اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

ماذا خسر المسلمون بسقوط الاندلس / أجزاء يكتبها أبو مالك


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

في ذكرى سقوط الأندلس

 

ماذا خسر المسلمون بسقوط الاندلس

 

ج1

 

 

 

الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدي رسولِ اللهِ وعلى آلهِ وصحبِهِ ومن والاه,

 

فتحَ المسلمون الأندلسَ في السنةِ الثانيةِ والتسعينَ للهجرةِ الموافقةِ للسنةِ الحاديةِ عشرة بعد السبعمائة للميلاد (92هـ=711م) واستمرَ وجودُهُم في الأندلسِ إلى حينِ سقوطِها في السنةِ السابعةِ والتسعينِ بعد الثمانِمائةِ للهجرةِ (897هـ= 1492م)؛ أي أن حُكمَ المسلمينَ للأندلسِ استمرَ زهاءَ ثمانمِائةٍ وخمسَ سنينَ هجريًّا.

ولا بدَ من طرحِ السؤالِ: لماذا سقطَتْ الأندلسُ؟ وماذا خسرَ المسلمونَ بسقوطِها، وما هي العبرُ التي تُستفادُ من هذا التاريخِ الإسلاميِّ الطويلِ.

 

سأقفُ وقفاتٍ منتقاةٍ مع محطاتٍ من تاريخِ الأندلسِ، أبدؤها بخروجِ جيشِ الفتحِ بقيادةِ موسى بن نصير من الشامِ مرورا بشمالِ أفريقيا كلِه، إلى أقصى المغربِ، ومن ثم قطعَهُم للبحرِ المتوسطِ ليفتحوا الأندلسَ، واستمرارِهم في السيرِ باتجاهِ فرنسا، وكانت وجهَتُهُم ونيتُهُم فتحَ القسطنطينيةِ بحصارِها من غربِها، فيا لها من همةٍ عظيمةٍ لا يزرعُ مثلُها في النفوسِ إلا دينٌ عظيمٌ!

لما علمَ الخليفةُ الأمويُ الوليدُ بنُ عبدِ الملكِ بنيةِ موسى بن نصير طلبَ منه الرجوعَ إلى الشامِ، وخافَ على الجيشِ الإسلامي من متاهاتِ أوروبا، وكان اللهُ قد منَّ على المسلمينَ ودولتِهم بفتحِ الأندلسِ.

 

مرَّتْ الأندلسُ بعصرِ الولاةِ الأول، كانت الصلةُ بينَهُم وبينَ قلبِ دولةِ الخلافةِ تعلو وتهبطُ وذلك لانشغالِ الدولةِ الإسلاميةِ بحروبِ الخوارجِ في المغربِ والعراقِ،

ومن أشهرِ الولاةِ: السمحِ بنِ مالك، الذي ولاهُ الخليفةُ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ رضي اللهُ عنه في رمضانَ من العامِ مائةٍ للهجرةِ، فانطلقَ هذا القائدُ الربانيُ مجاهدا في فرنسا، وكانت في فرنسا مدينةٌ واحدةٌ إسلاميةٌ هي مدينةُ أرْبُونَة، تلكَ التي فتحها موسى بنُ نصير/ بسريةٍ من السرايا، لكن السمح بن مالك الخَوْلاني فتحَ كل منطقةِ الجنوبِ الغربيِ لفرنسا، ثم أسَّسَ مقاطعةً ضخمةً جدًّا وهي مقاطعةُ سبتمانيا، وسبتمانيا الآن هي ساحلُ الريفييرا، وتُعَدُّ من أشهرِ المنتجعاتِ السياحيةِ في العالم، أخذ السمحُ الخولاني يستكملُ الفتوحَ في جنوبِ غربِ فرنسا، وفي الوقتِ ذاتِهِ أرسلَ يُعَلِّم الناسَ الإسلامَ؛ سواءَ في فرنسا أو في الأندلسِ، إلى أن لقيَ ربَهُ شهيدًا في معركةِ تولوز بطرسونةِ يومَ عرفةِ سنةِ مائةٍ واثنين للهجرةِ 102 هـ.

 

 

 

لما سقطَ السمحُ بنُ مالكِ شهيدًا في أرضِ الجهادِ، اختارَ أهلُ الأندلسِ عبدَ الرحمنِ بنَ عبدِ الله الغَافِقِيَّ -رحمَهُ اللهُ- أميرًا عليهم، واستطاعَ بمهارتِه العسكريةِ أن يجمعَ شتاتَ المسلمين، ويعودَ إلى الأندلسِ في (ذي الحجة سنة مائةٍ واثنينِ للهجرة 102هـ)، وكانت هذه ولايتُهُ الأولى، ولم تدُمْ إلاَّ شهرين؛ فقد عزلَهُ يزيدُ بنُ أبي مسلم عاملُ إفريقية، وولَّى بدلاً منه عَنْبَسَة بْن سُحَيْم -رحمهُ الله- وذلكَ في (صفرٍ عام مائةٍ وثلاثة للهجرة 103هـ).

