اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

أجوبة الأسئلة / متعددة بمواضيع متنوعة


Recommended Posts

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

ارجوا من الاخوة ان يرسلوا تعقيبي السابق

الى صفحة الامير اطال الله عمرة واجرى

النصر في امارتة لانني لا املك فيسبوك

ولا اجيد استعمالة وبارك الله فيكم

تم تعديل بواسطه الفقير
رابط هذا التعليق
شارك

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(سلسلة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)

جواب سؤال : كيف سنستطيع أن نحكم بالإسلام؟

إلى أبو غازي الزين

 

 

السؤال:

 

السلام عليكم، كيف حالك أميرنا، نرجو لك نعمة الصحة والعافية، ونرجو الله عز وجل أن يأخذ بيدك لما يحب ويرضى ويسدد خطاك، سؤالي هو:

 

يكثر السؤال في هذه الأيام من الناس، أنه عندما يمن الله علينا بإقامة الدولة الإسلامية، خلافة على منهاج النبوة، كيف سنستطيع أن نحكم بالإسلام، ونحن نعلم أن الإسلام يجب أن يطبق كاملاً من أول أيامه، فما هي القرارات والإجراءات والخطوات العملية التي يجب اتخاذها فور إعلان الخلافة الإسلامية؟ وما هو دورنا كشباب في هذه الكتلة في البلاد المحيطة بدولة الخلافة؟ فور إعلانها بإذن الله تعالى...

 

وجزاكم الله خيرا على اهتمامكم.

 

أبو غازي من طرابلس الشام

 

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

الأمور بمواقيتها، فلا تعجل، إن الشباب مهيَّئون لهذا الأمر بشكل عام، فإن أفكار الحزب ومفاهيمه، وما ورد في كتبه من أنظمة ودستور... والطريقة التي يسيرون عليها، كل ذلك يجعل الشباب مؤهلين لهذا الأمر بإذن الله، هذا بشكل عام...

 

أما بشكل خاص فسيكون في حينه إن شاء الله، وبارك الله فيك على حرصك واهتمامك.

 

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

 

 

 

09 من محرم 1435

الموافق 2013/12/13م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

(سلسة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)

جواب سؤال : الصلاة خلف إمام يستعمل العطور التي يدخلها الخمر أو الكحول

إلى AbuMuhibbullohi Abdulloh

من طاجاكستان

 

 

السؤال:

 

السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا أميرنا.

 

نحن شباب الحزب في السجن لدينا مشكلة جدية. فمن المعلوم عندنا أن العطور المركبة من الخمر والدواء المركب منه نجس. ولكن الإمام الذي نصلي خلفه في السجن يستعمل تلك العطور ويستدل كما يقول بكتب الفتاوى... لذلك نحن مترددون؛ فهل يجوز لنا أن نصلي خلفه اعتبارا بالحرج الذي يصيبنا في حالة عدم الإجازة؟ يا أميرنا، نحن محتاجون إلى جواب سريع بقدر الإمكان وسننتظر جوابك إن شاء الله. جزاك الله خير الجزاء.

 

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

إن صلاتك خلف ذلك الإمام الذي يستعمل العطور التي يدخلها الخمر أو الكحول، هذه الصلاة خلفه تصح ولا تبطل، فالصلاة خلف المسلم الذي يرتكب الحرام، هذه الصلاة جائزة والإثم على الإمام، والدليل على ذلك:

 

1- أخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ»، ومعنى "فلكم وعليهم"، أي فلكم ثواب الصلاة وعليهم عقاب ما أخطأوا.

 

2- أخرج مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ: «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ - أَوْ - يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟» قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ، فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ»، ومفهوم الحديث أن أمراء الجور لو صلوا الصلاة لوقتها، فالصلاة خلفهم صحيحة.

 

3- وللعلم فقد قال الحنفية والشافعية أن الصلاة خلف الفاسق مكروهة ولكنها صحيحة، وإن الإثم يقع على الإمام الذي يصلي بالمسلمين وهم له كارهون كما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي في سننه عن أبي أُمَامَةَ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: العَبْدُ الآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ».

 

4- والخلاصة أنك لو صليت خلف إمام صالح الأعمال تقي فصلاتك خلف هذا الإمام أفضل، ولكن إن حدث وصليت خلف ذلك الإمام الذي يستحل العطور التي فيها كحول، فصلاتك صحيحة والإثم عليه.

 

ومع ذلك فقدموا للإمام النصيحة بأن العطور التي يدخلها الكحول مثل الكالونيا وأشباهها هي حرام، وأعطه الجواب المذكور أدناه عن تحريم العطور التي يختلط بها الكحول لعله يهتدي بإذن الله.

 

(بالنسبة للعطور التي فيها كحول فإن أحكام الخمر تنطبق عليها، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيما أخرجه مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ».

 

ويقول صلوات الله وسلامه عليه فيما أخرجه أبو داود عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ».

 

فقد بيَّن صلوات الله وسلامه عليه ما هو السائل الذي يسمى خمراً، فإن كل مسكر، قليله أو كثيره، فهو خمر. وهنا يأتي دور تحقيق المناط لمعرفة هل هذا العطر أو الكالونيا وأمثالها تسكر لو شربت، قليلاً أو كثيراً، فإن كانت تسكر فهي خمر وتطبق عليها أحكام الخمر بتحريمها في عشرة أصناف حسب الحديث الذي أخرجه الحاكم في مستدركه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَلَعَنَ سَاقِيهَا، وَشَارِبَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَبَايِعِهَا وَمُبْتَاعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا».

 

وحسب قول الخبراء عن تأثير مادة الكحول المخلوطة في السوائل، فإن هذا السائل يصبح مُسكراً إذا شُرب، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:«كل مسكر خمر وكل خمر حرام» أخرجه مسلم، لذلك فإن أحكام الخمر تطبق على العطور الممزوجة بالكحول.) انتهى

 

وأكرر أن يكون ذلك بأسلوب حسن حكيم، فإن اهتدى فخير، وإن أصر على ما يفعل محتجاً بكذا وكذا، فحسبكم أنكم نصحتموه، ولكم الأجر والثواب إن شاء الله.

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

 

 

 

 

10 من محرم 1435

الموافق 2013/11/13م

رابط هذا التعليق
شارك

بيان مهم عن كيفية اصلاح الاوضاع في مصر

ادخل واقرا بترو

العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة ata abu-alrashtah

بسم الله الرحمن الرحيم

جواب سؤال

كيف يكون الصلح والإصلاح في مصر؟

 

السؤال:

منذ أشهر وأحداث العنف مستمرة في مصر من قتل واعتقال وتخريب وتدمير في الشوارع والميادين، فتعطلت الحياة المعتادة، وأصبح الناس فريقين ظاهرين للعيان... وقد ظهر في هذه الأجواء وسطاء من أمريكا وأوروبا، وحتى روسيا قد بدأت الاتصالات مع مصر، وليس بعيداً أن تتدخل الصين! وكذلك تدخلت بعض الأوساط المحلية، حزبية وغير حزبية من بعض أصحاب الشأن في الداخل لمحاولة الوساطة والإصلاح... ولكن دون الوصول إلى نتيجة. وقد لفت نظرنا أن حزب التحرير الذي يثق به ويحترمه كل من يعرفه لم يتدخل لا في وساطة ولا في إصلاح أو صلح، ولا نظنه يغيب عنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟» قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ»،

 

فهل من سبب لعدم تدخل الحزب في وساطة أو صلح أو إصلاح؟

 

وجزاكم الله خيراً.

 

الجواب:

 

أولاً: في البداية نشكرك على ثقتك وحسن ظنك بالحزب، ونسأل الله سبحانه أن يهدينا أجمعين إلى أرشد أمرنا، والله سبحانه سميع مجيب.

 

نعم، لا يغيب عنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه أبو داود عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟» قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ»، ولكن الصلح والإصلاح يجب أن يكون احتكاماً للشرع وليس احتكاماً لغيره، فلا يصح الصلح والإصلاح إذا أحل حراماً أو حرم حلالاً، وهذا ما أوصانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الشريفة، ومنها:

 

أخرج أبو داود في سننه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» زَادَ أَحْمَدُ، «إِلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» وَزَادَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ»

 

وأخرج الترمذي في سننه عن كَثِيرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ المُزَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا، وَالمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

 

وكذلك أخرجه ابن حبان في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بلفظ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا».

 

ثانيا: ونحن قد تدبرنا أمر الفريقين، وكان ما رأيناه عجباً:

 

فلم نجدهم يختصمون في الحكم بشرع الله، كأن يكون فريق يحكم به، وفريق لا يحكم به، بل كلاهما لم يحكم به لا في النظام السابق ولا اللاحق!

 

ولم نجدهم يختصمون في دستور من أحكام الشرع، بل هو دستور وضعي كان باطلاً في الحكم السابق، وأشد بطلاناً في الحكم الحالي؟

 

وكذلك فهم لا يختلفون في الموقف تجاه كيان يهود واتفاقية كامب ديفيد التي كانت سارية في الحكم السابق، ولا زالت سارية في الحكم الحالي؟ ولا يختصمون في الرأي حول تدفق الغاز على كيان يهود، فهو يتدفق إليهم اليوم وقبل اليوم؟

 

وهم كذلك لا يختلفون على اتخاذ إجراء في قناة السويس تجاه مرور سفن الدول المحاربة فعلاً بل هي تمر اليوم وقبل اليوم؟

 

وهم لا يختصمون لأن الملكية العامة من بترول وغاز ومعادن... التي هي حق للمسلمين يجب أن توزع عليهم... بل هي تنتفخ بها جيوب حيتان الكنانة اليوم وقبل اليوم؟

 

ثم هم لا يختصمون حول العلاقات مع أمريكا، بل هي مستمرة دون قطع، وحبلها ممدود إليهم بقوة اليوم وقبل اليوم؟

 

ثالثاً: إننا ندرك أن أهل مصر، كنانة الله في أرضه، لن ينالوا خيرا ولا أمنا أو سلاماً ما دام أحد الفريقين يدفع الجيش ليتخذ من مصر ساحة حرب بدل أن يتخذ من أرض العدو ساحة حرب... والفريق الآخر يدفع الناس ليتخذوا من شوارع مصر ساحة صراع للفوز بحكم وضعي باطل بدل أن يجعل شوارع مصر ساحة صدعٍ بنظام الخلافة العادل...

 

وهم لن ينالوا خيرا ولا أمنا أو سلاماً وكلا الفريقين ينادي بالجمهورية العلمانية والدولة المدنية التي تُلقي بالإسلام جانباً، والديمقراطية التي تشرع من دون الله وتجعل السيادة للشعب بدل أن تكون لرب الشعب.

 

وكذلك لن ينالوا خيرا ولا أمنا أو سلاماً وكلا الفريقين يضع دستوراً ما أنزل الله به من سلطان، ويترك دستور رب العالمين الذي أنزل الله أحكامه لصلاح الأمة وخيرها (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)

وهم لن ينالوا خيرا ولا أمنا أو سلاماً واتفاقية كامب ديفيد مسطورة بين كيان يهود المغتصب لفلسطين وبين النظام السابق واللاحق بدل أن تلغى على الفور ويلقى بها في مهاوي الردى.

 

ثم إنهم لن ينالوا خيرا والغاز يتدفق إلى كيان يهود المغتصب لفلسطين بدل أن يُقطع عنها فلا يُغذَّى المغتصِب بدم من اغتصب...!

 

ولن ينالوا خيراً والملكية العامة تتدفق بالباطل إلى جيوب النظام بدل أن تعود لأصحاب الحق فيها، أهل مصر العظام...

 

وهم لن ينالوا خيرا والعلاقات الأمريكية قائمة، وحبل أمريكا ممتد من واشنطن إلى القاهرة بدل أن يُقطع...

 

وأخيرا فإنهم لن ينالوا خيرا إلا أن تعود مصر كنانة الله في أرضه ركناً حصيناً من أركان الخلافة فتعود سيرتها الأولى: يوم تحررت من حكم الروم... ثم طردت الصليبيين من أرض فلسطين وما حول فلسطين، ويوم حررت بلاد المسلمين من التتار... ثم تُكمل مسيرتها بإذن الله فتحرر فلسطين من كيان يهود وجعله أثراً بعد عين...

 

رابعاً: لقد نظرنا في الفريقين فرأيناهم يبحثون عن حل من الشرق والغرب، ومن الداخل والخارج، بوسطاء من هنا وهناك، ولكن على غير هدى، فلا هم مؤهلين لإيجاد حل، ولا الحل الذي يسعون إليه ينتج خيراً:

 

أما وسطاء الخارج فهم لا يهمهم مصر ولا أهلها، فهل لعاقل صاحب تفكير وتدبير يتوقع من أمريكا حلاً فيه خير، وهي وراء الحكم الأسبق والسابق واللاحق؟ إنها وراء ما يجري من قتل في عهد الأسبق والسابق واللاحق، فلا يهمها عدد القتلى وحجم الدمار... بل فقط أن يستقر نفوذها في مصر ويستمر... وماضيها بل حاضرها في العراق وأفغانستان شاهد على ذلك، فهل من هذا شأنه يوجد حلاً صحيحاً سليماً لمصر وأهل مصر؟ وهل أوباما وموفده الكيري يريدون خيراً لمصر وأهل مصر؟ إن هؤلاء متبر ما هم فيه، ولا يريدون خيراً للإسلام والمسلمين...

 

وهل من واع صاحب بصر وبصيرة يتوقع من أوروبا حلاً فيه خير؟ لقد كانت بريطانيا وعملاؤها وراء إلغاء الخلافة سنة 1342هـ - 1924م فهي العدو اللدود للخلافة والعاملين لها، وهي وراء وعد بلفور المشئوم، والداعم الرئيس مع أمريكا وفرنسا وروسيا لاغتصاب يهود لفلسطين وتشريد أهلها، ومن ثم قيام كيان ليهود على أرض فلسطين بلد الإسراء والمعراج، وأرض الرباط... وأما فرنسا فزيادة على كونها من الداعمين الأوائل لكيان يهود فهي ذات تاريخ أسود في قتل المسلمين ليس قديماً في الجزائر فحسب بل حتى في مالي التي لم تجف الدماء فيها بعد... وأما روسيا، فتحركاتها في منطقتنا بعد زوال الاتحاد السوفييتي هي تحركات بالاتفاق مع أمريكا ومقدّمة لها، وزيادة على ذلك فموقفها في دعم طاغية الشام أمر مشهود، وكذلك مجازرها بالمسلمين في القوقاز وبخاصة الشيشان، وتدمير المساجد في قازان، واعتقال أئمتها في تتارستان، بل وقتل بعضهم، واعتقال حملة الإسلام... فهل يتوقع منها خير؟ وكذلك الصين المحتلة لتركستان الشرقية وهجماتها على المسلمين هناك، فحتى لو تدخلت أو توسطت، أيرجى منها خير؟

 

إن كل هذه الوساطات الخارجية لن تحمل معها إلا السمّ الزعاف، فهي لا تهمها دماء أهل الكنانة بقدر ما يهمها امتصاص الدماء وبناء المصالح، وعلى رأس هؤلاء أمريكا التي تعدُّ الكنانة معقلَها الرئيس في المنطقة... ومن ثم فهل لإنسان حي عاقل يتوقع من الشوك عنباً؟ هل آشتون أوروبا، أو كيري أوباما، أو كل الدول الخارجية المذكورة، هل يرجى منهم خير بل شيء من شيء من خير؟ (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ).

 

وأما الوسطاء من الداخل فهم يدورون في حلقة مفرغة، يريدون الحل من خلال ما يعرضه الفريقان من محافظة على النظام الجمهوري، والحكم المدني العلماني، والديمقراطية التي تجعل التشريع للبشر دون رب البشر، والسيادة للشعب بدل أن تكون لرب الشعب، وتطلق الحريات الشخصية والدينية والملكية والرأي مع كل ما تجر هذه من ويلات...! هكذا يفعل الوسطاء، يدعون هذا الفريق ليتنازل شيئاً وذاك الفريق ليتنازل شيئاً ويتوافقون على النظام نفسه، الذي هو سبب البلاء والشقاء! والذي يؤلم أن بعض هؤلاء الوسطاء مسلمون يقرأون في كتاب الله (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)، فيصلُّون ولا يقبلون تنازلاً عن الصلاة، ويقرأون آية أخرى في كتاب الله (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ)، فيتنازلون عنها، و"يخجلون" أن يذكروا تطبيق الحدود، ويدخل في قلوبهم الفزع إذا طالبوا الفريقين بنظام الخلافة لأنهم يخشون غضب أمريكا وأوربا وروسيا والصين! حقاً إن هذا لأمر عجاب!

 

خامساً: وهكذا فإن الوسطاء الحاليين من الداخل والخارج لن يوجدوا حلاً سليماً مستقيماً لمشاكل الكنانة وأهلها، بل الحل واحد، هو أن يتوجه الجميع بقلوبهم وكل جوارحهم نحو تحكيم شرع الله في نظام الخلافة الذي أوجبه الله رب العالمين بأدلة صحيحة مستقيمة في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع صحابته رضوان الله عليهم:

 

أما الكتاب فقد قـال تعالى مخاطباً الرسـول عليه الصـلاة والسـلام: (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ)، وقوله: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْك)، وآيات أخرى غيرها، وخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم بالحكم بينهم بما أنزل الله هو خطاب لأمته صلى الله عليه وسلم، ومفهومه أن يوجِدوا حاكماً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم بينهم بما أنزل الله، والأمر في الخطاب يفيد الجزم؛ لأن موضوع الخطاب فرض، وهذا قرينة على الجزم كما في الأصول، والحاكم الذي يحكم بين المسلمين بما أنزل الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الخليفة. ونظام الحكم على هذا الوجه هو نظام الخـلافة.

 

وأما السنة فقد رُوي عن نافع قال: قال لي عبد الله بن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» رواه مسلم. فالنبي صلى الله عليه وسلم فرض على كل مسلم أن تكون في عنقه بيعة، ووصف من يموت وليس في عنقه بيعة بأنه مات ميتة جاهلية دلالة على عظم الإثم، والبيعة لا تكون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا للخليفة ليس غير. وروى مسلم عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الإمام جُنة يُقاتَل من ورائه ويُتقى به». وروى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يُحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا؟ قال: فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم». فهذه الأحاديث فيها وصف للخليفة بأنه جُنة، أي وقاية. وفي هذه الأحاديث أيضاً أن الذين يسوسون المسلمين هم الخلفاء، وهو يعني طلب إقامتهم.

 

وأما إجماع الصحابة فإنهم، رضوان الله عليهم، أجمعوا على لزوم إقامة خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته، وقد ظهر تأكيد إجماع الصحابة على إقامة خليفة من تأخيرهم دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب وفاته، واشتغالهم بنصب خليفة له، مع أن دفن الميت عقب وفاته فرض. والصحابة الذين يجب عليهم الاشتغال في تجهيز الرسول صلى الله عليه وسلم ودفنه اشتغل قسم منهم بنصب الخليفة عن الاشتغال بدفن الرسول صلى الله عليه وسلم، وسكت قسم منهم عن هذا الاشتغال، وشاركوا في تأخير الدفن ليلتين مع قدرتهم على الإنكار، وقدرتهم على الدفن، فقد توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ضحى الاثنين، وبقي دون دفن ليلة الثلاثاء ونهار الثلاثاء حيث بويع أبو بكر رضي الله عنه ثم دفن الرسول صلى الله عليه وسلم وسط الليل، ليلة الأربعاء، أي تأخر الدفن ليلتين، وبويع أبو بكر قبل دفن الرسول صلى الله عليه وسلم. فكان ذلك إجماعاً على الاشتغال بنصب الخليفة عن دفن الميت، ما يدل على عظم فرض نصب الخليفة...

 

وهكذا فإن الواجب على المسلمين عند عدم وجود الحاكم الذي يحكم بالإسلام "الخليفة" أن يبذلوا الوسع في إيجاده، فهو الذي يقيم الحدود الواجبة من رب العالمين التي هي فرض عظيم فيه صلاح الأمة واستقامة أمرها. أخرج ابن ماجه في سننه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْأَرْضِ، خَيْرٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا».

 

هذا هو الحل لمشاكل مصر وبلاد المسلمين، فيحل الخير فيها ويصل أثر هذا الخير إلى ربوع العالم.

 

سادساً: لقد كنا نرقب الأحداث ويحزننا ما نرى من دماء ودمار، وكان يحزننا أكثر أن الأطراف كلها تبحث عن الحل في كل مكان إلا في الإسلام الذي تعتقده وتصلي وتصوم وتعبد الله سبحانه!

 

ولأننا لا نرى حلاً إلا في أن تقبَل الأطراف نظام الخلافة، ولأن تلك الأطراف كانت تنأى بنفسها عن نظام الخلافة والعاملين لها، فخشينا إن تقدمنا للإصلاح بين الفريقين بعرض نظام الخلافة... خشينا أن يكون ذلك نداء في الهواء أو نفخاً في رماد، فآثرنا الترقب والابتعاد لعل الله سبحانه يحدث بعد ذلك أمرا.

 

هذا هو الذي منعنا من التدخل، فرغم اتصالاتنا، فإن قادة الفريقين غير مقبلين على الخلافة وأهلها، وقلوبهم وجلة من أن يذكروا الخلافة خشية استفزاز الغرب كما يقولون، ومن كان هذا شأنهم فكيف ندخل في وساطة أو صلح بينهم؟

 

إننا على استعداد لبذل الوسع في الصلح بينهما، ولكن بجمعهما على نظام الخلافة، فإن علمنا ذلك من الفريقين، وأنهم مقبلون على تحكيم شرع الله، ومستعدون لإعلان الخلافة ورفع رايتها، راية العقاب، راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلن ندخر جهداً في ذلك، ونكون على استعداد لأن نسعى بين الفريقين لجمعهما على نظام واحد، نظام الخلافة الراشدة، ونحن قادرون بإذن الله على وضع الأمر موضعه، من حيث إجراءات إقامة الخلافة واستقرارها وأمنها وأمانها، وعودة مصر كنانة الله في أرضه من جديد قوية بربها عزيزة بدينها، تقصم ظهر أعداء الله، وتصعق كل من يريد شراً بالإسلام والمسلمين وأهل ذمتهم.

 

إننا ندرك ما نقول، ونعنى ما نقول، ومن يعرف حزب التحرير وماضيه وحاضره يؤكد ذلك، والله بعد ذلك ظهير...

 

هكذا يكون الصلح والإصلاح، وعلى هذا النهج نسير، ولعل الفريقين بعد ما لقياهُ من عنت وشدة، يدركان أن الحل الصحيح لمشاكل الأمة هو نظام الخلافة، نظام رب العالمين الأعلم والأحكم بما يصلح عباده في الدنيا والآخرة، ولعل موافقة الفريقين على ذلك تكون سبباً في إعادة التاريخ المجيد لهذه الأمة التي قال الله فيها: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، وتعود الخلافة من جديد، فيعز الإسلام وأهله، ويذل الكفر وأهله، وينتشر الخير في ربوع العالم، وما ذلك على الله بعزيز.

 

وفي الختام فإنا ندرك أن أحدهم سيصفنا "أننا أناس يحلمون"، ويصفنا آخر "غر هؤلاء دينهم"، ويصفنا ثالث "أننا نعيش في غير هذا العالم الذي تتحكم فيه أمريكا والغرب"، ويختم رابع بالقول "إن الخلافة كانت وانتهت ولن تعود"...

 

ولكننا في الوقت نفسه ندرك أن الله سبحانه يقول: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)،

 

وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيما أخرجه أحمد وأبو داود الطيالسي عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ فِي النُّبُوَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».

 

وكل عاقل ذي لب، وصاحب بصر وبصيرة يدرك أن قول أولئك هو داحض وباطل، ولا مكان له عند العقلاء، وأما قول الله سبحانه وقول رسوله صلى الله عليه وسلم فهو الحق الذي يكون (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ).

 

وخاتمة الختام فإننا نرقب الأوضاع ونتصل ما أمكننا بالفريقين، فلعل الله يحدث بعد ذلك أمرا (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ). (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ).

 

(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).

 

العاشر من محرم 1435هـ

14/11/2013م

 

 

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=232310503603701

تم تعديل بواسطه محمد سعيد
رابط هذا التعليق
شارك

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

جواب سؤال

 

 

 

المشاكل في الاقتصاد الصيني

 

 

السؤال:

 

قال الرئيس الصيني شي جين بينغ يوم الأربعاء 2013/11/13 "إن الصين ستمضي قدما في الإصلاحات لمعالجة المشاكل في الاقتصاد لكن مثل هذه الإصلاحات تحتاج إلى تخطيط حذر ولا يمكن تحقيقها بين ليلة وضحاها"، ونقل التلفزيون الصيني عن شي قوله "الإصلاحات وسيلة لحل المشاكل الحالية للصين.."، وذلك في ختام اجتماع عقدته القيادة الصينية اعتباراً من السبت 2013/11/9 واستمر أربعة أيام، وقد جاء هذا الاجتماع بعد أن وقعت في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 سبعة انفجارات في أحد المقرات الإقليمية للحزب الشيوعي الصيني - الحزب الحاكم في الصين. جاءَ هذا الحادث بعد أسبوع واحد من صدم سيارة لمجموعة من المشاة واشتعالها في الشارع القريب من ساحة تيانامينِ، الساحة العامّة الكبرى في بيجين التي تعتبر القلبَ الرمزيَ للعاصمةِ الصينيةِ. والسؤال: كنا نسمع أن الاقتصاد الصيني في القمة، فما معنى أن تجتمع القيادة الصينية لمعالجة المشاكل في الاقتصاد؟ ثم هل هناك علاقة بين التفجيرات واجتماع المسئولين الصينيين لبحث الأمور الاقتصادية؟ وجزاك الله خيراً.

 

الجواب:

 

1- نعم، هناك علاقة، وإن كانت الصين كعادتها سارعت إلى القول: "أنحت الحكومة باللائمة فيه على من وصفتهم بمتطرفين إسلاميين"، وذلك لصرف الأنظار عن تعثر الوضع الاقتصادي الذي يدفع الشعب الصيني، وبخاصة الأرياف ووسط البلاد إلى الشقاء والبؤس، ومن ثم يدفع إلى الاحتجاج العنيف للفت نظر الدولة إلى المعاناة الاقتصادية.

 

2- تعتبر هذه الأحداث جزءاً من اتجاهٍ أساسيٍّ يدل على أن الصين تُواجهُ بَعْض المشاكلِ الداخليةِ العميقةِ، التي سَتُؤثّرُ على إدارة السياسة الخارجيةِ في الخارج. لقد تعاملت الصين في عام 2005 مع 87,000 حالة مِن الاضطرابات الاجتماعيِة، تشمل اضطرابات عامّة، ومظاهرات ونزاعات أهلية. وفي عام 2010، جرى في الصين 180,000 احتجاج واضطرابات وحوادث جماعية أخرى، أي أن الاحتجاجات في ازدياد...

