اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

تركيا والدور المضلل


أبو الحسن

Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

" تركيا والدور المضلل "

لقد بات الغرب يدرك أكثر من غيره، أن المرحلة المقبلة هي مرحلة اختيار الشعوب لنظامها ودستورها، وهو يدرك أيضاً بشكل قاطع أن الشعوب في العالم الإسلامي ستختار الإسلام كأساس لحياتها ونظامها ودستورها، وذلك لأن الشعوب هي في أصلها شعوب مسلمة؛ عقيدتها إسلامية وتحب دينها، ولأن النظم الغربية التي كانت مطبقة في البلاد العربية وغير العربية قد ثبت فشلها وسقمها، وجلبت الظلم والقهر والشرور على الشعوب، وثبت فشلها أيضاً في عقر دارها؛ في أوروبا وأمريكا حيث جلبت الأزمات المتعددة؛ الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها ...

إن عدة تصريحات على ألسنة الغرب قد صدرت تحذّر من هذا الأمر، ووجوب العمل لتفاديه، والحيلولة دون حصوله، لأن حصوله سيكون بمثابة الضربة القاضية لكل سياسات الغرب في بلاد المسلمين، وسيكون أيضاً ضربة للفكر الرأسمالي الغربي، وسيضع الغرب كله في مواجهة حضارة أفل نجمها عن الساحة الدولية منذ أكثر من مئة عام مضت ... وهذا ما ظهر على أكثر من زعيم غربي ؛منهم مهندس السياسة الأمريكية لسنوات طويلة ( وزير الخارجية الأسبق كيسنجر) حيث قال بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في مؤتمر غرف التجارة الدولية سنة  1991 ، إن الجبهة الجديدة التي على الغرب مواجهتها هي العالم العربي والإسلامي ، باعتبار هذا العالم هو العدو الجديد للغرب...)  

والحقيقة أن الغرب قد اتخذ خطوات بالفعل منذ سنوات لعرقلة هذه المرحلة الخطرة، أو الالتفاف عليها، وتوجيهها وجهة مضللة أخرى، وذلك بعد أن شاهد الرأي العام الكاسح للإسلام في بداية الثمانينات فصاعداً، ورأى سخط الشعوب على الشعارات والأفكار الأخرى؛ من قومية ووطنية وغيرها، وسخْط الشعوب على الحكام القهريّين المتسلّطين على رقاب الناس، وزاد من هذه الحركة ضد الإسلام ما جرى مع النظام الاشتراكي وتهاويه في بداية التسعينيات من القرن الماضي؛ حيث انهارت أفكارها وسقطت بلا رجعة ... ومن هذه الخطوات على سبيل المثال : -

1-افتعال الأزمات السياسية والعسكرية المضللة وإلصاقها بالإسلام، ثم اتهام الإسلام والجماعات الإسلامية بعد ذلك بالإرهاب واللاسامية وغير ذلك من أكاذيب، ثم إعلان حروب عالمية ضد الإسلام السياسي أو الإسلام الجهادي، وكذلك إعلان الحرب على بعض الشعارات الإسلامية في بلاد الغرب مثل النقاب أو الحجاب أو المآذن أو الجماعات الإسلامية السياسية .. وغير ذلك .

2-وضع الغرب خطط سياسية لنماذج من التجمعات السياسية، تربط عدة دول من دول المنطقة مثل الشرق الأوسط الكبير لتكون ( دولة يهود ) جزءً منها، وقد قامت أمريكا بخطوات عملية لذلك؛ منها ترتيبات الاعتراف بكيان اليهود من قبل الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وإنهاء الصراع العربي اليهودي عن طريق إيجاد اتفاقية سلام دائمة وإنهاء قضية فلسطين!! ..

ومن هذه المنظومات أيضاً مجلس التعاون الخليجي، واتحاد المغرب العربي، والاتحاد الإفريقي.. وغيرها من تجمعات سياسية ..

