اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

جامع الخطب والدروس

 

 

 

تم تثبيت هذا الموضوع في قسم الثقافة العامة لغرض تسهيل مراجعته لمن يرغب.

رابط هذا التعليق
شارك

من خطب الشيخ الجليل عصام عميرة / أبو عبدالله

 

 

 

16 من رجب 1432 هـ

17/6/2011 م

حكام في القمة وآخرون في القاع

 

(الخطبة الأولى) أيها الناس: لقد اقتضت حكمة الله عز وجل أن يولد الإنسان غير عالم بشيء من أمور الدنيا، قال الله سبحانه وتعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. وبعد أن يولد، فإنه يعيش ردحا طويلا من الزمن غير مكلف بشيء من التكاليف التي تحدد مكانه بين الناس في الدنيا أو تؤثر على موقعه في الجنة أو في النار يوم القيامة، حتى يبلغ الحلم، ويتمكن من معرفة الكفر والإيمان، والحلال والحرام والنافع والضار، والقوة والضعف، والشجاعة والجبن، وغير ذلك من ألوان السلوك الإنساني، ومنها القيادة والريادة والزعامة والحكم وما شاكل ذلك من متطلبات الإمارة وسياسة الناس. وقد أولى النظام الإسلامي الأعمال القيادية اهتمامًا خاصًّا، سواء من حيث مواصفات الرجال وواجباتهم، أو من حيث إعدادهم وتهيئتهم. قال تعالى مخاطبًا رسوله الكريم والأمة من بعده ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)، فرفق القادة وأولياء الأمور برعيتهم ومشاورتهم صفة لازمة للقادة. وعدالته وعلمه وكفاءته وزهده وورعه وخوفه من الله، وعفوفه عن المال العام، والتجرد من الهوى وشهوات النفس، أركان أساسية ومتطلبات قيادية في كل شخص يتولى أمرا من أمور المسلمين لبنائه نفسيا وإيمانيا، وإعداده وتنمية مهاراته، حتى تستقيم طريقته وتصلح رعيته.

أيها الناس: لما طبق المسلمون هذا المنهج الرباني في تربية القادة، وجد بينهم قادة عظماء كأمثال الخلفاء الراشدين، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمر بن عبد العزيز، وهارون الرشيد، وصلاح الدين الأيوبي، ومحمد الفاتح، ويوسف بن تاشفين، وعبد الرحمن الداخل، وغيرهم كثير على مدار التاريخ. يُروى أن عمر بن عبد العزيز كان له شيخ يربيه، وهو صالح بن كيسان رضي الله عنه، حيث قال عن عمر: ما خبرت أحدًا اللهُ أعظمُ في صدره من هذا الغلام! وحدَث أن عمر قد تأخر عن صلاة الجماعة يومًا، فقال له صالح بن كيسان: ما شغلك؟ فقال: كانت مُرجّلتي تسكّن شعري، فقال له: قدمت ذلك على الصلاة؟ فكتب إلى أبيه وهو والٍ على مصر يعلمه بذلك، فبعث أبوه إليه رسولاً فلم يكلمه حتى حلق رأسه. وفي الخلافة العثمانية كانت دار الخلافة تجمع الصبية الذين تظهر عليهم علامات النبوغ والقيادة لتربيتهم وتهيئتهم، وهو ما يسمى في عصرنا بأكاديميات القادة.

أيها الناس: لقد دوت جنبات التاريخ بأسماء هؤلاء القادة، وبلغوا القمة بحسن صنيعهم في الحكم والقيادة، لما تربوا في مدرسة الإسلام القيادية والسياسية، صاحبة الشعار الخالد (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته)، وشعار (ما من عبد يسترعيه الله رعية، فلم يحطها بنصحه، إلا لم يجد رائحة الجنة)، فصقلت شخصياتهم بالإسلام حتى غدوا إسلاما يمشي على الأرض. فهذا أبو بكر رضي الله عنه يقول لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهو على فراش الموت، معللاً تحمله مسئولية الخلافة: "والله يا عائشة ما قبلت هذا الأمر إلا لأن تركه آنذاك خيانة لله ورسوله". وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول مقالة لم يسبقه إليها أحد: "لو أن بغلة تعثرت في العراق لخفت أن يسأل الله عنها عمر لمَ لم تمهّد لها الطريق؟"، و "ماذا تقول لربك يا عمر إذا سألك عن كذا وكذا؟". ولما حضرته الوفاة أبى أن يجعل ابنه عبد الله ضمن المرشحين للخلافة من بعده، قائلاً بحسب آل الخطاب أن يسأل منهم عن أمة محمد رجل واحد. أجل، فليست المناصب القيادية مغنما بل هي مغرم إلا من قام بحقها وأدى الذي عليه فيها، عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم": إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة وما هي؟، "فناديت بأعلى صوتي ثلاث مرات، وما هي يا رسول الله؟ قال: "أولها ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة، إلا مَن عدل، وكيف يعدل مع أقربيه؟".

أيها الناس: هذه من مصائبنا اليوم مع الحكام وأقربائهم الذين بلغوا القاع والدركات السفلى بسوء صنيعهم في الحكم والقيادة، وما هم إلا طواغيت أبناء طواغيت، ورثوا الظلم والخيانة صاغرا عن صاغر، فما منهم من أحد ليس أخوه أو ابنه أو ابن عمه أو ابن خاله أو أحد أقربائه الذين هم على شاكلته إلا وولي عهد أو نائب له أو قائد لحرسه الخاص أو متصرف في أعظم شؤون الأمة نيابة عنه. ولكن الإسلام يحرم هذا ويمنعه ويجعله من المثالب والمآخذ. ولله در أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أخذ يبحث عن صحابي يوليه على الشام، وكانت الشام في ذلك الحين بلدًا كبيرًا، ومركزًا هامًا للتجارة، ودار إغراء لكثرة ثرواتها، ولا يصح لها في نظر عمر إلا زاهد تفر أمام زهده كل شياطين الإغراء. وكان أبناؤه وأبناء عمومته متوافرين، ولكنه اختار سعيد بن عامر، فعرض عليه ولاية حمص، فاعتذر سعيد قائلاً: لا تفتني يا أمير المؤمنين، ولكن عمر قال: والله لا أدعك، أتضعون أمانتكم وخلافتكم في عنقي، ثم تتركونني. فوافق سعيد سمعًا وطاعة لأمير المؤمنين... وذات يوم، اشتكاه بعضهم لأمير المؤمنين بأنه لا يخرج إليهم حتى يتعالى النهار، ولا يجيب أحدًا بليل، وله في الشهر يومان لا يخرج فيهما، ورابعة لا حيلة له فيها ولكنها تضايقهم، وهى أنه تأخذه الغشية (الإغماء) بين الحين والحين. فقال عمر في نفسه: اللهم إني أعرفه من خير عبادك، اللهم لا تخيب فيه فراستي، ثم دعا عمر سعيدًا ليدافع عن نفسه. فقال سعيد: أما قولهم: إني لا أخرج إليهم حتى يتعالى النهار، فوالله لقد كنت أكره ذكر السبب، إنه ليس لأهلي خادم، فأنا أعجن عجيني، ثم أدعه حتى يختمر، ثم أخبز خبزي، ثم أتوضأ للضحى، ثم أخرج إليهم. أما قولهم: لا أجيب أحدًا بليل، فوالله لقد كنت أكره ذكر السبب، إني جعلت النهار لهم، والليل لربي. وأما قولهم: إن لي يومين في الشهر لا أخرج فيهما، فليس لي خادم يغسل ثوبي، وليس لي ثياب أبدلها، فأنا أغسل ثوبي، ثم أنتظر حتى يجف، ثم في آخر النهار أخرج إليهم. وأما الرابعة فقولهم: إن الغشية تأخذني بين الحين والحين، فقد شهدت خبيب بن عدي حين صلب بمكة، وهم يقولون له: أتحب أن محمدًا مكانك، وأنت سليم معافى؟ فيجيبهم قائلاً: والله ما أحب أني في أهلي وولدي، معي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة، ثم دعا عليهم قائلاً: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبق منهم أحدًا، فكلما تذكرت ذلك المشهد الذي رأيته، وأنا يومئذ من المشركين وكيف أني تركت نصرته، إلا ظننت أن الله لا يغفر لي، أرتجف من عذاب الله، ويغشاني الذي يغشاني. ففرح عمر لما سمع هذا، وقام يعانق سعيدًا ويقبل جبهته ويقول: الحمد لله الذي لم يخيب فراستي. وكان سعيد رضي الله عنه يتصدق براتبه على الفقراء والمحتاجين، ولقد قيل له يومًا: توسع بهذا الفائض على أهلك وأصهارك. فقال: "ولماذا أهلي وأصهاري؟ لا والله، ما أنا ببائع رضا الله بقرابة، ما أنا بالمتخلف عن الرعيل الأول". فليتك تنظر يا أمير المؤمنين ماذا فعل والي الشام الذي أقعده الكفار الأميركان على مقعد سعيد بن عامر!

(الخطبة الثانية) أيها الناس: إن الإسلام لم يترك الحكام لأنفسهم، فربما ضلَّت النفس بعد تولي الحكم بالأهواء، ولعبت بالعقول المطامع، ولذلك جعل الله للأمة الإسلامية حق محاسبة حكامها إذا رأت فيهم اعوجاجا. وجعلت ذلك منوطا بالعلماء على وجه الخصوص لما لهم من مكانة وهيبة ومعرفة بما يصح وما لا يصح. وأما بلاد المسلمين اليوم فقادتها لا يستشعرون رقابة أمام أي جهة، وأحد مشايخها يقول عن حاكمه: "لو أن الأمر بيدي لرفعته إلى مكانةِ مَن لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون"!! فلا عجب بعد ذلك أن نجد سجونًا تُملأ بالمعارضين، وسيوفًا تقطع رقاب الناصحين، ورصاصا يخترق أجساد المعارضين، ونجد فقرًا يتفشى، وأمراضًا تفتك، وثروات تُهدر. أما المسلمون الأوائل فكان حالهم خلاف ذلك تماما، إذ يروى أن أبا بكر بعد توليه الخلافه أراد المسلمون أن يفرضوا له شيئًا من بيت مال المسلمين حتى يتفرغ للحكم، فقالوا له ماذا يكفيك؟ قال: "افرضوا لي كرجلٍ من أوسط قريش ليس بأغناهم ولا أفقرهم، وحلة بالصيف وأخرى بالشتاء".. ويقول عمر بن الخطاب: "ما أنا ومالكم إلا كولي على مال أيتام، إن استغنيت عففت وإن احتجت أخذت بالمعروف". ويُروَى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان يتفقد إبل الصدقة فوجد إبلاً أسمن من غيرها فقال: لِمَن هذه الإبل؟ قالوا لعبد الله بن عمر، فقال: وتقولون إبل ابن أمير المؤمنين جاءت، وسّعوا لها في المرعى! وبعث لعبد الله وسأله: من أين لك هذا؟، قال: اشتريتها بحر مالي، قال: بعها وخذ أصل ثمنها وابعث الزيادة إلى بيت مال المسلمين. فليتك تنظر يا أمير المؤمنين اليوم إلى قصور الحكام وخزائنهم!

أيها الناس: ها هي الأمة اليوم قد استيقظت من غفلتها، وخرجت إلى الشوارع والميادين العامة تطالب بالتغيير وإسقاط هذه الأنظمة الفاسدة، فشاركوها في خروجها، وعلى الباغي تدور الدوائر! فقد سقط بعضها بالفعل، والبعض الآخر آيل للسقوط، وسيسقط قريبا بإذن الله، وستقام الخلافة على أنقاضها، وستطوى هذه الصفحة السوداء من تاريخ المسلمين، وستشرق الشمس من جديد لتبدد ظلمة الليل الحالكة، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

رابط هذا التعليق
شارك

من خطب الشيخ الجليل عصام عميرة / أبو عبدالله

 

 

 

 

الجمعة 20/10/1433 هـ

الموافق 7/9/2012 م

 

فإن فساد ذات البين هي الحالقة

 

 

(الخطبة الأولى) أيها الناس: لقد أمرنا ديننا الحنيف بإيجاد المحبة والألفة بيننا، وتقوية العلائق بين المؤمنين، والحض على التعاون على البر والتقوى، وعدم التعاون على الإثم والعدوان، وحبب الله إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وجعلنا بذلك من الراشدين، فضلا من الله ونعمة، والله عليم حكيم. ولكننا، جهلا منا بديننا، وبعدا منا عن إقامة شعائره والوفاء بمتطلباته، وبعد أن ابتلينا باليُتم السياسي بهدم خلافتنا، وتولي السفهاء أمرنا، قد ضيعنا كثيرا من هذه السمات والخصائص، فلا نكاد نراها إلا بين طائفة من المسلمين قليلة، وقد حل محلها ضدها. وهكذا هو الأمر، إن غابت سنة فمكانها بدعة، وإن غاب المعروف ظهر المنكر، وإن ضعف الحق قوي الباطل، وإن مع العسر يسرا.

