اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

من عجائب سورة الكوثر


Recommended Posts

من عجائب سورة الكوثر

 

قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (1) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (2) {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} (3).

 

نبدأ بملاحظات عابرة تتعلق بتناسبات صوتية وحرفية الهدف منها إشعار القارئ أن سورة الكوثر تخفي خلف كلماتها العشر أمورا كثيرة وكثيرة جدا:

كلمات السورة استنادا إلى الخط والرسم عشر:

 

{إِنَّا- أَعْطَيْنَاكَ- الْكَوْثَرَ- فَصَلِّ- لِرَبِّكَ- وَانْحَرْ-إِنَّ- شَانِئَكَ- هُوَ- الْأَبْتَرُ}

 

- الآية الأولى نسيج حرفي مكون من حروف عشر- بدون اعتبار المكرر منها-:

 

ا - ن - ع - ط - ي- ك - ل - و- ث - ر.

 

- الآية الثانية هي أيضا مبنية من عشر حروف - بدون اعتبار المكرر دائما-:

 

ص- ل - ر- ب - ك - و- ا - ن - ح.

 

-الآية الأخيرة – كما قد يتوقع القارئ - كأختيها أعني العدد نفسه باعتبار نوع الحرف لا أفراده:

 

ا - ن - ش - ك - ه- و- ل - ب - ت - ر.

 

ولعل إشارة أخرى تقلل من فرضية الصدفة وهي أن عدد الحروف التي لم تستعمل إلا مرة واحدة عشرة أيضا وهي:

 

ع - ط - ي- ث - ف - ص - ح - ش - ه - ت.

 

فلنقف عند هذا الحد دون أن نبني على ما ذكرنا شيئا فهذا المنهج لا يستهوينا في الحقيقة.

الجمل في سورة الكوثر:

 

لأهل اللغة تقسيمات كثيرة لأنواع الجملة في اللسان العربي لكن المثير للدهشة أن سورة الكوثر الكريمة قادرة على إعطاء مثال عن كل نوع، وتزداد الدهشة أكثر عندما ندخل في الحسبان أن عدد جمل السورة أربعة فقط. ولكنها "الكوثر": اسما ومسمى.

 

1- تنقسم الجمل عند أهل اللسان – عند أهل البيان منهم خاصة - إلى نوعين:

 

جمل خبرية وجمل انشائية. وإذا تدبرت سورة الكوثر وجدت فيها النوعين معا:

 

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ.

 

إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ.

 

جملتان خبريتان.

 

فَصَلِّ لِرَبِّكَ.

 

وَانْحَرْ.

 

جملتان إنشائيتان طلبيتان.

 

2- تتعاقب الجمل في الكلام العربي وفق نظام الوصل والفصل وقد أفرد علماء المعاني هذا النظام بمبحث خاص سموه باب الوصل والفصل واعتبروه أم البلاغة وقلبها.... ويعنينا هنا أن سورة الكوثر قادرة على إعطاء مثالين للمفهومين:

 

فجملة "انحر" معطوفة بالواو على جارتها " فَصَلِّ لِرَبِّكَ." وهذا الوصل.

 

وهي منقطعة عن الجملة اللاحقة إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ. وهذا الفصل.

 

3- يقسم أهل النحو الجملة العربية إلى قسمين: جمل اسمية وجمل فعلية.

 

وقد اشتملت السورة الكريمة على النوعين كما لا يخفى على أحد. والجمل التي ذكرناها عن الخبر والإنشاء تمثل باعتبار آخر الاسمية والفعلية.

 

استطراد - قد يكون نافعا - :

 

القسمة ثنائية عند الجمهور فالجمل عندهم إما فعلية وإما اسمية... وقد حاول بعض النحاة قديما وحديثا أن يزيد قسما ثالثا ولكن هذه الزيادة لم تكن مقنعة:

 

فالزمخشري اقترح نوعا ثالثا هي الجملة الشرطية لكنها لم يرتضها غيره. قال ابن هشام في المغني: وزاد الزمخشري وغيره الجملة الشرطية والصواب أنها من قبيل الفعلية.

