشد العذاب، فإن ذلك خلاف العهد الإلهي الذي يقتضي التفريق بين الفريقين من حيث المصير والثواب والعقاب، وبما أن ذلك غير متحقق في النشأة الأولى، فيجب أن يكون المعاد لتجسيد العدالة الإلهية تجسيدا عمليا، وتحقيق الوعد الرباني الصادق في الوفاء للأنبياء والأولياء والشهداء والأبرار من عباد الله الصالحين والانتقام من الظالمين والمفسدين. وقد صرحت الآيات الكريمة بهذا الدليل على مستويين:

 

الأول: التأكيد على الفرق بين العاصي والمطيع في النشأة الأخرى، لتحقيق الثواب والعقاب، والوعد والوعيد، وذلك مقتضى العدل الإلهي. قال تعالى: (إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون) . (يونس 4) وقال تعالى: (فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) . (النازعات 37)

 

والثاني: التنديد بالتسوية بين الفريقين وإنكارها. قال تعالى: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) . (السجدة 18) وقال تعالى: (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض أم نجعل المتقين كالفجار) . (ص 28) وقال تعالى: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) . (الجاثية 21) وقال تعالى: (إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم أفنجعل المسلمين كالمـجرمين ما لكم كيف تحكمون) .(القلم 34)

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

30 من شوال 1433

الموافق 2012/09/17م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

نعيم الجنة محسوس وهو حق ودائم

 

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

لا يوجد في الجنة من الدنيا إلا الأسماء، وما فيها من نعيم لم يسبق لأحد أن رآه أو سمع به أو خطر على قلب بشر روى مسلم في صحيحه عن سهل بن سعد الساعدي، قال: "شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى ثم قال صلى الله عليه وسلم في آخر حديثه: "فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".‏ ثم قرأ هذه الآية: ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ر‌بهم خوفا وطمعا ومما ر‌زقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قر‌ة أعين جزاء بما كانوا يعملون‏) ". (السجدة: 17)

 

أيها المؤمنون: نعيم الجنة ومتعها محسوسة وهي حق ودائمة, ومن أمثلة ذلك: الطعام, والشراب, واللباس, والظلال, والأمن, والزواج من الحور العين, وغير ذلك كثير!

 

أولا: طعام أهل الجنة: في الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من المآكل والمشارب، قال تعالى: (يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأبار‌يق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخير‌ون ولحم طير‌ مما يشتهون). (الواقعة:21) وقد أباح الله لهم أن يتناولوامن خيراتها، وألوان طعامها وشرابها ما يشتهون، قال تعالى: (يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون). (الزخرف: 71) وقال: (كلوا واشر‌بوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية). (الحاقة: 24). ومن شرابهم الزنجبيل والكافور.

 

ثانيا: لباس أهل الجنة: وثياب أهل الجنة من سندس وإستبرق، والحرير والذهب، وهي لا تبلى، قال تعالى: (أولئك لهم جنات عدن تجر‌ي من تحتهم الأنهار‌ يحلون فيها من أساور‌ من ذهب ويلبسون ثيابا خضر‌ا من سندس وإستبر‌ق متكئين فيها على الأر‌ائك نعم الثواب وحسنت مر‌تفقا). (الكهف: 31) والسندس: ما رق من الديباج، والإستبرق: ما غلظ منه وثخن. وقال تعالى: ( جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور‌ من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حر‌ير‌). (فاطر: 33)

 

ثالثا: تمتع أهل الجنة بالنعم:النظر إلى وجه الله العظيم سبحانه من أعظم النعيم لأهل الجنة، قال تعالى: (وجوه يومئذ ناضر‌ة إلى ر‌بها ناظر‌ة). (القيامة: 22-23) وقال تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا ير‌هق وجوههم قتر‌ ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون‌). (يونس: 26) قال المفسرون: الحسنى هي الجنة، والزيادة: رؤية الله تعالى.

 

رابعا: شغل أهل الجنة: شغل أهل الجنة لهو ولذة وتمتع مع أزواجهم والحور العين، قال تعالى: (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأر‌ائك متكئون لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من ر‌ب ر‌حيم). (يس: 58). وقال تعالى: (وحور‌ عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون). (الواقعة: 24)

 

خامسا: تمتع أهل الجنة بالأمن: قال تعالى: (يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم). (الدخان: 56) وقال تعالى: (وفاكهة كثير‌ة لا مقطوعة ولا ممنوعة). (الواقعة: 33) أعطى الله أهل الجنة أمن المكان وأمن الطعام، فلا يخافون انقطاع الفاكهة ولا سوء عاقبتها ومضرتها، وأعطاهم أمن الخروج من الجنة فلا يخافون ذلك، وأمن الموت فلا يخافون فيها موتا. ونعيم أهل الجنة من أكل وشرب وكسوة وطيب وأمن ليس عن ألم جوع أو ظمأ أو عري أو نتن أو خوف، وإنما هي لذات متتالية ونعم متوالية، قال تعالى لآدم: (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعر‌ى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ). (طه: 119) والحكمة في ذلك أنهم ينعمون بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا، وزادهم الله على ذلك مالا يعلمه إلا هو سبحانه.

 

 

أسماء الجنة :

 

1. الجنة: قال تعالى: (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين). (البقرة: 111)

 

2. الحسنى:‏ قال تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا ير‌هق وجوههم قتر‌ ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ). (يونس: 26)

 

3. الغرفة: قال تعالى: (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما). (الفرقان: 75)

 

4. ‏الفردوس: قال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا). (الكهف: 107)

 

5. جنات النعيم:‏ قال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم). (يونس: 9)

 

6. جنات عدن:‏ قال تعالى: (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم). (التوبة: 72)

 

7. جنة الخلد:‏ قال تعالى: (قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا). (الفرقان: 15)

 

8. جنة المأوى: قال تعالى: (ولقد ر‌آه نزلة أخر‌ى عند سدر‌ة المنتهى عندها جنة المأوى ). (النجم: 15)

 

9. جنة عالية: قال تعالى: (في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية ). (الغاشية: 10)

 

10. الد‏ار الآخرة:‏ قال تعالى: (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين). (البقرة: 94)

 

11. دار السلام: قال تعالى: (‏لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون). (الأنعام: 127)

 

12. دار القرار: قال تعالى: (يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار). (غافر: 39)

 

13. ‏دار المتقين:‏ قال تعالى: (وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين). (النحل: 30)

 

14. دار المقامة: قال تعالى: (الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب). (فاطر: 35) اللهم أدخلنا الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

01 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/09/18م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

المعلم السابع والعشرون: وصف النار

 

 

 

 

أيها المؤمنون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

خلق الله النار, وجعلها دارا ومقرا للكافرين والعاصين، وملأها من شديد عذابه، ووصف أصحابها بالخسران المبين، وأودعها الشر جميعه. فلا خروج منها، ولا تخفيف من العذاب ولا إهلاك، بل هو العذاب الأبدي السرمدي الدائم وهي كما قال تعالى: (إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة). )الهمزة 9(

والنار شديدة الحر, هواؤها السموم, وهو الريح الحارة، وظلها اليحموم, وهو قطع الدخان، وماؤها الحميم، قال تعالى: (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بار‌د ولا كر‌يم). (الواقعة 43)

 

أيها المؤمنون:

الدركات للنزول, والدرجات للصعود، فالنار دركات, والجنات درجات، النار لها سبعة أبواب, أو سبع دركات، قال تعالى: (وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم). (الحجر 44) وقال تعالى: (إن المنافقين في الدر‌ك الأسفل من النار‌ ولن تجد لهم نصير‌ا). (النساء 145) وقال: (أولئك هم المؤمنون حقا لهم در‌جات عند ر‌بهم ومغفر‌ة ور‌زق كر‌يم). (الأنفال 4) ودركات النار أو أبوابها سبعة وإليكم أسماءها كما وردت في القرآن الكريم:

 

أولا: جهنم: قال تعالى: (ومن يعص الله ور‌سوله فإن له نار‌ جهنم خالدين فيها أبدا). (الجن 23)

ثانيا: لظى: قال تعالى: (كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر‌ وتولى وجمع فأوعى). (المعارج 15)

ثالثا: الحطمة: قال تعالى: (وما أدر‌اك ما الحطمة نار‌ الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة ). (الهمزة 9)

رابعا: السعير: قال تعالى: (فر‌يق في الجنة وفر‌يق في السعير). (الشورى 7)

خامسا: سقر: قال تعالى: (سأصليه سقر‌ وما أدر‌اك ما سقر‌ لا تبقي ولا تذر‌ لواحة للبشر‌ عليها تسعة عشر‌). (المدثر30)

سادسا: الجحيم: قال تعالى: (فأما من طغى وآثر‌ الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى ). (النازعات 39)

سابعا: الهاوية: قال تعالى: (وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدر‌اك ما هيه نار‌ حامية). (القارعة 11)

 

أيها المؤمنون:

الناس من الكفرة والمشركين بالإضافة إلى الحجارة هم وقود النار يوم القيامة، قال تعالى: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار‌ التي وقودها الناس والحجار‌ة أعدت للكافر‌ين).(البقرة24) والنار تأكل كل شيء لا تبقي ولا تذر، تحرق الجلود وتصل إلى العظام كما أخبر رب العزة في الآية الثامنة والعشرين من سورة المدثر.