كان عنبسةُ بنُ سُحَيْم -رحمَهُ اللهُ- قائدًا تقيًّا وَرِعًا، وإداريًّا فذًّا، ومجاهدًا حَقَّ الجهادِ، حكمَ بلادَ الأندلسِ من سنةَ مائةٍ وثلاث للهجرة الموافق سنةَ سبعِ مائةٍ وواحدٍ وعشرين للميلاد (103هـ=721م) إلى سنةِ مائةٍ وسبع للهجرة الموافق سبعِ مائةٍ وخمسٍ وعشرين للميلاد (107هـ=725م)، فوصلَ في جهادِهِ إلى مدينِة (سانس (Sens)، وهي تبعدُ عن باريسٍ بنحوِ ثلاثين كيلو مترًا، وهذا يعني أن عنبسةَ بنَ سُحيم -رحمَهُ اللهُ- قد وصلَ إلى ما يقربُ من سبعين بالمائة 70٪ من أراضي فرنسا، ويعني هذا -أيضًا- أن سبعين بالمائةِ 70٪ من أراضي فرنسا كانت بلادًا إسلاميةٌ، فقد أوغلَ عنبسةُ بن سحيم -رحمهُ اللهُ- في غزوِ الفرنج.

 

وبعد سنواتٍ خمسٍ من التردي، عادَ المسلمون فاختاروا عبدَ الرحمنِ الغافقي فعادَ يَبُثُ في المسلمينَ روحَ الجهادِ وروحَ الإسلامِ كما كانت عليه أيامَ الفتح، وكان استشهاده في معركة بلاط الشهداء في سنة 114 للهجرة.

ثم ولي عبد الملك بن قطن سنتين فأعقبه اختيار عبيد الله بن الحبحاب لولاية الأندلس مجاهدًا فذًّا يُسَمَّى عقبة بن الحجَّاج السلولي -رحمه الله، الذي تولَّى من سنة 116هـ=734م إلى سنة 123هـ=741م.

 

قال ابن عذاري: «أقام عقبة بالأندلس بأحسن سيرة وأجملها، وأعظم طريقة وأعدلها".

وقد قام عقبة بن الحجاج -رحمه الله- خلال سنوات إمارته السبع بأكثر من سبع حملات داخل فرنسا، وكان ينزل إلى الأسرى بنفسه يُعَلِّمهم الإسلام؛ حتى إنه أسلم على يديه ألف من الأسرى.

 

بدأ عقبة بن الحجاج -رحمه الله- يُعيد أمجاد الجهاد الإسلامي في بلاد فرنسا، فثبَّت أقدام المسلمين في بروفانس -جنوب شرقي فرنسا، وأقام فيها الرباطات، واستولى عقبة على بلاد الدوفينيه -شرقي ليون-، وفتح مدينة سان بول، وفتح -رحمه الله- مدينة أرْبُونَة عاصمة مقاطعة سبتمانيا، وقرقشونة إحدى مدنها، واتسعت فتوحات المسلمين حتى وصلت إلى مقاطعة بيدمونت بشمال إيطاليا، وواصل عقبة جهاده لإقرار الفتح في المدن الأندلسية لا سيما في الشمال الغربي في أرض جيليقية، ولقد ظلَّ عقبة بن الحجاج -رحمه الله- مجاهدًا حسن السيرة بين جنده إلى أن استشهد سنة 123هـ=741م، وباستشهاده انقضى العهد الأول من عهد الولاة، وكانت السمة الطاغية عليه سمة الجهاد والفتوحات، ونشر الإسلام في الأرض، وكان أغلب الولاة يقضون شهداء، بهذا توطدت أركان دولة الإسلام، وتوطدت المهابة في صدور الأعداء.

 

 

 

 

كتبه العبد الراغب رحمة ربه أبو مالك،

مستقيا جل مادته من موقع قصة الإسلام.

 

 

 

02 من ربيع الاول 1434

الموافق 2013/01/14م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

في ذكرى سقوط الأندلس

 

ماذا خسرَ المسلمونَ بسقوطِ الأندلسِ؟

 

ج2

 

 

أما في عهد الولاة بعد ذلك، فلم تعد فيه همة الجهاد كما كانت، وانتشرت العصبية القبلية في الدولة، فهذا قيس وهذا يمن، وانشغلت الدولة الإسلامية في دمشق بحروب الخوارج في المغرب والعراق، فانشغلت عن الأندلس، فلم يعرف المسلمون في الأندلس سمو العيش الإسلامي كما يجب أن يكونوه، حتى جاءهم الإمام عبد الرحمن الداخل صقر قريش، فمصر الأمصار، وأقام الجيش على خطة ولاؤها للدولة، لا للقبيلة، فكان جيشه يفوق المائة ألف فارس غير الرجالة، وأنشأ مصانع السيوف والمنجنيقات، ومن أشهرها مصانع طليطلة وبرديل، وأنشأ أسطولا بحريا قويا وموانئ في طُرْطُوشة وألمَرِيَّة وإِشْبِيلِيَة وبَرْشُلُونَة وغيرها من المواني، وكانت الصوائف في عهده قائمة فلا صيف إلا بجهاد ورباط، حتى تبقى جذوة الجهاد متقدة، وثغور المسلمين منيعة حصينة، لقد أقام دولة لا تتنازع في الدولة العصب على أساس جاهلي كما كان طاغيا إبان دخوله الأندلس.