 

وابن هشام نفسه اقترح في المغني نوعا ثالثا هو الجملة الظرفية لكنها لم تلق قبولا حسنا من الدسوقي، فقال في حاشيته على المغني: (قوله: إلى اسمية وفعلية وظرفية) هذا تقسيم أصلي للجملة ولكن في الحقيقة أن الظرفية ترجع لما قبلها من الاسمية والفعلية لأنك إما أن تقدر عامل الظرف كائن أو استقر.

 

والصواب مع الجمهور لأن النوعين الجديدين يمكن إرجاعهما إلى النوعين الأصلين وتقيل الأقسام مطلوب كما هو معلوم. فصح عندنا أن نقول إن سورة الكوثر احتوت نوعيا كل العربية.

 

4- يقسم أهل اللغة الجملة باعتبار بنيتها إلى قسمين: بسيطة ومركبة وقد يعتمدون اصطلاحا مغايرا- قريبا وليس مرادفا- فيقولون:جملة صغيرة وكبيرة. قال في المغني: الكبرى هي الاسمية التي خبرها جملة نحو" زيد قام أبوه" و"زيد أبوه قائم" والصغرى هي المبنية على المبتدأ كالجملة المخبر بها في المثالين.

 

ولك أن تعجب من سورة الكوثر فهي لم تقدم مثالا عن كل نوع فقط بل قدمت مثالا ثالثا لجملة تحتمل النوعين بحسب وجهة النظر:

 

- إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ:جملة مركبة أو كبرى ف أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ جملة صغيرة في محل رفع خبر للجملة الأصلية.

 

- فَصَلِّ لِرَبِّكَ.جملة تامة صغيرة فيها إسناد واحد.

 

أما جملة: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ..... فهي من المرونة بحيث تضعها حيث شئت: فلو اعتبرت "هو" ضمير فصل و"الأبتر" خبرا عن الشانئ فالجملة بسيطة لا محالة. ولو اعتبرت "هو" مبتدأ و"الأبتر" خبره ومجموعهما خبرا للشانئ فالجملة كبرى ضرورة. فلله در هذه السورة.

 

الضمائر في سورة الكوثر:

 

استوعبت سورة الكوثر كل أنواع الضمير في اللغة العربية دون أن تغفل الأحوال الإعرابية المختلفة وهذا من العجب العجاب لأننا نضع نصب أعيننا دائما أن عدد مفرداتها لا تتجاوز عدد أصابع الإنسان، وتفصيله:

 

1- الضمائر بارزة ومستترة:

 

فمن بارز الضمائر في السورة ما ظهر في فعل "أعطيناك".

 

ومن مستترة ما كمن في فعل "صل "أو" انحر".

 

2- الضمائر متصلة ومنفصلة:

 

ولك في جملة "أعطيناك" مثال على المتصل من الضمائر.

 

ولك في جملة هو الأبتر مثال آخر على الضمير المنفصل.

 

3- الضمائر في إحالتها على عناصر الخطاب تنقسم إلى ضمائر المتكلم والمخاطب والغائب.

 

ولا تحتاج إلى غير سورة الكوثر للتمثيل:

 

-فضمير المتكلم حاضر في" أعطينا".

 

-وضمير المخاطب في" أعطيناك" و"ربك" و"شانئك" صريحا، و في"صل" و"انحر"مقدرا.

 

-وضمير الغائب في "هو" صريحا وفي شانئ مقدرا، فتأمل هذه التناسبات اللطيفة.

 

4- باعتبار مقولة العدد:

 

جاء في السورة ضمير المفرد وضمير الجماعة. وقد اجتمعا في كلمة "أعطيناك".

 

استطراد آخر- قد يكون مفيدا-:

 

قد يقال إن مقولة العدد في اللسان العربي ذات تمفصل ثلاثي وليس ثنائيا.. فأين ضمير المثنى في سورة الكوثر؟

 

جوابه من وجهين:

 

- ليس من شرطنا أن تحتوي السورة على كل أبواب النحو لتحصل المعجزة - فمقولة التأنيث مثلا لا حضور لها في السورة - بل يكفي أن تتعدد الأنواع والتقاسيم بصورة غير عادية، وما ذكرناه كاف إن شاء الله.

 

- "المثنى" في اللغة العربية باب قلق لا ينضبط... وكثيرا ما يعبر العرب بصيغة الجمع عنه، فيكون الجمع بديلا عن المثنى كما في كثير من اللغات الحالية.