والنار تتكلم ولها صوت, إذا رأت الكفار من بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا. قال تعالى: (إذا ر‌أتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفير‌ا). (الفرقان 12) وقال: (يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد). (ق 30)

 

أيها المؤمنون:

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

03 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/09/19م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

من اهوال يوم القيامة

ح1

 

أيها المؤمنون : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد :

 

قال الله تعالى: ( وسيق الذين اتقوا ر‌بهم إلى الجنة زمر‌ا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ‌). (الزمر73) وقال تعالى: ( هذا ذكر‌ وإن للمتقين لحسن مآب جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ). (ص50)

 

ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان أن أبواب الجنة ثمانية. ولكل أهل عمل باب من أبواب الجنة يدعون منه بذلك العمل.

 

أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس قال: " للجنة ثمانية أبواب: باب للمصلين، وباب للصائمين، وباب للحاجين، وباب للمعتمرين، وباب للمجاهدين، وباب للذاكرين، وباب للصابرين، وباب للشاكرين ".

 

وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة، وأبو يعلى، والطبراني، والحاكم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الجنة ثمانية أبواب سبعة مغلقة, وباب مفتوح للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوه ".

 

فللصائمين باب خاص يسمى باب الريان. روى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد ".

 

وهناك باب يقال له باب الضحى روى الطبراني في المعجم الكبير عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن في الجنة بابا، يقال له: الضحى، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الذين كانوا يديمون على صلاة الضحى؟ هذا بابكم فادخلوه برحمة الله ".

 

وقد يتفضل الله سبحانه وتعالى على بعض عباده الصادقين الباذلين أنفسهم في سبيل البر وأنواع الخير فيدعى من جميع الأبواب وذلك كأبي بكر الصديق الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هل يدعى أحد منها كلها؟ قال صلى الله عليه وسلم : نعم وأرجو أن تكون منهم! ومعنى يدعى منها كلها أي ينادى من جميع هذه الأبواب وهو دعاء تنويه وإكرام. ثم يدخل من الباب الذي غلب عليه العمل. فمن أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من باب النفقة. روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها قال: نعم, وأرجو أن تكون منهم ".

 

وهذه الأبواب الثمانية تفتح كلها لبعض أرباب الأعمال في الدنيا تكريما لهم :

 

أول ا: روى مسلم في صحيحه, وابن ماجة والترمذي وأبو داود والنسائي والحاكم وأحمد والطبراني عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من مسلم يتوضأ، فيحسن الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، إلا فتحت له ثمانية أبواب الجنة، يدخل من أيها شاء ".

 

ثانيا : وروى أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن عوف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت!

 

ثالثا: وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة عن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ما من عبد يصلي الصلوات الخمس, ويصوم رمضان, ويخرج الزكاة, ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يوم القيامة حتى أنها لتصطفق ".

 

رابعا: وأخرج أحمد، وابن ماجة، والطبراني، والبيهقي في البعث عن عقبة بن عبد السلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل ".

 

خامسا: وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان له بنتان أو أختان أو عمتان أو خالتان وعالهن فتحت له ثمانية أبواب الجنة ".

 

سادسا: وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من مات يؤمن بالله واليوم الآخر قيل له: ادخل من أي أبواب الجنة الثمانية شئت ".

 

سابعا : وأخرج الحاكم في تاريخه عن أنس قال: مات ابن لعثمان بن مظعون فحزن عليه حزنا شديدا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا عثمان, أما ترضى بأن للجنة ثمانية أبواب, وللنار سبعة, وأنت لا تنتهي إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدت ابنك قائما عنده آخذا بحجزتك يشفع لك عند ربك؟ قال: بلى قال المسلمون: يا رسول الله ولنا في فرطنا مثل ما لعثمان؟ قال: نعم, لمن صبر واحتسب". اللهم أدخلنا الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون :

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

04 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/09/21م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

من اهوال يوم القيامة

 

ح2

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

تحدث القرآن عن أهوال يوم القيامة التي تشده الناس وتشد أبصارهم, وتملك عليهم نفوسهم، وتزلزل قلوبهم. ومن أعظم تلك الأهوال ذلك الدمار الكوني الشامل الرهيب الذي يصيب الأرض وجبالها, والسماء ونجومها, وشمسها وقمرها، فالأرض تزلزل وتدك، والجبال تسير وتنسف، والبحار تفجر وتسجر أي تشعل، والسماء تتشقق وتمور، والشمس تكور وتذهب، والقمر يخسف, والنجوم تنكدر ويذهب ضوؤها وينفرط عقدها. والحق تبارك وتعالى يقبض الأرض بيده يوم القيامة، ويطوي السماوات بيمينه. والآن تعالوا بنا نستعرض هذه الأحوال كما جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واحدة تلو الأخرى:

 

 

أولا: قبض الأرض وطي السماء:

 

قال تعالى: (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين). (الأنبياء 104) وقال: (وما قدر‌وا الله حق قدر‌ه والأر‌ض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشر‌كون). (الزمر 67) وجاء في الحديث عن ‏ ‏ابن عمر ‏رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "‏إن الله يقبض يوم القيامة الأرض وتكون السموات بيمينه ثم يقول أنا الملك". (رواه البخاري) وهذا القبض للأرض والطي للسماوات يقع بعد أن يفني الله خلقه، وفي هذا الموقف يظهر الله انفراده بالملك، وتنقطع دعوى المدعين، وانتساب المنتسبين، بعد أن أذهب الله كل ملك وما كان يملك، وكل جبار ومتكبر وما كان يملك، وانقطع ما كان يدعون.

 

ثانيا: دك الأرض ونسف الجبال:

 

أخبرنا الحق تبارك وتعالى أن هذه الأرض الثابتة، وما عليها من جبال راسيات تحمل يوم القيامة عندما ينفخ في الصور فتدك دكة واحدة قال تعالى: (فإذا نفخ في الصور‌ نفخة واحدة وحملت الأر‌ض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة). (الحاقة15) وقال تعالى: (كلا إذا دكت الأر‌ض دكا دكا). (الفجر21) وعند ذلك تتحول هذه الجبال الصلبة إلى رمل ناعم كما أخبرنا الله تعالى: (يوم تر‌جف الأر‌ض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا). (المزمل14) أي تصبح ككثبان الرمل بعد أن كانت حجارة صماء. والرمل المهيل: هو الذي إذا أخذت منه شيئا من أسفله انهال من أعلاه. وجاء في موضع آخر من كتاب الله أن الجبال تصبح كالعهن وهو الصوف كما قال تعالى: (وتكون الجبال كالعهن). (المعارج 9) وقال تعالى : ( وتكون الجبال كالعهن المنفوش). (القارعة 5) ثم إن الحق تبارك وتعالى يزيل هذه الجبال عن مواضعها, ويسوي الأرض حتى لا يكون فيها موضع مرتفع، ولا منخفض، وقد عبر القرآن عن إزالة الجبال بتسييرها مرة، فقال تعالى: (وإذا الجبال سير‌ت). (التكوير 3) وبنسفها مرة أخرى فقال تعالى: (وإذا الجبال نسفت). (المرسلات 10) فسبحان الله القادر على كل شيء!

 

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

 

 

06 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/09/22م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

 

البعث والنشور

 

 

 

 

 

أيها المؤمنون :

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد :

 

يؤمن المسلم بالبعث والنشور بعد النفخ بالصور مرة ثانية، والمراد بالبعث إحياء العباد في يوم المعاد، والنشور مرادف للبعث في المعنى، يقال: نشر الميت نشورا إذا عاش بعد الموت، وأنشره الله أي أحياه. قال تعالى: ( قتل الإنسان ما أكفر‌ه من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدر‌ه ثم السبيل يسر‌ه ثم أماته فأقبر‌ه ثم إذا شاء أنشر‌ه ). (عبس22) وقال تعالى: ( يا أيها الناس إن كنتم في ر‌يب من البعث فإنا خلقناكم من تر‌اب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير‌ مخلقة لنبين لكم ونقر‌ في الأر‌حام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخر‌جكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من ير‌د إلى أر‌ذل العمر‌ لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وتر‌ى الأر‌ض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت ور‌بت وأنبتت من كل زوج بهيج ). (الحج 5)

 

وقد أكثر الله تعالى في كتابه من ضرب المثل للبعث والنشور بإحياء الأرض بالنبات كما في الآية الخامسة التي تلوناها آنفا من سورة الحج ؛ لأن إنبات الأجساد من التراب يكون بعد إنزال الماء الذي ينبتها، وهذا يشبه إنبات النبات من الأرض إذا نزل عليها الماء من السماء في الدنيا. قال تعالى في الآية الثامنة عشرة من سورة نوح عليه السلام: ( والله أنبتكم من الأر‌ض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخر‌جكم إخر‌اجا ). (نوح18) وقال تعالى في الآية التاسعة والثلاثين من سورة فصلت: ( ومن آياته أنك تر‌ى الأر‌ض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت ور‌بت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير‌ ). (فصلت 39) وقال تعالى في الآية التاسعة من سورة فاطر: ( والله الذي أر‌سل الر‌ياح فتثير‌ سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأر‌ض بعد موتها كذلك النشور‌ ). (فاطر 9)

 

البعث خلق جديد :

 

يعيد الله العباد أنفسهم يوم البعث، ولكنهم يخلقون خلقا مختلفا في بعض الصفات عما كانوا عليه في الحياة الدنيا، فمن ذلك: أنهم لا يموتون مهما أصابهم البلاء: أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة, خلود لا موت, ولأهل النار: يا أهل النار, خلود لا موت ". وقال تعالى: ( يتجر‌عه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ور‌ائه عذاب غليظ ) (إبراهيم 17) وقال تعالى: ( والذين كفر‌وا لهم نار‌ جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور‌). (فاطر 36)