 

لقد أقام الداخل للمسلمين دولة في تلك الأصقاع البعيدة في ذلك الزمن، ودحر المتربصين من أعداء الإسلام وجعلهم يرجعون له في صغير أمورهم وكبيرها، كما وقهر الثورات التي ثارت عليه حتى مكن للدولة وأقامها على أساس متين، وكان يُقَسِّم ميزانية الدولة السنوية إلى ثلاثة أقسام: قسم يُنفقه بكامله على الجيش، والقسم الثاني لأمور الدولة العامَّة من مؤنٍ ومعمارٍ ومرتباتٍ ومشاريعَ وغير ذلك، والقسم الأخير كان يدَّخره لنوائب الزمان غير المتوقَّعة. وأنشأ جهازا للحسبة وكرم العلماء، واهتم بالقضاء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واهتم ببناء الحصون والقلاع والقناطير، وربط أول الأندلس بآخرها، واهتم بالبناء والعمران، والنباتات، وجعل الأندلس أخت الشام، فكانت الدولة الأموية في الأندلس.

 

لقد شهدت تلك الدولة أمراء جعلوا تقوى الله أساسا لحكمهم، فسعدت بهم الرعية، ونهضوا بالبلاد نهضة لا تكاد تجد لها نظيرا في ذلك الزمان إلا في عاصمة دولة الخلافة في بغداد، فكانت قرطبة وبغداد منارتا الهدى وقلعتا الإسلام المنيعتين، وحاضرتا الدنيا ومهوى الأفئدة إليهما.

 

من هؤلاء الأمراء، هشام الرضا، ابن عبد الرحمن الداخل، وقد كان عالِمًا محبًّا للعلم، وقد أحاط نفسه -رحمه الله- بالفقهاء، وكان له أثر عظيم في بلاد الأندلس بنشره اللغة العربية فيها، وقد أخذ ذلك منه مجهودًا وافرًا وعظيمًا، حتى أصبحت اللغة العربية تُدرَّس في معاهد اليهود والنصارى داخل أرض الأندلس.

 

ثم إن جذوة الجهاد ما زالت متقدة في الدولة الأموية، لم تتوقف فجاء عبد الرحمن الأوسط بعد الحكم بن هشام، فكان يسير بالعدل قال عنه الصفدي: كان عادلاً في الرعية بخلاف أبيه، جوادًا فاضلاً، له نظر في العلوم العقلية، وهو أول من أقام رسوم الإمرة، وامتنع عن التبذُّل للعامَّة، وهو أول من ضرب الدراهم بالأندلس، وبنى سور إِشْبِيلِيَة، وأمر بالزيادة في جامع قُرْطُبَة، وكان يُشَبَّه بالوليد بن عبد الملك، وكان محبًّا للعلماء مقرِّبًا لهم، وكان يُقيم الصلوات بنفسه، ويُصَلِّي إمامًا بهم في أكثر الأوقات... وهو أول مَنْ أدخل كتب الأوائل إلى الأندلس، وعرَّف أهلها بها، وكان حَسَنَ الصورة ذا هيئة، وكان يُكثِر تلاوة القرآن، ويحفظ حديث النبي، وكان يُقالُ لأيامه أيام العروس، وافتتح دولته بهدم فندق الخمر وإظهار البِرِّ، وتملَّى الناس بأيامه وطال عمره، وكان حَسَنَ التدبير في تحصيل الأموال وعمارة البلاد بالعدل، حتى بلغ دخل بلاده في كل سنة ألف ألف دينار، وفي عهده ازدهرت التجارة والعمران، وتقدَّمت وسائل الريِّ في عهده بشكل كبير، وتمَّ رصف الشوارع وإنارتها ليلاً في هذا العمق القديم جدًّا في التاريخ، في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تعيش في جهلٍ وظلام دامس، كما أقام القصور المختلفة والحدائق الغنَّاء، وتوسَّع في ناحية المعمار حتى كانت المباني الأندلسية آية في المعمار في عهده، وبلغت البلاد من القوة في عهد الأمير عبد الرحمن هذا أن جاءته الهدايا من القسطنطينية أيضًا.

 

ثم لما كان انفتاح الدنيا هذا من أوسع أبوابه على أمة الإسلام في الأندلس، آذنت الدولة بالدخول في حالة الضعف بموت عبد الرحمن الأوسط، خصوصا بدخول زرياب الأندلس، وما جلبه معه من فنون الغناء والموسيقى، وملابس الصيف وملابس الشتاء، وفنون الطعام وحكايا الخلفاء وأساطير الأولين، فصادف حالة المجتمع الراغد في العيش، فساهم في تحويل ثقافة المجتمع، وإدخال الرقص والغناء عليه، والتعلق باللهو والمجون، فكان لزاما أن تدخل الدولة في حالة الضعف.

 

 

كتبه العبدُ الراغبُ رحمةَ ربِهِ الأستاذ أبو مالك،

مستقيا جُلَّ مادتِهِ من موقعِ قصةِ الإسلام.