 

وفي القرآن المبين أمثلة كثيرة منها:

 

- {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (4) سورة التحريم. صدر الآية مثنى وليس كذلك عجزها.

 

- {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ } (19) سورة الحـج. رجع ضمير الجمع على مثنى.

 

- {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا } (38) سورة المائدة. حصلت المطابقة في المضاف إليه وما هي بحاصلة في المضاف.

 

- {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } (9) سورة الحجرات. حصلت المطابقة في "بينهما" لكن بعد أن قال "اقتتلوا".

 

{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (11) سورة فصلت. فالحال صيغة جمع وصاحبها مثنى.....

 

خلاصة القاعدة أنك إذا عبرت عن المثنى بصيغة الجمع فتعبيرك صحيح.

 

5- الضمائر باعتبار محلها من الإعراب:

 

جاءت الضمائر في السورة متنوعة بحسب المحل الإعرابي:

 

- ضمير في محل رفع: (أعطيناك) الضمير الأول فيها فاعل مرفوع.

 

- ضمير في محل نصب: (أعطيناك) الضمير الثاني فيها مفعول به منصوب.

 

- ضمير في محل جر: (ربك) الكاف فيها مضاف إليه مجرور.

ومن لطائف السورة في هذا السياق أن الكلمات الدالة على الرب عز وجل ثلاث هي:

 

- اسم إن.

 

- فاعل أعطى.

 

- الرب.

 

وجاءت على التوالي:

 

- منصوب

 

- مرفوع

 

- مجرور.

 

وعلى نفس الترتيب الإعرابي جاءت الكلمات التي تدل على الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

- "كاف" أعطيناك منصوبة

 

- "صل"الضمير المستتر مرفوع.

 

- "كاف" ربك مجرور.

الأفعال في السورة:

 

لم يأت في السورة من الأفعال إلا ثلاثة: "أعطى"-"صلى"-"نحر".

 

لكنها على قلتها مثلت من المقولات الصرفية والتركيبية عددا كبيرا:

 

1- الفعل الصحيح: نحر

 

2- الفعل المعتل: أعطى.

 

3- الفعل المضعف: صلى.

 

4- الفعل المجرد: نحر.

 

5- الفعل المزيد: أعطى.

 

6- الفعل اللازم: صلى.

 

7- الفعل المتعدي إلى مفعول واحد: نحر.

 

8- الفعل المتعدي إلى أكثر من مفعول: أعطى.

 

فلله درها من سورة.... والله أسال أن يعفو عما كان من خطأ أو تقصير...... وصلى الله على محمد صاحب الحوض والكوثر وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

 

 

عن صفحة:

رابط هذا التعليق
شارك

إنا أعطيناك الكوثر

 

يقول تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر)

ولنحاول مع أولى الكلمات وهى قوله تعالى: (إنا)

فهل يوجد فى لغة العرب قاطبة كلمة أخرى تحل محل هذه الكلمة وتقوم بكل ما قامت به من معانى بحيث إذا وضعت تلك مكان هذه لم يكن هناك ثمة فارق بينهما؟

على كل حال أنا سأفترض بعض كلمات، ومن كان عنده اقتراح لكمات لم أوردها ويظن أنها كذلك فلا مانع من مناقشتها.

- كلمة (إنّا) أصلها (إننا) فالنون مدغمة وهى مكونة من جزئين: (إنّ) التوكيدية القريبة من القسم، و (نا) الفاعلين

و(إنّ) مستقلة ذات قيم بلاغية متعددة:

1- تفيد حسن البدء بالكلام. فوجودها أبلغ وأفيد من حذفها.

2- هى للتوكيد وقريبة من القسم، بل من العلماء من عدها من أساليب القسم، وهى تفيد تأكيد ما بعدها.

3- أنها تفيد الوصل والفصل فى نفس الوقت، بمعنى أنها تفيد وصل ما بعدها بما قبلها، كما أنها تفيد فصل ما بعدها عما قبلها.

