اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

أجبناك يا شيخ مشهور و بان لك الحق فهل ستلتزمه ؟


Recommended Posts

طيب جزاك الله خيرا استاذ ابو مالك ونعم ما صنعت بتغيير العنوان

 

لكن اخي ابو مالك النقطه الثاله هو يطلب فيها دليل متواتر على قاعدة (خبر الاحاد لا يؤخذ بالعقائد ) حتى يعتقد بهذه القاعده وياخذها عقيده وليس على ان خبر الواحد لا يوخذ بالعقائد

 

وهذا نص قوله في النقطه الثالثه

 

 

قيت الثالثة، بقيت ثالثة:

 

نقبل كلامكم ، أن تقول الآحاد أيش؟ العقيدة لا تؤخذ بالآحاد، أنا أقبله لكنني سأعامله بهذه القاعدة فأقول:العقيدة لا تؤخذ بالآحاد عقيدة وللا موش عقيدة؟ الطالب القريب يرد:" عقيدة" الشيخ:" عقيدة"، فأنا لا أقبل كلمة " العقيدة لا تؤخذ بالآحاد" الا بدليل متواتر الطالب من جديد: " نعم"، الشيخ يكرر ": أنا لا أقبل العقيدة لا تؤخذ بالآحاد" اريد على هذه القاعدة دليلا متواترا، من حيث الثبوت و متواتر من حيث الطالب يرد: " الدلالة الدلالة"، الشيخ الدلالة. اذا اتيتني بدليل متواتر على مقولة " العقيدة لا تؤخذ الا بالآحاد" قبلتها. أنا أصبحت مثلك و انا أقبل هذه المقولة. و أنا أول شيء من عقيدتي أريد أن آخذه بالتواتر هو هذه القاعدة. فأتيني بدليل متواتر على هذه القاعدة حتى تستقيم. و الباقي عندكم. ماذا سيقول من تقول له هذا؟ ما عنده جواب. هذه نقاط ثلاثة تغنيك و تخرس خصمك تغنيك و تخرس خصمك و تجعل خصمك لا يحسن .

تم تعديل بواسطه عماد النبهاني
رابط هذا التعليق
شارك

طيب جزاك الله خيرا استاذ ابو مالك ونعم ما صنعت بتغيير العنوان

 

لكن اخي ابو مالك النقطه الثاله هو يطلب فيها دليل متواتر على قاعدة (خبر الاحاد لا يؤخذ بالعقائد ) حتى يعتقد بهذه القاعده وياخذها عقيده وليس على ان خبر الواحد لا يوخذ بالعقائد

 

وهذا نص قوله في النقطه الثالثه

 

 

قيت الثالثة، بقيت ثالثة:

 

نقبل كلامكم ، أن تقول الآحاد أيش؟ العقيدة لا تؤخذ بالآحاد، أنا أقبله لكنني سأعامله بهذه القاعدة فأقول:العقيدة لا تؤخذ بالآحاد عقيدة وللا موش عقيدة؟ الطالب القريب يرد:" عقيدة" الشيخ:" عقيدة"، فأنا لا أقبل كلمة " العقيدة لا تؤخذ بالآحاد" الا بدليل متواتر الطالب من جديد: " نعم"، الشيخ يكرر ": أنا لا أقبل العقيدة لا تؤخذ بالآحاد" .اذا ااريد على هذه القاعدة دليلا متواترا، من حيث الثبوت و متواتر من حيث الطالب يرد: " الدلالة الدلالة"، الشيخ الدلالةتيتني بدليل متواتر على مقولة " العقيدة لا تؤخذ الا بالآحاد" قبلتها. أنا أصبحت مثلك و انا أقبل هذه المقولة. و أنا أول شيء من عقيدتي أريد أن آخذه بالتواتر هو هذه القاعدة. فأتيني بدليل متواتر على هذه القاعدة حتى تستقيم. و الباقي عندكم. ماذا سيقول من تقول له هذا؟ ما عنده جواب. هذه نقاط ثلاثة تغنيك و تخرس خصمك تغنيك و تخرس خصمك و تجعل خصمك لا يحسن .

 

رابط هذا التعليق
شارك

السلام عليكم

 

 

القواعد الكلية والتعاريف الشرعية والاحكام الشرعية كلها شيئ واحد مستنبط من دليل شرعي. فالقواعد الكلية والتعاريف الشرعية احكام كلية,

واما الحكم الشرعي فهو حكم جزئي.ولذلك لا يعتبر اي منها دليلا من الادلة الشرعية بل هو حكم شرعي قد استنبط من دلبل شرعي.

وبالتالي لا يقال ولا يطلب من التعاريف و القواعد الشرعية ان تكون متواترة ولا حتى ظنية لانها ليست هي الادلة الشرعية,بل هي حكم شرعي

قد استنبط من دليل شرعي,

رابط هذا التعليق
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد أطلعت على ما ذكره الشيخ وذهلت من كلامه لأان من المعروف عند جميع علماء الحديث انه بعد عصر التدوين أنتهى بحث الاسناد فيما كتب لان هذه الكتب أصلا تواترت وانتهى زمن الرواية ولازم قوله أن المصحف احاد حتى بعد النسخ والبخاري احاد حتى بعد النسخ وجميع الكتب كذلك وهذا ما لم يقل به احد من الاولين

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله،

 

أعتذر على التأخير و ذلك لأنني اتابع عدة أمور في نفس الوقت كما و أن الأخوة بارك الله فيهم قد اجابوا باقتضاب عن هذه النقطة.

 

النقطة الثالثة: يريد الشيخ دليلا قطعيا على مقولة " العقيدة لا تؤخذ بالآحاد"...

 

الآيات التي سأوردها هي قطعية الدلالة على تحريم أخذ الظن في العقيدة:

 

"إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى" النجم آية 23

 

"إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنثَى، وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا". سورة النجم 27-28

 

" وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا " سورة يونس 36

 

" وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا "سورة النساء 157

 

" وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ " سورة الأنعام 116

 

 

" كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ " سورة الأنعام 148.

 

" أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ " سورة يونس 66.

 

"قَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ " سورة يونس 68.

 

" وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ". سورة ص 27.

 

" وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ " سورة الجاثية 32.

 

" وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ، وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ" سورة فصلت آية 22-23 .

 

" وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا" سورة الجن آية 7.

 

" وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ" سورة البقرة 78.

 

كل هذه الآيات وردت بالنهي عن الأخذ بالظن في العقيدة و موضوعها جميعا هو العقيدة .

 

الدليل من وجه آخر: ان كان في بعض الأحكام الشرعية لم تقبل شهادة الواحد العدل فهل نقبلها في العقيدة؟

 

والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة النور 4

 

الدليل من اجماع الصحابة : ما قاموا به لاثبات آيات القرآن وقت جمعها فلم يكتفوا بخبر الواحد العدل بل احتاجوا الى أكثر لتثبيته و متى لم يجدوا معه شاهدا تركوه و لو من ابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين... و ليراجع ذلك في أبوابه من علوم القرآن. فكيف نقبل بخبر الواحد في العقيدة؟

رابط هذا التعليق
شارك

طيب ممتاز جدا بارك الله فيكم جميعا الردود كلها ممتازه جزيتم خيرا الاخوه الكرام جميعا

 

لكن الغريب والمستهجن ان بعد كل الادله الدامغات سواء من القران والسنه او اقوال العلماء السابقين ان يوجد بالامه من يفسق واحيانا يكفر على هذه المسأله وكأن من يقول بهذا هم شذوذ بالامه والراجح انه اغلب علماء الامه يقولوا بهذا ان لم يكن جميعهم

 

فلماذا يصر البعض على انكار هذا الامر ويتهمون من يقول به بالشذوذ والانحراف هل هو جهل هؤلاء؟ لا اضن فان المسأله هذه واضحه للجميع ومدونه في امهات الكتب . ام هو حسد ومناكفه من عند انفسهم ؟؟ ام هو عداء على قول المثل عنزه ولو طارت ؟؟؟

 

الله المستعان

بوركت جميعا وبوركت اخ علاء وجعل جهدك في ميزان حسناتك يوم القيامه

تم تعديل بواسطه عماد النبهاني
رابط هذا التعليق
شارك

تحية من عند الله مباركة طيبة لاخي المكرّم علاء لصحة النهج الذي نهجه ودقته، وكذلك لأخي ابي مالك لأنه تابع الموضوع وذهنه معلق باهل الارض وايصال رسالة الاسلام الصحيحة اليهم فعدّّل العنوان، ولصاحب السؤال وسائر الاخوة المشاركين، جعله الله في ميزان حسناتكم وغفر لنا ولكم وألحقكم بالصالحين.

 

قال بعضهم:

 

مما أضرّ بأهل العشقِ انّهمُ......هووا وما عرفوا الدنيا وما فطنوا

تفنى عيونهمُ دمعا وانفسهم.....في اثرِ كلِّ قبيح وجهه حسنُ

 

وهما وان كانا في اهل العشق والهيام، الا ان معناهما ينطبق على واقع الحال

 

في غمرة انتشار الجهل بالاسلام وابتعاد الناس عنه، وفي فترة اضمحلال العلم في اذهان المسلمين، وحين ولد حزبُ التحرير في بيت المقدس في تلك الظروف، صارا لحكام والظلاميون واتباعهم او امثالهم من السّذّج يبحثون في أدبيات او اصدارات حزب التحرير لضربه والنيل منه

 

فكانوا يختارون ويجتزئون منها ما يرون انه ينفّر الناس ويبعدهم عن الحزب، فكان ان وقعوا في امور اذكر منها فقط ما له علاقة بالموضوع

 

أدخلوا عامة الناس ممن لم يحسنوا الصلاة ولم يفقهوا ابسط الاحكام في ابحاث لم يطرقها الا العلماء، بل كبار العلماء، وذلك مثل قضية خبر الآحاد هل يفيد العلم ام لا، وكأنّ كلّ همّهم ان يوقعوا في روعِ الناسِ ان حزب التحرير ضالّ مضلّ، خارج عن الامة؛ الم تلاحظ ان عنوان الموضوع هو صعق حزب التحرير؟!

 

واصل القضية والخلل انما كان عند هؤلاء، وهو جهلهم المطبق باقوال العلماء. ربما علم احدهم او بعضهم بحقيقة المسألة واصر على البهتان العظيم، لكني اجزم ان معظمهم لم يعلموا ولم يفقهوا اقوال العلماء، وانما حركهم ما زرعوا في قلوبهم من الحقد على حزب التحرير،حتى ان بعضهم ليرى في ضربه لحزب التحرير والتنفير منها طاعة لله،

 

الامر يحتاج منكم يا شباب الاسلام ان تنهجوا نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حمل الدعوة، وان تتحلوا بالصبر، وتستشعروا الشفقة والرحمة لعموم شباب المسلمين، فانهم ضحايا تحرك كبير، لا يستطيعون رؤيته من فرط حجمه، فلق ملأ آفاقهم

 

ترفقوا بهم، وارسموا الخط المستقيم بجانب المعوج، واصبروا على أذاهم، وتقربوا بذلك الى الله، فانكم ان فعلتم... كنتم على خطى رسول الله،وكنتم الاقرب الى رياضه في الجنة، وكنتم الاقرب الى الله تعالى

 

"والذين جاؤوا من بعدهم، يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل في قلوبنا غلّا للذين آمنوا، ربنا انك رؤوف رحيم"

 

ألسنا من الذين جاؤوا من بعدهم؟! بلى يا رب

رابط هذا التعليق
شارك

بالنسبة للنقطة الاولى فإن اسناد الحديث لم ينقطع وانما دونت الاحاديث بعد التوثيق فيبقى تصنيف الحديث حسب تدوينه ولو انقطع الاسناد لصارت الاحاديث كلها ضعيفة أو موضوعة ولم يبقى حديث صحيح ولا حتى حسن حسب رأي الشيخ مشهور فلا يبقى هنالك حديث يحتج به لا في العقائد ولا في غيرها فهنا يكون الشيخ مشهور قد الغى السنة ولم يقل بذلك الا القذافي العبيدي اللعين المجرم

رابط هذا التعليق
شارك

نتمنى منك أخي ابا مالك أن لا تحرمنا حضورك و مشاركاتك التي لا تخلو من فوائد و نتمنى أن يعود المنتدى الى سابق عهده شعلة من المواضيع و النقاشات و الدعوة...

رابط هذا التعليق
شارك

  • 3 months later...

بسم الله الرحمان الرحيم

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

يدعي الشيخ مشهور بان احدا لا يستطيع أن برد على هذه الأسئلة التالية: فما رأيكم يرحمكم الله؟

 

1-يعرف الحديث بأنه متواتر لقول احد المحدثين بانه متواتر. و بعد هذا المحدث ينقطع الإسناد فعليه نستطيع أن نقول أن التواتر بعد إنقطاع الإسناد يصبح مرده إلى أحاد.

 

2- من منكم يعرف كتابا في العقيدة لا يوجد فيه إلا القران و المتواتر من الحديث. ألفوا لنا كتابا واحد ليس فيه إلا القران و المتواتر من الحديث.

 

3-العقيدة لا تأخذ بالأحاد. هات لنا بدليل قطعي الثبوت وقطعي الدلالة على هذه القاعدة كي نقول بأن العقيدة لا تأخذ بالأحاد.

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمان الرحيم

انقل ما ورد في كتاب خبر الواحد لايفيد العم ولا يؤخذ به في العقائد للسيد محمد الشوكي عله يكون كافيا في الاجابة على الاسئلة التي لا يمكن الاجابة عنها

بسم الله الرحمان الرحيم

 

والصلاة والسلام على أشرف الأنام وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان الى يوم الدين.

أما بعد:

يزعم من شذ عن قواعد الأصول وجمهرة أهل العلم من الفقهاء والمحدثين والأصوليين، بأن خبر الآحاد يفيد العلم ويؤخذ في العقائد عند أهل السنة قاطبة، وأنه لم يقل خلاف ذلك إلا الجهمية والمعتزلة والجبرية والخوارج.

غير أنه بعد التدقيق في المسألة تبين أنه زعم باطل ليس عليه دليل لا من الكتاب ولا من السنة ولا من إجماع الصحابة، بل تكذبه الأدلة والبراهين، وقد أوردت في عجالتي هذه سبعة وجوه كل وجه فيها كفيل بأن يرد زعمهم هذا.

 

الوجه الأول:

 

وهو التفريق بين الخبر المتواتر وخبر الآحاد من حيث تعريف كل منهما ومن حيث واقعهما في الشريعة عند كل من ذكر المتواتر والآحاد من العلماء، فقالوا: بأن الخبر إما أن يكون كذباً قطعاً وهو الحديث المختلق الموضوع، وإما أن يكون صدقاً قطعاً وهو الحديث المتواتر، وأما أن يحتمل أن يكون صدقاً أو كذباً وهو خبر الآحاد. فالثاني والثالث هما محل البحث هنا.

أما الخبر المتواتر لغة: فهو التتابع أي تتابع شيئين فأكثر بمهلة أي واحد بعد واحد من الوتر، ومنه قوله تعالى {ثم أرسلنا رسلنا تترى}[1].

وأما معناه في الاصطلاح: فهو خبر عدد يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب[2].

وأما حكمه فإنه يفيد العلم واليقين عند كافة الفقهاء[3]، ويكفر منكر الخبر الذي ثبت تواتره، وقد اعتنى غير واحد من العلماء بجمعه وتدوينه كالسيوطي والزبيدي والكتاني.

أما خبر الآحاد: فهو جمع أحد وهو خبر رواه واحد عن واحد مأخوذ من اسمه[4].

وفي الاصطلاح: خبر الواحد ما انحط عن حد التواتر وهو أن يفقد فيه شرط من شروط المتواتر[5].

 

أما حكمه: فهو أنه لا يفيد العلم واليقين ولا يكفر منكره لأنه انحط عن المتواتر وهو قول الغالبية العظمى من العلماء بمن فيهم الأئمة الأربعة كما سنبينه في موضعه إن شاء الله تعالى، وهذا يكذب ادعاء من نفى عنهم وعن تلامذتهم ذلك، فقد وقع لي أكثر من سبعين منهم يقول بهذا القول، ولقد أفردت لهم باباً خاصاً في آخر البحث.