3-محاولة الالتفاف على الإسلام من خلال تطبيق نماذج جديدة مضللة مثل النموذج الإيراني والنموذج التركي .

لقد سار الغرب في هذه الأساليب الماكرة الخبيثة لتفادي حصول الكارثة -حسب زعمه- ولاستباق الحدث الكبير بسيطرة القوى الإسلامية على مراكز الحكم في ظل تأييد شعبي كاسح لا يمكن الالتفاف عليه أو كسره، لكن الغرب تفاجأ بهذه الثورات تخرّب عليه كل خططه السياسية تجاه العالم الإسلامي... فهذه الثورات في هذه المرحلة المتقدمة لم تكن في الحسبان، حيث سبقت مخططاته وأساليبه الماكرة، يقول الكاتب البريطاني والمؤرخ والمحلل السياسي (جون برادلي): (توقعت حدوث هذه الثورة في مصر بعد الانتخابات المصرية في أكتوبر، ولم أكن أتصور حدوثها قبل ذلك..)، وذكر رئيس الاستخبارات الفدرالية الألمانية في مقابلة مع موقع فلت أنلاين) كنا دائما نبلغ عن توترات في المنطقة العربية بسبب الوضع الديمغرافي والاجتماعي الاقتصادي تكوّن موجات الاحتجاج فيما بعد يرتبط بعوامل عدة، وقد كانت ثورة تونس من حيث توالي الأحداث مفاجئة)...  قال تعالى:{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}الأنفال/30

فوقف الغرب أمام هذا الحدث مندهشاً ومتحيراً ماذا يفعل ؟!

وبعد وقوفٍ طويل وتأمل، واجتماعات متواصلة، ومؤتمرات هنا وهناك في بلاد الغرب، خلص إلى أمور طارئة لا بد من تنفيذها لتفادي الكارثة التي سبقت كل توقعاته، ولعدم قطف الثمرة من قبل جماعاتٍ إسلامية، نتيجة تردّي الموقف، ووجود فراغات سياسية في المنطقة نتيجة انهيار الأنظمة المتصاعد، وبسبب تصاعد حركة الشعوب في البلاد العربية وانتقالها ربما في المستقبل القريب إلى البلاد غير العربية، ومن هذه الخطوات السريعة :-

1-التظاهر بموقف الداعم للثورات، وذلك عن طريق إصدار قرارات دولية، وقرارات عن طريق الدول الصناعية الثماني الكبرى، كما جرى في قرار مجلس الأمن الدولي في 18-3-2011  حيث يقضي بفرض حظر جوي فوق ليبيا. وتمت الموافقة على القرار الذي تقدمت به كل من فرنسا وبريطانيا والمجموعة العربية، بأغلبية عشرة أصوات مقابل امتناع خمسة أعضاء عن التصويت منها روسيا والصين وألمانيا، ويسمح القرار بتنفيذ ضربات جوية ضد ليبيا لمنع ألقذافي من استخدام الطيران ضد المدنيين.

وكما جرى أيضاً في قرار الدول الصناعية الكبرى في باريس في 26/5/2011 تحت شعار "قمة الربيع " والذي طالب المشاركون فيه بوقف فوري للعنف الذي يتعرض له الشعب الليبي علي أيدي قوات زعيمه العقيد معمر القذافي، وطالبوا سوريا أيضا بوقف استخدام القوة ضد أفراد شعبها علي الفور، وفتح الباب لحوار بناء والشروع في تنفيذ الإصلاحات الأساسية، مؤكدين أن السلام والديمقراطية هما الطريق الأمثل لرخاء الشعوب وتقدمها .