 

3-إن المناطق الاقتصادية الحرّة في الصين (إس إي زد)، التي كَانتْ العنصر الأساسي للنمو السريع في الصين، كانت قد أقيمت جميعها على الساحلِ الشرقي للصين، وكل ما تحمله خطوط الإنتاج فيها يشحن على السُفنِ ويصدر إلى العالمِ. ونتيجة لذلك ربطت المنطقة الساحلية بالاقتصادِ العالميِ؛ وشهدت معظم النمو السريع في الصين، كما أوجدت جيلاً جديداً مِن النُخَبِ، كُلّ ذلك على حساب باقي الصين. فمعظم الصين لا تزال زراعية بشكل كبير، ذات بنية تحتية قليلة وتعيش حياةً فقيرةً. وحسب دراسة عالمية لتوزيع الثروة أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية عام 2008 فإنّ 0.2% فقط من سكان الصين يسيطرون على 70 % مِنْ ثروةِ الصين. ويضاعف من أثر هذا السوء في توزيع الثروة سوء المعاملة البدنية والسجن وقوانين العمل المتراخية والأجور المنخفضة جداً، وتقصير الحكومةِ الصينيةِ في الاهتمام بالحاجات الاقتصاديةِ لأغلب السكانِ.

 

4- نموذج الصين الاقتصادي الذي يَعتمدُ على الأجورِ المنخفضة والصادراتِ الخارجية العالية يتعثّرُ الآن؛ والأزمة الاقتصاديةُ العالميةُ لعام 2008 كشفت ذلك بالكامل. ويعتبر عدد مِن الخبراء الاقتصاد الصيني في ورطة كبيرة. قال الحائز على جائزة نوبل والخبير الاقتصادي بول كروغمان: "الإشارات الآن واضحة: الصين في ورطة كبيرة. نحن لا نَتحدّثُ عن نكسة بسيطة عارضة، بل عن أمر أكثر جوهرية. فطريقة العمل التجاري بأسرها في البلاد والنظام الاقتصادي الذي أشرف على ثلاثة عقودٍ مِن النمو المدهشِ، وَصلَ نهايته. يمكنك القول بأنّ النموذجَ الصينيَ أَوْشَكَ أَنْ يَضْربَ حائطَه العظيمَ. والسؤال الوحيد الآن هو فقط كَمْ سيكون الانهيار سيئاً." (الاصطدام بحائط الصين، بول كروغمان، نيو يورك تايمز، 18 تموز/يوليو 2013). وقالَ ستراتفور: "التحولات الكبرى الجارية في الاقتصادِ الصينيِ التي توقعها ستراتفور وناقشَها لسَنَواتٍ قد لفتت الآن انتباه أجهزة الإعلام الرئيسة. سَألَ الكثيرون متى تجد الصين نفسها في أزمة اقتصادية، وقد أجبنَا على ذلك بأنّ الصين دخلت الأزمة منذ فترة قصيرة - وهو أمر لم يُعتَرَف به بشكل واسع خارج الصين، وبخاصة عندنا في الولايات المتّحدةِ. يمكن أن توجد أزمة قبل أن يُعترَف بها. الاعتراف بوجود أزمة لحظة حرجة، لأن هذا يكون عندما يبدأ أكثر الآخرين تَغيير سلوكِهم كرد فعل على الأزمةِ. السؤال الذي كُنّا نَسْألُه هو متى ستصبح الأزمة الاقتصادية الصينيةُ حقيقةً مقبولةً أخيراً، بحيث تتغير الديناميكية العالمية." (الاعتراف بنهايةَ المعجزةِ الاقتصادية الصينيةِ، ستراتفور، 23 تموز/يوليو 2013)

 

5- لقد بدأت الصين في السنوات العشر الأخيرة تسير على النهج الرأسمالي في النمو الاقتصادي وهو أن مقياس الانتعاش الاقتصادي يتوقف على كثرة الإنتاج دون النظر للتوزيع، فلو زاد الإنتاج فإنه يعني أن الاقتصاد قوي ومتقدم حتى لو كان كله من نصيب فئة قليلة وباقي الناس في ضنك العيش... أي أن التركيز هو على زيادة الإنتاج دون التركيز على عدالة التوزيع. وإذا استمرت الصين على هذا النهج الهجين من الشيوعية والرأسمالية فسيصيبها ما أصاب الاتحاد السوفييتي الذي انهار عندما حاول الخلط بين الشيوعية والرأسمالية فأصبح حاله كالغراب الذي حاول تقليد غيره من الطيور في مشيتها، فلم يستطع ونسي مشيته هو! وهكذا يمكن للصين أن تكون... إلا إذا أدركت مصدر الخطر وعالجته.

 

6- إن الصين يمكنها النجاة من هذه الأزمةِ بأن تتحول من اعتمادها على هذا الاقتصاد الهجين، وعدم التركيز على الصادرات العالية دون التركيز أولاً على الطلب المحلي من قبل شعبها، وسد حاجات هذا الشعب، وإلا فسيبقى 948 مليون من سكانِ الصين البالغين 1.3 بليون يعيشون على أقل مِنْ 5 دولارات في اليوم، وتبقى الثروة مركزة عند فئة قليلة تستغل طاقات العمال الفقراء، ومن ثم يكون سد حاجات غالبية الناس بعيدَ المنال، ويهيمن على الإنتاج قلة من الناس تصدره للخارج، فيظهر نمو في الإنتاج، ولكن زيادة فقر في معظم حياة الناس ما يدفع إلى الاحتجاج والاضطراب... شرح زهاو Zhou Xiaozheng، وهو أستاذ كبير في معهدِ القانونِ وعِلْمِ الاجتماع في جامعةِ رنمين Renmin في الصين الواقعَ الحقيقيَّ في الصين فقال: "لا تَنْس أن نجاح الصين الحالي قائم على أن 300 مليون شخص يَستغلُّون بليون عاملٍ رخيصي الأجرة. والنظام القضائي غير العادل، وتوزيع الثروات المجحف يَجْعلانِ التحديات أعظمَ."

 

7- إن على الصين أن لا تسير على خطى الغرب الرأسمالي فتعزو كل احتجاج واضطراب إلى "التطرف الإسلامي"، بدل أن تبحث عن جذور أزمتها الاقتصادية الهجينة التي تعتمد على زيادة الإنتاج وتصديره، فيزيد حجم الإنتاج ولكن سوء التوزيع يستفحل، والفقراء يكثرون، ومن ثم يزيد الاحتجاج... إننا نحذر الصين من أنها إن استمرت على هذه السياسية الاقتصادية "الشيورأسمالية"، فإنها ستلحق بالاتحاد السوفييتي، وستكون من أحداث الماضي...

 

إننا لم نقل للصين طبقوا الإسلام تسعدوا...، وذلك لأن هذا التطبيق يحتاج أولاً للعقيدة الإسلامية، وهي ليست موجودة عندهم... لكننا نقول لهم أن لا يقلدوا الغرب الرأسمالي بالتركيز على زيادة الإنتاج دون إحسان التوزيع بسد حاجة غالبية الشعب الذي يكسوه الفقر، وإلا فإن زيادة الاحتجاجات متوقعة بسبب سوء الوضع الاقتصادي والفكري وليس بسبب ما يسمى بالتطرف الإسلامي كما يروج له الغرب... إن القول بالتطرف الإسلامي يقع في باب الاتهامات السياسية، وهي استباق لتوجيه الاتهام الجاد للصين باحتلالها تركستان الشرقية بالحديد والنار، ولكن كل هذه المخادعات وكل هذا المكر وتغيير الحقائق لن يجعل المسلمين ينسون احتلال الصين لتركستان، بل ستعود بإذن الله عاجلاً أم آجلا إلى الأمة الإسلامية. ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين﴾.

 

 

14 من محرم 1435

الموافق 2013/11/17م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

(سلسلة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)

 

 

 

جواب سؤال حول: واقع التطعيم وحكم الشرع فيه

إلى Sadiq Ali

 

 

 

 

السؤال:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

أختكم في العقيدة - مدينة يوزييفا - أتوجه إلى العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير حفظه الله ورعاه بما يلي:

 

أنا شيشانية أعيش في بلجيكا منذ ١٤ عامًا حيث تكثر الجالية الشيشانية. في الآونة الأخيرة كثر الحديث والتساؤلات عن تطعيم الأطفال في الإسلام أي التطعيم ضد الحصبة، وشلل الأطفال، التهاب الكبد الوبائي، النّكاف، السلّ وغير ذلك من أنواع التطعيم، ويُرى توجّهٌ عارم ضد التطعيم واللقاحات، ويعلل أصحاب هذا التوجه ذلك بالمضاعفات التي تحدث جراء التطعيم والتي هي في تزايد مضطرد وأن هذا ضرر لا يجوز تعريض أطفالنا الأصحاء له، وكذلك إن العلاج ليس فرضاً فما بالكم بالوقاية فهي دون ذلك بلا شك، ويواصلون القول: التطعيم يعني نقل الميكروب إلى جسم الطفل وهو محرم، وكما أن الطعومات تؤخذ من الحيوانات كالقرد مثلاً. انتهى كلامهم.

 

والسؤال: ما واقع التطعيم، وما هو الحكم الشرعي فيه؟ وهل سيوجد في دولة الخلافة التطعيم بأنواعه؟ مع العلم أن نصف الجالية المسلمة عندنا لا يطعمون أبناءهم، وأعدادهم في تزايد، وأصبح الحكم الشرعي الواضح والقوي لا مفر منه، طالبين منكم الإسهاب والتوضيح ما استطعتم لذلك سبيلا، وجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

الجواب:

 

(وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

التطعيم هو دواء، والتداوي هو مندوب وليس فرضاً، ودليل ذلك:

 

1- روى البخاري من طريق أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً».

 

وروى مسلم عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»، وروى أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً، إِلَّا قَدْ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ».

 

وهذه الأحاديث فيها إرشاد بأن لكل داء دواءً يشفيه، ليكون ذلك حاثاً على السعي لحصول التداوي الذي يؤدي إلى شفاء الداء بإذن الله سبحانه، وهذا إرشاد وليس إيجاباً.

 

2- روى أحمد عن أنس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ حَيْثُ خَلَقَ الدَّاءَ، خَلَقَ الدَّوَاءَ، فَتَدَاوَوْا»، وروى أبو داود عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ، فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ، فَجَاءَ الْأَعْرَابُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَدَاوَى؟ فَقَالَ: «تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ» أي "إلا الموت".

 

ففي الحديث الأول أمر بالتداوي، وفي هذا الحديث إجابةٌ للأعراب بالتداوي، ومخاطبة للعباد بأن يتداووا، فإن الله ما وضع داءً إلاّ وضع له شفاءً. وقد جاءَت المخاطبة في الحديثين بصيغة الأمر، والأمر يفيد مطلق الطلب، ولا يفيد الوجوب إلاّ إذا كان أمراً جازماً، والجزم يحتاج إلى قرينة تدل عليه، ولا تُوجد في الحديثين أية قرينة تدل على الوجوب، إضافة إلى أنه وردت أحاديث تدل على جواز ترك التداوي، ما ينفي عن هذين الحديثين إفادة الوجوب. فقد روى مسلم عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ»، قَالُوا: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»، والرقية والكي من التداوي. وروى البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ: ... هَذِهِ المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ، «فَدَعَا لَهَا...». فهذان الحديثان يدلان على جواز ترك التداوي.

 

وكل ذلك يدل على أن الأمر الوارد "فتداووا"، "تداووا" ليس للوجوب، وإذن فالأمر هنا إما للإباحة وإما للندب، ولشدة حث الرسول صلى الله عليه وسلم على التداوي، يكون الأمر بالتداوي الوارد في الأحاديث للندب.

 

وعليه فإن التطعيم حكمه الندب، لأن التطعيم دواء، والتداوي مندوب، إلا أنه إذا ثبت أن نوعاً معيناً من التطعيم ضار كأن تكون مواده فاسدة أو ضارة لسبب ما... فإن التطعيم في هذه الحالة بهذه المواد يكون حراماً وفق قاعدة الضرر من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه أحمد في مسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ». غير أن هذه حالات نادرة...

 

وأما في دولة الخلافة فسيكون هناك تطعيم ضد الأمراض التي تقتضي ذلك كالأمراض المعدية ونحوها، ويكون الدواء نقياً من كل شائبة وصافيا، والله سبحانه هو الشافي ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾. والمعروف شرعاً أن الرعاية الصحية هي من الواجبات على الخليفة من باب رعاية الشئون عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمر. وهذا نص عام على مسؤولية الدولة عن الصحة والتطبيب لدخولهما في الرعاية الواجبة على الدولة.

 

وهناك أدلة خاصة على الصحة والتطبيب: أخرج مسلم من طريق جابر قال: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طَبِيبًا فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ». وأخرج الحاكم في المستدرك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: «مَرِضْتُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بِنَ الْخَطَّابِ مَرَضاً شَدِيداً فَدَعَا لِي عُمَرُ طَبِيباً فَحَمَانِي حَتَّى كُنْتُ أَمُصُّ النَّوَاةَ مِنْ شِدَّةِ الْحِمْيَةِ».

 

فالرسول صلى الله عليه وسلم بوصفه حاكماً بعث طبيباً إلى أبيّ، وعمر رضي الله عنه الخليفة الراشد الثاني دعا بطبيب إلى أسلم ليداويه، وهما دليلان على أن الصحة والتطبيب من الحاجات الأساسية للرعية التي يجب على الدولة توفيرها مجاناً لمن يحتاجها من الرعية.

 

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

 

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

 

15 من محرم 1435

الموافق 2013/11/18م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(سلسلة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)

 

جواب سؤال: هل يوجد عند حزب التحرير منهج تعليم؟

 

إلى درة الشام

 

 

 

السؤال:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

أنا لست من الحزب ولكن عندي طلب من فضلكم..

 

عندكم نظام تعليمي وبرامح وغيرها مما قراته وأعجبني.

 

ألا يوجد منهاج متكامل لكل الصفوف لكل العلوم الشرعية، والعلمية... ندرسها في المناطق المحررة في الشام مثلا أو في أي مكان فيه حرية تعليم خاصة في هذه الظروف حيث فتح كل من يريد مدرسة خاصة سواء أكان يحمل هدفا وفكرا أم لا يحمل... ولا أدري كيف سينشأ هذا الجيل لهم ولنا الله.

 

فكرت في طرح الفكرة على كل من لديه قدرة على كتابة منهاج ويغار على أولاده من أن يربيه غيره من كافة البلدان الإسلامية ليكون منهاجا شاملا.

 

ولكن خطر في بالي إذا وجد عندكم منهاج فلماذا أضيع وقتا في المنهاج ولأكمل ما وصلتم إليه ولو بدأت من أقاربي وأحبابي وجزاكم الله كل خير إن أجبتم أم لا.

 

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

نعم، عندنا منهج تعليم، ولكن يحتاج إلى من يوجد المدارس والمدرسين لتدريسه، وهذا يحتاج إلى سلطة تقوم بتنفيذه على أساس أحكام الشرع، وتعترف به كشهادة مدرسية بحيث يستطيع الطالب إكمال المراحل الدراسية، وكل ذلك يحتاج إلى دولة تحكم بالإسلام وتقر هذا المنهج في التعليم، وهذه السلطة الآن غير موجودة، فكيف تستطيعين تدريسه وأين؟ على كلٍّ، إننا نعمل جادين لإقامة الدولة الإسلامية، الخلافة الراشدة، التي تطبق منهج التعليم حسب أحكام الشرع بإذن الله، وعسى أن يكون قريبا.

وفي الختام، بارك الله فيك على حرصك واهتمامك.

 

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

 

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

 

 

20 من محرم 1435

الموافق 2013/11/23م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

(سلسلة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)

 

 

جواب سؤال:

Share on facebookpdf.pngprint.gifgroup.png

هل الأمة جاهزة لتحمل تبعات إقامة الخلافة؟

إلى: يوسف يوسف

 

 

السؤال:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

العالم الجليل الأخ عطاء بن خليل، بعد التحية:

 

جميعنا يعلم أن الأمة أقرب اليوم من أي وقت مضى لإعلان دولة الخلافة التي ربما يغطيها خبر عاجل قد نسمعه في أية لحظة بإذن الله، ولكن سؤالي وبحكم موقعك ومعرفتك بمجريات الأحداث، فهل الأمة الإسلامية جاهزة الآن لمثل هذه الأمر العظيم، وخاصة إذا وضعنا في الحسبان أن ما يعقب إقامة الدولة من مهام ربما أصعب بكثير من العمل لإقامتها، فهل الأمة جاهزة لتحمل هكذا تبعات؟

 

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

إن المسألة يا أخي هي أن ينصرنا الله سبحانه فنقيم دولة الخلافة، أما هل الأمة جاهزة لتحمل هذه التبعات؟ فنعم والذي ينقصها هو قيادة تقية نقية تقودها إلى الخير في ظل الخلافة الراشدة، إن الله سبحانه يصف هذه الأمة ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾.

 

نعم قد دخلت على الأمة ثقافات هدامة وأفكار باطلة ومفاهيم خطرة، والرابطة الإسلامية ضعفت بينها وانتشرت بدلها الروابط القومية والوطنية... ولكن كل هذا ليس في أعماق غالبية الأمة، بل هي تطفو على السطح بفعل الحكام الظلمة، ووسائل الإعلام التي تسير في فلكهم، ومع ذلك فالخير موجود، ولعلك تتابع أعمال الحزب فترى أن الخلافة أصبح لها رأي عام بعد أن لم يكن، وأصبحت مطلباً عاماً لافتاً للنظر بعد أن كانت المناداة بها عيباً!

 

يا أخي إن الأمم الحية حتى وإن تعرضت إلى عوامل الضعف والفرقة... لا بد من أن تنتفض، فقد مكث الصليبيون في بلادنا نحو مئتي سنة، وفي القدس وحدها نحو 90 سنة، ثم كانت حطين في ربيع الآخر سنة 583هـ، وتحرير القدس في رجب 583هـ، ثم طردوا الصليبيين منها شر طردة بعد أن قضى صلاح الدين على الفاطميين في مصر وأعاد اللحمة إلى الخلافة العباسية... وكذلك التتار دمروا بغداد وقتلوا الخليفة 656هـ، فانتقلت الخلافة إلى مصر ولم تمض سنتان حتى كانت عين جالوت سنة 658هـ، والقضاء على التتار...

 

وهكذا أيها الأخ الكريم فإعادة الخلافة بقيادتها التقية النقية ستعيد الأمة بإذن الله إلى مجدها وفتوحاتها، وما ذلك على الله بعزيز.

 

وبارك الله فيك على حرصك واهتمامك.

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

 

 

 

 

 

25 من محرم 1435

الموافق 2013/11/28م

 

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة ata abu-alrashtah

بسم الله الرحمن الرحيم

جواب سؤال

الاتفاق النووي الإيراني

 

السؤال: تتوالى المواقف الدولية والإقليمية والتصريحات السياسية حول الاتفاق النووي مع إيران منذ توقيعه بين إيران ومجموعة "5+1" في 24/11/2013، وهذه المواقف والتصريحات يظهر فيها اختلاط الرؤية وتعارضها... فإيران تعد ما حدث انتصاراً وأنها كسبت الاعتراف الدولي بحقها في تخصيب اليورانيوم، وأمريكا تنفي أن يكون الاتفاق ينص على الاعتراف بحق إيران في التخصيب، وتقول إن الاتفاق يجعل كيان يهود أكثر أمناً، وأنه سيؤول إلى منع إيران من أن تصبح دولة نووية، وكيان يهود يعد الاتفاق سيئاً وأنه خطأ تاريخي... ما أوجد لديّ، وقد يكون لدى غيري، تشويشاً في معرفة واقع هذا الاتفاق... والسؤال هو: ما هو واقع هذا الاتفاق والمواقف التي صاحبته؟ وهل للاتفاق علاقة بدور لإيران في المنطقة، كالأحداث الجارية في سوريا مثلاً؟ ثم ما سبب هذا الجهد المحموم الذي بذله ويبذله أوباما في إقرار الاتفاق والدفاع عنه حتى إنني سمعت أحد السياسيين يقول "كأنَّ أوباما مهتم بالاتفاق أكثر من إيران"؟ وجزاك الله خيرا.

 

الجواب: لنستعرض في البداية واقع ما تم في الاتفاق وفق ما نشرته وسائل الإعلام المختلفة:

 

1- التزامات إيران في الاتفاق:

 

أ- التزمت إيران بوقف تخصيب اليورانيوم فيما يتجاوز نسبة 5%، وتفكيك التوصيلات الفنية المطلوبة للتخصيب بما يتجاوز هذه النسبة، والتزمت بتخفيف مخزونها الكامل من اليورانيوم المخصب 20% لما دون 5%، أو تحويله إلى صورة لا تناسب أية عمليات تخصيب أخرى... والتزمت بوقف أي تقدم فيما يتعلق بزيادة مخزونها من اليورانيوم بنسبة 3,5% بحيث لا تزيد الكمية في نهاية فترة الأشهر الستة المذكورة في الاتفاق هذه عما كانت في بدايتها وتحويل أية كميات زيادة يتم تخصيبها من اليورانيوم بنسبة 3,5 % إلى أكسيد.

 

ب- التزمت إيران بوقف أي تقدم في قدرات التخصيب من خلال عدم تركيب أية أجهزة طرد مركزي إضافية من أي نوع، وعدم تركيب أو استخدام أي من أجهزة الجيل التالي للطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، وتعطيل نحو نصف أجهزة الطرد المركزي التي تم تركيبها في نتانز "Natanz" وثلاثة أرباع أجهزة الطرد في فوردو "Fordo" حتى لا يمكن استخدامها في تخصيب اليورانيوم. وكذلك التزمت بقصر إنتاج أجهزة الطرد المركزي على الأجهزة الضرورية لإبدال ما يلحق به الضرر من الآلات فلا تتمكن إيران من تخزين كميات إضافية من أجهزة الطرد المركزية خلال الأشهر الستة.

 

ج- التزمت إيران بعدم تشغيل مفاعل أراك ووقف التقدم في مسار استخلاص البلوتونيوم، وعدم تركيب أية مكونات إضافية له، وعدم نقل أي وقود أو مياه ثقيلة إليه. كما نص الاتفاق على منع فصل البلوتونيوم عن الوقود المستنفد، وعلى تقديم معلومات التصميم المطلوبة منذ فترة طويلة عن مفاعل أراك ما يتيح معلومات تفصيلية حساسة عن المفاعل لم تكن متاحة من قبل.

 

د- إتاحة المزيد من الفرص للمفتشين لدخول مفاعل أراك وتقديم بيانات رئيسية معينة ومعلومات كانت مطلوبة بموجب البرتوكول الإضافي لاتفاقية الضمانات الإيرانية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتزمت إيران كذلك بإتاحة المجال بصفة يومية لمفتشي وكالة الطاقة الذرية لدخول مفاعل "نتانز" ومفاعل "فوردو" وسيسمح للمفتشين بمراجعة ما صورته الكاميرات لضمان المراقبة الشاملة حول ما يتعلق بالتخصيب في هذين الموقعين... كما التزمت إيران بإتاحة المجال لوكالة الطاقة النووية الدولية للاطلاع على منشآت تجميع أجهزة الطرد المركزي، ودخول منشآت الإنتاج وتخزين مكونات أجهزة الطرد المركزي، ودخول مناجم اليورانيوم ومحطات تجهيزه.

 

هـ- التزمت إيران بتشكيل لجنة مع دول 5+1 ومع وكالة الطاقة الدولية لمراقبة التنفيذ ومعالجة أية مشاكل قد تطرأ وستعمل اللجنة المشتركة أيضا على تسهيل تسوية المخاوف السابقة والحالية فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي بما في ذلك البعد العسكري المحتمل للبرنامج الإيراني وأنشطة إيران بارشين.

 

2- مكتسبات إيران بموجب الاتفاق:

 

أ- أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن بلاده ستعلق تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 20% لمدة ستة أشهر، مع الاستمرار في أجزاء أخرى من برنامج التخصيب. وأشار الوزير إلى أن القوى الكبرى تعهدت بعدم فرض عقوبات إضافية خلال الأشهر الستة، مع تعليق بعض التدابير العقابية القائمة في مجال الحظر النفطي، فضلا عن العقوبات ضد صناعات البتروكيماويات الإيرانية وإنتاج السيارات والتأمين وتجارة المعادن الثمينة.

 

ب- في وثيقة وزعها البيت الأبيض بشأن الاتفاق المؤقت سيتم تخفيف العقوبات عن إيران مقابل تعليق بعض جوانب برنامجها النووي، وفقاً لوكالة رويترز في 24/11/2013 وأشارت الوثيقة إلى احتمال حصول إيران على عائدات تبلغ 1.5 مليار دولار من التجارة في الذهب والمعادن النفيسة وتعليق بعض العقوبات على قطاع السيارات الإيراني وصادرات إيران من البتروكيماويات، كما سيتم السماح ببقاء مشتريات النفط الإيراني عند مستوياتها الحالية المخفضة بشكل كبير، وسيسمح بتحويل 4.2 مليار دولار من هذه المبيعات على أقساط إذا نفذت إيران التزاماتها. وأكد البيت الأبيض أن الاتفاق يخفف العقوبات على إيران بما قيمته "7" مليار دولار على شكل تبادل تجاري.

 

ج- وقال عدد من أعضاء الوفود المشاركة في المحادثات بجنيف إن الاتفاق يقضي بتقليص برنامج إيران النووي مقابل تخفيف محدود للعقوبات على طهران بما قيمته سبعة مليارات دولار في شكل تبادل تجاري.

 

3- اعتبرت إيران ذلك نجاحا، فقال مرشدها الأعلى علي خامنئي مادحا الاتفاق: "لا بد من شكر فريق المفاوضين النوويين على هذا الإنجاز ويعود هذا النجاح أيضا إلى الرعاية الإلهية والصلوات ودعم الشعب"، (وكالة فارس الإيرانية 25\11\2013). وقال روحاني في مقابلة مع التلفزيون الإيراني بثت مساء أمس (26/11/2013) إن حق التخصيب الذي يشكل جزءا من حقوق إيران النووية سيتواصل. وأضاف "التخصيب مستمر اليوم، ويستمر غدا، ولن يتوقف أبدا، هذا خط أحمر". وفي المقابلة نفسها، أبدى الرئيس الإيراني تفاؤله بالتوصل إلى اتفاق كامل بشأن برنامج بلاده النووي. وقال في هذا الإطار إن الطريق طويل، وإن السير فيه سيكون ممكنا بمؤازرة الشعب ودعمه. وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد قال مساء أول أمس (25/11/2013) في مقابلة تلفزيونية إن بلاده ستستمر في تخصيب اليورنيوم، مضيفا أن طهران ستتحدث بشأن ذلك مع الأميركيين.