أيها الناس: إن مما يدمي القلوب أن ترى بين المسلمين فرقة واختلافا، وعصبية جاهلية، وحدودا وطنية وسدودا، وقد تجاوزت الخلافات حد المعقول، إلى درجة أصبح معها بعض المسلمين لا يرى الأخوة إلا في إطار وطنه أو بلده أو قبيلته أو عائلته أو أضيق من ذلك، أسرته وأقاربه من الدرجة الأولى، بل قد دب الخلاف في هذه الدائرة الضيقة واستفحل حتى كاد المرء أن يقتتل مع نفسه. وإن فسادا في ذات البين رهيب يفوق الوصف قد حل بالمسلمين بسب ذلك، ففرق شملهم وشتت جماعتهم، وأهدر دماءهم، وأضاع أموالهم وأوقاتهم، حتى وقعت فيهم الحالقة، ويكاد ديننا أن يضيع في هذه الحُلكة السوداء. وصار التشاحن والتباغض والتدابر عند المسلمين هي السمة الأبرز، والصفة الغالبة. وبلغت إحصاءات الجرائم والمشاكل العائلية والاقتتال بأنواعه أرقاما فلكية لم يشهد لها تاريخ المسلمين الطويل مثيلا. وكانت النتيجة أن ضعفنا وتراجعنا، وقوي عدونا وتمادى علينا. قال سبحانه وتعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}. فماذا نحن فاعلون حيال هذه الطامة الكبرى والمصيبة العظمى؟

أيها الناس: إن الحل الناجع بين أيدينا، وقد يسره الله لنا في قرآننا وسنة نبينا عليه السلام، فما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواءً، عرفه من عرفه وجهله من جهله، فإذا أصاب الدواء الداء شفي بإذن الله. ولهذا الحل مساران لا تعارض بينهما، الأول إصلاح ذات البين وهو مستمر قبل إقامة الدولة الإسلامية وبعدها، والثاني هو العمل الصحيح الجاد لإقامتها، فإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. أما الأول وهو ما سنركز عليه، فالإمام الترمذي قد روى عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة. وروى أيضا بسند إلى الزبير بن العوام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دب إليكم داء الأمم قبلكم، الحسد والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبّت ذلك لكم؟ أفشوا السلام بينكم. وفي خطبة الوداع قال عليه السلام لأصحابه: إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم. فالتحريش ينتج المشاكل التي تكسر قناة الدين وتستأصله من جذوره. يقول أبو الفتح البُستي:

 

كل الذنوب فإن الله يغفرها إن شيّع المرءَ إخلاصٌ وإيمان

وكل كسر فإن الدين يجبره وما لكسر قناة الدين جبران

خذها سوائر أمثال مهذبة فيها لمن يبتغي التبيانَ تبيان

 

أيها الناس: إن من أعظم القربات إلى الله تعالى: إصلاح ذات البين، فهو الإجراء الذي يتتبع هذه الحالقة لإزالتها، ويربط القلوب برباط المحبة، ويزيل ما فيها من شحناء وتباغض، ويدمل الجراح النازفة. قال الله عز وجل: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم}، وقال سبحانه: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم}. أخرج البخاري ومسلم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن بني عمرو بن عوف كان بينهم شر، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلح بينهم في أناس معه، وروى البخاري أن أهل قباء اقتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: اذهبوا بنا نصلح بينهم. وروى الشيخان من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة، أي تصلح بينهما بالعدل.

أيها الناس: لو بحثنا عن أسباب فساد ذات البين التي أورثت الحقد والقطيعة بين الناس لوجدناها كثيرة كثرةَ خبائث النفس الأمّارة بالسوء ونوازعها. فالطمع والكبر وحب السيطرة والغل والحقد والحسد وغير ذلك من طباع النفوس الشريرة هي التي تقود الإنسان للظلم وأكل الحقوق وعدم الوفاء بالعقود واستحقاقاتها، وغير ذلك. وسنقف اليوم عند بعض هذه السلوكيات الشائنة مما نهى الشرع عنه نهيا جازما يعاقب فاعلها ويثاب تاركها. من ذلك سوء الظن بالمسلمين، قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم}. وقال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث". وقال عمر رضي الله عنه: لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا. ولو طبق المسلم ذلك، لما وقع بينه وبين أحد شحناء أو تباغض. ولكن إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه، وصدّق ما يعتاده من توهم. وإن من أسباب فساد ذات البين: تصديق الشائعات، وعدم التثبت مما ينقل من الأخبار. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}، وقال الشاعر:

وهم نقلوا عني الذي لم أفِه به

وما آفة الأخبار إلا رواتها

وبعض الناس قد ينقل إليك شيئا أصله صحيح، ولكن الزيادات والحواشي والتحليلات التي يذكرها غير صحيحة، وما أكثر الذين فسدت أحوالهم بسبب النقولات والأخبار، فإذا جاءك رجل بخبر يسوءُك فقل له: بئس ما قلت، ولا أظن بأخي إلا خيرا، ثم استقبل القبلة وقل: اللهم اغفر لي ولأخي، وتجاوز عني وعنه. فهذا خلق الصالحين ذوي المروءات. وإن من أسباب هذه الحالقة المنة بالعطايا. {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب رواه مسلم وفقني الله وإياكم لكل خير وجمع قلوبنا جميعا على طاعته وجعلنا إخوة في الله متحابين متآلفين.

(الخطبة الثانية) أيها الناس: وإن من أسباب الحالقة، التناجي: قال صلى الله عليه وسلم: "إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الثالث، حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن ذلك يحزنه". متفق عليه. ومن أسبابها الكلام البذيء وتساهل بعض الناس بالتفحش في كلامه ورفع الصوت سبا ولعنا وتحقيرا لإخوانه في المجالس وعلى رؤوس الناس. أخرج الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال: فينا أصحاب بدر نزلت، حين اختلفنا في النفل، فساءت أخلاقنا فانتزعه الله من بين أيدينا وجعله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فقسمه بين المسلمين. قال عليه السلام: "أمسك عليك لسانك". وقال الشاعر: فإن النار بالعدين تذكى، وإن الحرب أولها الكلام. ودور المصلحين هو حجر الزاوية في منع وقوع الحالقة، وفي سبيل إصلاح ذات البين جاز الكذب، قال صلى الله عليه وسلم: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا. رواه البخاري. هذا وإن من أفضل السبل لإنهاء النزاعات التي تأتي بالحالقة هي الحوار البنّاء، والوعي على أحكام الإسلام، وحسن الاستماع لمطالب الخصوم، والإيجابية في طرح المسائل الخلافية، إضافة إلى جُماع ذلك كله وهي السماحة. عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله عبدا سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا قضى، سمحا إذا اقتضى. فاللهم ألف بين قلوبنا، ورد علينا ضالتنا وعجل لنا بإقامة خلافتنا.

رابط هذا التعليق
شارك

من خطب الشيخ الجليل عصام عميرة / أبو عبد الله

 

 

 

الجمعة 27/10/1433 هـ

الموافق 14/9/2012 م

 

قضية الفلم المسيء سياسية بامتياز

 

 

(الخطبة الأولى) أيها الناس: ليس الكفار في زماننا بحاجة إلى أن يسبوا ديننا ويتطاولوا على مقام نبينا ليغيظونا، فهم في وضع أفضل بكثير من أن يحتاجوا لذلك. فقد هدموا دولة خلافتنا، وقسموا بلادنا، ونهبوا ثرواتنا، وقتلوا أبناءنا، واغتصبوا حرائرنا، وأهانوا شيوخنا، وعطلوا الحكم بكتاب ربنا وسنة نبينا، ونصبوا علينا حكاما خونة عملاء لا يهمهم أمرنا... فماذا يريدون بعدُ منا؟ ولماذا يسيئون اليوم إلى نبينا صلى الله عليه وسل؟ والجواب على ذلك، إنهم لما رأونا استيقظنا من منامنا، ونبذنا حكامنا وخلعنا بعضهم وقتلنا بعضا، ولا زلنا نقاتل آخرين منهم بما يتاح لنا من قوة، وبما يتيسر لنا من جرأة وإقدام ودماء وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، لما رأونا كذلك هالهم ما رأوا، وأيقنوا أن دُولتهم عنا مُدْبرة، ودُولتنا عليهم مقبلة. وصدق الله العظيم إذ يقول: {وتلك الأيام نداولها بين الناس}. وإن هؤلاء الكفار يرون ما نرى من اقتراب النصر في شامنا العزيز المقدام، ويسمعون ما نسمع من نداءات يطلقها الثائرون الشاميون الأشاوس ومن ساندهم من الأحرار، بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الإسلامية، ويرون كما نرى رايات العقاب السوداء والألوية البيضاء ترفع في كل مكان. ولذلك فإنهم قد أسقطوا مراهناتهم على حكامنا العملاء، واتبعوا الرهان الأكثر إثارة، والأشد لهم نفعا، وهو الأقليات التي كانت يوما تعيش في كنف الدولة الإسلامية وذمتها، بعد أن هاموا على وجوههم منذ هدمها، والتجأوا إلى الغرب من ظلم الغرب نفسه، فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار، فالغرب هو الذي هدم الخلافة، وظلم التابعين لذمتها وشتتهم، والغرب هو الذي فتح لهم أبوابه ليهاجروا إلى دوله. وظن هؤلاء المهاجرون أبناء الأقليات أنهم قد صاروا في مأمن، وما دروا لجهلهم أنهم قد وقعوا في حبائل الكيد الغربي ضد المسلمين وشراكه، وأنهم الأداة المناسبة والطُّعم اللذيذ الجذاب لتحقيق مآرب الغرب الخبيثة.

أيها الناس: من هنا يظهر أن قضية إنتاج الفلم المسيء لرسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، وترويجَه هي قضية سياسية بامتياز، يحقق الغرب من ورائها مآرب متعددة. وأما هذه الجمعيات المسماة بأقباط المهجر فجمعياتٌ مشبوهةُ مرتبطة بالمخابرات الأمريكية، تستخدمها أمريكا وقودًا تشعله لخلق ذرائع للتدخل السياسي ومن ثم العسكري بحجة حماية الأقليات ومنع الاضطهاد، كما فعلت فرنسا من قبل مع العلويين النصيريين في سوريا بعد هدم الخلافة. وكثيراً ما تنخدع هذا الأقليات بذلك، ويتصورون أن الغرب الكافر يتحرك حميةً لدينهم أو لإنسانيتهم كما يدًّعون، وهو في الحقيقة لا يبالى بهم، بل يبالى بمصالحه فقط، وفي النهاية يخذلهم ويتركهم وراءه حال تحقيقه لأهدافه، ولن يجلب لهم سوى الخزي والعار ونزف الدماء.

أيها الناس: كم هو جميل أن نرى المسلمين يثورون كالبركان، ويزمجرون كالطوفان تعبيرا عن غضبهم لمّا تطاول مشبوهون على نبيهم، وكم هو عظيم أن نرى رؤوس المسيئين ومن يساندونهم تتجندل في أوكار التجسس، وتتدحرج في الطرقات، وما أجمل أن نراهم يدركون حقيقة قضاياهم، وأسباب هذه الإساءات بوعي المسلمين المعهود على مكر الكافرين وكيدهم. والأجمل من ذلك كله أن نرى المسلمين عاملين لإعزاز هذا الدين بإقامة دولة خلافة المسلمين الراشدة الثانية التي تتصدى للغرب وجيشه، فتهزمه في ميادين القتال، وتخلع نفوذه وقواعده من بلاد المسلمين، وترده على أعقابه فينقلب خاسرا هو وجنوده وعملاؤه وأدواته من الحكام الخونة وغيرهم. وأما أولئك المسيئون، فذاكرة الأمة قوية، وستطاردهم كما يطارد الصياد فريسته، فمن أدركناه حيا قتلناه، ومن فارق الدنيا قبل أن نقدر عليه فالله يتولاه، وهو المنتقم الجبار.

أيها الناس: لا يستطيع التصدي كما ينبغي للقضايا السياسية كهذه القضية إلا دولة تحكم بالإسلام، وتطبق شرع الله، ورجالها يحبون الله ورسوله أكثر مما سواهما، وتقف بقوة في وجه أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول الصليبية التي تحارب الإسلام، وتكرر الإساءة لنبينا عليه السلام وتحتضن من يسيء إليه، وتستغلهم وتحركهم لمآربها الخاصة. فليس غير الخلافة قادرا على غلق سفارات تلك الدول، وإلغاء المعاهدات معها، وكشف خططها في ضرب الإسلام والمسلمين باستخدام أهل الذمة وزرع الفتنة. وليس غير دولة الخلافة يحمي ثغورنا، ويغار على ديننا ومقدساتنا، ويضرب كل من يحدثه شيطانه بالإساءة إلى ديننا أو نبينا أو مقدساتنا بيد من حديد. قال الله تعالى:" إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً". ففي دولة الإسلام التي خلت، أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقتل كعب بن الأشرف لكونه يؤذي الله ورسوله، وكذلك قتل أبا رافع سلام بن أبي الحقيق لأنه كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه. وكذلك أمر يوم الفتح بقتل ابن خطل وجاريتيه اللتين كانتا تغنيان بسبه صلى الله عليه وسلم. وقُتل رجال كثير ونساء بعد ذلك لسبهم النبي وهجائه وإيذائه في حياته أو بعد موته.