1- الوصل: مفيد فى وصل سورة الكوثر بالسورة التى تسبقها ألا وهى سورة الماعون التى قال ربنا فيها:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي

يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)

فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ

(5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)

 

فانظر إلى هذه المقابلة البلاغية الجميلة بين (الذين يمنعون الماعون) وبين (إنا أعطيناك الكوثر) والتقابل فى البلاغة يبرز المعنى ويقويه.

فشتان بين عطاء العبد وعطاء الرب.

كذلك المقابلة (التضاد) بين الذين يمنعون الماعون وبين قوله تعالى (انحر) والمقصود به ذبح الإبل وهى أفضل أموال العرب وأحسن أضاحيهم، والذى يعبر عن الكرم والجود.

ومن هنا يتضح جمال الربط والترتيب بين هاتين السورتين علاوة على أمور أخرى نذكرها لاحقاً إن شاء الله تعالى.

إذن هذا الحرف (إنّ) قد أفاد الوصل بشكل بليغ.

2- الفصل: بمعنى أن هذه السورة تصلح لأن تكون مستقلة بمعانيها عما سبقتها، وأنها متكاملة وأنها تصلح فى ذاتها أن تشكل قاعدة مستقلة بنفسها دون حاجة لغيرها.

مثلما تقول مثلاً: إنك رجل قوى. فهنا أنت تؤكد كما أنك تؤصل شيئاً مستقلاً بذاته، وتخبر عن معلومة لا تحتاج لإضافات أخرى.

======

(نا) وهى للمتكلم الجمع، وتأتى على لسان المفرد كذلك وفى هذه الحالة تفيد التعظيم، تعظيم مَن المتكلم؟ نعم فالله هو العظيم ولكن التعظيم هنا ليس لله فحسب ولكن للعطاء أيضاً. ذلك أن الأوصاف التى جاءت لنهر الكوثر وحوضه تبلغ من العظم الشئ الكثير فما بالنا برأى العين. وهذا يحتاج إلى المبالغة فى إبراز عظم هذا العطاء.

= كما أن (نا) تفيد شيئاً آخر، وهو أنه قد يكون القائم بالفعل متعددون، وليس واحداً، بمعنى أن الله قد أمر ملائكته بشق هذا النهر فى الجنة وحوضه فى ساحة العرض يوم القيامة. وتأتى (نا) هنا للدلالة على هذا الأمر، ولتبين أن خلق الكوثر لم يكن بقوله (كن) فيكون.

ذلك أن هناك من المخلوقات ما يخلقه الله بكن ومن المخلوقات من يخلقه الله بيده، ومن المخلوقات من يكلف الله غيره بشئ من هذا مثل أمر الله سبحانه لجبريل عليه السلام بنفخ الروح فى مريم ليكون عيسى عليه السلام.

والله ليس محتاجاً لأن يقوم أحد بهذا، ولكن هذا شرف لمن يؤمر، ناهيك عن شرف ما يخلقه الله بيده.

وبناءً على هذا يتبين لنا أفضلية (إنا) على (إننى) التى هى أقرب الكلمات التى من الممكن أن تؤدى المطلوب ولكنها لن تقوم بمثل ما قامت (إنا) به.

= ولاحظ معى مسألة تجويدية مهمة وهى عند التقاء (نا) مع حرف الهمزة فى كلمة (أعطيناك) فإنه يتولد ما يسمى بالمد المنفصل ومقداره يتراوح بين حركتين وأربع حركات وست حركات. حسب مستويات القراءة، فإذا انضم إليها حركة الهمزة فى (إنا) ثم حركتين للنون المشددة صار مجموع الحركات فيها تسع حركات، وهنا تصبح كلمة (إنا) الصغيرة فى التركيب هى أعظم وأكبر كلمات السورة، ولم لا أليست هى التى تشير إلى الله.

وهذا ما يسمى بالقيمة التعبيرية للكلمة. فالكلمة الطويلة ذات المقاطع المتعددة تختلف فى مغزاها عن تلك الكلمات الصغيرة ذات المقاطع القليلة،وهذا فى الغالب الأعم.

 

وشبيه بهذا كلمة (أعطيناك) فإنها تتكون من أربعة مقاطع صوتية هى (أعـْ - طَيـْ - نا - كـَ) فهى تفيد أيضاً عظم العطاء، كما أنها تحم جرساً جميلاً على الأذن ممايجعل النفوس تتعلق بالقرآن فلا تمله مع التكرار.

