اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

نداءات القرآن الكريم / حلقات يكتبها الأستاذ محمد أحمد النادي


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

نداءات القرآن الكريم

 

ح1

 

عظمة القرآن الكريم

 

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: سنكون معكم على مدار إحدى وتسعين حلقة، بعدد نداءات القرآن الكريم، نقبل وإياكم فيها على مأدبة الله جل في علاه، لنعلم مضمونها، ونعمل بمقتضاها، وذلك امتثالا لأمر الله، واهتداء بهدي رسول الله. روى الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم".

 

أيها المؤمنون:

 

قال تعالى: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقر‌آن العظيم). (الحجر 87) أجل القرآن عظيم، فمن أين أتت عظمة القرآن يا ترى؟ للإجابة عن هذا السؤال نقول: عظمة القرآن من عظمة منزله وهو الله تبارك وتعالى. وعظمة القرآن من عظمة من تلقاه من الله وهو جبريل عليه السلام. وعظمة القرآن من عظمة النبي الذي أنزل عليه وهو محمد صلى الله عليه وسلم. وعظمة القرآن من عظمة الأمة التي حملته رسالة هداية للعالمين، وهي أمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس لتخرجهم من الظلمات إلى النور. عظمة القرآن من عظمة الشهر الذي نزل فيه وهو شهر رمضان المبارك. عظمة القرآن من عظمة الليلة التي أنزل فيها، وهي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. عظمة القرآن من عظمة اللغة التي نزل بها وهي اللغة العربية، لغة الضاد، لغة أهل البلاغة والفصاحة والبيان، لغة القرآن، لغة عباد الرحمن، لغة أهل الجنان! وكيف لا يكون هذا القرآن عظيما، وهو تنزيل العزيز الر‌حيم؟ كيف لا يكون هذا القرآن عظيما، وهو تنزيل من الله العزيز الحكيم؟ كيف لا يكون هذا القرآن عظيما، وهو تنزيل من الله العزيز العليم؟ كيف لا يكون هذا القرآن عظيما، وهو تنزيل من ر‌ب العالمين؟ كيف لا يكون هذا القرآن عظيما، وهو تنزيل من الر‌حمن الر‌حيم؟ كيف لا يكون هذا القرآن عظيما، وهو تنزيل من حكيم حميد؟ كيف لا يكون هذا القرآن عظيما، وهو تنزيل ممن خلق الأر‌ض والسماوات العلى؟

 

أيها المؤمنون:

 

يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في معرض تفسيره للآية الثانية من سورة العنكبوت: (أحسب الناس أن يتر‌كوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون). "إن الإيمان ليس كلمة تقال، إنما هو حقيقة ذات تكاليف، وأمانة ذات أعباء، وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال. فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا. وهم لا يتركون لهذه الدعوى، حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم. كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به - وهذا هو أصل كلمة (يفتنون) اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه - وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب". انتهى الاقتباس

 

أيها المؤمنون:

 

يفخر المؤمن بعبوديته لربه عز وجل وانتسابه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويحمد الله تبارك وتعالى على آلائه العظيمة ونعمه الكثيرة، ولسان حاله يقول: اللهم لك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالأهل والمال والولد، ولك الحمد بالمعافاة! اللهم لك الحمد بأنك أنت الله وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك! ورحم الله من قال:

 

ومما زادني فخرا وتيها ** وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي ** وأن صيرت أحمد لي نبيا

 

 

 

أيها المؤمنون:

 

يا من آمنتم بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن دستورا، وبمحمد نبيا ورسولا. إن الله جل في عليائه يناديكم بهذا النداء القريب إلى قلوبكم، والمحبب إلى نفوسكم! يناديكم بقوله: (يا أيها الذين آمنوا). ما أروعه من نداء! إنه يذكركم بإيمانكم بالله ربكم، وبكل ما تؤمنون به تبعا لهذا الإيمان. يذكركم بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، والقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى. يذكركم بالإيمان باليوم الآخر وما فيه من البعث والنشور والثواب والعقاب والحساب والعذاب. يذكركم بالإيمان بالجنة ونعيمها، والنار وجحيمها. يذكركم بكل أركان الإيمان تذكيرا يدفعكم إلى طاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه! فما هو موقفكم يا ترى حين تسمعون هذا النداء، من رب الأرض والسماء؟ كأني بلسان حالكم يقول مجيبا نداء الله: لبيك ربنا وسعديك، والخير كله لديك! لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك!

 

هذه الاستجابة السريعة لأمر الله سبحانه وتعالى هي سمة من أبرز سمات المؤمنين الصادقين، المفلحين الفائزين برضوان الله رب العالمين القائل في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ور‌سوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ور‌سوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ). (النور52)

 

الاستجابة لأمر الله سبحانه فيها الحياة، وفيها النجاة من عذاب الله، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا للـه وللر‌سول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن اللـه يحول بين المر‌ء وقلبه وأنه إليه تحشر‌ون واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن اللـه شديد العقاب). (الأنفال 25) وقال تعالى: (استجيبوا لر‌بكم من قبل أن يأتي يوم لا مر‌د له من اللـه ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير). (الشورى 47)

 

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وهمومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

محمد أحمد النادي

 

 

 

25 من ربيع الثاني 1434

الموافق 2013/03/07م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

نداءات القرآن الكريم

 

ح2

 

النهي عن استخدام مصطلحات الكفار التي لها مدلول يتعارض مع الإسلام

 

ج1

 

 

 

النهي عن استخدام مصطلحات الكفار التي لها مدلول يتعارض مع الإسلام

 

(يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ر‌اعنا وقولوا انظر‌نا واسمعوا وللكافر‌ين عذاب أليم) (البقرة 104).

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء الأول نتناول فيه الآية الكريمة الرابعة بعد المائة من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ر‌اعنا وقولوا انظر‌نا واسمعوا وللكافر‌ين عذاب أليم ). نقول وبالله التوفيق: نهى الله عباده المؤمنين في هذه الآية الكريمة عن قول كلمة راعنا، وأمرهم أن يقولوا بدلا منها: انظرنا.

 

أيها المؤمنون:

 

القرآن يفسر بعضه بعضا كما يقولون، لذا فقد بين الله تعالى في الآية السادسة والأربعين من سورة النساء الحكمة من هذا النهي وهي أن يهود أعداء الله وأعداء الإسلام والمسلمين يحرفون الكلم عن مواضعه، كما بين أغراضهم الخبيثة من هذا التحريف وهي الطعن في دين الإسلام. قال تعالى: (من الذين هادوا يحر‌فون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير‌ مسمع ور‌اعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظر‌نا لكان خير‌ا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفر‌هم فلا يؤمنون إلا قليلا). (النساء )

يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: "يمضي هذا الدرس في كشف دسائس اليهود وكيدهم للإسلام والمسلمين وتحذير الجماعة المسلمة من ألاعيبهم وحيلهم، وما تكنه نفوسهم للمسلمين من الحقد والشر، وما يبيتون لهم من الكيد والضر ونهى الجماعة المسلمة عن التشبه بهؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب في قول أو فعل ويكشف للمسلمين عن الأسباب الحقيقية الدفينة التي تكمن وراء أقوال اليهود وأفعالهم، وكيدهم ودسائسهم، وألاعيبهم وفتنهم التي يطلقونها في الصف الإسلامي.

 

أيها المؤمنون:

يتجه الخطاب في مطلع هذا الدرس إلى (الذين آمنوا). يناديهم بالصفة التي تميزهم، والتي تربطهم بربهم ونبيهم، والتي تستجيش في نفوسهم الاستجابة والتلبية. وبهذه الصفة ينهاهم أن يقولوا للنبي صلى الله عليه وسلم: (راعنا). - من الرعاية والنظر - وأن يقولوا بدلا منها مرادفها في اللغة العربية: (انظرنا)... ويأمرهم بالسمع بمعنى الطاعة، ويحذرهم من مصير الكافرين وهو العذاب الأليم: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولواراعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم).

 

وتذكر الروايات أن السبب في ذلك النهي عن كلمة "راعنا" .. أن سفهاء اليهود كانوا يميلون ألسنتهم في نطق هذا اللفظ، وهم يوجهونه للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يؤدي معنى آخر مشتقا من الرعونة. فقد كانوا يخشون أن يشتموا النبي صلى الله عليه وسلم مواجهة، فيحتالون على سبه صلوات الله وسلامه عليه عن هذا الطريق الملتوي، الذي لا يسلكه إلا صغار السفهاء! ومن ثم جاء النهي للمؤمنين عن اللفظ الذي يتخذه اليهود ذريعة، وأمروا أن يستبدلوا به مرادفه في المعنى، الذي لا يملك السفهاء تحريفه وإمالته؛ كي يفوتوا على اليهود غرضهم الصغير السفيه!

واستخدام مثل هذه الوسيلة من اليهود يشي بمدى غيظهم وحقدهم، كما يشي بسوء الأدب، وخسة الوسيلة، وانحطاط السلوك. والنهي الوارد بهذه المناسبة يوحي برعاية الله لنبيه وللجماعة المسلمة، ودفاعه سبحانه عن أوليائه، بإزاء كل كيد وكل قصد شرير من أعدائهم الماكرين". (انتهى الاقتباس).

 

أيها المؤمنون:

ما أشبه الليلة بالبارحة، والتاريخ يعيد نفسه، وها هم أعداء الله ورسوله يكيدون للإسلام والمسلمين، يريدون سلخهم عن عقيدتهم، وإبعادهم وحرفهم عن أحكام دينهم، فيروجون أفكارهم الخبيثة في أوساط المسلمين، مستعينين ببعض الشخصيات الموالية لهم من المسلمين الذين اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، يسوقون لنا أفكار الغرب مرة على أنها أفكار إسلامية، ومرة ثانية على أنها تتوافق مع أفكار الإسلام، ومرة ثالثة على أنها لا تتعارض ولا تتناقض مع أفكار الإسلام.

 

ولم يقف الأمر بهم عند هذا الحد، بل وصل إلى أبعد من ذلك، فصاروا ينادون بل ويطالبون بتحكيم شرع غير شرع الله جل في علاه. يقولون ذلك إرضاء لأعدائنا من الكفرة والمشركين طمعا في مناصب دنيوية!

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

محمد احمد النادي

 

 

 

 

27 من ربيع الثاني 1434

الموافق 2013/03/09م

 

 

 

http://www.hizb-ut-t...nts/entry_23609

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

نداءات القرآن الكريم للذين آمنوا

الحلقة الثالثة

النداء الأول ( الجزء الثاني )

النهي عن استخدام مصطلحات الكفار التي لها مدلول يتعارض مع الإسلام

 

 

 

 

 

 

 

(يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ر‌اعنا وقولوا انظر‌نا واسمعوا وللكافر‌ين عذاب أليم) (البقرة 104).

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نتابع معكم الحديث عن النداء الأول والذي تناولنا فيه الآية الكريمة الرابعة بعد المائة من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ر‌اعنا وقولوا انظر‌نا واسمعوا وللكافر‌ين عذاب أليم ). نقول وبالله التوفيق:

أيها المؤمنون:

 

نهى الله عباده المؤمنين في هذه الآية الكريمة عن قول كلمة راعنا، وأمرهم أن يقولوا بدلا منها: انظرنا. وما أشبه الليلة بالبارحة، والتاريخ يعيد نفسه، الله سبحانه وتعالى يقول: (إن الحكم إلا لله أمر‌ ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر‌ الناس لا يعلمون). (يوسف 0) وهم يقولون: "إن الحكم للشعب".

الله سبحانه يقول: (والذين استجابوا لر‌بهم وأقاموا الصلاة وأمر‌هم شور‌ى بينهم ومما ر‌زقناهم ينفقون). (الشورى 38) فجعل الشورى تتوسط بين عبادتين، بل بين ركنين مهمين من أركان الإسلام، وهما الصلاة والزكاة يقوم بهما المسلم استجابة لربه عز وجل، وهم يقولون: الديمقراطية لا تتعارض مع الإسلام، وهي مثل الشورى، لذا فنحن نريد دولة تطبق الديمقراطية! الله سبحانه يقول: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذر‌هم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما ير‌يد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثير‌ا من الناس لفاسقون). (المائدة 49) وهم يقولون: لا نريد الحكم بما أنزل الله!. الله سبحانه يقول: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون). (المائدة 50) وهم يقولون: نريد دولة علمانية لا دين لها!

 

الله سبحانه يقول: (فلا ور‌بك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر‌ بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حر‌جا مما قضيت ويسلموا تسليما). (النساء 65) وهم يقولون:لا مجال لتطبيق الشريعة الإسلامية في بلادنا!

الله سبحانه يقول: (إن الدين عند الله الإسلام ). (آل عمران 19)، ويقول: (ومن يبتغ غير‌ الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخر‌ة من الخاسر‌ين). (آل عمران 85) وهم يقولون: نريد دولة تطبق الدساتير الغربية، ولا نريد دولة تطبق الدستور الإسلامي المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس الشرعي باجتهاد صحيح، يرضى عنها ساكن الأرض وساكن السماء!

 

الله سبحانه يقول: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفر‌ون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة ير‌دون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون أولئك الذين اشتر‌وا الحياة الدنيا بالآخر‌ة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصر‌ون). (البقرة 85) وهم يقولون: لا نستطيع أن نطبق شرع الله تطبيقا كاملا دفعة واحدة؛ لذلك سنعمل على تطبيقه بالتدريج، وإن أدى ذلك إلى تعطيل بعض الأحكام الشرعية، وإلى الحكم بغير ما أنزل الله.

النبي صلى الله عليه وسلم يقول مخبرا بما سيكون بعد الحكم الجبري الذي بدأ بالزوال: "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة" وهم يقولون: سنحافظ على النظام الجمهوري الديمقراطي، ولا نسعى لتطبيق نظام الخلافة الإسلامية التي تطبق الإسلام كاملا دفعة واحدة في كل شأن من شؤون الحياة كما يحب ربنا ويرضى جل في علاه!

 

أيها المؤمنون:

والآن دعونا نتساءل كما تساءل الشاعر مصطفى حيدر الكيلاني في صرخة له منذ خمسينات القرن الماضي فنقول كما قال:

 

 

 

 

متى الإسلام في الدنيا يسود

 

ويشرق بيننا الفجر الجديد

 

متى ننقض كالشهب البوازي

 

وننزوا مثلما تنزوا الأسود

 

 

على المستعمرين وتابعيهم

 

نريهم كيف تتحطم القيود

 

كيف تفور من غضب دمانا

 

وكيف نبيدهم فيما نبيد

 

 

متى نستأنف الإسلام حكما

 

سماويا تقام به الحدود

 

ورايتنا العقاب تعود يوما

 

مرفرفة تخر لها البنود

 

 

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

محمد أحمد النادي

 

 

 

 

 

 

28 من ربيع الثاني 1434

الموافق 2013/03/10م

 

 

 

 

http://www.hizb-ut-t...nts/entry_23626

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

نداءات القرآن الكريم

 

ح4

 

الأمر بالاستعانة على المصائب والشدائد وعلى أعباء الحياة

بالصبر والصلاة

 

 

الأمر بالاستعانة على المصائب والشدائد وعلى أعباء الحياة بالصبر والصلاة.

 

(يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر‌ والصلاة إن الله مع الصابر‌ين) (البقرة 153).

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء الثاني نتناول فيه الآية الكريمة الثالثة والخمسين بعد المائة من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر‌ والصلاة إن الله مع الصابر‌ين). نقول وبالله التوفيق:

يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: " بعد تقرير القبلة، وإفراد الأمة المسلمة بشخصيتها المميزة، التي تتفق مع حقيقة تصورها المميزة كذلك، كان أول توجيه لهذه الأمة ذات الشخصية الخاصة والكيان الخاص، هذه الأمة الوسط الشهيدة على الناس، كان أول توجيه لهذه الأمة هو الاستعانة بالصبر والصلاة على تكاليف هذا الدور العظيم، والاستعداد لبذل التضحيات التي يتطلبها هذا الدور من استشهاد الشهداء، ونقص الأموال والأنفس والثمرات، والخوف والجوع، ومكابدة أهوال الجهاد لإقرار منهج الله في الأنفس، وإقراره في الأرض بين الناس، وربط قلوب هذه الأمة بالله، وتجردها له، ورد الأمور كلها إليه .. كل أولئك في مقابل رضا الله ورحمته وهدايته، وهي وحدها جزاء ضخم للقلب المؤمن، الذي يدرك قيمة هذا الجزاء (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة. إن الله مع الصابرين). يتكرر ذكر الصبر في القرآن كثيرا ذلك أن الله سبحانه يعلم ضخامة الجهد الذي تقتضيه الاستقامة على الطريق بين شتى النوازع والدوافع والذي يقتضيه القيام على دعوة الله في الأرض بين شتى الصراعات والعقبات والذي يتطلب أن تبقى النفس مشدودة الأعصاب، مجندة القوى، يقظة للمداخل والمخارج .. ولا بد من الصبر في هذا كله .. لا بد من الصبر على الطاعات، والصبر عن المعاصي، والصبر على جهاد المشاقين لله، والصبر على الكيد بشتى صنوفه، والصبر على بطء النصر، والصبر على بعد الشقة، والصبر على انتفاش الباطل، والصبر على قلة الناصر، والصبر على طول الطريق الشائك، والصبر على التواء النفوس، وضلال القلوب، وثقلة العناد، ومضاضة الإعراض ..

 

أيها المؤمنون:

 

حين يطول الأمد، ويشق الجهد، قد يضعف الصبر، أو ينفد، إذا لم يكن هناك زاد ومدد، ومن ثم يقرن الصلاة إلى الصبر فهي المعين الذي لا ينضب، والزاد الذي لا ينفد، والمعين الذي يجدد الطاقة، والزاد الذي يزود القلب فيمتد حبل الصبر ولا ينقطع، ثم يضيف إلى الصبر، الرضا والبشاشة، والطمأنينة، والثقة، واليقين.