 

الوجه الثاني:

 

الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة على أن خبر الآحاد لا يفيد العلم واليقين.

أما الكتاب: فقوله تعالى {ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} قال أبو بكر الجصاص الحنفي على هذه الآية الكريمة: وفي هذه الآية دلالة على أن خبر الواحد لا يوجب العلم إذ لو كان يوجب العلم بحال لما احتيج فيه الى التثبت، ومن الناس من يحتج به في جواز قبول خبر الواحد العدل ويجعل تخصيصه الفاسق بالتثبت في خبره دليلاً على أن التثبت في خبر العدل غير جائز، وهذا غلط، لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على أن ما عداه فحكمه بخلافه".

ثم هذه الآية من الحجج على من لا يأخذ بمفهوم المخالفة من أن خبر الواحد الفاسق أو العدل لا يفيد العلم.

وقول الله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة}.

 

فالله عز وجل لم يقبل شهادة الواحد في إثبات الزنا بل اشترط أربعة شهود كما دلت على ذلك الآية الكريمة، مما يدل على أن شهادة الواحد لا تفيد العلم ولو كان عدلاً، بل لابد من جمع، واحد بعد واحد حتى يفيد العلم.

وقد احتج بهذه الآية من اشترط أربعة في أقل الجمع الذي يفيد خبرهم العلم وهو المتواتر[6].

فإن قيل بأن هذه حالة خاصة في شهود الزنا فقط بدليل ان الله عز وجل طلب في إثبات القتل أو السرقة شاهدين اثنين.

الجواب: ان هذه حجة أخرى لنا، فإن الله عز وجل طلب في إثبات القتل أو السرقة خبر جمع أيضاً لا خبر واحد، والاثنان جمع، قال عليه الصلاة والسلام "الاثنان فما فوق جماعة"[7]، وبهذا أيضاً احتج بعض العلماء على أن اقل عدد لإثبات المتواتر اثنان[8]. وهو خبر واحد بعد واحد.

وكذلك طلب الشرع في الوصية أن يشهد عليها جمع وهو اثنان وكذلك في الطلاق والزواج وفي إثبات الهلال في الرأي الراجح وفي إثبات الدّيْن.

كل هذا من الأدلة على أن خبر الواحد ولو كان عدلاً لا يفيد العلم واليقين وان أفاد العمل.

وأما السنة:

 

فعدم قبوله صلى الله عليه وسلم بما أخبره الوليد بن عقبة بن أبي معيط بشأن بني المصطلق، حتى أرسل خالد بن الوليد ليتثبت من خبره وفي ذلك نزلت آية التثبت في سورة الحجرات[9].

 

ولا يقال إنما أمر بالتثبت لأن المخبر فاسق لا يقال ذلك لأن المخبر صحابي والصحابة كلهم عدول، ولا عبرة بمن شذ عن هذه القاعدة.

 

وعدم قبوله r لقول ذي اليدين لما قال للنبي r وقد صلى ركعتين في صلاة ظهر فقال له يا رسول الله "أقصرت الصلاة أم نسيت"، فالتفت النبي r يميناً وشمالاً ثم سأل القوم "ما يقول ذو اليدين" فقالوا: صدق لم تصل إلا ركعتين"[10].

 

والشاهد في كلام ذي اليدين أنه جاء على خلاف يقين رسول الله r واليقين لا يقاومه ظن أو شك بل لابد له من يقين، ولذلك سأل النبي r القوم فقالوا له: صدق ذو اليدين فقام يقين عنده مكان يقين، ولذلك صلى ما سهى عنه وسجد للسهو.

 

وبذلك يثبت أن قول الواحد عند النبي r لا يفيد يقيناً.

ومن مثل هذا الدليل أخذت قاعدة "اليقين لا يزول إلا بيقين" أو "اليقين لا يزول بالظن أو بالشك" والله أعلم.

وأما إجماع الصحابة:-

 

فقد دل إجماع الصحابة رضي الله عنهم على أن خبر الآحاد لا يفيد العلم واليقين ولا يؤخذ في العقائد، وإلا لأثبتوا القرآن بقول الآحاد وهو أحد أركان العقيدة.

 

فقد روى أحمد والطبراني وابن مردوية والبزار بإسناد صحيح عن ابن عباس أن ابن مسعود كان يحذف المعوذتين من المصحف وفي رواية "كان يَحُكُّ المعوذتين" ويقول "لا تخلطوا القرآن بما ليس منه إنهما ليستا من كتاب الله إنما أُمر النبي r أن يتعوذ بهما".

 

قال البزار: لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة[11].

 

ففي هذا دليل واضح على أن الصحابة لم يثبتوا القرآن أو شيئاً منه على أنه قرآن بالآحاد كقول ابن مسعود رضي الله عنه، بل بالقطع والمتواتر.

 

وروى الحاكم في المستدرك وغيره عن كثير بن الصلت قال: كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف فمروا على هذه الآية فقال زيد سمعت رسول الله r يقول "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" فقال عمر: "لما أنزلت هذه أتيت رسول الله r فقلت أُكتبنيها" قال شعبة: فكأنه كره ذلك، فقال عمر ألا ترى أن الشيخ إذا لم يُحصن جلد وان الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم"[12].

وفي رواية الموطأ: قال عمر رضي الله عنه "لولا أن يقال بأني زدت في القرآن لكتبتها" وفي رواية أخرى له "لولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبتها فإنا قد قرأناها"[13].

ومع ذلك فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يثبتوا هذه الجملة آية في كتاب الله تعالى لأنها لم تثبت بالقطع بل بالآحاد وهو ظن.

وروى الإمام مالك في الموطأ عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "كان فيما أنزل عشر رضعات متتابعات يُحرمن فنسخن بخمس رضعات فتوفي رسول الله r وهو فيما يتلى من القرآن"[14].

غير أن هذه الجملة أيضاً لم تثبت آية في كتاب الله لأنها لم تثبت بالقطع بل بالآحاد وهو ظن.

وقد جمع ابن ألانباري وابن أبي داوود في كتابيهما المصاحف عشرات الجمل التي وردت في مصاحف آحاد الصحابة ولم تثبت في المصحف الإمام.

ومن ذلك ما جاء في مصحف ابن الزبير "لا جناح عليكم ان تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج".

ومن ذلك ما جاء في مصحف عائشة "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر".

ومن ذلك ما جاء في مصحف أبي بن كعب "فصيام ثلاثة أيام متتابعات في كفارة اليمين".

وغير ذلك من الجمل، إلا أن الصحابة رضي الله عنهم قد أجمعوا على أنها ليست قرآناً بدليل أنهم لم يثبتوها في المصحف الامام وهو الذي بين أيدينا ولا يصح أن نقول بأنها قرآن لأنها لم تثبت بالتواتر والقطع بل بالآحاد والظن.

ثم قاموا بتصرف لافت للنظر يبين لنا أنها ليست قرآناً، أنهم وافقوا عثمان بن عفان رضي الله عنه على حرقه كل مصاحف آحاد الصحابة التي خالفت في جملها المصحف الإمام الذي أجمعوا على أنه هو القرآن الكريم. وعلى هذا أهل السنة قاطبة، قال صاحب مسلم الثبوت: ما نقل آحاداً فليس بقرآن قطعاً ولم يعرف فيه خلاف لواحد من أهل المذاهب[15].

وفي هذا الإجماع الفعلي والقولي من أصحاب رسول الله r ومن أهل المذاهب لأكبر دليل على أن عقائد المسلمين لا تثبت إلا باليقين، وكتاب الله عز وجل هو أحد أركان العقيدة الإسلامية الذي استشهدنا به على مسألتنا وهو كاف في الرد على من قال أن الآحاد تفيد اليقين وأنها تؤخذ لإثبات العقائد.

 

الوجه الثالث:- اختلافهم في خبر الآحاد:

ومن الأدلة على أن خبر الآحاد لا يفيد إلا الظن، اختلاف الصحابة ومن بعدهم في إثبات خبر الواحد بين منكر ومتقبل، فلو كان يفيد العلم واليقين لما كان لاختلافهم عليه معنى ولأنكر بعضهم على بعض ذلك، فلما لم يحصل دل ذلك على ما أثبتناه.

 

أما الصحابة رضي الله عنهم:

فجميعهم لم يقبل رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في عدم اعتبار المعوذتين من القرآن كما أثبتناه آنفاً من إجماع الصحابة على عدم اعتبار خبر الآحاد في القرآن الكريم وهو مصدر العقائد الإسلامية.

 

مثال آخر:

ومن الأمثلة الشرعية بل قل الأدلة من أفعال وأقوال أصحاب رسول الله r دون إنكار من أحد منهم مما يدل على جواز الاختلاف في قبول خبر الآحاد أو عدمه، ما أُثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عدم قبول رواية حفصة أم المؤمنين في قوله تعالى {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} فزادت رضي الله عنها "وصلاة العصر" فقال عمر: ألك بهذا بينة قالت: لا، قال: فوالله لا ندخل في القرآن ما تشهد به امرأة بلا إقامة بينة.[16]

 

مثال آخر:

ردُّ عمر رضي الله عنه لخبر فاطمة بنت قيس في حكاية النفقة والسكنى للمبتوتة، فقد روى الإمام مسلم وغيره عن الشعبي أنه حدث بحديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله r لم يجعل لها سكنى ولا نفقة. قال عمر: لا نترك كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت لها السكنى والنفقة وتلا قول الله تعالى {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}.

وكذلك أنكرته عائشة رضي الله عنها.[17]

مثال آخر:-

 

أنكرت عائشة رضي الله عنها خبر ابن عمر رضي الله عنه "في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه" فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله r قال: ان الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" فلما بلغ ذلك عائشة رضي الله عنها قالت: والله ما قال رسول الله r قط أن الميت يعذب ببكاء أحد.

وفي رواية للبخاري عن عمر رضي الله عنه، فقالت عائشة رضي الله عنها: يرحم الله عمر والله ما حدث رسول الله r "أن الله يعذب المؤمن ببكاء أهله عليه"[18].

مثال آخر:

روى البخاري رحمه الله عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "أتى النبي r سُباطة قوم فَبالَ قائماً ثم دعا بماء فجئته بماء فتوضاً" لكن عائشة رضي الله عنها أنكرت ذلك: فقد روى الحاكم وابن عوانه في صحيحيهما أنها قالت: ما بالَ رسول الله r قائماً منذ أنزل عليه القرآن، وقالت: من حدثكم أنه كان يبول قائماً فلا تصدقوه[19].

مثال آخر:

في رؤية النبي r ربه ليلة المعراج وهو من المغيبات عنا فقد روى النسائي والحاكم بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد".

وحكى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن أنه حلفَ أن محمداً رأى ربه.

وأخرج ابن اسحق أن ابن عمر أرسل الى ابن عباس: "هل رأي محمد ربه؟ فأرسل اليه: نعم".

غير أن عائشة رضي الله عنها أنكرت ذلك إنكاراً شديداً فقالت: "من حدثكم أن محمداً رأى ربه فقد كذب"[20].

مثال آخر:

روى الإمام مسلم وغيره عن النبي r أنه قال "يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب".

فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فأنكرته وقالت: "قد شبهتمونا بالحمير والكلاب" وفي رواية "عدلتمونا بالكلاب والحمير" وفي رواية "جعلتمونا كلاباً"[21].

مثال آخر:

روى البخاري ومسلم عن عاصم قال: قلت لأنس بن مالك: أبلغك أن النبي r قال لا حلف في الإسلام؟ فقال: قد حالف الني r بين قريش والأنصار في داري. وفي رواية مسلم "في داره".

قال ابن حجر العسقلاني: وتضمن جواب أنس إنكار صدر الحديث لأن فيه نفي الحلف وفيما قاله هو إثباته[22].

فهذه الأمثلة كافية في الاستدلال على أن أخبار الآحاد لا تفيد عند الصحابة إلا الظن وإلا لما ساغ لهم الاختلاف في قبولها وردها على مرأى ومسمع منهم دون إنكار من أحد منهم ذلك.

 

ثم هناك أمثلة أخرى كثيرة أيضاً في عدم قبولهم رواية الواحد إلا ببينة مما يدل أيضاً على أن خبر الواحد لا يفيد عندهم إلا الظن.

من ذلك:

ما رواه الترمذي وأبو داوود وغيرهما واللفظ له عن قبيصة بن أبي ذؤيب قال جاءت الجدة الى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها: فقال: مالك في كتاب الله تعالى شيء، وما علمت لك في سنة نبي الله r شيئاً، فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله r أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن سلمة فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة، فأنفذه لها أبو بكر[23]".

ومن ذلك:

ما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه استأذن على عمر رضي الله عنه ثلاثاً فكأنه وجده مشغولاً فرجع، فقال عمر: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس، إئذنوا له، فدعي له فقال ما حملك على ما صنعت فقال: إنا كنا نؤمر بهذا، فقال: لتقيمن على هذا بينة أو لأفعلن بك، فخرج فانطلق إلى مجلس من الأنصار، فقالوا لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا، فقام أبو سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: كنا نؤمر بهذا، فقال عمر: خفي علي هذا من أمر رسول الله r ألهاني عنه الصفق بالأسواق[24].

ومن ذلك:

ما رواه الإمام احمد وأبو داود وغيرهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله r حديثاً نفعني الله منه ما شاء إن ينفعني، وإذا حدثني أحد من أصحابه استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر رضي الله عنه[25].

إذن فكما ترى فإنه لولا عدم إفادة خبر الآحاد اليقين لما كان هنالك داع لطلب أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم أجمعين البينة والإستيثاق ولو بالحلف من أصحابهم، وهم يعلمون يقيناً أنهم صادقون وانهم لا يكذبون على رسول الله r لأنهم كلهم عدول بإجماعهم.

فإن قيل: بأنهم قبلوا كثيراً من الروايات دون طلب البينة عليها مما يدل على أنها يقينية عندهم ولو كانت أخبار آحاد.

الجواب: أن قبولهم للروايات دون طلب البينة يدل على أنها ثابتة عندهم، إما سماعا مباشرة من فيّ رسول الله r وهذه بالنسبة لسامعها تفيد اليقين عنده، وإما أنها تواترت بينهم تلك الرواية ولو بالمعنى، ولذلك لم يسألوا البينة عليها، ولا تسمى هذه الروايات أخبار آحاد عندهم ولا تنطبق عليها أحكامها.

ثم ان استدلالنا بالأمثلة الآنفة عن أبي بكر وعمر وعلي في طلبهم البينة والاستيثاق من الرواية ليس لإثبات أن خبر الرجلين أو الثلاثة يفيد العلم واليقين فليس هذا موضعه، بل للدلالة على أنه لو كان كل خبر واحد يفيد اليقين عندهم لما سألوا البينة عليه ولما سكتوا على ذلك، وهذا هو محل الشاهد الذي أردناه من هذه الأمثلة الأخيرة.

 

اختلاف العلماء من بعد الصحابة:

أما بالنسبة للعلماء من بعد الصحابة فحدث ولا حرج حول اختلافهم في قبول ورد أخبار الآحاد والتي لم تبلغ التواتر واليقين اتفاقاً، مما يدل على أن غير المتواتر هو خبر آحاد وأنه لا يفيد العلم واليقين، وهو يفيد العمل لا الاعتقاد وإلا لما جاز لهم أن يختلفوا عليها، وهذه كثيرة جداً يلزمها مجلدات وهي معروفة عند أصحابها وعند أهل الفقه والحديث، لكننا سنضرب بعض الأمثلة منها على سبيل الذكر والاستشهاد.

من ذلك:

أنهم اختلفوا في حديث "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به" أورده النووي في الأربعين وقال حديث حسن صحيح رويناه من كتاب الحجة بإسناد صحيح.

وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه الحسن بن سفيان وغيره ورجاله ثقات[26].

وقال ابن رجب الحنبلي: تصحيح هذا الحديث بعيد جداً[27].

واختلفوا في حديث "ان الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"

قال النووي: حديث حسن رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما. وأخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما.

وقال أبو حاتم الرازي: ولا يصح هذا الحديث ولا يثبت إسناده وأنكره الإمام أحمد، وقال ابن كثير: إسناده جيد[28].

واختلفوا في حديث "لا ضرر ولا ضرار".

قال الحاكم صحيح الإسناد، وحسنه النووي.

وقال الحافظ خالد بن سعيد الأندلسي: لم يصح حديث "لا ضرر ولا ضرار سندا"[29].

واختلفوا في حديث "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن".

قال علي بن المديني: انه لم يثبت، وصححه ابن حبان[30] واختلفوا في حديث "لا تقام الحدود في المساجد ولا يستقاد فيها" رواه احمد وأبو داود بسند ضعيف.

وقال ابن حجر في التلخيص: لا بأس بإسناده[31].

واختلفوا في حديث "من جعل قاضياً بين الناس فقد ذبح بغير سكين" حسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة، وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح[32].

واختلفوا في حديث "مقارنة قبلة الصائم في رمضان بالمضمضة" رواه الحاكم وابن حبان وابن خزيمة في صحاحهم.

وقال النسائي: هذا حديث منكر، وكذلك قال الإمام أحمد بن حنبل[33].

واختلفوا في حديث "تلقين الميت" فقواه ابن حجر وضعفه ابن القيم[34].

واختلفوا في حديث "نهى رسول الله r عن صوم عرفه" صححه ابن خزيمة والحاكم وضعفه العقيلي[35].

واختلفوا في حديث "استفت قلبك البر ما اطمأنت إليه النفس…" حسنه النووي وضعفه ابن رجب[36].

واختلفوا في حديث "أفعمياوان أنتما".

قال ابن حجر: حديث مختلف في صحته، وقال الترمذي: حسن صحيح[37].

واختلفوا في حديث "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان".

قال الترمذي: حديث صحيح، وصححه الحاكم وابن خزيمة وضعفه العراقي ومغلطاي[38].

 

واختلفوا في حديث "تفترق أمتي إلى بضع وسبعين فرقة" قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال ابن حزم: انه لا يصح[39].

 

واختلفوا في حديث "طلب العلم فريضة على كل مسلم". فصححه السيوطي، وقال السخاوي له شاهد عند ابن شاهين بسند رجاله ثقات، وحسنه الحافظ المزي، وقال ابن القطان: لا يصح فيه شيء. وقال النووي: ضعيف[40].

 

واختلفوا في أحاديث تحريم الغناء، فضعفها ابن العربي وابن حزم وصححها غيرهما[41].

 

واختلفوا في حديث "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل".

 

قال ابن كثير وقد تكلم بعض أهل العلم فيه، قال ابن جريج: ثم لقيت الزهري فسألته فأنكره، فضعفوا هذا الحديث من أجل هذا الحرف، ثم قال: وقد صحح هذا الحديث علي بن المديني أحد الأئمة[42].

واختلفوا في حديث "مثل أمتي مثل المطر لا يُدرى أوله خير أم آخره" رواه الترمذي وأبو يعلى وغيرهما.

قال ابن عبد البر: ان الحديث حسن، وضعفه النووي[43]، واختلفوا في حديث "ترى الشمس؟ قال نعم، قال: على مثلها فاشهد أو دع" صححه الحاكم وضعفه ابن عدي[44].

 

واختلفوا في أحاديث صحيحي البخاري ومسلم رغم ما زعمه أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله من أنها تفيد العلم واليقين والقطع بصحتها.

 

فمنها: حديث "الاستخارة" رواه البخاري في صحيحه وضعفه الامام أحمد[45].

 

ومنها: حديث "ايما أهاب دبغ فد طهر" رواه الإمام مسلم، وضعفه الإمام احمد.

 

ومنها: حديث "أنه r صلى الكسوف ثلاث ركوعات وأربع ركوعات" رواه البخاري، وضعفه الشافعي.

ومنها: حديث "أن الله خلق التربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الاربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة" رواه مسلم في صحيحه، وضعفه البيهقي[46].

والملاحظ من هذا الحديث أن له علاقة بصفات الله تعالى وهي الخلق والقدرة على الإيجاد من العدم، ومع ذلك فقد اختلف عليه.

ومنها: حديث "أن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" رواه البخاري وضعفه أبو الوليد الياجي[47].

وهذا الحديث أيضاً يتكلم عن غيب، وقد وجد من ضعفه وبالتالي فهو لا يحتج به.

ومنها: حديث "فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله سبحانه وتعالى رجله فتقول قط قط" متفق عليه.

قال الجزائري: فهذا الحديث ونظائره وهي كثيرة يبعد على المتكلم أن يقول بصحتها فضلاً عن أن يجزم ذلك[48].

وهذا الحديث أيضاً يتعلق بالغيب وبالذات الإلهية. ومع صحته فوجد من أنكره.

ومنها: حديث" كان للنبي r فرس يقال له اللحيف" رواه البخاري، وقد ضعفه الدارقطني وأحمد وابن معين[49].

ومنها: حديث "يَلقى إبراهيم عليه السلام أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قتره: رواه البخاري في صحيحه، قال الإسماعيلي: هذا خبر في صحته نظر[50].

 

ومنها: قول الحافظ ابن حجر بالجملة حول أحاديث الصحيحين التي انتقدها الحفاظ قال: "وعدةُ ما اجتمع لنا من ذلك مما في كتاب البخاري وان شاركه مسلم في بعضه، مائة وعشرة أحاديث، منها ما وافقه مسلم على تخريجه وهو اثنان وثلاثون حديثاً ومنها ما انفرد بتخريجه وهو ثمانية وسبعون حديثاً"[51].

 

ثم لم يقف الأمر عند هذا الحد من الاختلاف في صحة أخبار الآحاد سواء ما ورد في الصحيحين أو في غيرهما، بل تعداه الى ابعد من ذلك، فمن العلماء من أنكر صراحة أحاديث ثبتت عند غيرهم لأنهم اعتبروها مكذوبة موضوعة على رسول الله r ومنها ما هو في صحيحي البخاري ومسلم.

 

فمن ذلك: ما رواه الإمام مسلم "أن الله تعالى خلق التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل".

قال ابن القيم في كتابه نقد المنقول: فصل: مخالفة الحديث الموضوع لصريح القرآن، قال: ويشبه هذا ما وقع فيه الغلط في حديث أبي هريرة "خلق الله التربة يوم السبت …"[52].

ومن ذلك: ما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي r يا نبي الله ثلاث أعطنيهن قال: نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجكها قال: نعم قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعم، قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم…" قال ابن حزم: هذا حديث موضوع لا شك في وضعه[53].

ومن ذلك أيضاً: ما رواه مسلم في صحيحه "أن النبي r قال: ان طالت بك مدة أوشكت أن ترى قوماً يغدون في سخط الله ويروحون في لعنته في أيديهم مثل أذناب البقر".

أورده ابن الجوزي في موضوعاته عن ابن حبان قال: هذا خبر بهذا اللفظ باطل[54].

ومن ذلك: ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عمر عن النبي r في قوله تعالى {أن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} فقال عليه الصلاة والسلام: سأزيده على السبعين".

قال الغزالي في المستصفى: "إن هذا خبر واحد لا تقوم به حجة في إثبات اللغة".

وقال في المنخول: "على أن ما نقل في آية الاستغفار كذب قطعاً، إذ الغرض منه التناهي في تحقيق اليأس من المغفرة، فكيف يظن برسول الله r ذهوله عنه"[55].

هذا بالنسبة لما ورد في الصحيحين أما فيما سواهما فحدث ولا حرج عن اختلافهم فيها بين منكر لها وبين مثبت، حتى ولو كانت تتعلق بالعقائد كأحاديث معجزة ردّ الشمس للنبي r بعد غروبها في غزوة خيبر.

قال عنه الجوزقاني: منكر مضطرب، وأورده ابن الجوزي في موضوعاته وقد صححه الطحاوي في مشكل الآثار والقاضي عياض في الشفا[56].

ومن أراد الاطلاع على صدق ما نقول فلينظر في كتاب الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني ففيها الكثير من الأحاديث الصحيحة والحسنة التي أنكرها بعض العلماء وعدوها من الموضوعات وقد نبه الشوكاني على ذلك في الكتاب المشار إليه.

وكذلك كتاب الحافظ السيوطي "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" استدرك فيه الكثير من الأحاديث على ابن الجوزي فيما أورده في كتابه الموضوعات الكبرى، وأثبت أنها صحيحة أو حسنة عند غيره.

كما وقد استدرك ابن حجر على ابن الجوزي في موضوعاته ما أورده عن الإمام أحمد من مسنده، بلغت أربعة وعشرين حديثاً، وذلك في كتابه القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد.

وكذلك كتاب المستدرك للحاكم أورد فيه أحاديث على شرط البخاري ومسلم أو أحدهما كما يبدو فيه، إلا أن الحافظ الذهبي تعقبه واستدرك عليه أحاديث كثيرة عدها من الموضوعات.

 

وعلى ما تقدم من الأمثلة التي ذكرناها في هذا الباب من اختلاف العلماء من لدن أصحاب رسول الله r إلى يومنا هذا في روايات الآحاد ولو كانت صحيحة ليدل دلالة قاطعة على أن خبر الآحاد لا يفيد القطع واليقين وإلا لما ساغ لهم مخالفته أو رده ولأنكر بعضهم ذلك على بعض إنكاراً شديداً كإنكارهم على مخالف القطعي والمتواتر، ولما لم يكن ذلك، علم يقيناً أنه لا يُفيد إلا الظن. بل وأكثر من ذلك فقد وجدتهم متفقين على عدم تكفير منكر الآحاد بخلاف المتواتر على ما ذكره عنهم السرخسي والجرجاني وصاحب فواتح الرحموت[57] كما سيأتي بيانه، بل منهم من لم يفسق منكر الآحاد كالقاضي أبي يعلى إلا إذا انعقد الإجماع عليه[58].

 

الوجه الرابع:

 

- لا يجوز الاختلاف في العقائد الثابتة عند المسلمين

هذه مسألة تكاد تكون من البديهيات عند علماء المسلمين والأدلة عليها طافحة وقطعية على نحو قوله تعالى: {إن الذين يكفرون بالله ورسوله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقاً واعتدنا للكافرين عذاباً مهينا}.

وقال أيضاً {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون الى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون}.

وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة عن النبي r أنه قال: "الجدال في القرآن كفر" وفي رواية ثانية صحيحة أيضاً "المراء في القرآن كفر".

 

قال الإمام أبو عمر بن عبد البر رحمه الله والمعنى أن يتمارى اثنان في آية يجحدها أحدهما ويدفعها أو يصير إلى الشك فذلك هو المراء الذي هو الكفر، وأما التنازع في أحكام القرآن ومعانيه فقد تنازع أصحاب رسول الله r في كثير من ذلك، وهذا يبين لك أن المراء الذي هو الكفر هو الجحود والشك كما قال الله تعالى {ولا يزال الذين كفروا في مرية منه} وقال: ونهى السلف رحمهم الله عن الجدال في الله جل ثناؤه في صفاته وأسمائه، وأما الفقه فأجمعوا على الجدال فيه والتناظر لأنه علم يحتاج فيه إلى رد الفروع على الأصول للحاجة إلى ذلك وليس الاعتقادات كذلك"[59].

وقال القاضي أبو بكر بن العربي: التفرق المنهي عنه يحتمل ثلاثة أوجه وذكر الوجه الأول: التفرق في العقائد لقوله تعالى {أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}[60].

أما أخبار الآحاد: فلا يجري عليها هذا الحكم أي ما يجري على العقائد، وما زعموه أنها من العقائد أو تأخذ حكمها فزعم باطل ومردود لعدة أسباب:

 

الأول: لا دليل على أن أخبار الآحاد من العقائد لا من القرآن ولا من السنة ولا من إجماع الصحابة بل قد أثبتت الأدلة آنفاً عكس ذلك.

 

السبب الثاني: إنكار بعض الصحابة ومن جاء بعدهم من العلماء لكثير من أخبار الآحاد، واختلافهم أيضاً في ثبوتها كما أسلفناه لك في الباب المتقدم، فلو كان كما يقولون لما جاز لأحد أن يختلف أو يجادل فيها، ولخطأنا الصحابة الذين نقلوا لنا الدين، ولوقع الخطأ عليه من جراء ذلك، وهذا محال ترده الأدلة القطعية.

 

السبب الثالث: أنه لو كانت أخبار الآحاد من العقائد أو أدلة على العقائد لتضاربت العقائد الإسلامية وأدى ذلك إلى الفرقة المذمومة في الدين، فهناك أخبار آحاد صحيحة تصطدم مع آيات قرآنية أو تتضارب معها، على نحو الحديث الذي رواه الإمام مسلم "ان الله تعالى خلق التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل"[61].

فهذا الحديث تضمن أن مدة التخليق سبعة أيام وهذا يتعارض مع القرآن في قوله تعالى {الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام}.

وعلى نحو حديث الغرانيق العُلى: فقد روى غير واحد من الأئمة والحفاظ بأكثر من طريق وبأكثر من رواية بعدة ألفاظ صححها غير واحد وردها غير واحد، جاء فيها: أن رسول الله r كان بمكة فقرأ سورة "والنجم" حتى انتهى الى قوله تعالى {ومناة الثالثة الأُخرى} فجرى على لسانه: تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى، فقال كفار مكة: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم، فسجد وسجدوا، ثم جاء جبريل عليه السلام بعد ذلك فقال: اعرض علي ما جئتك به، فلما بلغ "تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى" قال جبريل: لم آتك بهذا هذا من الشيطان، فأنزل الله عز وجل {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنّى ألقى الشيطان في أمنيته}[62].

فهذه الرواية وما شاكلها تتعارض مع قوله تعالى {وما ينطق عن الهوى} فتتعارض مع عصمته r في التبليغ.

وعلى نحو الحديث الذي رواه الإمام مسلم وغيره "أن أبوي رسول الله r في النار"[63]. فإنه يتعارض مع قوله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}.

وعلى نحو الأحاديث الصحيحة التي تخبر ان رسول الله r قد سحر على يد يهودي[64].

فإنها تتعارض مع قوله تعالى {والله يعصمك من الناس} وتتعارض مع العصمة في التبليغ لان المسحور لا يعي ما يقول ولا ما يفعل.

وعلى نحو ما رواه الإمام مسلم وغيره عن فاطمة بنت قيس في حكاية السكنى والنفقة للمبتوتة فقالت: "إن رسول الله r لم يجعل لها سكنى ولا نفقة" وهذا يتعارض مع قوله تعالى {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}.

 

وعلى ما تقدم ذكره من الأحاديث التي تتعارض مع القرآن الكريم لا يصح أن يقال بأن أخبار الآحاد تفيد اليقين والاعتقاد، وإلا لتضاربت وتناقضت العقائد الإسلامية وهو مدعاة لوجود الفرقة في الدين وهذا مذموم شرعاً بلا خلاف.

 

والمذهب الصحيح أن الآحاد إذا تعارضت مع القرآن ترد لأنها أخبار ظنية والقرآن قطعي ولا يقاوم الظني القطعي إذا ما أمكن الجمع بينهما.

 

أما تعارض أخبار الآحاد مع بعضها أو مع المتواتر من السنة فهي كثيرة أيضاً مما يدل على أن أخبار الآحاد ليست يقينية ولا عقدية ولا تصلح للعقيدة وإلا لتضاربت العقائد الإسلامية.