 

كذلك كلمة (الكوثر) التى تتكون من ثلاثة مقاطع صوتية هى: (الْـ - كَوْ - ثَر) فهى تفيد الكثرة معنى، كما تفيد الكثرة لفظاً.

 

ويتضح هذا أكثر عندما نتعرض لكلمتى (صلّ - انحر) فالأولى مقطع واحد والثانية مقطعين، فهما يدلان على القلة لفظاً ومعنى، وما فائدة هذا من ناحية المعنى؟

يفيد أن عطاء الله عظيم جداً، بينما التكاليف الشرعية من صلاة ونحر وغيرها فهى قليلة جداً جداً إذا ما قورنت بعطاء الله ونعمه!

= ومن مميزات كلمة (إنا) عن كلمة (إنى) أن الأولى تفيد الاستعلاء والارتفاع الصوتى عند النطق بها وهذا أجمل لفظاً ومعنى - فى هذا الموضع - وذلك عند الإشارة بـ (إنا) إلى الله العلى الأعلى سبحانه وتعالى.

أما عندما يقول ربنا (إننى أنا الله) فهذه أيضاً تناسب الموضع الذى جاءت فيه وليس (إنا) ذلك أن (إننى) جاءت فى إطار العقيدة والتوحيد فهذا أنسب لها، أما فى إطار الربوبية والعطاء فـ (إنا) هى الأنسب. فسبحان الذى أحكم كتابه.

= ومن مميزات (إنا) عن ما عداها من الكلمات:

1- أنها تبدأ بحرف الهمزة، ومعروف تجويدياً أن حرف الهمزة من حروف الحلق وهو حرف شديد بل هو أشد الحروف ويسمى من حروف الجهر، وهو يعطى دفعة قوية للكلمة. حتى أن بعض القراء يفضلون الوقت برهة قبل النطق بحرف الهمزة حتى يعطى النفس دفعة قوية،ليعطى الحرف حقه ومستحقه عند النطق به.

2- ثم أن استخدام حرفى نون مدغمتين يعطى الكلمة بهاءً وروعة ذلك أن حرف النون حرف (أغن) والغنة هى صوت جميل لذيذ يخرج من الخيشوم.

3- كما أن المد الناشئ من التقاء (إنا) مع حرف الهمزة فى (أعطيناك) فإنه عبارة عن دفعة هواء تخرج من الجوف وتستمر ستة حركات (6 ثوان) مما يؤدى إلى التفاعل بين المتكلم والكلام الخارج منه، وتوحى بالرهبة والعظمة وجمال اللفظ.

من هذا العرض السابق يتبين لنا ما ذكرناه سابقاً وهو أنه لو أزيلت كلمة (إنا) من سورة الكوثر ودارت عليها لغة العرب قاطبة لتأتى بأفضل منها أو مثلها لما وجد.

أرجو أن أكون قد بينت شيئاً من الإعجاز البلاغى فى كلمة (إنا) فهذا حدود علمنا وما عند الله أعظم (وما يعلم تأويله إلا الله).

وسأشرع إن شاء الله تعالى فى الحديث عن كلمة (أعطيناك).

أسأل الله التيسير.

عدد الكلمات المُشتقّة من الجذر (ك ث ر) في القرآن الكريم 167 كلمة في 51 سورة، ولكن عدد الاشتقاقات هو (10)... 5 أسماء و5 أفعال.

1. (فَعيل) اسم، مثل كثير، كثيراً، كثيرة.

2. (أفْعَل) اسم، مثل أكثركم، أكثرهم.

3. (فَعُلَ) فعل، مثل ((....مما قل منه أو كَثُرَ...)) النساء 7.

4. (فَعْلَه) اسم، مثل ((... ولو أعجبك كثرة الخبيث....)) المائدة 100.

5. (اسْتَفْعَلَ) فعل، مثل ((...يمعشر الجن قد استكثرتم من الإنس...)) الأنعام 128.

6. (فَعّلَ) فعل، مثل ((....إذ كنتم قليلاً فكثّركم...)) الأعراف 86.

7. (أَفْعَل) فعل، مثل ((قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا....)) هود 32.

8. (تفاعل) اسم، مثل ((ألهكم التكاثر)) التكاثر 1.