والحقيقة أن مثل هذه المواقف الجديدة، لمثل هذه الدول الداعمة للحكام وسياساتهم في المنطقة، إنما تنم عن سياسات ومواقف جديدة تجاه الحكام، وتجاه الثورات ضدّهم، وهذه المواقف هي (مواقف ركوب الموجة والسير مع التيار)، لأن التيار قويٌ جارف، ولا يمكن الوقوف في وجهه، وأية دولة تقف في وجهه ستكون خاسرة لمناطق نفوذها وسياساتها في البلاد العربية، وأمر آخر دعا هذه الدول للوقوف في وجه الحكام لصالح الثورات هو؛ أن هؤلاء الحكام قد أصبحوا عبئاً على سياسات الغرب وعلى الاستقرار السياسي في المنطقة العربية، بسبب الظلم الذي تجاوز كل الحدود على أيديهم، وبسبب الفقر والقمع، وسرقة أموال الشعوب، وبمعنى آخر لقد تسبب هؤلاء الحكام بهذه الكارثة الكبرى ضد سياسات الغرب ومشاريعهم السياسية، فأصبح من الضروري التخلص منهم، وأصبح من الضروري الوقوف مع تيار الشعوب حتى لا تحلّ الكارثة الكبرى وتنفلت الأمور كليةً من أيدي الغرب بلا رجعة!!

2-العمل على إبراز قيادات عميلة جديدة تتصدر قيادة الشعوب، لأن الدول الأوروبية نظرت في حركة الشعوب فرأت أنها غير منظمة في أكثرها، وتميل إلى التفاف الناس على فكرة واحدة هي رفض الظلم، والتطلّع للانعتاق ونيل الحرية من القيد، ورفع مستوى الشعوب الاقتصادي ورأت كذلك أنها عفوية لم يكن لها تخطيط مسبق، لذلك رأت الدول الغربية أنه يجب الإسراع في إبراز قيادات تتظاهر بالتأييد للشعوب لم تتلوث من قبل على أيدي النظم السابقة، وقد سخّرت من أجل هذه الغاية الماكرة وسائل الإعلام بكل طاقاتها ليلاً ونهاراً، مثل قناة الجزيرة الفضائية بفروعها الثلاثة، وقناةBBC ، والعربية، وفرانس 24 وغيرها من قنوات فاعلة ..

وعملت في نفس الوقت على عمل ورشات سياسية وفكرية في كافة البلاد الثائرة، وورشات ومؤتمرات في بلاد الغرب؛ (مثل مؤتمر الائتلاف الوطني الذي عقد في (بروكسل) في بلجيكا بتاريخ 5/6/2011)، وفي بعض البلاد في العالم الإسلامي كتركيا (كمؤتمر أنطاكيا الذي عقد بتاريخ 2/5/2011 للمعارضة السورية ، ومؤتمر العلماء لدعم الثورة السورية الذي عقد في إسطنبول مؤتمر لنصرة الشعب السوري في 13/7/2011 لاستقطاب المعارضة بكافة أطيافها السياسية)!!..

3- عملت الدول الغربية على إبراز بعض الأفكار لقيادة الثورات تحت مظلتها مثل فكرة الديمقراطية وفكرة الحريات، وفكرة المجتمع المدني، وفي نفس الوقت عملت بطريقة خبيثة من خلال وسائل الإعلام، وورشات العمل السياسي المنظمة على محاربة فكرة سيادة الأفكار الإسلامية في المجتمع، بحجّة أن هناك طوائف دينية، وأن هناك كذلك من لا يريد قبول الحكم الإسلامي في المجتمع من منطلق عدم إجبار الغير على قبول فكر لا يرضاه ولا يريده، وقد قامت وسائل الإعلام بشكل مقصود بتركيز الضوء على بعض الشخصيّات وخاصّة من النساء المتحرّرات من كل القيود الدينية، في تونس ومصر، وقامت أيضاً بإبراز بعض الأعمال المقصودة في محاربة أماكن الدعارة كما جرى في تونس، وبعض الأعمال الطائفية كما جرى بين المسلمين والأقباط في أحداث مصطنعة ومقصودة، وعملت أيضاً هذه الدول بشكل خبيث على أخذ رأي بعض القادة في جماعات إسلامية؛ مثل حزب النهضة في تونس أو بعض قيادات الإخوان المسلمين في مصر،حيث عملت على أخذ رأيهم بفكرة الحرية والدولة المدنية ودستور مبني على أساس ذلك عبر وسائل الإعلام، ثم عملت على نشر هذه الأفكار بشكل متكرر عبر وسائل الإعلام المتعددة، لإبراز أن الثورات تطالب بهذه الأفكار وتريد بناء الدولة الجديدة على أساسها !! ..