أيها الناس: سأل الرشيد مالكاً في رجل شتم النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر له أن فقهاء العراق قد أفتوا بجلده (أي لحد القذف) فغضب مالك، وقال: يا أمير المؤمنين! ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها! من شتم الأنبياء قتل، ومن شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلد. فما بقاؤكم أيها المسلون بعد شتم نبيكم، وما بقاؤكم أيها العلماء بعد شتم مورثكم! ما بقاؤكم معشر الحركات الإسلامية وأنتم تزعمون أنكم تعملون على تحقيق دين محمد وتطبيق سنته، وتتمسحون بالتقرب إليه، ما بقاؤكم بعد شتمه وأنتم لا تحركون ساكناً، وقد أصبحتم حكاما ولديكم الجيوش الجرارة؟ أين اجتماعات المجالس المصغرة التي تتخذ قرارات الحرب التي تهز المنطقة بأسرها؟ وهل تنتظرون منكراً أكبر من ذلك؟ أم أنكم منكراً لا تنكرون! أما أنتم أيها الحكام فلا يعنيكم الخطاب، فما سبب وجودكم إلا من سكوتكم على شتم الرسول، وما بقاؤكم في كراسيكم إلا بسبب إعانتكم للكفار على ما هم فيه من تطاول على الرسول وأمة الرسول، والرسول عليه السلام براء منكم ومن أعمالكم، ولتعلمن نبأه بعد حيني.

(الخطبة الثانية) أيها الناس: عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني ملكان (جبريل وميكائيل) وأنا ببعض بطحاء مكة، فوقع أحدهما على الأرض وكان الآخر بين السماء والأرض، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: نعم، قال: فزنه برجل فوُزنت به، فوَزنته، ثم قال: فزنه بعشرة، فوزنت بهم، فرجحتهم، ثم قال: زنه بمائة فوزنت بهم، فرجحتهم، ثم قال: زنه بألف فوزنت بهم، فرجحتهم كأني أنظر إليهم ينتشرون علي من خفة الميزان، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لو وزنته بأمة لرجحها. هذا هو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، لا يدانيه أحد من البشر، ولا يصل إلى مقامه أحد من الأنبياء، وهو الآن يشتم ويساء إليه والمسلمون ينظرون. فماذا عساهم فاعلين؟ إنهم بين أضعف الإيمان وأقواه. أما أضعفه فأن يقولوا هذا منكر لا نرضاه، ويستصرخوا أهل القوة والنخوة كي يتحركوا لتصويب هذا الوضع الشاذ، ويبغضوا حكامهم المتآمرين ويلعنوهم، ويلعنوا من قام على هذا الفلم، ويدعوا عليه في قنوتهم، ويبكوا على تهافتهم على الدنيا وإعراضهم عن دينهم، ثم يحضروا درساً، ويقرأوا كتاباً، ويتفقهوا في مسألة، ويتذكروا موتاً، ويصرخوا صوتاً، ويسجلوا موقفاً، وغير ذلك مما يستطيعه ضعاف الإيمان. وأما أقوى الإيمان فأن يعملوا مع العاملين لإقامة دولة خلافة المسلمين الثانية الراشدة على منهاج النبوة التي تقوم بواجب الدفاع عن ديننا ونبينا ومقدساتنا وكرامتنا، ولا يكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون.

رابط هذا التعليق
شارك

الجمعة 5/11/1433 هـ

الموافق 21/9/2012 م

سوريا وفلسطين تنتظران المعتصم

 

(الخطبة الأولى) أيها الناس: عندما أغار إمبراطور الروم على بعض الثغور الإسلامية فخربها وأحرقها وأسر أهلها وسبى من النساء المسلمات أكثر من ألف امرأة، ومثّل بمن صار في يده من المسلمين، وسمّل أعينهم وقطع آذانهم وأنوفهم، صرخت امرأة هاشمية: وامعتصماه! وفي يوم من الأيام كان الخليفة المعتصم جالساً فى الليل فى ديوان الخلافة فسمع ضجيجاً، ولما دخل الحارس سأله، فقال: رجلٌ أعيته الدنيا يطلب لقاءك على عجل، فقال: أدخلوه. فلما دخل سلم، فقال له المعتصم: أوراءك أمرٌ من أمور الدنيا فأدخل أغتسل لأننى على جنابة، أم امرٌ من أمور الآخرة؟ فقال: بل من أمور الآخره. فقال: قل ما عندك .فلما أخبره قال: والله لا أجلس فى مجلس حكمي هذا حتى تطأ قدم فرسي أرض عمورية، وقال بأعلى صوته: (لبيك يا أختاه)، وفتح عمورية.

أيها الناس: في رسم معبر مثّل أحد الرسامين سوريا وفلسطين بامرأتين منكوبتين مكروبتين محزونتين ولكنهما محتشمتان، تسأل سوريا أختها فلسطين قائلة: هل رأيت المعتصم يا أختاه؟ فتجيبها فلسطين قائلة: إجلسي بجانبي يا أختاه، فأنا هنا أنتظره منذ أكثر من ستين عاما! أجل، أيها المسلمون، لقد انتظرت فلسطين معتصما يوقف تآمر دول الكفر على أمها الخلافة، ونادت بأعلى صوتها، وامعتصماه، إنهم يريدون قتل أمي، فلم يجبها أحد. فقتلت أمها، ودخلت قوات الكفار الإنجليز إلى أراضيها، فقتلوا أبناءها شهداء على ثراها الذي واراهم بصمت حزين يفتت القلوب، وشردوا سكان مدنها وقراها، وكانوا من قبل في ظل الخلافة آمنين مطمئنين يأتهيم رزقهم رغدا من كل مكان، وشتتوهم في الأرض، فهاموا على وجوههم، وسكنوا المخيمات المؤقتة ثم الدائمة، وعاد قادتهم الخونة إلى فلسطين ولم يعد أحد من اللاجئين إليها، في مشهد لجوء مأساوي يقطع نياط القلوب، ووحدة تثير شفقة من بقي في قلبه مثقال ذرة من رحمة أو إنسانية. فلسطين يتيمة وثكلى، وما أصعب اليتم، وما أقسى الثَّكل! فكيف إذا اجتمعا؟ وقد اجتمعا، فذاقت فلسطين كل ألوان الأذى الذي تسبب به الاحتلال البريطاني، وعاشت سنواته الثلاثين وهي تئن تحت وطأة القتل والجهل والفقر والخيانة، ومسلسل التآمر من القريب والبعيد، وتدفق هجرة اليهود وبناء المستوطنات، وصولا إلى قرار التقسيم، فقامت دولة يهود على جزء من فلسطين، وخضع الجزء الباقي للإحتلالين الأردني والمصري قرابة تسعة عشر عاما، ذاق الضفاويون والغزيون ألوانا جديدة من العذاب والتمييز العنصري والإقصاء الوظيفي وشظف العيش والاستعلاء عليهم من النظامين الحاكمين ما لم يشهده نظراؤهم في جنوب إفريقيا أو غيرها من الأنظمة العنصرية. وفي كل مرة يصاب واحد من أبناء فلسطين وبناتها بعذاب علي يد المحتلين الأشرار تصرخ وامعتصماه، ولا من مغيث ولا من مجيب. ثم تبدل الاحتلال بالاحتلال في عام 67، وفقدت فلسطين من أبنائها وبناتها ما شاء الله لها أن تفقد، وشرد آخرون إلى مخيمات جديدة في شرق الأردن وسوريا ولبنان، وصاحت وامعتصماه من جديد، فلم يجبها أحد، وذهبت صرخات استغاثتها في أودية سحيقة. ثم، وما أدراك ما ثم؟ قامت الانتفاضات فأفرزت نظامين قمعيين على أبناء فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة لا يقلان شدة وبطشا عن أنظمة الاحتلالات التي سبقتهما، لأنهما ينظران إلى فلسطين كبقرة حلوب لا كبلد مغصوب. وفلسطين تصرخ وامعتصماه، والمعتصم لا يجيب لأنه غائب غير حاضر، لا يسمع الصراخ، ولو سمع لأجاب! لقد أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي، ونارا لو نفخت بها أضاءت، ولكن أنت تنفخ في رماد. وبقيت فلسطين تنادي المعتصم، وتأمل أن يطل عليها يوما على صهوة جواده الأبلق كي يغيثها ويحررها ويعيدها إلى حضن أمها الخلافة.

أيها الناس: في خضم المآسي التي تعاني منها فلسطين، ووسط نداءاتها التي تجددت للمعتصم مع كل مصيبة حلت بأبنائها وبناتها، نشأت المأساة السورية، مأساة الشام الفريدة من نوعها، مأساة الشام العزيز الذي سطر أبناؤه ملحمة أسطورية في مجابهة الطغاة والإصرار على خلعهم مهما كلفهم ذلك من ثمن. وسوريا هي الأخرى كانت قد انتظرت معتصما يوقف تآمر دول الكفر على أمها الخلافة، ونادت بأعلى صوتها وصرخت، وامعتصماه، إنهم يريدون قتل أمي، فلم يجبها أحد. فقتلت أمها، ودخلت قوات الكفار الفرنسيين إلى أراضيها، وقتلوا أبناءها شهداء على ثراها، فوارتهم بصمت حزين يفتت القلوب، ووحدة تثير شفقة من بقي في قلبه مثقال ذرة من رحمة أو إنسانية. سوريا يتيمة وثكلى، وما اصعب اليتم وما أقسى الثكل! فكيف إذا اجتمعا؟ وقد اجتمعا على سوريا فذاقت كل ألوان الأذى الذي تسبب به الاحتلال الفرنسي، وعاشت سنواته الثلاثين وهي تئن تحت وطأة القتل والجهل والفقر والخيانة، ومسلسل التآمر من القريب والبعيد، وخيانة زعماء الطائفة العلوية بدءً من جدهم الذي طالب الفرنسيين بعدم الرحيل، ومرورا بجزار حماة، وصولا إلى جزار الشام كله، ذاق السوريون خلال هذه الفترة التي زادت على الستين عاما ألوانا فظيعة من القتل والعذاب والتمييز العنصري والإقصاء الوظيفي وشظف العيش، والاستعلاء عليهم من النظام العلوي المرتد ما لم يشهده نظراؤهم في فلسطين أو جنوب إفريقيا أو غيرها من الأنظمة العنصرية. وفي كل مرة يصاب واحد من أبناء سوريا وبناتها بعذاب علي يد المحتلين الأشرار، أو البعثيين الكفار، أو العلويين النصيريين المرتدين الفجار، تصرخ وامعتصماه، ولا من مغيث ولا من مجيب. وذهبت صرخات استغاثتها في أودية سحيقة. ثم، وما أدراك ما ثم؟ قامت الثورة السورية المميزة، فاستحر القتل بعد أن غابت الرحمة، فبشار وزمرته ومن ورائهم أميركا ودول الكفر يرون في سوريا بيضة القبان التي تضمن بقاء نفوذهم في بلاد المسلمين، وتحفظ لكيان يهود أمنه واستقراره. وبقيت سوريا تنادي المعتصم، وقد أوشكت اليوم إن شاء الله أن يطل عليها المعتصم الجديد على صهوة جواده الأبلق ليعلن فيها الخلافة، ويحرر أختها فلسطين ويؤويها إليها، كما أوى يوسف إليه أخاه، وكما أوى عمر رضي الله عنه بيت المقدس إلى دولة الخلافة الراشدة الأولى. فاللهم عجل لنا بخلافتنا، وابعث لنا معتصما ثانيا يغيثنا.

(الخطبة الثانية) أيها الناس: في عصر الرسومات، ما فات منها وما هو آت، تتبارى الصحف الكافرة بالرسومات المسيئة لنبينا وحبيبنا وقائدنا إلى الأبد سيدنا محمد، لتنال من المسلمين بحجة حرية التعبير، ويخرج المسلمون أرسالا للاحتجاج على تلكم الرسومات المسيئة، ويصرخون وامعتصماه، واخليفتاه، ولا من مجيب، بل إن حكامهم يعدون لهم العدة الأمنية ليقمعوهم، وليقترفوا بحقهم جريمة المنع من التعبير ردا على من أساء لنبيهم بحجة حرية التعبير. أهذا هو العدل يا حكام الجور؟ يعبر القوم بحرية فيسيئون لنبينا، ونحن نمنع بقوة من التعبير عن غضبنا على إساءاتهم، ألا ساء ما تحكمون.