9. (يسْتَفْعِل) فعل، مثل ((ولا تمنن تستكثر)) المدثر 6.

10. (فوعل) اسم، الكوثر.

عدد الأحرف (غير مُكرّرة) في سورة الكوثر 17 حرف.

17×3 (عدد آيات سورة الكوثر أو ترتيب كلمة الكوثر في السورة)=51

51 هو عدد السور التي ورد بها كلمات من الجذر (ك ث ر).

"س و ر ة ا ل ك و ث ر" هي 10 أحرف...

البناء العشرى للسورة يتفق أيضا ويوم النحر العاشر من ذى الحجة

 

كل سورة من سور القرآن الكريم تعبر عن وحدة مستقلة بذاتها، ويكون فيها فكرة تقوم بتبليغها وتدور حولها. كما يكون لكل سورة علاقة بما قبلها وما بعدها من السور الموجودة فى المصحف الشريف.

وسورة الكوثر التى نحن بصدد دراستها لها موضوع تقوم بتبليغه ألا وهو الانتصار للنبي صلى الله عليه وسلم.

وهى سورة العطاء (إنا أعطيناك الكوثر) ولكن نلاحظ أنها ليست هى السورة الوحيدة التى كانت تتحدث عن هذا العطاء وتبشر به.

فقد ذكر الوعد بالعطاء فى سور أخرى منها سورة القلم حيث يقول تعالى: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)) [القلم]

ويقول أيضاً فى سورة الضحى: (وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)) [الضحى]

وفى سورة الكوثر يقول: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)) [الكوثر].

وإذا تدبرنا هذه الآيات الثلاثة وسورها نجد إشارات عالية جداً:

أولاً: ترتيب هذه السور فى المصحف هو نفس ترتيبها فى النزول: القلم ثم الضحى ثم الكوثر.

ثانياً: أن ترتيب العطاء فى السور الثلاثة يتوافق مع ترتيب السور.

ففى سورة القلم يقول ربنا: (وإن لك لأجراً غير ممنون) ثم فى سورة الضحى يقول: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) ثم فى سورة الكوثر يقول: (إنا أعطيناك الكوثر).

ولنسوق مثالاً من واقعنا لنفهم هذا الكلام.

عندما يقوم أحد الأغنياء باستعمال أو استئجار أحد العمال ليعمل عنده فإنه يقول له: سوف يكون لك (أجراً) كبيراً. وهذا يتشابه مع قوله تعالى: (وإن لك لأجراً غير ممنون) فالأجر هناك غير معرف.

وبعد أن يعمل عنده ويعجب صاحب العمل عمله، فتشجيعاً له يبشره بقوله: سوف أعطيك أجراً ترضى عنه وتقر به عينك. وهذا شبيه بقوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) وهنا أصبحت السورة أقرب للذهن عن هذا العطاء العظيم.

وبعد أن يفرغ من العمل الذى أداه على أكمل وجه يقول له سيده: إليك الأجر الذى وعدتك به ها هو. وهذا شبيه بقوله تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر) حيث تصبح عملية العطاء رأى عين ومشاهدة.

ونلاحظ ملمحاً مهماً هنا وهو أن القرآن الكريم كان ينزل مفرقاً على مدار ثلاثة وعشرين عاماً فى مناسبات عدة وأحداث متفرقة، ولكنه عندما جمع بعدما اكتمل نزول الوحى أصبح يمثل هذه التكاملية العجيبة والجميلة والمعجزة. بل أصبح يعبر عن منظومة معرفية متكاملة ومتوافقة ومنسجمة.

===========

ونظرة أخرى لهذه السور التى نتحدث عنها: القلم - الضحى - الكوثر. سنجد إشارات جميلة جداً تتعلق بموضوع هذه السورة (الكوثر) ألا وهو الانتصار للنبى صلى الله عليه وسلم.

1- سورة القلم مكونة من (52) آية.

2- سورة الضحى مكونة من (11) آية.

3- سورة الكوثر (3) آيات.

