اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين﴾


Recommended Posts

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين﴾

 

عن أبي مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها. أخرجه مسلم.

﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ يشمل سائر صفات الكمال التي استحق الله لأجلها حصر الحمد له تعالى بناء على ما تدل عليه جملة ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ من اختصاص جنس الحمد به تعالى واستحقاقه لذلك الاختصاص

قال ابن القيم رحمه الله: في ذكر هذه الأسماء بعد الحمد، وإيقاع الحمد على مضمونها ومعناها ما يدل على أنه محمود في إلهيته، محمود في ربوبيته ، محمود في رحمانيته، محمود في ملكه، وأنه إله محمود، ورب محمود، ورحمن محمود، وملك محمود، فله بذلك جميع أقسام الكمال، كمال من هذا الاسم بمفرده، وكمال من اقتران أحدهما بالآخر.

وقول ابن القيم رحمه الله أعلاه كلام متين، إذ أن الله كما بينا من قبل تعني المألوه بحق، أي المعبود بحق، فعند قولك: ﴿الحَمْدُ لله﴾، لما يستحقه من الحمد في مقام الألوهية، أي إخلاص العبادة له سبحانه ، وكل فعل تفعله تقصد به وجهه الكريم مخلصا له الدين، ثم إنه سبحانه وتعالى أتبعها بوصف: ﴿رَبِّ العَالَمِين﴾، ليدخل في الحمد أيضا مقام الربوبية، وما أنعم الله به على الخلائق من رزق وإيجاد من عدم، وحياة ونعم وآلاء لا تحصى، لا شيء في كونه يخرج عن مراده الفعلي، فيكون الله تبارك وتعالى مستحقا الحمد على مقام الألوهية وعلى مقام الربوبية، وأيضا يعطف عليها سبحانه مقام الرحمانية، يستحق الحمد عليها سبحانه وتعالى، لآلائه التي لا تحصى مما يرحم بها خلقه وعباده، حتى الكافر منهم والفاسق والمحسن، وكل الخلق لم يصل إلى أن يعبد الله حق عبادته شكرا على نعمه أو بعضها، فاستحق الحمد على رحمته بأنه لم يأخذهم بذنوبهم، وأنه يرزقهم وهم يعصونه، وكذلك عطف الحمد على مقام الملك، ويَدخلُ فيه بوصفه ملكا وكذلك أنه مالك، مستحقا الحمد، سواء مقام الملك لما في الدنيا (من مقام ﴿رَبِّ العَالَمِين﴾ استفدنا تصرفه سبحانه وتعالى بما في هذه الحياة الدنيا ملكا مقتدرا) ولما في الآخرة: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، فاستحق الحمد على عدله المطلق، في الدنيا والآخرة، فهو ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ يتصرف فيه ليحاسب المكلفين على ما فعلوه في حياتهم الدنيا، فلا يدع المجرم يفلت من العقاب، ولا يترك المحسن من غير ثواب، فيستحق الحمد على عدله، ويستحق الحمد على أنه جعل للمكلفين يوما يُرجعون فيه إليه ليحاسبهم، فلا لم يترك الأرض تتحكم فيها شريعة الغاب، فيأكل القوي حق الضعيف، دون أن يحاسب على سوء فعاله، والحمد لله على رحمته التي وسعت كل شيء، فالحمد لله على مقام الألوهية، والحمد لله على مقام الربوبية، والحمد لله على مقام الرحمانية، والحمد لله على مقام الملك والعدل.

ثم إنه إذ يعطف الربوبية على الألوهية، فإنه يطمئن عباده أن عطاء ربوبيته لا ينقطع إن أساؤوا في ما يستوجب الحمد من مقام ألوهيته، فرزقهم مستمر، ونفعه لهم مستمر، وتسخيره ما في الكون لهم مستمر إلا أن يشاء سبحانه وتعالى، فلا يكون مقتصرا على أن يُحمد على مقام الألوهية وحده سبحانه وتعالى، فيختص بربوبيته فقط عباده المؤمنين دون غيرهم، بل الحمد له سبحانه بوصفه ربا للعالمين أيضا، فهو رب من يحمده كإله، ورب من لم يحمده كمعبود بحق.