4-إشهار موضوع النموذج التركي المسمّى كذباً وزوراً إسلامياً، وإبراز القادة السياسيين الأتراك على أنهم يريدون مساعدة الشعوب على الخلاص من حكامهم ..

وقبل أن نتحدث بشكل من التفصيل عن النموذج التركي المضلل، نريد أولاً أن نقف على حقيقة تركيا التي ينخدع بها كثير من أبناء المسلمين عن حسن نية من حيث الزوايا التالية:_

1-هل تطبق تركيا الإسلام . 2-علاقة تركيا بالغرب . 3-علاقة تركيا بكيان يهود  .

4-معاداة تركيا للحركات المخلصة . 5- مساعدة تركيا لأمريكا كجسر لعبور المشاريع الأمريكية . 6-استخدام النموذج التركي في الثورات الجديدة عن طريق القادة والأفكار .

 

1-أما الزاوية الأولى : وهي هل تطبق تركيا الإسلام كما يفهم عوام الناس من المسلمين؟! فإن الإجابة عن هذا السؤال تكون من خلال النظر في نظام الحكم والنظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسة الداخلية والخارجية، وهذه النظم الأربعة كلها نظم غربية في تركيا، وليس لها أي علاقة بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد، فنظام الحكم هو نظام غربي يقوم على اختيار الرئيس حسب دستور تركيا العلماني بالانتخاب لمدة معينة، ويشترط على أي حزب يتقدم للانتخابات الرئاسية أو البرلمانية أن يوافق على النظام العلماني بفصل الدين عن الدولة ( الحياة )، أما الدستور المطبق في شؤون الحياة؛ في العلاقات والمعاملات وغيرها فإنه كله دستور علماني لا يستند إلا إلى النزر اليسير من الأحكام الشرعية المبتورة كما هو الحال في باقي الأنظمة في العالم الإسلامي، وهذا ما سنبينه في النظام الاجتماعي والاقتصادي ...

أما النظام الاجتماعي في تركيا فهو قائم على فكرة الحريات الغربية المنبثقة من فكرة فصل الدين عن الحياة، فيجوز للمرأة أن تفعل ما تشاء من العلاقات الشخصية دون أية محاسبة من القانون، ويجوز لها أن تمارس البغاء بشكل علني، وهناك دور للبغاء مرخصة بشكل رسمي من قبل الدولة ولا يجوز لأي فرد أن يتعرض لها، وإذا تعرض لها ولو بالكلمة حاسبه القانون التركي، أما بالنسبة للمؤسسات الرسمية ومظهر الحياة العامة فإنه على النمط الأوروبي، ولا يستثنى منه إلا ما يفعله الأفراد بشكل فردي من مظاهر شرعية، فالجامعات قائمة على الاختلاط وتدرس النظم والمناهج الغربية دون أي تحفظ، والسفور في المؤسسات والحياة العامة مظهر حضاري وحرية شخصية لا يجوز ولا بأي حال الاعتداء عليها أو معارضتها حسب القانون التركي، ومن يفعل ذلك يعاقب حسب القانون ..