أيها الناس: لقد ثبت بالوجه الشرعي والدليل القطعي وصحيح النظر العقلي أن حكامنا جميعا لا يساوون قلامة ظفر المعتصم، ومهما أظهروا من التعاطف مع قضايا المسلمين وخصوصا في فلسطين وسوريا، فإن تعاطفهم هذا لا يوازي مد أحد من الخلفاء ولا نصيفه. فكم وامعتصماه انطلقت من أفواه الثكالى والأرامل والأطفال والحرائر، فهل أجابهم في زماننا أحد من الحكام الأقنان؟ لا أحد، فإذن، لم يبق عذر لمعتذر عن القعود عن العمل مع العاملين الجادين لخلعهم وتنصيب خليفة مكانهم، وإقامة خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة على أنقاض ممالكهم. ومن لم يقبل هذه الحقيقة الساطعة أو يماري في صحتها وصوابها، فهو مغلوب على عقله، أو مضروب على أذنية، أو فاقد للتمييز، ونعوذ بالله من حاله ومآله.

رابط هذا التعليق
شارك

الجمعة 12/11/1433 هـ

الموافق 28/9/2012 م

حكامنا نقضوا غزل أمتنا أنكاثا

 

(الخطبة الأولى) أيها الناس: يقول الحق تبارك وتعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ، إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ، وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}. لقد كانت أمة الإسلام قرونا طويلة دولة واحدة، مهابة الجانب، قوية الشكيمة، حتى عدا عليها ذئب السياسة الفتاك، فشتت شملها، ونقض غزلها أنكاثا، ونصب عليها نواطير في هيئة حكام وملوك وأمراء ورؤساء لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، همهم إرضاء أسيادهم مقابل الحفاظ على كراسيهم. ففي خضم أعمال القتل العشوائي والإعدامات الميدانية التي يقوم بها نظام الطاغية بشار وشبيحته ومساندوه من الدول والتنظيمات القريبة من سوريا والبعيدة عنها، وفي إطار المهل التي تمنح لهذا الطاغية المجرم حتى يوجد البديل المناسب لأميركا ودول الغرب، تطلع علينا بعض الزعامات العربية بفكرة إرسال قوات عربية إلى سوريا بحجة وقف القتال وليس المشاركة فيه. وقد رفضت إيران هذا الاقتراح جملة وتفصيلا، في حين قالت أميركا بأن تدخلها العسكري في سوريا بشكل منفرد سيكون خطأ فادحا في ظل غياب قرار من المجتمع الدولي.

أيها الناس: لقد تحيرنا والله حيرة شديدة مع هؤلاء الزعماء والقادة الذين ابتلينا بهم في زماننا، بعضهم يقتلنا بالجملة ضمن حملة غير مسبوقة في القتل الممنهج، ويدمر البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وقد فاق عدد القتلى حاجز الثلاثين ألفا، عدد المساكن التي هدمت حاجز المليوني مسكن. ولا يزال المدد العسكري والدعم السياسي والإعلامي مستمرا لنظام هذا الطاغية السفاح. والبعض الآخر يقدم المقترحات الهزيلة تترى، بدءً من إرسال مراقبين عاجزين مشلولين، وانتهاءً بإرسال قوات عربية لا تشارك في القتال بل تعمل على إيقافه! ولست أفهم كيف سيقوم عسكري كائنا من كان بوقف القتل الذي يقوم بها النظام، ووقف الثائر الذي يرد عليه بعد أن أصيب في أخيه وأمه وأبيه وفصيلته التي تؤويه؟ وكيف سيتصرف هذا العسكري مع الثائرين الزاحفين لتحرير المدن والأرياف من كتائب الأسد المجرمة؟ وهل بإمكانه أن يضع رأسه في الرمال كالنعامة دون أن يطلق طلقة على المعتدي الباغي الذي يقتل أخاه في الإسلام؟ وماذا ستفيده عروبته في هذا المأزق الحارق؟ فإذن من الناحية العملية لن تكون لهذه القوات التي تفكر الجامعة العربية إرسالها أي قيمة، وسيكون انتشارها شبه مستحيل في مناطق الصراع الملتهبة. فلماذا يرسلونها إذن؟ إنها مشروع تأخير، ومهلة جديدة تضاف إلى مشاريع التأخير التي طرحت، والمهل التي أعطيت لنظام بشار كي يقتل أكثر وأكثر، ويدمر أكثر وأكثر، ويبقى في الكرسي أطول وأطول، حتى تنقضي فترة الانتخابات الأميركية، وتستطيع مع باقي الدول الكبرى المؤثرة في العالم من إيجاد البديل المناسب بنظرهم لنظام بشار القاتل.

أيها الناس: هذا هو العجز السياسي بعينه، وهو يكشف يوما بعد يوم فساد الحكام وسوء تدبيرهم، وعمالتهم لأسيادهم وخيانتهم لله ولرسوله وللمؤمنين. ولو كان على المسلمين حكام يملكون ذرة من المروءة أو الشهامة أو الكرامة ولا نقول ذرة من إيمان أو إسلام، لما سكتوا دهرا ونطقوا كفرا، ولما انتظروا حتى تتفاقم الأزمة السورية كما تفاقمت الأزمة العراقية من قبل والأفغانية والجزائرية وغيرها. ولكفروا بالعروبة الفاشلة، ولأمروا جيوشهم بالانقضاض على نظام بشار من الشمال والجنوب والشرق والغرب، ليوقفوه عند حده، وليعتقلوا رموزه ويحاكموهم بتهمة القتل والإبادة الجماعية، ولقالوا لإخوانهم السوريين، لبيكم يا جيراننا ويا إخوتنا، أمانكم من أماننا، وسلامتكم من سلامتنا، وراحتكم من راحتنا. لا نطيق صبرا على مذابحكم، ولا نحتمل التأخر عن نصرتكم. هكذا كان يفعل العرب قبل الإسلام، وحلف الفضول يشهد على مواقفهم في الجزيرة العربية، وفعلوا أحسن من ذلك بعد الإسلام، إذ نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن سالم الخزاعي في مشهد نصروي مهيب سجله التاريخ بمداد من نور.

أيها الحكام: لا أنتم عرب تعرفون ولا مسلمون، ولا بين العقلاء من الزعماء تصنفون، ولا في العير ولا في النفير بين المقاتلين تعدّون، ولا في السياسة تحسنون، ولا في الاقتصاد أنتم ناجحون، وتضحكون على هزيمتكم ولا تبكون، وأنتم سامدون. قاتلكم الله أنى تؤفكون.

(الخطبة الثانية) أيها الناس: إن بلاءنا في حكامنا معشر المسلمين ظاهر لا تخطئُه العين، وإن شقاءنا معهم مستمر منذ هدمت خلافتنا وعرفناهم. فهم قد نقضوا غزل أمتنا من بعد قوة أنكاثا، وأقاموا عروش ممالكهم على أنقاض الخلافة الإسلامية العثمانية، وورثوا الخيانة صاغرا عن صاغر، ورضعوا الذل مع حليب السياسة منذ نعومة أظفارهم، وما أن يهلك حاكم ذليل صاغر خائن، حتى يخلفه ولده أو أخوه على نحو أكثر ذلة وصغارا وأعظم خيانة من سلفه. حتى الثورات والانتفاضات التي هبت عاصفة على بعض بلاد المسلمين العربية قد أنتجت – لقلة رشدها، وترشيدها بالإسلام – حكاما يشبهون إلى حد بعيد أسلافهم الذين انقلبوا عليهم. ولربما كانوا أسوأ كونهم يحملون شعارات ما يسمى بالتحرر والعلمانية، وآخرون يرفعون شعارات إسلامية خالية من أي مضمون أو برامج نهضوية. وقد بدأت عوراتهم في الانكشاف شيئا فشيئا، ولن يلبثوا إلا يسيرا حتى لا يجدوا ورقة التوت التي تغطي آخر عوراتهم. وقد أوشكت الأمة أن تلفظهم لفظ النواة، وترميهم في المكان اللائق بالخونة والعملاء، وستصبح قبورهم مرجما إضافيا وكأنها جمرة عقبة رابعة.

أيها الناس: إرفعوا أصواتكم عاليا وقولوا لحكامكم: لا كيل لكم عندنا ولا تقربون! فقد طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى، أيعقل أن تتقدم تونس وقطر بمشروع إرسال قوات عربية إلى سوريا وهم يعلمون علم اليقين أنها لن تفلح أبدا في وقف النزيف الدموي لأهلنا هناك؟ أيعقل أن يتقدم عباس بمشروع قبول فلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة؟ وحتى لو قبلت كدولة عضو، فماذا سنجني من فوائد والاحتلال جاثم على صدره وصدر دولته الموهومة، وقد بلغت أرقام الدول في عالمنا الإسلامي قرابة الستين؟ فبأي حديث بعد الله وآياته يومنون؟

أيها الناس: إن هؤلاء الحكام يضيعون الوقت علينا، ويستنزفون ثرواتنا، ويعبثون بعقولنا، وهم بهذا يظنون أنهم قد نجحوا في إطفاء جذوة الإسلام من نفوسنا. وإنهم والله لواهمون فاشلون، فالأمة قد تخطت حاجز الخوف الذي فرضه الحكام ردحا طويلا من الزمن، وهي الآن تعمل جاهدة لتسترد وحدتها وعزتها على أساس من دينها وعقيدتها. وهو تهتف بربها لينصرها، وتذر ما سواه. وقد بدأت معركة تحرير عقول المسلمين من كل الأدران الفكرية والسياسية ولا زالت مستمرة، وبدأت معركة قلع الأنظمة العفنة والإطاحة بها ولا زالت مستمرة، وبدأت معارك تحرير حلب ودمشق وغيرها من مناطق الشام، ولا زالت مستمرة، وبدأ العد التنازلي لبيعة أمير المؤمنين الأول في الزمان الثاني، والمسألة مسألة وقت فقط، ثم يأذن الله بالنصر لهذه الأمة، فتبايع إمامها، وتقيم خلافتها، وتقهر أعداءها وتدحرهم، وتنتقم من العملاء الخونة، وتثأر للشهداء والحرائر والجرحى والمنكوبين، وتبيض الأرض من جديد بعد أن سودها حكام النحس والجور. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

رابط هذا التعليق
شارك

  • 2 weeks later...

(الخطبة الأولى) يقول الحق تبارك وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا، وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا، كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.

أيها الناس: شاع مصطلح الوطنية بعد سقوط الخلافة الإسلامية شيوعا كبيرا في أوساط المسلمين، كما هو شائع في أوساط الكفار الغربيين والشرقيين على حد سواء. وأصبح الناس يُعرفون بأوطانهم، فهذا سوري وذاك تركي والآخر مصري أو باكستاني، تماما كما يعرف الفرنسي والبريطاني، ويميز الأميركي من المكسيكي أو الكندي. وهذا التقسيم الشيطاني الذي طغى على الكفار من الوثنيين والمغضوب عليهم والضالين، هو الذي يسري اليوم على المسلمين بعد أن اتبعوا سنن من كان قبلهم شبرا بشبر وذراعا بذراع حذو القذة بالقذة، فدخلوا جحر الضب الوطني، ولم يخرجوا منه إلى يومنا هذا رغم الثورات والانتفاضات، وما حملته من إسلامية الشعارات. وكم حذرنا من هذا المنبر ومن غيره من الوطنية ووساوسها الشيطانية، وكم بيّنا مخاطرها على الأمة الإسلامية، وكم أظهرنا مفاسدها التي جرّت على المسلمين الويلات تترى، من قتل وجوع وفقر وحرمان وتقاطع وتدابر بسببها. ومع ذلك فالخرق الوطني يزداد اتساعا يوما بعد يوم، ويترسخ في أوساط المسلمين بقوة، نظرا لإصرار الحكام على إيجاده وترسيخه ورفعه فوق أي اعتبار، حتى لو كان ذلك الاعتبار هو الإسلام. والدليل على ذلك أسماء الدول القائمة في العالم الإسلامية قبل الثورات وبعدها ودساتيرها القديمة والمجددة، والأعلام والرايات والشارات، وجوازات السفر والحدود، والأغاني والأهازيج، وأنماط اللباس في الحياة العامة، والسفراء والسفارات، والعُملات، والعلاقات مع الأمم المتحدة ومنظماتها، وغير ذلك مما يفوق الحصر، ويدلل على غرق هذه الدويلات الضارة في مستنقع الوطنية الآسن، فاحذف كل ما هو وطني، أو له صلة بالوطنية من قريب أو بعيد.