 

عن صفحة:

تم تعديل بواسطه عبد الله العقابي
رابط هذا التعليق
شارك

الحمد لله رب العالمين (2)

 

 

ولا يكون الحمد الا للحي العاقل.

وهذا أشهر ما فرق بينه وبين المدح فقد تمدح جمادا ولكن لا تحمده، وقد ثبت أن المدح أعم من الحمد، فالمدح قد يكون قبل الاحسان وبعده أما الحمد فلا يكون الا بعد الاحسان؛ فالحمد يكون لما هو... حاصل من المحاسن في الصفات أو الفعل، فلا يحمد من ليس في صفاته ما يستحق الحمد، أما المدح فقد يكون قبل ذلك؛ فقد تمدح إنسانا ولم يفعل شيئا من المحاسن والجميل، ولذا كان المدح منهياً عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احثوا التراب في وجه المداحين" بخلاف الحمد فإنه مأمور به فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يحمد الناس لم يحمد الله"

وبذا علمنا من قوله: ﴿الحمد لله﴾ أن الله حي له الصفات الحسنى والفعل الجميل فحمدناه على صفاته وعلى فعله وانعامه ولو قال المدح لله لم يفد شيئا من ذلك، فكان اختيار الحمد اولى من اختيار المدح .

الحمد هو الثناء والنداء على الجميل من نعمة وغيرها، مع المحبة والاجلال؛ تقول: حمدت الرجل على إنعامه، وحمدته على حسبه وشجاعته، وأمّا الشكر فعلى النعمة خاصة وهو بالقلب واللسان والجوارح قال:

أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ منِّى ثلاثةً يَدِي ولِسَانِى والضَّمِيرَ الـمُحَجَّبَا

وما كان شكرى وافيا بنوالكم ولكنني حاولت في الجهد مذهبا

أي لم يكن تعظيمي إياكم وافيا بحق عطائكم، ولكنني أردت من الاجتهاد في تعظيمكم مذهبا، وبينه بقوله: إن نعمتكم على إفادتكم من يدي ولساني وجناني، فهي وأعمالها لكم، قال السيد الشريف: هو استشهاد معنوي على أن الشكر يطلق على أفعال الموارد الثلاثة، وبيان أنه جعلها جزاء للنعمة، وكل ما هو جزاء للنعمة عرفا يطلق عليه الشكر لغة، فكأنه قال: كثرت نعمتكم عندي فوجب على استيفاء أنواع الشكر لكم، وبالغ في ذلك حتى جعل مواردها ملكا لهم.

والحمد باللسان وحده، فهو إحدى شعب الشكر، ومنه قوله عليه السلام: «الحمد رأس الشكر، ما شكر اللَّه عبد لم يحمده» وإنما جعله رأس الشكر لأنّ ذكر النعمة باللسان والثناء على موليها، أشيع لها وأدلّ على مكانها من الاعتقاد وآداب الجوارح، والحمد نقيضه الذمّ، والشكر نقيضه الكفران،

جاء في لسان العرب "والحمد والشكر متقاربان والحمد أعمهما لأنك تحمد الإنسان على صفاته الذاتية وعلى عطائه ولا تشكره على صفاته. فكان اختيار الحمد أولى أيضا من الشكر لأنه أعم فإنك تثني عليه بنعمه الواصلة اليك وإلى الخلق جميعا وتثني عليه بصفاته الحسنى الذاتية وإن لم يتعلق شيئ منها بك. فكان اختيار الحمد أولى من المدح والشكر".