 

 

03 من ربيع الاول 1434

الموافق 2013/01/15م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

في ذكرى سقوط الأندلس

 

 

ماذا خسرَ المسلمونَ بسقوطِ الأندلسِ؟

 

ج3

 

وبدأت الثورات تضعف الدولة، إلى أن جاءها الخليفة القوي عبد الرحمن الناصر، فأعاد للدولة قوتها ومنعتها، وحكم قرابة النصف قرن، لم يصف له فيها إلا أربعة عشر يوما دون كدر، فوحد الأندلس ثانية، وأعاد سيرة الجهاد لما كانت عليه.

 

وواقع الأمر أن جهده لم يكن كلُّه موجهًا للجيوش والحروب فقط، بل إنه كان متكاملاً ومتوازنًا -رحمه الله- في كل أموره؛ فقد قامت في عهده نهضة حضارية كبرى هي الأروع بين مثيلاتها في ذلك الوقت، استهلَّها -رحمه الله- بإنشاء هياكل إدارية عظيمة، وأَكْثَرَ من الوزارات والهيئات، وجعل لكل أمر مسؤولاً، ولكل مسؤول وزارة كبيرة تضمُّ عمالاً كثيرين وكتَبَة.

 

يصف ابن عذاري قُرْطُبَة في هذه الفترة فيقول: «ومما قيل في آثار مدينة قُرْطُبَة وعظمها حين تكامل أمرها في مدة بني أمية -رحمهم الله تعالى-: إن عدة الدور التي بداخلها للرعية دون الوزراء وأكابر أهل الخدمة مائة ألف دار وثلاثة عشر ألف دار؛ ومساجدها ثلاثة آلاف؛ وعدة الدور التي بقصر الزهراء أربعمائة دار؛ وذلك لسكنى السلطان وحاشيته وأهل بيته...».

 

وينقل المقري عن ابن حيان قوله: «إن عدة المساجد عند تناهيها في مدَّة ابن أبي عامر ألف وستمائة مسجد، والحمامات تسعمائة حمام، وفي بعض التواريخ القديمة كان بقُرْطُبَة في الزمن السالف ثلاثة آلاف مسجد وثمانمائة وسبعة وسبعون مسجدًا؛ منها: بشقندة ثمانية عشر مسجدًا، وتسعمائة حمام وأحد عشر حمامًا، ومائة ألف دار، وثلاثة عشر ألف دار للرعية خصوصًا، وربما نصف العدد أو أكثر لأرباب الدولة وخاصتها... إلخ".

 

كانت البلاد في عهد عبد الرحمن الناصر -رحمه الله- تعيش في رخاء منقطع النظير، فكثرت الأموال؛ حتى بلغت ميزانية الدولة ستة ملايين دينارٍ ذهبيٍّ، كان يقسمها ثلاثة أقسام كجدِّه عبد الرحمن الداخل -رحمه الله: ثلثًا للجيش، وثلثًا للبناء والمعمار والمرتبات وما إلى ذلك، والثلث الأخير للادِّخار لنوائب الزمن.

 

ونمت الزراعة نموًّا مزدهرًا؛ فتنوَّعت أشجار الفواكه والمزروعات من قصب السكر والأرز والزيتون والكتان، وأوجد مزارع خاصة لتربية دودة القز، كما نَظَّم أقنية الري وأساليب جرِّ المياه، وجعل تقويمًا للزراعة لكل موسم (ومنها انتقلت الزراعة إلى أوربا).

 

كان من اهتماماته -أيضًا- استخراج الذهب والفضة والنحاس، وكذلك صناعة الجلود وصناعة السفن وآلات الحرث، وكذلك صناعة الأدوية، وقام عبد الرحمن الناصر بإنشاء أسواق كثيرة متخصصة لعرض وتداول مثل هذه البضائع، فكان هناك -على سبيل المثال- سوق للنحاسين، وأخرى للحوم، بل كان هناك -أيضًا- سوق للزهور.

 

وكانت خُطَّة الشرطة من أهم المناصب الإدارية المتعلقة بضبط النظام والأمن، وكانت قبل عهد الناصر تنقسم إلى مرتبتين، الشرطة العليا، والشرطة الصغرى، ولكنها منذ سنة (317هـ) في عهد الناصر لدين الله قُسِّمت بحسب أهميتها إلى ثلاث مراتب: الشرطة العليا، والشرطة الوسطى، والشرطة الصغرى، كما قَسَّم خطة المظالم (أي المحاكم) إلى خطتين عام (325هـ)، وكانت قبل عهد الناصر خطة مفردة تتضمن العرض والمظالم، وجعل العرض خطة مستقلَّة بذاتها، وكذلك المظالم أضحت خطة مستقلة.

 

ازدهر في عهد عبد الرحمن الناصر -رحمه الله- العلم والتعليم بصورة ملحوظة، وقد اهتمَّ كثيرًا بمكتبة قُرْطُبَة؛ تلك التي كانت قد تأسَّست قبل ذلك الوقت، فزاد كثيرًا في حجمها حتى بلغ عدد الكتب فيها أربعمائة ألف كتاب، وهو زمن لم تظهر فيه الطباعة بعدُ، وإنما كانت عن طريق النسخ اليدوي.