أيها الناس: إن أكبر انعكاس لهذه الوطنية المجرمة التي تفرق بين المسلم وأخيه الذي ربما يجاوره في المسكن أو في الحي أو في القرية أو في المدينة ويفصل بينهما خط حدودي وهمي رسمه الكفار بعد ما يعرف بمعاهدة سايكس بيكو، هو التحرك عندما تنتهك السيادة الوطنية على نحو أكثر جدية وصرامة وقوة منه عندما تنتهك سيادة الشرع وحرماته كحرمة الدماء والأموال والأعراض. وهنا يبرز الخلل الفاضح، والانحراف الواضح، والسلوك الشائن والناتج عن فكر غير راجح. ولنبدأ بآخر ما استجد في هذا الباب، وهو قيام القوات العسكرية التركية “الباسلة” بقصف مواقع عسكرية سورية على إثر سقوط قذيفة سورية واحدة على قرية تركية، ما أوقع خمسة قتلى. فمصر قد استنكرت وقدمت التعازي للشعب التركي، وكلنتون غاضبة، ومجلس الأمن أدان العدوان في قرار سريع، وأطلقت التحذيرات من اتساع نطاق الأزمة السورية. ولا يزال هذا الخبر حديث الساعة في أوساط السياسة الخاطئة الكاذبة المنافقة التي لم تقم بعمل يذكر لإسكات مصادر نيران النظام السوري المجرم، وقذائف طائراته ودبابته التي يصب حممها فوق رؤوس المسلمين في الشام بالملايين، وطلقات مدافعه الرشاشة التي أطلقها جنوده وشبيحته بالمليارات على صدور المدنيين العزل والنساء والأطفال، ما أوقع أكثر من ثلاثين ألف قتيل حتى هذه الساعة، ولا يزال الرقم مرشحا للازدياد بوتيرة غير مسبوقة في التاريخ القديم أو الحديث، إضافة إلى الجرحى والمعتقلين والمهجرين. وأما الوطنيون الأتراك فقام جيشهم بقصف أهداف سورية فورا ودون تأخير، لأن الضحايا أتراك، والمعتدي سوري، ولكنهم لم يردوا حتى اليوم على المعتدي الإسرائيلي الذي قتل تسعة أتراك! فلماذا هذه الانتقائية في الرد الوطني؟ والجواب واضح لا يحتاج إلى كبير جهد أو عميق تفكير، فعُرى حلف الناتو أوثق عند أوردغان من حلف العقيدة والشريعة. وتتلاشى الوطنية تماما عندما يتعلق الأمر بأميركا وإسرائيل أو غيرهما من دول الكفر، فلا تكاد تلحظ فرقا بين تصرف حاكم السعودية مثلا مع أميركا وبين تصرفات حاكم العراق أو باكستان، فوطنيتهم لا تعمل هنا، والكل في خدمة الغرب سواء. وأما مع جيرانهم وشعوبهم فالمسألة مختلفة تماما، أشداء علينا، رحماء معهم!! وحرمة دم المسلم عندهم وطنية إنتقائية وليس إسلامية، ويعملون لإعلاء كلمة الوطن لا كلمة الله، فاحذف كل ما هو وطني، أو ارتبط اسمه بالوطنية، وانبذه نبذ النواة.

أيها الناس: هذا ما استجد، وأما ما تقادم به العهد، وطال عليه الأمد، فأكبر وأعظم. فبالأمس زمجر رئيس مصر على المجاهدين في سيناء لأنهم أغضبوا المغضوب عليهم، فسحقهم وأباد خضراءهم، ولم يثأر لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين قضوا ظلما وعدوانا، بل أمعن في إغلاق الحدود وفرْض السدود وبناء الجدر وهدم الأنفاق. ومن قبله سكت حكام المسلمون جميعا على اغتصاب عشرات الآلاف من المسلمات البوسنيات والكوسوفيات، وسكتوا بل تآمروا على قتل العراقيين والعراقيات، وأطبق صمتهم تماما حيال مشهد الذبح والحرق والتدمير والتطهير العرقي الذي يجتاح المسلمين في بورما (ميانمار). وأما أفغانستان، ذلك الأسد الجريح، فقد تآمر عليه القريب قبل البعيد، وتنكر له الأخ والصديق، فلكم الله أيها المجاهدون الأفغان، إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب؟ ولكم الله يا مسلمي الشيشان وكشمير والفلبين والهند وسريلنكا وتايلند والصين، نسيكم دعاة الوطنية الكذابون، تخلوا عن دينهم، واتبعوا أمر الوطنية، وما أمر الوطنية برشيد، فخذلوكم وأسلموكم. صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أوثق عُرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله، فاحذف كل ما هو وطني وتوكل على الله، وكفى بالله وكيلا.

(الخطبة الثانية)

أيها الناس: إننا بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تحريم الوطنية، والتبكيت على من يدعيها والتشنيع عليه، بعد أن ظهر جليا خطرها وبان فسادها، وذقنا ويلاتها. فهي التي كانت سبببا في هدم الخلافة على يد الوطنيين الترك والعرب، والوطنية هي التي خطفت قضية فلسطين من المسلمين وأسلمتها لمن ضيعها وساوم عليها. والوطنية هي التي حركت الجيش التركي ليضرب أهدافا في سوريا بعد مقتل خمسة أتراك، والوطنية هي التي منعته من التحرك لنصرة أهل الشام، وقد قُتل منهم عشرات الآلاف، وأُخرج الملايين منهم من ديارهم. والوطنية هي التي أخضعت العالم الإسلامي بأسره لسيطرة الغرب الكافر وأفقرته وجهّلته وأوقفت نموه، والوطنية هي التي أضاعت كشمير والشيشان والبوسنة وكوسوفا وفلسطين وجنوب السودان، والوطنية هي التي أجهضت الثورات التونسية والمصرية والليبية واليمنية، والوطنية هي أكبر الأخطار التي تواجه الثورة السورية اليوم، فاحذف كل ما هو وطني، وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا.

أيها المسلون: آن لنا أن نغير المعنى الشائع لكلمة وطني، كما غيّرنا المعنى الذي شاع لكلمة ديموقراطي، فلم يعد سائغا أن نمدح الوطنية، ونمجد الوطنيّ، ونُشيد به، بل نقول له كن مسلما وكفى. فالذي كان شائعا أن الوطني يقابله الخائن، وليس الحال اليوم كذلك، بعد أن ثبتت خيانة الوطنيين ومدعي الوطنية. فحسين بن علي وطني خائن، ومصطفى كمال وطني خائن، وحكام العرب والمسلمين وطنيون خائنون، والمنظمات الوطنية خائنة، والمشايخ الوطنيون خائنون لله ولرسوله وللمؤمنين، والحركات الإسلامية الوطنية خائنة لأنها ولغت في دماء المسلمين قبل أن تحكم وبعد أن حكمت، في تركيا ومصر وغيرها. فكفانا وطنية وخيانة، ولننض عن أعطافنا ثوب الوطنية، ولنلبس بحق ثوب الدين والعقيدة وما يقتضيه ذلك من أخوة إيمانية، ومحبة في الله، ووحدة على أساس الإسلام، فحرام على أحد من المسلمين بعد اليوم أن يقول إنني وطني، ولتذهب الوطنية ودعاتها إلى الجحيم.

رابط هذا التعليق
شارك

الجمعة 10/12/1433 هـ

الموافق 26/10/2012 م

نفر الحجيج فأين النافرون الآخرون

(الخطبة الأولى)

أيها الناس: وقف الحجاج الكرام بعرفة كأنهم رجل واحد، في مشهد وحدوي فريد لا يحدث إلا عند المسلمين، ولا يتكرر إلا مرة واحدة في العام. وقفوا ليجسدوا العبودية لله وحده، بعد أن ذابت بينهم الفوارق، وزالت الإحن والأحقاد، فاستحقوا أن يتجلى الله عليهم ويباهي بهم الملائكة ويغفر لهم. هكذا تكون العبودية، وهكذا يكون النجاح والفلاح. ثم نفروا إلى المزدلفة ليكملوا مناسك حجهم، وليذكروا الله عند المشعر الحرام، وليشكروه على ما هداهم، ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق. أجل أيها المسلمون، نفروا وما نفر أحد غيرهم من المسلمين، نفروا من عرفات بعد أن توحدوا، نفروا في رضى الله وطاعته، نفروا وعين الله تكلؤهم، أنهم إليه راغبون، نفروا كما أمرهم الله وامتثلوا لتشريعه وحكمه، فما بال المسلمين لا ينفرون كما نفر إخوانهم الحجاج؟ ألا ترون أن النفير قد أصبح انتقائيا في زماننا؟ وأن المسلمين ينفرون ضمن ما هو مسموح به من الأعمال الموجبة للنفير؟ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا}، وقال سبحانه: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. قرأ أبو طلحة سورة براءة فأتى على هذه الآية "انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله" فقال: أرى ربنا استنفرنا شيوخا وشبانا، جهزوني يا بني. فقال بنوه: يرحمك الله، قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، ومع عمر حتى مات، فنحن نغزو عنك، فأبى، فركب البحر فمات، فلم يجدوا له جزيرة يدفنوه فيها إلا بعد تسعة أيام فلم يتغير، فدفنوه فيها.

أيها الناس: ألا ترون أن ربنا قد استنفرنا، وأن موجبات النفير قد وجدت؟ أليست مذابح الشام توجب نفير المسلمين لسحق طاغية الشام وأنصاره، بدل إعطائه المُهل ومنحه الهدن؟ ثم أليس قمع المسلمين في بورما يوجب النفير لنصرهم، وهم لم يُذبحوا ويهجّروا إلا لدينهم وعقيدتهم، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}؟ ثم أليس احتلال فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير وداغستان وبشكورتوستان والشيشان وأنغوشتيا وتشركسيا وتترستان وتركستان الشرقية وجنوب السودان يوجب النفير لتحريرها جميعا من المحتلين الغاصبين؟ ثم أليس قصف مصنع في الخرطوم موجبا للنفير لمعرفة القاصف ومعاقبته؟ ثم أليست سرقة نفط المسلمين توجب النفير؟ أليس تقسيم بلاد المسلمين ووضع الحدود وعوائق التنقل والسدود توجب النفير؟ ألا يقلق المسلمين تعطيل العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فينفروا لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة ليطبقوهما ويعملوا بهما كما أمر الله ورسوله؟ أليس الفقر والجهل والتخلف والقتل والتدمير الذي ألحقه حكامنا بنا موجبا للنفير العام لوضع الأمور في نصابها، وتصويب الأوضاع التي طال أمد خطئها واعوجاجها؟ فلماذا اثاقلتم إلى الأرض أيها المسلمون، ورضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة؟ أما علمتم أن متاع الحياة الدنيا في الآخرة قليل قليل؟ ألا فاعلموا ذلك، وتهيأوا للنفير، رحمكم الله.

(الخطبة الثانية)

أيها الناس: لا ينبغي لمسلم علم ما أصاب الأمة الإسلامية ثم يقف مشدوها، لا ينفر لفعل أي شيء لإنقاذها. وخير النفير اليوم ما كان لإقامة دولة الإسلام التي تطبق القرآن والسنة، وتقضي على الملك الجبرية، وتطيح بأساطينه وطواغيته. يبايع فيها أمير المؤمنين الأول في الزمان الثاني، فهو المخرج من هذه الأزمة الخانقة، وبعد مبايعته يتولى هو إعلان النفير لحسم القضايا المصيرية. والدليل على ذلك ما جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على ما يعلمه خيرا لهم، وينذرهم ما يعلمه شرا لهم، وإن أمتكم هذه جعلت عافيتها في أولها، وإن آخرهم يصيبهم بلاء وأمور ينكرونها، ثم تجيء فتن يرقق بعضها بعضا، فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ثم تنكشف، ثم تجيء فتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ثم تنكشف. فمن سره أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتدركه موتته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يأتوا إليه، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يمينه وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر.

أيها الناس: هكذا ربط النبي صلى الله عليه وسلم بين بيعة الإمام الواحد وبين النجاة من الفتن. وما أكثر الفتن في زماننا، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. وهكذا حضنا عليه السلام على أن نؤمن بالله واليوم الآخر، وأن نحب لأنفسنا ما نحبه للناس. وهذا هو التوجيه النبوي الذي ينبغي لنا معشر المسلمين أن نمتثل له. فإن فعلنا فزنا بعز الدنيا والآخرة، وإن كانت الأخرى – لا سمح الله – فلا أمل يرجى في الخلاص، فقد نفر الحجيج من عرفة وأدوا ما عليهم، فأين النافرون الآخرون؟

أيها الناس: ها قد عرفتم فالزموا، واعلموا أن الله عز وجل قد صلى على نبيه قديما ولم يزل قائلا عليما تشريفا لقدر نبيه وتعظيما: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً}.