 

إنه لا بد للإنسان الفاني الضعيف المحدود أن يتصل بالقوة الكبرى، يستمد منها العون حين يتجاوز الجهد قواه المحدودة، حينما تواجهه قوى الشر الباطنة والظاهرة، حينما يثقل عليه جهد الاستقامة على الطريق بين دفع الشهوات وإغراء المطامع، وحينما تثقل عليه مجاهدة الطغيان والفساد وهي عنيفة، حينما يطول به الطريق وتبعد به الشقة في عمره المحدود، ثم ينظر فإذا هو لم يبلغ شيئا وقد أوشك المغيب، ولم ينل شيئا وشمس العمر تميل للغروب، حينما يجد الشر نافشا والخير ضاويا، ولا شعاع في الأفق ولا معلم في الطريق ..

هنا تبدو قيمة الصلاة .. إنها الصلة المباشرة بين الإنسان الفاني والقوة الباقية. إنها الموعد المختار لالتقاء القطرة المنعزلة بالنبع الذي لا يغيض. إنها مفتاح الكنز الذي يغني ويقني ويفيض. إنها الانطلاقة من حدود الواقع الأرضي الصغير إلى مجال الواقع الكوني الكبير. إنها الروح والندى والظلال في الهاجرة، إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب المكدود .. ومن هنا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في الشدة قال: "أرحنا بها يا بلال" .. ويكثر من الصلاة؛ ليكثر من اللقاء بالله. حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.

 

إن هذا المنهج الإسلامي منهج عبادة. والعبادة فيه ذات أسرار. ومن أسرارها أنها زاد الطريق. وأنها مدد الروح. وأنها جلاء القلب. وأنه حيثما كان تكليف كانت العبادة هي مفتاح القلب لتذوق هذا التكليف في حلاوة وبشاشة ويسر .. إن الله سبحانه حينما انتدب محمدا صلى الله عليه وسلم للدور الكبير الشاق الثقيل، قال له: (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا. نصفه أو انقص منه قليلا. أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا. إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) .. فكان الإعداد للقول الثقيل، والتكليف الشاق، والدور العظيم هو قيام الليل وترتيل القرآن .. إنها العبادة التي تفتح القلب، وتوثق الصلة، وتيسر الأمر، وتشرق بالنور، وتفيض بالعزاء والسلوى والراحة والاطمئنان. ومن ثم يوجه الله المؤمنين هنا وهم على أبواب المشقات العظام .. إلى الصبر وإلى الصلاة ..

ثم يجيء التعقيب بعد هذا التوجيه: (إن الله مع الصابرين). .. معهم، يؤيدهم، ويثبتهم، ويقويهم، ويؤنسهم، ولا يدعهم يقطعون الطريق وحدهم، ولا يتركهم لطاقتهم المحدودة، وقوتهم الضعيفة، إنما يمدهم حين ينفد زادهم، ويجدد عزيمتهم حين تطول بهم الطريق .. وهو يناديهم في أول الآية ذلك النداء الحبيب: "يا أيها الذين آمنوا" .. ويختم النداء بذلك التشجيع العجيب: "إن الله مع الصابرين". والأحاديث في الصبر كثيرة نذكر بعضها لمناسبته للسياق القرآني هنا في إعداد الجماعة المسلمة لحمل عبئها والقيام بدورها: عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة. فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار، فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه .. والله ليتمن الله تعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت فلا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون" .

 

 

 

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء عليهم السلام، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، وهو يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" . وعن يحيي بن وثاب، عن شيخ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم"". (انتهى الاقتباس).

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

 

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

محمد احمد النادي

 

 

 

 

30 من ربيع الثاني 1434

الموافق 2013/03/12م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

نداءات القرآن الكريم

 

ح5

 

إباحة الأكل من طيبات ما رزق الله

 

 

 

 

 

إباحة الأكل من طيبات ما رزق الله، والأمر بشكره على آلائه ونعمه الكثيرة

 

(يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما ر‌زقناكم واشكر‌وا لله إن كنتم إياه تعبدون) (البقرة172).

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء الثالث نتناول فيه الآية الكريمة الثانية والسبعين بعد المائة من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما ر‌زقناكم واشكر‌وا لله إن كنتم إياه تعبدون). نقول وبالله التوفيق:

 

يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: "إن الله ينادي الذين آمنوا بالصفة التي تربطهم به سبحانه، وتوحي إليهم أن يتلقوا منه الشرائع وأن يأخذوا عنه الحلال والحرام. ويذكرهم بما رزقهم فهو وحده الرازق، ويبيح لهم الطيبات مما رزقهم فيشعرهم أنه لم يمنع عنهم طيبا من الطيبات، وأنه إذا حرم عليهم شيئا فلأنه غير طيب، لا لأنه يريد أن يحرمهم ويضيق عليهم، وهو الذي أفاض عليهم الرزق ابتداء، ويوجههم للشكر إن كانوا يريدون أن يعبدوه وحده بلا شريك. فيوحي إليهم بأن الشكر عبادة وطاعة يرضاها الله من العباد .. كل أولئك في آية واحدة قليلة الكلمات: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون)". انتهى الاقتباس.

 

أيها المؤمنون:

 

لنا مع هذه الآية الكريمة وقفة عند الطيبات من الرزق التي أحلها الله تعالى لعباده، والخبائث التي حرمها عليهم. يقول الله تعالى: (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات ). (المائدة 4) ويقول تعالى: ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم ). (المائدة 5) ويقول تعالى: (الذين يتبعون الر‌سول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التور‌اة والإنجيل يأمر‌هم بالمعر‌وف وينهاهم عن المنكر‌ ويحل لهم الطيبات ويحر‌م عليهم الخبائث). (الأعراف 157) ويقول تعالى: (قل من حر‌م زينة الله التي أخر‌ج لعباده والطيبات من الر‌زق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون). (الأعراف32)

 

نفهم من الآيات الكريمة أن الله تعالى أباح لعباده الطيبات من الرزق، وحرم عليهم الخبائث، "فكل مباح طيب، وكل محرم خبيث"، وهذه قاعدة شرعية مستنبطة من مجموع الآيات. فالطيب هو ما ثبتت إباحته، والخبيث هو ما ثبتت حرمته. ولكي نفهم هذه القاعدة فهما صحيحا ينبغي أن نسأل أنفسنا أولا: هل هذا الشيء أو هذه المادة مباحة أو محرمة؟ فما ثبتت إباحته بناء على الدليل فهو طيب، وما ثبتت حرمته بناء على الدليل فهو خبيث.

 

أيها المؤمنون:

نريد أن نلفت النظر إلى أمر في غاية الأهمية وفي غاية الخطورة معا، وهو أن بعض علماء المسلمين - هداهم الله- يفهمون هذه القاعدة ويستخدمونها بطريقة معكوسة. فيتساءل أحدهم: هل هذا الشيء أو هذه المادة طيبة أم خبيثة؟ فيقرر أولا أنها طيبة أو خبيثة ثم يستنتج أنها مباحة أو محرمة. وبهذا صار الحكم الشرعي تبعا لمن يقرر الطيبة أو الخباثة وهو الإنسان، أي أن الإنسان هو الذي يشرع لنفسه، أي هو الذي يحلل أو يحرم وليس الله تعالى، وهذا في الشرع لا يجوز؛ لأن الله سبحانه يقول: (إن الحكم إلا لله أمر‌ ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر‌ الناس لا يعلمون). (يوسف40) فالذي يقرر الطيبة أو الخباثة هو الشرع وليس الإنسان. فالطيب ما طيبه الشرع والخبيث ما خبثه الشرع. وقد حذر الله سبحانه وتعالى من هذا الأمر، وهو أن يشرع الإنسان لنفسه، فيحلل أو يحرم كما يشاء. قال تعالى: (قل أر‌أيتم ما أنزل الله لكم من ر‌زق فجعلتم منه حر‌اما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفتر‌ون وما ظن الذين يفتر‌ون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر‌هم لا يشكر‌ون). (يونس60) وقال تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون ). (النحل116)

 

أيها المؤمنون:

وثمة قاعدة شرعية أخرى تقول: "الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم". هذه قاعدة تستخدم عند إرادة معرفة أو استنباط حكم الله تعالى في المطعومات والمشروبات والملبوسات. فالتفاح مثلا مباح؛ لأنه لم يرد نص في تحريمه، والخمر محرم؛ لأنه ورد النص بتحريمه، فتنطبق عليهما قاعدة: "الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم". لذا يمكننا القول: إن التفاح طيب لأنه مباح، وإن الخمر خبيث لأنه محرم بناء على القاعدة الأولى التي تقول: "كل مباح طيب، وكل محرم خبيث"، ولا يمكننا القول: إن التفاح مباح لأنه طيب، وإن الخمر محرم لأنه خبيث، بل الصواب أن يقال: إن التفاح مباح وهو طيب؛ لأن الله أباحه، وإن الخمر محرم وهو خبيث؛ لأن الله حرمه. وحتى لا نكون مجرد منظرين نضرب لذلك مثالا من واقع الحياة، فقد أصدر علماء السعودية فتوى بتحريم التدخين، وقاموا بطبع ونشر كتيبات ومطويات تبين حرمة التدخين، وسلكوا في تحريمه الطريقة المعكوسة التي أشرنا إليها وحذرنا منها، فتساءلوا قائلين: هل الدخان طيب أم خبيث؟ فقرروا أنه خبيث وبناء على ذلك حرموه، ولم يقولوا ما كان ينبغي أن يقال وهو: إن التدخين محرم بناء على الدليل الشرعي، فيذكروا الدليل ثم يقولوا عنه إنه خبيث! فالمسألة في غاية الدقة وفي غاية الخطورة فانتبهوا يرحمكم الله.

 

أيها المؤمنون:

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

محمد احمد النادي

 

 

 

02 من جمادى الأولى 1434

الموافق 2013/03/14م

 

رابط هذا التعليق
شارك

  • 2 weeks later...

بسم الله الرحمن الرحيم

نداءات القرآن الكريم للذين آمنوا

ح6

النداء الرابع

فرض شريعة القصاص في القتلى، وإباحة قبول الدية من أولياء الدم

 

 

 

 

(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر‌ بالحر‌ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعر‌وف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ر‌بكم ور‌حمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) (البقرة 178).

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء الرابع نتناول فيه الآية الكريمة الثامنة والسبعين بعد المائة من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر‌ بالحر‌ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعر‌وف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ر‌بكم ور‌حمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم). نقول وبالله التوفيق:

 

يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: "النداء للذين آمنوا .. بهذه الصفة التي تقتضي التلقي من الله الذي آمنوا به، في تشريع القصاص. وهو يناديهم لينبئهم أن الله فرض عليهم شريعة القصاص في القتلى، بالتفصيل الذي جاء في الآية الأولى. وفي الآية الثانية يبين حكمة هذه الشريعة، ويوقظ فيهم التعقل والتدبر لهذه الحكمة، كما يستجيش في قلوبهم شعور التقوى وهو صمام الأمن في مجال القتلى والقصاص. وهذه الشريعة التي تبينها الآية: أنه عند القصاص للقتلى - في حالة العمد - بقتل الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى. "فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان" .. وهذا العفو يكون بقبول الدية من أولياء الدم بدلا من قتل الجاني. ومتى قبل ولي الدم هذا ورضيه، فيجب إذن أن يطلبه بالمعروف والرضا والمودة. ويجب على القاتل أو وليه أن يؤديه بإحسان وإجمال وإكمال. تحقيقا لصفاء القلوب، وشفاء لجراح النفوس، وتقوية لأواصر الأخوة بين البقية الأحياء.

وقد امتن الله على الذين آمنوا بشريعة الدية هذه بما فيها من تخفيف ورحمة: "ذلك تخفيف من ربكم ورحمة" .. ولم يكن هذا التشريع مباحا لبني إسرائيل في التوراة. إنما شرع للأمة المسلمة استبقاء للأرواح عند التراضي والصفاء. "فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم" .. وفوق العذاب الذي يتوعده به في الآخرة .. يتعين قتله، ولا تقبل منه الدية؛ لأن الاعتداء بعد التراضي والقبول، نكث للعهد، وإهدار للتراضي، وإثارة للشحناء بعد صفاء القلوب، ومتى قبل ولي الدم الدية، فلا يجوز له أن يعود فينتقم ويعتدي. ومن ثم ندرك سعة آفاق الإسلام وبصره بحوافز النفس البشرية عند التشريع لها ومعرفته بما فطرت عليه من النوازع .. إن الغضب للدم فطرة وطبيعة. فالإسلام يلبيها بتقرير شريعة القصاص. فالعدل الجازم هو الذي يكسر شرة النفوس، ويفثأ حنق الصدور، ويردع الجاني كذلك عن التمادي، ولكن الإسلام في الوقت ذاته يحبب في العفو، ويفتح له الطريق، ويرسم له الحدود، فتكون الدعوة إليه بعد تقرير القصاص دعوة إلى التسامي في حدود التطوع، لا فرضا يكبت فطرة الإنسان ويحملها ما لا تطيق، ثم يكمل السياق الحديث عن فريضة القصاص بما يكشف عن حكمتها العميقة وأهدافها الأخيرة: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون). إنه ليس الانتقام، وليس إرواء الأحقاد. إنما هو أجل من ذلك وأعلى. إنه الحياة، وفي سبيل الحياة، بل هو في ذاته حياة .. ثم إنه للتعقل والتدبر في حكمة الفريضة، ولاستحياء القلوب واستجاشتها لتقوى الله .. والحياة التي في القصاص تنبثق من كف الجناة عن الاعتداء ساعة الابتداء. فالذي يوقن أنه يدفع حياته ثمنا لحياة من يقتل. جدير به أن يتروى ويفكر ويتردد. كما تنبثق من شفاء صدور أولياء الدم عند وقوع القتل بالفعل. شفائها من الحقد والرغبة في الثأر... وفي القصاص حياة على معناها الأشمل الأعم. فالاعتداء على حياة فرد اعتداء على الحياة كلها، واعتداء على كل إنسان حي، يشترك مع القتيل في سمة الحياة. فإذا كف القصاص الجاني عن إزهاق حياة واحدة، فقد كفه عن الاعتداء على الحياة كلها. وكان في هذا الكف حياة. حياة مطلقة. لا حياة فرد، ولا حياة أسرة، ولا حياة جماعة، بل حياة .. ثم وهو الأهم والعامل المؤثر الأول في حفظ الحياة استجاشة شعور التدبر لحكمة الله، ولتقواه "لعلكم تتقون". هذا هو الرباط الذي يعقل النفوس عن الاعتداء. الاعتداء بالقتل ابتداء، والاعتداء في الثأر أخيرا .. التقوى .. حساسية القلب وشعوره بالخوف من الله وتحرجه من غضبه وتطلبه لرضاه. إنه بغير هذا الرباط لا تقوم شريعة، ولا يفلح قانون، ولا يتحرج متحرج، ولا تكفي التنظيمات الخاوية من الروح والحساسية والخوف والطمع في قوة أكبر من قوة الإنسان! وهذا ما يفسر لنا ندرة عدد الجرائم التي أقيمت فيها الحدود على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد الخلفاء، ومعظمها كان مصحوبا باعتراف الجاني نفسه طائعا مختارا .. لقد كانت هنالك التقوى .. كانت هي الحارس اليقظ في داخل الضمائر، وفي حنايا القلوب، تكفها عن مواضع الحدود .. إلى جانب الشريعة النيرة البصيرة بخفايا الفطرة ومكنونات القلوب .. وكان هناك ذلك التكامل بين التنظيمات والشرائع من ناحية، والتوجيهات والعبادات من ناحية أخرى، تتعاون جميعها على إنشاء مجتمع سليم التصور سليم الشعور. نظيف الحركة نظيف السلوك. لأنها تقيم محكمتها الأولى في داخل الضمير! حتى إذا جمحت السورة البهيمية في حين من الأحيان، وسقط الإنسان سقطة، وكان ذلك حيث لا تراقبه عين ولا تتناوله يد القانون، تحول هذا الإيمان نفسا لوامة عنيفة، ووخزا لاذعا للضمير، وخيالا مروعا، لا يرتاح معه صاحبه حتى يعترف بذنبه أمام القانون، ويعرض نفسه للعقوبة الشديدة، ويتحملها مطمئنا مرتاحا، تفاديا من سخط الله، وعقوبة الآخرة". إنها التقوى .. إنها التقوى" .. (انتهى الاقتباس).

 

أيها المؤمنون:

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين

 

 

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد احمد النادي

 

 

 

 

 

 

04 من جمادى الأولى 1434

الموافق 2013/03/16م

 

 

http://www.hizb-ut-tahrir.info/info/index.php/contents/entry_23784

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

نداءات القرآن الكريم

 

ح7

 

فرض الصيام على أمة الإسلام

 

ج1

(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) (البقرة 183).

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء الخامس نتناول فيه الآية الكريمة الثالثة والثمانين بعد المائة من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). نقول وبالله التوفيق:

 

خاطب الله المؤمنين بالنداء المحبب إلى نفوسهم فقال: (يا أيها الذين آمنوا) ما أروعه من نداء!! إنه يذكر المؤمنين بإيمانهم بربهم تذكيرا يدفعهم إلى طاعة الله وامتثال أمره!! ثم قال: (كتب عليكم الصيام). وذلك بصيغة الفعل الذي لم يسم فاعله حيث استخدم الفعل "كتب" ولم يستخدم الفعل "كتب" المبني للمعلوم، الذي يذكر فاعله معه، فلم يقل سبحانه وتعالى: "كتب الله عليكم الصيام" بل قال: (كتب عليكم الصيام). وذلك تنزيها لله سبحانه وتعالى؛ لأن الصيام فيه جهد، ومشقة وتعب، لا يليق أن يقرن باسم الله جل في علاه، كما يرشدنا ويوجهنا الأدب العالي المستنبط من القرآن الكريم.