 

أول من تنشق عنه الأرض :

 

أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . عن ابن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة, ثم أبو بكر, ثم عمر, ثم يأتي أهل البقيع فيحشرون معي, ثم أنتظر أهل مكة فيحشرون معي ". (رواه الترمذي في سننه)

 

اللهم اجعلنا ممن يحشرون في زمرة المصطفى صلى الله عليه وسلم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, وحسن أولئك رفيقا. اللهم آمين آمين آمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون :

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

06 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/09/23م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

الحشر إلى دار القرار

 

ح1

 

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

في ختام يوم القيامة يجمع العباد ويحشرون إما إلى الجنة وإما إلى النار، وهما المقر والمأوى الأخير الذي يصير إليه العباد جميعا. قال تعالى: (فأما من طغى وآثر‌ الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ر‌به ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى). (النازعات 41)

 

أيها المؤمنون:

 

في آخر ذلك اليوم يطلب من كل أمة أن تتبع الإله الذي كانت تعبده، فالذي كان يعبد الشمس يتبع الشمس، والذي كان يعبد القمر يتبع القمر، والذين كانوا يعبدون الأصنام يتبعونها، والذين كانوا يعبدون الصليب يتبعونه، والذين كانوا يعبدون فرعون يتبعونه، كما قال تعالى في فرعون: (ولقد أر‌سلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فر‌عون وملئه فاتبعوا أمر‌ فر‌عون وما أمر‌ فر‌عون بر‌شيد يقدم قومه يوم القيامة فأور‌دهم النار‌ وبئس الور‌د المور‌ود). (هود98)

 

عن ابن عباس قال: "لما نزل قوله تعالى: (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها وار‌دون لو كان هؤلاء آلهة ما ور‌دوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير‌ وهم فيها لا يسمعون(. (الأنبياء 100) شق ذلك على كفار قريش وقالوا: شتم آلهتنا، وأتوا ابن الزبيري وأخبروه فقال: لو حضرته لرددت عليه، قالوا: وما كنت تقول له؟ قال: أقول له: هذا المسيح تعبده النصارى, وهذا عزير تعبده اليهود، أفهما من حصب جهنم؟ فعجبت قريش من مقالته, ورأوا أن محمدا قد خصم فأنزل الله قوله تعالى: (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر‌ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون (". (الأنبياء 103)

 

أيها المؤمنون:

 

ويعطى المؤمنون يوم القيامة نورا يكشف لهم الطريق الموصلة إلى جنات النعيم، ويجنبهم العثرات والمزالق، حين يسيرون على الصراط المنصوب على متن جهنم، قال تعالى: (يوم تر‌ى المؤمنين والمؤمنات يسعى نور‌هم بين أيديهم وبأيمانهم بشر‌اكم اليوم جنات تجر‌ي من تحتها الأنهار‌ خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم) . (الحديد 12)

 

وأما المنافقون فيطفأ نورهم، ويحرمون النور يوم القيامة؛ لأنهم في الحقيقة مفارقون للمؤمنين ولا يهتدون بهداهم ولا يسلكون سبيلهم من النور، كما حرموا أنفسهم في الدنيا من نور القرآن العظيم. ويوم القيامة يقول المنافقون للمؤمنين: "انتظرونا لنستضيء بنوركم". وهناك يخدعون كما كانوا يخدعون المؤمنين في الدنيا، ويقال: لهم ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا، وبذلك يعود المنافقون إلى الوراء, ويتقدم المؤمنون إلى الأمام. فإذا تمايز الفريقان ضرب الله بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة, وظاهره من قبله العذاب، ويكون مصير المؤمنين والمؤمنات الجنة، ومصير المنافقين والمنافقات النار، كما قال تعالى: (يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظر‌ونا نقتبس من نور‌كم قيل ار‌جعوا ور‌اءكم فالتمسوا نور‌ا فضر‌ب بينهم بسور‌ له باب باطنه فيه الر‌حمة وظاهر‌ه من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتر‌بصتم وار‌تبتم وغر‌تكم الأماني حتى جاء أمر‌ الله وغر‌كم بالله الغر‌ور‌ فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفر‌وا مأواكم النار‌ هي مولاكم وبئس المصير‌). (الحديد 15)

 

وقد أخبر الحق سبحانه وتعالى أن دعاء المؤمنين عندما يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم هو: (ر‌بنا أتمم لنا نور‌نا) يقول المؤمنون هذا القول حين يرون نور المنافقين قد طفئ. قال تعالى: (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نور‌هم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ر‌بنا أتمم لنا نور‌نا واغفر‌ لنا إنك على كل شيء قدير‌ ). (التحريم 8)

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

07 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/09/24م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المعلم السادس والعشرون: حشر الخلائق جميعا يوم القيامة

 

 

 

أيها المؤمنون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

سمى الله سبحانه وتعالى يوم القيامة بيوم الجمع؛ لأن الله يجمع العباد فيه جميعا قال تعالى: (ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود). (هود 103) وقال: ( يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ). (التغابن 9) ويستوي في هذا الجمع الأولون والآخرون (قل إن الأولين والآخر‌ين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم) (الواقعة 50)

 

 

وقدرة الله تعالى تحيط بالعباد فالله لا يعجزه شيء، وحيثما هلك العباد فإن الله قادر على الإتيان بهم، إن هلكوا في عنان السماء، أو غاروا في أعماق الأرض، وإن أكلتهم الطيور الجارحة أو الحيوانات المفترسة، أو أسماك البحار أو غيبوا في قبورهم في الأرض، كل ذلك عند الله سواء قال تعالى: (أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير‌). (البقرة 148 )

 

أيها المؤمنون:

وكما أن قدرة الله محيطة بعباده تأتي بهم حيثما كانوا، فكذلك علمه محيط بهم، فلا ينسى منهم أحدا: (إن كل من في السماوات والأر‌ض إلا آتي الر‌حمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فر‌دا). (مريم95) وقال تعالى: (ويوم نسير‌ الجبال وتر‌ى الأر‌ض بار‌زة وحشر‌ناهم فلم نغادر‌ منهم أحدا وعر‌ضوا على ر‌بك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مر‌ة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا). (الكهف 48)

أيها المؤمنون:

وهذه النصوص بعمومها تدل على حشر جميع الخلائق من الإنس والجن والملائكة، وحتى إن البهائم تحشر أيضا. قال تعالى: (وإذا الوحوش حشر‌ت) (التكوير 5) وقال تعالى: (وما من دابة في الأر‌ض ولا طائر‌ يطير‌ بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فر‌طنا في الكتاب من شيء ثم إلى ر‌بهم يحشر‌ون). (الأنعام 38) وقال تعالى: (ومن آياته خلق السماوات والأر‌ض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير‌). (الشورى 29)

روى إسحق بن راهويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا سيحشر يوم القيامة، ثم يقتص لبعضها من بعض حتى يقتص للجماء من ذات القرن، فعند ذلك (يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا). ثم يقول أبو هريرة: فاقرءوا إن شئتم: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون).". (الأنعام 38)

أيها المؤمنون:

يحشر الله العباد يوم القيامة كما خلقهم، قال تعالى : ( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين). (الأنبياء 104) أما الأرض التي يحشر العباد عليها في يوم القيامة فهي أرض أخرى غير هذه الأرض، قال تعالى: (يوم تبدل الأر‌ض غير‌ الأر‌ض والسماوات وبر‌زوا لله الواحد القهار‌). (إبراهيم48)

اللهم قنا عذابك يوم تبعث عبادك, اللهم إنا نعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل أو نية أو اعتقاد! يا سميع يا عليم يامن تعلم ما في السموات وما في الأرض وما تخفي الصدور!

أيها المؤمنون:

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

10 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/09/26م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

 

وصف النار

 

 

أيها المؤمنون:

 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

خلق الله النار, وجعلها دارا ومقرا للكافرين والعاصين، وملأها من شديد عذابه، ووصف أصحابها بالخسران المبين، وأودعها الشر جميعه. فلا خروج منها، ولا تخفيف من العذاب ولا إهلاك، بل هو العذاب الأبدي السرمدي الدائم وهي كما قال تعالى: (إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة). (الهمزة 9)

 

والنار شديدة الحر, هواؤها السموم, وهو الريح الحارة، وظلها اليحموم, وهو قطع الدخان، وماؤها الحميم، قال تعالى: (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بار‌د ولا كر‌يم). (الواقعة 43)

 

أيها المؤمنون:

 

الدركات للنزول, والدرجات للصعود، فالنار دركات, والجنات درجات، النار لها سبعة أبواب, أو سبع دركات، قال تعالى: (وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم). (الحجر 44) وقال تعالى: (إن المنافقين في الدر‌ك الأسفل من النار‌ ولن تجد لهم نصير‌ا). (النساء 145) وقال: (أولئك هم المؤمنون حقا لهم در‌جات عند ر‌بهم ومغفر‌ة ور‌زق كر‌يم). (الأنفال 4) ودركات النار أو أبوابها سبعة وإليكم أسماءها كما وردت في القرآن الكريم:

 

أولا: جهنم: قال تعالى: (ومن يعص الله ور‌سوله فإن له نار‌ جهنم خالدين فيها أبدا). (الجن 23)

 

ثانيا: لظى: قال تعالى: (كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر‌ وتولى وجمع فأوعى). (المعارج 15)

 

ثالثا: الحطمة: قال تعالى: (وما أدر‌اك ما الحطمة نار‌ الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة ). (الهمزة 9)

 

رابعا: السعير: قال تعالى: (فر‌يق في الجنة وفر‌يق في السعير). (الشورى 7)

 

خامسا: سقر: قال تعالى: (سأصليه سقر‌ وما أدر‌اك ما سقر‌ لا تبقي ولا تذر‌ لواحة للبشر‌ عليها تسعة عشر‌). (المدثر30)

 

سادسا: الجحيم: قال تعالى: (فأما من طغى وآثر‌ الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى ). (النازعات 39)

 

سابعا: الهاوية: قال تعالى: (وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدر‌اك ما هيه نار‌ حامية). (القارعة 11)

 

أيها المؤمنون:

 

الناس من الكفرة والمشركين بالإضافة إلى الحجارة هم وقود النار يوم القيامة، قال تعالى: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار‌ التي وقودها الناس والحجار‌ة أعدت للكافر‌ين).(البقرة24) والنار تأكل كل شيء لا تبقي ولا تذر، تحرق الجلود وتصل إلى العظام كما أخبر رب العزة في الآية الثامنة والعشرين من سورة المدثر.