 

خطبة للشيخ عصام عميرة -حفظه الله ورعاه

رابط هذا التعليق
شارك

هذه خطبة الجمعة الموافق اول ايام عيد الاضحى المبارك 1433هجرية

القاها الشيخ سليمان الادهمي في مسجد نمرة /الخليل

[media=]

[/media]

 

 

69187_113277005497601_1729300113_n.jpg

تم تعديل بواسطه ابو القسام
رابط هذا التعليق
شارك

الجمعة 17/12/1433 هـ

الموافق 2/11/2012 م

 

خطبة جديدة للشيخ الفاضل عصام عميرة حفظه الله

 

 

هل من يضرب بالعصيّ كمن يعُدها؟

 

(الخطبة الأولى)

 

أيها الناس: هناك مثل شائع يقول بأن الذي يضرب بالعصي ليس كمن يعدها. وفرق شاسع بين من تلهب العصي جلده وتمزق عضلاته وتكسر عظامه، وبين من يحصي عدد تلك العصي غير عابئ بضبط العدد، كونه لا يحصي الألم الناتج عن هذا الضرب المتواصل، ولا يهتم بالأسباب التي تقف وراءه، ولا يعنيه الضارب أو المضروب، بل مصلحته، ومصلحته فقط. وأما من كان تحت العصي يكابد آلامها المبرحة، ويحصي زفرات القهر والظلم وأنّات الحرقة والجوى، فهو في واد، وذلك الإحصائي المتنطع المتطفل في واد آخر. وينطبق هذا المثل كذلك على الجهات التي تتعاطى مع أزمة الشام كافة. بدءً بالصحفيين الذين ينقلون لنا أعداد القتلى والجرحى والمصابين والمعتقلين والمهجرين واللاجئين والنازحين كمن يعد موج البحر أو رمل الصحراء، ومرورا بالسياسيين الخائنين من حكام الدول القريبة عن الشام والبعيدة عنه وهم يرون معاناة أهل الشام دون أن يقدموا لهم شيئا يخفف هذه المعاناة التي بلغت عنان السماء، ووصولا إلى الدول الكافرة التي ما فتئت تقدم المبادرات وتمنح المهل والهدن لنظام جزار لم يشهد التاريخ له مثيلا في بطشه وإجرامه. ومن آخر ما تفتقت عنه العبقريات السياسية مبادرة صينية جديدة لحل الأزمة السورية تتضمن وقفا لإطلاق النار في منطقة تلو الأخرى وعلى مراحل مع تشكيل جهاز حكومي انتقالي. وهي مكونة من أربع نقاط، دعوة الأطراف المعنية في سوريا لبذل كل جهد لوقف القتال وأعمال العنف والتعاون بنشاط مع جهود الوساطة التي يقوم بها المبعوث العربي والأممي الأخضر الإبراهيمي. ثم تعيين محاورين مفوضين في أسرع وقت للتعاون مع الإبراهيمى والمجتمع الدولي على وضع خريطة طريق للانتقال السياسي وإقامة جهاز حكم انتقالي بقاعدة عريضة، مع ضمان انتقال آمن ومستقر وهادئ والمحافظة على استمرارية وفعالية مؤسسات الحكومة. وثالثا دعوة المجتمع الدولي إلى التعاون الكامل مع الإبراهيمى لتحقيق تقدم حقيقي في تنفيذ بيان اجتماع وزراء خارجية جنيف لمجموعة العمل الخاصة بسوريا وخطة أنان وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، مع تقدير جهود الجامعة العربية ودول المنطقة. وأما رابعا فاقتراح بضرورة اتخاذ الأطراف المعنية خطوات ملموسة لتخفيف الأزمة الإنسانية وزيادة المساعدات الإنسانية للشعب السوري وضمان إعادة توطين ملائم للاجئين. ورافقت العبقرية الصينية عبقرية سياسية روسية نفت ما يقال بشأن عجز الجيش السوري النظامي عن القتال، وقالت بأن الأسد سيستمر في موقفه رافضاً ترك منصبه رئيسا لسوريا إدراكاً منه بأن هذا يعني الانتحار، مع إمكانية المشاركة في قوات حفظ سلام دولية إذا قرر رئيسها العبقري سليل الأجهزة الأمنية الروسية ذلك.

أيها الناس: هناك عبقريات سياسية أخرى تُعدُّ العصي لأهل الشام وتعُدها عدّا، وتنظر إلى الطائرات يرسلها النظام على الأحياء السكنية لتقصفها بالقذائف الحارقة وتؤزها أزّا، وتحافظ على نظام بشار أكثر مما تحافظ على إدارة أوباما، وهي السياسة الأميركية الأكثر طغيانا من الطغاة أنفسهم، وتراقب تصاعد جرائم بشار طاغية الشام بالبطش والقتل والتدمير للبشر والشجر والحجر! فأهلك الحرث والنسل، وحرق الزرع والضرع... يتطاول في إجرامه بالمدافع والدبابات والطائرات، والبراميل المتفجرة والقنابل العنقودية... فتصيب النساء والولدان والشيوخ بأسلحة كانت مخزَّنةً في جحورها، لا تكاد تُرى، وأهل الشام في أمس الحاجة لها لصد العدوان المتكرر على أرضهم وديارهم وممتلكاتهم المدنية والعسكرية. هذه العبقريات السياسية الأميركية تصعد المناورات السياسية، والصفقات الهزلية، وتلهو بالمجلس الوطني في الخارج والداخل... وترفد العمل السياسي الدولي بمراقبين عرب ودوليين، ثم بمبعوثٍ أسمرَ عاجز متهوك، وأخضر خبيث متحرك يتوصل إلى هدنة خربة ذات دخن، ثم إلى حوارٍ مضحكٍ مبكٍ يريدونه أن يدار بين الجلاد والضحية لإيجاد حكومة انتقالية يتقاسمها الطرفان، وتمحى جريمةُ الطاغية، ويؤمَّن له التجوال دون مساءلة أو سؤال! ويغزل على نفس منوالها الأوروبيون وإن كانوا في موقع آخر من الأزمة. وكل ذلك خشيةَ أن يملأ الفراغَ بعد سقوط الطاغية حكمُ الإسلام، فتقام الخلافة في أرض الشام، وهم قد خبروا عزة المسلمين وذلة الكفار المستعمرين عندما كان للمسلمين خليفةٌ يُتقى به ويقاتل من ورائه. ولهذا فهم قد اجتمعوا على أهل الشام جميعا، لمحاربة التكبيرات الهادرة، والهتافات الصارخة التي تعلن عدم الركوع إلا لله، وأن الشعب يريد الخلافة والحكم بما أنزل الله. هذه الهتافات كانت تصب في آذان تلك الدول، فجمعتهم الخشيةُ من الخلافة، ومن ثم ألقوا وراء ظهورهم ما كانوا يتشدقون به من ألفاظ الجرائم في حق الإنسانية، الإبادة الجماعية، المجازر الوحشية، وحقوق الإنسان! فكل ذلك جائز عندهم في الشام وبورما وغيرها من بلاد المسلمين، بل هو واجب لديهم للحيلولة دون عودة الخلافة إن استطاعوا. هكذا هم اليوم، وقبل اليوم، في كيدهم وحقدهم على الإسلام وأهله }لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ{، }قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَر {.

أيها الناس: نعلنها بكل صراحة ووضوح، وفي خضم هذا التآمر التاريخي غير المسبوق على الشام وأهله، بأن أية صفقة مع هذا النظام، حتى وإن زخرفت لتحسين سحنتها، ولفت الأنظار إلى زينتها، فإنها تُغضب الخالق الذي سالت الدماء الزكية في الشام من أجله سبحانه، وتمكن النظام من البطش بمن بقي منهم، واستئناف الظلم الأسدي بوجه وطني جديد، تماما كما استؤنف الظلم القذافي في ليبيا بوجه علماني ديموقراطي مزيف. أما أنتم يا أصحاب العبقريات السياسية، فسيأتي اليوم الذي لن نعبأ بأعداد قتلاكم، وسنصير نحن الذي يعد العصي بعد أن تصبحوا تحت وطأتها، وتلك الأيام نداولها بين الناس.

(الخطبة الثانية)

أيها الناس: إننا نحذر إخواننا في الشام وكل من يحبهم ويتعاطف معهم من أية تسوية مع النظام مهما كان اسمها: انتقالية كانت أم دائمية، برعاية الجامعة العربية أم المنظمة الدولية، مع رأس النظام أم أطرافه وأذنابه، فهم سلسلة من السوء والخيانة، آخذٌ بعضها بأذناب بعض، لا يختلف أولها عن آخرها... ونحذركم من الذين يتآمرون على الشام وأهله، والذين تآمروا على المسلمين من قبل ومن بعد، فالغدر من شيم الخونة العملاء، فهم يتربصون بكم في السر والعلن، فإن كان من تربص، فليكن كما قال سبحانه: }قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ{. وأنتم من تكفل الله بكم وبأرضكم، وقال ثلاثا يا طوبى لكم، إنكم بإذن الله لمنصورون ما دمتم على الحق ثابتين: فأخلصوا النية لله في عملكم، واعقدوا العزم على إقامة الخلافة في سعيكم، وخذوا حذركم من المساومات والتسويات والصفقات، ولا تقبلوا أثراً للنظام يبقى، لا شرعه ولا فرعه، ولا تمكنوهم منكم بحال من الأحوال، وكونوا كما عهدناكم بحق صادقين مع الله ورسوله، أوفياءَ للدماء الزكية التي ملأت أرض الشام، حتى لا يكاد يخلو شبرٌ فيها من قطرة دم لشهيد أو أثرِ أنَّةٍ لجريح، فتفوزوا في الدارين وبشر المؤمنين. واعلموا أن هجمات النظام المتصاعدة هي رقصةُ المذبوح، وهي دليل يأسه، وأنتم من رحمة الله لا تيأسون، واعلموا أن النصر مع الصبر، وقد جالدتم النظام بالحق عشرين شهراً، فاثبتوا ما بقي وهو أقل القليل، فالنظام قد هوى أو كاد، وهو يراهن على يأسكم قبل أن يهوي في مكان سحيق، فنراه يُصعِّدُ من هجماته الوحشة، ومن صفقاته التفاوضية، لعله يجد لنفسه مخرجا، فلا تمكنوه من ذلك، فيتحرك بعد لا حراك، ويحيا بعد موات. ويا أهلنا في الشام: نرسل إليكم، من بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، برقية قرآنية هي قوله تعالى: }فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ{.

فاللهم انصر شامنا وعجل لنا بخلافتنا ورد علينا ضالتنا ووحد بلادنا واجمع شملنا واهزم أعداءنا وارحم شهداءنا وداو جرحانا وفك أسرانا ومكنا من رقاب أعدائنا وامنحنا أكتافهم وأرنا فيهم يوما أسودا.

رابط هذا التعليق
شارك

عيب على تلك الحى_الدكتور محمد عفيف شديد_بيت المقدس_خطبة الجمعة 26 ذو الحجة 1433 هـ الموافق 09تشرين ثاني2012 مـ

 

 

 

 

 

http://external.ak.f...ng?ver=89693168

 

عيب على تلك الحى

رابط هذا التعليق
شارك

الدرس الستون _ آية "غير المغضوب عليهم" الامتناع عن العمل بالعلم من صراط المغضوب عليهم _ الشيخ يوسف مخارزة "ابو الهمام" 29ذو الحجة 1433هـ الموافق 14/تشرين ثاني/2012 مـ

 

 

http://youtu.be/Yle9yRBlzWU

رابط هذا التعليق
شارك

http://www.m5zn.com/d/?ffb73a862fd6040

 

 

عيب على تلك الحى_الدكتور محمد عفيف شديد_بيت المقدس_خطبة الجمعة 26 ذو الحجة 1433 هـ الموافق 09تشرين ثاني2012 مـ

 

 

على التحميل العادي وان شاء الله بتحمل

عذرا عن الخلل ....

تم تعديل بواسطه ابوالبراء83
رابط هذا التعليق
شارك

الموافق 16/11/2012 م

 

 

خطبة للشيخ عصام عميرة

 

 

 

 

 

موقف عزة من غزة

 

(الخطبة الأولى)

 

أيها الناس: في صباح كل يوم جمعة، أبحث عما قيل حول الأحداث التي عصفت بالمسلمين في الأيام والليالي الماضية، حيث نبيت ونصحو على وقع القصف والتدمير والقتل والتعذيب والفقر والجوع وغير ذلك من المفرادات الدالة على المذلة والحرمان والعدوان، لعلي أجد فيما قيل نورا يبدد هذا الظلام الدامس، ويجبر الخواطر المنكسرة، وينعش النفسيات المحطمة. أبحث في مواقف الحكام والمسؤولين والقادة العسكريين وصناع القرار عن شعاع العزة في زمن المذلة، وأرصد حركة شفاههم لعلي ألتقط كلمة تعبر عن الهمة ولو بسوء فهم، أو مغلوط قراءة، أو فساد تأويل، تشي بالجدية، أو تشير من طرف خفي إلى العزة، فأحملها على محمل القوة في تهديد المعتدي ومنعه من التمادي. بحثت في تصريحات الرئيس المصري عن شيء من هذا فلم أجده، فكل همه إثبات أنه رئيس عربي بامتياز، ولا يختلف عن سابقيه في عدم الانحياز، واكتشفت أن لديه قدرة على ضبط النفس لا توجد عند أكبر الحكماء أو أحلم الحلماء. واكتفى باستدعاء السفير المبجل وإيفاد الوزير الأول، وهو يتابع القصف على غزة أولا بأول، فالأمر يهمه، كما أهمه أمر سوريا من قبل سواء بسواء. ثم بحثت في الموقع الرسمي لرئيس ما يسمى بالسلطة الفلسطينية على الشبكة العنكبوتية فلم أجد شيئا له صلة بضالتي، بل وجدت على الصفحة الأولى منه بيانا يدين العدوان بشدة، ويُطمْئن الشعب في أرجاء الوطن المترامي الأطرف بأن الرئيس قد هاتف نظيره المصري، وطالبه ببذل كل الجهود لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وشكره على الجهود التي تبذلها مصر لشعبنا في أحلك الظروف، ولم يفته أن يطلب من نبيل العربي عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية. ثم بحثت في أقوال رئيس ما يسمى بالحكومة المقالة في غزة حيث اشتد القصف على محيط بيته ومكتبه، ما يذكرنا بالحصار المزعوم على عرفات في رام الله، فإذا بالزعيم يطالب بفتح معبر رفح لدخول البضائع والأفراد بحرية من فوق الأنفاق لا عبرها، رغم كونها أكثر أمنا في ظل القصف العنيف والزحف المخيف. وأما رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية فقال: إن زمن العربدة الإسرائيلية انتهى مع الربيع العربي. واعتبر أن إسرائيل ضعيفة ومرتبكة وترتعد فرائصها من نتائج الربيع العربي التي جاءت بالإسلام لحكم البلدان العربية. ولست أدري كيف ترتعد فرائصها وطيرانها وحده يرعد في سماء غزة، وينتقي أهدافه على مُكث ودون مقارعة أو ممانعة! هذه أحوال قادة السلطة ومصر، وأما باقي دول الطوق فالذي فيها يكفيها، فقوات الأردن مشغولة بقمع المحتجين على غلاء سعر رغيف الخبز بعد أن رفعوا سقف مطالبهم بإسقاط النظام، وحال سوريا يغني عن مقالها، وأما صقر لبنان فهو مجسم صقر ورقي بالوني منتفخ، فتاك في الشام صياح في لبنان خوار في مزارع شبعا والجولان، وأما عن تحرير فلسطين فجبان جبان، وصواريخ الكاتيوشة توزن عنده بالقبان. وأما باقي حكام المسلمين وقادة جيوشهم فيغطون في نوم عميق، وأكاد أجزم بأنهم يظنون غزة كائنةً في كوكب غير كوكب الأرض، ولا بد لهم من اعتلاء صهوة المراكب الفضائية للوصول إليها. وأما طائراتهم ودباباتهم فليست غزةُ على قائمة أهدافها، فهناك من يتولى أمرها، ويقوم بواجب القصف نيابة عنها!