فمن هذه الأخبار ما رواه الإمام أحمد في المسند عن عائشة رضي الله عنها: أن يهودية كانت تخدمها فلا تصنع عائشة إليها شيئاً من المعروف إلا قالت لها اليهودية: وقاك الله عذاب القبر قالت: فدخل رسول الله r عليّ فقلت: يا رسول الله هل للقبر عذاب قبل يوم القيامة قال: لا، وعم ذاك، قالت: هذه اليهودية لا نصنع إليها من المعروف شيئاً إلا قالت وقاك الله عذاب القبر، قال: كذبت يهود وهم على الله عز وجل أكذب لا عذاب دون يوم القيامة، قالت ثم مكث بعد ذاك ما شاء الله أن يمكث فخرج ذات يوم نصف النهار مشتملاً بثوبه محمرة عيناه وهو ينادي بأعلى صوته، أيها الناس أظلتكم الفتن كقطع الليل المظلم أيها الناس لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً وضحكتم قليلاً أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر فإن عذاب القبر حق[65].

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رواه أحمد بإسناد على شرط البخاري[66].

فهذا حديث آحاد بإسناد صحيح، مرة ينفي عذاب القبر ومرة يثبته، فلو كان يفيد العلم والاعتقاد كما يزعمون لكان معناه أن نؤمن بالضدين معاً في نفس المسألة وهذا محال عقلاً وشرعاً.

فإن قيل بأن المعنى الأول قد نسخ بالثاني فلا تعارض.

 

الجواب عليه: إن هذا من الأخبار لا من الاحكام، فلا يقع فيها النسخ لأنه إن وقع فمعناه أن أحد الخبرين كذب وهذا محال يخالف عصمته r في التبليغ.

قال الزركشي في البحر: والثاني… وهي المسألة الملقبة بنسخ الأخبار بين الأصوليين، فننظر فإن كان مما لا يمكن تغييره بأن لا يقع إلا على وجه واحد، كصفات الله وخبر ما كان من الأنبياء والأمم وما يكون من الساعة وآياتها كخروج الدجال، فلا يجوز نسخه بالإتفاق كما قاله أبو اسحق المروزي وابن برهان لأنه يفضي إلى الكذب[67].

 

ومن أخبار الآحاد المتضاربة أيضاً ما رواه الإمام مسلم عن جابر وابن عمر في حجة الوداع أن النبي r توجه إلى مكة يوم النحر فطاف طواف الإفاضة ثم صلى الظهر بمكة ثم رجع إلى منى.

وفي رواية أخرى من طريقه أيضاً "أنه r طاف طواف الإفاضة ثم رجع فصلى الظهر بمنى"[68].

 

قال ابن حزم: إحدى هاتين الروايتين كذب بلا شك[69].

وإنما قال ابن حزم هذا الكلام لأنه يقول بأن خبر الآحاد يفيد العلم وعلى قوله فإن الروايتين تفيد العلم واليقين ومعناه الإيمان بالنقيضين، ولكي يخرج من ذلك كذّب إحدى الروايتين ولكن من غير دليل.

 

ومنها أيضاً: ما رواه البخاري ومسلم من حديث الإسراء "وانه كان قبل أن يوحى إليه r "[70].

ومما لا يخفى على أحد أو لا يجوز أن يخفى عليه من أن حادثة الإسراء إنما كانت بعد البعثة وقبل الهجرة بعام واحد فيكون هذا الحديث قد تعارض مع القطعي المتواتر في ذلك فمن يعتقده يكون قد جمع بين النقيضين وهذه عقيدة الجاهلين.

ولذلك فإن العلماء قد وضعوا قاعدة لمثل ذلك وهي أنه إذا تعارض الظني مع القطعي، يرد الظني ويعمل بالقطعي.

 

ومن الأخبار الآحادية المتضاربة أيضاً: ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر أنه سأل بلالاً: "أصلى النبي r في الكعبة؟ قال: نعم، ركعتين بين الساريتين اللتين على يساره… ثم خرج فصلى في وجه الكعبة ركعتين"[71].

فإنه يعارضه ما رواه البخاري أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "لما دخل النبي r البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه".

وفي رواية أخرى من طريق البخاري أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "فدخل البيت فكبر في نواحيه ولم يصل فيه"[72].

ومن الأخبار المتضاربة ما رواه البخاري عن جابر من قصة رجم ماعز، جاء فيها: "فلما أذلفته الحجارة فرَّ فأدرك فرجم حتى مات، فقال له النبي r خيراً وصلى عليه"[73].

غير أن هذا الخبر يتعارض مع الخبر الذي رواه البيهقي في سننه جاء فيه "أنه r لم يصل عليه".

قال البيهقي: ورواه البخاري عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق، وقال فيه فصلى عليه: وهو خطأ[74].

 

ومنها أيضاً: ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r أنه قال: "الإيمان بضع وستون شعبة"[75].

غير أن الإمام مسلم رواه عنه بلفظ "الإيمان بضع وسبعون شعبة"[76].

فهذا تعارض واضح بين الخبرين أو الروايتين وهذا مما يسميه العلماء باضطراب المتن.

 

 

ومنها أيضاً: ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي r صلى بهم صلاة الكسوف أربع ركعات في سجدتين[77].

 

غير أن الإمام مسلم روى ما يعارض ذلك عنها رضي الله عنها أن الشمس انكسفت على عهد رسول الله r فقام قياماً شديداً يقوم قائماً ثم يركع ثم يقوم ثم يركع ثم يقوم ثم يركع ركعتين في ثلاث ركعات وأربع سجدات.

 

وفي رواية ثالثة عنها رضي الله عنها من طريق مسلم أيضاً: أن النبي r صلى ست ركعات وأربع سجدات[78].

وللخروج من هذا التناقض فإن عدة من العلماء لا يصححون رواية مسلم: كالشافعي والبخاري واحمد[79].

ومنها ايضاً: ما رواه البخاري عن ابن عباس أن النبي r "تزوج ميمونة وهو محرم".

 

غير أن هذا يتعارض مع ما رواه الإمام مسلم عن زيد بن الأصم قال حدثتني ميمونة أن رسول الله r تزوجها وهو حلال.

قال الطبري: وأما قصة ميمونة فتعارضت الأخبار فيها[80].

ومن أخبار الآحاد المتضاربة أيضاً: ما رواه الإمام مسلم وغيره عن عبد الله بن عمرو عن النبي r انه قال: إن أول الآيات طلوع الشمس وخروج الدابة ضحى ، فآيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها[81]".

 

غير أن هذا يعارضه الروايات التي يذكر فيها أن أول الآيات ظهور الدجال، فقد روى الترمذي بإسناد حسن صحيح عن أبي هريرة عن النبي r أنه قال: "ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها" وغير ذلك من الروايات التي تقضي بأن ظهور الدجال هو أول الآيات[82].

ثم لو كانت أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها، ومعلوم أنه بعد طلوعها من المغرب يُقفل باب التوبة، لما كان لفتنة الدجال فائدة بعدئذ ونزول عيسى وظهور المهدي وقتلهما للدجال وحكم عيسى عليه السلام الأرض بالشرع كما جاء في الأحاديث الآحادية.

فانظر إلى هذا الاضطراب في هذه الأحاديث، فكيف تصل إلى حد القطع واليقين والاعتقاد وهي تجمع بين الضدين‍‍؟!!.

أما ما قاله ابن كثير رحمه الله من أن ظهور الدجال أول الآيات الأرضية وان طلوع الشمس من مغربها أول الآيات السماوية، هو تأويل للخروج من الضدين ولكنه تأويل من غير دليل.

والأسلم أن يقال: إن هذه كلها أخبار آحاد وهي ظنية وليست عقيدة ولا يثبت بها عقائد، فحينها يمكن تأويلها أو ردُّ بعضها.

ومن الأخبار المتضاربة اختلاف الروايات في كون البسملة آية من القرآن في كل سورة أم لا؟

من ذلك ما رواه الإمام مسلم عن أنس قال: بينما رسول الله r ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسماً فقلت: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: نزلت علي آنفاً سورة "فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم {إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر}

يعارضه ما رواه الإمام مسلم أيضاً عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله r يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين.

ومن طريقه أيضاً عن أنس بن مالك قال: "صليت خلف النبي r وأبي بكر وعمر، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، لا في أول قراءة ولا في آخرها"[83].

وعلى أثر ذلك اختلف العلماء في هذه المسألة اختلافاً بيناً فلو كانت تفيد أحاديثها اليقين لما جاز عليها الاضطراب، ولما جاز الاختلاف فيها.

لذا فإن أحاديث البسملة تبقى آحادية لا تصل إلى حد اليقين والاعتقاد، وإلا كانت يقيناً واعتقاداً أنها آية من القرآن، ويقيناً واعتقاداً أنها ليست آية من القرآن في آن واحد، وهذا جمع بين الأضداد والتناقضات وهو محال في العقيدة الاسلامية، وهو مذهب فاسد.

السبب الرابع: أنه لو كانت أخبار الآحاد عقيدة أو تثبت بها عقيدة لكفَّروا منكر آحادها، بل صرحوا بعدم تكفير منكر الآحاد بخلاف المتواتر وقد نقل هذا بإتفاق العلماء على ما ذكره السرخسي في أصوله[84] والجرجاني في تعريفاته[85] وصاحب فواتح الرحموت[86].

ومن العلماء من لم يفسق جاحده كالقاضي، إلا إذا انعقد الإجماع عليه، فسق جاحده[87]. وهذا معناه أننا لسنا مكلفين بالإيمان بأحاديث الآحاد، لأنه كيف يكون خبر الآحاد عقيدة أو دليلاً عليها، ثم لا يكفر منكره باتفاق العلماء، إلا أن يكون غير عقيدة ولا دليلاً عليها فلا يأخذ حكمها.

 

السبب الخامس: هو انه ليس كل الإسلام أحكاماً عقائدية حتى يكون الآحاد جزءاً من هذه العقائد، بل احتوى الإسلام أحكاماً اجتماعية واقتصادية وجنائية وقضائية وسياسية وعسكرية إلى جانب الأحكام العقائدية، فهذه الأحكام يكون خبر الآحاد فيها حجة بخلاف الأحكام العقائدية.

 

وهذا التفريق مبني على أساس الفرق بين الأحكام العقائدية وبين الأحكام الغير عقائدية من حيث واقع وحكم ودليل كل منها.

فالأحكام العقائدية هي التي تتعلق بالإيمان ومعناه لغة: التصديق، واصطلاحاً: التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل[88].

فإذا كان التصديق عن غير دليل قطعي لا يكون جازماً بل ظنّاً أو شكّاً، لأن الجزم لغة: القطع، يقال: جزم الأمر قطعه قطعاً لا عودة فيه[89].

وإن لم يطابق الواقع يكون جهلاً.

لذا لابد من هذين الشرطين للاعتقاد، الجزم، والمطابقة وإلا كان الاعتقاد أو الإيمان فاسداً.

وأما الأحكام الغير عقائدية، فهي المعروفة عند العلماء بالأحكام العملية أي المتعلقة بأفعال العباد من حيث الحل والحرمة لا من حيث الكفر والإيمان.

والأحكام العقائدية والعملية عندنا كلها أفكار إسلامية فلا إله إلا الله،فكر، {وحرمت عليكم الميتة} فكر أيضاً والفرق بينهما أن "لا إله إلا الله" عقيدة أو أمر يتعلق بالتصديق و "حرمت عليكم الميتة" حكم يتعلق بفعل.

لذا فما طلب الإيمان أو التصديق به هو من الأحكام العقائدية وما طلب العمل بمقتضاه أو به يعتبر من الأحكام العملية.

ومن خلال الاستقراء للنصوص الشرعية من الكتاب والسنة يتبين لنا بوضوح الفرق بين ما طلب الإيمان به وبين ما طلب العمل بمقتضاه، فقوله تعالى {آمنوا بالله ورسوله} وقوله {وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم} وقوله {والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون}.

هذه النصوص واضح فيها طلب الإيمان فقط أي إيمان دون عمل.

وقوله تعالى {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} وقوله {كتب عليكم الصيام} وقوله {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} وقوله {إذا تداينتم بدين فاكتبوه} وقوله {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} وقوله {كتب عليكم القتال وهو كره لكم} وقوله {وبالوالدين إحسانا} وقوله {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}.

إلى غير ذلك من النصوص التي طلب العمل بمقتضاها، فسميت الأحكام المأخوذة من هذه النصوص أحكاماً عملية وسميت تلك أحكاماً تصديقية أو عقائدية أو علمية.

ثم هناك نصوص أخرى من الكتاب تبين هذا الفرق أيضاً، قوله تعالى {ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات} وقوله {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} فعطف العمل على الإيمان دليل على الفرق بينهما، ونظير ذلك قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} وقوله {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} وقوله {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} فواضح الفرق بين الركوع والسجود وبين الصلاة والزكاة وبين العدل والإحسان من حيث المعنى ولو جمع بينهما بواو العاطفة، فذلك كذلك.

وللعلم فإنه قد يقع العطف بين الإسمين ولا يقتضي المغايرة أو الفرق ولكن بقرينة عقلية كانت أو نقلية، تصرفة عن ذلك، كقوله تعالى {رب المشرقين ورب المغربين} فإن هذا يتعارض مع العقل والنقل من أن الرب واحد سبحانه، لذا فلا تعمل الواو هنا عملها في الآيات السابقة والله أعلم.

وقوله تعالى {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} فيه تفريق أيضاً بين الاعتقاد بأن لا إله إلا الله، وبين الاستغفار وهو عمل، لنفس السبب.

وكذلك قوله تعالى {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} دليل على أن الجهاد عمل وليس إيماناً. فيثبت الفرق بينهما لنفس السبب.

أما السنة ففيها أيضاً ما يدل على هذا التفريق، فقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي سأل فيه جبريل عليه السلام: "عن الإسلام والإيمان والإحسان" فكان جوابه r عن الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إلى ذلك سبيلا. وقال عن الإيمان: ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره من الله تعالى.

وعن الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك[90].

فواضح من هذا الحديث الفرق بين الأحكام العملية من الشهادة والصلاة والزكاة والصوم والحج والإحسان في أدائها، وبين الأحكام التصديقية: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى.

قال ابن تيمية: فلما ذكر الإيمان مع الإسلام جعل الإسلام هو الأعمال الظاهرة: الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام والحج، وجعل الإيمان ما في القلب من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وهكذا في الحديث الذي رواه أحمد عن أنس عن النبي r قال "الإسلام علانية والإيمان في القلب[91]"

ومن السنة ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه –أي القرآن- سورة من المفصّل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام.

قال ابن حجر في الفتح: أشارت إلى الحكمة الإلهية في ترتيب التنزيل وان أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة، وللكافر والعاصي بالنار، فلما اطمأنت النفوس على ذلك أنزلت الأحكام ولهذا قالت: ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندعها[92].

فكلام عائشة رضي الله عنها يأخذ حكم المرفوع إلى رسول الله r وواضح فيه التفريق بين أحكام الجنة والنار وهو أحكام عقائدية وتوحيد، وبين الحلال والحرام وهو أحكام عملية.

فهذا الذي ذكرناه من التفريق بين الأحكام التصديقية أو الاعتقادية وبين الأحكام العملية واضح تماماً عند الغالبية العظمى من الفقهاء والأصوليين والمحدثين وهو ظاهر في مصنفاتهم في غير باب ظهوراً لا يخفى على من حباه الله علماً وورعاً في الدين.

فقد قال الحسن البصري "الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل"[93].

وقال ابن رجب الحنبلي: فالذي يتعين على كل مسلم الاعتناء به والاهتمام أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله r ثم يجتهد في فهم ذلك والوقوف على معانيه، ثم يشتغل بالتصديق بذلك إن كان من الأمور العلمية، وان كان من الأمور العملية بذل وسعه في الاجتهاد في فعل ما يستطيعه من الأوامر واجتناب ما ينهى عنه فتكون همته مصروفة بالكلية إلى ذلك لا إلى غيره[94]".

وقال القرافي: "وكذلك جلّ أصول الدين وهي أمور تعلم ولا تعمل"[95].