 

ذاع صيت عبد الرحمن الناصر -رحمه الله- في الدنيا كلها، ورضيت منه ممالك الشمال بأن تعطيه العهد والجزية، وقد جاءت السفارات من كل أوربا تطلب ودَّه، فجاءت من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وإنجلترا، بل جاءت من أقصى شرق أوربا من بيزنطة، وهي بعيدة جدًّا عن عبد الرحمن الناصر لكنها جاءت تطلب ودَّه وتُهدي إليه الهدايا، وأشهرها كان جوهرة ثمينة وكبيرة، كان يضعها عبد الرحمن الناصر في وسط قصره، الذي يقع في مدينة الزهراء، "وكانت من تحف قصر اليونانيين بعث بها صاحب القسطنطينية إلى الناصر مع تحف كثيرة ثمينة".

 

وهكذا كان عزُّ الإسلام ومجده متمثلاً في عهد عبد الرحمن الناصر -رحمه الله، حتى أصبح -بلا منازع- أعظم ملوك أوربا في القرون الوسطى، وهذا ما جعل إسبانيا سنة (1963م) تحتفل -وهي على نصرانيتها- بمرور ألف سنة ميلادية على وفاة عبد الرحمن الناصر؛ لأنه كان أعظم ملوك إسبانيا على مرِّ العصور، فلم يستطيعوا أن يُخفوا إعجابهم بهذا الرجل الذي رفعهم في العالمين، الذي كانت الأندلس في عهده - وبلا جدال - أقوى دولة في العالم.

 

حدث ذات مرَّة قحط شديد في الأندلس، فأرسل الناصر رسولاً من عنده يدعو القاضي منذر بن سعيد -رحمه الله- بإمامة الناس في صلاة الاستسقاء، فقال منذر للرسول: ليت شعري ما الذي يصنعه الخليفة سيدنا؟ فقال له: ما رأينا قط أخشع منه في يومنا هذا؛ إنه منتبذ حائر منفرد بنفسه، لابس أخس الثياب، مفترش التراب، وقد رمد به على رأسه وعلى لحيته، وبكى واعترف بذنوبه، وهو يقول: هذه ناصيتي بيدك، أتراك تُعَذِّب بي الرعية وأنت أحكم الحاكمين؟! لن يفوتك شيء مني. قال الحاكي: فتهلَّل وجه القاضي منذر عندما سمع قوله، وقال: يا غلام؛ احمل المطر معك؛ فقد أذن الله تعالى بالسقيا، إذا خشع جبار الأرض، فقد رحم جبار السماء. وكان كما قال، فلم ينصرف الناس إلاَّ عن السقيا".

 

 

 

كتبه العبد الراغب رحمة ربه أبو مالك،

مستقيا جل مادته من موقع قصة الإسلام.

 

 

04 من ربيع الاول 1434

الموافق 2013/01/16م

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

في ذكرى سقوط الأندلس

 

 

ماذا خسرَ المسلمونَ بسقوطِ الأندلسِ؟

 

ج4

 

 

ثم خلفه ابنه الحكم المستنصر وكانت أيامه أيام العروس أيضا على أهل الأندلس، يقول عنه ابن الخطيب: «وكان -رحمه الله- عالمًا فقيهًا بالمذاهب، إمامًا في معرفة الأنساب، حافظًا للتاريخ، جمَّاعًا للكتب، مميِّزًا للرجال من كل عالم وجيل، وفي كل مِصرٍ وأوان، تجرَّد لذلك وتهمم به؛ فكان فيه حجة وقدوة وأصلاً يُوقف عنده». ويقول عما وصلت إليه الأندلس في عهده من الرقي والتحضر: «وإليه انتهت الأبهة والجلالة، والعلم والأصالة، والآثار الباقية، والحسنات الراقية".

 

أنشأ الحكم بن عبد الرحمن المكتبة الأموية، تلك التي تُعَدُّ أعظم مكتباتِ العصور الوسطى على الإطلاق، وكانت تُنافس مكتبة قُرْطُبَة ومكتبة بغداد، وقد دفع آلاف الدنانير لجلب أعظم الكتب إليها من كل مكان في العالم، وكان له عمَّال وظيفتهم الوحيدة هي جمع الكتب من مشارق الأرض ومغاربها من بلاد المسلمين ومن غير بلاد المسلمين، فإذا جاؤوا بكتاب في الفلك أو الطب أو الهندسة أو غيرها من أي بلد غير إسلامي تُرجِمَ على الفور وضُمَّ إلى المكتبة الأموية، وقد وسَّع الحَكم بن عبد الرحمن الناصر في المكتبة كثيرًا، وجعل لها أَرْوِقَةً عظيمةً حتى تستوعب كثرة الحضور من المسلمين.

 

ومن مآثره أنه عين معلمين ومربين يُعَلِّمون أولاد الفقراء والضعفاء، وأنفق على أجورهم من بيت المال، وبلغت دور التعليم هذه سبعًا وعشرين؛ ثلاثة منها حول جامع قُرْطُبَة، وباقيها في ضواحي المدينة.