 

والنار تتكلم ولها صوت, إذا رأت الكفار من بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا. قال تعالى: (إذا ر‌أتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفير‌ا). (الفرقان 12) وقال: (يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد). (ق 30)

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

11 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/09/27م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

آثار الإيمان باليوم الآخر

 

 

أيها المؤمنون :

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد :

الإيمان باليوم الآخر له أهمية كبيرة، وأثر بالغ في حياة الإنسان، لذا نجد أن الله تعالى كثيرا ما يربط بين الإيمان به سبحانه والإيمان باليوم الآخر، كما قال تعالى: ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ). (البقرة 177)

 

أيها المؤمنون :

 

هذا, وللإيمان باليوم الآخر آثار كثيرة في حياة المسلم، من أهمها ما يأتي :

 

أولا :

 

توجيه سلوك الإنسان نحو سبل الخير: إن الإيمان باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب هو الذي يوجه الإنسان نحو سبل الخير، وينمي في النفس حب الخير، ليلقى ثوابه في جنات ونهر، ويكره النفس في الشر ودواعيه خوفا من نار تلظى.

 

ثانيا :

تعزيز تقوى الله تعالى : يتلو المسلم سورة الزلزلة وفيها قول الله جل في علاه: ( بسم الله الر‌حمن الر‌حيم إذا زلزلت الأر‌ض زلزالها وأخر‌جت الأر‌ض أثقالها وقال الإنسان ما لها يومئذ تحدث أخبار‌ها بأن ر‌بك أوحى لها يومئذ يصدر‌ الناس أشتاتا لير‌وا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذر‌ة خير‌ا ير‌ه ومن يعمل مثقال ذر‌ة شر‌ا ير‌ه ). ويتلو قوله تعالى: ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد ). (آل عمران30) حين يتلو المسلم تلك الآيات يعلم أنه يوم القيامة مسؤول أمام الله تعالى عن كل كبيرة وصغيرة، ومحاسب عليها، ومجزي بها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فتدفع التقوى هذا المسلم إلى عبادة الله تعالى وطاعته، أي إلى تسيير جميع أفعاله حسب الأحكام الشرعية.

 

ثالثا :

 

تقوية الإيمان بالله وملائكته, والشعور بالرقابة الإلهية: حين يتلو المسلم قوله تعالى: ( ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ). (طه 112) وقوله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد). (ق 18) حين يتلو المسلم تلك الآيات وأمثالها يعلم أن الله مطلع على جميع حركات الإنسان وسكناته، ويستشعر الرقابة الإلهية, فيبعثه ذلك على الخشية منه؛ لاتصاف الله تعالى بالرحمة والعدل لأوليائه، والانتقام وشدة العذاب لأعدائه.

 

رابعا :

إيثار الآخرة على الدنيا: وذلك لأن الدنيا قصيرة لا تعدل عند الله جناح بعوضة؛ ولأن الآخرة هي الدار الباقية، وهي التي تستحق أن يتطلع إليها الإنسان وأن يستعد لها، قال الله تعالى: ( وابتغ فيما آتاك الله الدار‌ الآخر‌ة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأر‌ض إن الله لا يحب المفسدين ).

(القصص77) وقال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ). (التوبة 38)

 

خامسا :

تحقيق الأخلاق الفاضلة : الأخلاق الفاضلة أحكام شرعية، وإن تحقيقها في سلوكنا وحياتنا تحقيقا فعليا ثابتا غير متقلب، بلا نفاق ولا رياء، لا يكون إلا نتيجة للإيمان باليوم الآخر، فالحلم والأناة، والتضحية والصبر، والعطف والرحمة، كل ذلك يتحلى به المؤمن لأنه ينتظر جزاءه عند الله، وينتظر أجره عليه يوم الحساب.

 

سادسا: الشعور بالطمأنينة والأنس، والصبر على الشدائد: لأن المؤمن يستعين على مصائب الدنيا وشظفها ومغرياتها بالله تعالى، ويعلم أن ما عند الله خير وأبقى، فيكون إيمانه باليوم الآخر مطمئنا له وحافظا ومعينا على ذلك، يقول الله تعالى: (والآخرة خير وأبقى). (الأعلى17) ويقول: ( إن الذين قالوا ر‌بنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشر‌وا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخر‌ة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور‌ ر‌حيم ).

 

أيها المؤمنون :

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

11 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/09/28م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

 

 

القضاء والقدر

ح1

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

يؤمن المسلم بقضاء الله وقدره, وحكمته ومشيئته, وأنه لا يقع في الوجود شيء إلا بعلم الله وتقديره ومشيئته, وأنه سبحانه وتعالى عدل في قضائه, حكيم في تقديره وتدبيره, وأن ما شاء الله كان, وما لم يشأ لم يكن, ولا حول ولا قوة إلا به تعالى.

 

وقد وردت آيات كريمة, وأحاديث نبوية شريفة لها صلة وثيقة بموضوع علم الله تعالى وعدله, وحكمته في تقديره وتدبيره, يحسن بنا أن نفهمها فهما صحيحا, ومن هذه الآيات والأحاديث قوله تعالى: { وما تشاءون إلا أن يشاء الله ر‌ب العالمين }. (التكوير: 29) أي وما تقدرون على فعل شيء إلا بتوفيق الله ولطفه, فاطلبوا من الله التوفيق إلى أفضل الطرق.

 

ومن الآيات التي يحسن بنا أن نفهمها فهما صحيحا قوله تعالى: { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قر‌ار‌ مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر‌ فتبار‌ك الله أحسن الخالقين }. (المؤمنون: 14).

 

خلق الله آدم عليه السلام من طين, ثم جعل ذريته وبنيه يخلقون في بطون أمهاتهم أربعين يوما نطفة أي ماء دافقا يخرج من أصلاب الرجال في مستقر متمكن هو الرحم, ثم تصير النطفة دما جامدا يشبه العلقة أربعين يوما, ثم تصير العلقة مضغة أي قطعة لحم أربعين يوما ثم تصير قطعة اللحم عظاما صلبة لتكون عمودا للبدن ثم تكسى العظام باللحم, ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح, ويكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.

 

أيها المؤمنون:

 

ومن الأحاديث النبوية التي يحسن بنا أن نفهمها فهما صحيحا قوله صلى الله عليه وسلم : "إن أحدكم يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما نطفة, ثم يكون علقة مثل ذلك, ثم يكون مضغة مثل ذلك, ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح, ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وعمله وشقى أو سعيد, فوالذى لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها, وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ". (رواه مسلم)

 

أيها المؤمنون:

 

نفهم من هذا الحديث الشريف أن كل ما هو مقدر على الإنسان مكتوب في اللوح المحفوظ: يجمع خلق الإنسان في بطن أمه أربعين يوما نطفة أي ماء دافقا يخرج من صلب الرجل, ثم تصير النطفة دما جامدا يشبه العلقة أربعين يوما, ثم تصير العلقة مضغة أي قطعة لحم أربعين يوما ثم تصير قطعة اللحم عظاما صلبة؛ لتكون عمودا للبدن ثم تكسى العظام باللحم, ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويكتب رزقه, وأجله, وعمله, وشقي أو سعيد. ثم يستمر حمله في بطن أمه مدة لا تزيد عن تسعة أشهر, ثم تضعه أمه, ثم يكبر حتى يبلغ أشده, فيعمل بعمل أهل الجنة أو بعمل أهل النار, فيدخل الجنة أو النار.

 

أيها المؤمنون:

 

ومن الآيات التي يحسن بنا أن نفهمها فهما صحيحا قوله تعالى: { ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم }. (التغابن: 11). والمعنى أن ما أصاب أحدا مصيبة في نفسه, أو ماله, أو ولده, إلا بقضاء الله وقدره, وما على المؤمن إلا أن يصبر ويرضى بقضاء الله, ويثبت على إيمانه, ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه, وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه.

 

ومن الآيات التي يحسن بنا أن نفهمها فهما صحيحا قول الله جل في علاه: (وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله). (الأعراف: 43). ومعنى الآية أن أهل الجنة يوم القيامة يقولون: الحمد لله الذي وفقنا لتحصيل هذا النعيم العظيم, ولولا هداية الله وتوفيقه لما وصلنا إلى هذه السعادة.

 

ومن الآيات التي يحسن بنا أن نفهمها فهما صحيحا قوله تعالى: { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون }. (التوبة: 51). مولانا: أي ناصرنا ومؤيدنا. ومعنى الآية: أنه لن يصيب الإنسان خير ولا شر, ولا خوف ولا رجاء, ولا شدة ولا رخاء, إلا وهو مقدر عليه مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ, وهو ناصره وحافظه, فليفوض المؤمن أمره إلى الله, ولا يعتمد على أحد سواه.