ثم قال: (كما كتب على الذين من قبلكم) وفي هذا دلالة على أن الأمة الإسلامية، ليست بدعا من الأمم، وتكليفها بالصيام، ليس لها وحدها، إنما كان مفروضا على الأمم السابقة فصاموا، فلا تكونوا أقل منهم حظا، وأنتم خير الأمم، ونبيكم محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء جميعا. وأخيرا قال: (لعلكم تتقون). وفي هذا بيان للحكمة من الصيام، والأثر الذي ينبغي أن يحدثه الصيام في نفوس المؤمنين. إن التقوى هي ثمرة من ثمار الصوم، كما نطقت بذلك الآية الكريمة، ولكن إخوة الإسلام يبرز هنا سؤالان هما: ما معنى التقوى؟ وما الثمار المرجوة منها؟

 

أيها المؤمنون:

للإجابة عن هذين السؤالين نقول: إن التقوى هي طاعة الله بتنفيذ أوامره، واجتناب نواهيه في كل لحظة من لحظات حياتنا، فتقوى العبد لربه تعني أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه، من غضب أو سخط أو عقاب، وقاية تقيه من ذلك، وهذه الوقاية والحماية تكون كما أسلفنا في امتثال طاعته واجتناب نواهيه ومعاصيه.

 

لقد عرف أحد العلماء التقوى فقال: "التقوى هي أن يجدك الله حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك" بمعنى أن الله أمرك بالصلاة، فينبغي أن يجدك مع المصلين...أمرك بالجهاد وحمل الدعوة، فينبغي أن يجدك مع المجاهدين وحملة الدعوة... ونهاك عن الربا، فينبغي أن لا تكون مع المرابين... ونهاك عن التجسس، فينبغي أن لا تكون مع المتجسسين. وعرفها ثان فقال: "التقوى هي الرضا بالقليل، والعمل بالتنزيل، والخوف من الجليل، والاستعداد ليوم الرحيل".

 

 

 

وعرفها ثالث فقال: "التقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله".

أيها المؤمنون:

 

هذه هي التقوى، فما الثمار المرجوة منها؟ هذا ما سنجيب عنه إن شاء الله تعالى: إن أعظم ثمرة للتقوى هي نيل رضوان الله تبارك وتعالى، وهو الغاية التي يطمح إليها كل مؤمن، بل هو غاية الغايات جميعا، فإذا كسب المؤمن رضا الله كسب كل شيء، وإذا خسر رضا الله - لا سمح الله - خسر كل شيء، لذا كانت التقوى خير زاد كما وصفها الله تبارك وتعالى، وكان أهل التقوى هم أولوا الألباب، أي هم أصحاب العقول المستنيرة، قال تعالى (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب).

وثمرة أخرى للتقوى يذكرها لنا الله في كتابه، قال تعالى: (اتقوا الله ويعلمكم الله). إنما العلم بالتعلم هذا قول صحيح، ولكن تقوى الله سبحانه وتعالى تساعد المرء في اكتساب العلم. ذكر في الأثر أن الإمام الشافعي، وقعت منه معصية من اللمم، أي من صغائر الذنوب، وحاول بعدها أن يحفظ بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يستطع، فشكا ذلك إلى أستاذه، فأرشده الأستاذ إلى ترك المعاصي، أي أرشده إلى تقوى الله، فأنشد يقول:

 

شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأرشدني إلى أن علم الله نور ونور الله لا يهدى لعاصي

 

أيها المؤمنون:

ثمرة ثالثة للتقوى يذكرها لنا الله في كتابه، قال تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب). إن تقوى الله تنجي المؤمن وتخرجه من المحنة التي هو فيها، وتجلب له الرزق ها هو سيدنا يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام يلتقمه الحوت ويبتلعه حتى يصبح في بطنه، فما الذي أخرجه من هذه المحنة؟ إنها تقوى الله سبحانه، إنه التسبيح، لم يغفل عن ذكر الله عز وجل حتى وهو في بطن الحوت، وقد قال الله تعالى في شأنه: (فلولا أنه كان من المسبحين، للبث في بطنه إلى يوم يبعثون).

 

أيها المؤمنون:

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

محمد أحمد النادي

 

 

 

 

06 من جمادى الأولى 1434

الموافق 2013/03/18م

 

http://www.hizb-ut-t...nts/entry_23835

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

نداءات القرآن الكريم

 

ح8

 

فرض الصيام على أمة الإسلام

 

ج2

 

(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) (البقرة 183).

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء الخامس نتناول فيه الآية الكريمة الثالثة والثمانين بعد المائة من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).

 

ذكرنا في الحلقة السابقة ثلاث ثمار للتقوى مرجوة منها،

الثمرة الرابعة من ثمار التقوى يذكرها لنا الله في كتابه، قال تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض). إن تقوى الله تجلب الرزق، وتجعل السماء تمطر ماء غدقا، وتجعل الأرض تخرج ما فيها من خيرات. يعم نفعها، قال تعالى: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا. يرسل السماء عليكم مدرارا. ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات، ويجعل لكم أنهارا. ما لكم لا ترجون لله وقارا).

 

وثمرة خامسة من ثمار التقوى يذكرها لنا الله في كتابه، قال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). إن تقوى الله تجعل صاحبها مكرما عند الله، وهي مقياس التفاضل بين الناس فلم يقل الله سبحانه وتعالى: إن أكرمكم عند الله أغناكم أو أكثركم جاها أو زعامة أو سلطانا إنما قال: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). وقال عليه السلام مؤكدا هذا المعنى: "أنا جد كل تقي، ولو كان عبدا حبشيا! وأنا عدو كل شقي، ولو كان هاشميا قرشيا !".

وثمرة سادسة من ثمار التقوى يذكرها لنا الله في كتابه، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم). إن الأتقياء هم الذين يفيض الله عليهم من نوره، فيدركون الحق، ويبصرون الصواب، ويميزون بين ما يجب فعله من الخير، وما يجب تركه من الشر، كما أن تقوى الله هي سبب في تكفير السيئات، وغفران الذنوب. وهذا هو معنى قوله تعالى: (يجعل لكم فرقانا).

 

أيها المؤمنون:

هذه هي الثمار الست المرجوة من تقوى الله، استخلصناها لكم من كتاب الله، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي على سبيل المثال لا الحصر، فالقرآن الكريم غني بالآيات التي تتحدث عن التقوى، والتي تبين عاقبة المتقين عند ربهم.

 

أيها المؤمنون:

ليست التقوى مجرد كلمة تقال، إنما لها واقع عملي طبقه رسولنا عليه الصلاة والسلام، فكان خلقه القرآن كما تقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وطبقه من بعده أجدادنا الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، حتى وصفوا بأنهم قرآن يدب على الأرض، ففازوا بخيري الدنيا والآخرة وسعدوا برضوان الله جل في علاه، وهزموا أكبر دولتين في ذلك الزمان، هزموا امبراطوريتي الفرس والروم، ونشروا الإسلام في ربوع العالم، فكانوا بحق خير أمة أخرجت للناس، وكانوا هم المؤمنون حقا كما وصفهم الله في كتابه، حيث قال: (أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم).

 

 

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

محمد احمد النادي

 

 

 

 

08 من جمادى الأولى 1434

الموافق 2013/03/20م

 

 

http://www.hizb-ut-t...nts/entry_23884

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

نداءات القرآن الكريم

الأمر بالاستسلام الكامل لله تعالى والنهي عن اتباع خطوات الشيطان

ح9

(يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) (البقرة ٢٠٨).

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أيها المؤمنون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء السادس نتناول فيه الآية الكريمة الثامنة بعد المائتين من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين). نقول وبالله التوفيق:

يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: "إنها دعوة للمؤمنين باسم الإيمان. بهذا الوصف المحبب إليهم، والذي يميزهم ويفردهم، ويصلهم بالله الذي يدعوهم .. دعوة للذين آمنوا أن يدخلوا في السلم كافة .. وأول مفاهيم هذه الدعوة أن يستسلم المؤمنون بكلياتهم لله، في ذوات أنفسهم، وفي الصغير والكبير من أمرهم. أن يستسلموا الاستسلام الذي لا تبقى بعده بقية ناشزة من تصور أو شعور، ومن نية أو عمل، ومن رغبة أو رهبة، لا تخضع لله ولا ترضى بحكمه وقضاه. استسلام الطاعة الواثقة المطمئنة الراضية. الاستسلام لليد التي تقود خطاهم وهم واثقون أنها تريد بهم الخير والنصح والرشاد وهم مطمئنون إلى الطريق والمصير، في الدنيا والآخرة على السواء.

وتوجيه هذه الدعوة إلى الذين آمنوا إذ ذاك تشي بأنه كانت هنالك نفوس ما تزال يثور فيها بعض التردد في الطاعة المطلقة في السر والعلن. وهو أمر طبيعي أن يوجد في الجماعة إلى جانب النفوس المطمئنة الواثقة الراضية .. وهي دعوة توجه في كل حين للذين آمنوا ليخلصوا ويتجردوا وتتوافق خطرات نفوسهم واتجاهات مشاعرهم مع ما يريد الله بهم، وما يقودهم إليه نبيهم ودينهم، في غير ما تلجلج ولا تردد ولا تلفت".

أيها المؤمنون:

يسترسل سيد قطب في حديثه فيقول: "والمسلم حين يستجيب هذه الاستجابة يدخل في عالم كله سلم وكله سلام. عالم كله ثقة واطمئنان، وكله رضا واستقرار. لا حيرة ولا قلق، ولا شرود ولا ضلال. سلام مع النفس والضمير. سلام مع العقل والمنطق. سلام مع الناس والأحياء. سلام مع الوجود كله ومع كل موجود. سلام يرف في حنايا السريرة. وسلام يظلل الحياة والمجتمع. سلام في الأرض وسلام في السماء. وأول ما يفيض هذا السلام على القلب يفيض من صحة تصوره لله ربه، ونصاعة هذا التصور وبساطته .. إنه إله واحد. يتجه إليه المسلم وجهة واحدة يستقر عليها قلبه فلا تتفرق به السبل، ولا تتعدد به القبل ولا يطارده إله من هنا وإله من هناك - كما كان في الوثنية والجاهلية - إنما هو إله واحد يتجه إليه في ثقة وفي طمأنينة وفي نصاعة وفي وضوح. وهو إله قوي قادر عزيز قاهر، فإذا اتجه إليه المسلم فقد اتجه إلى القوة الحقة الوحيدة في هذا الوجود، وقد أمن كل قوة زائفة واطمأن واستراح. ولم يعد يخاف أحدا أو يخاف شيئا، وهو يعبد الله القوي القادر العزيز القاهر. ولم يعد يخشى فوت شيء ولا يطمع في غير من يقدر على الحرمان والعطاء، وهو إله عادل حكيم، فقوته وقدرته ضمان من الظلم، وضمان من الهوى، وضمان من البخس. وليس كآلهة الوثنية والجاهلية ذوات النزوات والشهوات. ومن ثم يأوي المسلم من إلهه إلى ركن شديد، ينال فيه العدل والرعاية والأمان، وهو رب رحيم ودود. منعم وهاب. غافر الذنب وقابل التوب. يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، فالمسلم في كنفه آمن آنس، سالم غانم، مرحوم إذا ضعف، مغفور له متى تاب .. وهكذا يمضي المسلم مع صفات ربه التي يعرفه بها الإسلام فيجد في كل صفة ما يؤنس قلبه، وما يطمئن روحه، وما يضمن معه الحماية والوقاية والعطف والرحمة والعزة والمنعة والاستقرار والسلام" .. (انتهى الاقتباس).

أيها المؤمنون:

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد احمد النادي

 

 

11 من جمادى الأولى 1434

الموافق 2013/03/23م

 

 

http://www.hizb-ut-tahrir.info/info/index.php/contents/entry_23951

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

نداءات القرآن الكريم للذين آمنوا

 

ح10

 

النداء السادس (ج2)

 

الأمر بالاستسلام الكامل لله تعالى،

والنهي عن اتباع خطوات الشيطان

 

 

 

 

 

(يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) (البقرة ٢٠٨) .

 

 

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 

 

أيها المؤمنون:

 

 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء السادس نتناول فيه الآية الكريمة الثامنة بعد المائتين من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين). نقول وبالله التوفيق:

 

 

 

في أيام شهر رمضان المبارك يبرز إلى الأذهان سؤال هو: هل يجوز أن يكون الصيام والصلاة لله تعالى، وتكون الحاكمية لغير الله سبحانه؟ للإجابة عن هذا السؤال نفتح كتاب الله لنتلو قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين).

 

 

 

أيها المؤمنون:

 

 

 

فكلمة (السلم) الواردة هنا كما فسرها ابن عباس رضي الله عنهما، تعني الإسلام كاملا، والمقصود الإيمان بالإسلام كله دون استثناء، والعمل بشرعه كله دون غيره ورفض ما سواه. وكلمة (كافة) الواردة بعدها حال منها أي من (السلم) فتعني السلم كله، أي الإسلام كله. فالمراد من الآية الكريمة هو الأمر بالأخذ بتكاليف الإسلام جميعها: ما تميل إليه النفس منها، وما يخالف هواها. فالآية الكريمة تصرح بأن عدم الأخذ بالإسلام كاملا نوع من اتباع الشيطان، فالتفريط بشيء من ذلك المنهج سيكون فيه اتباع آلي لسبيل الشيطان، حيث لا يوجد أي خيار آخر. فإما اتباع لمنهج الرحمن، وإما اتباع لسبيل الشيطان. لذلك قال الله تعالى عقب ذلك: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين). نفهم من ذلك إخوة الإيمان أنه لا يجوز للمسلم أن يأخذ بعض أحكام الإسلام ويترك بعضها، فأن يصوم المسلم ويصلي، ولا يزكي إن كان معه ما يستحق الزكاة لا يجوز، وأن يصلي ويصوم ويزكي، ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر لا يجوز، أي لا يجوز للمسلم أن يترك فرضا فرضه الله عليه، حتى ولو قام بجميع الفروض وترك فرضا واحدا كالحكم بما أنزل الله مثلا فهذا غير جائز، فالإسلام هو ما جاء وحيا من الله، أي ما جاء بالكتاب والسنة، وما أرشدا إليه من إجماع صحابة وقياس باجتهاد صحيح، ‎هذا وحده هو الإسلام، وما عداه كفر سواء أكان موافقا للإسلام أم كان لا يخالفه. والدليل على ذلك أن الله تعالى أمرنا أن نأخذ ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن نترك ما نهانا عنه، وأمرنا أيضا أن نحتكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي إلى ما جاء به. قال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). فهو نص في وجوب أخذ ما جاء به الرسول، وترك ما نهى عنه.

 

 

 

أيها المؤمنون:

 

 

 

وإذا قرنت هذه الآية بقوله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم). وعرف أن "ما" في قوله: "ما آتاكم" وقوله: "‎وما نهاكم" للعموم ظهر جليا وجوب أخذ كل ما جاء به، وترك كل ما نهى عنه، وأنه عام في جميع ما أمر به، وجميع ما نهى عنه، والطلب في هذه الآية سواء طلب الفعل أو طلب الترك طلب جازم، يفيد الوجوب بدليل تهديد الله لمن يخالفه بالعذاب الأليم. والله تعالى يقول: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما). أي أن من دخل في الإسلام عليه أن يدخل فيه كله، فلا يبقي شرعا غيره، فالإسلام ناسخ لغيره من الشرائع لقوله تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه). أي: ناسخا له. والإبقاء على شيء من الشرائع السابقة، التي لم يقرها الإسلام يكون اتباعا لدين غير دين الإسلام، وهذا مرفوض وغير مقبول، بل إن صاحبه يكون يوم القيامة من الخاسرين. لقوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). على أن الله تعالى لم يكتف بذلك بل إنه نهى نهيا صريحا عن الأخذ من غير ما جاء به الوحي من الله، فنعى على الذين يريدون أن يتحاكموا لغير ما جاء به الرسول قال تعالى: (‎ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا).

 

 

 

أيها المؤمنون:

 

 

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

محمد احمد النادي

 

13 من جمادى الأولى 1434

الموافق 2013/03/25م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

نداءات القرآن الكريم للذين آمنوا

 

ح11

 

النداء السابع (ج2)

 

 

 

(يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما ر‌زقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافر‌ون هم الظالمون) (البقرة ٢٥٤) .

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء السابع نتناول فيه الآية الكريمة الرابعة والخمسين بعد المائتين من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما ر‌زقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافر‌ون هم الظالمون). نقول وبالله التوفيق:

 

هذه الآية الكريمة تسبقها آية تتحدث عن الاقتتال بعد الرسل قال تعالى: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض. منهم من كلم الله. ورفع بعضهم درجات. وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس. ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات. ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر. ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد)... يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة والآية التي تليها: "وحين يصل الاختلاف إلى هذا المدى، فيكون اختلاف كفر وإيمان، يتعين القتال. يتعين لدفع الناس بعضهم ببعض. دفع الكفر بالإيمان. والضلال بالهدى، والشر بالخير. فالأرض لا تصلح بالكفر والضلال والشر. ولا يكفي أن يقول قوم: إنهم أتباع أنبياء إذا وصل الاختلاف بينهم إلى حد الكفر والإيمان. وهذه هي الحالة التي كانت تواجهها الجماعة المسلمة في المدينة يوم نزل هذا النص .. كان المشركون في مكة يزعمون أنهم على ملة إبراهيم! وكان اليهود في المدينة يزعمون أنهم على دين موسى. كما كان النصارى يزعمون أنهم على دين عيسى .. ولكن كل فرقة من هؤلاء كانت قد بعدت بعدا كبيرا عن أصل دينها، وعن رسالة نبيها، وانحرفت إلى المدى الذي ينطبق عليه وصف الكفر. وكان المسلمون عند نزول هذا النص يقاتلون المشركين من العرب. كما كانوا على وشك أن يوجهوا إلى قتال الكفار من أهل الكتاب. ومن ثم جاء هذا النص يقرر أن الاقتتال بين المختلفين على العقيدة إلى هذا الحد، هو من مشيئة الله وبإذنه: (ولو شاء الله ما اقتتلوا)... ولكنه شاء. شاء ليدفع الكفر بالإيمان وليقر في الأرض حقيقة العقيدة الصحيحة الواحدة التي جاء بها الرسل جميعا، فانحرف عنها المنحرفون.