 

كما أنشأ -رحمه الله- جامعة قُرْطُبَة، التي كان مقرها في المسجد الجامع الكبير، وتدرس في حلقاتها مختلف العلوم، وكان يُدَرِّس الحديث أبو بكر بن معاوية القرشي، ويملي أبو علي القالي ضيف الأندلس دروسه عن العرب قبل الإسلام، وعن لغتهم وشعرهم وأمثالهم، وكان ابن القوطية يُدَرِّس النحو، وكان يُدَرِّس باقي العلوم أساتذة من أعلام العصر، وكان الطلبة يُعَدُّون بالآلاف.

 

ثم جاء عهد المنصور محمد بن أبي عامر، تولَّى الحُكم منذ سنة (366هـ= 976م) وحتى وفاته -رحمه الله- في سنة (392هـ= 1002م)، وقد قضى هذه المدَّة في جهاد دائم لا ينقطع مع ممالك النصارى في الشمال، مع حسن إدارة وسياسة على المستوى الداخلي، حتى صارت الأندلس في عهده في ذروة مجدها، غزا محمد بن أبي عامر في حياته أربعًا وخمسين غزوة، لم يُهزم أبدًا في واحدة منها، بل كان الأغرب من ذلك هو أن يصل في فتوحاته إلى أماكن في مملكة ليون وفي بلاد النصارى لم يصل إليها أحدٌ من قبلُ، بل لم يصل إليها الفاتحون الأوائل؛ مثل: موسى بن نصير وطارق بن زياد.

 

واستطاع -رحمه الله- أن يغزو النصارى في عقر دارهم، وها هو ذا قد وصل إلى خليج بسكاي والمحيط الأطلسي في الشمال، وفي كل هذه الغزوات لم تنكسر له فيها راية، ولا فلَّ له جيش، ولا أُصيب له بعث، ولا هلكت سرية، وكان من المتعارف عليه قبل ذلك أن الجهاد في الصوائف فقط، إلاَّ أن الحاجب المنصور كانت له في كل عام مرتان يخرج فيهما للجهاد في سبيل الله، عُرفت هاتان المرتان باسم الصوائف والشواتي.

 

جاء عن الحاجب المنصور في سيرة حروبه أنه سَيَّر جيشًا كاملاً لإنقاذ ثلاث من نساء المسلمين كنَّ أسيرات لدى مملكة نافار؛ ذلك أنه كان بينه وبين مملكة نافار عهد، وكانوا يدفعون له الجزية، وكان من شروط هذا العهد ألاَّ يأسروا أحدًا من المسلمين أو يستبقوهم في بلادهم، فحدث ذات مرَّة أن ذهب رسول من رسل الحاجب المنصور إلى مملكة نافار، وهناك وبعد أن أدَّى الرسالة إلى ملك نافار أقاموا له جولة، وفي أثناء هذه الجولة وجد ثلاث نسوة من نساء المسلمين في إحدى كنائسهم فتعجَّب لوجودهن، وحين سألهن عن ذلك قلن له: إنهن أسيرات في ذلك المكان.

 

وهنا غضب رسول المنصور غضبًا شديدًا، وعاد إلى الحاجب المنصور وأبلغه الأمر، فما كان من المنصور إلاَّ أن سيَّر جيشًا جرارًا لإنقاذ النسوة، وحين وصل الجيش إلى بلاد نافار دُهش ملك نافار، وقال: نحن لا نعلم لماذا جئتم، وقد كانت بيننا وبينكم معاهدة على ألاَّ نتقاتل، ونحن ندفع لكم الجزية. وبعزَّة نفس في غَيْرِ كبرٍ ردُّوا عليه: إنكم خالفتم عهدكم، واحتجزتم عندكم أسيرات مسلمات. فقالوا: لا نعلم بهن. فذهب الرسول إلى الكنيسة وأخرج النسوة الثلاث، فقال ملك نافار: إن هؤلاء النسوة لا نعرف بهن؛ فقد أسرهن جندي من الجنود وقد تمَّ عقاب هذا الجندي. ثم أرسل برسالة إلى الحاجب المنصور يعتذر فيها اعتذارًا كبيرًا، ويخبره بأنه قد هدم هذه الكنيسة، فعاد الحاجب المنصور إلى بلده ومعه النسوة الثلاث.

 

ومما ذُكر عن الحاجب المنصور -أيضًا- أنه -رحمه الله- وهو في جهاده لفتح بلاد النصارى كان قد عبر مضيقًا في الشمال بين جبلين، ونكاية فيه فقد نصب له النصارى كمينًا كبيرًا، فتركوه حتى عبر بكل جيشه، وحين همَّ بالرجوع وجد طريق العودة قد قُطع عليه، ووجد المضيق وقد أُغلق تمامًا بالجنود. فما كان من أمر الحاجب المنصور إلاَّ أن عاد مرَّة أخرى إلى الشمال واحتلَّ مدينة من مدن النصارى هناك، ثم أخرج أهلها منها وعسكر هو فيها، ووزَّع ديارها على جنده، وتحصَّن وعاش فيها فترة، ثم اتخذها مركزًا له يقود منه سير العمليات العسكرية، فأخذ يُرسل منها السرايا إلى أطراف ممالك النصارى، ويأخذ الغنائم ويقتل المقاتلين من الرجال، ثم يأتي بهؤلاء المقاتلين ويرمي بجثثهم على المضيق الذي احتلَّه النصارى ومنعوه من العودة منه.