وقيل: الحمد والشكر بمعنى واحد أو الحمد أعم والشكر ثناء على الله تعالى بأفعاله، والحمد ثناء بأوصافه، ثلاثة أقوال أصحها أنه أعم فالحامد قسمان: شاكر ومُثنٍ بالصفات. ومعناه فى اللغة: الثناء بالجميل على قصد التعظيم والتبجيل، وفى العرف: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما. والشكر فى اللغة: فعل يشعر بتعظيم المنعم، فهو مرادف للحمد العرفي،

وقيل: الحمد أعم لأن فيه معنى الشكر ومعنى المدح، وهو أعم من الشكر، لأن الحمد يوضع موضع الشكر ولا يوضع الشكر موضع الحمد.

ورُوي عن ابن عباس أنه قال: الحمد لله كلمة كل شاكر، وإن آدم عليه السلام قال حين عطس: الحمد لله، وقال الله لنوح عليه السلام: ﴿فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [المؤمنون: 28] وقال إبراهيم عليه السلام: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ [إبراهيم: 3]. وقال في قصة داود وسليمان: ﴿وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النمل: 15]. وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً﴾ [الإسراء: 111]. وقال أهل الجنة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ [فاطر: 34]. ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين﴾ [يونس: 10]. فهي كلمة كل شاكر.

والصحيح أن الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان، والشكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان. وعلى هذا الحد قال علماؤنا: الحمد أعم من الشكر، لأن الحمد يقع على الثناء وعلى التحميد وعلى الشكر، والجزاء مخصوص إنما يكون مكافأة لمن أولاك معروفا فصار الحمد أعم في الآية لأنه يزيد على الشكر، ويذكر الحمد بمعنى الرضا يقال: بلوته فحمدته، أي رضيته .

 

عن صفحة:

رابط هذا التعليق
شارك

الحمد لله رب العالمين (3)

 

 

والحمد عبارة عن صفة القلب وهي اعتقاد كون ذلك المحمود متفضلا منعما مستحقا للتعظيم والاجلال.

فاذا تلفظ الإنسان بقوله: "أحمد الله" مع أنه كان قلبه غافلا عن معنى التعظيم اللائق بجلال الله كان كاذبا لانه أخبر عن نفسه بكونه حامدا مع أنه ليس كذلك، أما إذا قال "الحمد لله" سواء كان غافلا أو مستحضرا لمعنى التعظيم فإنه يكون صادقا لان معناه: أن الحمد حق لله وملكه، وهذا المعنى حاصل سواء كان العبد مشتغلا بمعنى التعظيم والاجلال أو لم يكن، فثبت أن قوله "الحمد لله" أولى من قوله أحمد الله أو من نحمد الله. ونظيره قولنا "لا اله الا الله" فانه لا يدخل في التكذيب بخلاف قولنا "أشهد أن لا اله الا الله" لانه قد يكون كاذبا في قوله "أشهد" ولهذا قال تعالى في تكذيب المنافقين: ﴿والله يشهد إن المنافقين لكاذبون﴾ (المنافقون، آية 1)

ثم إن (الحمد لله) قد كُرِّرَت في أربع سُوَرٍ من القرآن ، كل واحدة منها ناظرة الى نعمة من النعم الاساسية التي هي: النشأة الاولى، والبقاء فيها؛ والنشأة الاُخرى، والبقاء بعدها.