وقال الجرجاني: "العقائد هي ما يقصد منه نفس الاعتقاد دون العمل"[96].

وقال علاء الدين السمرقندي: ومنها: "أن يرد الخبر في باب العمل فأما إذا ورد في باب الاعتقادات وهي من مسائل الكلام فإنه لا يكون حجة"[97].

وقال ابن الباقلاني: "إن الإيمان في اللغة هو التصديق دون سائر أفعال الجوارح والقلوب"[98].

ولعدم الإطالة من سرد أقوالهم، سأكتفي بذكر عناوين لذلك كما في مصنفاتهم وهي معروفة على ظاهر الكف لمن أرادها.

 

من ذلك:

· تفريقهم للعقيدة وللحكم الشرعي. في التعريف-

فالعقيدة: هي الإيمان.

والحكم الشرعي: هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد.

· إقرارهم الاختلاف في الفروع الظنية دون الأصول القطعية.

· إقرارهم الاختلاف في خبر الآحاد دون المتواتر المجمع عليه كما أثبتناه في صدر الكتاب.

· تفريقهم في تعريف الفقه والأصول.

· تفريقهم بين أدلة الأصول ووجوب أن تكون قطعية، وبين أدلة الفروع فيكتفى فيها بالظن إذا لم يكن قطع، وهو متفق عليه عندهم.

· تكفيرهم لمنكر أصل قطعي أو لما هو معلوم من الدين ضرورة دون الفرع الظني.

· تقسيمهم للشريعة بأنها أحكام وعقائد أو أحكام عملية وأحكام علمية، على نحو ما ذكره ابن رجب وغيره آنفاً.

· تقسيمهم للقرآن: آيات أحكام، آيات قصص، آيات عقائد وغيبيات.

· يفرقون بين الكافر والمسلم في خطاب التكليف أي هل الكفار مخاطبون بأصول الشريعة وفروعها أم بأحدهما دون الآخر.

· أن المخطئ في الفروع مأجور بخلاف الأصول وان المصيب في القطعيات واحد. وأن المخطئ فيها آثم.

· خبر الآحاد يؤخذ في الأحكام دون العقائد كما أثبتناه في آخر الكتاب.

· الأحكام العملية يرد فيها النسخ، بينما العقائد لا يرد فيها النسخ.

· يفرقون بين من يُقتل حدا وبين من يقتل ارتداداً.

· يمنعون التقليد في أصول الدين ويجيزونه في فروع الدين.

إلى غير ذلك من الفوارق التي تدل قطعاً على أنهم يفرقون بين العقيدة وما يتعلق بها وبين الأحكام الشرعية العملية وما يتعلق بها.

أما ما يقوله البعض من أن قسمة المسائل الشرعية إلى أصول وفروع هو بدعة لم تأت بها سنة، فكلام غريب يأباه العلم والعلماء، لأننا بذلك نرد على كل العلماء علمهم وانه بدعة، لأنهم قسموا العلوم الشرعية إلى فقه وأصول فقه، وقسموها إلى حديث وفقه وقسموا الفرض إلى كفاية وعين، وقسموا القرآن إلى آيات أحكام وآيات قصص، وقسموا الأوامر إلى أكثر من عشرين قسماً، وقسموا الحكم الشرعي إلى تكليفي ووضعي، وقسموا السنة إلى متواتر وآحاد، وقسموا الآحاد إلى أكثر من عشرة أنواع، وقسموا القواعد إلى كلية وعامة، وقسموا اللغة إلى نحو وصرف وبلاغة، وقسموا السنة إلى فعلية وقولية وتقريرية وصفة، وقسموا الإجماع إلى فعلي وقولي وسكوتي، وقسموا العلوم إلى سمعية وعقلية، وقسموا الأدلة إلى سمعية وعقلية وقسموا المتواتر إلى لفظي ومعنوي، وقسموا الدلالة إلى التزام وتضمن ومطابقة، إلى غير ذلك من التقسيمات.

فكل هذا لم ترد فيه سنة ولا كتاب ولا إجماع صحابة، فهل يعني أنه بدعة،؟!! فإن كان كذلك فمعناه نسف لكل العلوم وتجهيل لكل العلماء وهذا ما لا يقول به عاقل.

والصحيح أن هذه التقسيمات إنما حصلت بعد استقراء لواقعها والبدعة منها بعيدة، ولا تنطبق مع أحكامها وتعاريفها.

وأما ما يُقال من أن الإيمان قول وعمل، فصحيح لا من حيث أن الإيمان عمل لأن هذا يتعارض مع القرآن والسنة كما علمت آنفاً، بل صحيح من حيث أن العمل دليل على وجود الإيمان لدى الشخص المؤمن الذي يعمل الصالحات ويدل عليه قول النبي r "إذا رأيتم الرجل يرتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان" واقرأوا إن شئتم وتفقهوا في قوله تعالى {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً إن الله غفور رحيم}.

ولذلك قال الحسن "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل" فالعمل يصدق الإيمان لا أن العمل هو الإيمان.

وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام "الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"

فليس معناه أيضاً أن الإيمان والعمل شيء واحد، لأنه يتعارض مع القرآن والسنة في التفريق بين الإيمان والعمل، فلم يبق إلا أن يكون معناه أن إماطة الأذى ثمرة من ثمرات الإيمان ودليل عليه.

وأقرب شيء للفهم في التفريق بين العقيدة والأحكام العملية واقعاً وحكماً ودليلاً، أن مُخالف العقيدة ومنكرها يكفر بلا خلاف بينما مخالف الأحكام الشرعية المتعلقة بالحلال والحرام أو منكرها فلا يكفر وإنما يكون عاصياً فقط، إلا عند المعتزلة حينما كفروا مرتكب الكبيرة.

ومن ذلك أيضاً أن تعلم أحكام الحلال والحرام مطلوب شرعاً وهو عمل ولا يسمى إيماناً وإلا كان الجهل بها أو عدم تعلمها كفراً ولا يقول بهذا جاهل فضلاً عن أن يقول به عالم.

 

السبب السادس:

ومن الأدلة على أن خبر الآحاد لا يفيد اليقين ولا يؤخذ في الاعتقاد: أن الكثير منها روي بالمعنى أي أن الراوي اجتهد في فهم ما قاله النبي r ثم نقله بلغته حسب فهمه وهذا ظن قطعاً، فلا يمكن أن يقال بأن الحديث الذي رواه الصحابة بالمعنى أنه يفيد اليقين أو أنه يصلح دليلاً على العقيدة وإلاّ كان اجتهاد المجتهدين يفيده وهذا مخالف لصريح السنة التي تقول بأن الاجتهاد فيه خطأ وفيه صواب، فلا يصح إثبات العقائد به.

ومن الأمثلة على كيفية رواية الحديث بالمعنى ما رواه أحمد وبن عبد البَر وغيرهما عن مكحول قال: دخلنا على واثلة بن الأسقع فقلنا حدثنا حديثاً ليس فيه تقديم ولا تأخير، فغضب وقال: لا بأس إذا قدمت وأخرت إذا أصبت المعنى.

وروى ابن ماجة وغيره عن أنس t كان إذا حدَّثَ عن النبي r حديثاً قال: "أو كما قال". ومن طريقه أيضاً عن ابن مسعود t أنه حدَّثَ عن النبي r حديثاً فقال: أو قريباً من ذلك، أو فوق ذلك، أو دون ذلك.

هذا معنى قولهم رواية الحديث بالمعنى.

 

 

 

الوجه الخامس:

-وهو ما ظنوه دليلاً وليس بدليل-

أما ما ظنوه دليلاً على أن خبر الواحد من العقائد ويفيد اليقين فهو وهم لا يرتقي حتى إلى الظن، مع أن المسألة تحتاج إلى دليل قطعي لا ظني ويشترط أن يكون ذلك في الثبوت والدلالة حتى لا يتطرق إليه الظن أو الشك، لأنها عقيدة أو ينبني عليها عقيدة.

فمما ظنوه دليلاً: ما روي في الصحيحين واللفظ للبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما بعث النبي r معاذاً إلى اليمن قال له: انك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم[99].

فهذا الحديث لا يصلح دليلاً في العقائد وذلك من عدة وجوه:

أولها: أنه خبر آحاد ولا يفيد إلا الظن، فلا يصلح أن يكون عقيدة ولا دليلاً عليها كما أثبتناه لك قبل قليل.

ثانيها: أن الرواية في دعوتهم إلى التوحيد، لا في إثبات التوحيد، بدليل أنه قال له: "فإذا عرفوا ذلك" وفي رواية مسلم "فإذا عرفوا الله تعالى" ومعلوم أن معرفة الله تعالى لا تنال إلا بالنظر لأنه لا تقليد في العقائد، فقد نعى الله تعالى على من قلد في العقائد وذمه ذماً شديداً فقال عز وجل {إنا وجدنا آباءَنا على أُمة وإنا على آثارهم مقتدون قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءَكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون} وقال أيضاً {قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين} وقال {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين، إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون، قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين} إلى غير ذلك.

ثم بين سبحانه أن معرفته تكون بالنظر والتدبر والتفكر لا بالتقليد فقال عز من قائل {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} وقال {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ان في ذلك لآيات للعالمين} وقال {ان في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} وقال {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت والى الأرض كيف سطحت} وقال {فلينظر الإنسان مم خلق} إلى غير ذلك من النصوص القرآنية التي تلفت نظر الإنسان إلى مخلوقات الله والى استعمال عقله في معرفة خالقها ولذلك نجدها تقول {لقوم يعقلون} {لقوم يتفكرون} وهذا غير التقليد قطعاً.

ثم إن الحديث المذكور قد فرق بين معرفة الله سبحانه وبين الأحكام التكليفية العملية حيث قال: :فإذا عرفوا الله تعالى فأخبرهم ان الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم…" فالأحكام العملية يمكن التقليد فيها بخلاف العقائد فلا يمكن وهذا بإجماع على ما ذكره القرطبي في جامعه[100].

ثالثها: أن الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما فيها اضطراب في المتن، فمرة رويت كما عند البخاري: فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، ومرة رويت كما عند الإمام مسلم: فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، ورويت "فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله".

وهناك اضطراب آخر وقع في إسناد رواية مسلم: قال أبو بكر: ربما قال وكيع عن ابن عباس …….. الحديث، فمرة روي الحديث موصولاً ومرة مرسلاً كما عند مسلم، وفي عرف أهل الحديث أن الرواية المضطربة معلولة لا يحتج بها قال الحافظ الذهبي: المضطرب والمعلل: ما روي على أوجه مختلفة[101].

رابعها: لقد تكلم أئمة الحديث على إسناد البخاري له فإن في سنده الفضل بن العلاء، قال عنه الدارقطني: "كثير الوهم"[102].

فعلى شرط الدارقطني يكون الحديث ضعيفاً عنده، فلا يفيد العلم واليقين عنده من باب أولى.

 

خامسها: أن هذه المسألة لا ينفع معها خبر التواتر إذ لا يلزم الكافر في شيء أن يأتيه ألف شخص أو أكثر فيخبرونه أن محمداً r نبي ورسول أو أن يخبروه أن القرآن كلام الله وأنه أنزله على محمد r، ما لم تقم الحجة عليه في ذلك.

 

فالمسألة إذن في إثبات كون العقيدة عقيدة لا في مجرد التبليغ أو الأخبار عن وجودها، ولذلك لم تقم الحجة على كفار مكة لمجرد سماعهم بنبوة محمد r من الصحابة بل جاؤوهم بالمعجزة التي أثبتت لهم نبوته r وحاجوهم بها، فآمن من آمن منهم وكفر من كفر.

سادسها: على فرض خلو الرواية من الضعف والاضطراب والتأويل، فإن إرسال النبي r معاذاً إلى اليمن كان مرة واحدة، وذلك قبل حجة الوداع كما ذكره المؤرخون[103]، ولم يرجع منها إلا في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين وهذا يعني أن اليمن كانت دار إسلام فقد فتحها خالد بن الوليد وعلي بن أبي طالب ومعهم جيشهم الذي بلغ مبلغ التواتر فلم يُرسل معاذاً إليها إلا قاضياً ومعلماً وكان على راس وفد وكان بها مسلمون كثر، فيرتفع الأشكال ويسقط الاحتجاج بالرواية المذكورة، في هذا الموضوع لأن عدد المسلمين الذين حضروا اليمن مضافاً إلى قادتهم في الفتح والى معاذ ووفده يكون قد بلغ مبلغ التواتر، وخبرهم يفيد القطع، فلا معنى بعد هذا لقولهم أنه دعاهم r إلى العقيدة بخبر واحد –والله أعلم-.

 

ومما ظنوه دليلاً وليس بدليل أيضاً هو الأمر بالتحول عن القبلة فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن النبي r قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أُمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة"[104].

فهذا الاستدلال مردود أيضاً من عدة وجوه:

الأول: أنه على فرض أن المسألة يقينية عقائدية مع أنها ليست كذلك، فاليقين والاعتقاد لا يثبت بخبر الواحد، والدليل على ذلك كما علمت من كون الصحابة رضي الله عنهم قد أجمعوا على عدم قبول خبر الواحد في إثبات القرآن وهو أساس العقيدة ولا أعلم خلافاً في ذلك بين الفقهاء والمحدثين والأصوليين.

الثاني: أن مسألة التحويل عن القبلة ليست مسألة إيمانية أو عقائدية بل هي عملية تطبيقية فلا يلزمها الدليل القطعي بل يكفي فيها الدليل الظني كخبر الواحد، وأكبر دليل على أنها ليست مسألة تصديقية أو عقائدية أن تحويل القبلة يعتبر نسخاً والنسخ لا يقع في العقائد بل في الأحكام العملية.

الثالث: إن استدلالهم بخبر واحد لإثبات أن خبر الواحد يفيد العلم واليقين يعتبر دوراً ولا يصح الاعتماد عليه، فلابد من دليل قطعي كالقرآن والمتواتر لإثبات كون خبر الواحد يفيد العلم واليقين.

الرابع: أن تحويل القبلة ونسخها كان بالقرآن لا بالسنة كما يتوهم البعض، وان تبليغ المصلين في قباء كان على هذا الاعتبار فقد جاء في الرواية "قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة" وفي رواية الإمام احمد وأبي داوود عن أنس قال: إن رسول الله r كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت، {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام} فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعة فنادى ألا أن القبلة قد حولت فمالوا كما هم نحو الكعبة[105].

الخامس: أن النبي r لم يأمر ذلك الرجل بالتبليغ وإنما الذي حصل أنه تطوع بذلك ولم ينكر عليه صنيعه، وما حصل من أهل قباء هو أنهم يعرفون تماماً أن ما فعلوه هو حكم شرعي عملي وليس عقائدياً ولا يتوقف على دليل قطعي فاكتفوا بنقل آحادهم في هذا الموضوع وان لم يؤمر بذلك، لأنهم يغلبون صدقه على كذبه ولذلك كان ما كان منهم رضي الله عنهم أجمعين.

لذا فالاستدلال بخبر تحويل القبلة في هذا الموضوع استدلال من غير دليل فموضوعنا هو في إثبات أن خبر الواحد يفيد علماً وعقيدة، وخبر الرجل ويسمى عباداً لم يفد إلا عملاً فلم يفد عقيدة، فلو أن أحداً من أهل قباء لم يطعه لم يكفر بدليل أن النبي r لم يأمر أحداً منهم بإعادة ما صلى من تلك الصلاة قبل البلاغ ولم يأمرهم بأن يتوبوا ويستغفروا، والله تعالى أعلى واعلم وإليه المصير.

ومما ظنوه دليلاً وليس بدليل أيضاً: حديث "إنما الأعمال بالنيات" فقالوا بأن هذا الحديث وهو خبر آحاد قد احتج به العلماء في العقائد معتبرين أن النية محلها القلب وان العقيدة محلها القلب إذن فالنية هي العقيدة أو تأخذ حكمها.