أيها الناس: رغم هذا الظلام الدامس، والليل الحالك، وغياب الرجولة، وضعف المروءة، خرج علينا صوت من قلب غزة، من تحت القصف القاتل المدمر، ومن بين الجثث والأشلاء، ومن مزق الشرايين التي تنزف دما، ومن الجراح الغائرة والكلوم الدامية، ومن ركام الدمار الذي أحدثه القصف، صوتٌ فيه عزةُ المؤمنين، ووعي المسلمين، وجرأة حملة الدعوة العاملين لإعزاز هذا الدين، صوت مخلص فيه نبرة العزة من غزة، عبْر مسيرة كبيرة وجريئة، تحمل لافتات تدعو الجيوش الإسلامية لأن تُسقط حكامها المانعين لها من التحرك، ثم تبايع إمامها على السمع والطاعة للحكم بكتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيصدر لها الأمر العسكري الحاسم بالتحرك الفوري لتحرير فلسطين وإنقاذ أهل غزة المستضعفين. صوتٌ لا نسمعه في وسائل الإعلام المغرضة الموجهة، صوتٌ لا تنقله فضائية ولا أرضية ولا إذاعة، فالكل خادم لسيده في قصر الإمارة، وسادة القصر خُدامٌ لسيد البيت الأبيض عجل الله دماره.

أيها الناس: هذا هو الصوت الحق الذي نريد سماعه، ونريد الأمة الإسلامية جمعاء أن تهتف به، وتعليَه فوق كل صوت سواه، هذا هو الصوت الذي يكره الكفارُ سماعَه، وترتعد فرائصهم حقا من ترداده، هذا هو الصوت الذي يرضي الله ورسوله، ويحقق للمسلمين عز الدنيا والآخرة. فمن غير الخلافة يقيم شرع الله؟ ومن غير الخلافة يرد المعتدين وينصر المظلومين؟ ومن غير الخلافة يحمل دعوة الإسلام إلى العالمين؟ ومن غير الخلافة يعيد لنا العزة بعد المذلة، والغنى بعد الفقر، والعلم بعد الجهل، ورضى الله بعد الغضب والسخط؟ ومن غير الخلافة يطيح بهامات هؤلاء الزعماء الكذابين شر البرية؟ فإلى متى نصدقهم بكذبهم، ونعينهم على ظلمهم، ونصبر على تربعهم فوق صدورنا في عروش الكفر والظلم والفسق. فمن هم إلا كافرون أو ظالمون أو فاسقون، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون، وصدق الله العظيم، ومن أصدق من الله حديثا؟

 

(الخطبة الثانية)

 

أيها الناس: نعيش اليوم باكورة عام هجري جديد، يذكرنا بعام الهجرة الأول الذي أقام فيه النبي صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة، فانتقل المسلمون من الاستضعاف إلى الاستخلاف، وبقي المسلمون مستخلفين في الأرض غير مستضعفين طيلة ثلاثة عشر قرنا من الزمان. ولكنهم قد فقدوا هذا الاستخلاف وعادوا إلى الاستضعفاف مرة ثانية منذ نحو تسعين عاما عجافا مرت على الأمة الإسلامية لم تشهد لها مثيلا. ولكن الخبر الصادق عما نحن فيه من ذل واستضعاف قد جاءنا قبل أن نشهده، وعلمناه قبل وقوعه، فيما رواه الإمام أحمد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تكونُ النُّبُوَّةُ فيكم ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ - تعالى -، ثم تكونُ خلافةٌ على مِنهاجِ النُّبُوَّةِ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ - تعالى -، ثم تكونُ مُلْكًا عاضًّا، فتكونُ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ - تعالى -، ثم تكونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فيكونُ ما شاء اللهُ أن يكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ - تعالى -، ثم تكونُ خلافةً على مِنهاجِ نُبُوَّةٍ . ثم سكت . . .

أيها الناس: إننا نشهد نهاية مرحلة الملك الجبرية، وهي مقدمة على بزوغ فجر الخلافة الثانية الراشدة على منهاج النبوة، فكونوا من العاملين لها، عسى أن تكونوا من شهودها وجنودها. ولا يصرفنكم عن هذا العمل صارف، فهو الأولوية التي ما بعدها أولوية ولا قبلها، وهو الأهم ولا عمل أهم منه، وهو الفرض العظيم الذي تقام به الفروج، وهو العز الذي لا ذل فيه، والقوة التي لا ضعف فيها، وهو اتباع طريق النبي صلى الله عليه وسلم ما فيه من حيود، وهو العمل الذي يحقق مرضاة الله ويبعد عن غضبه وسخطه، وهو وحده الموصل إلى إقامة الخلافة التي تجعل مأساة المسلمين في ميانمار وغزة والشيشان وغيرها شيئا من التاريخ، لأنه تحمل حاضرا مشرقا عزيزا قويا منصورا، لا تقف في وجهه جيوش الغرب أو الشرق، {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.

 

 

جزى الله شيخنا خير الجزاء

رابط هذا التعليق
شارك

  • 2 weeks later...
  • 3 weeks later...

الجمعة 30 محرم، 1434هـ

14/12/2012م

خُدعة التعديل الدستوري

(الخطبة الأولى)

أيها الناس: كلنا يتابع ويعلم أن المرجل السوري يغلي وحرارته ترتفع سريعا، ولكنا سنرجئ الحديث عنه إلى الأسبوع المقبل بإذن الله عسى أن يحمل لنا هذا الأسبوع أخبارا سارة. وسنبحث اليوم مسودة الدستور المصري المعدل الذي سيعرض على الاستفتاء العام يوم غد لأخذ الرأي عليه، فإن حاز على موافقة أغلبية الأصوات – لا سمح الله، وهذا هو المتوقع - صار دستورًا نافذًا وحاكمًا لمصر. ورغم أن كثيرا من مواد هذا الدستور الأساسية مخالف للإسلام بشكل صريح، ومع ذلك يروج له الإسلاميون على اختلاف مشاربهم بحجة أنه الأفضل منذ مائة عام. وبغض النظر عن المصلحة الوهمية التي قد يتخيلها البعض في ذلك، فإننا كمسلمين علينا أن ننقاد إلى حكم الله، فحيث شرع الله فثَمَّت المصلحة! فلا يجوز التصويت على الدستور ابتداء! ويأثم من يدعو إلى التصويت ويأثم من يذهب ليصوت. والإسلام لم يأت ليحقق المصلحة، بل إن المصلحة تكون حيث يطبق شرع الله، فلا يصح قلب المعادلة، فالله سبحانه وتعالى يقول: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وقد تكرر قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} في القرآن أربع مرات لتأكيد أهميته، وبيان علم الله بما يصلح الناس وجهل الناس بما يصلحهم. فاتقوا الله يا إخوتنا في مصر الكنانة، ولا تُحلوا عليكم وعلينا غضبه، فالله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى}. وأول ما عُرض من التعديل الدستوري في تاريخ الإسلام كان من كفار قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعُرض عليه أن يكون ملكاً إن قبل المساومة، ولكنه رفض، ولم يقبل إلا أن يكون التشريع لله وحده، فصبر حتى أذن الله له بأخذ الحكم كاملاً في المدينة، بعد أن أصبح للإسلام رأي عام هناك، فنجح وأنشأ أقوى دولة في ذلك العصر.

أيها الناس: إن الدستور في كل دولة هو الأحكام العامة التي تبين شكل الدولة وأعمال كل سلطة فيها، والنظام الأساس الذي يُسَيِّر أعمال الناس كلها في جميع المجالات، من اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها، فمن باب أولى، ونحن مسلمون، أن تؤخذ هذه من القرآن والسنة، ولا يصوت عليها بحال من الأحوال، فمن نحن حتى نصوت على قول الله عز وجل بالرفض أو القبول؟ بل يجب علينا أن نأخذه ولا نأخذ شيئا سواه، عملا بقوله سبحانه وتعالى {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. فالدستور هو الحاكم في كل دولة دستورية وهو المرجع، وهو الذي على أساسه تدار البلاد ويحكم على العباد، فهو الذي يحدد المسموح والممنوع، وهو الذي يعاقب المخالف، ويجند قوة الأمة لردعه أو إقصائه. فهو الذي جعل العاملين لإقامة دولة خلافة المسلمين خارجين عن القانون أصوليين متطرفين ومتشددين، وهو الذي وصم المجاهدين المخلصين بالإرهابيين، وهو الذي سمح للخونة والجواسيس من أرباب السفارات الأجنبية بالإقامة في بلاد المسلمين إقامة مشروعة، وأعطاهم الحصانة ومنع عنهم المساءلة. والدستور هو الذي جعل الملك ملكا والرئيس رئيسا والأمير أميرا والسلطان سلطانا، وكلهم طواغيت مسلطون على رقاب العباد في بلاد المسلمين لا يحكمون بشرع الله، ولا يرقبون في مسلم إلا ولا ذمة. والدستور أيها السادة الكرام هو الذي أتي بالمجرم بشار رئيسا لسوريا بعد تعديل دستوري طفيف، أقره مجلس سخيف، لا يمثل مسلمي سوريا في الصيف أو الشتاء أو الربيع أو الخريف، بل هو زمرة من المصفقين والمطبلين والمزمرين، أبعد ما تكون صفة عن النواب والممثلين، وقد علمتم ما فعل الرئيس المنتخب دستوريا بشعبه وما يفعله بهم حتى اليوم من قتل ودمار وتشريد وتعذيب، بل إنه قصفهم بصواريخ سكاد التي لو سقطت على الجبال الراسيات لخرت من هولها هدا.

أيها الناس: أليس الدستور المصري الملعون هو الذي أتى بفرعون المخلوع؟ وهل يتولى الحكمَ في بلاد المسلمين ملكٌ أو أمير أو رئيس أو سلطان إلا وفق الدساتير الملعونة التي قسمت بلاد المسلمين ونصت على أن يكون أبناء الطواغيت خلفاءَ لهم عند هلاكهم أو عزلهم؟ فكيف يُقبل هذا المنطق السقيم بعد ثورات ما يسمى بالربيع العربي؟ وما وجد الربيع العربي إلا ليستأصل هذا الدستور الذي أتى بالطواغيت الذين أطاح بهم! ما لكم كيف تحكمون؟ إنكم يا أهلنا في مصر إذا صوتم على دستوركم الباطل هذا، وأقررتموه، فإنكم تكونون قد أبطلتم ثورتكم، وخنتم شهداءها، وأوجتم سابقة خطيرة في بلاد المسلمين، وسنة سيئة، عليكم وزرها ووزر من يعمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئا. فلا يجوز لكم الذهاب إلى صناديق الاقتراع للتصويت "بلا"، لأن في هذا قبولاً لمبدأ التصويت على الأحكام الشرعية، وهذا مرفوض ولا يجوز شرعاً، والله تعالى يقول: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾.