قال ابو اسحق الاسفراينى رحمه الله: في سورة "الأنعام " كل قواعد التوحيد. ولما كانت نعمه تعالى مما تفوت الحصر إلاّ انها ترجع اجمالاً الى إيجاد وإبقاء في النشأة الاولى، وإيجاد وإبقاء في النشأة الآخرة. وقد أشير في "الفاتحة " "الكهف " إلى الابقاء الاول، وفي "سبأ " إلى الايجاد الثانى، وفي "فاطر " إلى الابقاء الثانى، فلهذا ابتدأت هذه السور الخمس بالتحميد

﴿لله﴾ اللام : للمُلك وشَبَهِهِ، أي للاختصاص، وقال ابن عاشور: وليست لام التعريف (في ﴿الحمد﴾) للاستغراق لما علمت أنها لام الجنس ولذلك قال صاحب (الكشاف): (والاستغراق الذي توهمه كثير من الناس وهم منهم) غير أن معنى الاستغراق حاصل هنا بالمثال لأن الحكم باختصاص جنس الحمد به تعالى لوجود لام تعريف الجنس في قوله: ﴿الحمد﴾ ولام الاختصاص في قوله: ﴿لله﴾ يستلزم انحصار أفراد الحمد في التعلق باسم الله تعالى لأنه إذا اختص الجنسُ اختصت الأفراد؛ إذ لو تحقق فرد من أفراد الحمد لغير الله تعالى لتحقق الجنس في ضمنه فلا يتم معنى اختصاص الجنس المستفاد من لام الاختصاص الداخلة على اسم الجلالة ﴿الحمد﴾ مبتدأ، و﴿للّه﴾ خبر، وأصله النصب، وقرئ به، والأصل: أحمد اللّه حمدا، وإنما عدل عنه إلى الرفع ليدل على عموم الحمد وثباته، دون تجدده وحدوثه ، وفيه تعليم اللفظ مع تعريض الاستغناء. أي: الحمد للّه وإن لم تحمدوه، ولو قال (أحمد اللّه) لما أفاد هذا المعنى ، وهو من المصادر التي تنصب بأفعال مضمرة لا تكاد تذكر معها، والتعريف للجنس (في: ﴿الحمد﴾) أي: للحقيقة من حيث هي، من غير قيد شيوعها، ومعناه: الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد أن الحمد ما هو؟ أو للاستغراق إذ الحمد فى الحقيقة كلّه للّه إذ ما من خير إلا وهو موليه بواسطة وبغير واسطة. كما قال: ﴿وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ وقيل: للعهد، والمعهود حمده تعالى نفسه فى أزله.

وقال شقيق بن إبراهيم في تفسير ﴿الحمد لله﴾ قال: هو على ثلاثة أوجه: أولها إذا أعطاك الله شيئا تعرف من أعطاك، والثاني أن ترضى بما أعطاك، والثالث ما دامت قوته في جسدك ألا تعصيه، فهذه شرائط الحمد.

والعجيب أنك حين تشكر بشرا على جميل فعله تظل ساعات وساعات.. تعد كلمات الشكر والثناء، وتحذف وتضيف وتأخذ رأي الناس. حتى تصل الى قصيدة أو خطاب مليء بالثناء والشكر. ولكن الله سبحانه وتعالى جلت قدرته وعظمته نعمه لا تعد ولا تحصى، علمنا أن نشكره في كلمتين اثنتين هما: الحمد لله. .

 

عن صفحة:

رابط هذا التعليق
شارك

الحمد لله رب العالمين (4)

 

 

قال ابن فارس: (الرب) الراء والباء يدلُّ على أُصولٍ. فالأول إصلاح الشيءِ والقيامُ عليه. فالرّبُّ: المالكُ، والخالقُ، والصَّاحب. والرّبُّ: المُصْلِح للشّيء. يقال رَبَّ فلانٌ ضَيعتَه، إذا قام على إصلاحها. وهذا سقاء مربُوبٌ بالرُّبِّ. والرُّبّ للعِنَب وغيرِه؛ لأنّه يُرَبُّ به الشيء. وفَرَسٌ مربوب. قال سلامة:

ليسَ بأسْفَى ولا أقْنَى ولا سَغِلٍ *** يُسْقى دَواءَ قَفِيِّ السَّكْنِ مَرْبوبِ والرّبُّ: الـمُصْلِح للشّيء. والله جلّ ثناؤُه الرَّبٌّ؛ لأنه مصلحُ أحوالِ خَلْقه. والرِّبِّيُّ: العارف بالرَّبّ. وربَبْتُ الصَّبيَّ أرُبُّه، وربَّبْتُه أربِّبُه. والرَّبيبة الحاضِنة.