 

أيها المؤمنون:

 

وقد علم الله أن الضلال لا يقف سلبيا جامدا، إنما هو ذو طبيعة شريرة. فلا بد أن يعتدي، ولا بد أن يحاول إضلال المهتدين، ولا بد أن يريد العوج ويحارب الاستقامة. فلا بد من قتاله لتستقيم الأمور. (ولكن الله يفعل ما يريد). مشيئة مطلقة. ومعها القدرة الفاعلة. وقد قدر أن يكون الناس مختلفين في تكوينهم. وقدر أن يكونوا موكولين إلى أنفسهم في اختيار طريقهم. وقدر أن من لا يهتدي منهم يضل. وقدر أن الشر لا بد أن يعتدي ويريد العوج. وقدر أن يقع القتال بين الهدى والضلال. وقدر أن يجاهد أصحاب الإيمان لإقرار حقيقته الواحدة الواضحة المستقيمة وأنه لا عبرة بالانتساب إلى الرسل من أتباعهم، إنما العبرة بحقيقة ما يعتقدون وحقيقة ما يعملون. وأنه لا يعصمهم من مجاهدة المؤمنين لهم أن يكونوا ورثة عقيدة وهم عنها منحرفون .. وهذه الحقيقة التي قررها الله للجماعة المسلمة في المدينة حقيقة مطلقة لا تتقيد بزمان. إنما هي طريقة القرآن في اتخاذ الحادثة المفردة المقيدة مناسبة لتقرير الحقيقة المطردة المطلقة.

ومن ثم يعقب السياق على ذكر الاختلاف والاقتتال بنداء (الذين آمنوا) ودعوتهم إلى الإنفاق مما رزقهم الله. فالإنفاق صنو الجهاد وعصب الجهاد: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة. والكافرون هم الظالمون)...إنها الدعوة بالصفة الحبيبة إلى نفوس المؤمنين، والتي تربطهم بمن يدعوهم، والذي هم به مؤمنون: (يا أيها الذين آمنوا)... وهي الدعوة إلى الإنفاق من رزقه الذي أعطاهم إياه. فهو الذي أعطى، وهو الذي يدعو إلى الإنفاق مما أعطى: (أنفقوا مما رزقناكم) .. وهي الدعوة إلى الفرصة التي إن أفلتت منهم فلن تعود (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة)... فهي الفرصة التي ليس بعدها - لو فوتوها على أنفسهم - بيع تربح فيه الأموال وتنمو. وليس بعده صداقة أو شفاعة ترد عنهم عاقبة النكول والتقصير. ويشير إلى الموضوع الذي يدعوهم إلى الإنفاق من أجله. فهو الإنفاق للجهاد. لدفع الكفر. ودفع الظلم المتمثل في هذا الكفر: (والكافرون هم الظالمون)... ظلموا الحق فأنكروه. وظلموا أنفسهم فأوردوها موارد الهلاك. وظلموا الناس فصدوهم عن الهدى وفتنوهم عن الإيمان، وموهوا عليهم الطريق، وحرموهم الخير الذي لا خير مثله. خير السلم والرحمة والطمأنينة والصلاح واليقين. إن الذين يحاربون حقيقة الإيمان أن تستقر في القلوب، ويحاربون منهج الإيمان أن يستقر في الحياة، ويحاربون شريعة الإيمان أن تستقر في المجتمع .. إنما هم أعدى أعداء البشرية وأظلم الظالمين لها. ومن واجب البشرية - لو رشدت - أن تطاردهم حتى يصبحوا عاجزين عن هذا الظلم الذي يزاولونه، وأن ترصد لحربهم كل ما تملك من الأنفس والأموال .. وهذا هو واجب الجماعة المسلمة الذي يندبها إليه ربها ويدعوها من أجله بصفتها تلك ويناديها ذلك النداء الموحي العميق". انتهى.

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد احمد النادي

 

 

 

14 من جمادى الأولى 1434

الموافق 2013/03/26م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

نداءات القرآن الكريم

 

ح12

 

النهي عن إبطال الصدقات بالمن والأذى

 

ج1

 

(يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله ر‌ئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر‌ فمثله كمثل صفوان عليه تر‌اب فأصابه وابل فتر‌كه صلدا لا يقدر‌ون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافر‌ين) (البقرة 264).

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء الثامن نتناول فيه الآية الكريمة الرابعة والستين بعدالمائتين من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله ر‌ئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر‌ فمثله كمثل صفوان عليه تر‌اب فأصابه وابل فتر‌كه صلدا لا يقدر‌ون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافر‌ين).

 

 

 

نقول وبالله التوفيق:

 

يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: "تعالج السورة إعداد الجماعة المسلمة للنهوض بتكاليف دورها في قيادة البشرية. ويتعرض السياق لإقامة قواعد النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي يريد الإسلام أن يقوم عليها المجتمع المسلم وأن تنظم بها حياة الجماعة المسلمة. إنه نظام التكافل والتعاون الممثل في الزكاة المفروضة والصدقات المتروكة للتطوع. وليس النظام الربوي الذي كان سائدا في الجاهلية.

ومن ثم يتحدث عن آداب الصدقة. ويلعن الربا، ويقرر أحكام الدين والتجارة. وهي تكون في مجموعها جانبا أساسيا من نظام الاقتصاد الإسلامي والحياة الاجتماعية التي تقوم عليها. وفي هذا الدرس نجد الحديث عن تكليف البذل والإنفاق، ودستور الصدقة والتكافل. والإنفاق في سبيل الله هو صنو الجهاد الذي فرضه الله على الأمة المسلمة، وهو يكلفها النهوض بأمانة الدعوة إليه، وحماية المؤمنين به، ودفع الشر والفساد والطغيان، وتجريده من القوة التي يسطو بها على المؤمنين، ويفسد بها في الأرض، ويصد بها عن سبيل الله، ويحرم البشرية ذلك الخير العظيم الذي يحمله إليها نظام الإسلام، والذي يعد حرمانها منه جريمة فوق كل جريمة، واعتداء أشد من الاعتداء على الأرواح والأموال.

 

أيها المؤمنون:

ولقد تكررت الدعوة إلى الإنفاق في السورة. فالآن يرسم السياق دستور الصدقة في تفصيل وإسهاب. يرسم هذا الدستور مظللا بظلال حبيبة أليفة، ويبين آدابها النفسية والاجتماعية. الآداب التي تحول الصدقة عملا تهذيبيا لنفس معطيها، وعملا نافعا مربحا لآخذيها، وتحول المجتمع عن طريقها إلى أسرة يسودها التعاون والتكافل، والتواد والتراحم وترفع البشرية إلى مستوى كريم: المعطي فيه والآخذ على السواء.

 

ومع أن التوجيهات التي وردت في هذا الدرس تعد دستورا دائما غير مقيد بزمن ولا بملابسات معينة، إلا أنه لا يفوتنا أن نلمح من ورائه أنه جاء تلبية لحالات واقعة كانت النصوص تواجهها في الجماعة المسلمة يومذاك، كما أنها يمكن أن تواجهها في أي مجتمع مسلم فيما بعد، وأنه كانت هناك نفوس شحيحة ضنينة بالمال تحتاج إلى هذه الإيقاعات القوية، والإيحاءات المؤثرة كما تحتاج إلى ضرب الأمثال، وتصوير الحقائق في مشاهد ناطقة كيما تبلغ إلى الأعماق! كان هناك من يضن بالمال. فلا يعطيه إلا بالربا. وكان هناك من ينفقه كارها أو مرائيا. وكان هناك من يتبع النفقة بالمن والأذى. وكان هناك من يقدم الرديء من ماله ويحتجز الجيد .. وكل هؤلاء إلى جانب المنفقين في سبيل الله مخلصين له، الذين يجودون بخير أموالهم، وينفقون سرا في موضع السر، وعلانية في موضع العلانية، في تجرد وإخلاص ونقاء .. كان هؤلاء وكان أولئك في الجماعة المسلمة حينذاك. وإدراك هذه الحقيقة يفيدنا فوائد كثيرة ..

يفيدنا أولا في إدراك طبيعة هذا القرآن ووظيفته. فهو كائن حي متحرك. ونحن نراه في ظل هذه الوقائع يعمل ويتحرك في وسط الجماعة المسلمة ويواجه حالات واقعة فيدفع هذه، ويقر هذه، ويدفع الجماعة المسلمة ويوجهها. فهو في عمل دائب، وفي حركة دائبة .. إنه في ميدان المعركة وفي ميدان الحياة .. وهو العنصر الدافع المحرك الموجه في الميدان! ونحن أحوج ما نكون إلى الإحساس بالقرآن على هذا النحو وإلى رؤيته كائنا حيا متحركا دافعا. فقد بعد العهد بيننا وبين الحركة الإسلامية والحياة الإسلامية والواقع الإسلامي وانفصل القرآن في حسنا عن واقعه التاريخي الحي، ولم يعد يمثل في حسنا تلك الحياة التي وقعت يوما ما على الأرض، في تاريخ الجماعة المسلمة، ولم نعد نذكر أنه كان في أثناء تلك المعركة المستمرة هو "الأمر اليومي" للمسلم المجند، وهو التوجيه الذي يتلقاه للعمل والتنفيذ .. مات القرآن في حسنا .. أو نام .. ولم تعد له تلك الصورة الحقيقية التي كانت له عند نزوله في حس المسلمين. ودرجنا على أن نتلقاه إما ترتيلا منغما نطرب له، أو نتأثر التأثر الوجداني الغامض السارب! وإما أن نقرأه أورادا أقصى ما تصنع في حس المؤمنين الصادقين منا أن تنشئ في القلب حالة من الوجد أو الراحة أو الطمأنينة المبهمة المجملة".. (لم ينته الاقتباس).

 

أيها المؤمنون:

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

 

 

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

محمد احمد النادي

 

 

 

 

17 من جمادى الأولى 1434

الموافق 2013/03/29م

 

 

http://www.hizb-ut-tahrir.info/info/index.php/contents/entry_24108

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

نداءات القرآن الكريم

 

ح13

 

النهي عن إبطال الصدقات بالمن والأذى

 

ج2

 

 

(يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله ر‌ئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر‌ فمثله كمثل صفوان عليه تر‌اب فأصابه وابل فتر‌كه صلدا لا يقدر‌ون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافر‌ين) (البقرة 264).

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء الثامن نتناول فيه الآية الكريمة الرابعة والستين بعد المائتين من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله ر‌ئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر‌ فمثله كمثل صفوان عليه تر‌اب فأصابه وابل فتر‌كه صلدا لا يقدر‌ون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافر‌ين).

 

 

نقول وبالله التوفيق:

 

يسترسل صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة فيقول: "والقرآن ينشىء هذا كله. ولكن المطلوب - إلى جانب هذا كله - أن ينشىء في المسلم وعيا وحياة. نعم المطلوب أن ينشىء حالة وعي يتحرك معها القرآن حركة الحياة التي جاء لينشئها. المطلوب أن يراه المسلم في ميدان المعركة التي خاضها، والتي لا يزال مستعدا لأن يخوضها في حياة الأمة المسلمة. المطلوب أن يتوجه إليه المسلم ليسمع منه ماذا ينبغي أن يعمل - كما كان المسلم الأول يفعل- وليدرك حقيقة التوجيهات القرآنية فيما يحيط به اليوم من أحداث ومشكلات وملابسات شتى في الحياة، وليرى تاريخ الجماعة المسلمة ممثلا في هذا القرآن، متحركا في كلماته وتوجيهاته فيحس حينئذ أن هذا التاريخ ليس غريبا عنه. فهو تاريخه. وواقعه اليوم هو امتداد لهذا التاريخ. وما يصادفه اليوم من أحداث هو ثمرة لما صادف أسلافه، مما كان القرآن يوجههم إلى التصرف فيه تصرفا معينا. ومن ثم يحس أن هذا القرآن قرآنه هو كذلك. قرآنه الذي يستشيره فيما يعرض له من أحداث وملابسات، وأنه هو دستور تصوره وتفكيره وحياته وتحركاته الآن وبعد الآن بلا انقطاع.

 

ويفيدنا ثانيا في رؤية حقيقة الطبيعة البشرية الثابتة المطردة تجاه دعوة الإيمان وتكاليفها. رؤيتها رؤية واقعية من خلال الواقع الذي تشير إليه الآيات القرآنية في حياة الجماعة المسلمة الأولى .. فهذه الجماعة التي كان يتنزل عليها القرآن، ويتعهدها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان فيها بعض مواضع الضعف والنقص التي تقتضي الرعاية والتوجيه والإيحاء المستمر، ولم يمنعها هذا أن تكون خير الأجيال جميعا .. وإدراك هذه الحقيقة ينفعنا. ينفعنا لأنه يرينا حقيقة الجماعات البشرية بلا غلو ولا مبالغة ولا هالات ولا تصورات مجنحة! وينفعنا لأنه يدفع عن نفوسنا اليأس من أنفسنا حين نرى أننا لم نبلغ تلك الآفاق التي يرسمها الإسلام ويدعو الناس إلى بلوغها. فيكفي أن نكون في الطريق، وأن تكون محاولتنا مستمرة ومخلصة للوصول .. وينفعنا في إدراك حقيقة أخرى: وهي أن الدعوة إلى الكمال يجب أن تلاحق الناس، ولا تفتر ولا تني ولا تيئس إذا ظهرت بعض النقائص والعيوب. فالنفوس هكذا. وهي ترتفع رويدا رويدا بمتابعة الهتاف لها بالواجب، ودعوتها إلى الكمال المنشود، وتذكيرها الدائم بالخير، وتجميل الخير لها وتقبيح الشر، وتنفيرها من النقص والضعف، والأخذ بيدها كلما كبت في الطريق، وكلما طال بها الطريق!

 

ويفيدنا ثالثا في الاستقرار إلى هذه الحقيقة البسيطة التي كثيرا ما نغفل عنها وننساها: وهي أن الناس هم الناس، والدعوة هي الدعوة، والمعركة هي المعركة .. إنها أولا وقبل كل شيء معركة مع الضعف والنقص والشح والحرص في داخل النفس. ثم هي معركة مع الشر والباطل والضلال والطغيان في واقع الحياة. والمعركة بطرفيها لا بد من خوضها. ولا بد للقائمين على الجماعة المسلمة في الأرض من مواجهتها بطرفيها كما واجهها القرآن أول مرة وواجهها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا بد من الأخطاء والعثرات. ولا بد من ظهور الضعف والنقص في مراحل الطريق، ولا بد من المضي أيضا في علاج الضعف والنقص كلما أظهرتهما الأحداث والتجارب. ولا بد من توجيه القلوب إلى الله بالأساليب التي اتبعها القرآن في التوجيه .. وهنا نرجع إلى أول الحديث. نرجع إلى استشارة القرآن في حركات حياتنا وملابساتها. وإلى رؤيته يعمل ويتحرك في مشاعرنا وفي حياتنا كما كان يعمل ويتحرك في حياة الجماعة الأولى" .. (انتهى الاقتباس).

 

 

 

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

محمد احمد النادي

 

 

 

 

20 من جمادى الأولى 1434

الموافق 2013/04/01م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

نداءات القرآن الكريم للذين آمنوا

ح14

النداء التاسع

الأمر بالإنفاق من الكسب الحلال الطيب

 

 

 

 

 

(يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخر‌جنا لكم من الأر‌ض، ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه، واعلموا أن الله غني حميد) (البقرة 267).

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء التاسع نتناول فيه الآية الكريمة السابعة والستين بعد المائتين من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخر‌جنا لكم من الأر‌ض، ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه، واعلموا أن الله غني حميد). نقول وبالله التوفيق:

 

يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: "ويمضي السياق خطوة أخرى في دستور الصدقة. ليبين نوعها وطريقتها، بعد ما بين آدابها وثمارها.. إن الأسس التي تكشفت النصوص السابقة عن أن الصدقة تقوم عليها وتنبعث منها لتقتضي أن يكون الجود بأفضل الموجود، فلا تكون بالدون والرديء الذي يعافه صاحبه ولو قدم إليه مثله في صفقة ما قبله إلا أن ينقص من قيمته. فالله أغنى عن تقبل الرديء الخبيث! وهو نداء عام للذين آمنوا - في كل وقت وفي كل جيل - يشمل جميع الأموال التي تصل إلى أيديهم. تشمل ما كسبته أيديهم من حلال طيب، وما أخرجه الله لهم من الأرض من زرع وغير زرع مما يخرج من الأرض ويشمل المعادن والبترول. ومن ثم يستوعب النص جميع أنواع المال، ما كان معهودا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وما يستجد. فالنص شامل جامع لا يفلت منه مال مستحدث في أي زمان. وكله مما يوجب النص فيه الزكاة. أما المقادير فقد بينتها السنة في أنواع الأموال التي كانت معروفة حينذاك. وعليها يقاس وبها يلحق ما يجد من أنواع الأموال.

 

 

أيها المؤمنون:

 

وقد وردت الروايات بسبب لنزول هذه الآية ابتداء، لا بأس من ذكره، لاستحضار حقيقة الحياة التي كان القرآن يواجهها، وحقيقة الجهد الذي بذله لتهذيب النفوس ورفعها إلى مستواه .. روى ابن جرير بإسناده عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: "نزلت في الأنصار. كانت الأنصار إذا كانت أيام جذاذ النخل أي قطع ثماره، أخرجت من حيطانها البسر أي أخرجت من بساتينها التمر إذا لون ولم ينضج. فعلقوه على حبل بين الاسطوانتين أي بين العمودين في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيأكل فقراء المهاجرين منه. فيعمد الرجل منهم إلى الحشف أي أردأ التمر. فيدخله مع قناء البسر، يظن أن ذلك جائز. فأنزل الله فيمن فعل ذلك: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون)... وكذلك رواه الحاكم عن البراء وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم، ولم يخرجاه. ورواه ابن أبي حاتم بإسناده عن طريق آخر عن البراء - رضي الله عنه - قال: نزلت فينا. كنا أصحاب نخل، فكان الرجل يأتي من نخله بقدر كثرته وقلته، فيأتي رجل بالقنو، فيعلقه في المسجد. وكان أهل الصفة ليس لهم طعام. فكان أحدهم إذا جاع جاء فضرب بعصاه، فسقط منه البسر والتمر فيأكل، وكان أناس ممن لا يرغبون في الخير يأتي بالقنو الحشف والشيص أي التمر الرديء. فيأتي بالقنو قد انكسر فيعلقه، فنزلت: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه). قال: لو أن أحدكم أهدي له مثل ما أعطى ما أخذه إلا على إغماض وحياء. فكنا بعد ذلك يجيء الرجل منا بصالح ما عنده.