(الخطبة الثانية)

أيها الناس: إذا كان هذا هو الذي يحصل في الدول التي تحترم دستورها، فكيف بالدول التي لا تحترم دستورا ولا قانونا، ولا تقيم لمثل هذه الأمور وزنا، وقد جاءكم نبأ القذافي وكريموف وغيرهما من الطواغيت الذين يدسترون لأنفسهم ما يشاءون من القوانين، ويرضون لأنفسهم ما لا يرضون لكم، ويتصرفون بالبلاد والعباد كأنهم مما ملكت أيمانهم. وما أسهل ما ينقلب الدستوريون على ما وضعوه من دساتير وقوانين، وما أهون عليهم أن يدوسوها بأقدامهم، فلا يوجد في دساتيرهم ما يضمن عدم المساس بها. أما الإسلام فدستوره الكتاب والسنة وما أرشدا إليه من إجماع صحابة وقياس شرعي بعلة من الكتاب أو السنة أو الإجماع. وهذا مقدس لا يناله نقص ولا عيب، ولا صوت يعلو فوقه، ولا يدانيه تشريع. فهل يستوي من لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد مع من خالطه الشيطان، ووضعته يد الإنسان؟ قال تعالى وهو أصدق القائلين: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

أيها الناس: لقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه ما قبل المساومة في دين الله لمصلحة أو لمكسب آني شخصيا كان لنفسه أو لصحابته على حساب دينه، حتى اشتهر قوله عليه الصلاة والسلام لعمه "والله يا عم لو وضعو الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته أو أهلك دونه". وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الأمر لله يضعه حيث يشاء". ولما حصلت الفرصة الأكثر إغراء، حين عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على بني شيبان، وهم من قبيلة قوية ذات منعة. وتلا عليهم القرآن فمالوا إلى نصرته حتى قال له المثنى بن حارثة: (إنما نزلنا على عهدٍ أخذه كسرى علينا؛ ألا نحدث حدثًا، ولا نؤوي محدثًا، وإني أرى هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك، فإن أحببت أن نؤيدك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا)، كان مما قاله لهم: (إن دين الله لن ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه). فيجب على أهل مصر وغيرها من المسلمين أن يرفضوا خدعة التعديل الدستوري، وينصروا الله حتى ينصرهم، وذلك بإقامة دولة الخلافة الراشدة التي تطبق شرع الله كاملا وتتبنى الدستور المنبثق من الكتاب والسنة وما أرشدا إليه دون تأخير أو تعديل، ودون استفتاء أو تصويت، فالأمر لله يضعه حيث يشاء.

رابط هذا التعليق
شارك

عقر دار المؤمنين الشام

الحمد لله الذي وعد المؤمنين بالاستخلاف والأمن والتمكين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين بشّر هذه الأمة بالسّنا والرفعة إلى يوم الدين وأشهد أن لا إله إلا الله ،، الواحد القهار ، الملك الجبار مهلك المعتدين الكفار ومولج الليل في النهار ، وأشهد أن محمد خاتم المرسلين الأخيار القائل في الصحيح من الأخبار عن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا طوبى للشام! يا طوبى للشام ! يا طوبى للشام!قالوا: يا رسول الله وبم ذلك ؟ قال: ( تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام )

وبعد أيها المسلمون .........

أتدرون ما هي الشام ؟ إنها سوريا ولبنان وفلسطين والأردن ....وهي تشهد حرباً عالمية غير مسبوقة من الغرب والشرق ، ومن ربيبتهم دولة يهود ، من دول الكفر والاستكبار على الإسلام والمسلمين ،،، يريدون منع قيام دولة للإسلام ، يريدون استمرار عهد الظّلم والظلام ،،،، يريدون منع ولادة الخلافة !!!!!؟؟ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ... فلا تبتئسوا إخوة الإيمان فإنّ الله يأبى ....لا تخافوا يا جند الإسلام ، فإنّ الله يأبى ... لا تحزنوا يا جبهة النصرة وإن وصموكم بالإرهاب ،،، فإن الله تعالى يأبى ...لا تقنطوا أيها الثوار ......فقد قال الله تعالى في سورة التوبة :يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ !!! وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) وقد ورد في الصحّيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي ، فنظرت فإذا هو نور ساطع عُمد به إلى الشام ، ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام ، صدقت يا رسول الله و روى الترمذي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ و سَلَّمَ إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلا خَيْرَ فِيكُمْ لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.

وعن عبد الله بن حوالة أنه قال: يا رسول الله ، اكتب لي بلدا أكون فيه ، فلو أعلم أنك تبقى لم أختر على قربك . قال: عليك بالشام " ثلاثا " فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم كراهيته للشام قال: ( هل تدرون ما يقول الله عز وجل ؟ يقول: أنت صفوتي من بلادي ، أدخل فيك خيرتي من عبادي ، ، وإليك المحشر ، ورأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤ تحمله الملائكة ، قلت: ما تحملون ؟ قالوا: نحمل عمود الإسلام ، أمرنا أن نضعه بالشام ، وبينما أنا نائم رأيت كتاباً اختُلِس من تحت وسادتي ، فظننت أن الله تخلى من أهل الأرض ، فأتبعت بصري ، فإذا هو نور ساطع بين يدي ، حتى وضع بالشام ، فمن أبى أن يلحق بالشام فليلحق بيمنه ، وليستق من غُدُره ، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله )

أيها المسلمون ...

أتدرون ما هو العمود والكتاب ؟؟؟ إنه سلطان القرآن ، انتزع من تحت وسادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسقطت الدولة التي أقامها في المدينة ، فظنّ عليه السلام أنّ سلطان القرآن مذهوبٌ به ، كما يظن كثير من الناس ، ظنّ عليه السلام أنّ الله تخلّى من أهل الأرض وتخلى عنهم ، فأتبعه بصره ، فإذا هو نور ساطع بين يده عليه السلام ، أي أمامه ، حتى وضع مرة أخرى في الأرض ، وقام سلطان القرآن من جديد ، ولكن هذه المرة بالشام ، فإن خذل أهل الأرض فلسطين أرض المسرى ، وأولى القبلتين المسجد الأقصى ، إن خذل أهل الأرض ثورة الشام ، التي جعلها أهلُها لله ، لا لشيءٍ سواه ، فإنّ الله تعالى قد طمأن رسوله صلى الله عليه وسلم ، أنه سبحانه قد تكفّل له بالشام وأهله ،،، فما ظنّكم بمن تكفّل الله بنصرته أيها المؤمنون ؟؟؟؟ فامكروا يا من تمكرون .... واجلبوا خيلكم ورَجِلكم ...فبطش الله شديد ...

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) فيا أهلنا في المغرب ، ترون أعداء الشام في حلة الأصدقاء في بلدكم يأتمرون ...

لقد انطلقت ثورة الشام من مساجد الله ونادى أهل الشام من أول يوم "هي لله، هي لله"، فتآمر العالم كله عليهم، فتوكلوا على الله وشقوا طريقهم بثبات نحو النصر، تعلو رايات التوحيد تجمعاتهم، وتهتف للخلافة الإسلامية حناجرهم، وتتطلع لتحرير الأقصى أرواحهم. فلما أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من إسقاط بشار، أخرجت أمريكا الائتلاف ليجهض ثورتهم. فلا تظنوا أن أمريكا التي خصَّها أهل الشام قبل ثلاث شهور، بجمعة "أمريكا ألم يشبع حقدك من دمائنا؟" تريد الخير لهم، ولا تظنوا أن خونة الائتلاف الذين يُعَبِّدون الطريق للتدخل العسكري الأمريكي، يريدون الحرية لأهل الشام. فتنبّهوا على هذه المؤامرة التي تحاك ضد إخوانكم من أرضكم وأروا الله من أنفسكم خيرا .

أيها الأهل في الشام،

لقد عرفتم الحق فالزموه، وقد كان لكم السبق لإصدار ميثاق العمل لإقامة الخلافة الإسلامية، فلا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وقد أعلنتم بوضوح أنكم تريدون إيصال الإسلام للحكم فإياكم أن ترتدوا على أعقابكم فتقبلوا بوصول (الإسلاميين الواقعيين) إلى الحكم ويبقى الإسلام بأحكامه بعيداً عن موضع التطبيق.

اعلموا أنكم رجال الملاحم ورثتموها كابراً عن كابر، وأن منكم من ينصرُ الله ُ بهم الدين، وأن الشامَ عقرُ دار الإسلام، وأنه لن يضركم من خذلكم، وقبل هذا وبعده أن الله تكفَّل بالشام وأهله، فماذا تريدون أكثر من ضمانات ربّكم ، وتكفله بكم ؟

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) وأيقنوا أن ((نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ)).

وقد كرر سبحانه القول في سورة الصف فقال :

يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) عباد الله استغفروا ربكم واسألوه من فضله فإنه قريب مجيب ....

الحمد لله وكفى ....

قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده المرتجى ، وأن محمد عبده ورسوله المجتبى

وبعد أيها الناس ، عباد الله ...

أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته ، وأحذركم ونفسي من عصيانه وغضبه ، ففي تقواه النصر والتمكين ، والفوز بالجنة ، وفي معصيته غضب وهزيمة وخسران وعذاب من الله أكبر

واعلموا أن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسرا.....

قال الله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا، إنه هو السميع البصير). [ الإسراء 1 ] قال أكثر المفسرين في قوله تعالى: {المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} أن البركة تشمل بلاد الشام بأكملها بدليل ما رواه ابن عساكر: قول رسول الله "إن الله تعالى بارك ما بين العريش و الفرات و فلسطين، و خص فلسطين بالتقديس."

وقوله تعالى: {و التين و الزيتون . و طور سينين . و هذا البلد الأمين} ، ( 1 - 3

قال كثير من المفسرين : التين بلاد الشام (أي سوريا)، و الزيتون بلاد فلسطين {و طور سينين} الذي كلم الله موسى عليه، {و هذا البلد الأمين} مكة.

عن أبي الدّرْدَاءِ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: فُسْطَاط المُسْلِمِينَ يَوْمَ المَلْحَمَةِ بالْغُوطَةِ إلَى جَانِبِ مَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشّامِ وفي رواية ثانية: قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( يوم الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين بأرض يقال لها الغوطة فيها مدينة يقال لها دمشق خير منازل المسلمين يومئذ ) وفي رواية أخرى عند أبي داود قال : ( يقال لها دمشق من خير مدائن الشام ) وقد صححهاالألباني رحمه الله ، والغوطة هي المنطقة المحيطة بدمشق من شرقها تقريبا وهي في محافظة ريف دمشق الآن

أيها المسلمون ...

لقد صرح مساعد المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر: "وجود هذه المجموعات المتطرفة في سوريا يشكل بالنسبة لنا مصدر قلق".

إن السكوت عن الأفعال أو القرارت التي تأخذها أمريكا وتريد أن تجعلها مقاييس للسياسة وللقتال ضد دين الله الإسلام، يجرِّئها على الولوغ أكثر في دماء المسلمين، وعلى العبث أكثر في مصائرهم، وبخاصة في هذا البلد الثائر الذي جعل قِبْلته الإسلام،

أيها المسلمون من بلاد الشام وأرض المسرى والمسجد الأقصى ... عقر دار الخلافة القادمة بإذن الله ...

ومن هذا البلد القوي التقي بإذن الله فإننا نقول لأمريكا وللعالم أجمع كيدوا ما تكيدون ، فلن تجدوا أمامكم في الشام إلا الخلافة ، فارتقبوا فإنّ لها معكم شأنا .ونقول للثوار الأبطال الذين يقاتلون دفاعاً عن مقدساتهم وأهاليهم وديارهم، والذين اتخذوا من أحكام الشرع الحنيف مقياساً لأعمالهم وتصرفاتهم، نقول لهم: لا تلفتنكم تلك القرارت والمؤتمرات ، عن غايتكم العظيمة، وأقبلوا متوكلين على الله لإتمام ما بدأتموه ، لتحكيم شرع ربكم، ولإعلاء راية لا إله إلا الله محمد رسول الله في دولة الخلافة على منهاج النبوة، فدولة الخلافة وحدها ، التي ستعلم أمريكا والعالم أجمع ، الأدب مع دين الله الإسلام، ومع مقام نبي الرحمة محمد عليه الصلاة والسلام، وهي التي ستعلمهم مقاييس السياسة المبدئية والقتال الشريف، وتقطع أيدي القوم عن التدخل في شؤون المسلمين،

أخرج ابن ماجة و الحاكم و صححه و ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: "إِذَا وَقَعَتِ الْمَلاحِمُ خرج بَعْثٌ مِنَ الْمَوَالِي من دِمَشْق هُمْ أَكْرَمُ الْعَرَبِ فَرَسًا وَ أَجْوَدُهُم سِلاحاً يُؤَيِّدُ اللَّهُ بِهِمُ هذا الدِّينَ".

و أخرج السيوطي و الطبراني أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ و سَلَّمَ قَال: عَقْرُ دارِ الإسلامِ بالشام.

و أخرج أحمد في مسنده: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ و سَلَّمَ إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلا خَيْرَ فِيكُمْ وَ لا يَزَالُ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لا يُبَالُونَ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. والله نسأل أن يجعل ذلك قريباً، قال تعالى: (( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم. والله نسأل أن يجعل ذلك قريباً، قال تعالى: (( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم )).

تم تعديل بواسطه أبو عبد الرحيم
رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل

×
×
  • اضف...