وأما النظام الاقتصادي فكله نظام ربوي قائم على مؤسسات الربا التركية والغربية دون أي تحفّظ، والشركات فيه شركات رأسمالية ربوية حسب قوانين الغرب ولا يوجد فيها شركات إسلامية حسب قوانين الشريعة، والأموال العامة في تركيا ملك للدولة تتصرف فيها حسب سياسة القوانين الغربية، وليس حسب أحكام الشريعة، أما السياسة الاقتصادية العامة فإنها قائمة على أساس تكثير المال وليس على أساس توزيعه بالعدل حسب أحكام الشريعة، لأن نظرتهم للمشكلة الاقتصادية هي نظرة إلى تكثير المال، أي نظرة إلى قلة الموارد مقارنة مع الحاجات المتجددة والمتعدد، وهناك في تركيا من لا يجد قواماً من عيش، ويعيش عيشاً بدائياً في القرى التركية النائية، وأناس آخرون يعيشون في أعالي السحاب من أصحاب الشركات العملاقة، ولا تعمل الحكومة على رفع مستواهم الاقتصادي وفق (سياسة توازن اقتصادي) حسب أحكام الشريعة، ويمكن القول ببساطة : أن النظام الاقتصادي في تركيا لا يختلف عنه في أي بلد من بلاد العالم الإسلامي باستثناء بعض الانتعاش الذي حصل في بعض المستويات وليس على مستوى جميع الأفراد، أي مستوى الشركات الرأسمالية، وبعض شرائح المجتمع، وهذا لا يقاس عليه في موضوع الرفاه والانتعاش ..

وبالنسبة للسياسة الداخلية والخارجية، فإن السياسة الداخلية في تركيا ليست مبنية على الإسلام كما ذكرنا لا في علاقة الحاكم بالمحكوم ( نظام الحكم ) ولا في النظام الاجتماعي ولا في النظام الاقتصادي ولا في أي أمر من شؤون رعاية شؤون المجتمع الداخلية، ومن يذهب إلى تركيا وخاصّة إلى المدن الكبرى يظن نفسه أنه في دولة أوروبية، وليس في دولة وريثة لأكبر حضارة إسلامية عبر التاريخ الإسلامي، وبالنسبة للسياسة الخارجية فلا يخفى ما تقوم به تركيا من تنازلات ذليلة لدول أوروبا من أجل دخول الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك كله رفضها الاتحاد الأوروبي ولم يقبلها، ولا يخفى كذلك ما تقوم به تركيا من إقامة علاقات الودّ والوئام مع الكيان الصهيوني في أرض فلسطين، ومعاهدات التبادل الأمني والعسكري، وتبادل السفارات والمعاهدات التجارية ومنها بيع وشراء السلاح، أما علاقتها مع الغرب بشكل عام فتركيا عضو في حلف الأطلسي وتقوم بما يقوم به هذا الحلف من حرب على المسلمين في باكستان وأفغانستان والعراق وغيرها، وقد كان لتركيا دور بارز في قيادة قوات حلف الناتو في أفغانستان ضد المجاهدين الأفغان عندما تسلمت قيادة تلك القوات من فرنسا سنة 2009 .

وبالنسبة لعلاقة تركيا بأمريكا بشكل خاص فقد ظهرت من خلال تصريحات القادة الأتراك في الحكومة التركية، ومن خلال ما تقوم به هذه الحكومة من أعمال صريحة، فقد ظهر من تصريحات (أردغان) ما يظهر الدور التركي السيئ الذي قامت به بمساعدة أمريكا في حربها على أفغانستان ومن تلك التصريحات :- ما قاله اردغان (.. أن تركيا تشارك بـ 1755 عنصرًا في الحلف على أفغانستان، حيث يعملون ضمن قوات حلف شمال الأطلسي الناتو) وهو ما أكده قائد الأركان التركي..

أما الدور السياسي التركي في المنطقة فلا يخفى ما تقوم به تركيا من دور (السمسار) السياسي الأمريكي بدل دور العرّاب المصري في تطويع الآراء وتقريبها من أجل إقامة معاهدة سلام مع كيان يهود، ولا يخفى كذلك ما تقوم به تركيا من دور كبير في مسألة الثورات العربية وتدخّلات تخدم السياسات الغربية من أجل السيطرة على حركة هذه الثورات وعدم خروجها عن يد الغرب وخاصّة أمريكا، وظهرت هذه التدخلات بشكل واضح جلي في الثورة السورية والثورة الليبية، وقد ظهرت معاداة من قبل الشعوب الثائرة للدور التركي واتهمته بالريبة والشك وذلك في مظاهرات ضد تركيا في حماة ودمشق !!