والروايتان قريبتان. وكلتاهما تشير إلى حالة واقعة في المدينة وترينا صفحة تقابل الصفحة الأخرى التي خطها الأنصار في تاريخ البذل السمح والعطاء الفياض. وترينا أن الجماعة الواحدة تكون فيها النماذج العجيبة السامقة، والنماذج الأخرى التي تحتاج إلى تربية وتهذيب وتوجيه لتتجه إلى الكمال! كما احتاج بعض الأنصار إلى النهي عن القصد إلى الرديء من أموالهم، الذي لا يقبلونه عادة في هدية إلا حياء من رده ولا في صفقة إلا بإغماض فيه أي: نقص في القيمة! بينما كانوا يقدمونه هم لله! ومن ثم جاء هذا التعقيب: "واعلموا أن الله غني حميد" .. غني عن عطاء الناس إطلاقا. فإذا بذلوه فإنما يبذلونه لأنفسهم فليبذلوه طيبا، وليبذلوه طيبة به نفوسهم كذلك.. حميد يتقبل الطيبات ويحمدها ويجزي عليها بالحسنى .. ولكل صفة من الصفتين في هذا الموضع إيحاء يهز القلوب. كما هز قلوب ذلك الفريق من الأنصار فعلا. (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم). وإلا فالله غني عن الخبيث الذي تقصدون إليه فتخرجون منه صدقاتكم! بينما هو - سبحانه - يحمد لكم الطيب حين تخرجونه ويجزيكم عليه جزاء الراضي الشاكر. وهو الله الرازق الوهاب .. يجزيكم عليه جزاء الحمد وهو الذي أعطاكم إياه من قبل! أي إيحاء! وأي إغراء! وأي تربية للقلوب بهذا الأسلوب العجيب!

 

ولما كان الكف عن الإنفاق، أو التقدم بالرديء الخبيث، إنما ينشأ عن دوافع السوء، وعن تزعزع اليقين فيما عند الله، وعن الخوف من الإملاق الذي لا يساور نفسا تتصل بالله، وتعتمد عليه، وتدرك أن مرد ما عندها إليه .. كشف الله للذين آمنوا عن هذه الدوافع لتبدو لهم عارية، وليعرفوا من أين تنبت في النفوس، وما الذي يثيرها في القلوب .. إنه الشيطان" (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، والله يعدكم مغفرة منه وفضلا، والله واسع عليم. يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، وما يذكر إلا أولوا الألباب)... الشيطان يخوفكم الفقر، فيثير في نفوسكم الحرص والشح والتكالب. والشيطان يأمركم بالفحشاء - والفحشاء كل معصية تفحش أي تتجاوز الحد، وإن كانت قد غلبت على نوع معين من المعاصي ولكنها شاملة. وخوف الفقر كان يدعو القوم في جاهليتهم لوأد البنات وهو فاحشة، والحرص على جمع الثروة كان يؤدي ببعضهم إلى أكل الربا وهو فاحشة .. على أن خوف الفقر بسبب الإنفاق في سبيل الله في ذاته فاحشة ..

وحين يعدكم الشيطان الفقر، ويأمركم بالفحشاء يعدكم الله المغفرة والعطاء: (والله يعدكم مغفرة منه وفضلا)... ويقدم المغفرة والفضل .. فالفضل زيادة فوق المغفرة. وهو يشمل كذلك عطاء الرزق جزاء البذل والإنفاق في سبيل الله. (والله واسع عليم). يعطي عن سعة، ويعلم ما يوسوس في الصدور، وما يهجس في الضمير، والله لا يعطي المال وحده، ولا يعطي المغفرة وحدها. إنما يعطي "الحكمة" وهي توخي القصد والاعتدال، وإدراك العلل والغايات، ووضع الأمور في نصابها في تبصر وروية وإدراك: (يؤتي الحكمة من يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا)... أوتي القصد والاعتدال فلا يفحش ولا يتعدى الحدود وأوتي إدراك العلل والغايات فلا يضل في تقدير الأمور وأوتي البصيرة المستنيرة التي تهديه للصالح الصائب من الحركات والأعمال .. وذلك خير كثير متنوع الألوان .. (وما يذكر إلا أولوا الألباب)... فصاحب اللب وهو العقل هو الذي يتذكر فلا ينسى، ويتنبه فلا يغفل، ويعتبر فلا يلج في الضلال ..

 

أيها المؤمنون:

 

هذه وظيفة العقل .. وظيفته أن يذكر موحيات الهدى ودلائله، وأن ينتفع بها فلا يعيش لاهيا غافلا. هذه الحكمة يؤتيها الله من يشاء من عباده، فهي معقودة بمشيئة الله سبحانه. هذه هي القاعدة الأساسية في التصور الإسلامي: رد كل شيء إلى المشيئة المطلقة المختارة .. وفي الوقت ذاته يقرر القرآن حقيقة أخرى: وهي أن من أراد الهداية وسعى لها سعيها وجاهد فيها فإن الله لا يحرمه منها، بل يعينه عليها: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)... ليطمئن كل من يتجه إلى هدى الله. إن مشيئة الله ستقسم له الهدى وتؤتيه الحكمة، وتمنحه ذلك الخير الكثير". (انتهى الاقتباس).

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

محمد أحمد النادي

 

 

 

22 من جمادى الأولى 1434

الموافق 2013/04/03م

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نداءات القرآن الكريم

 

ح15

 

 

تحريم أكل مال الربا تحريماً جازماً وقاطعاً

 

ج1

 

 

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذر‌وا ما بقي من الر‌با إن كنتم مؤمنين ،،،،، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحر‌ب من الله ور‌سوله ، وإن تبتم فلكم ر‌ءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) (البقرة 278) .

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء العاشر نتناول فيه الآية الكريمة الثامنة والسبعين بعد المائتين من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذر‌وا ما بقي من الر‌با إن كنتم مؤمنين ،،،،، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحر‌ب من الله ور‌سوله ، وإن تبتم فلكم ر‌ءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون). نقول وبالله التوفيق:

 

قال تعالى: (وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون). (الروم 39) وقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الر‌با أضعافا مضاعفة ، واتقوا الله لعلكم تفلحون). (آل عمران 130) وقال (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذر‌وا ما بقي من الر‌با إن كنتم مؤمنين), (البقرة ،،،) وقال: (وأخذهم الر‌با وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل ، وأعتدنا للكافر‌ين منهم عذابا أليما). (النساء 161) وقال: (وأحل الله البيع وحر‌م الر‌با ،). (البقرة 275)

 

أيها المؤمنون:

 

من مجمل هذه الآيات فهم القائلون بالتدرج أن الربا كان مباحا بدليل الآية الأولى. ومن ثم نزل تحريم أكل الربا المضاعف دون القليل في الآية الثانية. ثم نهي في الآية الثالثة عن القليل من الربا بدليل قوله تعالى: (وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين). ومن ثم قالوا: إن تحريم الربا بدأ بالتلميح لا بالتصريح بدليل الآية الرابعة حكاية عن اليهود. وأخيرا حرم الله الربا بعد هذا التسلسل، وبعد هذه المراحل التي مر بها بقوله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا). إن الناظر في فقه هذه الآيات نظرا تشريعيا صحيحا يجد أن القول بالتدرج هو أبعد ما يكون عن الصواب.

 

فالآية الأولى: لا علاقة لها بالربا المحرم لا من قريب ولا من بعيد. وموضوعها هو الهبة والهدية. ومعناها أن من أعطى هبة أو هدية يريد ضعفها أو استردادها من الناس، فلا يربو عند الله، أي لا ثواب عليها عند الله، أما الصدقة فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - وإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل".

 

وكذلك قال ابن عباس: (وما آتيتم من ربا). يريد هدية الرجل الشيء يرجو أن يثاب أفضل منه فذلك الذي لا يربو عند الله، ولا يؤجر صاحبه. ولكن لا إثم عليه. وفي هذا المعنى نزلت الآية (نقله القرطبي) وقال ابن كثير - رحمه الله - في هذه الآية: إن من أعطى عطية يريد أن يرد عليه الناس أكثر مما أهدى لهم فهذا لا ثواب له عند الله. بهذا فسره ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعكرمة ومحمد بن كعب، والشعبي. وهذا الصنيع مباح، وإن كان لا ثواب فيه. إلا أنه قد نهي عنه رسول الله خاصة، قاله الضحاك، واستدل بقوله تعالى: (ولا تمنن تستكثر). أي لا تعط العطاء تريد أكثر منه. وقال ابن عباس: الربا رباءان (أي ربوان) فربا لا يصح يعني البيع. وربا لا بأس به وهو هدية الرجل يريد فضلها وأضعافها. ثم تلا هذه الآية: (وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله). وإنما الثواب عند الله في الزكاة؛ ولهذا قال: (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون). أي الذين يضاعف الله لهم الثواب والجزاء، كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري.

 

أما الآية الثانية: (لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة). فقد نزلت تنهى عن أكل الربا المضاعف وهو ما كانوا عليه في الجاهلية. ولا يوجد فيها ما يدل على تقييد تحريم الربا. ولقد قال المفسرون: إن سورة البقرة وهي السورة التي نزل فيها تحريم الربا، هي أول سورة نزلت في المدينة. وسورة آل عمران، التي نزل فيها النهي عن الربا المضاعف، نزلت بعدها، وعليه ينتفي أن الله سبحانه قد أباح أكل الربا القليل. وعليه يكون ما ذكر في آية آل عمران ليس من قبيل التدرج بل جيء بها باعتبار ما كانوا عليه في العادة التي يعتاد عليها الكفار في الربا. وعليه فإن حكم الربا تحريمه في باديء الأمر.

 

أما الآية الثالثة: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا). فلا تعني أنه قد سمح للمسلمين شيء قليل من الربا ثم نهوا عنه. بل إن هذه الآية نزلت في قوم أسلموا ولهم على قوم أموال من ربا كانوا أربوه عليهم. فكانوا قد قبضوا بعضه وبقي بعض. فعفا الله عز وجل عما كانوا قبضوه وحرم عليهم ما بقي منه. ويعضد ذلك قول الله تعالى: (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون). وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ألا إن ربا الجاهلية موضوع كله. وأول ربا أبتدىء به ربا العباس بن عبد المطلب". كما ورد في سيرة ابن هشام.

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

محمد احمد النادي

 

24 من جمادى الأولى 1434

الموافق 2013/04/05م

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نداءات القرآن الكريم

 

ح16

 

 

تحريم أكل مال الربا تحريماً جازماً وقاطعاً

 

ج2

 

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذر‌وا ما بقي من الر‌با إن كنتم مؤمنين ،،،،، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحر‌ب من الله ور‌سوله ، وإن تبتم فلكم ر‌ءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) (البقرة 278) .

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء العاشر نتناول فيه الآية الكريمة الثامنة والسبعين بعد المائتين من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذر‌وا ما بقي من الر‌با إن كنتم مؤمنين ،،،،، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحر‌ب من الله ور‌سوله ، وإن تبتم فلكم ر‌ءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون). نقول وبالله التوفيق:

 

يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: (وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل). إن الربا المقصود في هذه الآية هو المال الحرام من الرشوة وغيرها الذي كان يأكله اليهود كما قال تعالى: (أكالون للسحت). وليس المقصود بها الربا بحسب التعريف الشرعي. وعليه فإن الربا حرام من أول تشريع. ولا يوجد ما يدل على أنه حرم على مراحل. وتعدد النصوص الواردة في الموضوع كان لوقائع معينة. ولا يوجد فيها ما يدل على التدرج.

 

الوجه الآخر المقابل للصدقة .. الوجه الكالح الطالح هو الربا! الصدقة عطاء وسماحة، وطهارة وزكاة، وتعاون وتكافل .. والربا شح، وقذارة ودنس، وأثرة وفردية .. والصدقة نزول عن المال بلا عوض ولا رد. والربا استرداد للدين ومعه زيادة حرام مقتطعة من جهد المدين أو من لحمه. من جهده إن كان قد عمل بالمال الذي استدانه فربح نتيجة لعمله هو وكده. ومن لحمه إن كان لم يربح أو خسر، أو كان قد أخذ المال للنفقة منه على نفسه وأهله ولم يستربحه شيئا .. ومن ثم فهو - الربا - الوجه الآخر المقابل للصدقة .. الوجه الكالح الطالح! لهذا عرضه السياق مباشرة بعد عرض الوجه الطيب السمح الطاهر الجميل الودود! عرضه عرضا منفرا، يكشف عما في عملية الربا من قبح وشناعة. ومن جفاف في القلب وشر في المجتمع، وفساد في الأرض وهلاك للعباد. ولم يبلغ من تفظيع أمر أراد الإسلام إبطاله من أمور الجاهلية ما بلغ من تفظيع الربا.

ولا بلغ من التهديد في اللفظ والمعنى ما بلغ التهديد في أمر الربا - في هذه الآيات وفي غيرها في مواضع أخرى- ولله الحكمة البالغة. فلقد كانت للربا في الجاهلية مفاسده وشروره. ولكن الجوانب الشائهة القبيحة من وجهه الكالح ما كانت كلها بادية في مجتمع الجاهلية كما بدت اليوم وتكشفت في عالمنا الحاضر، ولا كانت البثور والدمامل في ذلك الوجه الدميم مكشوفة كلها كما كشفت اليوم في مجتمعنا الحديث. فهذه الحملة المفزعة البادية في هذه الآيات على ذلك النظام المقيت، تتكشف اليوم حكمتها على ضوء الواقع الفاجع في حياة البشرية. أشد مما كانت متكشفة في الجاهلية الأولى. ويدرك - من يريد أن يتدبر حكمة الله وعظمة هذا الدين وكمال هذا المنهج ودقة هذا النظام - يدرك اليوم من هذا كله ما لم يكن يدركه الذين واجهوا هذه النصوص أول مرة. وأمامه اليوم من واقع العالم ما يصدق كل كلمة تصديقا حيا مباشرا واقعا.

والبشرية الضالة التي تأكل الربا وتوكله تنصب عليها البلايا الماحقة الساحقة من جراء هذا النظام الربوي، في أخلاقها ودينها وصحتها واقتصادها. وتتلقى - حقا - حربا من الله تصب عليها النقمة والعذاب .. أفرادا وجماعات، وأمما وشعوبا، وهي لا تعتبر ولا تفيق! وحينما كان السياق يعرض في الدرس السابق دستور الصدقة كان يعرض قاعدة من قواعد النظام الاجتماعي والاقتصادي الذي يريد الله للمجتمع المسلم أن يقوم عليه، ويحب للبشرية أن تستمتع بما فيه من رحمة .. في مقابل ذلك النظام الآخر الذي يقوم على الأساس الربوي الشرير القاسي اللئيم.

 

أيها المؤمنون:

 

إنهما نظامان متقابلان: النظام الاقتصادي الإسلامي، والنظام الرأسمالي الربوي! وهما لا يلتقيان في تصور، ولا يتفقان في أساس ولا يتوافقان في نتيجة .. إن كلا منهما يقوم على تصور للحياة والأهداف والغايات يناقض الآخر تمام المناقضة. وينتهي إلى ثمرة في حياة الناس تختلف عن الأخرى كل الاختلاف .. ومن ثم كانت هذه الحملة المفزعة، وكان هذا التهديد الرهيب المرعب! إن الإسلام يقيم نظامه الاقتصادي - ونظام الحياة كلها - على تصور معين يمثل الحق الواقع في هذا الوجود. يقيمه على أساس أن الله - سبحانه- هو خالق هذا الكون. فهو خالق هذه الأرض، وهو خالق هذا الإنسان .. هو الذي وهب كل موجود وجوده .. وأن الله سبحانه وهو مالك كل موجود بما أنه هو موجده قد استخلف الجنس الإنساني في هذه الأرض ومكنه مما ادخر له فيها من أرزاق وأقوات ومن قوى وطاقات، على عهد منه وشرط. ولم يترك له هذا الملك العريض فوضى، يصنع فيه ما يشاء كيف شاء. وإنما استخلفه فيه في إطار من الحدود الواضحة". (لم ينته الاقتباس).

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

محمد احمد النادي

 

 

26 من جمادى الأولى 1434

الموافق 2013/04/07م

 

http://www.hizb-ut-tahrir.info/info/index.php/contents/entry_24316

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

نداءات القرآن الكريم

ح17

تحريم أكل مال الربا تحريماً جازماً وقاطعاً

ج3

 

 

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذر‌وا ما بقي من الر‌با إن كنتم مؤمنين ،،،،، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحر‌ب من الله ور‌سوله ، وإن تبتم فلكم ر‌ءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) (البقرة 278).

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء العاشر نتناول فيه الآية الكريمة الثامنة والسبعين بعد المائتين من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذر‌وا ما بقي من الر‌با إن كنتم مؤمنين ،،،،، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحر‌ب من الله ور‌سوله ، وإن تبتم فلكم ر‌ءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون).