 

أيها المؤمنون:

 

فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

12 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/09/29م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

القضاء والقدر

 

ح2

 

 

 

أيها المؤمنون :

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد :

 

من العقيدة التي يؤمن بها المسلم أن الله تعالى خلق كل شيء بقدر, وأن الله عنده خزائن كل شيء. فالله تعالى خلق كل شيء وجعله مقدرا مكتوبا في اللوح المحفوظ منذ الأزل. وما من شيء من أرزاق الخلق والعباد ومنافعهم إلا عند الله تعالى خزائنه, ولكن لا ينزله إلا على حسب حاجة الخلق إليه, وكما يشاء الله ويريد. قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر). (القمر49) وقال تعالى: ( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر‌ معلوم ). (الحجر21)

 

أيها المؤمنون :

 

ومن العقيدة التي يؤمن بها المسلم أن الله تعالى عنده خزائن الغيب لا يعلمها إلا هو, ويعلم ما في البر والبحر من الحيوانات وغيرها من سائر العوالم والعجائب التي وسعها علم الله وقدرته, وإن علم الله تعالى محيط بالكليات والجزئيات, فلا تسقط ورقة من الشجر إلا يعلم وقت سقوطها, والمكان الذي تسقط عليه, وما من حبة صغيرة في باطن الأرض إلا يعلم مكانها, وهل تنبت أو لا؟ ومن يأكلها, وما من شيء فيه رطوبة أو جفاف إلا وهو معلوم عند الله ومسجل في اللوح المحفوظ. قال تعالى: ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر‌ والبحر‌ وما تسقط من ور‌قة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأر‌ض ولا ر‌طب ولا يابس إلا في كتاب مبين ). (الأنعام59)

 

أيها المؤمنون :

 

ومن الأحاديث النبوية التي يحسن بنا أن نفهمها فهما صحيحا قوله صلى الله عليه وسلم : " احتج آدم وموسى, قال موسى: يا آدم أنت أبونا وأخرجتنا من الجنة, فقال آدم: أنت موسى اصطفاك الله بكلامه, وخط لك التوراة بيده تلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين عاما فحج آدم موسى ". (رواه مسلم في صحيحه) حج آدم عليه السلام موسى عليه السلام أي غلبه في الحجة, وبيان ذلك أن لوم موسى عليه السلام لآدم عليه السلام كان في غير محله؛ لأنه لامه على الخروج من الجنة, فكان قد لامه على أمر لا بد من وقوعه لما قضاه الله, وإن لامه على الذنب, فإن آدم عليه السلام تاب منه, ومن تاب لا يلام عقلا ولا شرعا.

 

أيها المؤمنون :

 

ومن الأحاديث النبوية التي يحسن بنا أن نفهمها فهما صحيحا قوله صلى الله عليه وسلم : " إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب, فقال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ". (رواه أحمد والترمذي) يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أمر القلم أن يكتب في اللوح المحفوظ مقادير كل الأشياء, منذ أن خلق أول الخلق حتى تقوم الساعة يوم القيامة.

 

أيها المؤمنون :

 

ومن الآيات التي يحسن بنا أن نفهمها فهما صحيحا قوله تعالى: ( وكل إنسان ألزمناه طائر‌ه في عنقه ونخر‌ج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشور‌ا * اقر‌أ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ). (الإسراء14)

ألزم الله تعالى كل إنسان طائره في عنقه أي ألزمه نصيبه من العمل المقدر له. والمعنى أن الإنسان مرهون بعمله مجزي به, وعمله ملازم له لزوم القلادة للعنق لا ينفك عنه أبدا, ويظهر الله له في الآخرة كتاب أعماله مفتوحا, فيه حسناته وسيئاته, فيرى عمله مكشوفا, لا يملك إخفاءه أو تجاهله, ويقال له: اقرأ كتاب أعمالك, كفى أن تكون اليوم شاهدا على ما عملت, فلا تحتاج إلى شاهد أو حسيب.

 

ومن الآيات التي يحسن بنا أن نفهمها فهما صحيحا قوله تعالى: ( كل نفس بما كسبت ر‌هينة * إلا أصحاب اليمين * في جنات يتساءلون ). (المدثر38) والمعنى أن كل نفس محبوسة بعملها, مرهونة عند الله بكسبها, ولا تفك حتى تؤدي ما عليها من الحقوق, وتنال ما عليها من العقوبات إلا فريقا من السعداء المؤمنين, فإنهم فكوا رقابهم, وخلصوها من السجن والعذاب بالإيمان وطاعة الرحمن.

 

ومن الآيات التي يحسن بنا أن نفهمها فهما صحيحا قوله تعالى: ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ر‌بك بظلام للعبيد ). (فصلت46) والمعنى أن من عمل شيئا من الصالحات في هذه الدنيا, فإنما يعود نفع ذلك على نفسه, ومن أساء فإنما يرجع وبال ذلك وضرره عليه, وليس الله بظلام للعبيد حتى يعذب بغير إساءة, فهو تعالى لا يعاقب أحدا إلا بذنبه.

 

ومن الأحاديث النبوية التي يحسن بنا أن نفهمها فهما صحيحا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن النذر لا يرد قضاء". (رواه الجماعة) ومعنى الحديث أنه لا راد لقضاء الله تعالى.

 

أيها المؤمنون :

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

13 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/09/30م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

المعلم التاسع والعشرون: القضاء والقدر

(ح3)

 

 

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

من العقيدة التي يؤمن بها المسلم أن ما يحدث في الأرض من المصائب مكتوب في اللوح المحفوظ, فالمسلم يؤمن بقضاء الله وقدره, وحكمته ومشيئته, وأنه لا يقع شيء في الوجود إلا بعلم الله وتقديره, وأنه سبحانه وتعالى عدل في قضائه, حكيم في تقديره وتدبيره, وأن ما شاء الله كان, وما لم يشأ لم يكن, ولا حول ولا قوة إلا به تعالى. وقد وردت آيات كريمة, وأحاديث نبوية شريفة لها صلة وثيقة بموضوع علم الله تعالى وعدله, وحكمته في تقديره وتدبيره, يحسن بنا أن نفهمها فهما صحيحا, ومن هذه الآيات والأحاديث قوله تعالى: ( ما أصاب من مصيبة في الأر‌ض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبر‌أها إن ذلك على الله يسير‌ ). (الحديد 22) نبرأها: أي نخلقها. يسير: أي سهل. والمعنى أن ما يحدث في الأرض من المصائب كالقحط والزلازل والتلف في المزروعات, وما يصيب الناس من الأمراض والفقر, ومن نقص في الأنفس والثمرات مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الله تعالى الأرض.

 

ومن الآيات التي يحسن بنا أن نفهمها فهما صحيحا قوله تعالى: ( وإن يمسسك الله بضر‌ فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير‌ فهو على كل شيء قدير‌ ). (الأنعام 17) فلا كاشف له: أي لا رافع أو صارف أو مزيل له. فالله وحده مالك النفع, وكاشف الضر, ومعنى الآية: إن تنزل بك يا محمد شدة من فقر أو مرض فلا رافع, ولا صارف له إلا هو, ولا يملك كشفه سواه, وإن يصبك بخير من صحة ونعمة فلا راد له لأنه وحده القادر على إيصال الخير والضر, والآية برهان على الوحدانية لانفراد الله تعالى بالضر والخير.

 

ومن الأحاديث النبوية التي يحسن بنا أن نفهمها فهما صحيحا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنه: "يا غلام, إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك, إذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك, رفعت الأقلام وجفت الصحف". (رواه الترمذي) ومعنى الحديث: احفظ الله: حفظ الله يكون بالمداومة على طاعته بامتثال أوامره, واجتناب نواهيه. وقد وجهنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في وصيته الأولى من خلال حديثه مع عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن نحفظ الله تعالى, وذلك بالمداومة على طاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه, ومراقبته في السر والعلن, فإن فعل المسلم ذلك فإن الله تعالى يحفظه في الدنيا, ويكون معه يعينه ويوفقه للخير حيثما كان, ويحميه من الوقوع في المعاصي. وفي الوصية الثانية وجهنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا نسأل غير الله تعالى, وأن لا نستعين بأحد سواه.

 

والاستعانة بالله تعالى تعني أن يلجأ المسلم إلى ربه طلبا للعون والتوفيق فيما يريد من الأعمال, بعد أن يأخذ بالأسباب ويستعد لها, فالطالب يستعين بالله ويدعوه أن يوفقه في دراسته مع اجتهاده في الدراسة وحرصه على التعلم. وبين لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن الناس جميعا عاجزون عن أن ينفعوا إنسانا, أو أن يوقعوا به ضررا إلا في حدود ما قدره الله تعالى عليه. وهذا الإخبار منه صلى الله عليه وسلم يغرس في نفس المسلم الطمأنينة والرضا, ويمنع عنه الخوف والتردد, لأنه يصبح على قناعة أكيدة أن النفع والضرر بيد الله تعالى وحده, ولن يصيب الإنسان إلا ما كتبه الله تعالى له.

 

أيها المؤمنون:

 

ومن الأحاديث النبوية التي يحسن بنا أن نفهمها فهما صحيحا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبا جبريل عليه السلام حين جاء يسأله عن الإيمان: "أن تؤمن بالله, وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر, وتؤمن بالقدر خيره وشره". (رواه مسلم) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن قيس: "يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك كلمة هي من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله". (متفق عليه) يرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين إلى أن الإنسان ينبغي أن يؤمن بالقدر خيره وشره, وأن يتجرد من كل حول ومن كل قوة سوى حول الله وقوته, وأن يلجأ إليه دائما يستمد منه العون.