ولنتأمل مجموع آيات سورة القلم وسورة الضحى: 52 + 11 = 63 عاماً

وكأن المعنى المراد الإشارة إليه هو أن الله لن يعطى النبى هذه العطية ألا وهى نهر الكوثر إلا بعد انقضاء أجل النبى والذى بلغه بعد ثلاث وستين سنة. فجاءت سورة الكوثر بعد هاتين الآيتين البالغ مجموع آياتهما = 63 آية. فتأمل.

كما أن رقم (3) وهو عدد آيات سورة الكوثر، يعبر عن أمور تتعلق بحياة النبى صلى الله عليه وسلم.

منها أنها قد تمثل ثلاث مراحل: الأولى حياته قبل البعثة وحياته بعد البعثة فى مكة ثم حياته بعد الهجرة فى المدينة.

كما يمكن أن تشير إلى: مرحلة العبودية (أى قبل البعثة)، ومرحلة النبوة (منذ نزول سورة اقرأ وحتى نزول سورة المدثر)، ومرحلة الرسالة (من أول نزول سورة المدثر ثم بداية الرسالة).

والله أعلم.

 

عن صفحة:

رابط هذا التعليق
شارك

إنا أعطيناك الكوثر

 

مناسبة عجيبة بين سورة الكوثر وسورة الماعون

لنكتب السورتين أمامكم

 

 

سورة الماعون

((أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ اليَتِيمَ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ))

 

 

سورة الكوثر

((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ)) وهما متلاحقتان في المصحف -- ولا بد أن يعلم أن ترتيب السور توقيفي

 

وردت صفات للمكذبين في الدين في سورة الماعون وفي الكوثر أمور تعاكسها

 

# في سورة الماعون صفة البخل(وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ)(وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ) أي العطاء وقال أبو عبيدة: الماعون في الجاهلية العطاء والمنفعة

وفي سورة الكوثر صفة العطاء (وَانْحَرْ) والمراد التصدق بلحوم الأضاحي

 

# في سورة الماعون صفة ترك الصلاة (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) وفي سورة الكوثر الأمر بالصلاة (فَصَلِّ لِرَبِّكَ)

 

# في سورة الماعون صفة الرياء (الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ)) وفي سورة الكوثر عكسها في كون الصلاة خالصة لله (لِرَبِّكَ)

 

وهناك تناسب لطيف ذكره البقاعي في تفسيره بين نهاية سورة الماعون وبداية سورة الكوثر كعادته في إجراء تناسب بين السور فقال:

(وكانت الدين قد ختمت بأبخل البخلاء وأدنى الخلائق: المنع تنفيراً من البخل ومما جره من التكذيب، فابتدئت الكوثر بأجود الجود. العطاء لأشرف الخلائق ترغيباً فيه وندباً إليه، فكان كأنه قيل: أنت يا خير الخلق غير متلبس بشيء مما نهت عنه تلك المختتمة بمنع الماعون)

قال الإمام الزمخشري متكلما على اعجاز سورة الكوثر:

وأنا اضرب لك سورة الكوثر ـ وهي أقصر السور ـ مثالا أنصبه بين يديك، وأجعله نصب عينيك، فأنت أكيس الاكياس، ومعك نهية كشعلة المقباس، وتكفيك الرمزة وإن كانت خفية، والتنبيهة وإن كانت غير جلية، فكيف إذا ذللت بأنور من وضح الفلق، وأشهر من شية الابلق.

 

أقول وبالله التوفيق: ورد على رسول الله صلى الله عليه وآله عن عدو الله العاص بن وائل ما يهدم مقاله، ويهزم محاله، وينفس عن رسوله، وينيله نهاية سؤله، فأوحى إليه سورة على صفة إيجاز واختصار، وذلك ثلاث آيات قصار، جمع فيها مالم يكن ليجتمع لاحد من فرسان الكلام، الذين يخطمونه بالخطام ويقودونه بالزمام، كسحبان وابن عجلان، وأضرابهما من الخطباء المصاقع والبلغاء البواقع الذين تفسحت في هذا الباب خطاهم، وتنفس في ميادينه مداهم.

 

انظر إلى العليم الحكيم كيف حذا ثلاث الآيات على عدد المسليات، من إجلال محل رسول الله وإعلاء كعبه؛ وإعطائه أقصى ما يؤمله عند ربه، ومن الايعاز إليه أن يقبل على شأنه من أداء العبادة بالاخلاص، وأن لا يحفل بما ورد عليه من ناحية العاص، ولا يحيد عن التفويض إليه محيدا، فلا يذره وائبا وحيدا، ومن الغضب له بما فيه مسلاته من الكرب، من إلصاق عار البتر بالكلب، والاشعار بأن كان عدو الله بورا، ولم يكن إلا هو صنبورا.