 

نقول وبالله التوفيق: يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: إن الله سبحانه وهو مالك كل موجود بما أنه هو موجده قد استخلف الجنس الإنساني في هذه الأرض ومكنه مما ادخر له فيها من أرزاق وأقوات ومن قوى وطاقات، على عهد منه وشرط. ولم يترك له هذا الملك العريض فوضى، يصنع فيه ما يشاء كيف شاء. وإنما استخلفه فيه في إطار من الحدود الواضحة. استخلفه فيه على شرط أن يقوم في الخلافة وفق منهج الله، وحسب شريعته. فما وقع منه من عقود وأعمال ومعاملات وأخلاق وعبادات وفق التعاقد فهو صحيح نافذ. وما وقع منه مخالفا لشروط التعاقد فهو باطل موقوف. فإذا أنفذه قوة وقسرا فهو إذن ظلم واعتداء لا يقره الله ولا يقره المؤمنون بالله. فالحاكمية في الأرض كما هي في الكون كله لله وحده، والناس حاكمهم ومحكومهم إنما يستمدون سلطاتهم من تنفيذهم لشريعة الله ومنهجه، وليس لهم- في جملتهم - أن يخرجوا عنها؛ لأنهم إنما هم وكلاء مستخلفون في الأرض بشرط وعهد وليسوا ملاكا خالقين لما في أيديهم من أرزاق.

 

أيها المؤمنون:

 

من بين بنود هذا العهد أن يقوم التكافل بين المؤمنين بالله، فيكون بعضهم أولياء بعض، وأن ينتفعوا برزق الله الذي أعطاهم على أساس هذا التكافل - لا على قاعدة الشيوع المطلق كما تقول الماركسية. ولكن على أساس الملكية الفردية المقيدة - فمن وهبه الله منهم سعة أفاض من سعته على من قدر عليه رزقه. مع تكليف الجميع بالعمل كل حسب طاقته واستعداده وفيما يسره الله له - فلا يكون أحدهم كلا على أخيه أو على الجماعة وهو قادر كما بينا ذلك من قبل. وجعل الزكاة فريضة في المال محددة. والصدقة تطوعا غير محدد. وقد شرط عليهم كذلك أن يلتزموا جانب القصد والاعتدال، ويتجنبوا السرف والشطط فيما ينفقون من رزق الله الذي أعطاهم وفيما يستمتعون به من الطيبات التي أحلها لهم. ومن ثم تظل حاجتهم الاستهلاكية للمال والطيبات محدودة بحدود الاعتدال. وتظل فضلة من الرزق معرضة لفريضة الزكاة وتطوع الصدقة. وبخاصة أن المؤمن مطالب بتثمير ماله وتكثيره. وشرط عليهم أن يلتزموا في تنمية أموالهم وسائل لا ينشأ عنها الأذى للآخرين، ولا يكون من جرائها تعويق أو تعطيل لجريان الأرزاق بين العباد، ودوران المال في الأيدي على أوسع نطاق: (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم).. وكتب عليهم الطهارة في النية والعمل، والنظافة في الوسيلة والغاية، وفرض عليهم قيودا في تنمية المال لا تجعلهم يسلكون إليها سبلا تؤذي ضمير الفرد وخلقه، أو تؤذي حياة الجماعة وكيانها.

 

أيها المؤمنون:

 

وأقام هذا كله على أساس التصور الممثل لحقيقة الواقع في هذا الوجود وعلى أساس عهد الاستخلاف الذي يحكم كل تصرفات الإنسان المستخلف في هذا الملك العريض .. ومن ثم فالربا عملية تصطدم ابتداء مع قواعد التصور الإيماني إطلاقا، ونظام يقوم على تصور آخر. تصور لا نظر فيه لله سبحانه وتعالى. ومن ثم لا رعاية فيه للمباديء والغايات والأخلاق التي يريد الله للبشر أن تقوم حياتهم عليها. إنه يقوم ابتداء على أساس أن لا علاقة بين إرادة الله وحياة البشر. فالإنسان هو سيد هذه الأرض ابتداء، وهو غير مقيد بعهد من الله وغير ملزم باتباع أوامر الله! ثم إن الفرد حر في وسائل حصوله على المال، وفي طرق تنميته، كما هو حر في التمتع به. غير ملتزم في شيء من هذا بعهد من الله أو شرط وغير مقيد كذلك بمصلحة الآخرين. ومن ثم فلا اعتبار لأن يتأذى الملايين إذا هو أضاف إلى خزانته ورصيده ما يستطيع إضافته. وقد تتدخل القوانين الوضعية أحيانا في الحد من حريته هذه - جزئيا - في تحديد سعر الفائدة مثلا وفي منع أنواع من الاحتيال والنصب والغصب والنهب، والغش والضرر. ولكن هذا التدخل يعود إلى ما يتواضع عليه الناس أنفسهم، وما تقودهم إليه أهواؤهم لا إلى مبدأ ثابت مفروض من سلطة إلهية! كذلك يقوم على أساس تصور خاطئ فاسد هو أن غاية الغايات للوجود الإنساني هي تحصيله للمال - بأية وسيلة - واستمتاعه به على النحو الذي يهوى! ومن ثم يتكالب على جمع المال وعلى المتاع به ويدوس في الطريق كل مبدأ وكل صالح للآخرين! لم ينته الاقتباس.

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

محمد احمد النادي

 

28 من جمادى الأولى 1434

الموافق 2013/04/09م

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نداءات القرآن الكريم

 

ح18

 

تحريم أكل مال الربا تحريماً جازماً وقاطعاً

 

ج4

 

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُ‌وا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّ‌بَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٢٧٨﴾ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْ‌بٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَ‌سُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُ‌ءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ). (البقرة 278)

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء العاشر نتناول فيه الآية الكريمة الثامنة والسبعين بعد المائتين من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُ‌وا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّ‌بَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٢٧٨﴾ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْ‌بٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَ‌سُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُ‌ءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ).

 

نقول وبالله التوفيق: يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: " ثم ينشئ في النهاية - والحديث ما زال موصولا عن النظام الربوي- ينشئ نظاما يسحق البشرية سحقا، ويشقيها في حياتها أفرادا وجماعات ودولا وشعوبا، لمصلحة حفنة من المرابين, ويحطها أخلاقيا ونفسيا وعصبيا ويحدث الخلل في دورة المال ونمو الاقتصاد البشري نموا سويا .. وينتهي - كما انتهى في العصر الحديث - إلى تركيز السلطة الحقيقية والنفوذ العملي على البشرية كلها في أيدي زمرة من أحط خلق الله وأشدهم شرا وشرذمة ممن لا يرعون في البشرية إلا ولا ذمة، ولا يرقبون فيها عهدا ولا حرمة .. وهؤلاء هم الذين يداينون الناس أفرادا، كما يداينون الحكومات والشعوب - في داخل بلادهم وفي خارجها - وترجع إليهم الحصيلة الحقيقية لجهد البشرية كلها، وكد الآدميين وعرقهم ودمائهم، في صورة فوائد ربوية لم يبذلوا هم فيها جهدا! وهم لا يملكون المال وحده .. إنما يملكون النفوذ ..

 

ولما لم تكن لهم مبادئ ولا أخلاق ولا تصور ديني أو أخلاقي على الإطلاق بل لما كانوا يسخرون من حكاية الأديان والأخلاق والمثل والمبادئ, فإنهم بطبيعة الحال يستخدمون هذا النفوذ الهائل الذي يملكونه في إنشاء الأوضاع والأفكار والمشروعات التي تمكنهم من زيادة الاستغلال، ولا تقف في طريق جشعهم وخسة أهدافهم .. وأقرب الوسائل هي تحطيم أخلاق البشرية وإسقاطها في مستنقع آسن من اللذائذ والشهوات، التي يدفع فيها الكثيرون آخر فلس يملكونه، حيث تسقط الفلوس النفوس في المصائد والشباك المنصوبة! وذلك مع التحكم في جريان الاقتصاد العالمي وفق مصالحهم المحدودة، مهما أدى هذا إلى الأزمات الدورية المعروفة في عالم الاقتصاد وإلى انحراف الإنتاج الصناعي والاقتصادي كله عما فيه مصلحة المجموعة البشرية إلى مصلحة الممولين المرابين، الذين تتجمع في أيديهم خيوط الثروة العالمية!

 

أيها المؤمنون:

 

والكارثة التي تمت في العصر الحديث - ولم تكن بهذه الصورة البشعة في الجاهلية - هي أن هؤلاء المرابين - الذين كانوا يتمثلون في الزمن الماضي في صورة أفراد أو بيوت مالية كما يتمثلون الآن في صورة مؤسسي المصارف العصرية - قد استطاعوا بما لديهم من سلطة هائلة مخيفة داخل أجهزة الحكم العالمية وخارجها، وبما يملكون من وسائل التوجيه والإعلام في الأرض كلها .. سواء في ذلك الصحف والكتب والجامعات والأساتذة ومحطات الإرسال ودور السينما وغيرها .. أن ينشئوا عقلية عامة بين جماهير البشر المساكين الذين يأكل أولئك المرابون عظامهم ولحومهم، ويشربون عرقهم ودماءهم في ظل النظام الربوي ..

 

أيها المؤمنون:

 

هذه العقلية العامة خاضعة للإيحاء الخبيث المسموم بأن الربا هو النظام الطبيعي المعقول، والأساس الصحيح الذي لا أساس غيره للنمو الاقتصادي وأنه من بركات هذا النظام وحسناته كان هذا التقدم الحضاري في الغرب. وأن الذين يريدون إبطاله جماعة من الخياليين - غير العمليين- وأنهم إنما يعتمدون في نظرتهم هذه على مجرد نظريات أخلاقية ومثل خيالية لا رصيد لها من الواقع وهي كفيلة بإفساد النظام الاقتصادي كله لو سمح لها أن تتدخل فيه! حتى ليتعرض الذين ينتقدون النظام الربوي من هذا الجانب للسخرية من البشر الذين هم في حقيقة الأمر ضحايا بائسة لهذا النظام ذاته! ضحايا شأنهم شأن الاقتصاد العالمي نفسه الذي تضطره عصابات المرابين العالمية لأن يجري جريانا غير طبيعي ولا سوي ويتعرض للهزات الدورية المنظمة! وينحرف عن أن يكون نافعا للبشرية كلها، إلى أن يكون وقفا على حفنة من الذئاب قليلة!

 

أيها المؤمنون:

 

إن النظام الربوي نظام معيب من الوجهة الاقتصادية البحتة - وقد بلغ من سوئه أن تنبه لعيوبه بعض أساتذة الاقتصاد الغربيين أنفسهم وهم قد نشئوا في ظله، وأشربت عقولهم وثقافتهم تلك السموم التي تبثها عصابات المال في كل فروع الثقافة والتصور والأخلاق. وفي مقدمة هؤلاء الأساتذة الذين يعيبون هذا النظام من الناحية الاقتصادية البحتة "دكتور شاخت" الألماني ومدير بنك الرايخ الألماني سابقا. لم ينته الاقتباس.

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

محمد احمد النادي

 

30 من جمادى الأولى 1434

الموافق 2013/04/11م

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نداءات القرآن الكريم

 

ح19

 

تحريم أكل مال الربا تحريماً جازماً وقاطعاً

 

ج5

 

 

 

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذر‌وا ما بقي من الر‌با إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحر‌ب من الله ور‌سوله وإن تبتم فلكم ر‌ءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون).

(البقرة 278)

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء العاشر نتناول فيه الآية الكريمة الثامنة والسبعين بعد المائتين من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذر‌وا ما بقي من الر‌با إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحر‌ب من الله ور‌سوله وإن تبتم فلكم ر‌ءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون). نقول وبالله التوفيق: يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: " إن النظام الربوي نظام معيب من الوجهة الاقتصادية البحتة - وقد بلغ من سوئه أن تنبه لعيوبه بعض أساتذة الاقتصاد الغربيين أنفسهم وهم قد نشئوا في ظله، وأشربت عقولهم وثقافتهم تلك السموم التي تبثها عصابات المال في كل فروع الثقافة والتصور والأخلاق. وفي مقدمة هؤلاء الأساتذة الذين يعيبون هذا النظام من الناحية الاقتصادية البحتة "دكتور شاخت" الألماني مدير بنك الرايخ الألماني سابقا. وقد كان مما قاله في محاضرة له بدمشق عام 1953 إنه بعملية رياضية (غير متناهية) يتضح أن جميع المال في الأرض صائر إلى عدد قليل جدا من المرابين. ذلك أن الدائن المرابي يربح دائما في كل عملية بينما المدين معرض للربح والخسارة. ومن ثم فإن المال كله في النهاية لا بد - بالحساب الرياضي - أن يصير إلى الذي يربح دائما! وإن هذه النظرية في طريقها للتحقق الكامل. فإن معظم مال الأرض الآن يملكه - ملكا حقيقيا - بضعة ألوف! أما جميع الملاك وأصحاب المصانع الذين يستدينون من البنوك، والعمال وغيرهم فهم ليسوا سوى أجراء يعملون لحساب أصحاب المال، ويجني ثمرة كدهم أولئك الألوف!

 

أيها المؤمنون:

 

وليس هذا وحده هو كل ما للربا من جريرة. فإن قيام النظام الاقتصادي على الأساس الربوي يجعل العلاقة بين أصحاب الأموال وبين العاملين في التجارة والصناعة علاقة مقامرة ومشاكسة مستمرة. فإن المرابي يجتهد في الحصول على أكبر فائدة. ومن ثم يمسك المال حتى يزيد اضطرار التجارة والصناعة إليه فيرتفع سعر الفائدة ويظل يرفع السعر حتى يجد العاملون في التجارة والصناعة أنه لا فائدة لهم من استخدام هذا المال، لأنه لا يدر عليهم ما يوفون به الفائدة ويفضل لهم منه شيء .. عندئذ ينكمش حجم المال المستخدم في هذه المجالات التي تشتغل فيها الملايين, وتضيق المصانع دائرة إنتاجها، ويتعطل العمال، فتقل القدرة على الشراء. وعندما يصل الأمر إلى هذا الحد، ويجد المرابون أن الطلب على المال قد نقص أو توقف، يعودون إلى خفض سعر الفائدة اضطرارا. فيقبل عليه العاملون في الصناعة والتجارة من جديد، وتعود دورة الحياة إلى الرخاء .. وهكذا دواليك تقع الأزمات الاقتصادية الدورية العالمية. ويظل البشر هكذا يدورون فيها كالسائمة! ثم إن جميع المستهلكين يؤدون ضريبة غير مباشرة للمرابين. فإن أصحاب الصناعات والتجار لا يدفعون فائدة الأموال التي يقترضونها بالربا إلا من جيوب المستهلكين، فهم يزيدونها في أثمان السلع الاستهلاكية فيتوزع عبؤها على أهل الأرض لتدخل في جيوب المرابين في النهاية.

أما الديون التي تقترضها الحكومات من بيوت المال لتقوم بالإصلاحات والمشروعات العمرانية فإن رعاياها هم الذين يؤدون فائدتها للبيوت الربوية كذلك. إذ أن هذه الحكومات تضطر إلى زيادة الضرائب المختلفة لتسدد منها هذه الديون وفوائدها. وبذلك يشترك كل فرد في دفع هذه الجزية للمرابين في نهاية المطاف .. وقلما ينتهي الأمر عند هذا الحد، ولا يكون الاستعمار هو نهاية الديون .. ثم تكون الحروب بسبب الاستعمار! ونحن هنا - في ظلال القرآن - لا نستقصي كل عيوب النظام الربوي فهذا مجاله بحث مستقل - فنكتفي بهذا القدر لنخلص منه إلى تنبيه من يريدون أن يكونوا مسلمين إلى جملة حقائق أساسية بصدد كراهية الإسلام للنظام الربوي المقيت:

 

الحقيقة الأولى: التي يجب أن تكون مستيقنة في نفوسهم أنه لا إسلام مع قيام نظام ربوي في مكان. وكل ما يمكن أن يقوله أصحاب الفتاوى من رجال الدين أو غيرهم سوى هذا دجل وخداع. فأساس التصور الإسلامي - كما بينا - يصطدم اصطداما مباشرا بالنظام الربوي، ونتائجه العملية في حياة الناس وتصوراتهم وأخلاقهم.

 

والحقيقة الثانية: أن النظام الربوي بلاء على الإنسانية لا في إيمانها وأخلاقها وتصورها للحياة فحسب, بل كذلك في صميم حياتها الاقتصادية والعملية، وأنه أبشع نظام يمحق سعادة البشرية محقا، ويعطل نموها الإنساني المتوازن على الرغم من الطلاء الظاهري الخداع، الذي يبدو كأنه مساعدة من هذا النظام للنمو الاقتصادي العام! (لم ينته الاقتباس).

 

"والحقيقة الثالثة: أن النظام الأخلاقي والنظام العملي في الإسلام مترابطان تماما، وأن الإنسان في كل تصرفاته مرتبط بعهد الاستخلاف وشرطه، وأنه مختبر ومبتلى وممتحن في كل نشاط يقوم به في حياته، ومحاسب عليه في آخرته. فليس هناك نظام أخلاقي وحده ونظام عملي وحده، وإنما هما معا يؤلفان نشاط الإنسان، وكلاهما عبادة يؤجر عليها إن أحسن، وإثم يؤاخذ عليه إن أساء. وأن الاقتصاد الإسلامي الناجح لا يقوم بغير أخلاق، وأن الأخلاق ليست نافلة يمكن الاستغناء عنها ثم تنجح حياة الناس العملية.

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

محمد احمد النادي

03 من جمادى الثانية 1434

الموافق 2013/04/13م

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نداءات القرآن الكريم

 

ح20

 

تحريم أكل مال الربا تحريماً جازماً وقاطعاً

 

ج6

 

 

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذر‌وا ما بقي من الر‌با إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحر‌ب من الله ور‌سوله وإن تبتم فلكم ر‌ءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون). (البقرة 278)

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء العاشر نتناول فيه الآية الكريمة الثامنة والسبعين بعد المائتين من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذر‌وا ما بقي من الر‌با إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحر‌ب من الله ور‌سوله وإن تبتم فلكم ر‌ءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون).