 

ومن الآيات والأحاديث النبوية التي يحسن بنا أن نفهمها فهما صحيحا قول الله جل في علاه: ( ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ). (الكهف39)

 

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قال: ما شاء الله وشئت, "قل: ما شاء الله وحده". (رواه النسائي).

 

ومعنى الآية فهلا حين دخلت حديقتك وأعجبت بما فيها من الأشجار والثمار, قلت: هذا من فضل الله, فما شاء الله كان, وما لم يشأ لم يكن, ولا قدرة لنا على طاعته إلا بتوفيقه ومعونته. ومعنى الحديث أنه لا يقع في الوجود شيء إلا بمشيئة الله تعالى وحده ولا يجوز أن يشرك معه غيره في المشيئة.

 

ومن الآيات التي يحسن بنا أن نفهمها فهما صحيحا قول الله جل في علاه: ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ). (الأنبياء101) الحسنى: أي الجنة. ومعنى الآية أن الذين سبقت لهم السعادة بدخول الجنة, هم عن النار مبعدون, لا يصلون حرها, ولا يذوقون عذابها.

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

15 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/01م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

القضاء والقدر

 

ح4

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

مسألة القضاء والقدر مسألة مهمة من مسائل العقيدة الإسلامية, لا بد من فهمها فهما صحيحا, ولا بد من بحثها على أساس صحيح. فكثيرا ما يتساءل الناس في مجالسهم, وأثناء حديثهم, ومن خلال مناقشاتهم هذا التساؤل: هل الإنسان مخير في أفعاله, أم هو مسير فيها ؟ بمعنى: هل الإنسان مجبور على أعماله التي يقوم بها, أم يقوم بها مختارا ؟

 

هذه المسألة "مسألة القضاء والقدر" بهذا الاسم, وبهذا المسمى لم ترد لا في الكتاب ولا في السنة, ولم يعرفها المسلمون لا في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم , ولا في عصر الصحابة الكرام, ولم يتطرقوا إليها بالبحث إلا في العصور المتأخرة, بعد عصر الفتوحات الإسلامية, وهي مسألة سبق للفلاسفة اليونان أن بحثوها واختلفوا فيها. فإن هذه المسألة تسمى: (القضاء والقدر). أو (الجبر والاختيار). أو (حرية الإرادة) وكلها أسماء تعني مسمى واحدا يتضمن معنى السؤال الآتي: وهو أن ما يحدث من الإنسان من أفعال هل هو حر في إحداثها أو هو مجبور عليها؟ وهذا المعنى لم يخطر ببال المسلمين أن يبحثوه قبل ترجمة الفلسفة اليونانية, وإنما بحثه الفلاسفة اليونان واختلفوا فيه على النحو الذي سنبينه لاحقا.

 

أما الأبيقوريون فهم يرون أن الإرادة حرة في الاختيار, والإنسان يفعل جميع الأفعال بإرادته واختياره دون أي إكراه.

 

وأما الرواقيون فإنهم يرون أن الإرادة مجبرة على السير في طريق لا يمكنها أن تتعداها, والإنسان لا يفعل شيئا بإرادته, وإنما هو مجبور على أي شيء ولا يملك أن يفعل وألا يفعل.

 

أيها المؤمنون:

 

نأتي الآن إلى نشأة المتكلمين ومنهجهم في علم الكلام فنقول: آمن المسلمون بالإسلام إيمانا لا يتطرق إليه ارتياب, وكان إيمانهم من القوة بحيث لا يثير فيهم أية أسئلة مما فيه شبهة التشكيك, وقد خرجوا إلى العالم يحملون رسالة الإسلام للناس كافة, ويقاتلون في سبيلها, وفتحوا البلاد ودانت لهم الشعوب.

 

وقد انصرم القرن الهجري الأول وتيار الدعوة الإسلامية يكتسح العالم, والأفكار الإسلامية تعطى للناس كما تلقاها المسلمون نقية صافية, في فهم مشرق, وإيمان قطعي, ووعي منقطع النظير!

 

إلا أن حمل الدعوة الإسلامية في البلدان المفتوحة أدى إلى الاصطدام الفكري مع أصحاب الأديان الأخرى ممن لم يدخلوا الإسلام بعد, وممن دخلوا فيه حديثا. وكان هذا الاصطدام الفكري عنيفا, فقد كان أصحاب الأديان الأخرى يعرفون بعض الأفكار الفلسفية, وعندهم آراء أخذوها عن أديانهم, فكانوا يثيرون الشبهات, ويجادلون المسلمين في العقائد, لأن أساس الدعوة مبني على العقيدة, فكان حرص المسلمين على الدعوة, وحاجتهم للرد على خصومهم, قد حمل الكثيرين منهم على تعلم الأفكار الفلسفية لتكون بيدهم سلاحا ضد خصومهم. وقد أثرت عليهم الأفكار الفلسفية التي تعلموها تأثيرا كبيرا في طريقة استدلالهم, وفي بعض أفكارهم, فتكون من جراء ذلك علم الكلام وصار فنا خاصا, ونشأت في البلاد الإسلامية بين المسلمين جماعة المتكلمين.

 

أيها المؤمنون:

 

نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

15 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/02م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

 

 

القضاء والقدر

 

ح5

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

إن منهج المتكلمين مخالف لمنهج القرآن والسنة وإليكم بيان ذلك: لما جاء الإسلام وتسربت الأفكار الفلسفية كانت مسألة صفة العدل بالنسبة إلى الله تعالى من أهم المسائل. فالله عادل ويترتب على هذا العدل مسألة الثواب والعقاب, وبناء على ذلك تم بحث مسألة قيام العبد بأفعاله جريا على منهج البحث المتأثر بأبحاث الفلاسفة. فأصل البحث هو الثواب والعقاب من الله على فعل العبد, وهذا هو موضوع البحث, وقد اتجه المسلمون في بحثه اتجاه الفلاسفة اليونان, فبحثوا في الإرادة, وفي خلق الأفعال. لقد أخطأ المتكلمون لأنهم أطلقوا العنان لأنفسهم, فبحثوا في كل الأشياء, بحثوا في المحسوس, وفي غير المحسوس, بحثوا في ذات الله وفي صفاته, وهذا المنهج مخالف لمنهج القرآن والسنة, فقد حثنا القرآن الكريم على النظر إلى مخلوقات الله لنكتشف عظمة الله, ولنستدل بها على قدرة الله, قال تعالى: { أفلا ينظر‌ون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف ر‌فعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأر‌ض كيف سطحت } [الغاشية: 20]. وقد نهانا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نتفكر في ذات الله تعالى, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تفكروا في خلق الله, ولا تفكروا في ذات الله".

 

 

أيها المؤمنون:

 

لقد أخذت مسألة القضاء والقدر دورا مهما في المذاهب الإسلامية, وانقسم الناس إزاء الإجابة عن هذا التساؤل إلى ثلاث فرق هي:

 

أهل السنة: يرون أن الإنسان له كسب اختياري في أفعاله, فهو يحاسب عليها.

 

المعتزلة: يرون أن الإنسان هو الذي يخلق أفعاله فهو يحاسب عليها.

 

الجبرية: يرون أن الله تعالى هو الذي يخلق العبد ويخلق أفعاله, ولذلك كان العبد مجبرا على فعله, وليس مخيرا وهو كالريشة في الفضاء تحركها الرياح حيث تشاء. والمدقق في مسألة القضاء والقدر يجد أن دقة البحث فيها توجب معرفة الأساس الذي ينبني عليه البحث.

 

ويبرز الآن هذا السؤال: ما الأساس الذي تنبني عليه مسألة القضاء والقدر؟ للإجابة نقول: إن الأساس الذي تنبني عليه مسألة القضاء والقدر هو موضوع الثواب على الفعل, والعقاب عليه, وقد أخطأت تلك الفرق كلها في تحديد الأساس الذي تنبني عليه مسألة القضاء والقدر, وقد انقسم هؤلاء المتكلمون في تحديد هذا الأساس إلى أربعة أقسام:

 

أولا: منهم من جعل فعل العبد هو الأساس, من كون العبد هو الذي يوجد أفعاله ويخلقها أم الله تعالى؟

 

ثانيا: ومنهم من جعل علم الله تعالى هو الأساس, من كون الله تعالى يعلم أن العبد سيفعل الفعل, ومن كون إحاطة علم الله بجميع أفعال هذا العبد.

 

ثالثا: ومنهم من جعل إرادة الله تعالى هي الأساس, من كون إرادة الله متعلقة بفعل العبد, فهو لا بد موجود بهذه الإرادة.

 

رابعا: ومنهم من جعل الكتابة في اللوح المحفوظ هي الأساس, من كون هذا الفعل للعبد مكتوبا في اللوح المحفوظ , فلا بد من أن يقوم به وفق ما هو مكتوب.

 

أيها المؤمنون:

 

والصواب أن الأساس الذي تنبني عليه مسألة القضاء والقدر هو موضوع الثواب على الفعل والعقاب عليه. وليس هو تلك الأشياء مطلقا لأنه لا علاقة لها في الموضوع من حيث الثواب والعقاب, بل علاقتها من حيث الإيجاد, والعلم المحيط بكل شيء, والإرادة المتعلقة بجميع الممكنات, واحتواء اللوح المحفوظ على كل شيء, وهذه العلاقة موضوع آخر منفصل عن موضوع الإثابة على الفعل والعقاب عليه, أي هل الإنسان ملزم بالقيام بالفعل خيرا أم شرا أو مخير فيه؟ وهل له اختيار القيام بالفعل أو تركه, أو ليس له اختيار؟

 

اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علما نافعا, واجعله حجة لنا, ولا تجعله حجة علينا برحمتك يا أرحم الراحمين. آمين آمين يا رب العالمين!