 

وهنا ضجَّ النصارى وذهبوا مغاضبين إلى قوَّادهم يعرضون عليهم أن يفتحوا له الباب؛ حتى يعود إلى بلده مرَّة أخرى، أو يجدوا حلاًّ لهم في هذا الرجل، فاستجابوا لهم وعرضوا على الحاجب المنصور أن يُخَلُّوا بينه وبين طريق العودة ويعود من حيث أتى، فما كان من المنصور إلاَّ أن رفض هذا العرض، وردَّ عليهم متهكِّمًا أنه كان يأتي إليهم كل عام مرتين صيفًا وشتاءً، وأنه يريد هذه المرَّة أن يمكث بقية العام حتى يأتي موعد المرَّة الثانية، فيقوم بالصوائف والشواتي من مركزه في هذه البلاد بدلاً من الذهاب إلى قُرْطُبَة ثم العودة منها ثانية.

 

لم يكن مفرٌّ أمام النصارى سوى أن يطلبوا منه الرجوع إلى بلده ومالوا إلى السلم، فراسلوه في ترك الغنائم والجواز إلى بلاده، فقال: أنا عازم على المقام, فتركوا له الغنائم، فلم يجبهم إلى الصلح، فبذلوا له مالاً وأعطوه دوابَّ تحمل له ما غنمه من بلادهم، فأجابهم إلى الصلح، وفتحوا له الدرب.

 

وذات مرة خرج للجهاد في سبيل الله، وبعد أن حقق النصر كعادته على الإسبان، عاد إلى قرطبة ووافق رجوعه صلاة عيد الأضحى والناس في المصلى يكبرون ويهللون، وقبل أن ينزل من على صهوة جواده، اعترضت طريقه امرأة عجوز، وقالت له بقلب متفطر باك: يا منصور كل الناس مسرور إلا أنا، قال المنصور: وما ذاك؟ قالت: ولدي أسير عند الصليبيين في حصن رباح، فإذا بالبطل العظيم الذي لم ينزل بعد من على ظهر جواده، والذي يعلم قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه أمة الإسلام، والذب عن حياض الأمة والدين، إذا به يلوي عنق فرسه مباشرة وينادي في جيشه ألا ينزل أحد من على فرسه ثم ينطلق متوجها إلى حصن رباح ويظل يجاهدهم حتى يجبرهم على إطلاق سراح أسرى المسلمين عندهم ومنهم ولد العجوز.

 

وكان من عادة الحاجب المنصور -رحمه الله- في جهاده وبعد كل معركة أن ينفض ثوبه، ويأخذ ما يخرج منه من غبار ويضعه في قارورة، ثم أمر في نهاية حياته أن تُدفن معه هذه القارورة؛ وذلك حتى تشهد له يوم القيامة بجهاده ضد النصارى.

أفلا يتفطر القلب ألما وكمدا وحزنا على سقوط دولة هذا بعض تاريخها؟

أولا يعي المسلمون حجم الخسارة التي خسروها بسقوط هذه الدولة العظيمة!!

 

 

 

كتبه العبد الراغب رحمة ربه أبو مالك،

مستقيا جل مادته من موقع قصة الإسلام.

 

05 من ربيع الاول 1434

الموافق 2013/01/17م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بارك الله فيكم جميعاً وجزاكم عن الإسلام خير الجزاء

 

تاريخ مشرق وحضارة رائعة غيبتها بطون الكتب..

 

نسأل الله أن يعجل لنا بحاكم يعيد فينا مجدنا ويرجع لنا أراضينا كلها

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

في ذكرى سقوط الأندلس

 

ماذا خسرَ المسلمونَ بسقوطِ الأندلسِ؟

 

ج5

 

 

 

أما على جانب المدنية والعلوم والعمران، فحدث ولا حرج، كان من المعالم المهمَّة في قرطبة (قنطرة قرطبة)، والتي تقع على نهر الوادي الكبير، وقد عُرفت باسم: (الجسر)، وأيضًا: (قنطرة الدهر)، وكان طولها أربعمائة متر تقريبًا، وعرضها أربعين مترًا، وارتفاعها ثلاثين مترًا!

 

 

 

وقد شهد لها ابن الوردي والإدريسي بأنها «القنطرة التي عَلَتِ القناطرَ فَخْرًا في بنائها وإتقانها"

 

 

 

كان عدد أقواسها سبع عشرة قوسًا، بين كل قوس والآخر اثنا عشر مترًا، وسعة القوس الواحد اثنا عشر مترًا، وكان عرضها حوالي سبعة أمتار، وارتفاعها عن سطح ماء النهر بلغ خمسة عشر مترًا.

 

 

 

إن هذه الأبعاد كانت لقنطرة بُنِيَت في بداية القرن الثاني الهجري (101هـ)؛ أي منذ ألف وأربعمائة عام، على يد السمح بن مالك الخولاني الذي كان والي الأندلس من قِبَل عمر بن عبد العزيز، أي في وقت لم يكن فيه الناس يعرفون من وسائل الانتقال إلاَّ الخيل والبغال والحمير، ولم تكن وسائل وأساليب البناء على المستوى المتطور حينئذٍ؛ مما يجعل هذه القنطرة بهذا الشكل واحدة من مفاخر الحضارة الإسلامية.