 

نقول وبالله التوفيق: يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة- والحديث ما زال موصولا عن تنبيه من يريدون أن يكونوا مسلمين إلى جملة حقائق أساسية بصدد كراهية الإسلام للنظام الربوي المقيت-:

 

والحقيقة الرابعة: أن التعامل الربوي لا يمكن إلا أن يفسد ضمير الفرد وخلقه، وشعوره تجاه أخيه في الجماعة وإلا أن يفسد حياة الجماعة البشرية وتضامنها بما يبثه من روح الشره والطمع والأثرة والمخاتلة والمقامرة بصفة عامة. أما في العصر الحديث فإنه يعد الدافع الأول لتوجيه رأس المال إلى أحط وجوه الاستثمار كي يستطيع رأس المال المستدان بالربا أن يربح ربحا مضمونا، فيؤدي الفائدة الربوية ويفضل منه شيء للمستدين. ومن ثم فهو الدافع المباشر لاستثمار المال في الأفلام القذرة والصحافة القذرة والمراقص والملاهي والرقيق الأبيض وسائر الحرف والاتجاهات التي تحطم أخلاق البشرية تحطيما .. والمال المستدان بالربا ليس همه أن ينشئ أنفع المشروعات للبشرية بل همه أن ينشئ أكثرها ربحا. ولو كان الربح إثما يجيء من استثارة أحط الغرائز وأقذر الميول .. وهذا هو المشاهد اليوم في أنحاء الأرض وسببه الأول هو التعامل الربوي!

 

والحقيقة الخامسة: أن الإسلام نظام متكامل فهو حين يحرم التعامل الربوي يقيم نظمه كلها على أساس الاستغناء عن الحاجة إليه وينظم جوانب الحياة الاجتماعية بحيث تنتفي منها الحاجة إلى هذا النوع من التعامل، بدون مساس بالنمو الاقتصادي والاجتماعي والإنساني المطرد.

 

والحقيقة السادسة: أن الإسلام - حين يتاح له أن ينظم الحياة وفق تصوره ومنهجه الخاص- لن يحتاج عند إلغاء التعامل الربوي إلى إلغاء المؤسسات والأجهزة اللازمة لنمو الحياة الاقتصادية العصرية نموها الطبيعي السليم. ولكنه فقط سيطهرها من لوثة الربا ودنسه. ثم يتركها تعمل وفق قواعد أخرى سليمة. وفي أول هذه المؤسسات والأجهزة: المصارف والشركات وما إليها من مؤسسات الاقتصاد الحديث.

 

والحقيقة السابعة: - وهي الأهم - ضرورة اعتقاد من يريد أن يكون مسلما، بأن هناك استحالة اعتقادية في أن يحرم الله أمرا لا تقوم الحياة البشرية ولا تتقدم بدونه! كما أن هناك استحالة اعتقادية كذلك في أن يكون هناك أمر خبيث ويكون في الوقت ذاته حتميا لقيام الحياة وتقدمها .. فالله سبحانه هو خالق هذه الحياة، وهو مستخلف الإنسان فيها وهو الآمر بتنميتها وترقيتها وهو المريد لهذا كله الموفق إليه. فهناك استحالة إذن في تصور المسلم أن يكون فيما حرمه الله شيء لا تقوم الحياة البشرية ولا تتقدم بدونه. وأن يكون هناك شيء خبيث هو حتمي لقيام الحياة ورقيها وإنما هو سوء التصور وسوء الفهم والدعاية المسمومة الخبيثة الطاغية التي دأبت أجيالا على بث فكرة أن الربا ضرورة للنمو الاقتصادي والعمراني، وأن النظام الربوي هو النظام الطبيعي, وبث هذا التصور الخادع في مناهل الثقافة العامة، ومنابع المعرفة الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها. ثم قيام الحياة الحديثة على هذا الأساس فعلا بسعي بيوت المال والمرابين. وصعوبة تصور قيامها على أساس آخر. وهي صعوبة تنشأ أولا من عدم الإيمان. كما تنشأ ثانيا من ضعف التفكير وعجزه عن التحرر من ذلك الوهم الذي اجتهد المرابون في بثه وتمكينه بما لهم من قدرة على التوجيه، وملكية للنفوذ داخل الحكومات العالمية، وملكية لأدوات الإعلام العامة والخاصة.

 

والحقيقة الثامنة: أن استحالة قيام الاقتصاد العالمي اليوم وغدا على أساس غير الأساس الربوي .. ليست سوى خرافة أو هي أكذوبة ضخمة تعيش لأن الأجهزة التي يستخدمها أصحاب المصلحة في بقائها أجهزة ضخمة فعلا! وأنه حين تصح النية، وتعزم البشرية - أو تعزم الأمة المسلمة - أن تسترد حريتها من قبضة العصابات الربوية العالمية، وتريد لنفسها الخير والسعادة والبركة مع نظافة الخلق وطهارة المجتمع، فإن المجال مفتوح لإقامة النظام الآخر الرشيد، الذي أراده الله للبشرية، والذي طبق فعلا، ونمت الحياة في ظله فعلا وما تزال قابلة للنمو تحت إشرافه وفي ظلاله، لو عقل الناس ورشدوا! وليس هناك مجال تفصيل القول في كيفيات التطبيق ووسائله .. فحسبنا هذه الإشارات المجملة. وقد تبين أن شناعة العملية الربوية ليست ضرورة من ضرورات الحياة الاقتصادية وأن الإنسانية التي انحرفت عن النهج قديما حتى ردها الإسلام إليه هي الإنسانية التي تنحرف اليوم الانحراف ذاته، ولا تفيء إلى النهج القويم الرحيم السليم". (انتهى الاقتباس).

 

أيها المؤمنون: نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

محمد احمد النادي

 

05 من جمادى الثانية 1434

الموافق 2013/04/15م

 

 

http://www.hizb-ut-tahrir.info/info/index.php/contents/entry_24523

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

نداءات القرآن الكريم

 

ح21

 

 

الأمر بكتابة الدين إلى أجله

 

ج1

 

 

(يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ر‌به ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من ر‌جالكم فإن لم يكونا ر‌جلين فر‌جل وامر‌أتان ممن تر‌ضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر‌ إحداهما الأخر‌ى). (البقرة 282)

 

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة والتي تليها نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء الحادي عشر نتناول فيه الآية الكريمة الثانية والثمانين بعد المائتين من سورة البقرة التي تسمى آية الدين والتي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه). نقول وبالله التوفيق: يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة:"هذه الأحكام الخاصة بالدين والتجارة والرهن تكملة للأحكام السابقة في درسي الصدقة والربا. فقد استبعد التعامل الربوي في الدرس السابق والديون الربوية والبيوع الربوية .. أما هنا فالحديث عن القرض الحسن بلا ربا ولا فائدة، وعن المعاملات التجارية الحاضرة المبرأة من الربا .. وإن الإنسان ليقف في عجب وفي إعجاب أمام التعبير التشريعي في القرآن حيث تتجلى الدقة العجيبة في الصياغة القانونية حتى ما يبدل لفظ بلفظ، ولا تقدم فقرة عن موضعها أو تؤخر. وحيث لا تطغى هذه الدقة المطلقة في الصياغة القانونية على جمال التعبير وطلاوته. وحيث يربط التشريع بالوجدان الديني ربطا لطيف المدخل عميق الإيحاء قوي التأثير، دون الإخلال بترابط النص من ناحية الدلالة القانونية. وحيث يلحظ كل المؤثرات المحتملة في موقف طرفي التعاقد وموقف الشهود والكتاب، فينفي هذه المؤثرات كلها ويحتاط لكل احتمال من احتمالاتها. وحيث لا ينتقل من نقطة إلى نقطة إلا وقد استوفى النقطة التشريعية بحيث لا يعود إليها إلا حيث يقع ارتباط بينها وبين نقطة جديدة يقتضي الإشارة إلى الرابطة بينهما ...

 

أيها المؤمنون:

 

إن الإعجاز في صياغة آيات التشريع هنا لهو الإعجاز في صياغة آيات الإيحاء والتوجيه. بل هو أوضح وأقوى؛ لأن الغرض هنا دقيق يحرفه لفظ واحد، ولا ينوب فيه لفظ عن لفظ. ولولا الإعجاز ما حقق الدقة التشريعية المطلقة والجمال الفني المطلق على هذا النحو الفريد. ذلك كله فوق سبق التشريع الإسلامي بهذه المبادئ للتشريع المدني والتجاري بحوالي عشرة قرون، كما يعترف الفقهاء المحدثون! (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه)... ويبين صاحب الظلال الحكم الشرعي لكتابة الدين كما فهمه من آية الدين ويذكر أنه فرض, ولنا على فهمه هذا تحفظ سنذكره لاحقا في نهاية بحثنا لهذا النداء.

 

أيها المؤمنون:

 

يقول سيد قطب رحمه الله: هذا هو المبدأ العام الذي يريد تقريره. فالكتابة أمر مفروض بالنص، غير متروك للاختيار في حالة الدين إلى أجل. لحكمة سيأتي بيانها في نهاية النص. (وليكتب بينكم كاتب بالعدل)... وهذا تعيين للشخص الذي يقوم بكتابة الدين فهو كاتب. وليس أحد المتعاقدين. وحكمة استدعاء ثالث - ليس أحد الطرفين في التعاقد - هي الاحتياط والحيدة المطلقة. وهذا الكاتب مأمور أن يكتب بالعدل، فلا يميل مع أحد الطرفين، ولا ينقص أو يزيد في النصوص .. (ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله)... فالتكليف هنا من الله - بالقياس إلى الكاتب - كي لا يتأخر ولا يأبى ولا يثقل العمل على نفسه، فتلك فريضة من الله بنص التشريع، حسابه فيها على الله. وهي وفاء لفضل الله عليه إذ علمه كيف يكتب .. (فليكتب كما علمه الله). وهنا يكون الشارع قد انتهى من تقرير مبدأ الكتابة في الدين إلى أجل, ومن تعيين من يتولى الكتابة, ومن تكليفه بأن يكتب. ومع التكليف ذلك التذكير اللطيف بنعمة الله عليه، وذلك الإيحاء بأن يلتزم العدل ..

 

أيها المؤمنون:

 

وهنا ينتقل إلى فقرة تالية يبين فيها كيف يكتب .. (وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل)... إن المدين - الذي عليه الحق - هو الذي يملي على الكاتب اعترافه بالدين، ومقدار الدين، وشرطه وأجله .. ذلك خيفة أن يقع الغبن على المدين لو أملى الدائن، فزاد في الدين، أو قرب الأجل، أو ذكر شروطا معينة في مصلحته. والمدين في موقف ضعيف قد لا يملك معه إعلان المعارضة رغبة في إتمام الصفقة لحاجته إليها، فيقع عليه الغبن. فإذا كان المدين هو الذي يملي لم يمل إلا ما يريد الارتباط به عن طيب خاطر. ثم ليكون إقراره بالدين أقوى وأثبت، وهو الذي يملي .. وفي الوقت ذاته يناشد ضمير المدين - وهو يملي - أن يتقي الله ربه ولا يبخس شيئا من الدين الذي يقر به ولا من سائر أركان الإقرار الأخرى .. فإن كان المدين سفيها لا يحسن تدبير أموره. أو ضعيفا - أي صغيرا أو ضعيف العقل - أو لا يستطيع أن يمل هو إما لعيب أو جهل أو آفة في لسانه أو لأي سبب من الأسباب المختلفة الحسية أو العقلية .. فليملل ولي أمره القيم عليه .. "بالعدل" .. والعدل يذكر هنا لزيادة الدقة. فربما تهاون الولي - ولو قليلا - لأن الدين لا يخصه شخصيا. كي تتوافر الضمانات كلها لسلامة التعاقد, وبهذا ينتهي الكلام عن الكتابة من جميع نواحيها". (لم ينته الاقتباس).

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

محمد احمد النادي

 

07 من جمادى الثانية 1434

الموافق 2013/04/17م

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نداءات القرآن الكريم

ح22

 

 

الأمر بكتابة الدين إلى أجله

ج2

 

 

 

((يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ر‌به ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من ر‌جالكم فإن لم يكونا ر‌جلين فر‌جل وامر‌أتان ممن تر‌ضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر‌ إحداهما الأخر‌ى)). (البقرة 287)

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء الحادي عشر نتناول فيه الآية الكريمة الثانية والثمانين بعد المائتين من سورة البقرة التي تسمى آية الدين والتي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه). نقول وبالله التوفيق:

 

يسترسل صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة فيقول: "وبهذا ينتهي الكلام عن الكتابة من جميع نواحيها. فينتقل الشارع إلى نقطة أخرى في العقد، نقطة الشهادة: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)... إنه لا بد من شاهدين على العقد (ممن ترضون من الشهداء). والرضا يشمل معنيين: الأول أن يكون الشاهدان عدلين مرضيين في الجماعة. والثاني أن يرضى بشهادتهما طرفا التعاقد .. ولكن ظروفا معينة قد لا تجعل وجود شاهدين أمرا ميسورا. فهنا ييسر التشريع فيستدعي النساء للشهادة، وهو إنما دعا الرجال لأنهم هم الذين يزاولون الأعمال عادة في المجتمع المسلم السوي، الذي لا تحتاج المرأة فيه أن تعمل لتعيش، فتجور بذلك على أمومتها وأنوثتها وواجبها في رعاية أثمن الأرصدة الإنسانية وهي الطفولة الناشئة الممثلة لجيل المستقبل، في مقابل لقيمات أو دريهمات تنالها من العمل، كما تضطر إلى ذلك المرأة في المجتمع النكد المنحرف الذي نعيش فيه اليوم! فأما حين لا يوجد رجلان فليكن رجل واحد وامرأتان .. ولكن لماذا امرأتان؟ إن النص لا يدعنا نحدس ونخمن! ففي مجال التشريع يكون كل نص محددا واضحا معللا: (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)... هذه الأحكام الخاصة بالدين والتجارة والرهن تكملة للأحكام السابقة في درسي الصدقة والربا. فقد استبعد التعامل الربوي في الدرس السابق والديون الربوية والبيوع الربوية .. أما هنا فالحديث عن القرض الحسن بلا ربا ولا فائدة، وعن المعاملات التجارية الحاضرة المبرأة من الربا ..

 

أيها المؤمنون:

 

"والضلال هنا ينشأ من أسباب كثيرة. فقد ينشأ من قلة خبرة المرأة بموضوع التعاقد، مما يجعلها لا تستوعب كل دقائقه وملابساته ومن ثم لا يكون من الوضوح في عقلها بحيث تؤدي عنه شهادة دقيقة عند الاقتضاء، فتذكرها الأخرى بالتعاون معا على تذكر ملابسات الموضوع كله. وقد ينشأ من طبيعة المرأة الانفعالية. فإن وظيفة الأمومة العضوية البيولوجية تستدعي مقابلا نفسيا في المرأة حتما. تستدعي أن تكون المرأة شديدة الاستجابة الوجدانية الانفعالية لتلبية مطالب طفلها بسرعة وحيوية لا ترجع فيهما إلى التفكير البطيء .. وذلك من فضل الله على المرأة وعلى الطفولة .. وهذه الطبيعة لا تتجزأ، فالمرأة شخصية موحدة هذا طابعها - حين تكون امرأة سوية - بينما الشهادة على التعاقد في مثل هذه المعاملات في حاجة إلى تجرد كبير من الانفعال، ووقوف عند الوقائع بلا تأثر ولا إيحاء. ووجود امرأتين فيه ضمانة أن تذكر إحداهما الأخرى - إذا انحرفت مع أي انفعال - فتتذكر وتفيء إلى الوقائع المجردة. وكما وجه الخطاب في أول النص إلى الكتاب ألا يأبوا الكتابة، يوجهه هنا إلى الشهداء ألا يأبوا الشهادة: (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا).

 

أيها المؤمنون:

 

وهنا يذكر صاحب الظلال الحكم الشرعي في مسألة تلبية الدعوة للشهادة كما فهمه من آية الدين فيرى أنها فرض, ولنا أيضا على فهمه هذا تحفظ سنذكره لاحقا في نهاية بحثنا.

 

يقول سيد قطب رحمه الله: فتلبية الدعوة للشهادة إذن فريضة وليست تطوعا. فهي وسيلة لإقامة العدل وإحقاق الحق. والله هو الذي يفرضها كي يلبيها الشهداء عن طواعية تلبية وجدانية، بدون تضرر أو تلكؤ. وبدون تفضل كذلك على المتعاقدين أو على أحدهما، إذا كانت الدعوة من كليهما أو من أحدهما. (لم ينته الاقتباس).

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين

 

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد احمد النادي

 

09 من جمادى الثانية 1434

الموافق 2013/04/19م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

نداءات القرآن الكريم

 

ح23

 

 

الأمر بكتابة الدين إلى أجله

 

ج3

 

(ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغير‌ا أو كبير‌ا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا تر‌تابوا إلا أن تكون تجار‌ة حاضر‌ة تدير‌ونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار‌ كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم).

 

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نستمع وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء الحادي عشر نتناول فيه الآية الكريمة الثانية والثمانين بعد المائتين من سورة البقرة التي تسمى آية الدين والتي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه). نقول وبالله التوفيق:

 

أيها المؤمنون:

 

يسترسل صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة فيقول: "وهنا ينتهي الكلام عن الشهادة، فينتقل الشارع إلى غرض آخر. غرض عام للتشريع يؤكد ضرورة الكتابة, كبر الدين أم صغر ويعالج ما قد يخطر للنفس من استثقال الكتابة وتكاليفها بحجة أن الدين صغير لا يستحق، أو أنه لا ضرورة للكتابة بين صاحبيه لملابسة من الملابسات كالتجمل والحياء أو الكسل وقلة المبالاة! ثم يعلل تشديده في وجوب الكتابة تعليلا وجدانيا وتعليلا عمليا: (ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا). لا تسأموا .. فهو إدراك لانفعالات النفس الإنسانية حين تحس أن تكاليف العمل أضخم من قيمته .. (ذلكم أقسط عند الله). أي أعدل وأفضل. وهو إيحاء وجداني بأن الله يحب هذا ويؤثره. (وأقوم للشهادة). فالشهادة على شيء مكتوب أقوم من الشهادة الشفوية التي تعتمد على الذاكرة وحدها. وشهادة رجلين أو رجل وامرأتين أقوم كذلك للشهادة وأصح من شهادة الواحد، أو الواحد والواحدة. (وأدنى ألا ترتابوا). أي أقرب لعدم الريبة. الريبة في صحة البيانات التي تضمنها العقد، أو الريبة في أنفسكم وفي سواكم إذا ترك الأمر بلا قيد. وهكذا تتكشف حكمة هذه الإجراءات كلها ويقتنع المتعاملون بضرورة هذا التشريع، ودقة أهدافه، وصحة إجراءاته. إنها الصحة والدقة والثقة والطمأنينة. ذلك شأن الدين المسمى إلى أجل. أما التجارة الحاضرة فإن بيوعها مستثناة من قيد الكتابة. وتكفي فيها شهادة الشهود تيسيرا للعمليات التجارية التي يعرقلها التعقيد، والتي تتم في سرعة، وتتكرر في أوقات قصيرة. ذلك أن الإسلام وهو يشرع للحياة كلها قد راعى كل ملابساتها وكان شريعة عملية واقعية لا تعقيد فيها، ولا تعويق لجريان الحياة في مجراها: (إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم).