و﴿رب﴾ نعت ﴿للّه﴾، وهو فى الأصل: مصدر بمعنى التربية، وهو تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا، وذلك يجمع النعم كلها، ثم وصف به للمبالغة كالصوم والعدل.

وقيل: هو وصف من ربّه يربّه، وأصله: ربب ثم أدغم، سمى به المالك لأنه يحفظ ما يملكه ويربيه، ولا يطلق على غيره تعالى إلا بقيد كقوله تعالى: ﴿ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ﴾. قال ابن جزىّ: ومعانيه أربعة: الإله والسيد والمالك والمصلح، وكلها تصلح فى ﴿رَبِّ العَالَمِين﴾، إلا أن الأرجح فى معناه: الإله لاختصاصه باللّه تعالى . وقال أبو حيان الأندلسي: الرب: السيد والمالك والثابت والمعبود والمصلح وزاد بعضهم بمعنى الصاحب مستدلا بقوله:

فدنا له رب الكلاب بكفه بيض رهاف ريشهن مقزع .

الرب المالك ومنه قول صفوان لأبي سفيان: لأن يَــرُبّـَنـي رجل من قريش أحب إليّ من أن يربني رجل من هوازن.

تقول ربه يربه رباً فهو رب، ويجوز أن يكون وصفاً بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل.

قال الهروي وغيره: يقال لمن قام بإصلاح شيء وإتمامه: قد ربه يربه فهو رب له وراب، ومنه سُمي الربانيون لقيامهم بالكتب. وفي الحديث: "هل لك من نعمة تربُّها عليه" أي تقوم بها وتصلحها. والرب: المعبود ومنه قول الشاعر:

أربٌّ يبول الثعلبان برأسه... لقد ذل من بالت عليه الثعالب

ويقال على التكثير: رباه ورببه وربته، حكاه النحاس. وفي الصحاح: ورب فلان ولده يربه ربا ورببه وترببه بمعنىً، أي رباه. والمربوب: المربى.

متى أدخلت الألف واللام على "رب" اختص الله تعالى به، لأنها للعهد وإن حذفنا منه صار مشتركا بين الله وبين عباده، فيقال: الله رب العباد وزيد رب الدار.

والتصرف للإصلاح والتربية يشمل العالمين - أي جميع الخلائق - واللّه - سبحانه - لم يخلق الكون ثم يتركه هملا، إنما هو يتصرف فيه بالإصلاح ويرعاه ويربيه، وكل العوالم والخلائق تُحْفَظُ وتُتَعَهَّدُ برعاية اللّه رَبِّ العَالَمِين.

 

عن صفحة:

رابط هذا التعليق
شارك

الحمد لله رب العالمين (5)

 

الربوبية المطلقة

 

 

والربوبية المطلقة هي مفرق الطريق بين وضوح التوحيد الكامل الشامل، والغبش الذي ينشأ من عدم وضوح هذه الحقيقة بصورتها القاطعة. ، وقد أنبأنا القرآن الكريم عن أقوام يشركون مع الله في ربوبيته غَيْرَهُ، فقال عز من قائل: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63)﴾ العنكبوت، فهؤلاء اتخذوا مع الله أربابا، اعتقدوا أنهم يقربوهم إلى الله زلفى، وانهم ينفعونهم ويضرونهم، فلم تكن حقيقة الربوبية عندهم مطلقة ناصعة، وحيث ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)﴾ النساء، فهؤلاء ما قدروا الله حق قدره، وحبطت أعمالهم، ولم ينفعهم قولهم أن الله هو الرازق والخالق في شيء، إذ لا بد من التوحيد الخالص من الشرك، والتصور الواضح الصحيح للرب سبحانه وتعالى، حتى تتحقق حقيقة التوحيد.