 

أيها المؤمنون:

 

فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

16 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/03م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

المعلم التاسع والعشرون: القضاء والقدر

(ح6)

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

يتساءل كثير من الناس فيقولون:"هل الإنسان مسير أم مخير؟" ويحارون في الإجابة, فينقسمون إلى فريقين: منهم من يرى أنه مسير, ومنهم من يرى أنه مخير, وكلا الإجابتين على إطلاقهما غير دقيقتين؛ لأن المدقق في الأفعال يرى أن الإنسان يعيش ضمن دائرتين:

 

الأولى تسيطر هي على الإنسان: وهي الدائرة التي يقع الإنسان في نطاقها, وتقع ضمن هذه الدائرة الأفعال التي لا دخل له بها, سواء أوقعت منه أو عليه.

 

والثانية يسيطر الإنسان عليها: وهي الدائرة التي تقع في نطاق تصرفات الإنسان, وضمن نطاقها تحصل أفعاله التي يقوم بها بمحض اختياره.

أيها المؤمنون:

 

من أجل توضيح الدائرة الأولى التي تسيطر على الإنسان نقول: إن الأفعال التي تحصل في هذه الدائرة التي تسيطر على الإنسان لا دخل له بها, ولا شأن له بوجودها قسمان: قسم يقتضيه نظام الوجود, وقسم لا يقتضيه نظام الوجود.

 

أولا: قسم تقتضيه أنظمة الوجود, والإنسان يخضع لهذه الأنظمة، ويسير بحسبها سيرا جبريا لا يستطيع الخروج عنها, لأنه يسير مع الكون ومع الحياة طبق نظام مخصوص لا يتخلف, ولذلك تقع الأعمال في هذه الدائرة من الإنسان على غير إرادة منه, وهو فيها مسير وليس بمخير. ومن أمثلة هذه الأنظمة:

 

1. كونه أتى إلى هذه الدنيا على غير إرادته, وسيذهب عنها على غير إرادته.

 

2. كونه يبصر بعينيه, ويسمع بأذنيه, وكذلك سائر الحواس التي حباه الله بها.

 

3. كونه يمشي على رجلين, ولا يستطيع أن يطير بجسمه فقط في الهواء.

 

4. كونه لا يستطيع أن يمشي بوضعه الطبيعي على الماء.

 

5. كونه لا يدرك إلا ما يقع تحت حواسه.

 

6. كونه لا يمكن أن يخلق لنفسه لون عينيه, ولا أن يوجد شكل رأسه ولا حجم جسمه, وإنما الذي أوجد ذلك كله هو الله تعالى, دون أن يكون للعبد المخلوق أي أثر ولا أية علاقة في ذلك؛ لأن الله هو الذي خلق نظام الوجود, وجعل الوجود يسير حسبه ولا يملك التخلف عنه.

 

ثانيا: قسم لا يقتضيه نظام الوجود: وتقع فيه الأفعال التي لا قبل له بدفعها, فهي تقع منه أو عليه جبرا عنه, ولا يملك دفعها مطلقا. ومن أمثلة ذلك:

 

1. كما لو أطلق شخص النار على غزال يريد اصطياده, فأصاب إنسانا لم يكن يعلمه فقتله.

 

2. وكما لو سقط شخص عن ظهر حائط على شخص آخر فقتله.

 

3. وكما لو تدهور قطار أو سيارة, أو سقطت طائرة لخلل طارئ, لم يكن بالإمكان تلافيه فتسبب هذا التدهور والسقوط قتل الركاب.

 

فهذه الأفعال بقسميها تسمى قضاء؛ لأن الله سبحانه هو الذي قضى الفعل, ولذلك لا يحاسب الله العبد عليها. وهي كلها تقع ضمن الدائرة التي تسيطر على الإنسان، أي أن هذه الأفعال تقع منه أو عليه جبرا عنه.

 

وعلى هذا فتعريف القضاء: هو الأفعال التي تقع في الدائرة التي تسيطر على الإنسان سواء أكان يقتضيها نظام الوجود أم كان لا يقتضيها, بل تقع من الإنسان أو عليه جبرا عنه, ولا يملك دفعها مطلقا. وعلى الإنسان أن يؤمن بهذا القضاء ويسلم ويرضى به, بل ويطيب به نفسا؛ لأنه من الله سبحانه وتعالى. ورحم الله الإمام الشافعي حيث قال:

 

دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفسا إذا حكم القضاء

ولا تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقــــــــاء

 

وتحضرني في هذا المقام قصة قصيرة وقفت عليها, وكنت أحد شهودها: ذهبنا مرة لعيادة أحد المرضى المصابين بداء السرطان من شباب حزب التحرير, وقد كان لهذا الشاب فضل كبير علي, إذ أشرف على تدريسي علم أصول الفقه مدة ليست بالقصيرة. قال له أحد الشباب ممن أتوا لزيارته وهو يدعو له ليصبره ويخفف عنه من آلامه! أبو عماد: جعلك الله من الصابرين على بلوائه! فأجاب مكملا الدعاء على الفور دون تلعثم وبلسان ذرب فصيح: أبو الرائد: ومن الراضين بقضائه! لله درك يا أبا الرائد! رحمك الله, وأسكنك فسيح جناته, وجمعنا وإياك في مستقر رحمته, عند مليك مقتدر, مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, وحسن أولئك رفيقا! آمين آمين آمين, برحمتك يا أرحم الراحمين!

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

18 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/04م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

معالم الإيمان المستنير

 

القضاء والقدر

 

ح7

 

 

أيها المؤمنون :

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد :

 

في الحلقة السابقة قلنا : إن هناك أفعالا تقع ضمن الدائرة التي تسيطر على الإنسان، أي أن هذه الأفعال تقع منه أو عليه جبرا عنه. وفي المقابل فهناك أفعال يقوم بها الإنسان مختارا, أو يمتنع عن القيام بها مختارا, ويمكن تصنيفها بأنها تقع في الدائرة التي يسيطر الإنسان عليها، وذلك مقابل الأفعال التي تقع في الدائرة التي تسيطر عليه. وفي هذه الحلقة سنوضح الدائرة الثانية التي يسيطر الإنسان عليها, ويقوم بالأفعال فيها أو يمتنع عن القيام بها بإرادته واختياره فمن أمثلتها ما يأتي :

 

1. فهو يصلي لله مختارا, ويسجد للأصنام مختارا.

2. وهو يصلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم مختارا, ويهزأ به, ويسخر منه مختارا.

3. وهو يصوم يوم عرفة مختارا, ويفطر في نهار رمضان مختارا.

4. وهو يتزوج مختارا, ويرتكب فاحشة الزنا مختارا.

5. وهو يشرب اللبن مختارا, ويشرب الخمر مختارا.

6. وهو يتاجر بالمال الحلال مختارا, ويتعامل بالربا مختارا.

7. وهي أي الفتاة تلبس اللباس الشرعي مختارة, وتتبرج تبرج الجاهلية الأولى مختارة.

8. وهو يجاهد في سبيل الله مختارا, ويقعد عن الجهاد مختارا.

9. وهو ينصح في بيعه وشرائه مختارا, ويغش فيهما مختارا.

 

هذه الأفعال الواقعة في الدائرة الثانية التي يسيطر عليها الإنسان, يستحق عليها الثواب أو العقاب من الله سبحانه وتعالى. ولا علاقة لها بالقضاء مطلقا، فيقوم بها الإنسان بإرادته ولا تدخل تحت القضاء. وبذلك تخرج هذه الأفعال الاختيارية عن بحث القضاء والقدر.

 

أيها المؤمنون :

 

ويبرز الآن سؤال هو: لقد عرفنا القضاء فما هو القدر؟ للإجابة عن هذا السؤال نقول: القدر في بحث "القضاء والقدر" هو الخاصيات المعينة التي أوجدها الله سبحانه وتعالى في الأشياء, وفي الغرائز, وفي الحاجات العضوية التي في الإنسان. فمن الخواص التي أوجدها الله تعالى في الأشياء أنه أوجد في النار خاصية الإحراق, وأوجد في الماء خاصية الإغراق. ومن الخواص التي أوجدها الله تعالى في الغرائز ميل الذكر إلى الأنثى في غريزة النوع, والتقديس في غريزة التدين, والتملك في غريزة البقاء. ومن الخواص التي أوجدها الله في الحاجات العضوية الجوع والعطش. وإليكم المزيد من البيان والتوضيح :

 

أيها المؤمنون : من أمثلة خواص الأشياء :

 

1. كون النار تحرق, والماء يغرق.

2. كون الأوكسجين قابل للاشتعال.

3. كون الحديد يصدأ بخلاف الذهب وهكذا.

4. كون السكين تقطع.

 

أيها المؤمنون: ومن أمثلة الغرائز:

1. كون الذكر يميل إلى الأنثى وبالعكس في غريزة النوع.

2. كون الإنسان يميل إلى العبادة والتقديس في غريزة التدين.

3. كون الإنسان يميل إلى التملك في غريزة البقاء.

 

أيها المؤمنون: ومن أمثلة الحاجات العضوية:

1. كون الإنسان يحتاج إلى النوم فينام.

2. كون الإنسان يحتاج إلى أن يأكل ويشرب ويتنفس.