 

4- فهل فعلاً هذا نجاح؟ إن المدقق في بنود هذا الاتفاق يرى أن إيران قدمت تنازلات كبيرة في برنامجها النووي، وقبلت بما أراده الغرب لوقف التخصيب، وخفض المخصب 20% إلى ما دون 5%، أو تحويله إلى صورة لا تبقيه على حاله. والتزمت بألا تخصب فوق 5%، وألا تواصل نشاطاتها في المفاعلات التي تنتج ماء ثقيلا، والتزمت بعدم إنتاج البلوتونيوم وهو اللازم لصناعة الأسلحة النووية. والتزمت بعدم تركيب أجهزة طرد مركزية جديدة، وفتح الأبواب للمفتشين يوميا، وتصوير كافة الأعمال التي يقام بها حتى تبقى المنشآت النووية تحت الرقابة الدولية... فكيف يعتبر هذا نجاحاً؟ إن اعتبار المسئولين الإيرانيين هذا الاتفاق بأنه نجاح ونصر كبير ما هو إلا للتغطية على حقيقة تنازلهم وارتباطهم بأمريكا وليُسكتوا أي صوت يمكن أن يحتج عليهم من قبل شعبهم، وليهيئوا الأجواء لإقامة علاقات علنية مع أمريكا. إن تنازلات إيران تلك تناقض ما تدعيه من أن لديها سيادة مستقلة، وتحترم استقلاليتها، وإلا فكيف تسمح بذلك وتجعل نفسها تحت الرقابة الدائمة والتفتيش اليومي كما حدث في عراق صدام قبل الاحتلال الأمريكي عندما وضعت منشآته تحت الرقابة والتفتيش اليومي للبحث عن أسلحة الدمار الشامل؟ فتكون إيران بذلك قد حالت دون تطور قوتها النووية، وبخاصة وهي ترى دولة يهود تطور قوتها باستمرار، تقليدية كانت أو غير تقليدية... إن كل صاحب بصر وبصيرة يدرك أن هذا ليس نجاحاً، فأن تعود دولة من الدول إلى التخصيب بدرجة 3.5% - 5% بعد أن وصلت 20%، وتعمل على ترتيبات معينة لتعطيل فاعلية المخصب 20% سابقاً، هذا ليس نجاحاً بحال، وإنما هو أمر دبرته أمريكا في دهاليز السياسة مع إيران لإخراج العلاقة الأمريكية الإيرانية من السر إلى العلن لتؤدي دوراً مرسوماً لها في المنطقة دون قيود العقوبات... لقد أصبح كثير من الناس يدرك أن إيران توالي أمريكا، وقد تأكد لهم ذلك بعد أحداث سوريا خاصة. بل كان ذلك منذ تاريخ إعلان الجمهورية، ولكن التعاون بينهما كان يجري سرا في كافة القضايا وخاصة في موضوع العراق وأفغانستان كما اعترف المسئولون السابقون في إيران. وكان وزير الخارجية الحالي جواد ظريف ممثلا دبلوماسيًّا في أمريكا للجمهورية الإيرانية عام 2001 وطلب من حكومته يومئذ أن تتعاون مع أمريكا في غزوها لأفغانستان وقد اتهمه بعض الإيرانيين يومئذ بأنه عميل أمريكي. والآن تريد إيران أن تنهج نهجا علنيا في التعامل مع أمريكا لتشترك في تنفيذ المشاريع الأمريكية بصورة علنية، ويكون لها دور إقليمي تسنده لها أمريكا. وقد أسندت أمريكا لها دورا في سوريا لتسند نظام بشار أسد حتى تجد بديلا يحافظ على تركيبة النظام السوري التابع لأمريكا.

 

5- لقد كانت أمريكا وراء هذا الاتفاق الذي تمّ، وكانت تجتمع مع السلطة في إيران سراً قبل أشهر من إعلان الاتفاق في 24/11/2013، فقد كانت أمريكا تدرك أن أوروبا تريد التشويش على اتفاق أمريكا وإيران، لذلك أنضجت الاتفاق قبل أن تخبر الأوروبيين بذلك، فقد أوردت صحيفة "لوموند" الفرنسية في 24/11/2013 خبرًا يُفيد بأن كبار المسئولين الأمريكيين والإيرانيين أجروا على مدار أشهر عدة محادثات ثنائية سرية لعبت دورًا مهمًا في الاتفاق المبدئي حول البرنامج النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه من مساء السبت إلى الأحد 24/11/2013، وفقًا لما ذكرته اليوم 24/11/2013 وكالة "أسوشيتد برس" نقلًا عن مسئولين أمريكيين. وأشارت وكالة "أسوشيتد برس" إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية أخبرت حلفاءها، الأعضاء الآخرين في مجموعة 5+1 و(إسرائيل)، أخبرتهم باجتماعاتها السرية بعد ثمانية أشهر من انعقادها أي في نهاية شهر 9/2013 بعد اتصال أوباما وروحاني... وأوضحت الصحيفة الفرنسية أن الاجتماعات كانت تعقد في عُمان... وقد أكد ثلاثة مسئولين في الإدارة الأمريكية لوكالة "أسوشيتد برس" أن هذه المفاوضات السرية هي التي وضعت أسس الاتفاق الذي تم التوصل إليه مساء السبت حول البرنامج النووي الإيراني في جنيف.

 

6- ولذلك فقد كان أوباما مهتماً بعقد هذا الاتفاق بشكل لافت للنظر حتى إنه كان يقف بالمرصاد لأي معارضة في الكونغرس، ويُطَمئن كيان يهود بأن هذا الاتفاق يحفظ أمنهم، وكان في عجلة من أمره على عقده، وكل ذلك واضح في تصريحاته:

وقف الرئيس الأمريكي أوباما يبرر سياسة التقارب العلني مع إيران ويقول: "لا يمكننا أن نغلق الباب أمام الدبلوماسية ولا يمكننا استبعاد حلول سلمية لمشاكل العالم". وقال "إذا انتهزت إيران هذه الفرصة وقررت الانضمام إلى المجتمع الدولي فيمكننا البدء بوضع حد للريبة الموجودة منذ أعوام طويلة بين بلدينا"، (الجزيرة 26/11/2013)... وقال الرئيس الأمريكي أوباما في حديثه عن الاتفاق: "إنّ ما قمنا به مع إيران، يعدّ تقدماً ملموساً، والأكثر أهمية منذ أن توليت منصبي... وإعلان اليوم هو مجرد خطوة أولى تحقق قدراً كبيراً". (أخبار العالم (إن بي سي نيوز) على الإنترنت، 23/11/2013)... وقال أوباما خلال مشاركته في فعالية في سان فرانسيسكو 25/11/2013 إن "التحديات الكبيرة باقية، إلا أنه لا يمكننا الوقوف ضد الخيار الدبلوماسي، ولا يمكننا استبعاد الحلول الدبلوماسية للمشاكل التي يواجهها العالم"، وأضاف أوباما "لا يمكننا أن نغلق الباب أمام الدبلوماسية، ولا يمكننا استبعاد حلول سلمية لمشاكل العالم"، مشيراً إلى أنه "في الأشهر المقبلة، سنواصل جهودنا الدبلوماسية بهدف التوصل إلى حل يعالج نهائيا تهديد البرنامج النووي الإيراني"... وقال أوباما في 24/11/2013 إن الاتفاق يمثل خطوة مهمة نحو تسوية شاملة لقضية هذا البرنامج، وقال إنه سيغلق الطريق أمام طهران لتصنيع قنبلة نووية. وحذر أوباما من أن بلاده ستتوقف عن تخفيف العقوبات على إيران إذا لم تلتزم ببنود الاتفاق خلال ستة أشهر. وكذلك صرح كيري على أن الاتفاق سيجعل من الصعب على إيران الاندفاع نحو صنع سلاح نووي. وقال متحدثا عن واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في الأزمة النووية المستمرة منذ عشر سنوات، إن الاتفاق لا يضمن أي اعتراف "بحق" إيران في تخصيب اليورانيوم. وأضاف مطمئنا كيان يهود: "هذا الاتفاق سيجعل العالم أكثر أمنا وإسرائيل وشركاءنا في المنطقة أكثر أمنا". (أ ف ب 24/11/2013).

 

وكردة فعل تحرك البيت الأبيض بسرعة لمواجهة تأثير أعضاء الكونغرس الموالين للوبي اليهودي، فقد طلب البيت الأبيض الدعم من الأوزان الثقيلة، "سكوكروفت، وبريجنسكي"، للضغط على الكونغرس، لإيقاف مثل هذه التدابير، فطلبا - في رسالة لهما - من زعيم الأغلبية في مجلس الجيوش (هاري ريد) دعمَ التفاوض مع إيران، لما في ذلك من مصلحة وطنية أمريكية، وقد جاء في الرسالة: "... إنّ التفاوض يدعم الأمن القومي للولايات المتحدة وإسرائيل وغيرهما من الشركاء في المنطقة"، وحذرت الرسالة أيضاً من فرض عقوبات جديدة على إيران: "إنّ فرض المزيد من العقوبات الآن، وفي ظل هذه المفاوضات التي لم يسبق لها مثيل، يعني التأكيد للإيرانيين بأنّ الولايات المتحدة ليست مستعدة لعقد أيّ اتفاق مع الحكومة الحالية في إيران"، وذكرت الرسالة: "إننا ندعو جميع الأميركيين والكونغرس الأمريكي إلى الوقوف بحزم مع الرئيس في المفاوضات الصعبة مع إيران". ("سكوكروفت، بريجنسكي... مؤسسة الثقافة الاستراتيجية أون لاين، 20/11/2013)، وواضح من كل ذلك أن أمريكا تصرفت كما لو كانت هذه القضية قضيتها المصيرية!

 

7- محاولات أوروبا للتشويش على الاتفاق ثم الموافقة: إن أمريكا كانت تدرك أن أوروبا لا تريد الاتفاق الأمريكي الإيراني، لأن أوروبا تعلم أن إيران توالي أمريكا، وتخفيف العقوبات عنها يعني أن أمريكا ترسم لها دوراً ستقوم به إيران لخدمة مصالح أمريكا في المنطقة ما يستلزم رفع القيود عنها لتسهل حركتها، ولذلك فقد حاولت فرنسا علناً تعقيد الاتفاق في الجولة الأولى التي عقدت في 15/10/2013 وحاولت بريطانيا من وراء ستار كعادتها، إلا أن أمريكا كانت جادة في عقده فاضطرت أوروبا للموافقة.

 

وهكذا فلم يستطع الأوروبيون أن يعرقلوا الاتفاق، بعد أن أدركوا أن أمريكا وضعت أسسه، ونصبت أعمدته وجهزت لبناته... لذلك وافقوا، ويبدو أنهم أرادوا استغلاله دولياً، وبخاصة وأن الاتفاق يحد فعلا من نشاط إيران النووي نحو إنتاج أسلحة نووية لأنه يمنعها من زيادة التخصيب فوق 3,5% - 5%، وما عملت على تخصيبه بنسبة 20% فسوف يقضى عليه، وسوف تبقى المفاعلات النووية تحت الرقابة والتفتيش يوميا. وعليه فقد أشاد وزير خارجية بريطانيا وليم هيغ بالاتفاق على صفحته في موقع تويتر في 24/11/2013 قائلا: "إن الاتفاق كان مهما ويمثل أول مرحلة مهمة ومشجعة مع إيران، وسيجمد العمل في برنامجها النووي لمدة ستة أشهر ويعيد بعض أجزائه إلى مراحله السابقة". ووصف الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند الاتفاق بأنه "خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح نحو تطبيع الغرب للعلاقات مع إيران. وأنه يحترم المطالب التي وضعتها فرنسا في مجال مخزون اليورانيوم وتخصيبه وتعليق تشغيل منشآت جديدة والرقابة الدولية". (أ ف ب 24/11/2013).

 

8- يبقى موقف كيان يهود...: إن موقف كيان يهود في اعتبار الاتفاق سيئاً ليس جديداً ولا غريباً، فهذه الدولة المغتصبة لفلسطين قد اختطَّت لنفسها سياسة منذ نشأتها وهي أن تقاوم ظهور أي قوة مادية مؤثرة في المنطقة، ليس قوة نووية فحسب، بل حتى قوة تقليدية متطورة، وليس في دولة كبيرة كإيران بل حتى في دولة صغيرة، فهي تعترض على تسليح الأردن رغم أنها تعد الأردن شريكا استراتيجياً، ومع ذلك تعترض على تسليحه! نشرت الأخبار اللبنانية نقلاً عن ويكيليكس العرب استناداً إلى وثيقة في 13/3/2006 يتحدث فيها السفير ريتشارد جونز عن متطلبات دولة يهود من أمريكا في شباط 2006 بالنسبة للحد من الأسلحة لدول المنطقة، ورد فيها عن الأردن: "...إن الدولة العبرية ترى الأردن «شريكاً استراتيجياً»... ومع ذلك، ونظراً إلى التقارب الجغرافي والتغيرات الاستراتيجية المحتملة، لا تستطيع إسرائيل تحمل تقليص الفارق النوعي بين جيش الدفاع الإسرائيلي والجيش الأردني. كذلك لا تستطيع إسرائيل المخاطرة بتجهيز الأردن بصواريخ سام أو أي أنظمة أخرى تغطي فضاءها الجوي بالكامل..." انتهى، هذه سياسة دولة يهود لدول المنطقة الصغيرة والكبيرة، ليس هذا فحسب، بل تشترط في محادثاتها مع السلطة حول دويلة لها، إذا رأت النور، أن تكون هذه الدويلة منزوعة السلاح... ولذلك فدولة يهود لا تكتفي بأن تكون إيران دولة نووية سلمية، ولا تصل إلى دولة نووية عسكرية، بل تريد نزع القدرة النووية أياً كانت، سلمية أم غير سلمية في إيران، وفي كل دولة من المنطقة، ولها سابقة في ذلك، فقد هاجمت المنشآت النووية للعراق في وقت صدام بضوء أخضر من أمريكا، وهي كانت تتهيأ أكثر من مرة لمهاجمة المنشآت النووية في إيران، وكانت أمريكا تمنعها من ذلك... وقد رأينا دولة يهود كيف رقصت فرحاً عندما وافق طاغية الشام على تدمير الأسلحة الكيماوية...

 

إن دولة يهود تعلم أن لا قوة ذاتية لها، بل (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ...)، وحبل الله قد قطعوه منذ عهود... وحبل الناس ممدود لها منذ أنشأتها بريطانيا وغذتها فرنسا واحتضنتها أمريكا، وبذلك فهي تلتصق بأمريكا في سياستها، وعليه فالمتوقع أن تبذل الوسع عن طريق اللوبي اليهودي في أمريكا للتأثير خلال الأشهر الستة القادمة لجعل الحل النهائي مع إيران يتضمن قيوداً أكثر عليها من القيود الموضوعة في الحل المؤقت الحالي... ولكن في جميع الحالات فإن أمريكا تضع مصلحتها فوق كيان يهود، بل إن أمريكا هي تقرر أمن كيان يهود، وليس الكيان هو الذي يفرض على أمريكا أمنه، وبخاصة وأن أوباما هو في دورته الانتخابية الأخيرة، فتأثير اللوبي اليهودي عليه ينخفض نسبيا. ومع ذلك فإن دولة يهود ترى بقاءها في مساعدة أمريكا لها، فأمريكا تمنع دول المنطقة من السلاح النووي، وتسمح لدولة يهود بالصناعة النووية العسكرية، وقد ضمنت الاتفاقية بعض الأمور المطمئنة لدولة يهود، فقد قال وزير الشؤون الاستخبارية الإسرائيلي يوفال شطينتس في مقابلة أجرتها معه شبكة الإذاعة العبرية الثانية صباح اليوم نفسه "إن الدول الكبرى أصرت في الساعات الأخيرة التي سبقت الإعلان عن الاتفاق على إدخال تعديلات على مسودة الاتفاق، بناء على رغبة إسرائيل"، وستحاول دولة يهود مع أمريكا لعلها تستطيع إضافة شروط وقيود أخرى في الحل النهائي، فقد قال وزير المالية الإسرائيلي يئير لبيد في مقابلة أجرتها معه إذاعة الجيش الإسرائيلي صباح الأحد 24/11/2013: "يتوجب على إسرائيل التنسيق مع الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى من أجل التوصل لاتفاق نهائي أفضل بعد ستة أشهر". وأضاف أنه "على الرغم من أن الاتفاق سيئ، لكن علينا العمل مع الأمريكيين وغيرهم حتى يضمن الاتفاق النهائي تفكيكا كاملا للمشروع النووي الإيراني". وواضح من كل ذلك أن دولة يهود بدعم من أمريكا تريد احتكار السلاح النووي في المنطقة، ومنع أية دولة أخرى في المنطقة من امتلاك أية قوة متطورة، بل منع تلك الدول من أية قدرة علمية نظرية على إنتاج الطاقة النووية... والذي يؤلم هو هشاشة، بل خيانة، الدولة القائمة في بلاد المسلمين التي تخشى البحث العلمي في إنتاج الطاقة النووية السلمية ناهيك عن الأسلحة النووية في الوقت الذي فيه دولة يهود تنتج أسلحة نووية علناً لا سراً، بل وتعترض على من يحاول ذلك من دول المنطقة.

 

ولذلك فإن قول رئيس وزراء كيان يهود نتانياهو بأن "الاتفاق خطأ تاريخي واتفاق سيئ يقدم لإيران ما كانت تريده: رفع جزء من العقوبات والإبقاء على جزء أساسي من برنامجها النووي". (أ. ف. ب 24/11/2013)، هذا القول يمكن أن يُفهم في سياق ما قلناه آنفا عن رغبة كيان يهود بأن لا تكون في المنطقة قوة ذات شأن غيرها وأنها تريد تفكيك الطاقة النووية الإيرانية كاملةً.

 

9- أما لماذا بذلت أمريكا الوسع في عقد هذا الاتفاق علماً بأن الموضوع النووي الإيراني له سنوات عدة في أخذ ورد، فلماذا الآن يبذل أوباما جهداً محموماً لإبرام الاتفاق النووي الإيراني لدرجة أن يصرح "إنّ ما قمنا به مع إيران، يعدّ تقدماً ملموساً، والأكثر أهمية منذ أن توليت منصبي..." فإن الجواب على ذلك هو أن ظروفاً جدَّت في المنطقة خلال هذه السنوات الثلاث، وهذا الذي جد هو الجو العام المنتشر في سوريا باسم الخلافة، وهو حدث جديد لم تشهده ثورات الربيع العربي التي وإن نشأت بتحرك ذاتي لكنها كانت بشعارات أقرب للعلمانية أو لخليط منها مع ما يسمى بالإسلام الوسطي الأمريكي! ما مكن أمريكا والغرب من اختراق تلك الثورات والعبث فيها... إلا أن التحركات القائمة في سوريا قد غلبت عليها المشاعر الإسلامية المنسجمة في كثير منها مع الأفكار والمفاهيم الإسلامية الصحيحة التي تنادي "الأمة تريد خلافة من جديد"... هذا الجو الإسلامي المتصاعد في سوريا قد زاد من حدة مأزق الغرب بعامة وأمريكا بخاصة، حيث إنهم يدركون عظمة الخلافة وقوتها، وأن القوى الأخرى في حالة وجود الخلافة لا تكون ذات شأن، هذا إن لم تكن أثراً بعد عين... ثم هناك عامل آخر يزيد المأزق مأزقاً، وهو أن أمريكا غارقة في أزماتها ما يضعف فاعلية تأثيرها المباشر للقضاء على هذا الجو الإسلامي المتنامي في سوريا، ولذلك فإن أمريكا تبحث عن أعوان خونة في المنطقة يكونون خطها الأمامي في التصدي لهذا الجو الإسلامي العظيم.

 

أما أزمة أمريكا في الداخل، فبالإضافة للأزمة الاقتصادية التي لا زالت تعاني منها أمريكا، فإن كلاً من الديمقراطيين والجمهوريين على خلاف مع بعضهم البعض في جميع القضايا الرئيسية، فالسياسة الحزبية المحلية حلّت محل المصلحة الوطنية الأمريكية، وأصبحت أهم من إدارة شئون الناس، وقد لاحظ العديد من المراقبين أنّ خلافات الحزبين الرئيسيين بشأن رفع سقف الدين، ومشروع أوباما الصحي، تبرهن تدهور النظام السياسي الأمريكي، وقد كتب فرانك فوغل في هافينغتون بوست: "النظام السياسي الأمريكي منهار، والكونغرس يفقد ثقة الجماهير، حيث انحدرت نسبة الذين يثقون به إلى الـ10%، وفقاً لأحدث استطلاع لمركز غالوب. ووفقاً لاستطلاع للرأي العام التجاري، فإنّ 85% من كبار رجال الأعمال الأمريكيين يعتقدون بأنّ المشاكل الرئيسية التي تعانيها أمريكا سببها نظام تمويل الحملات الانتخابية، و42% يعتقدون بأنّ النظام فاشل تماماً". (هافينغتون بوست، 26/7/2013).

 

وأما في الخارج فإن الوضع السياسي الأميركي أسوأ وأخطر منه في الداخل، على الرغم من أن هيمنة أمريكا لها السبق على جميع مناطق العالم، وقد قال إيمانويل والرشتاين تعليقاً على تراجع نفوذ أمريكا في جميع أنحاء العالم: "نسبة كبيرة من الناس، إن لم يكن جميعهم، يشعرون بالتراجع النسبي لقوة الولايات المتحدة ومكانتها ونفوذها، والناس داخل الولايات المتحدة يتقبلون هذا الشعور على مضض". ("عواقب تراجع الولايات المتحدة"، قناة الجزيرة، 2/11/2013). وكان بريجنسكي قد قال في خطاب له في مجلس العلاقات الخارجية، في مونتريال في 2010: "إنّ القوى الكبرى في العالم، القديمة منها والجديدة، تواجه واقعاً جديداً، فبالرغم من تعاظم القوة العسكرية الخاصة بها إلى أكبر من أي وقت مضى، إلا أنّ قدرتها على فرض سيطرتها على العالم في أدنى مستوياتها التاريخية..."، هذا فضلاً عن معاناة أمريكا في أفغانستان وفي مناطق أخرى من العالم...

 

بسبب هذه الأزمات التي تلتف حول عنق أمريكا فتعوق من فاعلية تأثيرها المباشر... ولأن عملاءها، سواء منهم من صنعتهم في الخارج، أو بشار وزبانيته في الداخل... لأن كل هؤلاء لم يستطيعوا طوال هذه السنوات الثلاث أن يستقر لهم قرار فاعل في سوريا، بل إن هتافات الخلافة تصعق أسماعهم وأبصارهم وقلوبهم... لكل ذلك فقد أرادت أمريكا من دول المنطقة حول سوريا أن يكونوا خطاً أمامياً لها في الوقوف في وجه نشوء أي حكم جديد يتبنى الخلافة نظاماً للدولة والحياة والمجتمع، ومن ثم فقد وقع بصر أمريكا على دولتين تكلفهما بالمهمة وهما من أتباعها: تركيا وإيران، أما تركيا فلا قيود على تحركاتها، وأما إيران فكانت العقوبات وملحقاتها تشكل قيداً عليها، فتحد من نشاطها المؤثر دولياً وإقليميا فهي في شبه عزلة، ولأنها أقوى تحركاً ضد الخلافة من تركيا حيث إن الخلافة في ثقافة حكام إيران تعد أمراً مرفوضاً عندهم ما يجعلهم ينشطون في محاربتها، في حين أن في موروثات الأتراك عهوداً طويلة للخلافة ما يجعل النظام في تركيا يلف ويدور عند حربه للخلافة... وهكذا كان المخطط الجديد يقتضي تفعيل دور هاتين الدولتين على النحو المذكور. ومن ثم فقد جعلت أمريكا القضية قضيتها التي تقتضي رفع القيود عن إيران لتسهيل تحركها، فكان أن بذل أوباما هذا الجهد المحموم لرفع العقوبات لهذا الغرض بالذات، أي للوقوف في وجه التحركات الإسلامية في سوريا لإقامة الخلافة، وليس لرفع القيود عن نشاط إيراني للأسلحة النووية، بل إن النشاط النووي السلمي وُضعت عليه قيود وقيود تعود بإيران من نسبة التخصيب 20% التي وصلتها إلى نحو 3.5% بالإضافة إلى التفتيش والاشتراطات... وعليه فإن التخفيف كان فقط لتسهيل حركتها وتشجيعها لتنشط في وجه العمل للخلافة في سوريا وليس لتنشط في المجال النووي! وهكذا عدّ أوباما هذا الاتفاق النووي من أعظم أعماله خلال ولايته، فأن يستطيع أوباما أن يحرك تركيا وإيران للوقوف في وجه العمل للخلافة في سوريا، سواء أكان ذلك بأعمال مادية مجرمة داخل سوريا، أم كان بأعمال سياسية خيانية في جنيف وغير جنيف... وذلك ليتمكنوا من إيجاد حكم عميل لاحق لعميل سابق وإحباط العمل للخلافة... أن يستطيع أوباما فعل ذلك فإنه يكون من أقوى أعماله في ولايته، فلا غرابة إذن أن يقول في تصريحه: "إنّ ما قمنا به مع إيران، يعدّ تقدماً ملموساً، والأكثر أهمية منذ أن توليت منصبي..."، هذا إن استطاع... ولعله يظن الاستطاعة فيما رآه من سير الدولتين على ما رسمه أوباما، فسارعتا للقاء والزيارات على عجل، وذلك على خطى قائدهم أوباما الذي كان كذلك يسير على عجل بعقد ذلك الاتفاق! فلم يمض على الاتفاق في 24/11/2013 سوى ثلاثة أيام حتى زال التوتر السابق بين تركيا وإيران، وزار وزير خارجية تركيا طهران، وكانت المحادثات مركزة على التعاون بينهما في أمر سوريا ومؤتمر جنيف وما خفي أعظم... ويا ليتهما يتعاونان على البر والتقوى، وإذن لدعونا لهم بخير، ولكن أن يتعاونا على الوقوف في وجه إقامة الخلافة في سوريا، ويعملان على إعادة الحكم العلماني الجائر الظالم مرة أخرى بعد تلك الدماء الزكية التي سالت، والتضحيات العظيمة التي بذلت، فإن لهما بذلك خزياً في الدنيا، وسعيراً في الآخرة. إن الله سبحانه أمر بالتعاون على البر والتقوى وليس على الإثم والعدوان (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، ويا ليتهم يدركون ذلك فينجوا، والعاقل من اتعظ فنجا.

 

10- وفي الختام، فهذه تذكرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد:

 

أ- إننا نذكِّر حكام تركيا وحكام إيران أن ولاءهم لأمريكا ووقوفهم في وجه العاملين لإقامة الخلافة في سوريا سيكتسبون به خزي الدنيا وعذاب الآخرة، ومهما عملوا لإرضاء الغرب بعامة وأمريكا بخاصة فلن ترضى عنهم (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن الجعد في مسنده عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: «مَنْ أَرْضَى النَّاسَ بِسَخَطِ اللَّهِ، وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ، وَمَنْ أَسْخَطَ النَّاسَ بِرَضَا اللَّهِ كَفَاهُ اللَّهُ النَّاسَ»... وأنتم لا شك ترون مصائر الذين أرضوا الناس بسخط الله... والعاقل من اتعظ بغيره.

 

ب- ونذكِّر حكام تركيا بالخلافة فرض ربهم، وبعهود الخلافة المضيئة التي عمت أرجاء تركيا قروناً عدة، وأنهم كانوا جندها، جند الفاتح وسليم والقانوني وعبد الحميد... وحريٌّ بحكام تركيا اليوم أن تشدهم تلك العهود المضيئة إلى عدم خذلان الخلافة، فلا يقفوا في وجهها في الشام أو أي مكان، فإن قصرت عزائمهم عن نصرة العاملين لها، فلا أقل من أن لا يقفوا في وجههم... والعاقبة للمتقين.