وقد صدق الشهيد سيد قطب رحمه الله إذ اعتبر الربوبية المطلقة مفرق الطرق بين وضوح التوحيد الشامل وبين من على قلبه في تصوره لهذه الربوبية غبش، وتصورات شركية، وركام من الباطل يحول بينه وبين التصور الصحيح.

قال رحمه الله معقبا: "فإطلاق الربوبية في هذه السورة، وشمول هذه الربوبية للعالمين جميعا، هي مفرق الطريق بين النظام والفوضى في العقيدة، لتتجه العوالم كلها إلى رب واحد، تقر له بالسيادة المطلقة، وتنفض عن كاهلها زحمة الأرباب المتفرقة، وعنت الحيرة كذلك بين شتى الأرباب.. ثم ليطمئن ضمير هذه العوالم إلى رعاية اللّه الدائمة وربوبيته القائمة. وإلى أن هذه الرعاية لا تنقطع أبدا ولا تفتر ولا تغيب"

 

عن صفحة:

رابط هذا التعليق
شارك

الحمد لله رب العالمين (6)

 

 

فما ﴿رَبِّ العَالَمِينَ﴾ إذن؟

 

 

وقفنا بين يدي المعنى الإجمالي، واللغوي لكلمة الرب، فما هي حقيقة احتياج العالمين لرب، يدبر شئونهم بالليل والنهار، ويصرف أمر هذا الكون يقول سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)﴾

فالرب سبحانه هو الذي خلق السموات والأرض، وقدر فيها أقواتها، وأرزاق الخلائق، ينزل المطر، وينبت الزرع، ويخرج الخبأ من الأرض، ويحيي ويميت، ويشفي، وينتقم، وما من خير إلا إلى الرب مرجعه، منه نزل، وبرحمته اتصل، أنزل أفضل الشرائع لتقوم حياة الناس بالقسط، وحرم على نفسه الظلم، وجعله محرما في السموات والأرض، يجير ولا يجار عليه، فاستحق على كل نعمه وآلائه الحمد كله، حتى أن الرسول عليه سلام الله وصفه بأنه: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"، رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد.

قوله تعالى: ﴿الْعَالَمِينَ﴾ اختلف أهل التأويل في "العالمين" اختلافا كثيراً، فقال قتادة: العالمون جمع عالم وهو كل موجود سوى الله تعالى ولا واحد له من لفظه مثل رهط وقوم. وقيل: أهل كل زمان عالم قاله الحسين بن الفضل، لقوله تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 165] أي من الناس.

وقال ابن عباس: العالمون الجن والإنس، دليله قوله تعالى: ﴿ليكون للعالمين نذيرا﴾ [الفرقان: 1] ولم يكن نذيرا للبهائم. وقال الفراء وأبو عبيدة: العالم عبارة عمن يعقل ولا يقال للبهائم: عالم، لأن هذا الجمع إنما هو جمع من يعقل خاصة، وقال ابن عباس: كل ذي روح دب على وجه الأرض.

قلت (القرطبي): والقول الأول أصح هذه الأقوال، (أي العالمون: جمع عالم وهو كل موجود سوى الله تعالى) لأنه شامل لكل مخلوق وموجود دليله قوله تعالى: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العَالَمِين. قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ [الشعراء: 23] ثم هو مأخوذ من العَلَمِ والعلامة لأنه يدل على موجِدِهِ. كذا قال الزجاج قال: العالم كل ما خلقه الله في الدنيا والآخرة. وقال الخليل: العَلَمُ والعلامة والـمَـعْلَم: ما دل على الشيء، فالعالم دال على أن له خالقا ومدبرا وهذا واضح. .