 

 

 

لم يقتصر دور جامع قرطبة على العبادة فقط، وإنما كان -أيضًا- جامعة علميَّة تُعَدُّ من أشهر جامعات العالم آنذاك، وأكبر مركز علمي في أوربا، ومن خلاله انتقلت العلوم العربية إلى الدول الأوربية على مدى قرون، وكان يُدرس في هذه الجامعة كل العلوم، وكان يُختار لها أعظم الأساتذة، وكان طلاب العلم يَفِدُون إليها من الشرق والغرب على السواء؛ مسلمين كانوا أو غير مسلمين. وقد احْتَلَّتْ حلقات الدرس والعلم أكثر من نصف المسجد، وكان للشيوخ راتبٌ جيد ليتفرَّغُوا للدرس والتأليف، وكذلك خُصِّصَتْ أموال للطلاب، ومكافآت ومعونات للمحتاجين؛ وهو الأمر الذي أثرى الحياة العلميَّة بصورة ملحوظة في ذلك الوقت وفي تلك البيئة، واستطاعت قرطبة أن تُخْرِجَ للمسلمين وللعالم الجمَّ الغفير من العلماء، وفي جميع مجالات العلوم، وكان منهم: الزهراوي (325-404هـ= 936-1013م) أشهر جَرَّاح، وطبيب، وعالم بالأدوية وتركيبها، وهناك -أيضًا- ابن باجه، وابن طفيل، ومحمد الغافقي (أحد مُؤَسِّسِي طبّ العيون)، وابن عبد البر، وابن رشد، والإدريسي، وأبو بكر يحيى بن سعدون بن تمام الأزدي، والقاضي القرطبي النحوي، والحافظ القرطبي، وأَبو جعفر القرطبي، وغيرهم كثير.

 

 

 

وجدير بالذكر أن هذه النهضة العلمية والحضارية في مدينة قرطبة في ذلك الوقت، واكبها -أيضًا- نهضة إدارية؛ وذلك من خلال عدد من المؤسسات والنُّظُمِ الرائدة في الحكم؛ منها: الإمارة والوزارة، وقد تطوَّرَتْ أنظمة القضاء والشرطة والحِسْبة، وغيرها، وواكبتها -أيضًا- نهضة صناعية عظيمة؛ إذ تطوَّرت فيها الصناعة كثيرًا، واشتهرت صناعات مثل: صناعة الجلود، وصناعة السفن، وآلات الحرث، والأدوية.. وغيرها، وكذلك استخراج الذهب والفضة والنحاس!

 

 

 

بانقضاء عهد المنصور، دخلت الأندلس في عصر ملوك الطوائف، فكانت الفرقة والتنازع والضعف، والإقبال على الدنيا، ودخلت الأندلس في مرحلة ما قبل السقوط، إلى أن سقطت.

 

 

 

وبعد، فقد خسر المسلمون بسقوط هذه الدولة العظيمة، بعد عهد المنصور بن أبي عامر، منارة أضاءت الدنيا علما وفقها وجهادا، ورغد عيش.

 

 

 

خسروا حاضرة للمسلمين كان جل هم الأوروبيين أن يتعلموا منها العلوم والآداب ويتشبهون بالعرب في لباسهم وعاداتهم ليرتقوا في معارج المدنية.

 

 

 

خسروا قاعدة كادت أن تفتح أوروبا كلها أمام نور الإسلام، قادها رجال رجال،

 

 

 

وخسروا بابتعادهم عن أسباب عزتهم وقوتهم، خسروا بلدا إسلاميا، أضحى ينأى ويئن تحت وطأة حقد الكاثوليك الذين أقاموا فيه محاكم التفتيش الرهيبة، وقلبوا حضارته بشاعة، وملؤوه بعد العدل حقدا وضغينة ملأت صدورهم.

 

 

 

وكأني بالأندلس تئن، ويئن مسجد قرطبة وسائر تلك المساجد فيها مشتاقة لإقامة الأذان وإقامة الصلاة فيها، وإن هي إلا ساعة، فتعود الأندلس لحضن الأمة الإسلامية، تحت إمرة أمير المؤمنين، يقيم فيها العدل وينشر منها الإسلام إلى أوروبا التي تئن الآن تحت وطأة الرأسمالية الآيلة للسقوط، وإن دولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة.

 

 

 

 

كتبه العبد الراغب رحمة ربه أبو مالك،

 

مستقيا جل مادته من موقع قصة الإسلام.

 

 

06 من ربيع الاول 1434

الموافق 2013/01/18م

 

 

 

http://www.hizb-ut-t...nts/entry_22441

رابط هذا التعليق
شارك

وكأني بالأندلس تئن، ويئن مسجد قرطبة وسائر تلك المساجد فيها مشتاقة لإقامة الأذان وإقامة الصلاة فيها، وإن هي إلا ساعة، فتعود الأندلس لحضن الأمة الإسلامية، تحت إمرة أمير المؤمنين، يقيم فيها العدل وينشر منها الإسلام إلى أوروبا التي تئن الآن تحت وطأة الرأسمالية الآيلة للسقوط، وإن دولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة.

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...