 

والقدر بهذا المعنى هو من الله سبحانه, ولا يستطيع العبد أن يغيره, أو يخرج عنه لأنه من خلق الله سبحانه وتعالى.

 

أيها المؤمنون : في نهاية هذا البحث نتساءل : ما معنى الإيمان بالقضاء والقدر؟ للإجابة نقول :

 

معناه التصديق الجازم بأن القضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله، فالأفعال التي تقع في الدائرة التي تسيطر على الإنسان كلها قضاء من الله, وهو فيها مسير وليس بمخير، وخواص الأشياء والغرائز والحاجات العضوية أيضا كلها من الله, ولا دخل للإنسان فيها. والتصديق الجازم : هو التصديق الكامل الذي لا يتطرق إليه أدنى شك مهما كان بسيطا. أما الغرائز فهي ما أودعه الله في الإنسان وهي ثلاث : النوع, والتدين, والبقاء. وأما الحاجات العضوية فهي ما تحتاجه أعضاء جسم الإنسان من الطعام, والشراب والتنفس, والإخراج.

 

أيها المؤمنون :

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

18 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/05م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

معالم الإيمان المستنير

 

 

التوكل على الله

 

ح1

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

التوكل معناه: الاعتقاد بأن هناك إاول خالقا يعتمد عليه المسلم في جلب الخير أو دفع الضر. وقد أمر الله تعالى بالتوكل فقال: { الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون }. (التغابن: 13) كما أمرت به السنة النبوية, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير, تغدو خماصا, وتروح بطانا".

 

أيها المؤمنون:

 

التوكل جزء من إيمان المسلم وعقيدته, يفهمه بأنه طاعة الله, وذلك بإحضار كافة الأسباب المطلوبة لأي عمل من الأعمال التي يريد القيام بها والدخول فيها, فلا يطمع في ثمرة دون أن يقدم أسبابها, ولا يرجو نتيجة ما دون أن يضع مقدمتها, غير أن موضوع إثمار تلك الأسباب, وإنتاج تلك المقدمات يفوضه المسلم إلى الله تعالى إذ هو وحده القادر عليه دون سواه. فالتوكل الصادق على الله تعالى هو دين الأنبياء والصالحين. والتوكل عند المسلم عمل وأمل, مع هدوء قلب وطمأنينة نفس, واعتقاد جازم بأن ما شاء الله كان, وما لم يشأ لم يكن, وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

 

أيها المؤمنون:

 

ولكن يبرز الآن سؤال هو: كيف ينبغي أن تكون نظرة المسلم إلى الأسباب؟ للإجابة نقول: والمسلم إذ يؤمن بسنن الله في الكون, فيعد للأعمال أسبابها المطلوبة لها, ويستفرغ الجهد في إحضارها وإكمالها, ولا يعتقد أبدا أن الأسباب وحدها كفيلة بتحقيق الأغراض, وإنجاح المساعي, لا, بل يرى أن اتخاذ الأسباب أمر لا بد منه, وهو مما أمر الله به, يجب أن يطاع فيه كما يطاع في غيره مما يأمر به وينهى عنه, أما الحصول على النتائج, والفوز بالرغائب فقد وكل أمرهما إلى الله تعالى, إذ هو القادر على ذلك دون غيره, وأن ما شاء الله كان, وما لم يشأ لم يكن, فكم من عامل كادح لم يأكل ثمرة عمله وكدحه, وكم من زارع لم يحصد ما زرع.

 

ومن هنا كانت نظرة المسلم إلى الأسباب أن الاعتماد عليها وحدها, واعتبارها هي كل شيء في تحقيق المطلوب كفر وشرك يتبرأ منهما, وأن ترك الأخذ بالأسباب المطلوبة لأي عمل وإهمالها, وهو قادر على إعدادها وإيجادها فسق ومعصية يحرمهما الإسلام ويستغفر المسلم الله تعالى منهما. إذا فعلى المسلم أن يتوكل على الله وهو آخذ بالأسباب, وأن يأخذ بالأسباب وهو متوكل على الله؛ لأنهما أمران متلازمان لا ينفكان عن بعضهما.

 

أيها المؤمنون:

 

والتوكل يفهمه الجاهلون بالإسلام, ويفهمه خصوم عقيدة المسلمين بأنه مجرد كلمة تلوكها الألسن ولا تعيها العقول, وتتحرك بها الشفاه ولا تفهمها العقول أو تترواها الأفكار. أو هو نبذ الأسباب وترك العمل, والقنوع والرضا بالهون والدون تحت شعار التوكل على الله, والرضا بما تجري به الأقدار! وأما التواكل فهو التظاهر بالتوكل دون اعتقاد في الحقيقة، والاعتقاد من أعمال القلب "أي العقل" فإذا قال العبد: إنه متوكل على الله بلسانه دون اعتقاد بقلبه فهو يتظاهر بالتوكل، وهو متواكل.

 

أيها المؤمنون:

 

المتواكل مقصر في واجب أوجبه الله, والمتواكل كالمتباكي الذي يتظاهر بالبكاء، والمتعامي الذي يتظاهر بالعمى، والمتناسي الذي يتظاهر بالنسيان، والمتغافل الذي يتصنع الغفلة وهكذا. فالمتواكل لا ينفعه تواكله بلسانه دون اعتقاد بقلبه. ويكون مقصرا في واجب أوجبه الله، وطلبه في آيات وأحاديث كثيرة.

 

أيها المؤمنون:

 

وإليكم هاتان الفائدتان المأخوذتان من كتاب الله تعالى, ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم:

 

الفائدة الأولى: من كتاب الله: قال تعالى: { وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك ر‌طبا جنيا * فكلي واشر‌بي وقر‌ي عينا فإما تر‌ين من البشر‌ أحدا فقولي إني نذر‌ت للر‌حمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا }. في قوله تعالى:{ وهزي إليك بجذع النخلة }. أي حركي جذع النخلة اليابسة, وهذا الخطاب لمريم عليها السلام حين وضعت مولودها عيسى عليه السلام, وهي في هذه الحالة امرأة ضعيفة, لا تقوى على تحريك الجذع. بل ربما يعجز عن تحريكه الرجال الأقوياء الأشداء, فدل ذلك على أن الله يعلمنا أن الحركة والسعي أمران ضروريان لطلب الرزق.

 

الفائدة الثانية: من سنة رسول الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير, تغدو خماصا, وتروح بطانا". في قوله صلى الله عليه وسلم : "تغدو وتروح" دلالة واضحة على أن الحركة والسعي أمران ضروريان لطلب الرزق أيضا.

 

 

ورحم الله الإمام الشافعي حيث يقول:

توكلت في رزقي على الله خالقي * وأيقنت أن الله لا شك رازقي

 

وما يك من رزقي فليس يفوتني * ولو كان في قاع البحار العوامق

 

سيأتي به الله العظيم بفضله * ولو لم يكن مني اللسان بناطق

 

ففي أي شيء تذهب النفس حسرة * وقد قسم الرحمن رزق الخلائق

 

 

أيها المؤمنون:

 

نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

19 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/06م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معالم الإيمان المستنير

 

التوكل على الله

 

ح2

 

 

 

 

أيها المؤمنون:

 

مستمعي الكرام مستمعي اذاعة المكتب الاعلامي لحزب التحرير :

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

 

كان نبي الله نوح عليه السلام يتوكل على الله تعالى حق توكله. قال تعالى في سورة يونس: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ [71] فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [72] فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ [73]}.

 

 

أيها المؤمنون:

 

وإليكم تفسير هذه الآيات الكريمة: يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم اقصص على المشركين من أهل مكة الذين يكذبونك ويخالفونك خبر أخيك نوح عليه السلام مع قومه الذين كذبوه كيف أهلكهم الله ودمرهم أجمعين بالغرق, ليحذر هؤلاء أن يصيبهم من الهلاك والدمار ما أصاب أولئك. حين قال لقومه: يا قوم إن كان عظم وشق عليكم طول بقائي فيكم وبين أظهركم, وتذكيري وتخويفي إياكم بآيات ربكم وحججه وبراهينه, وعزمتم على قتلي وطردي, فعلى الله توكلت وعليه وحده اعتمدت, وبه وثقت, فلا أبالي بكم, فاعزموا أمركم, وادعوا شركاءكم الذين تدعون من دون الله من الأصنام والأوثان, ودبروا ما تريدون لمكيدتي, ولا يكن أمركم في شأني مستورا بل مكشوفا مشهورا, فأنفذوا ما تريدونه في أمري, ولا تؤخروني ساعة واحدة, فإني لا أبالي بكم, ولا أخاف منكم.

 

قال المفسرون: وإنما خاطبهم بذلك إظهارا لعدم المبالاة, وثقة بالله ووعده له بحمايته وعصمته من أعدائه. فإن كذبتم وأعرضتم عن نصيحتي وتذكيري, فليس لأني طلبت منكم أجرا حتى تمتنعوا, بل لشقاوتكم وضلالكم, وما أطلب ثوابا أو جزاء على تبليغ الرسالة إلا من الله, فأصروا واستمروا على تكذيب نوح عليه السلام, فنجيناه ومن معه من المؤمنين في السفينة, وجعلنا من معه من المؤمنين سكان الأرض, يخلفون المغرقين, فانظر يا محمد كيف أنجينا المؤمنين, وأهلكنا الكافرين! والغرض من هذه القصة تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم , والتحذير لكفار مكة أن يحل بهم ما حل بالسابقين.

 

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

19 من ذي القعدة 1433

الموافق 2012/10/06م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل

×
×
  • اضف...