 

ج- ونذكِّر حكام إيران، حتى وإن كانوا لا يرون في الخلافة فرضَ ربهم، ويذهب تفكيرهم عند ذكرها إلى خليفة ظَلَمَ هنا أو هناك، نذكِّرهم بأن الخلافة التي يعمل لها العاملون هي الخلافة على منهاج النبوة، الخلافة الراشدة، التي كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وأرضاهم قادتها وجندها... فإن وقف حكام إيران في وجهها، فقد خالفوا سيرة علي رضي الله عنه الذي كان مبايعاً للخلفاء الثلاث الذين سبقوه وكان عوناً لهم صادقاً معهم، فسيروا سيرته، ولا تخذلوا الخلافة فتقفوا في وجهها في الشام أو أي مكان، فإن قصرت عزائمكم عن نصرة العاملين لها، فلا أقل من أن لا تقفوا في وجههم... والعاقبة للمتقين.

 

د- وكما بدأنا بتذكير حكام تركيا وحكام إيران معاً، فإننا نختم بتذكيرهما معاً بأن الخلافة هي وعد الله سبحانه (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ...) وبشرى رسول صلى الله عليه وسلم بعد هذا الحكم الجبري، أخرج أحمد والطيالسي عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «...ثُمَّ تَكُونُ جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» وهي قائمة بإذن الله عاجلاً أم آجلاً، فمن آزرها أو نصرها كان من الذين أنعم الله عليهم، ومن وقف في وجهها فلن يضر الله شيئاً بل يصيبه صغار في الدنيا وعذاب أليم في الآخرة، وكل ذلك لن يؤخر من قيام الخلافة وعودتها ساعة أو بعض ساعة... (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا).

 

السابع والعشرون من محرم 1435هـ

30/11/2013م

 

 

https://www.facebook.com/Ata.abualrashtah/posts/237491233085628:0

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(سلسلة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)

 

جواب سؤال:

هل يجوز شرعاً إقامة حدٍ من حدود الله في الأرض

من قِبَل مجموعات جهادية أو أفراد؟

إلى Noor Abulfilat

 

 

السؤال:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

هل يجوز شرعاً إقامة حدٍ من حدود الله في الأرض من قِبَل مجموعات جهادية أو أفراد في ظل "عدم وجود دولة الخلافة الإسلامية"، وبارك الله فيكم وأعانكم

 

 

الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

إن إقامة الحد تترتب على حكم القضاء بعد ثبوت البينة الشرعية، والقضاء هو الإخبار بالحكم على وجه الإلزام، وهذا الإلزام يعني وجود قوة تُلزم الخصوم بالحكم، وهذه القوة هي السلطان، أي الحاكم الذي يقيم شرع الله ويلزم المسلمين بهذه الأحكام، فلا تنفذ الحدود إلا من الحاكم الذي يقيم شرع الله. وأما الأدلة على ذلك فهي ما يلي:

 

1- أدلة مجملة ومنها:

 

يقول سبحانه: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ... ﴾

 

ويقول سبحانه: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

 

ويقول سبحانه ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً... ﴾.

 

وأخرج البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»

 

وأخرج مسلم عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ»

 

وأخرج الترمذي في سننه عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ...».

 

وهذه أدلة مجملة توجب إقامة الحدود والعقوبات (فاجلدوا، فاقطعوا، فاقتلوه، جلد مائة والرجم...)، فلم تبين من الذي يقيم العقوبة وكيف يقيمها. والأدلة المجملة كما في الأصول تحتاج إلى بيان، والتزامها يكون وفق بيان هذا المجمل. وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الشريفة هذا المجمل، وكذلك بينه إجماع الصحابة رضوان الله عليهم في عهد الخلفاء الراشدين بياناً واضحاً بأن العقوبات يقيمها الحاكم بكيفية واضحة مبينة في النصوص الشرعية، ومن هذه النصوص المبينة للنصوص المجملة:

 

أ- يقول سبحانه ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾. وهذه الآية الكريمة، وآيات أخرى غيرها مستفيضة في هذا الموضوع، تبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المكلف بتنفيذ الأحكام، وخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم في الحكم هو خطاب لكل حاكم يحكم بالإسلام يأتي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك بناءً على القاعدة الأصولية التي تنص على أن خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم هو خطاب لأمته على وجهه، فإن كان في موضوع الحكم كان خطاباً للخلفاء من بعده صلى الله عليه وسلم ما لم يرد دليل التخصيص، وهو هنا غير وارد، وإذن فالذي ينفذ الأحكام هو الحاكم الذي يحكم بالإسلام.

 

ب- وهناك أحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم تبين أن صاحب الذنب الذي يوجب الحد كان يؤتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقيم الحد عليه:

 

أخرج مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ»، قَالَ: وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَخَفَّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ، «فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ»، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم.

 

وأخرج البيهقي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ "رَجُلًا ذَكَرَ أَنَّ ابْنَهُ زَنَا بِامْرَأَةِ رَجُلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ»، فَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا، وَأَمَرَ أُنَيْسًا أَنْ يَغْدُوَ عَلَى امْرَأَةِ الْآخَرِ، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَرَجَمَهَا".

 

وأخرج البيهقي كذلك في السنن الصغير عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، «أَنَّ رَجُلًا، زَنَا بِامْرَأَةٍ، فَلَمْ يُعْلَمْ بِإِحْصَانِهِ، فَجُلِدَ، ثُمَّ عُلِمَ بِإِحْصَانِهِ، فَرُجِمَ» وأخرج النسائي نحوه.

 

وأخرج أبو داود في سننه عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: كُنْتُ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ عَلَيَّ خَمِيصَةٌ لِي ثَمَنُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، فَجَاءَ رَجُلٌ فَاخْتَلَسَهَا مِنِّي، فَأُخِذَ الرَّجُلُ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَ بِهِ لِيُقْطَعَ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَتَقْطَعُهُ مِنْ أَجْلِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، أَنَا أَبِيعُهُ وَأُنْسِئُهُ ثَمَنَهَا؟ قَالَ: «فَهَلَّا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» وفي رواية الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اشْفَعُوا مَا لَمْ يَتَّصِلْ إِلَى الْوَالِي، فَإِذَا أُوصِلَ إِلَى الْوَالِي فَعَفَا فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ»، ثُمَّ أَمَرَ بِقَطْعِهِ مِنَ الْمِفْصَلِ.

 

ج- وهناك حوادث في عهد الخلفاء الراشدين كان يؤتى بصاحب الذنب الذي يوجب الحد إلى الخليفة أو نوابه لإقامة الحد عليه، ومن هذه الحوادث:

 

أخرج أبو داود الطيالسي في مسنده عَنْ حُضَيْنِ أَبِي سَاسَانَ الرَّقَاشِيِّ، قَالَ: حَضَرْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأُتِيَ بِالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَشَهِدَ عَلَيْهِ حُمْرَانُ بْنُ أَبَانَ وَرَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ: «أَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ...»

 

وأخرج أحمد في مسنده عن عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ "أبي موسى الأشعري" «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ عَلَى الْيَمَنِ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ: انْزِلْ وَأَلْقَى لَهُ وِسَادَةً، فَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ مُوثَقٌ قَالَ: " مَا هَذَا؟ " قَالَ: كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ رَاجَعَ دِينَهُ دِينَ السَّوْءِ فَتَهَوَّدَ. قَالَ: لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ قَضَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ».

 

وقاتل أبو بكر المرتدين عندما أنكروا الزكاة، أخرج ابن حبان في صحيحه عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله تعالى عَنْهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، قاتلهم أبو بكر وقَالَ: "وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ".

 

والخلاصة هي كما أن الخاص قاض على العام، والمقيد قاض على المطلق وفق قواعد الأصول، فإن المبين قاض على المجمل، فيكون الذي يقيم الحدود هو الحاكم الذي يحكم بالإسلام، أي الإمام، وهذا أمر ثابت وفق ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما سار عليه الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، كما بينا آنفاً... وهذا أمر مشهور طوال عهود الخلافة الإسلامية، وقد وردت أقوال لبعض العلماء المعتبرين في هذا الأمر:

 

 

- قول ابن تيمية "خاطب الله المؤمنين بالحدود والحقوق خطابا مطلقا كقوله والسارق والسارقة فاقطعوا... لكن قد علم أن المخاطب بالفعل لا بد أن يكون قادرا عليه والعاجزون لا يوجب عليهم... والقدرة هي السلطان فلهذا وجب إقامة الحدود على ذي السلطان ونوابه".

 

- قال الإمام علاء الدين الكاساني: "وأما شرائط جواز إقامتها يعني الحدود... فهو الإمامة".

 

- القرطبي يقول: "لا خلاف أن المخاطب بهذا الأمر - الحدود - الإمام ومن ينوب منابه".

 

- قال الإمام الشافعي: "لا يقيم الحد على الأحرار إلا الإمام ومن فوض إليه الإمام".

 

- قال ابن قدامة: "لا يجوز لأحد إقامة الحد إلا بالإمام أو نائبه".

 

3- وفي حالة عدم وجود السلطان الذي يحكم بشرع الله فإن الواجب على المسلمين هو العمل الجاد المجد لإيجاد السلطان الذي يحكم بالإسلام لأنه فرض للنصوص الكثيرة الواردة في ذلك من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة:

 

أما الكتاب فقد قـال تعالى مخاطباً الرسـول عليه الصـلاة والسـلام: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾، وقوله: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْك﴾، وخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم بالحكم بينهم بما أنزل الله هو خطاب لأمته صلوات الله وسلامه عليه، ومفهومه أن يوجِدوا حاكماً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم بينهم بما أنزل الله، والأمر في الخطاب يفيد الجزم؛ لأن موضوع الخطاب فرض، وهذا قرينة على الجزم كما في الأصول، والحاكم الذي يحكم بين المسلمين بما أنزل الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الخليفة. ونظام الحكم على هذا الوجه هو نظام الخـلافة. هذا فضلاً عن أن إقامة الحدود وسائر الأحكام واجبة، وهذه لا تقام إلا بالحاكم، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، أي أن إيجاد الحاكم الذي يقيم الشرع هو واجب. والحاكم على هذا الوجه هو الخليفة، ونظام الحكم هو نظام الخـلافة.

 

وأما السنة فقد رُوي عن نافع قال: قال لي عبد الله بن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» رواه مسلم. فالنبي صلى الله عليه وسلم فرض على كل مسلم أن تكون في عنقه بيعة، ووصف من يموت وليس في عنقه بيعة بأنه مات ميتة جاهلية. والبيعة لا تكون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا للخليفة ليس غير. فالحديث يوجب وجود بيعة في عنق كل مسلم، أي وجود خليفة يستحق في عنق كل مسلم بيعة بوجوده. وروى مسلم عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الإمام جُنة يُقاتَل من ورائه ويُتقى به». وروى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يُحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا؟ قال: فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم». فهذه الأحاديث فيها وصف للخليفة بأنه جُنة، أي وقاية. فوصف الرسول بأن الإمام جنة هو إخبار فيه مدح لوجود الإمام، فهو طلب؛ لأن الإخبار من الله ومن الرسول، إن كان يتضمن الذم فهو طلب ترك، أي نهي، وإن كان يتضمن المدح فهو طلب فعل، فإن كان الفعل المطلوب يترتب على فعله إقامة الحكم الشرعي، أو يترتب على تركه تضييعه، كان ذلك الطلب جازماً. وفي هذه الأحاديث أيضاً أن الذين يسوسون المسلمين هم الخلفاء، وهو يعني طلب إقامتهم. على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بطاعة الخلفاء، وبقتال من ينازعهم في خلافتهم. وهذا يعني أمراً بإقامة خليفة، والمحافظة على خلافته بقتال كل من ينازعه. فقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده، وثمره قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر». فالأمر بطاعة الإمام أمر بإقامته، والأمر بقتال من ينازعه قرينة على الجزم في دوام إيجاده خليفة واحداً.

 

وأما إجماع الصحابة فإنهم، رضوان الله عليهم، أجمعوا على لزوم إقامة خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته، وأجمعوا على إقامة خليفة لأبي بكر، ثم لعمر، ثم لعثمان، بعد وفاة كل منهم. وقد ظهر تأكيد إجماع الصحابة على إقامة خليفة من تأخيرهم دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب وفاته، واشتغالهم بنصب خليفة له، مع أن دفن الميت عقب وفاته فرض. والصحابة الذين يجب عليهم الاشتغال في تجهيز الرسول ودفنه اشتغل قسم منهم بنصب الخليفة عن الاشتغال بدفن الرسول، وسكت قسم منهم عن هذا الاشتغال، وشاركوا في تأخير الدفن ليلتين مع قدرتهم على الإنكار، وقدرتهم على الدفن، فقد توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ضحى الاثنين، وبقي دون دفن ليلة الثلاثاء ونهار الثلاثاء حيث بويع أبو بكر رضي الله عنه ثم دفن الرسول صلى الله عليه وسلم وسط الليل، ليلة الأربعاء، أي تأخر الدفن ليلتين، وبويع أبو بكر قبل دفن الرسول صلى الله عليه وسلم. فكان ذلك إجماعاً على الاشتغال بنصب الخليفة عن دفن الميت، ولا يكون ذلك إلا إذا كان نصب الخليفة أوجب من دفن الميت. وأيضاً فإن الصحابة كلهم أجمعوا طوال أيام حياتهم على وجوب نصب الخليفة. ومع اختلافهم على الشخص الذي يُنتخب خليفة، فإنهم لم يختلفوا مطلقاً على إقامة خليفة، لا عند وفاة رسول الله، ولا عند وفاة أي خليفة من الخلفاء الراشدين. فكان إجماع الصحابة دليلاً صريحاً وقوياً على وجوب نصب الخليفة.

 

وهكذا فإن الواجب على المسلمين عند عدم وجود الحاكم الذي يحكم بالإسلام "الخليفة" أن يبذلوا الوسع في إيجاده، ووجود الخليفة فرض وأي فرض، فهو الذي يقيم الحدود الواجبة من رب العالمين، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وبخاصة وأن إقامة الحدود فرض عظيم فيه صلاح الأمة واستقامة أمرها. أخرج ابن ماجه في سننه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْأَرْضِ، خَيْرٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا».

 

وفي الختام فإني ألفت نظر المسلمين في مناطق النزاع التي لا يوجد فيها حكم مستقر ولا دولة، ألفت نظرهم إلى وجوب حل المشاكل بين المسلمين صلحاً، فلا يتركوا هذه المشاكل تتفاقم بين الناس بل يحلوها صلحا فيقوم العلماء وأولو الألباب وأهل الحل والعقد في البلد بالإصلاح بين الناس لحل مشاكلهم، وسد حاجات الفقراء منهم، والوقوف مع المظلوم لأخذ حقه ممن ظلمه... وذلك للنصوص العامة في هذه الأمور، وفي الإصلاح بين الناس، وهذه النصوص غير مخصصة بوجود الحاكم، وكذلك للنصوص المطلقة في الإصلاح غير المقيدة بوجود الحاكم، ومن هذه النصوص:

 

﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾

 

﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾

 

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾

 

﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾

 

وأخرج أحمد في مسنده عَنْ أم الدرداء عن أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ؟» قَالُوا: بَلَى قَالَ: "إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ قَالَ: وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ" وأخرجه أبو داود في سننه، وصححه ابن حبان عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، بلفظ: قال رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ، بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ، وَالْقِيَامِ؟» ، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ».

 

وعليه فإن حل المشاكل في مناطق النزاع حيث لا وجود لدولة يكون صلحاً بشرط أن لا يحل هذا الصلح حراماً ولا يحرم حلالاً بناء على النصوص الشرعية الواردة ومنها:

 

أخرج أبو داود في سننه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» زَادَ أَحْمَدُ، «إِلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» وَزَادَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ»

 

وأخرج الترمذي في سننه عن كَثِيرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ المُزَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا، وَالمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

وكذلك أخرجه ابن حبان في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بلفظ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا».

 

فالإصلاح بين الناس مطلوب سواء أوجد الحاكم أم لم يوجد. هذا هو الحكم الشرعي الذي أراه في المسألة، والله سبحانه أعلم وأحكم.

 

 

والخلاصة:

 

1- إن الحدود يقيمها الحاكم الذي يحكم بالإسلام، وهي تكفر الذنب الذي أوجب الحد، أي لا يعاقب المذنب في الآخرة على ذلك الذنب الذي حُدَّ عليه في الدنيا. أخرج البخاري في صحيحه عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ العَقَبَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ». فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ.

 

2- في مناطق النزاع حيث لا دولة، ولا حكم مستقر، فلا تترك المشاكل تتفاقم بل تحل صلحاً بتدخل أهل الحل والعقد والعلماء والذين لهم قبول مؤثر، ويصدقوا العمل ويخلصوا فيه، والله سبحانه المستعان.

 

هذا هو الراجح لدي في سؤالك حول إقامة الحدود، وقد ذكرت الأدلة الشرعية في ذلك ووجه الاستدلال ومن ثم استنباط الحكم، والله سبحانه أعلم وأحكم.

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

30 من محرم 1435

الموافق 2013/12/03م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

(سلسلة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)

 

 

جواب سؤال: التوبة النصوح من الذنب

إلى Ahla Arch

 

 

 

السؤال:

 

السلام عليكم... أعانكم الله ووفقكم

 

أريد أن أسألكم سؤالا يخيفني جدا: هل التائب من الذنب إن تاب وعاد إلى ذنبه يكتب ذنبه القديم مجددا؟ لأنه ورد أن التوبة النصوح هي أن لا يعود إلى الذنب أبدا عن قوله تُوبُوا إلى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحا قال: هو العبد يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه أبدا.

 

 

والشق الثاني من السؤال:

 

هل من كفر يوما ثم عاد إلى الإسلام تذهب كل حسناته وتبقى سيئاته!! لأنه ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: قال رجلٌ: لا يَغفِرُ اللهُ لِفلانٍ! فأوْحَى اللهُ إلى نبيٍّ من الأنْبياءِ: إنَّها خطِيئةٌ فلْيستقبِلِ العمَلَ، وقالوا معنى يستقبل العمل أي أنه أحبط وعليه أن يعيده لأنه ورد أنه إذا أحدث أحدكم في صلاته فليستقبل أي يستقبل صلاته ويعيدها... هذا الموضوع يخيفني جدا. هل إن تبت عن كفر اقترفته تمحى كل حسناتي وتبقى سيئاتي التي اقترفتها في عمري!؟ فأذكر أني قلت لصديقي عندما هاجم حزب التحرير وتبوأ بألفاظ قلت له والله ستحاسب يوم القيامة على كلمتك هذه.

 

حفظكم الله ورعاكم

 

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

1- إن التوبة النصوح من الذنب هي التي تكون بصدق في أربعة أمور: يقلع عن هذا الذنب، ويندم على فعله، ويعزم على أن لا يعود إليه، وإذا كان يتعلق بحق آدمي فيعيد له هذا الحق أو يحصل على مسامحته، وأن يكون في كل ذلك صادقاً مع الله سبحانه، والله أعلم بالسر والعلن...

 

وقد أمر اللّه سبحانه وتعالى المؤمنين بالتّوبة النّصوح ليكفّر عنهم سيّئاتهم فقال جل وعلا: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى اللَّهِ تَوبَةً نَصُوحَاً عَسَى رَبُّكُمْ أنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ﴾.

 

والذي يتوب بصدق وإخلاص بالشروط المذكورة، فَتُكفَّر عنه السيئة بإذن الله، أخرج ابن ماجه عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ، كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ».

 

أما ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن التوبة النصوح هي التي لا يعود الشخص إلى الذنب أبداً، أي أنه إن عاد فلا توبة له، فإن هذه الرواية ضعيفة:

 

أخرج أحمد في مسنده قال: أَخْبَرَنَا الْهَجَرِيُّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «التَّوْبَةُ مِنَ الذَّنْبِ: أَنْ يَتُوبَ مِنْهُ، ثُمَّ لَا يَعُودَ فِيهِ»، وإسناده المرفوع ضعيف والصحيح وقفه. ولذلك فإن التوبة النصوح هي أن يعزم بصدق وإخلاص بأن لا يعود أبداً للذنب، فإنْ عاد، فليُعدْ التوبة عازماً صادقاً مستغفراً... ولا يصر على الذنب ويقول لا توبة لي، بل يتوب من جديد ويستغفر، وأكرر بصدق وإخلاص، والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور... قال سبحانه في الآية الكريمة ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ حَسَنٍ صِفَةُ الِاسْتِغْفَارِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ فِي الْآيَةِ، أَخْرَجَ أَحْمَدُ قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، وَسُفْيَانُ... عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ... وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَنِي وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ قَالَ مِسْعَرٌ وَيُصَلِّي وَقَالَ سُفْيَانُ: ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا غَفَرَ لَهُ» وأخرجه كذلك الترمذي وابن ماجه والنسائي وصححه ابن حبان، وفي رواية الترمذي وابن ماجه والنسائي قال بعد «إِلَّا غَفَرَ لَهُ» قال ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ...﴾

 

وهكذا فإن من تاب من الذنب ثم عاد إليه فإن عليه أن يتوب من جديد، ويستغفر الله سبحانه بصدق وإخلاص ويرجو من الله قبول توبته، فتكرار الذنب لا يُقفل باب التوبة، على أن تكون التوبة كما ذكرنا: "تكون بصدق في أربعة أمور: يقلع عن هذا الذنب، ويندم على فعله، ويعزم على أن لا يعود إليه، وإذا كان يتعلق بحق آدمي فيعيد له هذا الحق أو يحصل على مسامحته، وأن يكون في كل ذلك صادقاً مع الله سبحانه، والله أعلم بالسر والعلن...".

 

2- وأما هل من كان كافراً وأسلم، تبقى عليه سيئاته السابقة؟ وهل من كان مسلماً ثم كفر ثم أراد أن يعود إلى الإسلام هل تقبل توبته ليعود إلى الإسلام، أو لا تقبل له توبة، فلا يعود للإسلام؟ إن الجواب هو كما يلي:

 

أ- أخرج أحمد في الحديث الصحيح عَنْ ابْنِ شِمَاسَةَ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، قَالَ: لَمَّا أَلْقَى الله عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِي الْإِسْلَامَ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِيُبَايِعَنِي، فَبَسَطَ يَدَهُ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: لَا أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللهِ حَتَّى تَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي، قَالَ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَمْرُو أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْهِجْرَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ، يَا عَمْرُو أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الذُّنُوبِ»، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي قِصَّةِ إِسْلَامِهِ قَالَ: ثُمَّ تَقَدَّمْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ يُغْفَرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي، وَلَمْ أَذْكُرْ مَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ لِي: «يَا عَمْرُو بَايِعْ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَإِنَّ الْهِجْرَةَ تَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا»، فَبَايَعْتُهُ...

 

فعمرو بن العاص كان كافراً فأسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم قال له: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الذُّنُوبِ»، أي أن ذنوبه قبل إسلامه قد مُحيت بإذن الله سبحانه.

 

 

ب- ثم إن الذي كان كافراً فأسلم ثم كفر وعاد فأسلم فقد قبل الرسول صلى الله عليه وسلم منه ذلك:

 

أخرج النسائي في سننه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِالشِّرْكِ، ثُمَّ تَنَدَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَى قَوْمِهِ، سَلُوا لِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَجَاءَ قَوْمُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: إِنَّ فُلَانًا قَدْ نَدِمَ وَإِنَّهُ أَمَرَنَا أَنْ نَسْأَلَكَ: هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَنَزَلَتْ: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ [آل عمران: 86] إِلَى قَوْلِهِ ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 89] فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَسْلَمَ، وأخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس بلفظ (قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ فَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ نَدِمَ فَأَرْسَلَ إِلَى قَوْمِهِ أَنْ سَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ [آل عمران: 86] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 89] قَالَ: «فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ قَوْمُهُ فَأَسْلَمَ» قال الحاكم "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ")

 

ج- وأما الآية الكريمة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾، والآية الكريمة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا﴾.

 

فهي تعني بالنسبة للذي يكفر ويستمر على الكفر ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾، فهؤلاء لا تقبل توبتهم ما داموا على حالهم هذه، أي في ازدياد كفر، أي أنهم كفروا وأصروا على الكفر، فهؤلاء لا تقبل توبتهم ما داموا مصرين على الكفر، فمن أول شروط التوبة الإقلاع عن الذنب... جاء في تفسير القرطبي... للآية الكريمة ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾: (وَقَالَ قُطْرُبٌ. هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَالُوا: نَتَرَبَّصُ بِمُحَمَّدٍ رَيْبَ الْمَنُونِ، فَإِنْ بَدَا لَنَا الرَّجْعَةُ رَجَعْنَا إِلَى قَوْمِنَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ أَيْ لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَهُمْ مُقِيمُونَ عَلَى الْكُفْرِ، فَسَمَّاهَا تَوْبَةً غَيْرَ مَقْبُولَةٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ مِنَ الْقَوْمِ عَزْمٌ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ كُلَّهَا إِذَا صح العزم.)انتهى

 

وقال في تفسير الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً﴾:

 

(وَمَعْنَى: ﴿ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً﴾ أَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ.) انتهى

 

3- وأما ما ذكرته عمَّن أقسم أن الله لا يغفر لفلان... فالأمر كما يلي:

 

أ- أخرج مسلم قال حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ جُنْدَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حَدَّثَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلَانٍ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» أَوْ كَمَا قَالَ. ومعنى "يتألى" أي يحلف. وأخرجه البيهقي بلفظ: (...حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ.... حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ، عَنْ جُنْدُبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ، قَالَ اللَّهُ: «مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَى أَنَّنِي لَا أَغْفِرُ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي غَفَرْتُ لِفُلَانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» أَوْ كَمَا قَالَ.) انتهى

 

وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، ثنا أَبُو عِمْرَانَ، عَنْ جُنْدُبٍ: «أَنَّ رَجُلًا آلَى أَنْ لَا يَغْفِرَ اللهُ لِفُلَانٍ فَأَوْحَى الله عَزَّ وَجَلَّ إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ إِلَى نَبِيٍّ: أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْخَطِيئَةِ فَلْيَسْتَقْبِلِ الْعَمَلَ».

 

ففي هذه الأحاديث قد أقسم الرجل أن الله لا يغفر لفلان، وهذا لا يجوز فكيف يقسم أن الله لا يغفر لفلان، ولا يوجد أحد في السموات والأرض يعلم الغيب ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾، والله سبحانه عاقبه بإحباط عمله لأنه أقسم على الله أن لا يغفر... وهذه خاصة بهذه الخطيئة، أي أن الذي يقسم، مدركاً ما يقول، أن الله لا يغفر لفلان فهذه تنطبق عليه، لأن الله سبحانه ذكر سبب إحباط العمل، فقال في الحديث «مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ» وقال «مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَى أَنَّنِي لَا أَغْفِرُ لِفُلَانٍ»

 

وأما مقولتك أنت فقد قلت كما جاء في سؤالك: "والله ستحاسب يوم القيامة على كلمتك هذه."، وهذه غير تلك فيما أرى، فأنت أقسمت على أنه سيحاسب، وكل إنسان سيحاسب يوم القيامة إن خيراً فخير، وإن شراً فشر:

 

يقول سبحانه: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ﴾

 

وقال جلّ وعلا: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾، وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا﴾.