أما الزاوية الرابعة هي معاداة تركيا للحركات المخلصة؛ فقد أظهرت تركيا قدراً كبيراً في تصريحاتها وأعمالها ضد الإرهاب وجعلت من ذلك علاقة مصداقية وحسن ولاء للغرب وهذا ظهر (في زيارة رئيس جهاز المخابرات الأمريكية الجديد (ديفيد بتروس) 20/7/2011 -حسب ما ذكرته جريدة الرياض في عددها في 20/7/2011- حيث أجرى مباحثات مطولة مع المسئولين بالجيش والحكومة التركية، تناولت التعاون في مجال مكافحة الإرهاب ، حيث أكمل حلقة زيارته التي بدأت بتفقد القوات الأمريكية في أفغانستان).

وقد أظهرت تركيا المعاداة الصريحة لكل من يدعو إلى إعادة مجد (الخلافة الإسلامية) من حركات إسلامية لدرجة أنهم اتهموا (حزب التحرير الإسلامي) والذي يعمل لإعادة الخلافة منذ أكثر من خمسين عاما في تركيا،  وله آلاف من الأنصار داخل تركيا .. اتهموه بنفس التهم التي يتهمه بها الغرب؛ من الإرهاب ومعاداة العلمانية واللاسامية، وبنفس التهم أيضاً التي كانت تتهمه بها الحكومات العلمانية العسكرية السابقة في تركيا، بل إن حكومة أردوغان التي تدعي أنها تريد الإسلام زادت في اتهام هذا الحزب على تهم الغرب والعلمانيين السابقين بأن قالت: بأن هذا الحزب يرتبط بالموساد الصهيوني، كما جرى في العام الماضي اثر اعتقالات طالت العديد من أعضاء الحزب بسبب صدعهم بكلمة الحق!!..

ويريد بذلك أردوغان قلب المجنّ في أفعاله ودعمه للامبريالية وللدولة الصهيونية بشكل صريح لا يقبل التأويل، ويلصق هذه التهمة لمن يعادي الغرب ( حزب التحرير) ويسعى لقلع كيان يهود من جذوره ..

بقيت الزاوية الأخيرة وهي استخدام الغرب للنموذج التركي في خديعة المسلمين وخاصّة الثورات القائمة في بلاد المسلمين والتي تطالب بالعدل والانعتاق من ربقة الاستعمار .. ونريد أن نقف قليلاً عند هذه المسألة الخطيرة فنقول :-

إن فشل الاستعمار وظهور وجهه القبيح، وظهور عملائه السياسيين من الحكام وحاشيتهم بأقبح صورة لدى الشعوب في العالم الإسلامي، وفشل الأفكار الكاذبة المخادعة التي استخدمها عملاء الاستعمار للتغطية على عوراتهم وعمالاتهم؛ مثل فكرة (القومية العربية والاشتراكية، والوطنية..) وغير ذلك من أفكار تغنّى بها الحكام سنوات طويلة كذباً وزوراً ..

بعد فشل كل هذه الشعارات الكاذبة، وفشل من وراءها من قادةٍ سياسيين، وفي ظلّ تنامي الفكر الإسلامي في المجتمعات الإسلامية، وتنامي التأييد للجماعات الإسلامية التي يسميها الغرب (الأصولية الإسلامية )؛ في ظل هذه المستجدات صار الغرب يفكر بجدية متناهية لاستخدام الورقة الإسلامية من أجل خدمة مصالحه السياسية في بلاد المسلمين، وفعلاً قد بدأت الدول الاستعمارية بإيران في نهايات القرن الماضي ونجحت أمريكا نجاحاً منقطع النظير في استخدام هذه الورقة الجديدة، حيث عملت على خلع النفوذ الأوروبي من جذوره في إيران(شاه إيران)، وعملت في نفس الوقت على تقويض النظام العراقي، وما زالت تستخدم هذه الورقة في تثبيت نفوذها العسكري في منطقة الخليج، وفي حرب الإسلام في أفغانستان والعراق ...