غير أن هذا مردود وباطل لعدة وجوه أيضاً:

الأول: لم يقل أحد من أهل العربية أن النية هي العقيدة أو أنها الإيمان لا لفظاً ولا معنى، وإنما قالوا إنها: القصد ومحلها القلب.

الثاني: إن العقيدة إذا انعقد القلب عليها صارت إيماناً ولا يصح الرجوع عنها بل الرجوع عنها يعتبر كفراً، بينما لا يسمى الرجوع في النية كفراً ولا معصية، بل ربما يباح الرجوع في النية أحياناً ولو كانت في العبادات، كصلاة وصوم النافلة، كما لا يسمى العمل من غير نية كفرا، بل باطلاً أن توقفت صحته على النية وصحيحاً إذا لم تشترط فيه النية كرد المغصوب والأمانات وكالطلاق والعتاق والنكاح.

الثالث: أنه لابد في الحديث من حذف مضاف وقد اختلف الفقهاء في تقديره فالذين اشترطوا النية في الأعمال قدروه على النحو التالي: "إنما صحة الأعمال بالنيات" والأعمال كما هي أعمال القلب هي أيضاً أعمال الجوارح والحديث يشملها، فلا مجال إذن لحصرها في أعمال القلب[106]، بل قد قال الشافعي رحمه الله بأن هذا الحديث يدخل في سبعين باباً من الفقه[107].

 

فعلى هذا التقدير تتعلق النية في صحة الأعمال لا في كمالها وهذا لا يصح في الاعتقاد إذ عدم الكمال فيه يعني النقص وهذا كفر والعياذ بالله، فلم يبق إلا أن نقول بأن هذا الحديث ليس عقيدة ولا يثبت به عقيدة من هذا الوجه أيضاً.

الرابع: إن الإخلاص في العمل ليس من الإيمان بل من الإحسان كما جاء في الحديث الصحيح حيث سُئل عن الإحسان فقال: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" هكذا هي صور الإخلاص.

وقال ابن تيمية: فمن قال إن الأعمال الظاهرة المأمور بها ليست من الإسلام، فقوله باطل، بخلاف التصديق الذي في القلب، فإن هذا ليس في النصوص ما يدل على أنه من الإسلام، بل هو من الإيمان، وإنما الإسلام: الدين كما فسره النبي r بأن يسلم وجهه وقلبه لله، فإخلاص النية لله إسلام وهذا غير التصديق، ذلك من جنس عمل القلب، وهذا من جنس علم القلب[108].

الخامس: كيف يكون هذا الحديث عقيدة أو يفيد اليقين وهو خبر آحاد ولا يكفر منكره بخلاف القرآن والمتواتر من السنة، فمنكر المتواتر من القرآن والسنة يكفر، لأن هذا ثبت بالقطع واليقين فهو عقيدة، وذاك لم يثبت بالقطع بل بالظن فافترقا.

 

ومما ظنوه دليلاً وليس بدليل أيضاً: قول الله تعالى {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}. معتبرين أن أقل عدد الطائفة واحد والإنذار يتعلق بذكر الجنة والنار وهما عقيدة فيكون خبر الواحد قد استعمل في العقائد، وهذا القول مردود أيضاً من وجهين.

الأول: أنه ليس من المتفق عليه أن أقل عدد الطائفة واحد بل قالوا بأن أقل عددها اثنان فما فوق، فاضطرب الاستدلال بهذه الآية في هذا الموضوع.

الثاني: إن الطائفة في هذه الآية عدد يفيد الجمع لا شخصاً واحداً بدليل ضمير الجمع في قوله تعالى "ليتفقهوا" وقوله "لينذروا".

 

ومما ظنوه دليلاً وليس بدليل: قوله تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم} معتبرين أن كل ما جاءنا به النبي r هو علم وقطع في حقنا لا ظن فيه.

غير أن هذا الاستدلال مردود أيضاً من عدة وجوه:

الأول: إن هذه الآية ظنية الدلالة، فمن معانيها ما رواه الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما: "لا ترم أحداً بما ليس لك به علم".

ومن طريقه أيضاً عن ابن الحنفية قال: شهادة الزور.

قال الطبري: وهذان التأويلان متقاربا المعنى، لأن القول بما لا يعلمه القائل يدخل فيه شهادة الزور، ورمي الناس بالباطل وادعاء سماع ما لم يسمعه ورؤية ما لم يره[109].

وعليه يمكن أن لا تكون الآية في التبليغ عن الوحي بل هي في الشهادات وما يتعلق بها.

الثاني: على فرض أن الآية في التبليغ أو في التشريع فهي فيما طريقة العلم والقطع كأصول الدين، لا في كل أحكام الشريعة بدليل أن الكثير من فروع الشريعة يكتفى فيه بالظن كالأحكام المبنية على الاجتهاد والكثير من الأحكام المبنية على القياس، فهذا كله يكفي فيه الظن أو على الأكثر غلبة الظن.

الثالث: على فرض أيضاً أنها في التشريع فيحتمل أن تكون خاصة بالنبي r أي لا تقل شيئاً برأيك واجتهادك وهذا يتفق مع كونه r لا ينطق عن الهوى، بخلاف غيره من الأُمة فإنه يمكنه أن يقول في الشرع باجتهاده، ولو أخطأ فلا شيء عليه، بل له الأجر، ففي الحديث الصحيح "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وان اجتهد فأخطأ فله أجر"[110] وهذا كله ظن لا قطع ولا يقين فيه.

ومما ظنوه دليلاً وليس بدليل أيضاً: انهم ادعوا أن السنة كلها أخبار آحاد ليثبتوا أن العقائد تثبت بالآحاد لا بالتواتر وهذا استدلال مردود أيضاً لعدة وجوده:

الأول: أن الآحاد هو ما رواه واحد عن واحد، والتواتر: هو ما رواه واحد بعد واحد[111].

وبالنظر والتدقيق في السنة نجد أنها اشتملت على الصنفين، فهناك أحاديث لم يروها إلا واحد عن واحد كحديث "إنما الأعمال بالنيات" وهناك أحاديث رواها واحد بعد واحد كحديث "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" فقد رواه أكثر من ستين صحابياً، فكلهم رووه عن النبي r ولم يروه واحد عن واحد منهم.

الثاني: أن الغالبية العظمى من المجتهدين والمحدثين والأصوليين قد أثبتوا وجود التواتر في السنة ولا يكاد يخلو مصنفٌ من مصنفاتهم من ذكرها أو الإشارة إليها، وقد قام بتتبعها وجمعها غير واحد منهم، كالسيوطي في كتابه الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة، وكالكتاني في كتابه نظم المتناثر في الحديث المتواتر، وكالزبيدي في كتابه اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة، أما ما قاله ابن حبان من أن السنة كلها أخبار الآحاد فهو قول ليس عليه دليل، ويخالف واقع السنة ويخالف الغالبية العظمى من العلماء.

الثالث: أن غير واحد من العلماء قد أثبت وجود الحديث المتواتر في العقيدة، كحديث "من شهد أن لا إله إلا الله وجبت له الجنة" قال بتواتره السيوطي في الأزهار المتناثرة والكتاني في نظم المتناثر.

وكحديث "الحوض" والشفاعة ورؤية الله تعالى في الآخرة قال بتواترها ابن حجر وابن الجوزي.

وحديث الإسراء وان إدريس في السماء الرابعة وحديث انشقاق القمر والنزول قال بتواترها الحاكم.

وحديث اهتزاز العرش لموت سعد قال بتواتره ابن عبد البر.

وحديث حنين الجذع قال بتواتره عياض.

وكحديث "الجمل الذي شكا للنبي صاحبه" قال بتواتره الكتاني[112].

وكحديث "علوه سبحانه فوق سماواته على عرشه" وكحديث "إثبات العرش وكحديث "إثبات الصفات للرب تعالى" قال بتواترها ابن القيم في الصواعق[113].

ومما ظنوه دليلاً وليس بدليل أيضاً: أنهم قالوا بأن ما نقله النبي r عن الوحي هو خبر آحاد، وهذا استدلال لا يقول به من لديه أدنى علم بالفقه والأصول والحديث، وهو تمويه بل جرأة في دين الله، ويكفي أن نقول بأن النبي r معصوم في التبليغ عن الكذب والخطأ وأنه لا ينطق عن الهوى، وهذه الصفات ليست موجودة في أحد بعده فلا مجال البتة لمقارنة أحد من الناس به r .

ومما ظنوه دليلاً وليس بدليل أيضاً: أنهم قارنوا الرواة بالصحابة وهو استدلال مردود، فالصحابة رضي الله عنهم هم أول من سمع من النبي r أقواله وهي في حقهم قطعية لا مجال للظن فيها ما دام قد سمعوها مباشرة منه r .

 

أما بالنسبة لمن بعدهم فقول الصحابة لهم ليس قطعياً لأنهم ليسوا معصومين عن الخطأ إلا بإجماعهم، وهكذا من بعدهم إلى آخر عصر التدوين، ولذلك نشأ علم الجرح والتعديل وعلى ضوئه صححت وضعفت الأحاديث.

 

ومما ظنوه دليلاً وليس بدليل أيضاً: ادعاؤهم الإجماع على أن خبر الآحاد يفيد العلم، وادعاؤهم الإجماع على أن الآحاد يؤخذ في العقيدة، غير أن هذا زعم باطل فقد ثبت منذ عصر التدوين ومنذ عصر الأئمة الأربعة بأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، وأنه لا يؤخذ في العقيدة وقد أوردت في هذه العجالة ما يثبت ذلك في الباب التالي.

 

 

الوجه السادس:

أقوال العلماء في أن خبر الواحد لا يفيد العلم

 

وإليكهم حسب المذاهب المشهورة عند أهل السنة

 

المذهب المالكي:

أول ما نبدأ به ما نسب إلى الإمام مالك رحمه الله في هذا الموضوع. قال أبو الوليد الباجي: ومذهب مالك رحمه الله قبول خبر الواحد العدل وأنه يوجب العمل دون القطع على عينه وبه قال جميع الفقهاء[114].

· وقال في إيصال السالك في أصول الإمام مالك: والنطقي على قسمين، قطعي وظني، فالقطعي منه هو المشاهد أو المنقول بالتواتر والظني هو المنقول بخبر الآحاد الصحيح وهو حجة ظنية والقطعي حجة قطعية[115].

فائدة:

ومما يدل على أن خبر الآحاد لا يفيد العلم عند الإمام مالك انه كان يرده إذا تعارض مع عمل أهل المدينة على ما ذكره عنه القاضي عياض وسحنون، ومثلوا لذلك بحديث " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" فرده لتعارضه مع عمل أهل المدينة[116].

 

· وقال ابو اسحق الاسفرائيني عن ابن خويز منداد أن عنده شواذ عن مالك لم يعرج عليها حذاق المذهب وذكر منها قوله: أن خبر الواحد مفيد للعلم[117].

 

· وقال أبو عبد الله الشاطبي: وأما الثاني وهو الظني الراجع إلى أصل قطعي فإعماله أيضاً ظاهر، وعليه عامة أخبار الآحاد.

 

وقال أيضاً: رتبة السنة التأخر عن الكتاب في الاعتبار، والدليل على ذلك أمور:

أحدها: أن الكتاب مقطوع به، والسنة مظنونة والقطع فيها إنما يصح في الجملة لا في التفصيل، بخلاف الكتاب فإنه مقطوع به في الجملة والتفصيل، والمقطوع به مقدم على المظنون[118].

· وقال أبو العباس القرافي: باب في خبر الواحد: وهو خبر العدل الواحد أو العدول المفيد للظن.

وقال: وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن.

وقال أيضاً: وخبر الواحد مظنون[119].

 

· وقال أبو بكر بن العربي: أما الثاني: الذي يوجب العمل دون العلم فهو خبر الواحد المطلق عما ينفرد بعلمه، وقال قوم: إنه يوجب العلم والعمل كالخبر المتواتر، وهذا إنما صاروا اليه بشبهتين دخلتا عليهم، إما لجهلهم بالعلم، وإما لجهلهم بخبر الواحد، فإنا بالضرورة نعلم امتناع حصول العلم بخبر الواحد وجواز تطرق الكذب والسهو عليه[120].

· وقال أبو عبد الله القرطبي المفسر: واكثر أحكام الشريعة مبنية على غلبة الظن كالقياس وخبر الواحد وغير ذلك[121].

· وقال أبو العباس القرطبي في المفهم على حديث تحويل القبلة: "فتركوا التواتر بخبر الواحد وهو مظنون"[122].

· وقال القاضي ابن الباقلاني: والآحاد لا تفضي إلى العلم. وقال أيضاً: أعلم وفقك الله أن كل ما يطلب العلم فيه فلا يقبل فيه أخبار الاحاد[123].

· وقال ابن عبد البر: اختلف أصحابنا وغيرهم في خبر الواحد العدل: هل يوجب العلم والعمل جميعاً؟ أم يوجب العمل دون العلم؟

· قال: والذي عليه أكثر أهل الحذق منهم أنه يوجب العمل دون العلم، وهو قول الشافعي وجمهور أهل الفقه والنظر[124].

· وقال الحجوي: والصواب أن خبر الواحد إذا تجرد عن القرائن مفيد للظن خلافاً للظاهرية الذين ادعوا إفادته العلم اليقيني[125].

· وقال الزرقاني: فالحق عدم جواز نسخ القرآن به –أي بخبر الآحاد- للمعنى المذكور وهو أنه ظني والقرآن قطعي والظني أضعف من القطعي فلا يقوى على رفعه، والقائلون بجواز نسخ القرآن بالسنة الآحادية اعتماداً على أن القرآن ظني الدلالة، حجتهم داحضة، لأن القرآن إن لم يكن قطعي الدلالة فهو قطعي الثبوت، والسنة الآحادية ظنية الدلالة والثبوت معاً فهي أضعف منه فكيف ترفعه[126].

 

المذهب الحنفي:

وأول ما نبدأ به ما نسب إلى الإمام أبي حنيفة رحمه الله في ذلك:

· فقد روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا كفارة عليه وان بلغه الخبر لأن خبر الواحد لا يوجب علم اليقين وإنما يوجب العمل تحسيناً للظن بالراوي فلا تنتفي الشبهة به[127].

· ومما اشتهر عن أبي حنيفة أنه كان يرد خبر الواحد إذا تعارض مع القياس أو كان مما عمت به البلوى.

 

· وقال أبو البركات النسفي في كشف الأسرار على المنار: "وأما دعوى علم اليقين به فباطل، لأنا قد بينا أن المشهور لا يوجب علم اليقين، فخبر الواحد أولى وهذا لأن خبر الواحد محتمل في نفسه، وكيف يثبت اليقين مع وجود الاحتمال"[128].

· وقال الكمال بن الهمام في التحرير، وصاحب تيسير التحرير: "والأكثر من الفقهاء والمحدثين، خبر الواحد لا يفيد العلم مطلقاً أي سواء أكان بقرائن أم لا. ثم قال إن خبر الواحد قد يفيد العلم بقرائن"[129].

· ثم قرر في فتح القدير قائلاً: "أن خبر الواحد لا يوجب اليقين بل الظن"[130].

· وقال عبد الحميد الاسمندي: ذهب أكثر الناس إلى أنه لا يوجب العلم أصلاً، وذهب أصحاب الظاهر إلى أنه يوجب العلم.

وقد ناقش الاسمندي هذه المذاهب، وذهب فيها مع الأكثرية كما ومنع من قبول الآحاد في العقائد كما سيأتي ذكره في بابه إن شاء الله تعالى[131].

 

· وقال السرخسي: قال فقهاء الأمصار رحمهم الله: "خبر الواحد العدل حجة للعمل به في أمر الدين ولا يثبت به علم يقين".

ثم قال: "وقد بينا فيما سبق أن علم اليقين لا يثبت بالمشهور من الأخبار بهذا المعنى فكيف يثبت بخبر الواحد"[132].

 

· وقال الخبازي: "ولأن خبر الواحد يفيد غلبة الظن وأنه يوجب العمل لعدم توقفه على اليقين بيقين"[133].