 

فكما ترى فإن هذه الآيات تدل على أن الناس سيحاسبون على أفعالهم، فأن تُقسِم أن ذاك الشخص يحاسب على عمله فإن الذي أرجحه أن إحباط العمل لا ينطبق عليها، وذلك لأنها تختلف فيما أرى عن قسم ذلك الرجل بأن الله لا يغفر لفلان، لأن قسمه غير صحيح، فهو لا يدري إن كان الله سبحانه سيغفر له أو يعاقبه. هذا ما أرجحه في هذه المسألة، والله أعلم وأحكم.

 

وفي الختام، فأخلص العمل لله وتُبْ صادقاً مخلصاً له سبحانه، عازما على أن لا تعود إلى ذنب أبدا، نادماً على كل ذنب فعلته وإن كان في ذمتك حق لأحد فأبرئ ذمتك، وكما في حديث علي رضي الله عنه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ قَالَ مِسْعَرٌ وَيُصَلِّي وَقَالَ سُفْيَانُ: ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا غَفَرَ لَهُ»، واسأل الله سبحانه أن يغفر لنا ولك ويهدينا أجمعين إلى أرشد أمرنا والله سبحانه يتولى الصالحين.

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

 

 

رابط نشر الجواب على الفيس بوك

 

 

05 من صـفر 1435

الموافق 2013/12/08م

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

(سلسلة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)

 

 

جواب سؤال : تحديد جنس الاجنة

 

إلى أبو أبو زيد

 

 

 

 

السؤال:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بخصوص تحديد جنس الجنين في عملية زراعة الأجنة؟ ما الحكم الشرعي في إجراء عملية زراعة لتحديد جنس الجنين في المستقبل؟ وشكراً وجزاكم الله خيراً.

 

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

أولاً: قبل الجواب عن تحديد جنس الأجنة، نذكر بشكل موجز عن الإخصاب في الأنبوب:

 

هناك بعض حالات مرضية عند الأزواج تمنع إخصاب بويضة الزوجة من الحيوان المنوي للزوج، وذلك بالطريق الطبيعي، كأن يكون هناك انسداد في عنق الرحم أو ضعف في تحرك الحيوانات المنوية للوصول إلى البويضة، أو غير ذلك من أسباب معروفة للمختصين، فكان أن توصل بعض العلماء إلى إخصاب البويضة خارج الرحم في أنبوب وفق ظروف مناسبة، حيث تعطى المرأة عقاقير مثل الكلوميد تجعلها تفرز العديد من البويضات في المرة الواحدة. ثم يقوم الطبيب المختص بإدخال منظار البطن ومسبارة في الموعد المحدد للإبياض (خروج البويضات) وشفط مجموعة من البويضات من المبيض... ثم يضع كل بويضة في طبق بتري Petri Dish في سائل خاص وتلقح هذه البويضات بحيوانات منوية من الزوج...

 

وبعد أن يتم ذلك الإخصاب في الأنبوب تعاد البويضة المخصبة "واحدة أو أكثر" إلى رحم الزوجة، وإذا قدر الله سبحانه الخلق من هذه البويضة المخصبة فإنها تعلق في الرحم وتنمو إلى نطفة فمضغة... وإن لم يقدر الله سبحانه الخلق من هذه البويضة المخصبة ماتت واندثرت.

 

 

وبناء عليه فإن الحكم الشرعي هو كما يلي:

 

1- إن لجوء الأزواج إلى التخصيب خارج الرحم كمعالجة مرَضية لوضعهما من حيث عدم الحمل بالطريق الطبيعي، هو جائز لأنه دواء، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالتداوي، أخرج أبو داود عن أسامة بن شريك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ» أي إلا الموت.

 

ولكن بشرطين:

 

الأول: أن يكون التخصيب في الأنبوب من ماء الرجل والمرأة المتزوجين بعقد صحيح، فعن رويفع بن ثابت الأنصاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» رواه أحمد. فلا يجوز أن تخصب بويضة أي امرأة، إلا من ماء الزوج.

 

الثاني: أن يتم ذلك، أي التخصيب في الأنبوب ونقله إلى رحم المرأة في حياة الزوج، وليس بعد وفاته كما يتم في الغرب، حيث إنهم لا يرون مانعاً في نقل البويضة المخصبة المجمدة لرحم الأم في الوقت الذي تريد، سواء أكان زوجها حياً أم ميتاً! وهذا لا يحل في الإسلام، وذلك لأن حمل المرأة بلا زوج حي منذ بدء الحمل، حرام، وعليه عقوبة، فإن من بيِّنات الزنا الحمل دون زوج، فأي امرأة حملت ولا زوج فهي آثمة مرتكبة حراماً وإثماً عظيماً، وذلك لما روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما، ولم يوجد منكر لقولهما من الصحابة، مع أن هذا الأمر مما ينكر لو لم يكن ثابتاً، وعليه فيكون إجماعاً.

 

وهكذا فإن الإخصاب خارج الرحم ومن ثم نقله إلى رحم الأم، بأن يكون من الزوج للزوجة ، وفي حياة الزوج، فهذا جائز، أي أن ما يسمى "طفل الأنابيب" جائز بالشروط المذكورة...

 

 

ثانياً: تحديد جنس الأجنة:

 

منذ القدم كان من الناس من يحاول اختيار المولود الذي يريد، وإتلاف ما لا يريد بطريقته المتاحة له.

 

* ففي الجاهلية كانوا يريدون الذكور لمساعدتهم في الغزو وحفظ النسب فكانوا يئدون البنات أي يدفنوهن وهن أحياء ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾.

 

* وعندما أصبحت وسائل أخرى متاحة، بأن يُصوَّر ما في بطن الحامل، فإذا كان الجنين غير مرغوب فيه، استعملوا الإجهاض لإنزاله وهو في بطن أمه.

 

* وهناك محاولات قديمة أخرى.

 

* ثم فيما بعد، وبخاصة عندما أصبحت تقنيات متطورة جديدة... ظهرت هناك أبحاث متعلقة باختيار جنس الجنين وكان من أبرزها طريقتان:

 

الأولى: وقالوا عنها إنها الأكثر تقنية وهي طريقة التلقيح المنتخب للنطف كما سموها. وتقتضي هذه الطريقة إجراء تجارب على الحيوانات المنوية لفصل الصبغي الجنسي (الكروموسوم ) (X) الأنثوي عن الصبغي(Y) الذكري في أنبوب اختبار، أي فصله خارج الجسم بطرق مختلفة، وهذه تحتاج إلى تدخل طبي تقني...

 

وفكرتها عند العلماء أنهم وجدوا أن كروموزومات الحيوان المنوي YX "Y هو القسم الذكري فيه، X هو القسم الأنثوي فيه". ووجدوا أن كروموزومات البويضة هي XX "أي أن القسمين أنثويان". ووجدوا أن القسم الذكري في الحيوان المنوي Y إذا كان هو الذي لقّح البويضة فإنه ينتج "YX" أي جنين ذكر، وإذا القسم الأنثوي في الحيوان المنوي "X" هو الذي لقّح البويضة، فإنه ينتج "XX" أي جنين أنثى، وعليه فقد أجروا تجارب على فصل القسم الذكري "Y" في الحيوان المنوي عن الأنثوي "X"، ثم يقومون بتخصيب البويضة في الأنبوب بالقسم الذكري، إذا أرادوا جنيناً ذكراً، وتخصيب البويضة بالقسم الأنثوي في الحيوان المنوي إذا أرادوا جنيناً أنثى.

 

والثانية طريقة تشبهها مع اختلاف بسيط، وهذه الطريقة تتم بعد تخصيب البويضات في الأنبوب، ثم تفحص بعد تخصيبها، فالبويضة المخصبة التي تحمل XX تكون أنثى، والتي تحمل XY تكون ذكراً، ومن كانت ترغب الذكر تُزرع في رحمها البويضة المخصبة XY، ومن تريد الأنثى يزرع في رحمها البويضة المخصبة XX. والطريقتان متشابهتان من حيث الغرض، غير أن الأولى يتم فحص الحيوان المنوي قبل التخصيب وفصل القسم الذكري عن القسم الأنثوي، وأما الثانية فيتم فحص البويضات المخصبة "الأجنة"، ومن ثم فصل الأجنة الذكرية عن الأنثوية.

 

هذه هي مجمل محاولات البشر لاختيار جنس المولود منذ القدم وحتى عصرنا الحاضر.

 

 

وبعد معرفة الواقع، أي تحقيق المناط، نُبين الحكم الشرعي كما يلي:

 

أ- أما قتل المولود غير المرغوب به فهو حرام، لأنه قتل نفس عامداً متعمداً، وجزاؤه في الآخرة جهنم خالداً فيها ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾، وعقوبته في الدنيا القصاص بالقود، أي القتل إن لم يعف ولي القتيل، أو الدية.

 

ب- وأما قتل الجنين وهو في بطن أمه عندما يعلم أهله أنه غير مرغوب فيه، كأن كان أنثى والوالد يريد ذكراً، فكذلك فهو حرام، وفيه عقوبة...، فقد أخرج البخاري ومسلم، من طريق أبي هريرة، واللفظ للبخاري قال: «اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ...»

 

ج- أما فصل القسم الذكري عن القسم الأنثوي من الحيوان المنوي ثم إجراء تلقيح البويضة بالقسم الذكري إذا أرادوا مولوداً ذكراً، وبالقسم الأنثوي إذا أرادوا مولوداً أنثى، أو فصل الأجنة الذكرية عن الأنثوية، ويزرع في الرحم الجنين المرغوب، فهذه العمليات لا تجوز لأنها ليست دواء، أي ليست علاجاً للحمل لامرأة لا تحمل ثم عولجت لتحمل، وبعبارة أخرى ليست علاجاً لعدم إمكانية تخصيب بويضة الزوجة بالحيوان المنوي للزوج بالطريق الطبيعي، فتم اللجوء للدواء لتخصيب البويضة في الأنبوب...، بل هي أمر آخر يتعلق بفصل الأقسام الذكرية عن الأنثوية في الحيوان المنوي أو فصل الأجنة، وليس معالجة للحمل المتعذر للمرأة بالطريق الطبيعي، أي أن هذه العمليات ليست دواء لمرض عدم الحمل، وحيث إنها لا تتم إلا بكشف العورات، لأن عملية أخذ البويضات وإعادة زرعها تتطلب ذلك، وكشف العورات حرام، وهذا الحرام لا يجوز إلا في الدواء، وما دامت هذه العمليات ليست دواءً، فهي إذن حرام لا تجوز.

 

وفي الختام فإن العلم الذي قال الله سبحانه فيه ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ هذا العلم يمكن استعماله في الخير وفق أحكام الشرع ولصاحبه بذلك أجر، ويمكن استعماله في الشر وعليه بذلك وزر، وتكون نتائجه في هذه الحالة وخيمة على البشرية... وما يلاحظ في بلاد الغرب من اختلاط الأنساب وبنوك تجميد الحيوانات المنوية والبويضات والأجنة... والمتاجرة بها... كل ذلك تقشعر له الأبدان، وصدق الله سبحانه في هؤلاء الأشرار ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.

 

لقد أودع الله سبحانه العلوم في هذا الكون، وعلم الإنسان ما لم يكن يعلمه، فجعل فيه خاصية العقل والتفكير والتدبر ليزداد الذين آمنوا إيماناً، ويُكب الذين كفروا على وجوههم خزياً في الدنيا، وعذاباً أليماً في الآخرة.

 

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

 

 

رابط نشر الجواب على الفيس بوك

 

 

10 من صـفر 1435

الموافق 2013/12/13م

 

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

  • 2 weeks later...

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(سلسلة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)

جواب سؤال : رفض الأب لعمل قُدِّم لابنته

إلى Z.G

 

 

السؤال:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

أود أن أسألك عن أمر يتعلق بعمل قُدم لي لكنّ والدي رفض من وجهة نظره بأن هذا المجتمع فاسد، وأن واجبه كأب أن يحافظ على ابنته ويحرص عليها من الأمور الخبيثة التي يتداولها بعض أفراد المجتمع.

 

أما عن سياق العمل فهو كمُرشدة ومسعفة لأطفال في عمر التاسعة. والإرشاد سيكون عن القدس؛ أسوارها مساجدها وكل ما يتعلق بها، وسأعمل مع زميلة فتاة، لكن أبي أخبرني بأن الأمر لا يتوقف على العمل الشخصي مع هذه الفتاة، وأخبرني بأن الأمور ستتطور إلى تفرُعات أخرى نحن في غنى عنها، وحسب علمي وما قدم لي أن تعاملي سيكون مع هذه الزميلة، وأبي مُصرّ على رفض هذا العمل بقدر الإصرار في داخلي على خوض هذه التجربة، وقد أخبرني بأن أي عمل من هذا القبيل غير مقبول قبل قيام دولة الخلافة ووجود راعٍ يحمي رعاياه، فما رأيك؟؟

 

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

إن الأولى هو طاعة والدك فإنه يحب لك الصفاء والنقاء...

 

إن عملك مرشدة لأطفال عن القدس هو مباح إذا اقتصر على هذا الأمر، ولكن المؤسسة التي ستعملين بها قد لا يقتصر العمل فيها على الأطفال، بل يحتمل أن تطلب نشاطات لاحقة فيها اختلاط أو نحوه، ويبدو أن والدك يخشى من ذلك. على كلٍّ، إنك لا شك تعلمين أن الصحابة رضوان الله عليهم، رجالاً ونساء كانوا يبتعدون عن بعض أنواع المباح القريبة من غبار الحرام حتى لا يقعوا في الحرام.

 

والخلاصة: تفاهمي مع والدك، فإن اقتنع أن هذا العمل لا يخالطه غبار من حرام واطمأن قلبه بأن تلك المؤسسة التي ستعملين بها ستلتزم بأن لا يكون في العمل اختلاط، بل يقتصر على إرشاد الأطفال، إن اطمأن بذلك فخير، وأما إن لم يوافق فأطيعيه حتى لو كان ذلك العمل مباحاً خالصاً ولا يريدك الخروج للعمل فيه فأطيعيه ولك الأجر والثواب، فالله سبحانه قد قرن عبادته بالإحسان إلى الوالدين ومن الإحسان إليهما طاعتهما فيما هو خير. قال سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾، وأخرج أحمد في مسنده عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِنَّ أَبِي شَكَانِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَطِعْ أَبَاكَ مَا دَامَ حَيًّا، وَلَا تَعْصِهِ»

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

 

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

 

 

20 من صـفر 1435

الموافق 2013/12/23م

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(سلسلة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)

 

 

جواب سؤال: كيف يكون حديث النفس بالغزو؟

إلى Hatem M. Faour

 

 

 

 

السؤال:

 

شيخنا الجليل عطاء أبو الرشتة

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

قال رسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ» فكيف يكون حديث النفس بالغزو؟ وبارك الله بكم ووفقكم لكل خير

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

أخرج مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ»، وأخرجه كذلك أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، والنسائي في السنن، والحاكم في المستدرك.

 

أما معناه فَأَنْ يعزم المسلم أنه سينفر إذا استنفره الخليفة على المبادأة في القتال للفتح ونشر الإسلام إن لم يكن معذوراً، وكذلك يعزم إذا كان قادراً وغير معذور على المشاركة في قتال الدفع إذا هجم الكفار على بلاد المسلمين، ويكون صادقاً فيما نوى وفيما عزم، وكل ذلك لأهمية الجهاد في الإسلام. أخرج الطبراني في المعجم الكبير عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ذُرْوَةُ سَنَامِ الْإِسْلَامِ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَنَالُهُ إِلَّا أَفْضَلُهُمْ»، وأخرجه ابن أبي عاصم عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ذِرْوَةُ سَنَامِ الْإِسْلَامِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لَا يَنَالُهُ إِلَّا أَفْضَلُهُمْ».

 

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

 

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

 

25 من صـفر 1435

الموافق 2013/12/28م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

جواب سؤال

ما وراء الأحداث في جنوب السودان؟!

 

السؤال:

أعلن وزير الخارجية الأثيوبي أدهانوم أن وفدي التفاوض من حكومة جنوب السودان والموالين لرياك مشار سيصلان إلى أديس أبابا اليوم 1/1/2014 لإجراء محادثات سلام، ثم أضاف "أشعر بالقلق لاحتمال أن يعطل استمرار القتال في بور بدء هذه المحادثات"، والقتال يدور فيها بين كر وفر، يسيطر هذا تارة ثم ذاك أخرى... ويشهد جنوب السودان منذ 15/12/2013 معارك عنيفة يخشى تحولها إلى حرب أهلية، وقد بدأت بعدما اتهم سلفاكير نائبه مشار بالقيام بانقلاب ضده...

 

والسؤال هو: ماذا وراء كل ذلك؟ وهل لذلك علاقة بالتنافس الاستعماري بين أمريكا وأوروبا على المنطقة؟ أم هو تنافس محلي قبلي؟

 

الجواب:

للإجابة على ذلك يجب أن نستعرض الواقع المحلي ومتعلقاته، ثم المواقف الدولية وملحقاتها...:

 

1- إنه من المعلوم لدى الجميع أن أمريكا هي التي أشرفت على تنفيذ فصل جنوب السودان وتأسيس دولة فيه، وذلك بعد أن أوجدت حركة انفصالية أطلق عليها اسم الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1983 بقيادة عميلها جون قرنق لتعمل على احتواء كافة المتمردين وحركاتهم في حركة واحدة. هذا من جانب، ومن جانب آخر جاءت أمريكا بعمر البشير وزمرته عام 1989، وذلك لتركيز نفوذها في البلد، ومن ثم تنفذ فكرة فصل الجنوب. وهذا ما كان، وأصبح السودان، شماله وجنوبه، مستقراً للنفوذ الأمريكي... ومع ذلك فقد بقيت أوروبا وبخاصة الإنجليز بسبب نفوذهم السابق في السودان مع ما لهم من عملاء فيه... بقيت تحاول التدخل كلما أمكن ليعود نفوذها إلى السودان، أو على الأقل لتشارك أمريكا ولو بالقليل من النفوذ هناك.

 

2- ومن المعلوم كذلك أن بريطانيا قد كانت سباقة إلى فكرة الانفصال قبل أمريكا، وقد دقَّت على وتر نغمة الانفصال في السودان منذ 1955م... ثم عندما أنشأت أمريكا حركة قرنق في 1983 حاولت بريطانيا أن يكون لها رجال في هذه الحركة، وقد كان رياك مشار في تلك الفترة في بريطانيا لدراسة الهندسة الصناعية والتخطيط الاستراتيجي... وعاد إلى السودان لينضم إلى هذه الحركة منذ تأسيسها. وقد حصل بينه وبين قائدها يومئذ جون قرنق صراع واقتتال فانفصل عن الحركة عام 1991، وكان جون قرنق يتهم رياك مشار بالعمالة للإنجليز، وأن زوجة مشار وهي إيما ماكوين كانت إنجليزية وكانت تعمل تحت غطاء منظمة إغاثية إنجليزية واتهمها جون قرنق بأنها موظفة لدى المخابرات الإنجليزية وسمَّى الحرب التي دارت بينه وبين مشار بحرب إيما، وقد قُتلت عام 1993 في نيروبي في حادث مروري. لقد حاول مشار أن يشق طريقه في الانفصال بعيداً عن حركة قرنق وتكوين حركة انفصالية، وبخاصة عام 1997 عندما بدأ المحادثات مع عمر البشير كطرف انفصالي مستقل... لكنه لم ينجح في ذلك... بل استمرت الحركة الشعبية بزعامة قرنق هي البارزة المؤثرة، لذلك فإن مشار بدافع من الإنجليز حاول الرجوع إليها، وبسبب ثقل تأثير قبيلته "النوير" فقد وافقت أمريكا على عودته مع أنها تعرف واقعه، وأوعزت إلى قرنق للموافقة على عودته لاحتوائه وضبطه تحت قيادته لأن أمريكا تعرف ثقله بسبب وجود قبيلة وراءه تُعَدّ ثانيَ أكبر قبيلة في الجنوب، ومع ذلك فقد استمرت الخلافات بينهما في داخل الحركة عندما لم يعينه قرنق في الحركة بمثابة الرجل الثاني، بل عيَّن بدله سلفا كير الذي كان أقل منه رتبة في الحركة...

 

3- وقد انتشر القتال الأخير ليشمل مناطق أخرى غير العاصمة حيث امتد إلى بلدة بور عاصمة جونغلي وتوريت عاصمة ولاية شرق الاستوائية... وقد نقلت رويترز في 18/12/2013 عن متحدث باسم جيش جنوب السودان تأكيده أن الجيش فقد السيطرة على مدينة بور، ثم عاد الجيش فاستعادها، ثم عادت قوات مشار فسيطرت على كثير منها كما تناقلته الأخبار في 1/1/2014، بل قبل قليل نقلت الأنباء أن قوات مشار تسيطر عليها بعد انسحاب جيش سلفاكير...

 

وكانت حكومة جنوب السودان قد اعترفت في 26/12/2013 بأن المتمردين استولوا على بعض آبار النفط وسيطروا على نصف ملكال عاصمة ولاية أعالي النيل، وهي الولاية الرئيسية لإنتاج النفط بينما قال متحدث رئاسي في جنوب السودان أن قواتهم تقاتل لمنع متمردين موالين لمشار من السيطرة على القسم الآخر. وتطال المعارك نصف البلاد التي انفصلت، أي خمس ولايات من أصل عشر ولايات وهي جونقلي والوحدة ووسط الاستوائية والنيل الأعلى وشرق الاستوائية، ما يدل على أن الأمور قد وصلت إلى مدى بعيد حيث تقوم قوات متمردة وتسيطر على مدن ومناطق، وبعد أن تخسرها تقوم بمحاولة استعادتها... ويدل كل ذلك على أن الأمور ربما لا تنتهي بسهولة... وكان الأمين العام للأمم المتحدة بعد ثلاثة أيام من اشتداد المعارك قد صرح قائلاً إنه "يشعر بقلق عميق بشأن الأوضاع في جنوب السودان. وقال إن تلك أزمة سياسية وتتطلب أن يتم التعامل معها بسرعة عبر الحوار السياسي وأن ثمة مخاوف من انتشار العنف إلى الولايات الأخرى وقد رأينا علامات ذلك" بي بي سي 18/12/2013.

 

4- كان موقف أمريكا صاحبة النفوذ هناك تجاه هذه الأحداث أن أبدت انزعاجاً شديداً، وتحركت بسرعة لاحتواء الوضع:

 

أ- بعث الرئيس الأمريكي باراك أوباما رسالة إلى الكونغرس قال فيها: "أنه يتابع الوضع وربما أقوم بعمل لدعم المواطنين والممتلكات بما في ذلك سفارتنا في جنوب السودان" (ا ف ب 23/12/2013)، وقد جرح أربعة جنود أمريكيين بإطلاق نار على طائرتهم بالقرب من مطار بور في 21/12/2013 وأوضح الرئيس الأمريكي في رسالته "أن هؤلاء الجنود كانوا ضمن مجموعة من حوالي 46 عسكريا وصلوا على متن طائرات من طراز س في - 22 للمشاركة في عملية إجلاء أمريكيين من جنوب السودان". (رويترز 20/12/2013) وقال: "إن القتال الأخير يهدد بجر جنوب السودان إلى العودة إلى الأيام المظلمة في ماضيه". وشدد على: "أن مستقبل البلاد اليوم في خطر" مضيفا "أن الولايات المتحدة ستظل شريكا راسخا لجوبا". (بي بي سي 20/12/2013).

 

ب- وقال بيان البيت الأبيض بعد اجتماع أوباما بمستشارة الأمن القومي سوزان رايس ومساعدين كبار آخرين "إن أي محاولة للاستيلاء على السلطة من خلال استخدام القوة العسكرية ستسفر عن إنهاء الدعم المقدم منذ فترة طويلة من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي". وقال البيان: "أكد أوباما أن زعماء جنوب السودان عليهم مسؤولية دعم جهودنا لتأمين الشخصيات والمواطنين الأمريكيين وأشار إلى أن هذا النزاع لا يمكن أن يحل إلا سلميا وبالمفاوضات". (اسوشتدبرس الأمريكية 22/12/2013).

 

ج- وقال كيري وهو يرسل دونالد بوث مبعوثا خاصا له إلى جنوب السودان: "حان الوقت كي يسيطر قادة جنوب السودان على الفصائل المسلحة التي تخضع لهم وأن يكفوا فورا عن الهجمات على المدنيين وأن يضعوا حدا لموجة العنف بين المجموعات الإثنية والسياسية المختلفة". وقال: "اتصلت بالرئيس كير وطلبت منه كرئيس لكل السودانيين الجنوبيين أن يحمي مواطني السودان وأن يعمل على المصالحة". (فرانس 24 21/12/2013). وقالت جينفر بساكي المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية إن "وزير الخارجية جون كيري قال بوضوح أن استمرار العنف سيقضي على ما تحقق خلال استقلال جنوب السودان". (بي بي سي واسوشيتدبرس 22/12/2013)...

 

د- وقام المبعوث الأمريكي دونالد بوث والتقى سلفا كير وناقش معه "مجموعة من التدابير لوقف العنف المدمر في جنوب السودان". وقال بوث المبعوث الأمريكي أن "سلفا كير مستعد لبدء المحادثات مع ريك مشار لإنهاء الأزمة دون شروط مسبقة في أقرب وقت يحدده نظيره". (الوكالة الألمانية د ب أ 24/12/2013)، وأوضح بوث أنه التقى 11 من أعضاء الحركة الشعبية المعتقلين بجوبا، وأكد أن هؤلاء الأشخاص في أمان ويعاملون بشكل جيد.

 

هـ-ونقلت الوكالة عن وزارة الدفاع الأمريكية "أن الولايات المتحدة حركت قوات من إسبانيا إلى جيبوتي لتكون مستعدة لتقديم المساعدات حين طلبها".

 

و- وقد كانت مواقف عملاء أمريكا حول جنوب السودان في جانب سلفاكير وبخاصة في أوغندا وأثيوبيا والأمم المتحدة:

 

- قال الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني إن بلاده ستدعم آليات "الإيغاد" للتوصل إلى ‏تسوية سلمية للأزمة في دولة جنوب السودان. وهدد موسيفيني بملاحقة نائب الرئيس رياك مشار أينما كان إذا رفض هذه الآليات. (30/12/2013 الجزيرة نت). وذكرت صحيفة نيو فيجن الأوغندية الجمعة 20/12/2013 أن جنودا أوغنديين انتشروا في جوبا تلبية لطلب من حكومة جنوب السودان بهدف إعادة الأمن إلى العاصمة التي تشهد اضطرابات. وقالت الصحيفة إن وحدة أولى من القوات الخاصة الأوغندية ساهمت في إحلال الأمن في المطار، وساعدت على إجلاء رعايا أوغنديين من جوبا بعد مواجهات بين وحدات متنافسة في جيش جنوب السودان في الأيام الأخيرة. (الجزيرة السبت 21/12/2013).

 

- وأما أثيوبيا فإن وزير خارجيتها أدهانوم وهو رئيس وفد إيغاد بدا حريصاً على إجراء المفاوضات في أثيوبيا معتبراً سلفاكير رئيس الدولة ومشار من المتمردين أو المنشقين...! وكل هذا يجعل كفة المفاوضات في صالح سلفاكير.