ثم استخدمت أمريكا هذه الورقة في السودان عن طريق البشير، وعملت عن طريق الشعارات الإسلامية الكاذبة التي أطلقها هذا (الدجال الأشر) في بداية حكمه على تهيئة الأجواء من أجل تقسيم السودان، وعملت أيضاً على تثبيت نفوذها ضد الخصوم الأوروبيين العريقين داخل السودان، ثم استخدمت هذه الورقة في تركيا لإنهاء نفوذ العسكر القوي الضارب بجذوره في أعماق تركيا، وما كانت أمريكا لتنجح هذا النجاح الكبير لولا استخدام ورقة الإسلام التي تدغدغ مشاعر الشعب التركي العريق في حبه للدين ...

والحقيقة أن هذه التجارب الناجحة في استخدام ورقة الإسلام المضلل في أكثر من دولة دعا المفكرين والساسة، وصناع القرار داخل تركيا إلى تطوير هذه الوجهة الجديدة في رسم سياسات جديدة لدول المنطقة لاستخدام النموذج التركي عن طريق الساسة الأتراك، فأخذت أمريكا ترسل يد الساسة الأتراك في مؤازرة الشعوب والثورات داخل الدول المشتعلة؛ كسوريا واليمن وليبيا على سبيل المثال، فأخذت تركيا بالتظاهر بتأييدها للثورات وأنها تدعم الحريات وإسقاط الأنظمة الدكتاتورية، وكل ذلك إنما هو مقدمة لأحد أمرين أو للأمرين معاً بترتيب الأول قبل الثاني، والأمران هما أولاً : جعل تركيا في مقدمة التغييرات التي تحصل في هذه البلدان عن طريق تدخلاتها المباشرة في داخل الدول، وعن طريق المؤتمرات السياسية وترتيب الأمور داخل تركيا نفسها مثل مؤتمر أنطاكيا، ومثل قيام تركيا بترتيبات معينة داخل المخيم المقام داخل أراضي تركيا .. والثاني : عرض النموذج التركي المطبق داخل تركيا ليكون بديلاً لهذه الأنظمة الدكتاتورية، وذلك بإظهار شخصيات إسلامية معينة -كما جرى في مؤتمر أنطاكيا-، وقطع الخط على الأحزاب المخلصة الساعية لتلبية مشاعر الجماهير الغاضبة المنادية بالشعارات الإسلامية.. وهناك محاولات جادة بالفعل لترتيبات تقوم بها تركيا من أجل عرض نقل النموذج التركي إلى دول أخرى داخل الدول العربية ثم في العالم الإسلامي مستقبلاً !!

والسؤال الذي يرد إلى الذهن في هذا المقام هو : هل ستنجح أمريكا في هذه السياسة الخبيثة لجني ثمرة الدماء والجراحات الثمينة في هذه الثورات العظيمة ؟!

والحقيقة أن هذا الأمر يتوقف على درجة الوعي عند الشعوب المسلمة على الإسلام الصحيح كيف يكون، وكيف يطبق؟!، ويتوقف كذلك على درجة الوعي عند الشعوب المسلمة لدور تركيا الإقليمي وخاصة في مسألة خدمة الكيان اليهودي وتثبيت جذوره في المنطقة، وخدمة النواحي العسكرية لحلف الأطلسي وأمريكا على وجه الخصوص في أفغانستان، أيضاً في إدراك الشعوب للحرب التي يقود دفتها حزب الرفاه على المخلصين من حملة الإسلام الداعين لإعادة الخلافة !! ..