قال ابن فارس: (علم) العين واللام والميم أصلٌ صحيح واحد، يدلُّ على أثَرٍ بالشيء يتميَّزُ به عن غيره، من ذلك العَلامة، ومن الباب العالَمُون، وذلك أنّ كلَّ جنسٍ من الخَلْق فهو في نفسه مَعْلَم وعَلَم. وقال قوم: العالَم سمِّي لاجتماعه. قال الله تعالى: ﴿وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين﴾ [الأنعام 45، الصافات 182]، قالوا: الخلائق أجمعون. وأنشدوا: ما إنْ رأيتُ ولا سمعـ *** ـتُ بمثلِهمْ في العالَمِينا

وقال في العالَم: * فخِنْدِفٌ هامةُ هذا العَالَمِ *

والذي قاله القائلُ في أنّ في ذلك ما يدلُّ على الجمع والاجتماع فليس ببعيد، وذلك أنّهم يسمون العَيْلم، فيقال إنّه البحر، ويقال إنّه البئر الكثيرةُ الماء.

و(ال) في العالمين للاستغراق، وما نراه هو أن العالمين جمع عالم، والعالم هو كل موجود سوى الله تعالى، والعالم يُجمع على العوالم وعلى العالمين، فرَبُّ العَالَمِين معناه رب العوالم، والعالمون جمع مذكر سالم فإن قيل هذا الجمع يكون للعقلاء فصار رب العقلاء الذين هم عالم الإنس وعالم الجن، وعالم الملائكة، وقد يقال أيضاً: لكن اختيار العالمين على العوالم لأمر بلاغي فيه دلالة على خصوص المكلفين وأولي العقل (لا تشمل غير العقلاء) بدليل قوله تعالى ﴿تبارك الذي نزل على عبده الفرقان ليكون للعالمين نذيرا﴾، (الفرقان آية 1) ومن المؤكد انه ليس نذيرا للبهائم والجماد، وبهذا استدلوا على ان المقصود بالعالمين أولي العقل واولي العلم أو المكلفين.

وهو ما لا نرجحه هنا، إذ أن بعض العلماء يقولون: "جمع المذكر السالم جمع العاقلين ويطلق إذا كان هناك اختلاط بين العقلاء وغيرهم أيضا"، لكن من باب أهمية العقلاء على غيرهم -لأن العقل مناط التكليف-، كانت صيغة الجمع على المذكر السالم هي المختارة،

وهذا ما نميل إليه، إذ أن في ذكره بصيغة جمع المذكر السالم، للتنبيه على معنى العقلاء، وشموله للعقلاء وغيرهم، ما يناسب سياق السورة إن نظرنا إليها من زاوية يدور مدارها في المكلفين إذ فيها طلب الهداية واظهار العبودية لله وطلب الاستعانة ومثل هذا خاص بأولي العقل والعلم لذا كان من المناسب اختيار العالمين على غيرها من المفردات او الكلمات، لتكون في العقلاء، من باب التكليف، والهداية والاستعانة وغيرها مما يناسب العقلاء، ولكن يعكر على هذا أيضا النظر إلى سياق السورة من زاوية أخرى يظهر منها أنه في غيرهم أيضا من مخلوقات الله تعالى التي هي كلها مربوبة لله تعالى، والتي يستحق سبحانه وتعالى الحمد لما أنعم عليها من نعم، وتدخل في عموم رحمته سبحانه وتعالى، ويدبر أمرها من باب الربوبية، كالبهائم تحيا بنعم الله تعالى، لذا فلا تقتصر لفظة العالمين هنا على العقلاء دون غيرهم، والله أعلم.

وقد ورد في آخر الفاتحة ذكر المغضوب عليهم وهم اليهود، و﴿العالمين﴾ رد على اليهود الذين ادعوا ان الله تعالى هو رب اليهود فقط فجاءت ﴿رَبِّ العَالَمِين﴾ لتشمل كل العالمين لا بعضهم.

 

عن صفحة:

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...