 

· وقال علاء الدين السمرقندي: ومنها –أي أقسام الآحاد- أن يرد الخبر في باب العمل فأما إذا ورد في باب الاعتقادات وهي من مسائل الكلام فإنه لا يكون حجة لأنه يوجب الظن وعلم غالب الرأي لا علماً قطعياً[134].

· وقال أبو جعفر السجستاني: وخبر الواحد: فإنه لا يوجب العلم ويجب العمل تبركاً بنسبته إلى النبي r [135].

· وقال فخر الإسلام البزدوي: وهذا أي خبر الواحد يوجب العمل ولا يوجب العلم يقيناً.

· ثم قال: انا قد بينا أن المشهور لا يوجب علم اليقين فهذا أولى، وهذا لأن خبر الواحد محتمل لا محالة ولا يقين مع الاحتمال، ومن أنكر هذا فقد سفه نفسه وأضل عقله[136].

· وقال عبد العزيز البخاري في شرحه لكلام البزدوي: أي لا يوجب علم يقين ولا علم طمأنينة، وهو مذهب أكثر أهل العلم وجملة الفقهاء[137].

وقال أيضاً: فإن الأدلة السمعية أنواع أربعة: قطعي الثبوت والدلالة كالنصوص المتواترة، وقطعي الثبوت ظني الدلالة كالآيات المؤولة، وظني الثبوت قطعي الدلالة كأخبار الآحاد التي مفهومها قطعي، وظني الثبوت والدلالة كأخبار الآحاد التي مفهومها ظني[138]. وقال ابن عابدين في حاشيته مثل ذلك.

· وقال أبو الثناء الماتريدي: وحكمه –أي خبر الآحاد- أنه يوجب العمل دون العلم[139].

· وقال نظام الدين الأنصاري: الأكثر من أهل الأصول ومنهم الأئمة الثلاثة على أن خبر الواحد ان لم يكن هذا الواحد المخبر معصوماً نبياً لا يفيد العلم مطلقاً سواء احتف بالقرائن أو لا[140].

· وقال أبو بكر الجصاص في كلامه على قوله تعالى {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} قال: وفي هذه الآية دلالة على أن خبر الآحاد لا يوجب العلم إذ لو كان يوجب العلم بحال لما احتيج فيه الى التثبت[141].

 

· وقال الكاساني: وإنما سمينا هذا النوع واجباً لا فرضاً لأن الفرض اسم لما ثبت لزومه بدليل مقطوع به ولزوم هذا النوع من الزكاة لم يثبت بدليل مقطوع به بل بدليل فيه شبهة العدم وهو خبر الواحد[142].

وقال في موضع آخر: "ووجوب المسح على الجبائر ثبت بحديث علي رضي الله عنه وانه من الآحاد فيوجب العمل دون العلم"[143].

 

· وقال أبو زيد الدبوسي: فأكثر الأهواء والبدع كانت من قبل العمل بخبر الواحد وقبوله اعتقاداً أو عملاً بلا عرض له على الكتاب والسنة الثابتة، ثم تأويل الكتاب لموافقة خبر الواحد وجعل المتبوع تبعاً وبناء الدين على ما لا يوجب العلم يقيناً فيصير الأساس علماً بشبهة فلا يزداد به إلا بدعة وكان هذا الضرر بالدين أعظم من ضرر من لم يقبل خبر الواحد…[144].

 

المذهب الشافعي:

وأول ما نبدأ به في ذلك ما نسب الى الإمام الشافعي رحمه الله

· قال أبو بكر الصيرفي: خبر الواحد يوجب العمل دون العلم ونقله عن جمهور العلماء منهم الشافعي[145].

 

وأيضاً ما ذكره ابن عبد البر المالكي قبل قليل ونسبه الى جمهور العلماء وقال: وهو قول الشافعي.

 

وما نسبه أيضاً الأنصاري من الأحناف قبل قليل الى الأئمة الثلاثة يعني: مالكاً وأبا حنيفة والشافعي.

· وقال الحافظ أبو بكر بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي في كتابه تحت عنوان: ذكر شبهة من زعم أن خبر الواحد يوجب العلم وإبطالها.

 

فقال: وأما خبر الآحاد فهو ما قصر عن صفة المتواتر ولم يقطع به العلم وان روته الجماعة.

 

وقال: وأما الضرب الثاني من المسند فمثل الأخبار المروية في كتب السنن الصحاح فإنها توجب العمل ولا توجب العلم[146].

 

· وقال أبو المعالي الجويني المعروف بإمام الحرمين: ذهبت الحشوية من الحنابلة وكتبة الحديث إلى أن خبر الواحد العدل يوجب العلم، وهذا خزي لا يخفى مدركه على كل ذي لب.

وقال: أتجوزون أن يزل العدل الذي وصفتموه ويخطئ؟ فإن قالوا: لا، كان ذلك بهتاً وهتكاً وخرقاً لحجاب الهيبة ولا حاجة الى مزيد البيان فيه، والقول القريب فيه أنه قد زل من الرواة والأثبات جمع لا يعدون كثرة، ولو لم يكن الغلط متصوراً لما رجع راو عن روايته، والأمر بخلاف ما تخيلوه.

وقال في الورقات: والآحاد وهو الذي يوجب العمل ولا يوجب العلم لاحتمال الخطأ فيه[147]

 

· وقال النووي في شرح مسلم: وهذا الذي ذكره ابن الصلاح في شأن صحيح البخاري ومسلم في هذه المواضع خلاف ما قاله المحققون والأكثرون فإنهم قالوا: أحاديث الصحيحين التي ليست بمتواتره إنما تفيد الظن فإنها آحاد، والآحاد إنما تفيد الظن على ما تقرر ولا فرق بين البخاري ومسلم وغيرهما في ذلك، وتلقي الأمة بالقبول إنما أفادنا وجوب العمل بما فيهما وهذا متفق عليه، فإن أخبار الآحاد التي في غيرهما يجب العمل بها إذا صحت أسانيدها ولا تفيد إلا الظن فكذا الصحيحان.

 

وقال أيضاً: وأما خبر الواحد فهو ما لم يوجد فيه شروط المتواتر سواء كان الراوي له واحداً أو أكثر واختلف في حكمه، فالذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول ان خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع يلزم العمل بها ويفيد الظن ولا يفيد العلم[148].

· وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في نخبة الفكر عند كلامه على المتواتر: فكله مقبول لإفادته القطع بصدق مخبره بخلاف غيره من أخبار الآحاد[149].

 

· وقال الرازي في معرض حديثه على قوله تعالى {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} قال: وإنما قلنا إن الطائفة هاهنا عدد لا يفيد قولهم العلم، لأن كل ثلاثة فرقة، والله تعالى أوجب على كل فرقة أن تخرج منها طائفة، والطائفة من الثلاثة، واحد أو اثنان، وقول الواحد أو الاثنين لا يفيد العلم.

وقال أيضاً: فلأنا نعلم بالضرورة أن قول الواحد لا يفيد العلم.

وقال: وأما النقل: فهو إما تواتر أو آحاد والأول يفيد العلم والثاني يفيد الظن[150].

 

· وقال الاسنوي: وأما السنة فالآحاد منها لا تفيد إلا الظن.

وقال أيضاً: لأن رواية الآحاد ان أفادت فإنما تفيد الظن[151].

 

· وقال الزركشي في البحر: ان خبر الواحد لا يفيد العلم وهو قول أكثر أهل الحديث وأهل الرأي والفقه[152].

 

· وقال ابن الأثير: وخبر الواحد لا يفيد العلم ولكنا متعبدون به.

وقال: وما حكي عن المحدثين من أن ذلك يورث العلم فلعلهم أرادوا أنه يفيد العلم بوجوب العمل، أو سموا الظن علماً، ولهذا قال بعضهم يورث العلم الظاهر، والعلم ليس له ظاهر وباطن، وإنما هو الظن[153].

· وقال أبو اسحق الشيرازي: لنا: هو أنه لو كان خبر الواحد يوجب العلم لأوجب خبر كل واحد، ولو كان كذلك لوجب أن يقع العلم بخبر من يدعي النبوة ومن يدعي مالاً على غيره، ولما لم يقل هذا أحد، دل على أنه ليس فيه ما يوجب العلم..

· ثم قال: ولأنه لو كان يوجب العلم لوجب إذا عارضه خبر متواتر أن يتعارضا، ولما ثبت أنه يقدم عليه المتواتر دل على أنه غير موجب للعلم[154].

· وقال أبو حامد الغزالي في المستصفى: وإذا عرفت هذا فنقول: خبر الواحد لا يفيد العلم وهو معلوم بالضرورة وإنا لا نصدق بكل ما نسمع، ولو صدقنا وقدرنا تعارض خبرين، فكيف نصدق بالضدين وما حكي عن المحدثين من أن ذلك يوجب العلم فلعلهم أرادوا أنه يفيد العلم بوجوب العمل…[155].

· وقال شمس الدين الاصفهاني: الأخبار المروية عن الرسول r إما متواترة أو آحاد والمتواترة استحال أن تكون كذباً، وأما الآحاد فبعضها كذب قطعاً.

ثم قال: أما الملازمة: فلأن خبر الآحاد لا يفيد إلا الظن.

وقال أيضاً: وأما السنة فالآحاد منها لا يفيد إلا الظن[156].

· وقال ابن السبكي في الابهاج: والنص قسمان : آحاد لا يفيد إلا الظن[157].

· وقال في جمع الجوامع: خبر الواحد لا يفيد العلم إلا بقرينه ثم قال: الأكثرون لا يفيد مطلقاً[158].

· وقال البيضاوي: لا ينسخ المتواتر بالآحاد لأن القاطع لا يرفع بالظن[159].

· وقال أبو بكر بن فورك: واما ما كان من نوع الآحاد مما صحت الحجة به من طريق وثاقة النقلة وعدالة الرواة واتصال نقلهم، فإن ذلك وان لم يوجب القطع فإنه يقتضي غالب ظن وتجويز حكم[160].

· وقال البغدادي الاسفرائيني: وأخبار الآحاد متى صح إسنادها وكانت متونها غير مستحيلة في العقل كانت موجبة للعمل بها دون العلم[161].

· وقال الماوردي في الحاوي: وإذا كان كذلك فهو وان أوجب العمل فغير موجب للعلم الباطن بخلاف المستفيض والمتواتر[162].

· وقال الحافظ زين الدين العراقي: أي حيث قال أهل الحديث هذا حديث صحيح فمرادهم فيما ظهر لنا عملاً بظاهر الاسناد لا انه مقطوع بصحته في نفس الأمر لجواز الخطأ والنسيان على الثقة، هذا هو الصحيح الذي عليه أكثر أهل العلم خلافاً لمن قال ان خبر الواحد يوجب العلم الظاهر كحسين الكرابيسي وغيره[163].

 

· وقال صفي الدين الارموي: واما النقل فهو إما آحاد أو تواتر، والآحاد لا يفيد إلا الظن[164].

 

· وقال العز بن عبد السلام في رده على ابن الصلاح في جعله أحاديث الصحيحين تفيد القطع قال: ان المنقول عن المعتزلة: ان الأمة إذا عملت بحديث، يقتضي القطع بصحته، قال: وهذا مذهب رديء[165].

 

· وقال الهيثمي في الصواعق المحرقة: وايضاً ورد في أبي بكر وغيره كعلي نصوص متعارضة يأتي بسطها في الفضائل وهي لا تفيد القطع لأنها بأسرها آحاد وظنية الدلالة.

 

وقال أيضاً: لأن مفاد الإجماع قطعي ومفاد خبر الواحد ظني ولا تعارض بين ظني وقطعي بل يعمل بالقطعي ويلغى الظني[166].

 

· وقال ابن دقيق العيد: المسألة الثانية: نسخ الكتاب والسنة المتواترة هل يجوز بخبر الواحد أم لا؟ منعه الأكثر ون، لأن المقطوع لا يُزال بالمظنون.

وقال أيضاً: وأما المقام الثاني وهو ان ما كان من أخبار الآحاد مخالفاً لقياس الأصول المعلومة لم يجب العمل به، فلأن الأصول المعلومة مقطوع بها من الشرع وخبر الواحد مظنون والمظنون لا يعارض المعلوم[167].

· وقال الجرجاني: وخبر الآحاد هو ما نقله واحد عن واحد وهو الذي لم يدخل في حد الاشتهار وحكمه يوجب العمل دون العلم[168].

· وقال أبو زرعة العراقي: اختلف في خبر الواحد هل يفيد العلم أم لا؟ على أقوال:

أحدها: أنه يفيد إذا احتفت به القرائن.

ثانيها: أنه لا يفيد العلم مطلقاً ولو احتفت به قرائن وبه قال الأكثرون.

الثالث: أنه يفيد العلم مطلقاً.

وقال أيضاً: لما ذكر المقطوع بكذبه والمقطوع بصدقه ذكر قسماً ثالثاً، وهو: مظنون الصدق، وهو خبر العدل الواحد[169].

· وقال ابن التلمساني: أعلم أن المراد في أصول الفقه بخبر الواحد: الخبر الذي لا يفيد العلم واليقين[170].

· وقال عضد الملة الايجي: لنا ان المتواتر قاطع والآحاد مظنون، والقاطع لا يقابله المظنون[171].

 

المذهب الحنبلي:

 

وأول ما نبدأ به ما نسب الى الإمام أحمد رحمه الله في ذلك لتكتمل الحلقة.

فقد روي عنه روايتان إحداهما ان خبر الآحاد لا يفيد العلم والثانية أنه يفيده والأول هو الراجح عند فقهاء مذهبه.

 

· قال موفق الدين بن قدامة المقدسي: اختلفت الرواية عن إمامنا رحمه الله –يعني أحمد بن حنبل- في حصول العلم بخبر الواحد، فروي أنه لا يحصل به وهو قول الأكثرين والمتأخرين من أصحابنا لأنا نعلم ضرورة أنا لا نصدق كل خبر نسمعه ولو كان مفيداً للعلم لما صح ورود خبرين متعارضين لاستحالة اجتماع الضدين[172].

· وقال ابن بدران في تعليقه على روضة الناظر: فإسناد القول الثاني الى الإمام من غير تقييد فيه نظر وكذلك ما نسب اليه ابن الحاجب والواسطي وغيرهما من أنه قال يحصل العلم في كل وقت بخبر كل عدل وان لم يكن ثم قرينة فإنه غير صحيح أصلاً، وكيف يليق بمثل امام السنة أن يدعي هذه الدعوى وفي أي كتاب رويت عنه رواية صحيحة ورواياته رضي الله عنه كلها مدونة معروفة عند الجهابذة من أصحابه والمصنف رحمه الله من اولئك القوم، ومع هذا أشار الى أنها رواية مخرجة على كلامه ثم انه تصرف بها كما ذكره هنا، فحقق ذلك وتمهل أيها المنصف[173].

· وقال صفي الدين البغدادي: والآحاد ما لم يتواتر والعلم لا يحصل به في إحدى الروايتين وهو قول ألا كثرين ومتأخري أصحابنا[174].

· وقال موفق الدين بن قدامة المقدسي: وحد الخبر هو الذي يتطرق اليه التصديق والتكذيب، وهو قسمان: تواتر وآحاد فالمتواتر يفيد العلم ويجب تصديقه وان لم يدل عليه دليل آخر، وليس في الأخبار ما يعلم صدقه لمجرده إلا المتواتر وما عداه إنما يعلم صدقه بدليل آخر يدل عليه سوى نفس الخبر[175].

· وقال القاضي أبو يعلى: أن خبر الواحد لو كان موجباً للعلم لأوجبه على أي صفة وجد[176].

 

· وقال سليمان الطوفي: الخبر اما تواتر فهو مفيد للعلم أو آحاد مجرد فلا يفيد العلم قطعاً كما تقرر هاهنا[177].

 

· وقال أبو الخطاب الكلوذاني: خبر الواحد لا يقتضي العلم وبه قال جمهور العلماء[178].