 

- أما الأمم المتحدة التي تحركها أمريكا بالدرجة الأولى فقد قرر مجلس الأمن مضاعفة قوات السلام الدولية في جنوب السودان من 6 آلاف إلى 12500 فرد، ما يدل على أن الأمور ينظر لها نظرة جادة... فقد صرحت مندوبة الأمم المتحدة في جوبا هيلدا جنسون يوم 25/12/2013 أن ما يجري في البلد صراع على السلطة ولا يمكن أن يكون القتال على أسس عرقية، وشددت على ضرورة جلوس الأطراف على طاولة التفاوض لاستنباط حلول ناجعة للأزمة الماثلة (رويترز 25/12/2013). وكذلك فقد هددت هذه المندوبة بأن الأمم المتحدة قد تلجأ لاستخدام القوة لحماية المدنيين وفق الفصل السابع من ميثاق المنظمة...

 

وكل هذا يدل على أن هذه الأحداث ليست في صالح أمريكا وهي تضر بنفوذها في هذه المنطقة وقد هددت حياة جنود أمريكيين. ولذلك تحركت على أعلى المستويات وهددت بإنهاء الدعم المقدم لجنوب السودان. ففصل جنوب السودان كان من أهم الإنجازات الأمريكية على عهد أوباما، ولذلك لا تريد أمريكا أن تخسر بعد فترة وجيزة ما صنعته في جنوب السودان وفي عهد أوباما... فيظهر أن هناك تهديدا جديا لما حققته أمريكا من فرض نفوذها في المنطقة بعدما حصلت على تنازلات تعتبر خيانة عظمى من قبل نظام عمر البشير لم تكن تحلم بها، فتمكنت من تطبيق مشروعها الاستعماري بفصل الجنوب عن السودان ووضعه تحت نفوذها واستعمارها.

 

هذا بالإضافة إلى مواقف عملاء أمريكا والأمم المتحدة التي ذكرناها آنفاً، وهي تميل إلى مساعدة كير وتعمل جاهدة بالضغط على مشار للتفاوض أو التهديد بالقوة والفصل السابع...

 

5- وأما الموقف الأوروبي فقد لوحظ اهتمام الإعلام الأوروبي وخاصة الفرنسي والإنجليزي برياك مشار والحرص على إجراء المقابلات معه والتركيز على ما قام به من أول يوم، والترويج على أن القتال الجاري بينه وبين حكومة سلفا كير هو إثني أو قبلي وذلك لتأجيج الصراع واستغلاله لصالحهم ضد أمريكا التي استطاعت أن تبعد تأثير الأوروبيين إلى حد كبير، وتمسك بزمام القضية دون أن تعطيهم دورا في صناعة الأحداث والمشاركة في عقد الاتفاقيات واصطناع دولة منفصلة هناك:

 

أ- أجرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) مقابلة مع مشار في 18/12/2013 قال فيها "إن أعمال العنف التي اندلعت في العاصمة جوبا تقع مسؤوليتها المباشرة على سلفا كير واتهمه بمحاولة تغطية فشل حكومته باتهام مشار بالمحاولة الانقلابية". واتهم كير "بالتحريض على العنف القبلي والعرقي". وأضاف أنه "لم تكن هناك محاولة انقلاب وأن القتال نشب بسبب صراع بين أفراد الحرس الجمهوري". وأضافت بي بي سي أن التوتر السياسي في البلاد تصاعد منذ أن أقال سلفا كير رئيس جنوب السودان نائبه ريك ماشار في يوليو/تموز الماضي. وقد نقلت رويترز 26/12/2103 في مكالمة مع مشار قائلا "أنا في الأدغال وأفعل ما بوسعي لتحسين موقفي التفاوضي".

 

ب- أجرت إذاعة فرنسا الدولية في 19/12/2013 مقابلة مع رياك مشار قال فيها "أدعو الحركة الشعبية لتحرير السودان الحزب السياسي الحاكم وجناحها العسكري (الجيش الشعبي، القوات المسلحة في البلاد) إلى إطاحة سلفا كير من منصبه على رأس البلاد". وقال: "إذا أراد أن يتفاوض على شروط تنحيه عن السلطة فنحن موافقون. لكن عليه أن يرحل، لأنه لا يستطيع أن يحافظ على وحدة شعبنا خصوصا عندما يعمد إلى قتل الناس كالذباب ويحاول إشعال حرب إثنية". وذلك ردا على عرض التفاوض الذي عرضه عليه سلفا كير بالأمس. ونقلت فرانس انترناشينال في 25/12/2013 عن مشار قوله "نعم نحن جاهزون للمباحثات وقد شكلت وفدي".

 

وهذا الاهتمام من الإعلام الأوروبي بريك مشار يدل على النظرة الإيجابية من قبل الأوروبيين للرجل ولما قام به بينما تجاهله الإعلام الأمريكي.

 

ج- بالإضافة إلى التحرك الأوروبي الإعلامي فإن بريطانيا تتحرك بواسطة عملائها في كينيا حيث وصل الرئيس الكيني أوهورو كينياتا في 26/12/2013 إلى جنوب السودان لإجراء محادثات مع الرئيس سلفا كير. وقال الرئيس الكيني الذي اجتمع مع سلفا كير من أجل القيام بوساطة: "إن جنوب السودان دولة ناشئة يجب أن تترك كل ما يبعدها عن برنامجها التنموي وأن تتحلى بالحكمة وتوقف إزهاق أرواح الأبرياء". (رويترز 26/12/2013) فهو يغمز بسلفا كير ويتهمه بشكل مبطن، مما يشير إلى أن كينيا تعبر عن موقف مضاد لسلفا كير ولصالح ريك مشار. وهذا تعبير عن الموقف البريطاني. وقال مسؤولون كينيون وهم جزء من مجموعة الوساطة الوزارية بشرق أفريقيا إنهم حثوا القوات الحكومية والمتمردين في جنوب السودان الموالين لمشار على بدء المفاوضات على أرض محايدة. وأضاف المتحدث الكيني كارنجا كيبتشو للصحفيين: "نعتقد أن التفاوض هو الحل، وكينيا مستعدة لتقديم هذا المجال" في نيروبي. وقال: "إنه على الرغم من أن الجانبين وافقا على المفاوضات فإنه لا يزال من غير الواضح موعد ومكان إجرائها. فكل طرف يتخذ مواقف متشددة للغاية". (د أ ب 24/12/2013) وبذلك يريد الإنجليز عن طريق كينيا أن يلعبوا دورا مؤثرا حتى يتمكنوا من العودة إلى جنوب السودان.

 

6- من هذا الاستعراض:

 

أ- نرجح أن يكون مشار ومن معه قد أغرتهم بريطانيا في التحرك وأن لهم علاقة تربطهم بها، وهي تعمل على العودة إلى جنوب السودان لتلعب دورا مؤثرا فيه حتى تتمكن من استعادة نفوذها فيه. ويؤكد ذلك أن تحرك مشار قد أزعج أمريكا كثيرا وتحركت على أعلى المستويات وبسرعة من أول يوم لاحتواء الوضع، وقامت بالتهديد بإنهاء الدعم للجنوب إذا تغير الحكم وسيطر عليه الانقلابيون أو المتمردون، وقد تعرضت طائراتها لإطلاق نار وجرح لها جنود في مناطق سيطرت مشار كما تناقلت الأنباء... وهكذا ضاعفت أمريكا من عدد قوات الأمم المتحدة حتى تتمكن من ضبط الأمور.

 

ب- يتبين أن المسألة ليست صراعا بين عملاء لأمريكا على السلطة، وإنما هو على الأرجح صراع بين عملاء موالين لطرفين مختلفين من الاستعمار. ولو كان صراعا بين عملاء تابعين لاستعمار واحد لما وصل الأمر إلى هذا الحد. مع العلم أن أمريكا تعمل على بناء دولة جنوب السودان التي لم يتجاوز عمرها سنتين ونصف، ويعتبر فصل الجنوب من أكبر إنجازات أوباما في مدة حكمه فلا تريد أن يتحقق الفشل في مشروعها الاستعماري هذا، وفي عهد أوباما نفسه.

 

ج- يلاحظ على سلفاكير أنه عميل صادق لأمريكا، وهي تريد ترشيحه لفترة قادمة أخرى للحكم وتعزز سلطته، ولذلك وافقت على إبعاده لكل الطامحين في منصب الرئيس والمشاكسين له، وهم على خلاف قديم معه وعلى رأسهم ريك مشار، وأمريكا قبلت وجودهم فيما يسمى بالحركة الشعبية لتحرير السودان بقصد احتوائهم ووضعهم تحت رقابتها، لأنهم إذا بقوا في حركات مختلفة، فإن هذه الحركات الخارجة عن طوعها ستكون مدخلاً للدول الأوروبية المنافسة، وخاصة بريطانيا، وبالتالي يكون ذلك سببا في عرقلة مشاريعها...

 

د- ليس من المرجح أن تنجح بريطانيا في حركتها هذه بأن تسقط سلفا كير وأن تحل محل أمريكا، لأن أمريكا قد تحركت بسرعة ووضعت كل ثقلها لإفشال تلك الحركة. هذا بالإضافة إلى النشاط اللافت للنظر من عملائها حول هذه المسألة: أوغندا، أثيوبيا، الأمم المتحدة... وكما أعلن رئيس وفد الإيغاد وزير الخارجية الأثيوبي قبول الطرفين للتفاوض، فهذا يعني ترجيح كفة الحكومة لأن التفاوض عندما يكون بين الحكومة وبين خارجين عليها يسمونهم "متمردين"، فهذا يعني رجحان كفة الحكومة.

 

هـ- ستحاول أوروبا، وبخاصة بريطانيا، بذل الوسع في دفع حركة مشار وقبيلته ليحصلوا على تقاسم السلطة... وإن كان حظ هذا من النجاح ليس بالكثير، فقد رفضه كير رفضاً قاطعاً بقوله في لقاء سابق مع الجزيرة إنه "يجب عدم مكافأة مشار على تمرده، وليس له الحق في تقاسم السلطة في البلاد". (الجزيرة 1/1/2014)، هذا بالإضافة إلى الاهتمام البالغ من أمريكا وعملائها في دعم كير.

 

ولذلك فإن المتوقع هو أن تستمر حكومة جنوب السودان في خطها الأمريكي مع أسلوب ترضية لمشار بسبب ثقل قبيلته النوير... ومع ذلك فإن النار تبقى تحت الرماد، وهي قابلة للاشتعال بسبب أية زوبعة هوائية تثير النار كما هو شأن تنافس المستعمرين حول مناطق النفوذ...

 

29 من صـفر 1435

الموافق 2014/01/01م

 

http://www.hizb-ut-tahrir.info/info/index.php/contents/entry_32157

رابط هذا التعليق
شارك

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

(سلسلة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)

 

أجوبة أسئلة

حول المؤتمرات والمسيرات "التظاهرات"، والندوات، وهل حزب التحرير غيَّر طريقته؟

إلى أم عكاشة - Nona Amer - Wassim Kordoghli

 

 

الأسئلة:

 

أ- أم عكاشة

 

(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

 

شيخنا الجليل، عطاء بن خليل أبا الرشتة:

 

أسأل الله أن يعينك على ما تبذله من جهد عظيم لخدمة الإسلام والمسلمين، وأن يكلل الله هذه الجهود بإعلان إقامة الخلافة على يديك قريباً، اللهم آمين آمين.

 

أما بعد، فإن هناك من يدعي أن الحزب قد غير من طريقته وأن عَقْدَ المؤتمرات لا تليق به كونه حزباً فكرياً...

 

وجزاكم الله خيراً) انتهى

 

 

ب- إلى Nona Amer

 

(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

 

لدي سؤال.. وأتمنى أن تجيبني عليه.. ورد على متبنيات العالم تقي الدين رحمه الله أنه رفض المظاهرات... والآن نرى المظاهرات منتشرة للغاية وأنتم ذاتكم تنظمونها.. فهل هناك دليل شرعي على فعلكم؟؟

 

والسلام عليكم) انتهى

 

 

ج- إلى Wassim Kordoghli

 

(السلام عليك أميرنا ورحمة الله وبركاته. لقد ورد في كتاب الدولة الإسلامية الصفحة 245 "ولهذا لم يكن قيام مؤتمرات للخلافة طريقا لقيام الدولة الإسلامية..." سؤالي شيخنا هو: لماذا الحزب يقوم بالمؤتمرات والندوات وفي كتبه يرفض القيام بتلك الأعمال... نرجو توضيح المسألة حتى يرتفع اللبس عندنا) انتهى.

 

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

إن أسئلتكم تتشابه من حيث الموضوع، فهي عن المؤتمرات والمسيرات "التظاهرات"، والندوات، وهل الحزب غيَّر طريقته؟

 

والجواب أيها الإخوة هو أن الحزب لا يغير طريقته لأنها مستنبطة استنباطاً صحيحاً من كتاب الله سبحانه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام وهي مفصلة بشكل واضح لا لبس فيه في كتب الحزب، فالتثقيف والتفاعل وإقامة الخلافة... كلها بأدلتها موضحة في كتبنا.

 

فنحن ندعو الناس لحمل الدعوة ومن يستجيب نكتله في الحزب فيصبح من شبابه... وكذلك نقوم بالأعمال العامة لإيجاد الرأي العام المنبثق عن الوعي العام... ونطلب نصرة أهل القوة ونقيم الخلافة بإذن الله.

 

وهذه الطريقة لإقامة الدولة هي كما قلنا مستنبطة بطريقة صحيحة بإذن الله، اتباعاً لما سار عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام منذ أوحي إليه عليه الصلاة والسلام إلى أن أقام الدولة في المدينة المنورة، أي هي التثقيف لبناء جسم الحزب، والتفاعل مع الأمة بالأعمال العامة لإيجاد الرأي العام المنبثق عن الوعي العام، ومن ثم طلب النصرة ثم إقامة الدولة...

 

ويبدو أن الالتباس عند أصحاب الأسئلة آت من الخلط بين أعمال الرأي العام في مرحلة التفاعل وبين إقامة الدولة... وتتضح مسألة هذا الخلط على النحو التالي:

 

1- إذا قيل ما هي أعمال الرأي العام خلال مرحلة التفاعل، نقول كل عمل فيه تفاعل مع الأمة، قائم على أفكار الإسلام وأحكامه، مثل عقد محاضرة، ندوة، مؤتمر جماهيري، مسيرة "تظاهرة" نقودها ونحركها براياتنا وهتافاتنا... إذا استطعنا - ونحو ذلك من أعمال...:

 

أ- فالرسول عليه الصلاة والسلام جمع الناس على الصفا وخطب فيهم:

 

- أخرج البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾، صَعِدَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ» - لِبُطُونِ قُرَيْشٍ - حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَب﴾.

 

- وأخرج مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾، وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ: «يَا صَبَاحَاهْ»، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ»، قَالَ: فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا، ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ، كَذَا قَرَأَ الْأَعْمَشُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.

 

- وروى أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُري (المتوفى: 279هـ) في كتابه: "جمل من أنساب الأشراف" قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عُمَرَ ابن عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحَكَمِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾، اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَضَاقَ بِهِ ذَرْعًا... فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام ، بَعَثَ إِلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَحَضَرُوا وَمَعَهُمْ عِدَّةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَجَمِيعُهُمْ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلا... فَجَمَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام ثَانِيَةً، فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ، وَأَسْتَعِينُهُ وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ». ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرَّائِدَ لا يَكْذِبُ أَهْلَهُ. وَاللَّهِ لَوْ كَذَبْتُ النَّاسَ جَمِيعًا، مَا كَذَبْتُكُمْ. وَلَوْ غَرَرْتُ النَّاسَ، مَا غررتكم وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ خَاصَّةً وَإِلَى النَّاسِ كَافَّةً. وَاللَّهِ، لَتَمُوتُنَّ كَمَا تَنَامُونَ، وَلَتُبْعَثُنَّ كَمَا تَسْتَيْقِظُونَ، وَلَتُحَاسَبُنَّ بِمَا تَعْمَلُونَ، وَلَتُجْزَوُنَّ بِالإِحْسَانِ إِحْسَانًا وَبِالسُّوءِ سوءا. وَإِنَّهَا لَلْجَنَّةُ أَبَدًا، وَالنَّارُ أَبَدًا. وَأَنْتُمْ لأَوَّلُ مَنْ أُنْذِرُ». فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: "مَا أَحَبَّ إِلَيْنَا مُعَاوَنَتَكَ وَمُرَافَدَتَكَ، وَأَقْبَلَنَا لِنَصِيحَتِكَ، وَأَشَدَّ تَصْدِيقَنَا لِحَدِيثِكَ. وَهَؤُلاءِ بَنُو أَبِيكَ مُجْتَمِعُونَ. وَإِنَّمَا أَنَا أَحَدُهُمْ، غَيْرَ أَنِّي وَاللَّهِ أَسْرَعُهُمْ إِلَى مَا تحب. فامض لما أمرت به. فو الله، لا أَزَالُ أَحُوطُكَ وَأَمْنَعُكَ، غَيْرَ أَنِّي لا أَجِدُ نَفْسِي تُطَوِّعُ لِي فِرَاقَ دِينِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أَمُوتَ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ." وَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ كَلامًا لَيِّنًا، غَيْرَ أَبِي لَهَبٍ فَإِنَّهُ قَالَ: "يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، هَذِهِ وَاللَّهِ السَّوْءَةُ، خُذُوا عَلَى يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يأخذ على يده غيركم. فإن اسلمتوه حِينَئِذٍ، ذُلِلْتُمْ. وَإِنْ مَنَعْتُمُوهُ قُتِلْتُمْ" فَقَالَ أَبُو طالب: «والله، لنمنعه مَا بَقِينَا».

 

• وهكذا فإن جمع الناس والكلام فيهم هو من الأعمال العامة التي يقام بها.

 

 

ب- والرسول عليه الصلاة والسلام قاد المسلمين في صفين على رأس الأول عمر، وعلى رأس الثاني حمزة:

 

روى أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني (المتوفى: 430هـ) في كتابه "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: "لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيتَ الْفَارُوقَ؟ قَالَ: أَسْلَمَ حَمْزَةُ قَبْلِي بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلْإِسْلَامِ... قلت: أَيْنَ رَسُولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام ؟، قَالَتْ أُخْتِي: هُوَ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ بْنِ الْأَرْقَمِ عِنْدَ الصَّفَا، فَأَتَيْتُ الدَّارَ... فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَكَبَّرَ أَهْلُ الدَّارِ تَكْبِيرَةً سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ إِنْ مُتْنَا وَإِنْ حَيِينَا؟ قَالَ: «بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ عَلَى الْحَقِّ إِنْ مُتُّمْ وَإِنْ حَيِيتُمْ» ، قَالَ: فَقُلْتُ: فَفِيمَ الِاخْتِفَاءُ؟ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَتَخْرُجَنَّ، فَأَخْرَجْنَاهُ فِي صَفَّيْنِ، حَمْزَةُ فِي أَحَدِهِمَا، وَأَنَا فِي الْآخَرِ، لَهُ كَدِيدٌ كَكَدِيدِ الطَّحِينِ، حَتَّى دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، قَالَ: فَنَظَرَتْ إِلَيَّ قُرَيْشٌ وَإِلَى حَمْزَةَ، فَأَصَابَتْهُمْ كَآبَةٌ لَمْ يُصِبْهُمْ مِثْلَهَا، فَسَمَّانِي رَسُولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام يَوْمَئِذٍ الْفَارُوقَ، وَفَرَّقَ اللهُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ" انتهى.

 

فالمسيرات من أعمال الرأي العام لتحريك الناس وتوعيتهم على أفكار الإسلام وأحكامه، يُقام بها بشرط أن نستطيع القيام بها براياتنا وهتافاتنا وأفكارنا، ولكن لا نشترك مع غيرنا في عمل عام لا نقوده نحن لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قاد المسلمين في تلك المسيرة لم يكن المسلمون مشتركين مع تحركات أخرى بقيادات مختلطة، بل خرج المسلمون صفين في مسيرة بقيادة رسول الله عليه الصلاة والسلام .

 

 

2- وأما إذا قيل ما هي طريقة إقامة الخلافة: هل هي التظاهر، فنقول لا... هل هي المحاضرات، فنقول لا... هل هي المؤتمرات؟ فنقول لا... لأن هذه وأمثالها أعمال رأي عام يقام بها في مرحلة التفاعل، وليست هي طريقة إقامة الدولة، وإنما طريقة إقامة الدولة هي التي ذكرناها في البداية وتنتهي بأعمال طلب النصرة وإقامة الدولة.

 

هذا هو الموضوع ولعله اتضح الآن. ولذلك فليس هناك تناقض بين الموجود في كتبنا وبين أفعالنا، فقولنا في كتبنا إن المؤتمرات والمسيرات "التظاهرات"، والندوات... ليست هي الطريقة الشرعية المبينة بالأدلة لإقامة الدولة... هذا القول صحيح. وكذلك فإن قولنا إن هذه أعمال عامة يقام بها في مرحلة التفاعل إن استطعناها على وجهها... هذا القول أيضاً صحيح، ولا تناقض بين الموجود في الكتب من قول، والذي نقوم به من فعل... فقط يجب أن تقرأ هذه الكلمات في كتبنا في السياق الذي استعملت فيه، تقرأ بعقل واع وبصيرة مستنيرة، فتتضح الأمور بجلاء بإذن الله...

 

يبقى أمر لم يرد في السؤال لكنه قد يرد في أذهان بعضهم وهو: إذن لماذا لم يقم الحزب بعقد مؤتمر أو عمل مسيرة في السنوات السابقة؟

 

وجواب هذا السؤال واضح فيما سبق، فنحن لا نقوم بأعمال الرأي العام من مسيرة أو تظاهرة ونحوها إلا إذا استطعنا أن نقودها بشكل ظاهر معلن، وبراياتنا وهتافاتنا، ودون اختلاط برايات أخرى وهتافات من باب اختلاط الحابل بالنابل، وأن يكون الزمان والمكان لعقدها مناسبين وفق الغرض الذي نسعى له... فإن أمكن ذلك قمنا بهذا العمل، وإن لم نتمكن فلا نقوم به...

 

وللعلم فقد سبقت لنا محاولات في الستينات عندما زار بورقيبة الأردن يدعو للصلح مع يهود، فنظم الحزب في عهد أبي إبراهيم رحمه الله وفوداً كان بعضها أشبه بالمسيرة وخرجوا إلى رئيس الوزراء في عمان، وفي القدس إلى محافظها، وفي الخليل إلى محافظها... وكنت أنا مع هؤلاء في الخليل، وبذلك سأنقل ما كنت ماثلاً فيه:

 

لقد أمر الحزب الشباب ومؤيديهم أن يتجمعوا في ساعة معينة "العاشرة صباحاً" في الشارع الرئيسي في مدينة الخليل، ثم نخرج إلى المحافظة "العمارة" التي هدمت الآن، ولما أصبحنا في الشارع جاء قادة الأمن وحدث نقاش وجدال... المهم لم نستطع الخروج رجالاً بل سُمح لنا أن نخرج ركباناً، فركبنا السيارات والباصات وذهبنا إلى العمارة وكان عددنا كبيراً... وأدينا المهمة ورجعنا... وهكذا فإن المسألة هي أن مثل هذه الأعمال إذا استطعنا قيادتها وحدنا، ورأينا ذلك مناسباً فعلنا، وإن لم نستطع قيادته وضبطه، أو لم نره مناسباً في ظرف ما فلا نفعله.

 

وهذا مثل إنشاء مكتب إعلامي، فهو من أعمال الرأي العام إن استطعناه فعلناه، وإن لم نستطع لا نفعله، فمثلاً لم يكن ممكناً في عهد المؤسس أن نعلن ناطقاً رسمياً لنا، وعليه فلم نفعل، وفي عهد الأمير الثاني كلفني بأن أكون ناطقاً في الأردن، فأصبحت من زبائن السجن لا أكاد أخرج حتى أعود... ولكننا الآن بحمد الله أنشأنا أكثر من مكتب... وكلها أعمال رأي عام. لكن لو سأل سائل: هل إنشاء المكتب الإعلامي طريقة لإقامة الخلافة؟ فالجواب لا.

 

 

والآن عود على بدء، فنسأل:

 

هل المحاضرات من أعمال الرأي العام، التي نقوم بها في مرحلة التفاعل، الجواب نعم.

 

هل المؤتمرات من أعمال الرأي العام التي نقوم بها في مرحلة التفاعل، الجواب نعم.

 

هل المسيرات "التظاهرات" التي نقودها نحن بترتيباتنا هل هي من أعمال الرأي العام التي نقوم بها في مرحلة التفاعل، الجواب نعم... هل إنشاء المكاتب الإعلامية من أعمال الرأي العام التي نقوم بها في مرحلة التفاعل، الجواب نعم.

 

 

ولكن لو سألنا:

 

هل المحاضرات هي طريقة إقامة الدولة، الجواب لا.

 

هل المؤتمرات هي طريقة إقامة الدولة، الجواب لا.

 

هل المسيرات "التظاهرات" هي طريقة إقامة الدولة، الجواب لا.

 

هل إنشاء المكاتب الإعلامية هي طريقة إقامة الدولة، الجواب لا.

 

وواضح أن الأسئلة الأولى هي عن أعمال الرأي العام في مرحلة التفاعل، والأسئلة الثانية عن طريقة إقامة الدولة، وهما مسألتان، وليسا مسألة واحدة، ولكل مسألة جوابها، ولا تناقض بين المسألتين ولا بين الجوابين...

 

نسأل الله سبحانه أن تكون هذه المسألة قد اتضحت، دون لبس أو غموض، وذلك لكل من يسعى لطلب الحق فيدركه ويعمل به، أما أولئك الذين يسعون لطلب الباطل فإنه لا ينفعهم زيادة شرح أو بيان، وذلك لأنهم لم يطلبوا الباطل من أجل أن يعرفوا الحق، فهما أمران لا يلتقيان، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

 

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

 

 

 

06 من ربيع الاول 1435

الموافق 2014/01/07م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

(سلسلة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)

جواب سؤال: حول تسجيل الحزب رسمياً في دار الكفر

إلى Irfan Abu Naveed

 

 

 

السؤال:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يا شيخنا الكريم: فضيلة العالم الجليل عطاء بن خليل - حفظك الله -

 

السؤال المهم المتعلق بحزب التحرير في إندونيسيا:

 

لقد سألني الشباب المسلم في إندونيسيا فيما يتعلق بحزب التحرير إندونيسيا الذي يسجل رسميًا لدى وزارة الشؤون الحكومية لدى جمهورية إندونيسيا، ووجدت بعض الناس (ليس بكثير) يزعمون بهذا الأمر: أن الحزب في إندونيسيا لا يفرق بين الحق والباطل، والعياذ بالله.

 

١- ما الجواب الوافي على هذه المسألة يا شيخنا؟

 

٢- ما حكم تسجيل الحزب لدى الحكومات في دار الكفر مثل إندونيسيا؟ ولو سمحت أن تشرح لنا كيفية الاستدلال؟

 

قال العلامة الشافعي في الأم: أن الحلال في دار الإسلام حلال في دار الكفر، والحرام في دار الإسلام حرام في دار الكفر... نحن نريد أن نستفيد من علمك يا شيخنا، وفّقك الله وسدّد خطاك وجعلك سندًا للأمة الإسلامية، وأسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتك.