 

أيها المؤمنون:

 

ويرجح سيد قطب الحكم الشرعي الذي فهمه من آية الدين وهو وجوب كتابة الدين والإشهاد عليه فيقول رحمه الله: "وظاهر النص أن الإعفاء من الكتابة رخصة لا جناح فيها. أما الإشهاد فواجب. وقد وردت بعض الروايات بأن الإشهاد كذلك للندب لا للوجوب. ولكن الأرجح هو ذاك. والآن وقد انتهى تشريع الدين المسمى، والتجارة الحاضرة، والتقى كلاهما عند شرطي الكتابة والشهادة على الوجوب وعلى الرخصة فإنه يقرر حقوق الكتاب والشهداء كما قرر واجباتهم من قبل .. لقد أوجب عليهم ألا يأبوا الكتابة أو الشهادة. فالآن يوجب لهم الحماية والرعاية ليتوازن الحق والواجب في أداء التكاليف العامة. (ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله. والله بكل شيء عليم). لا يقع ضرر على كاتب أو شهيد، بسبب أدائه لواجبه الذي فرضه الله عليه. وإذا وقع فإنه يكون خروجا منكم عن شريعة الله ومخالفة عن طريقه. وهو احتياط لا بد منه. لأن الكتاب والشهداء معرضون لسخط أحد الفريقين المتعاقدين في أحيان كثيرة. فلا بد من تمتعهم بالضمانات التي تطمئنهم على أنفسهم، وتشجعهم على أداء واجبهم بالذمة والأمانة والنشاط في أداء الواجبات، والحيدة في جميع الأحوال".

 

أيها المؤمنون:

 

ثم وعلى عادة القرآن في إيقاظ الضمير، واستجاشة الشعور كلما هم بالتكليف، ليستمد التكليف دفعته من داخل النفس، لا من مجرد ضغط النص يدعو المؤمنين إلى تقوى الله في النهاية ويذكرهم بأن الله هو المتفضل عليهم، وهو الذي يعلمهم ويرشدهم، وأن تقواه تفتح قلوبهم للمعرفة وتهيئ أرواحهم للتعليم، ليقوموا بحق هذا الإنعام بالطاعة والرضا والإذعان: (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم). ثم يعود المشرع إلى تكملة في أحكام الدين، أخرها في النص لأنها ذات ظروف خاصة، فلم يذكرها هناك في النص العام .. ذلك حين يكون الدائن والمدين على سفر فلا يجدان كاتبا. فتيسيرا للتعامل، مع ضمان الوفاء، رخص الشارع في التعاقد الشفوي بلا كتابة مع تسليم رهن مقبوض للدائن ضامن للدين: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة). (لم ينته الاقتباس).

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

محمد أحمد النادي

 

 

11 من جمادى الثانية 1434

الموافق 2013/04/21م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نداءات القرآن الكريم

 

ح24

 

الأمر بكتابة الدين إلى أجله

 

ج4

 

 

 

(ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغير‌ا أو كبير‌ا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا تر‌تابوا إلا أن تكون تجار‌ة حاضر‌ة تدير‌ونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار‌ كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم). (البقرة 287)

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء الحادي عشر نتناول فيه الآية الكريمة الثانية والثمانين بعد المائتين من سورة البقرة التي تسمى آية الدين والتي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه). نقول وبالله التوفيق:

 

يسترسل صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة فيقول: "وهنا يستجيش الشارع ضمائر المؤمنين للأمانة والوفاء بدافع من تقوى الله. فهذا هو الضمان الأخير لتنفيذ التشريع كله، ولرد الأموال والرهائن إلى أصحابها، والمحافظة الكاملة عليها (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه). والمدين مؤتمن على الدين، والدائن مؤتمن على الرهن, وكلاهما مدعو لأداء ما اؤتمن عليه باسم تقوى الله ربه. والرب هو الراعي والمربي والسيد والحاكم والقاضي. وكل هذه المعاني ذات إيحاء في موقف التعامل والائتمان والأداء .. وفي بعض الآراء أن هذه الآية نسخت آية الكتابة في حالة الائتمان.

 

ونحن لا نرى هذا، فالكتابة واجبة في الدين إلا في حالة السفر. والائتمان خاص بهذه الحالة. والدائن والمدين كلاهما مؤتمن.

 

وفي ظل هذه الاستجاشة إلى التقوى، يتم الحديث عن الشهادة - عند التقاضي في هذه المرة لا عند التعاقد - لأنها أمانة في عنق الشاهد وقلبه: (ولا تكتموا الشهادة. ومن يكتمها فإنه آثم قلبه). ويتكئ التعبير هنا على القلب فينسب إليه الإثم تنسيقا بين الإضمار للإثم، والكتمان للشهادة. فكلاهما عمل يتم في أعماق القلب. ويعقب عليه بتهديد ملفوف. فليس هناك خاف على الله (والله بما تعملون عليم) وهو يجزي عليه بمقتضى علمه الذي يكشف الإثم الكامن في القلوب! ثم يستمر السياق في توكيد هذه الإشارة، واستجاشة القلب للخوف من مالك السماوات والأرض وما فيهما، العليم بمكنونات الضمائر خفيت أم ظهرت، المجازي عليها، المتصرف في مصائر العباد بما يشاء من الرحمة والعذاب، القدير على كل شيء تتعلق به مشيئته بلا تعقيب! (لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ، والله على كل شيء قدير). وهكذا يعقب على التشريع المدني البحت بهذا التوجيه الوجداني البحت ويربط بين التشريعات للحياة وخالق الحياة، بذلك الرباط الوثيق، المؤلف من الخوف والرجاء في مالك الأرض والسماء. فيضيف إلى ضمانات التشريع القانونية ضمانات القلب الوجدانية .. وهي الضمان الوثيق المميز لشرائع الإسلام في قلوب المسلمين في المجتمع المسلم .. وهي والتشريع في الإسلام متكاملان. فالإسلام يصنع القلوب التي يشرع لها ويصنع المجتمع الذي يقنن له. صنعة إلهية متكاملة متناسقة. تربية وتشريع. وتقوى وسلطان .. ومنهج للإنسان من صنع خالق الإنسان فأنى تذهب شرائع الأرض، وقوانين الأرض، ومناهج الأرض؟ أنى تذهب نظرة إنسان قاصر، محدود العمر، محدود المعرفة، محدود الرؤية، يتقلب هواه هنا وهناك، فلا يستقر على حال، ولا يكاد يجتمع اثنان منه على رأي، ولا على رؤية، ولا على إدراك؟ وأنى تذهب البشرية شاردة عن ربها.

 

ربها الذي خلق، والذي يعلم من خلق، والذي يعلم ما يصلح لخلقه، في كل حالة وفي كل آن؟ ألا إنها الشقوة للبشرية في هذا الشرود عن منهج الله وشرعه. الشقوة التي بدأت في الغرب هربا من الكنيسة الطاغية الباغية هناك ومن إلهها الذي كانت تزعم أنها تنطق باسمه وتحرم على الناس أن يتفكروا وأن يتدبروا وتفرض عليهم باسمه الإتاوات الباهظة والاستبداد المنفر .. فلما هم الناس أن يتخلصوا من هذا الكابوس، تخلصوا من الكنيسة وسلطانها. ولكنهم لم يقفوا عند حد الاعتدال، فتخلصوا كذلك من إله الكنيسة وسلطانه! ثم تخلصوا من كل دين يقودهم في حياتهم الأرضية بمنهج الله .. وكانت الشقوة وكان البلاء!! فأما نحن - نحن الذين نزعم الإسلام - فما بالنا؟ ما بالنا نشرد عن الله ومنهجه وشريعته وقانونه؟ ما بالنا وديننا السمح القويم لم يفرض علينا إلا كل ما يرفع عنا الأغلال، ويحط عنا الأثقال، ويفيض علينا الرحمة والهدى واليسر والاستقامة على الطريق المؤدي إليه وإلى الرقي والفلاح؟" (انتهى الاقتباس).

 

أيها المؤمنون:

 

سبق لنا أن قلنا أكثر من مرة: "ولنا على فهم سيد قطب للحكم الشرعي في مسألة وجوب كتابة الدين والإشهاد عليه, تحفظ سنذكره لاحقا في نهاية بحثنا لهذا النداء". وها نحن في هذا المقام نقول: إن العالم الجليل عطاء بن خليل - حفظه الله ورعاه- في كتابه: "تيسير الوصول إلى التفسير" يرى أن الأمر بكتابة الدين هو للندب, وليس للوجوب كما كان يرى سيد قطب - رحمه الله - وأنقل لكم نصا ما قاله الأمير - أعزه الله ونصره - في قوله تعالى: (فاكتبوه) أمر من الله سبحانه بكتابته, والأمر يفيد الطلب, وقد وردت أقوال في هذه الكتابة أنها للوجوب أو الندب أو الإباحة المتضمن معنى الإرشاد, وهذه الأخيرة تعني عند قائليها أن فيها مصلحة دنيوية راجحة, أي أن هذا المباح أي (الكتابة) أولى من غيره لحفظ الدين والابتعاد عن التنازع. وحيث إن الأصل في الأمر (الطلب) والقرينة هي التي تعين الحكم الشرعي للوجوب أو الندب أو الإباحة, فإنه بتدبر الآية الكريمة يتبين ما يلي:

 

1. لا توجد قرينة تفيد الطلب الجازم من حيث ترتيب العقوبة على عدم الكتابة, أو أية قرينة جازمة حسب ما هو معروف في الأصول, فلا تكون الكتابة فرضا.

 

2. هناك قرائن تفيد ترجيح الكتابة من عدمها: (ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه اللـه). (فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق اللـه ر‌به ولا يبخس منه شيئا ). (ولا تسأموا أن تكتبوه صغير‌ا أو كبير‌ا إلى أجله ). (ذلكم أقسط عند اللـه). (وأقوم للشهادة وأدنى ألا تر‌تابوا ). وكل هذه تفيد أن الكتابة أرجح من عدمها, إلا أن بعضها يفيد أن الترجيح لمصلحة دنيوية مثل: (وأقوم للشهادة وأدنى ألا تر‌تابوا ). فهي لقطع التنازع في الحق, وأفضل؛ لأنها تؤكد قول الشهداء, وتيسر الأمر عليهم. ولو اقتصرت على ذلك لأفادت الإباحة المتضمنة للإرشاد, غير أن بعضها يفيد أن الترجيح للثواب أي للندب مثل قوله سبحانه: (ذلكم أقسط عند اللـه). وهذه قرينة على أن الأمر بالكتابة هو للندب, وبالتالي يكون المعنى: الندب للمؤمنين أن يكتبوا الدين الواقع بينهم والمؤجل سداده إلى وقت محدد معلوم. أما الدين المؤجل سداده إلى وقت غير محدد فليس مندوبا كتابته, بل هو على الإباحة.

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

محمد أحمد النادي

 

13 من جمادى الثانية 1434

الموافق 2013/04/23م

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نداءات القرآن الكريم للذين آمنوا

ح25

النداء الثاني عشر

النهي عن طاعة الذين كفروا من الذين أوتوا الكتاب (ج1)

 

 

 

(يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فر‌يقا من الذين أوتوا الكتاب ير‌دوكم بعد إيمانكم كافر‌ين). (آل عمران 100)

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة والتي تليها نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء الثاني عشر نتناول فيه الآية الكريمة المائة من سورة آل عمران التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فر‌يقا من الذين أوتوا الكتاب ير‌دوكم بعد إيمانكم كافر‌ين). نقول وبالله التوفيق:

 

يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: "لقد جاءت هذه الأمة المسلمة لتنشئ في الأرض طريقها على منهج الله وحده، متميزة متفردة ظاهرة. لقد انبثق وجودها ابتداء من منهج الله لتؤدي في حياة البشر دورا خاصا لا ينهض به سواها. لقد وجدت لإقرار منهج الله في الأرض، وتحقيقه في صورة عملية، ذات معالم منظورة، تترجم فيها النصوص إلى حركات وأعمال ومشاعر وأخلاق وأوضاع وارتباطات. وهي لا تحقق غاية وجودها، ولا تستقيم على طريقها، ولا تنشئ في الأرض هذه الصورة الوضيئة الفريدة من الحياة الواقعية الخاصة المتميزة، إلا إذا تلقت من الله وحده، وإلا إذا تولت قيادة البشرية بما تتلقاه من الله وحده...لا التلقي من أحد من البشر، ولا اتباع أحد من البشر، ولا طاعة أحد من البشر .. إما هذا وإما الكفر والضلال والانحراف .. هذا ما يؤكده القرآن ويكرره في شتى المناسبات. وهذا ما يقيم عليه مشاعر الجماعة المسلمة وأفكارها وأخلاقها كلما سنحت الفرصة .. وهنا موضع من هذه المواضع، مناسبته هي المناظرة مع أهل الكتاب، ومواجهة كيدهم وتآمرهم على الجماعة المسلمة في المدينة .. ولكنه ليس محدودا بحدود هذه المناسبة، فهو التوجيه الدائم لهذه الأمة، في كل جيل من أجيالها. لأنه هو قاعدة حياتها، بل قاعدة وجودها. لقد وجدت هذه الأمة لقيادة البشرية. فكيف تتلقى إذن من الجاهلية التي جاءت لتبدلها ولتصلها بالله، ولتقودها بمنهج الله؟ وحين تتخلى عن مهمة القيادة فما وجودها إذن، وليس لوجودها- في هذه الحال- من غاية؟! لقد وجدت للقيادة: قيادة التصور الصحيح. والاعتقاد الصحيح. والشعور الصحيح. والخلق الصحيح. والنظام الصحيح. والتنظيم الصحيح ..

 

وفي ظل هذه الأوضاع الصحيحة يمكن أن تنمو العقول، وأن تتفتح، وأن تتعرف إلى هذا الكون، وأن تعرف أسراره، وأن تسخر قواه وطاقاته ومدخراته .. ولكن القيادة الأساسية التي تسمح بهذا كله وتسيطر على هذا كله، وتوجهه لخير البشر لا لتهديدهم بالخراب والدمار، ولا لتسخيره في المآرب والشهوات .. ينبغي أن تكون للإيمان، وأن تقوم عليها الجماعة المسلمة، مهتدية فيها بتوجيه الله. لا بتوجيه أحد من عبيد الله. وهنا في هذا الدرس يحذر الأمة المسلمة من اتباع غيرها، ويبين لها كذلك طريقها لإنشاء الأوضاع الصحيحة وصيانتها. ويبدأ بتحذيرها من اتباع أهل الكتاب، وإلا فسيقودونها إلى الكفر لا مناص. (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين. وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله؟ ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم)...

 

أيها المؤمنون:

 

إن طاعة أهل الكتاب والتلقي عنهم، واقتباس مناهجهم وأوضاعهم، تحمل ابتداء معنى الهزيمة الداخلية، والتخلي عن دور القيادة الذي من أجله أنشئت الأمة المسلمة. كما تحمل معنى الشك في كفاية منهج الله لقيادة الحياة وتنظيمها والسير بها صعدا في طريق النماء والارتقاء. وهذا بذاته دبيب الكفر في النفس، وهي لا تشعر به ولا ترى خطره القريب. هذا من جانب المسلمين. فأما من الجانب الآخر، فأهل الكتاب لا يحرصون على شيء حرصهم على إضلال هذه الأمة عن عقيدتها. فهذه العقيدة هي صخرة النجاة وخط الدفاع، ومصدر القوة الدافعة للأمة المسلمة. وأعداؤه يعرفون هذا جيدا. يعرفونه قديما ويعرفونه حديثا، ويبذلون في سبيل تحويل هذه الأمة عن عقيدتها كل ما في وسعهم من مكر وحيلة، ومن قوة كذلك وعدة. وحين يعجزهم أن يحاربوا هذه العقيدة ظاهرين يدسون لها ماكرين. وحين يعييهم أن يحاربوها بأنفسهم وحدهم، يجندون من المنافقين المتظاهرين بالإسلام، أو ممن ينتسبون - زورا - للإسلام، جنودا مجندة، لتنخر لهم في جسم هذه العقيدة من داخل الدار، ولتصد الناس عنها، ولتزين لهم مناهج غير منهجها، وأوضاعا غير أوضاعها، وقيادة غير قيادتها .. فحين يجد أهل الكتاب من بعض المسلمين طواعية واستماعا واتباعا، فهم ولا شك سيستخدمون هذا كله في سبيل الغاية التي تؤرقهم، وسيقودونهم ويقودون الجماعة كلها من ورائهم إلى الكفر والضلال. ومن ثم هذا التحذير الحاسم المخيف: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين)... وما كان يفزع المسلم - حينذاك - ما يفزعه أن يرى نفسه منتكسا إلى الكفر بعد الإيمان. وراجعا إلى النار بعد نجاته منها إلى الجنة. (لم ينته الاقتباس).

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

محمد احمد النادي

 

15 من جمادى الثانية 1434

الموافق 2013/04/25م

 

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...