 

· وقال ابن عقيل: خبر الواحد لا يوجب العلم لا الضروري ولا المكتسب على الصحيح من الروايتين عن صاحبنا[179].

· وقال ابن تيمية: وخبر الواحد المتلقى بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء… ثم قال: فإنه وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن، لكن لما اقترن به إجماع أهل العلم بالحديث على تلقيه بالتصديق كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالفقه على حكم مستندين في ذلك الى ظاهر أو قياس أو خبر واحد، فإن ذلك الحكم يصير قطعياً عند الجمهور، وإن كان بدون الإجماع ليس بقطعي[180].

· ويقول أيضاً: فلم يقل أحد من العقلاء أن كل خبر واحد أو خبر كل واحد يكون صدقاً أو يفيد العلم ولا انه يكون كذباً[181].

 

المذهب الزيدي:

· قال الشوكاني في الإرشاد: القسم الثاني: الآحاد وهو خبر لا يفيد بنفسه العلم سواء كان لا يفيده أصلاً أو يفيده بالقرائن الخارجة عنه، فلا واسطة بين المتواتر والاحاد، وهذا قول الجمهور[182].

 

· وقال الامير الصنعاني صاحب سبل السلام: وعلى تقدير التسليم فيكون قياس الأصول يفيد القطع وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن.

 

· وقال أيضاً: وإن الأصول تفيد القطع وخبر الواحد يفيد الظن والمقطوع مقدم على المظنون[183].

· وقال في موضع آخر: ان الصحيح الذي عليه أكثر أهل العلم أن خبر الآحاد وهو حديث صحيح ولكنه ليس مقطوعاً به في نفس الأمر، لذلك فهو لا يكلف أحداً إلا بالعمل دون العلم[184]

· وقال محمد بن إبراهيم الوزير اليماني في العواصم والقواصم في رده على السيد: ان العلم بجميع النصوص إنما يجب لو وجب لترجيح القول: بأن العمل بالظن حرام ولو حرم العمل بالظن لحرم العمل بخبر الواحد وحينئذ لا يجب العلم بشيء من أخبار الآحاد[185].

وقال أيضاً: سلمنا ان الحديث صحيح، لكنه آحادي ظني والسيد قد ادعى أن المسألة قطعية[186].

وقد كرر مثل هذه العبارات في كتابه مراراً وليرجع الى كتابه من ارادها.

 

مشايخ العصر:

· قال الشيخ تقي الدين النبهاني: خبر الواحد: وهو ما رواه عدد لا يبلغ حد التواتر في العصور الثلاثة ولا عبرة بما بعدها، وهو يفيد الظن ولا يفيد اليقين[187].

· وقال الشيخ محمود شلتوت: هذا هو التواتر الذي يوجب اليقين بثبوت الخبر عن رسول الله r أما إذا روى الخبر واحد، أو عدد يسير ولو في بعض طبقاته فإنه لا يكون متواتراً مقطوعاً بنسبته الى رسول الله r وإنما يكون آحادياً، في اتصاله بالرسول شبهة فلا يفيد اليقين[188].

· ويقول الشيخ أبو زهرة: وحديث الآحاد يفيد العلم الظني الراجح ولا يفيد العلم القطعي، إذ الاتصال بالنبي r فيه شبهة[189].

· وقال عبد الوهاب خلاف: وسنة الآحاد ظنية الورود عن الرسول لأن سندها لا يفيد القطع[190].

 

· وقال الخضري: أما خبر الواحد فهو خبر لا يفيد العلم بنفسه سواء أفاده بالقرائن أم لم يفده أصلاً[191].

· وقال المباركفوري: إذ الحاصل بخبر الواحد الظن وهو مما يقبل الضعف والشدة[192].

· وقال الشيخ حسن البنا: فالذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول: ان خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع يلزم العمل بها ويفيد الظن ولا يفيد العلم.

ثم قال: وأما من قال: يوجب العلم: فهو مكابر للحس[193].

· ويقول احمد إبراهيم بك: ومنها ما نقل آحاداً ولم يشتهر كالأول وقد يكون متواتراً في الأول ثم ينقل احاداً وهذا القسم ان كان جميع رواته من لدن الرسول حتى وصوله إلينا ثقات عدولاً ضابطين لما سمعوه، كان ما نقلوه إلينا مفيداً للحكم الشرعي في المسائل العملية دون العقائد، بناء ثبوته ثبوتاً ظنياً راجحاً، والظن الراجح كاف في العمليات دون العقائد التي ترتكز على الأدلة القطعية[194].

· ويقول سيد قطب على الأحاديث التي رواها مسلم في صحيحه في أن النبي r قد سحره لبيد بن ألاعصم اليهودي: يقول: ولكن هذه الروايات تخالف أصل العصمة النبوية في الفعل والتبليغ ولا تستقيم مع الاعتقاد بأن كل فعل من أفعاله r وكل قول من أقواله سنة وشريعة، كما أنها تصطدم بنفي القرآن عن الرسول r أنه مسحور وتكذيب المشركين فيما كانوا يدعونه من هذا الافك ومن ثم تستبعد هذه الروايات، وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة والمرجع هو القرآن والتواتر شرط للآخذ بالأحاديث في أصول الاعتقاد[195].

الوجه السابع:

أقوالهم في عدم الاستدلال بخبر الواحد في العقائد

· قال أبو العباس القرطبي في معرض حديثه على حديث رؤية النبي r ربه ليلة الإسراء والمعراج: ليست المسألة من العمليات فيكتفى بها بالأدلة الظنية، وإنما هي من المعتقدات فلا يكتفى فيها إلا بالدليل القطعي[196].

· وقال صفي الدين الارموي: وهذا لأن المطلوب في الأصول العلم واليقين، وخبر الواحد لا يفيده كما تقدم، بخلاف الفروع فإنه يكفي فيها الظن وخبر الواحد يفيده[197].

وقال أيضاً: وقد أجمعنا على أن خبر الواحد غير مقبول في أصول الدين[198].

 

· وقال جمال الدين الاسنوي: لأن رواية الآحاد إن أفادت إنما تفيد الظن، والشارع إنما أجاز الظن في المسائل العملية وهي الفروع دون العلمية كقواعد أصول الدين[199].

 

· وقال القاضي ابن الباقلاني: فخرج له من هذه أن خبر الواحد لا يقبل في العقليات وأصول العقائد وكل ما يلتمس فيه العلم.

وقال أيضاً: اعلم وفقك الله ان كل ما يطلب العلم فيه فلا يقبل فيه أخبار الآحاد[200].

 

· وقال علاء الدين السمرقندي: ومنها –أي أقسام الآحاد- أن يرد الخبر في باب العمل فأما إذا ورد في باب الاعتقادات وهي من مسائل الكلام فإنه لا يكون حجة لأنه يوجب الظن وعلم غالب الرأي لا علماً قطعياً، فلا يكون حجة فيما يبتنى على العلم القطعي والاعتقاد حقيقة[201].

· وقال السبكي: بأنه ليس من شرطه أن يكون قاطعاً متواتراً، بل متى كان حديثاً صحيحاً ولو ظاهراً وهو من رواية الآحاد جاز أن يعتمد عليه في ذلك لأن ذلك ليس من مسائل الاعتقاد التي يشترط فيها القطع[202].

 

· وقال ابو الثناء محمود الماتريدي: ولهذا لا يكون حجة في المسائل الاعتقادية لأنها تبنى على العلم القطعي وخبر الواحد يوجب علم غالب الرأي وأكبر الظن لا علماً قطعياً[203].

 

· وقال عبد الحميد الاسمندي: وان أردتم إثبات القديم تعالى وصفاته، فنقول: بأنه لا يقبل فيه خبر الواحد، لأنا لو قبلناه فيها لقبلناه في الاعتقادات ولا يجوز قبول خبر الواحد في الاعتقادات[204].

 

· وقال أبو العباس القرافي في جوابه على من منع العمل بخبر الواحد فقال: وجوابها: أن ذلك مخصوص بقواعد الديانات وأصول العبادات القطعيات[205].

 

· وقال أبو الخطاب وابن عقيل: انه لا يعمل بأخبار الآحاد في أصول الديانات[206].

 

· وقال ابو اسحق الشيرازي رداً على من قال لو جاز أن يقبل خبر الواحد في الفروع لجاز في الأصول مثل التوحيد واثبات الأصول.

فقال: الجواب: ان في مسائل الأصول أدلة عقلية موجبة للعلم قاطعة للعذر فلا حاجة بنا الى خبر الواحد[207].

· وقال البزدوي: خبر الواحد لما لم يفد اليقين لا يكون حجة فيما يرجع الى الاعتقاد لأنه مبني على اليقين وإن كان حجة فيما قصد فيه العمل[208].

 

· وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: الذي يظهر من تصرف البخاري في كتاب التوحيد، أنه يسوق الأحاديث التي وردت في الصفات المقدسة فيدخل كل حديث منها في باب ويؤيده بآية من القرآن للإشارة الى خروجها عن أخبار الآحاد على طريق التنزل في ترك الاحتجاج بها في الاعتقادات…[209].

 

· وقال العيني في شرح صحيح البخاري عند قوله "في الآذان" قال: إنما ذكر هذه الأشياء ليعلم أن إنفاذ الخبر إنما هو في العمليات لا في الاعتقادات[210].

· وقال المُلاّ علي القاري على حديث أبوي رسول الله r في النار: فقال: إلا أن يكون قطعي الدراية لا ظني الرواية، لأنه في باب الاعتقاد لا يعمل بالظنيات ولا يكتفى بالآحاد[211].

· وقال بخيت المطيعي على شرح الاسنوي: وحاصل الجواب أننا نمنع أن العلة التي اقتضت وجوب العمل بخبر الواحد في العمليات موجودة في الاعتقادات، لأن المطلوب في العمليات هو العمل، ويكفي في ذلك الظن، والمقصود في الاعتقادات الاعتقاد المطابق للواقع من موجب فلا يكفي في ذلك الظن[212].

· وقال محمود شلتوت: ومن هنا يتأكد أن ما قررناه من أن أحاديث الآحاد لا تفيد عقيدة ولا يصح الاعتماد عليها في شأن المغيبات، قول مجمع عليه وثابت بحكم الضرورة العقلية التي لا مجال للخلاف فيها عند العقلاء[213].

· وقال سيد قطب: وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة والمرجع هو القرآن، والتواتر شرط للأخذ بالأحاديث في أصول الاعتقاد[214].

· ويقول عبد الوهاب النجار: الخبر إذا كان رواته آحاداً فلا يصلح أن يكون دليلاً على ثبوت الأُمور الاعتقادية لأن الأُمور الاعتقادية الغرض منها القطع والخبر الظني الثبوت والدلالة لا يفيد القطع[215].

· ويقول عبد الرحمن الجزيري: معلقاً على حقيقة السحر: ولم يبق للقائلين بأن السحر له أثر حقيقي إلا الاستدلال بحديث البخاري الذي رواه عن عائشة رضي الله عنها من أن النبي r قد سحر وأنه كان يُخيل له أنه يفعل الشيء ولم يفعله، وهذا حديث صحيح لم يتعرض أحد للقدح في أحد من رواته، ومن الحسن أن يقال: ان مثل هذه الأحاديث تجزئ في المسائل الفرعية لا في المسائل الاعتقادية، فإن العقائد لا تبنى إلا على الأدلة اليقينية وهذه الأحاديث مهما كانت صحيحة فهي أحاديث آحاد لا تفيد إلا الظن[216]

هذا ما وقع لي من أقوال العلماء، وأكتفي بهذا القدر منها في هذه العجالة للرد على افتراآت المفترين على أئمة المسلمين وتلامذتهم، ولو أراد المرء أن يجعلها مئين أو أكثر لحصل له ذلك إذا تحصلت لديه المكنة وتوفرت عنده المراجع.

وللعلم فإنني لم أجد أحداً قال بأن خبر الآحاد يفيد العلم مطلقاً سوى المذهب الظاهري على ما ذكره ابن حزم في أحكامه، أما بقية من قال أنه يفيد العلم فقيدوا ذلك بقرينة ترجح العلم فيه على الظن كإبن تيمية وابن القيم والنظام أحد رؤوس المعتزلة وغيرهم، ولا يخفاك أنه إذا إنعدمت القرينة فلا يفيد خبر الواحد إلا الظن.

فإن قيل بأن هؤلاء السبعين وغيرهم هم علماء كلام وليسوا من أهل السنة.

يقال بأنكم شغبتم بما لا فائدة فيه إذ هل القرطبي من المالكية وابن العربي والشاطبي وابن عبد البر والزرقاني من علماء الكلام؟! أم هل الخطيب البغدادي المحدث من الشافعية وابن حجر وابن دقيق العيد وابن الأثير وابن الجزري والنووي وابن عبد السلام والماوردي والاسنوي من علماء الكلام؟! أم هل الكمال بن الهمام من الحنفية والسرخسي وابن عابدين والكاساني والنسفي والأنصاري والجصاص من علماء الكلام؟! أم هل ابن قدامة المقدسي من الحنبلية وابن تيمية وابن عقيل وأبو الخطاب وابن المنير وابو يعلى من علماء الكلام؟! أم هل الأئمة الأربعة من علماء الكلام؟!! لا يقول بهذا إلا مكابر معاند والعياذ بالله من ذلك.

وإن قيل بأن هؤلاء اشاعره على سبيل التهمة وكأن الاشعرية تهمة، يقال: بأن ما أثبتناه آنفاً وهو أقوال فقهاء المذاهب المعتبرة والمشهورة عند المسلمين فإن كانت هذه المذاهب أشعرية فمعناه أنهم عرفوا أن الاشاعرة على الحق فساروا معهم، فإن قالوا: بأن هؤلاء العلماء ليسوا على مذهب الاشاعرة، تراجعوا عن اتهامهم لهم.

فائدة: في معنى العلم والظن واليقين في كلامهم آنفاً.

والعلم: هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع[217]. وهو المقصود من كلامهم "خبر الآحاد لا يفيد العلم" ويطلق العلم ويراد منه الفقه في الدين على نحو قوله عليه الصلاة والسلام "طلب العلم فريضة" وقوله "ان الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم"

أما اليقين فهو لفظ مشترك أيضاً، فيطلق ويراد منه الموت كقوله تعالى "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" ويطلق ويراد منه نقيض الشك كقوله تعالى {ان هذا لهو حق اليقين} ويطلق ويراد منه عكس الظن كقوله تعالى {وما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا} وهذا المعنى الأخير هو المقصود من كلامهم "ان خبر الآحاد لا يفيد العلم واليقين"

الظن: لفظ مشترك يطلق ويراد منه اليقين كقوله تعالى {الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم وانهم اليه راجعون} ويطلق ويراد منه الكذب كقوله تعالى {ان يتبعون إلا الظن وان هم إلا يخرصون} ويطلق ويراد منه الشك على نحو قوله تعالى {اجتنبوا كثيراً من الظن} وقوله عليه السلام "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" ويطلق ويراد منه الاعتقاد الراجح كقوله تعالى {ان ظنا ان يقيما حدود الله} وذكر هذا الأخير الزركشي في البرهان[218] والغزي في اتقانه[219].

وقال الشيرازي: الظن تجويز أمرين أحدهما أظهر من الآخر وذلك كخبر الثقة يجوز أن يكون صادقاً ويجوز أن يكون كاذباً غير أن الأظهر من حاله الصدق[220].

وهذا المعنى الأخير للظن هو المقصود من كلامهم بأن خبر الآحاد لا يفيد إلا الظن ولا يفيد اليقين والله أعلى وأعلم واليه المصير.

تم والحمد لله أولاً وآخراً

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين

رابط هذا التعليق
شارك

السلام عليكم

 

ربما يعين ما ذكرناه في موضوع "منهجية البحث عند اتباع المدرسة السلفية الوهابية" على فهم طريقة تفكير الشيخ مشهور وأمثاله من أتباع السلفية الحنبلية

 

والربط كما يلي:

 

http://www.alokab.com/forum/index.php?showtopic=2935

 

ولكم تحياتي

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...