 

أخوكم في الله: الفقير إلى الله عرفان أبو نفيد

 

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

نعم يا أخي إن الحلال في دار الإسلام هو حلال في دار الكفر، والحرام في دار الإسلام هو حرام في دار الكفر... ولكن سؤالك متعلق بالأمور الإدارية، وهذه الأمور تقع في باب المباحات، سواء أكانت في دار الكفر أم في دار الإسلام، فمثلاً أن تقدم طلباً للحصول على هوية أو جواز سفر... أو تلتزم بإشارات المرور، أو تلتزم بقطع تذكرة للسفر في الطائرة أو القطار.. أو تلتزم بموعد الدوام في عملك أو في الجامعة أو في المدرسة، أو يُعمل كشف بأسماء الحضور والغياب في أماكن العمل... كل هذه أمور إدارية جائزة، سواء أكنت في دار الكفر أم في دار الإسلام، فيمكنك التزامها، بل يمكنك نقل بعض الأساليب الإدارية من دار الكفر إلى دار الإسلام، وقصة أخذ عمر للدواوين من الروم والفرس، أي تسجيل أسماء الرعية من أجل توزيع الغنائم عليهم معروفة:

 

أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، قَالَ: فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْعِشَاءَ، فَلَمَّا رَآنِي سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: «مَا قَدِمْتَ بِهِ؟» قُلْتُ: قَدِمْتُ بِخَمْسِمِائَةِ أَلْفٍ... فَقَالَ لِلنَّاسِ: «إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيَّ مَالٌ كَثِيرٌ فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعُدَّهُ لَكُمْ عَدًّا، وَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَكِيلَهُ لَكُمْ كَيْلًا» ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي رَأَيْتُ هَؤُلَاءِ الْأَعَاجِمَ يُدَوِّنُونَ دِيوَانًا وَيُعْطُونَ النَّاسَ عَلَيْهِ، قَالَ: «فَدَوَّنَ الدَّوَاوِينَ وَفَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ فِي خَمْسَةِ آلَافٍ خَمْسَةَ آلَافٍ وَلِلْأَنْصَارِ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَفَرَضَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا».

 

الآن نعود إلى سؤالك: ما حكم تسجيل الحزب لدى الحكومة في إندونيسيا؟

 

إن الذي حدث هو من باب العلم والخبر، أي نخبرهم باسم الحزب ومنهاجه وعمله... والإخبار بذلك لا شيء فيه، فإن وجدنا من يقبل الإخبار دون الالتزام بقوانين الكفر فإننا نسجل الحزب كعمل إداري، وحالياً لم تقبل الدول بتسجيلنا على هذا الأساس دون الالتزام بقوانين الكفر إلا ثلاث دول: لبنان، وإندونيسيا، وتونس... وحتى هذه الثلاث، فهي تبحث عن كل ذريعة لسحب تسجيل الحزب...

 

وللعلم فإن الاكتفاء من الأحزاب بالعلم والخبر فحسب هو من آثار الدولة العثمانية، فقد كان قانون الأحزاب في سنة 1909 يطلب من الحزب فقط أن يخبره عنوانه والمقر الرسمي للحزب، حتى إن هذا القانون لا زال سارياً في لبنان لأنهم لم يتفقوا على قانون بديل له حتى الآن، ولذلك فإن تسجيلهم للحزب هناك كان منصوصاً فيه "إشارة إلى قانون 1909 للدولة العثمانية".

 

والخلاصة، فإن الحرام في دار الكفر هو حرام في دار الإسلام، أي أن الخمر حرام في دار الكفر ودار الإسلام، فلو شرب المسلم الخمر وهو في دار الكفر فقد ارتكب حراماً...

 

وكذلك بالنسبة للمباح، فإن كان الالتزام بالأمور الإدارية مثل الدوام من الساعة الثامنة صباحاً إلى الساعة الثانية ظهراً مباحاً في دار الإسلام، فهو كذلك مباح في دار الكفر، وهذا ينطبق على تسجيل الحزب أو إخراج هوية أو إخراج جواز... لكنه لا يجوز تسجيل الحزب بشرط الالتزام بقوانين الكفر، فهذا حرام، وكذلك لا يجوز إخراج هوية بشرط شرب الخمر، فهذا لا يجوز... وهكذا.

 

أي أن الأمور الإدارية إذا كانت مباحة في دار الإسلام، فهي مباحة في دار الكفر إن لم يشترط فيها ارتكاب الحرام. والذي تم بالنسبة لتسجيل الحزب في إندونيسيا هو أمر إداري من باب العلم والخبر دون أي التزام بقوانين الكفر، وأن أي دولة تقبل تسجيلنا إدارياً من باب العلم والخبر دون الالتزام بقوانين الكفر فيجوز ذلك، وأما إن اشترطوا الالتزام بقوانين الكفر، فحرام ولا يجوز. آمل أن يكون الموضوع قد اتضح لك.

 

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

رابط الجواب من صفحة الأمير على

الفيسبوك

 

 

11 من ربيع الاول 1435

الموافق 2014/01/12م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

(سلسلة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)

 

 

جواب سؤال

الجمارك في الدولة الإسلامية

إلى سامح ريحان أبو ميسرة

 

 

السؤال:

 

السلام عليكم، ورد في كتاب نظام الإسلام أن الدولة الإسلامية لا تحصل على مصادر التمويل إلا بالطرق المشروعة، وورد أيضا أنها تأخذ الجمارك بحكم إشرافها على التجارة الداخلية والخارجية.

 

فما مدى توافق هذا مع ضربكم لسياسة الرسوم الجمركية اليوم من باب حديث رسول الله «لا يدخل الجنة صاحب مكس»؟ وهل المقصود بالتجارة الداخلية أن الدولة تفرض رسوما جمركية على التجارة بين ولايات الدولة الإسلامية نفسها؟

 

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

- حديث المكس، أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين وقال عنه "حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ونصه: عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ صَاحِبُ مَكْسٍ الْجَنَّةَ»، والحديث هو بالنسبة إلى رعايا الدولة، المسلمين وأهل الذمة، فهؤلاء لا يجوز أخذ ضريبة الجمارك منهم على تجارتهم، فيتاجرون ولا تؤخذ ضريبة عليهم، سواء أكان ذلك بين ولايات الدولة الإسلامية أي في التجارة الداخلية، أم كان بين الدولة الإسلامية والخارج، أي التجارة الخارجية... فتجار الدولة الإسلامية، المسلمون وأهل الذمة، لا تؤخذ منهم ضريبة... ويؤكد ذلك ما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبه إلى الذين يسلمون فلا يُعشرون، أي لا يؤخذ منهم العشر جمارك على التجارة:

 

- روى أبو أحمد حميد بن مخلد بن قتيبة بن عبد الله الخرساني المعروف بابن زنجويه (المتوفى: 251هـ) في كتابه "الأموال" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتاباً لثقيف عند إسلامهم وقد ورد فيه: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ... عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: هَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِثَقِيفٍ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِثَقِيفٍ... وَلَا يُعْشَرُونَ...»، أي لا تؤخذ منهم جمارك على تجارتهم."

 

- وروى ابن شبة في تاريخ المدينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتابا لنصارى نجران كأهل ذمة أن لا تؤخذ من تجارتهم جمارك... وقد ورد فيه: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ... عَنْ أَبِي الْفَتْحِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ لِأَهْلِ نَجْرَانَ إِذَا كَانَ حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ... وَلَا يُعْشَرُونَ». أي لا تؤخذ جمارك على التجارة من أهل الذمة، وذلك لأن نصارى نجران صولحوا كأهل ذمة بدلالة ما ورد في الكتاب "إِذَا كَانَ حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ..."، أي حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

- وأخرج أبو عبيد في الأموال عن عبد الرحمن بن معقل قال: سألت زياد بن حدير: من كنتم تعشرون؟ قال: "ما كنا نعشر مسلماً ولا معاهداً. قلت: فمن كنتم تعشرون؟ قال: تجار الحرب كما كانوا يعشروننا إذا أتيناهم". والعاشر: من يأخذ العشر على البضاعة التي تدخل إلى دار الإسلام من دار الحرب.

 

ولذلك فإن التاجر الذي يحمل التابعية الإسلامية، مسلماً كان أو ذمياً، لا تؤخذ منه رسوم جمارك...

 

• وأما المحاربون حكما، فتؤخذ على تجارتهم جمارك كما تأخذ دولهم جمارك من تجارنا... وذلك كما ورد عند أبي عبيد في الأموال: "قلت: فمن كنتم تعشرون؟ قال: تجار الحرب كما كانوا يعشروننا إذا أتيناهم"، وكما ورد عند ابن قدامة في المغني: "عن أبي مجلز لاحق بن حميد قال: «قالوا لعمر: كيف نأخذ من أهل الحرب إذا قدموا علينا؟ قال: كيف يأخذون منكم إذا دخلتم إليهم؟ قالوا العشر. قال: فكذلك خذوا منهم»"

 

 

والخلاصة:

 

• لا تؤخذ جمارك من تجار الدولة الإسلامية سواء أكان التاجر مسلماً أم ذمياً.

 

• وتؤخذ الجمارك من التاجر المعاهد وفق الشروط المنصوص عليها في المعاهدة.

 

• وتؤخذ جمارك من تجار الدول المحاربة حكماً كما تأخذ تلك الدول من تجارنا.

 

• وأما الدول المحاربة فعلاً "نحن وهم في حرب فعلية"، فلا يدخل تجارها بلادنا لأن العلاقة معهم علاقة حرب فعلية.

 

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

 

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

 

 

16 من ربيع الاول 1435

الموافق 2014/01/17م

 

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

  • 2 weeks later...

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

(سلسلة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)

جواب سؤال: سَتر القدمين

إلى أم سدين المقدسية

 

 

السؤال:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وتقبل الله طاعاتكم

 

وأسأله تعالى أن يمن عليكم وعلينا بالنصر والتمكين والتثبيت، وأن يعينك ويكرمك بخلافة ثانية على منهاج النبوة، تكون فيها سادس الخلفاء الراشدين، إنه ولي ذلك وإنه على كل شيء قدير..

 

شيخنا الفاضل، ورد في كتاب النظام الاجتماعي في الإسلام النسخة الرابعة (1424هـ - 2003م) في موضوع، النظر إلى المرأة، في مسألة صفات الثوب الذي تلبسه المرأة فوق ثيابها ص 49-50 (ويشترط في الجلباب أن يكون مرخياً إلى أسفل حتى يغطي القدمين، لأن الله يقول في الآية: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾ أي يرخين جلابيبهن لأن مِنْ هنا ليست للتبعيض بل للبيان، أي يرخين الملاءة والملحفة إلى أسفل، ولأنه روي عن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله: «من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبراً، قالت؟ إذن ينكشف أقدامهن. قال: يرخين ذراعاً لا يزدن» أخرجه الترمذي، فهذا صريح بأن الثوب الذي تلبسه فوق الثياب - أي الملاءة أو الملحفة - أن يرخى إلى أسفل حتى يستر القدمين، فإن كانت القدمان مستورتين بجوارب أو حذاء فإن ذلك لا يُغني عن إرخائه إلى أسفل بشكل يدل على وجود الإرخاء، ولا ضرورة لأن يغطي القدمين فهما مستورتان...) :

 

1- شعرت أن هناك تناقضا في هذه الفقرة، حين قال: (فهذا صريح بأن الثوب الذي تلبسه فوق الثياب - أي الملاءة أو الملحفة - أن يرخى إلى أسفل حتى يستر القدمين)، وبين قوله: (ولا ضرورة لأن يغطي القدمين فهما مستورتان)، فكيف يمكننا فهم هذا الأمر، هل على المرأة أن تغطي قدميها بجلبابها، أم أن سترهما بجورب يغني عن التغطية؟

 

أمر آخر شيخنا الفاضل واعذرني لأني أطلت عليك...

 

2- بخصوص الحديث الذي رواه ابن عمر قال: قال رسول الله : «من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبراً، قالت؟ إذن ينكشف أقدامهن. قال: يرخين ذراعاً لا يزدن» أخرجه الترمذي، من أين كان قياس أم سلمة للأمر، هل هو من المفصل أم من منتصف القدم؟

 

وما مقدار إدناء المرأة لجلبابها، هل تجعله يجر على الأرض، أم تغطي القدم كلها، أم فقط كاحل القدم، أم تغطيتها بالجوارب مجزئة أم ماذا؟؟

 

بارك الله فيك وفي جهودك... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

أم سدين ، بيت المقدس

 

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

أ- كانت النساء وبخاصة في البادية تسير حافية أو تلبس نعلاً أو ما يشبهه لا يغطي القدمين تماماً، فتكون قدما المرأة مكشوفة إلا أن تجر ثوبها على الأرض لكي لا تنكشف قدماها أثناء السير، فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جر الثوب خيلاء رأت أم سلمة أن المرأة إذا لم يكن ثوبها يجر على الأرض، فإنها عندما تسير، وتحرك قدميها عند المشي، فإن قدميها ستنكشفان، وذلك لأن القدم غير مغطاة، فهي تسير حافية أو تلبس نعلاً لا يسترها... فسألت الرسول صلى الله عليه وسلم "فكيف تصنع النساء بذيولهن"، لأن النساء كان جلبابهن أو عباءتهن تجر على الأرض لكي لا تنكشف أقدامهن... فأجاز الرسول صلى الله عليه وسلم لهن أن يرخين شبراً ثم ذراعاً زيادة على القدمين حتى إذا سارت حافية القدمين لا تنكشف القدمان ما دام الثوب مرخيا أسفل القدمين يجر على الأرض... فالموضوع كان: (جر الثوب من أجل ستر القدمين...)، أي أن السؤال كان لأجل ستر القدمين، وبعبارة أخرى جر الجلباب على الأرض أسفل القدمين كان من أجل ستر القدمين، فالعلة في جر الثوب على الأرض زيادة على الإرخاء هي ستر القدمين، والمعلول يدور مع العلة وجوداً وعدما، فإذا كانت القدمان مستورتين فلا يجر الثوب على الأرض بل يكفي أن يحقق معنى الإدناء أي الإرخاء الوارد في الآية ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾ أي أن يُرخى الثوب حتى القدمين المستورتين.

 

ب- أما من أين قاست أم سلمة الشبر أو الذراع، فالمسألة كانت "جر الثوب على الأرض"، هذا هو الذي سألت أم سلمة مستفسرة عنه. فكانت ترى أنه إن لم يجر الثوب على الأرض فإن القدمين ستنكشفان عند المشي، وهذا صحيح، فإن الثوب إن لم يجر على الأرض شيئاً، وسارت المرأة حافية أو تلبس نعلاً لا يغطي كل القدم، فإن المرأة عند تحريك قدميها في المشي ستنكشف أجزاء من القدمين... فأذن لها الرسول صلى الله عليه وسلم بأن ترخي شبراً على الأرض لأن الحديث عن جر الثوب، وكلمة "جر"، تعني على الأرض، فهي تدل على أن الشبر الذي يجر على الأرض أي من أسفل القدم.

 

وأكرر أن هذا حتى لا تنكشف القدم عند المشي، فإذا كانت القدم مستورة بالجوارب، فيكفي إرخاء الجلباب إلى أعلى القدم المستور بالجوارب أي يكفي إلى الكعبين ما دامت سائر القدم مغطاة.

 

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

 

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

 

 

 

26 من ربيع الاول 1435

الموافق 2014/01/27م

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

جواب سؤال

ما وراء زيارة أردوغان لإيران؟

 

 

سؤال:

 

في يومي 28 و 2014/1/29 قام رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان بزيارة إيران، وقد نقلت صحيفة الشرق الأوسط في 2014/1/30... عن مصدر مقرب من رئيس الوزراء أردوغان: "أن وزير الخزانة الأمريكية ديفيد كوهين زار أرودغان عشية مغادرته إلى طهران أول أمس (2014/1/28)... وأضاف المصدر أن "الملف السوري كان من المواضيع الأساسية في الزيارة"... وكذلك فقد أعلنت وزارة الاقتصاد التركية عن أنه "تم توقيع اتفاقية التجارة التفضيلية المبرمة بين تركيا وإيران على هامش زيارة رئيس الوزراء أردوغان لإيران. (يني شفق التركية 2014/1/31).

 

والسؤال هو: برز في الزيارة اتفاقية التجارة التفضيلية، وكذلك ملف سوريا... فهل القصد من الزيارة العامل التجاري أم هو الملف السوري أم كلاهما؟ وما دور أمريكا في ذلك؟ وجزاك الله خيرا.

 

 

الجواب:

 

1- إن الهدف الرئيس من الزيارة هو الموضوع السوري استكمالاً لما كنا ذكرناه في جواب السؤال الصادر في 2013/11/30 حيث جاء فيه ما يلي: (...بسبب هذه الأزمات التي تلتف حول عنق أمريكا فتعوق من فاعلية تأثيرها المباشر... ولأن عملاءها لم يستطيعوا طوال هذه السنوات الثلاث أن يستقر لهم قرار فاعل في سوريا، بل إن هتافات الخلافة تصعق أسماعهم وأبصارهم وقلوبهم... لكل ذلك فقد أرادت أمريكا من دول المنطقة حول سوريا أن يكونوا خطاً أمامياً لها في الوقوف في وجه نشوء أي حكم جديد يتبنى الخلافة نظاماً للدولة والحياة والمجتمع، ومن ثم فقد وقع بصر أمريكا على دولتين تكلفهما بالمهمة وهما من أتباعها: تركيا وإيران، أما تركيا فلا قيود على تحركاتها، وأما إيران فكانت العقوبات وملحقاتها تشكل قيداً عليها، فتحد من نشاطها المؤثر دولياً وإقليميا فهي في شبه عزلة، ولأنها أقوى تحركاً ضد الخلافة من تركيا حيث إن الخلافة في ثقافة حكام إيران تعد أمراً مرفوضاً عندهم ما يجعلهم ينشطون في محاربتها، في حين أن في موروثات الأتراك عهوداً طويلة للخلافة ما يجعل النظام في تركيا يلف ويدور عند حربه للخلافة... وهكذا كان المخطط الجديد يقتضي تفعيل دور هاتين الدولتين على النحو المذكور، أي للوقوف في وجه التحركات الإسلامية في سوريا لإقامة الخلافة، سواء أكان ذلك بأعمال مادية مجرمة داخل سوريا، أم كان بأعمال سياسية خيانية في جنيف وغير جنيف... وذلك ليتمكنوا من إيجاد حكم عميل لاحق لعميل سابق وإحباط العمل للخلافة... وزار وزير خارجية تركيا طهران في 2013/11/27، وكانت المحادثات مركزة على التعاون بينهما في أمر سوريا ومؤتمر جنيف وما خفي أعظم...) انتهى ما جاء في جوابنا السابق.

 

وأمريكا الآن وهي مشغولة بصناعة حل سياسي مع المعارضة المقطوعة الجذور مع الداخل تريد إطباق إيران وتركيا على الأصوات المخلصة الساعية للخلافة في الشام لتمهيد الطريق لإيجاد قبول لأي حل سياسي مصنوع في جنيف كخطوة أولى للتدخل الدولي لتثبيت الحل السياسي الذي تعمل له أمريكا... هذا هو الهدف الرئيس من الزيارة، وهذا ما بحثه وزير الخزانة الأمريكي مع أردوغان عشية زيارة أردوغان إلى طهران في 2014/1/28 كما جاء في صحيفة الشرق الأوسط في 2014/1/30 ... عن مصدر مقرب من رئيس الوزراء أردوغان: من أن "الملف السوري كان من المواضيع الأساسية في الزيارة"... وهذا يبين الدور الأمريكي النشط في موضوع تقارب إيران وتركيا لمنع أي توجه فعلي للناس في سوريا لتحكيم شرع الله في دولة الخلافة، وذلك بالبطش والترهيب بفعل إيران، وبالتضليل والخداع، ونفاق التأييد بطرف اللسان من تركيا.

 

 

2- وقد سبق زيارة أردوغان زيارتان تمهدان الطريق إلى هذا الهدف:

 

الأولى: زيارة وزير الخارجية التركي التي أشرنا إليها في جوابنا السابق حيث بدأ تعزيز العلاقات الإيرانية التركية بعد زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في نهاية العام الماضي وبالتحديد في 2013/11/27 ففي هذا التاريخ أدلى المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية ليفنت جمركجي بتصريحات لصحيفة الشرق الأوسط تتعلق بهذه الزيارة قائلا: "يوجد توافق تام على تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، ويوجد محادثات إيجابية حول سوريا، وتوافق تام على التزام التعاون بين البلدين لحل الأزمة في سوريا ووقف شلال الدم فيها". وبذلك هيأ داود أوغلو لزيارة رئيس وزرائه أردوغان لإيران لتقوية هذا التوافق بينهما على حل الأزمة السورية بناء على مقررات مؤتمر جنيف، ومن المعلوم أن مشروع مؤتمر جنيف1 و 2 هو مشروع أمريكي وخطة رسمتها أمريكا للحفاظ على نفوذها في سوريا من خلال المحافظة على النظام العلماني القائم هناك والمرتبط بها مع تبديل بعض الأشخاص ومنع إقامة نظام الإسلام وإعلان الخلافة. وقد نقل موقع المعهد في 2014/1/30 أن أردوغان أكد أثناء اجتماعه مع الرئيس الإيراني حسن روحاني على: "الاتفاق مع إيران على مواجهة الإرهاب". وهم يقصدون بالإرهاب المدلول الغربي، أي كل عمل صادق مخلص للإسلام. وكذلك فقد نقل هذا الموقع المؤيد للسياسة الإيرانية عن مصادر رسمية إيرانية أعلنت قبيل وصول الوفد التركي بأن: "إيران ستقوم بإعادة طرح رؤيتها لمشروع الحل في سوريا وستقدم شرحا وافيا". وبذلك تكون تركيا وإيران قد عملتا على تعزيز علاقتهما لتحقيق توافقهما التام حول الموضوع السوري كما ذكرنا آنفاً، وجاءت زيارة أردوغان لتستكمل ما مُهِّد له من قبل بين الطرفين خدمة للمشاريع الأمريكية.

 

والثانية: زيارة رئيس المخابرات التركية حقان فيدان مع وفد استخباراتي خاص. فقد ذكرت جريدة مليات في 2014/1/30 أن "مستشار المخابرات التركية حقان فيدان قام بزيارة طهران قبل وصول أردوغان على رأس وفد غير رسمي ومكث هو وأردوغان في نفس الفندق". ورئيس المخابرات التركية هذا يمسك بالملف السوري وبدأ ينسق مع رئيس المخابرات الأمريكية من الأيام الأولى لاندلاع الثورة في موضوع سوريا. فمعنى ذلك أنه سيصير هناك تنسيق استخباراتي بين تركيا وإيران للقيام بأعمال من شأنها أن تنفذ المشروع الأمريكي في سوريا مثل التجسس على حركات المخلصين في سوريا وكيفية التخلص منهم وضرب حركاتهم والعمل على احتواء آخرين لجلبهم لتأييد المشروع الأمريكي بالعمل على إشراكهم في المحادثات الجارية بين النظام والائتلاف التابعين لأمريكا. وقد سبق أن اجتمع صالح مسلم رئيس الحزب الوطني الكردي الذي يتعامل مع النظام السوري وهو امتداد للحزب الكردستاني حزب أوجلان الموالي لأمريكا، سبق له أن اجتمع مع رئيس المخابرات التركية، وبعد ذلك صرح لجريدة الشرق الأوسط في 2013/8/21 قائلا: "علينا انتظار الأيام المقبلة لنرى كيف ستترجم هذه الوعود لا سيما تلك التي قطعتها الجهتان التركية والإيرانية بهدف محاربة الإسلاميين..".

 

 

3- هذا هو الهدف الرئيس من الزيارة، أي الملف السوري، ولكن اعتباراتٍ اقتضت بأن يغلف هذا الهدف بغلاف تجاري، والغرض منه ثلاثة أمور:

 

الأول: تخفيف وقع العلاقة الودية مع إيران بالتركيز على الناحية التجارية والاتفاقات التجارية، وصرف النظر ظاهريا بعض الشيء عن الأزمة السورية، وذلك لأن موقف إيران عدائي للثورة السورية، فهي عنصر رئيس في القتال بجانب بشار، في الوقت الذي يتظاهر أردوغان بأنه مع الثورة السورية! فجعْل الزيارة مركزة كهدف وحيد على الأزمة السورية يحرج أردوغان ويكشفه للعيان بأن ما يزعمه من تأييد للثورة ونصرة لها ما هو إلا جعجعة دون طحن... لهذا يركز في الزيارة على الهدف التجاري، كأنه يقول إن زيارته تجارية دون أن تمس موقف أردوغان في نصرة الثورة السورية من باب التضليل والضحك على ضعاف العقول!

 

والثاني: محاولة التخفيف من فضائح الفساد التي شملت المقربين إليه، وكان من ضمن هذه الفضائح ما أُعلن عن رشاوى تقدمها أطراف إيرانية لمسئولين أتراك لتمرير صفقات تجارية إيرانية مع تركيا، فيريد أردوغان القول بهذه الاتفاقيات التجارية التي عقدها: إن تلك ليست رشاوى، وإنما هي علاقات تجارية بين بلديهما، وما يقام به من تحويل أموال كلها مشروعة وليس فيها ما يخالف القوانين، وأن ما يُدَّعى على أنه رشوى إنما هو عبارة عن تقاضي عمولة مقابل القيام بتلك الأعمال!. وهذا في ظنه يُمهد لتبرئة الأشخاص من أبناء وزرائه الذين استقالوا على إثر تلك الفضيحة، وكذلك غيرهم من أتباعه ومؤيديه الذين يحاكمون بشأن هذه القضية...

 

والثالث: يريد أردوغان من وراء ذلك تعزيز الثقة بالاقتصاد التركي الذي اهتز على إثر فضيحة الفساد حيث تهاوى سعر صرف العملة التركية بشكل كبير، فأصبح الدولار في هذا اليوم يساوي 2,6 ليرة حيث كان قبل هذه الأزمة يساوي حوالي ليرتين. والجدير بالذكر أنه عندما ألغى أردوغان الأصفار وأخرج الليرة الجديدة وأعلن التداول بها ابتداء من عام 2009 كانت تساوي دولارا واحدا. وأثّرت هذه الفضيحة على البورصة التركية، حيث تقدر بعض المصادر غير الرسمية أن الخسائر فيها بلغت نحو 100 مليار دولار منذ الكشف عن فضيحة الفساد الأخيرة التي كشفت أن الاقتصاد التركي اقتصاد غير حقيقي وغير مستقر فهو يعتمد على الديون، فقد تضاعفت ديون تركيا الخارجية من 130 مليار دولار في نهاية عام 2002 عندما استلم حزب أردوغان الحكم إلى أن بلغت 374,456 مليار دولار في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2013 (صفحة التجارة والاقتصاد 2014/2/1)، فأراد أردوغان أن يعالج هذا الوضع عن طريق عقد اتفاقيات تجارية مع إيران، وهذه قد تفيده في تحسين نسبة أصوات حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية القادمة، حيث تقدر بعض وسائل الاستطلاع أن أصوات هذا الحزب انخفضت إلى 42%، وبعض الوسائل خفضتها الى 39% بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية على إثر فضيحة الفساد التي اعتبرها أردوغان محاولة انقلاب ضد حكومته.