وإن مثل هذا الأمر ليحتاج إلى جهود كبيرة وحملة واسعة في أوساط السياسيين والعسكريين والمفكرين والجماعات الإسلامية داخل البلاد العربية وخارجها، ويمكن القول: أن الشعوب في العالم الإسلامي قد بدأت تعي شيئاً فشيئاً الدور التركي في خدمة أمريكا وكيان اليهود، لكن هذا الوعي لم يكتمل بعد، وخاصّة أن هناك تضليلات من قبل بعض الجماعات الإسلامية التي تخدم سياسة أمريكا بشكل خاص والغرب بشكل عام وتنادي بتطبيق النموذج التركي في العالم الإسلامي كمصر وسوريا..

إلا أن الشعوب لا تنطلي عليها مثل هذه الأكاذيب أبد الدهر، وخاصة أن الشعوب تراقب وتسمع وتفكر وتحلّل ما يجري حولها، وأيضاً فإن (في الأمة مخلصون) يكشفون الحقائق السياسية والفكرية باستمرار ويوجهون أبناء الأمة الوجهة الصحيحة!!..

فحتى لو انخدعت الشعوب وقتاً معيناً فإنها سرعان ما تعي واقعها؛ تماماً كما انخدعت بالقومية والوطنية والحكام المنادين بهذه الشعارات مثل عبد النصر وغيره ثم عادت فعرفت ووعت كل هذه الأكاذيب ..

إن السؤال الكبير الذي يدور في خلد الأمة هذه الأيام هو: ما هو المخلص الحقيقي الذي يرفع عنها شرور الحكام، وشرور الدول الاستعمارية، ويحقق العدالة والاستقامة في بلادها ؟؟

والجواب سيكون في المستقبل القريب القريب- باذنه تعالى- هو: (المنهج الذي حقق لها العدالة والاستقامة سنوات طويلة قبل هذه المرحلة الشريرة في عهد الاستعمار وورثة الاستعمار من حكام وأفكار غربية عن الأمة ودينها) ...

ستدرك الأمة يقيناً وبشكل عام أن كل ما يرتبط بالاستعمار الأمريكي والأوروبي من حكام وأفكار ومناورات وأكاذيب سياسية هو الموت الزؤام، وأن ما حاربه الاستعمار من أحزاب وأفكار إسلامية مخلصة، عن طريقه مباشرة، وعن طريق الحكام هو فقط طريق النجاة لهذه الأمة الكريمة ..

نعم ... إن الأمة ستدرك يقيناً أن الحرية والديمقراطية المزيفة وحقوق الإنسان إنما هي شعارات كاذبة، وأضاليل تستخدمها أمريكا ودول أوروبا جسوراً للعبور إلى بلادها، وستدرك يقيناً أن من يرفع شعار الإسلام ويرتبط بالمشاريع والخدمات الأمريكية والصهيونية هو كاذب مخادع كذلك، وستدرك يقيناً أن الإسلام الصافي النقي المخلص هو وحده الذي يستطيع إنقاذها من هذا الدمار والخراب والهلاك والفواجع التي لا توصف، وان من يحمل هذا الإخلاص في الأمة هو من يبتعد عن دوائر الاستعمار وعملائه من الحكام، ويحمل الإسلام النقي الصافي كحزب التحرير الإسلامي ..

ولا نخال اليوم الذي ترفع فيه الأمة المخلصين من أبنائها على رؤوسها بعيداً ... وصدق الحق القائل : { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا $ وَنَرَاهُ قَرِيبًا } ( المعارج 6- 7 ) وقال : { وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا } ( الإسراء / 51 ) ويقول : { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ ... } ( الرعد /17 ) .

نسأله تعالى أن يحق الحق بكلماته عما قريب، ويقطع دابر الكافرين، ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون ..

آمين يا رب العالمين

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...