 

 

4- وعليه فإن الهدف الأساس من هذه الزيارة هو اتفاق على الحل السياسي في سوريا ومنع أي توجه فاعل لأهل الشام نحو الحكم بالإسلام... ثم هناك تغليف لهذا الهدف الأساس بأعمال تجارية لتخفيف الحرج على أردوغان لأنه كان يُظهر نفاقاً تأييد الثورة السورية في الوقت الذي فيه إيران تدعم بشار بوحشية، فلا يريد أردوغان أن تظهر زيارته إلى إيران مركزة على التآمر على الثورة السورية... بالإضافة إلى أنه بجانب هذا الغرض يوجِد تبريراً للعمولات المالية نتيجة الأعمال التجارية مع إيران بأنها ليست رشاوى دفعت للمقربين إليه، فيخفف من الفضيحة عليهم... ويوجِد حركة في التبادل التجاري بين إيران وتركيا لعلها تحسن ظروف حزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة. ولكن أردوغان نسي أو تناسى أن الفضائح المالية والسياسية بالسير في مشاريع أمريكا هي كالشمس التي لا تُغطى بغربال!

 

﴿هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ﴾.

 

 

 

02 من ربيع الثاني 1435

الموافق 2014/02/02م

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

  • 2 weeks later...

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(سلسلة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك)

جواب سؤال: حول استقرار الرأي على عثمان رضي الله عنه خليفة للمسلمين

إلى Mohamed Ali Bouazizi

 

 

السؤال:

 

السلام عليكم شيخنا الفاضل

 

ورد في كتاب أجهزة دولة الخلافة وبالتحديد فقرة حصر المرشحين ص 31

 

...ثم ناقش عبد الرحمن الخمسة الباقين وحصرهم في اثنين علي وعثمان... وبعد ذلك استطلع رأي الناس واستقر الرأي على عثمان خليفة. وفي ص 33 ...فادع إلي عليّا وعثمان... ثم أخذ بيد علي. لماذا علي وقد تعين عثمان للخلافة؟ أخوكم بوعزيزي.

 

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

الذي تبين لعبد الرحمن بن عوف هو أن الناس يريدون علياً إذا حكم في أي قضية تعرض عليه بالحكم نفسه الذي حكم به أبو بكر وعمر إذا كانت هذه القضية قد حدث مثلها في عهدهما، فعلي لم يوافق وعثمان وافق، عندها تعين عثمان خليفة...

 

فجملة (ورشح عمر للمسلمين ستةً وحصرها فيهم ينتخبون من بينهم خليفةً، ثم ناقش عبد الرحمن بن عوف الخمسة الباقين وحصرهم في اثنين: علي وعثمان، بعد أن وكله الباقون. وبعد ذلك استطلع رأي الناس واستقر الرأي على عثمان خليفةً.) لا تعني أن عثمان قد تعين خليفة خلال الاستشارة، بل تعين خليفة عندما رفض علي ووافق عثمان.

 

ويبدو أن الذي التبس عليك هو ظنك أن حرف العطف بين (استطلع رأي الناس)، وبين (استقر الرأي على عثمان خليفة)، ظنك أن (الواو) بينهما تفيد الترتيب وفورية الوقوع، وليس الأمر كذلك فحرف العطف الواو يفيد مجرد العطف، فإذا قلت جاء عمر وخالد، فلا يعني أنهما جاءا معاً أو فوراً الواحد تلو الآخر، بل قد يكون بينهما وقت، هذا جاء قبل الظهر، وذاك جاء بعده.

 

وهكذا الجملة المذكورة (استطلع رأي الناس)، قد يكون فرغ منه ليلاً، و(استقر الرأي على عثمان خليفة) كان فجراً بعد الصلاة، وبعد سؤال علي وعثمان.

 

 

وتوضيحاً لما جرى نقول التالي:

 

• "استطلع عبد الرحمن رأي الناس"، فوجدهم يريدون علياً إذا وافق على شرطهم وإلا فعثمان إذا وافق على شرطهم..

 

• بعدها قال عبد الرحمن: "فادع إلي علياً وعثمان"، فعرض على علي الشرط فلم يوافق، ثم عرضه على عثمان فوافق..

 

• بعد ذلك كانت النتيجة "واستقر الرأي على عثمان خليفة".

 

آمل أن يكون الموضوع قد اتضح.

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

 

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

 

17 من ربيع الثاني 1435

الموافق 2014/02/17م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

جواب سؤال

حقيقة الصراع في أفريقيا الوسطى!

 

السؤال:

 

في 20/2/2014 طالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بإرسال قوات عسكرية إضافية بشكل سريع إلى أفريقيا الوسطى لمنع تدهور الوضع الأمني. مع العلم أن فرنسا أرسلت 2000 جندي بجانب القوات الأفريقية التي زاد عددها عن 5000 جندي بعدما أصدر مجلس الأمن في 5/12/2013 قرارا بالتدخل عسكريا في أفريقيا الوسطى. وقد قامت ميلشيات نصرانية بأعمال وحشية وبشعة ضد المسلمين من قتل وحرق وأكل للحومهم وتدمير لبيوتهم ونهب لممتلكاتهم وتهجير لهم. واستقال ميشيل جوتوديا أول رئيس من اصل مسلم لجمهورية أفريقيا الوسطى في 10/1/2014، وأُعلن عن انتخاب كاثرين سامبا - بانزا رئيسة لهذه الجمهورية في 20/1/2014. وقد أعلنت أمريكا عن دعمها للقوة الأفريقية ودعت إلى إجراء انتخابات قبل شباط/فبراير 2015. فما حقيقة الصراع هناك؟ وكيف تفجر الوضع؟ وما أسباب الأزمة هناك؟ وإلى أين تتجه؟

 

الجواب:

 

للإجابة على ذلك يجب علينا أولا أن نتعرض لوضع المسلمين في أفريقيا الوسطى، ونعرض قصة الانقلابات فيها وعلاقتها بالصراع الدولي وما نتج عن ذلك:

 

1- تقدر نسبة المسلمين في أفريقيا الوسطى ما بين 15% إلى 20% من عدد سكانها البالغ حوالي 5 ملايين. ولكن هذه النسبة مشكوك فيها بالنسبة لحجم انتشار المسلمين في البلاد، وهذه الإحصائيات ليست محايدة ولا نزيهة حيث يعمد دائما للتقليل من نسبة المسلمين لعوامل عدة... ولهذا فإن الراجح أن نسبة المسلمين تفوق هذا التقدير... والنسبة الباقية يتقاسمها النصارى والوثنيون... وينتشر المسلمون في العاصمة بانغي حيث بنوا فيها عددا كبيرا من المساجد ومدارس تعليم القرآن، وكذلك ينتشرون في العديد من المدن والمحافظات الرئيسة الأخرى وخاصة في شمال البلاد حيث نشأت هناك سلطنة إسلامية في نهاية القرن السابع عشر الميلادي عندما نزح عدد من سلاطين سلطنة باجرمي الإسلامية في جنوب تشاد بعد سقوط سلطنتهم هناك ونزوحهم من جنوب تشاد إلى شمال أفريقيا الوسطى. وقد أسلم على أيديهم الكثير من الوثنيين مثلما أسلم الكثير على أيديهم في جنوب تشاد. مع العلم أن الإسلام دخل إلى منطقة شمال إفريقيا الوسطى في القرن الثالث عشر الميلادي وأسلمت بعض القبائل مثل قبيلة الرونغا التي تتمركز في منطقة إندلي عاصمة الشمال، وقبيلة فاكاقا التي تتمركز في مدينة براو عاصمة الشمال الشرقي وهي من أكثر المناطق الغنية بالذهب والألماس واليورانيوم. وهناك مجموعات من المسلمين الذين وفدوا إلى هذه المناطق في القرن الثامن عشر والتاسع عشر لأسباب مختلفة وأسهموا مع إخوانهم في العمل على دحر الاستعمار الفرنسي من البلاد. وكذلك وفد إليها مسلمون من غرب أفريقيا من قبيلتي الهوسا والفلاتا ويشكلون النسبة الأعلى في المناطق الجنوبية الغربية المحاذية للكاميرون. وقد عمل النظام ومن ورائه فرنسا، وخاصة نظام باتاسيه، عمل على عزل المسلمين عن الوثنيين خوفا من انتشار الإسلام بينهم، بل قام بعملية إبعاد للمسلمين من الحكومة ومن الوظائف العامة، فاتجه المسلمون نحو التجارة، وعليه فبعد المجازر في التجار المسلمين توقفت التجارة وظهر نقص شديد في المواد الغذائية لدى سكان العاصمة بانغي.

 

2- بدأ دخول الاستعمار الفرنسي أفريقيا الوسطى عام 1885م، وأنشأت فرنسا قاعدة لها في بانغي، وأصبحت المنطقة مستعمرة فرنسية بشكل رسمي عندهم في 1894م، وعندما منحتها فرنسا الاستقلال الشكلي عام 1960 ملّكت النصارى أمر البلد، وقد بقي نفوذها فيها واستعمارها لها كما كان سابقا، فكانت تُنصِّب الحكام من النصارى إما بانقلاب وإما بما يسمى انتخابات... فقد نصّبت فرنسا دافيد داكو كأول رئيس عند إعطائها الاستقلال الشكلي لأفريقيا الوسطى، ولكن ما أن مضى على حكمه سنتان حتى بدأ يظهر الاستبداد ويقوم بحملات القمع ضد خصومه، واستغلت هذا الوضع أمريكا التي كانت تزحف نحو أفريقيا، وكان الاتحاد السوفييتي يومئذ يعمل على محاربة الاستعمار القديم بعدما اتفق على ذلك مع أمريكا عام 1961، فكان لهاتين الدولتين اللتين أعلنتا سياسة الوفاق بينهما تأثير في إثارة شعوب أفريقيا ضد المستعمرين القدامى. فخافت فرنسا على نفوذها في البلد، فدفعت رئيس الأركان جان بيدل بوكاسا عام 1966 ليقوم بانقلاب ويُحكم قبضته على الحكم، وعين الرئيس السابق دافيد داكو مستشارا له فيما بعد، ما يدل على أن الانقلاب ما هو إلا ترتيب من فرنسا للوقوف في وجه الهجمة الأمريكية السوفييتية، وذلك بتعيين عسكري مستبد ليبطش في كل من يقوم ضد النفوذ الفرنسي. واستمر بوكاسا في استبداده وتركيز نظامه لحماية النفوذ الفرنسي في البلد إلى أن أعلن نفسه إمبراطورا عام 1976! وكان يعظّم الفرنسيين حتى أطلق على ديغول الرئيس الفرنسي حينئذ لقب البابا وجعل بلاده مرتعا للفرنسيين. وقد انتشرت حول بوكاسا شائعات كثيرة منها أكل لحوم البشر وقتل الأطفال، وأثير الرأي العام العالمي ضده، فقامت فرنسا وتدخلت بقواتها المرابطة هناك لإزاحته عن الحكم ونصبت دافيد داكو مرة ثانية كرئيس للبلاد عام 1979 ثم قام الجيش بقيادة الجنرال أندريه كولينجبا في شهر أيلول/سبتمبر 1981 بانقلاب وأزاح داكو عن الحكم. وبعدما تمكنت فرنسا من إسقاط حبري الموالي لأمريكا في تشاد والإتيان بعميلها إدريس ديبي 1990، قويت شوكة فرنسا في أمريكا الوسطى لأن تشاد تعدّ ركيزة لدعم النفوذ الفرنسي في أفريقيا الوسطى... وهكذا رأت فرنسا أن نفوذها تركز في أفريقيا الوسطى، فأرادت أن تصبغ الحكم في هذا البلد بصبغة ديمقراطية! فقررت إبعاد الجيش عن الحكم وإجراء انتخابات من جديد هناك، فجرت انتخابات رئاسية عام 1993 وأُعلن عن فوز فيليكس باتاسيه المرتبط بفرنسا والذي كان يقود المعارضة، والذي دفع فرنسا لذلك هو العمل على امتصاص تأثير دعوات الديمقراطية التي تركز عليها أمريكا في أفريقيا لإسقاط الاستعمار القديم والحلول محله، وهكذا أنشأت فرنسا حكماً بالانتخابات ومعارضة بزعامة القس فرانسوا بوزيزيه وكان فيها جماعات عرقية مختلفة من ضمنها مسلمون، وقد نقمت تلك المعارضة على فساد باتاسيه، واضطهاده للمعارضة وبخاصة المسلمون، وانتقلت المعارضة إلى تمرد مسلح... فرأت فرنسا تبديل باتاسيه وجاءت بزعيم المعارضة القس بوزيزيه رئيساً للجمهورية في 15/3/2003 وقد ساعده المسلمون للوصول إلى الحكم... ولكن بوزيزيه تنكر للذين ساندوه من المسلمين ومن المعارضة التي كانت معه، ولم يعبأ بهم، بل نظر إليهم كأعداء! وأوكل حراسته إلى شركة فرنسية أمنية بقيادة الجنرال الفرنسي المتقاعد جان بيار بيرز، ثم أجرى انتخابات 2005 و2011، وأعلن فوزه في كل منها... وخلال هذه الفترات ظهر تمرد جديد عليه، وظهرت حركة سيليكا (وهي تعني التحالف أو الاتفاق بين تنظيمات خمسة، رؤساؤها من المسلمين، وكان أكبرها بقيادة دجوتوديا...) ورغم كل انتخابات بوزيزيه المسرحية فإن الأوضاع لم تستقر في البلد وزاد طغيان بوزيزيه، وبخاصة ضد المسلمين حيث دفع نظام بوزيزيه قواته إلى التعدي على ممتلكات المسلمين، فوقع منهم مئات الضحايا وهم يدافعون عن أنفسهم وممتلكاتهم...

 

3- على إثر ذلك فقد تم في 11/1/2013 عقد مؤتمر في ليبرافيل عاصمة الغابون حضره الرئيس بوزيزيه وحركة سيليكا للتوصل إلى حل... وقد كشف المؤتمر عن مدى الظلم الذي يتعرض له المسلمون في أفريقيا الوسطى حيث إن أدنى حقوقهم كانت مهضومة... وعليه فقد طالبوا بها، وهي مطالبات بسيطة: الاعتراف بالإسلام كباقي الأديان، والاحتفال رسميا بعيدي الفطر والأضحى، وعدم اضطهاد المسلمين... ولكن بوزيزيه كان يتقن المماطلة، فبعد أن وافق على بعض مطالب المسلمين وسيليكا، وأن يستمر هذا العميل الفرنسي في الحكم حتى 2016، ورغم أن الاتفاق ضمن استمرار حكم بوزيزيه رغم مجازره... وأن أمريكا قد أيدت الاتفاق كما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية... رغم كل ذلك فإنّ فرنسا وبوزيزيه قد ماطلوا في تنفيذ هذه الحقوق البسيطة، بل وانقلبوا عليها واستأنفوا أعمالهم الوحشية ضد المسلمين، فتحركت سيليكا نحو القصر واستولت عليه في 24/3/2013 بقيادة ميشيل أندو جوتوديا الذي أصبح رئيساً... وهنا صرخت فرنسا وولولت لأن أندو جوتوديا من أصل مسلم، ومع أنه حاول إرضاء الغرب منذ توليه الحكم كما جاء في تصريحاته حيث قال عندما أعلن عن نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد: "إن أفريقيا الوسطى دولة علمانية يعيش المسيحيون والمسلمون في دولة علمانية، صحيح أنني مسلم، لكن من واجبي خدمة وطني وجميع مواطني إفريقيا الوسطى". (31/3/2013 الخليج). وكل ذلك إرضاء للغرب وخاصة فرنسا ومعها النصارى، حتى إنه لم تنزع سلاح المليشيات النصرانية وأبقاها تعمل، إلا أن فرنسا لم تعترف بالرئيس الجديد، وكذلك عملاؤها... وبدأت فرنسا تعمل ضده بقوة لأنه من أصل مسلم، وتبعها عملاؤها في ذلك، ومن ثم حركت فرنسا زعماء وسط أفريقيا لعقد مؤتمر في نجامينا عاصمة تشاد بتاريخ 3/4/2013، وخطب فيهم إدريس ديبي عميل فرنسا البارز قائلاً: "يبدو مستحيلا بالنسبة لنا أن نعترف برجل نصب نفسه". (5/4/2013 الوسط)، ومع أن المجلس الانتقالي قد أعلن في 13/4/2013 عن انتخابه لميشيل أندوجوتوديا رئيساً للبلاد، إلا أن كل هذا لم يشفع له بسبب كونه من أصل مسلم، فقطعت فرنسا تقديم الدعم لهذه الحكومة مع أنها تنهب ثروات البلاد من اليورانيوم والذهب والألماس وتمن على حكومات أفريقيا الوسطى بالمساعدة وتقطعها عنها عندما ترى ذلك معتبرة تلك الثروات ملكا لها!

 

4- بدأت فرنسا بتهيئة الأجواء للتدخل وخلق المشاكل لتبريره، فتمكنت من استصدار قرار من مجلس الأمن في 5/12/2013 بتفويضها بالتدخل عسكريا في أفريقيا الوسطى، فكان التدخل في 8/12/2013، وقد دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند إلى استقالة ميشيل أندوتودجيا وإجراء انتخابات مبكرة. ولذلك عقدت فرنسا قمة أفريقية إقليمية في العاصمة التشادية نجامينا في 10/1/2014 ومارست ضغوطاتها بواسطة هذه القمة لحمل جوتوديا على الاستقالة، فأعلن استقالته خلال هذه القمة. وأُعلن عن انتخاب سامبا بانزا رئيسة بلدية العاصمة بانغي كرئيسة مؤقتة للبلاد في 20/1/2014، وقد تبع ذلك أعمال وحشية قامت بها مليشيات النصارى على سمع وبصر القوات الفرنسية، التي قامت بنزع أسلحة أكثر من 7000 مقاتل من حركة سيليكا بحجة حفظ الأمن، ولكنها لم تنزع أسلحة المليشيات النصرانية، وخاصة ما يطلق عليها "أنتي بالاكا"، بل دعمتها! ثم إن هذه المليشيات بعد إسقاط الرئيس جوتوديا قاموا بأعمال بشعة أفظع مما تقوم به الوحوش من قتل وحرق للمسلمين وأكل لحومهم وتدمير لبيوتهم ومساجدهم ومدارسهم ومؤسساتهم ونهب لممتلكاتهم تحت مرأى القوات الفرنسية والأفريقية. حتى إن تقارير الأمم المتحدة اتهمت فرنسا بدعم الميليشيات النصرانية ضد المسلمين العزل بعدما جردتهم من أي سلاح يمكن أن يدافعوا به عن أنفسهم... وقد كان من فظاعة هذه الجرائم أن اعترفت الرئيسة الجديدة بذلك فقالت: "انتي بالاكا فقدوا معنى مهمتهم، أضحوا اليوم هم الذين يَقتلون". وقالت: "إنهم يعتقدون أني ضعيفة لأنني امرأة، لكن من الآن فان حركة انتي بالاكا الذين يريدون القتل سيلاحقون". (إذاعة بي بي سي 12/2/2014)، وأضافت الإذاعة قائلة: "هرب عشرات الآلاف من المسلمين من أفريقيا الوسطى إلى الكاميرون وتشاد كما لجأ قسم منهم إلى مخيمات داخل البلاد. وذكرت منظمة العفو الدولية أن هجمات الميليشيات أدت إلى نزوح جماعي للمسلمين بمعدلات تاريخية. ووصفت الوضع في أفريقيا الوسطى بأنه عبارة عن تطهير عرقي". ومع ذلك فقد رفضت رئيسة البلاد هذا الوصف، بل ادعت أن "ما يجري في البلاد هو عبارة عن مشكلة أمنية"!

 

5- حاولت أمريكا الاستفادة من مجازر الفرنسيين وعملائهم في أفريقيا الوسطى، فعملت على تقوية القوات الأفريقية في أفريقيا الوسطى لتكون موازية للقوات الفرنسية، وبذلك يزول التفرد الفرنسي تمهيدا لإزالته وحلول أمريكا مكانه أو مشاركته... وقد بدأ الناس يتهمون القوات الفرنسية بالتواطؤ مع المليشيات النصرانية الإجرامية، وتصاعدت المطالبات بقوات أفريقية وليس فرنسية، وساند ذلك دعوات من مصادر أمريكية، وكذلك من مصادر الولايات المتحة التي تؤثر فيها أمريكا بفاعلية... فقد صرح رئيس اللجنة المختصة بالشؤون الأفريقية التابعة للجنة الخارجية في الكونغرس الأمريكي كريستوفر كونر: "إن اللجنة عقدت جلسة الاستماع لتحديد ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لدعم الجهود المتعددة الأطراف لضمان أن تكون قوات الاتحاد الأفريقي لديها القدرة اللازمة لتعزيز الأمن وإنهاء العنف". (آي آي بي ديجيتال موقع تابع لوزارة الخارجية الأمريكية 23/12/2013) وقامت مندوبة أمريكا الدائمة في الأمم المتحدة سامانثا باور ومساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية ليندا توماس غرينفلد بزيارة بانغي 19/12/2013 للاجتماع مع المسؤولين الانتقاليين هناك. وقالت غرينفلد: "نعتقد أن التفويض القوي لبعثة الاتحاد الأفريقي من أجل ترسيخ الاستقرار هو المطلوب الآن لمواجهة المجموعات والفصائل المسلحة ونزع سلاحها". (المصدر السابق). وبالمقابل فقد عملت فرنسا على تعزيز القوات الدولية بقوات من دول أوروبية لتقابل القوات الأفريقية التي بلغ عددها 4400 وسيضاف إليها قوات من رواندا يبلغ تعدادها 850 جنديًا. ولهذا السبب "قررت الرئاسة الفرنسية في 14/2/2014 إرسال 400 جندي إضافي إلى أفريقيا الوسطى لتعزيز قوتها الموجودة هناك ليبلغ عددها 2000 جندي. وقال بيان الرئاسة الفرنسية: إن هذا الجهد الإضافي من 400 جندي يشمل الانتشار المبكر للقوات القتالية الفرنسية التي ستشارك لاحقا في العملية العسكرية للاتحاد الأوروبي فور انتشارها. وأضاف في بيانه: أن فرنسا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى تسريع نشر قوة يوفور ومن ضمنها قوة الدرك الأوروبية. وأفادت مصادر دبلوماسية أن مشاركة الاتحاد الاوروبي يمكن أن تكون 900 جندي أي أكثر من 500 الذين كانوا متوقعين". (أ ف ب 14/2/2014) وقررت أمريكا تمويل القوات الأفريقية؛ فقد صرحت ماري هارف نائبة المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية قائلة: "نشعر بقلق عميق جراء تفاقم أعمال العنف في جمهورية أفريقيا الوسطى والتي أدت إلى أزمة إنسانية متنامية وزيادة خطر ارتكاب أعمال وحشية جماعية. ويوم أمس صوتنا لصالح قرار قوي مشترك في مجلس الأمن يوفر لقوات الاتحاد الأفريقي والقوات الفرنسية التي تدعم قوات الاتحاد الأفريقي السلطة تحت البند السابع لاستعادة الأمن وإحلال السلام لشعب عاني منذ فترة طويلة جدا. وننوي تقديم 40 مليون دولار على شكل معدات وتدريبات أو دعم لوجستي لقوات الاتحاد الأفريقي وحلفائنا الفرنسيين طالما دعت الحاجة إلى ذلك". (آي آي بي ديجيتال 6/2/2013)، وواضح من تصرفات هذه القوات، سواء أكانت من دول أفريقية تؤثر فيها أمريكا، أم كانت قوات فرنسية مطعَّمة بقوات أوروبية تواليها، واضح من تصرفات هذه القوات البالغة نحو 8000 أنها ليست لحماية الأمن في الجمهورية الأفريقية، فهي لم تصنع شيئاً في منع الأعمال الوحشية، والمجازر الفظيعة ضد المسلمين، مع أنها لو جدَّت لاستطاعت فالبلد صغير في سكانه.... وإنما هي من باب التنافس حول النفوذ الفرنسي والنفوذ الأمريكي الذي يبذل الوسع في طرق الباب لإدخال نفوذه... وهكذا أصبحت دماء المسلمين التي تسفك، ولحومهم التي تُنهش... حلبة مصارعة ترقص فرنسا وأمريكا على أرضها وأرجلهم تغوص في دماء المسلمين.

 

6- وعليه فإن أمريكا تعمل على تقوية نفوذها في أفريقيا الوسطى بواسطة تعزيز القوات الأفريقية وتقوية مهمة هذه القوات، ولهذا السبب طلب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي يسير وفق السياسة الأمريكية من مجلس الأمن: "أن ينشر وبشكل سريع 3000 جندي إضافي لفرض الأمن وحماية المدنيين..". (أ ف ب 20/2/2014)، ومعروف أنها ستكون من القوات الأفريقية... ويبدو أن أمريكا تريد في نهاية المطاف عملية سياسية ثم انتخابات تستغل فيها دماء المسلمين لمقاسمة فرنسا النفوذ في أفريقيا الوسطى! ومن المتوقع كذلك أن فرنسا ستتماشى مع أمريكا في الحلول السياسية حتى لا تخسر كل شيء لأن هذه المرة أشد عليها من كل المرات السابقة، ومن ثم تعمل على إنجاح عملائها للوصول إلى الحكم عن طريق الانتخابات كذلك.

 

7- وفي الختام فإن دماء المسلمين أصبحت ميدان صراع بين أمريكا وبين فرنسا من أجل النفوذ... ولا يهمهم أو يعنيهم أن تجري الدماء أنهاراً من المسلمين، ولا أن يعذب الشيوخ والأطفال والنساء، بل ويؤكلون أحياء... إنما المهم لهذه الدول الكافرة المستعمرة هو من يقف في النهاية يصفق فوق تلك الجثث والأشلاء... إن الكفار المستعمرين ملة واحدة لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة... ولذلك فإن الطرفين يركزان على قتل المسلمين مهما اختلفت أساليبهم وأغراضهم، لكنهما يتركان مليشيات النصارى تسرح وتمرح في الولوغ في دماء المسلمين...

 

ولكن المؤلم والمحزن هو أن المسلمين لا بواكي لهم، فدماؤهم تسفك بفظاعة في فلسطين وبورما وكشمير والشيشان وتتارستان وفي سوريا، وها هي في أفريقيا الوسطى... الخ. والحكام في بلاد المسلمين يخدمون مصالح الغرب، لا مصالح المسلمين، فينظرون إلى المجازر كما لو كانت في بلاد الواق واق أو في عالم آخر غير عالمهم في الوقت الذي فيه تلك المجازر لا تبعد عن أراضي سيطرة أولئك الحكام شبراً أو ذراعاً... فلهم الويل مما يصنعون.

 

وخاتمة الختام، فإن المسلمين يفتقدون الجُنَّة التي تردع المعتدين، يفتقدون الخليفة الدرعَ والوقاية. «وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ» أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه... ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾.

 

23 من ربيع الثاني 1435

الموافق 2014/02/23م http://www.hizb-ut-t...nts/entry_33680

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل

×
×
  • اضف...