ثم انظر كيف نظمت النظم الانيق، ورتبت الترتيب الرشيق، حيث قدم منها ما يدفع الدعوى ويرفعها، وما يقطع الشبهة ويقلعها، ثم لما يجب أن يكون عنه مسببا، وعليه مترتبا، ثم ما هو تتمة الغرض من وقوع العدو في مغواته التي حفر، وصليه بحر ناره التي سعر، ومن الشهادة على إلصاقه بالسليم عيبه، وتوريكه على البريء ذنبه.

 

وتأمل كيف أن من اسند إليه إسداء هذه العطية، وإيتاه هذه الموهبة السنية، هو ملك السماوات والارض، ومالك البسط والقبض، وكيف وسع العطية وكثرها، وأسبغها ووفرها، فدل بذلك على عظم طرفي المعطى، وعلى جلال جنبي المسدي والمسدى، وقد علم أنه إذا كان المعطي كبيرا، كان العطاء كثيرا، فيالها من نعمة مدلول على كمالها، مشهود بجلالها.

وأراد بالكوثر أولاده إلى يوم القيامة من امته، جاء في قراءة عبد الله: « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أبوهم وأزواجه امهاتهم » وما أعطاه الله في الدارين من مزايا الاثرة ولتقديم في الدارين من مزايا الاثرة والتقديم، ووضع في يديه من نواصي التفضيل والتكريم، والثواب الذي لم يعرف إلا هو كنهه، ولم يعط إلا الملك شبهه، ومن جملة الكوثر ما اختصه به من النهر الذي حاله المسك، ورضراضه التوم، وعلى حافاته من أواني الذهب والفضة ما لا يعاده النجوم.

 

ثم تبصر كيف نكت في كل شيء تنكيتا، يترك المنطيق سكيتا، حيث بنى الفعل على المبتدأ فدل على الخصوصية، وجمع ضمير المتكلم فأذن بعظم الربوبية، وصدر الجملة المؤخرة على المخاطب أعظم القسم، بحرف التأكيد الجاري مجرى القسم، ما ورد الفعل بالفظ الماضي، على أن الكوثر لم يتناول عطاء العاجلة دون عطاء الآجلة، دلالة على أن المتوقع من سيب الكريم في حكم الواقع، والمترقب من نعمائه بمنزلة الثابت النافع. وجاء بالكوثر محذوف الموصوف، لان المثبت ليس فيه ما في المحذوف من فرط الابهام والشياع، والتناول على طريق الاتساع، واختار الصفة المؤذنة بافراط الكثرة، المترجمة عن المعطيات الدثرة، ثم بهذه الصفة مصدرة باللام المعرفة، لتكون لما يوصف بها شاملة، وفي إعطاء معنى الكثرة كاملة.

وعقب ذلك بفاء التعقيب، مستعارة لمعنى التسبيب، يشتقها معنيان، صح تسبيب الانعام بالعطاء الاكثر، للقيام بما يضاهيه من الشكر الاوفر، وتسليمه لترك المبالاة بقول ابن وائل، وامتثال قول الله عز من قائل، وقصد باللامين التعريف بدين العاص وأشباهه، ممن كانت عبادته ونحره لغير إلهه، وتثبيت قدمي رسول الله على صراطه المستقيم، وإخلاصه العبادة لوجهه الكريم، وأشار بهاتين العبادتين إلى نوعي العبادات، وصنفي الطاعات، أعني الاعمال البدنية التي الصلاة إمامها، والمالية التي نحر البدن سنامها، ونبه على ما لرسول الله من الاختصاص بالصلاة التي جعلت لعينه قرة وبنحر البدن التي كانت همته بها المشمخرة.

 

روينا بالاسناد الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة فيها جمل لابي جهل في أنفه برة من ذهب. وحذف اللام الاخرى لدلالته عليها بالاولى، مع مراعاة حق التسجيع، الذي هو من جملة صنعة البديع، إذا ساقه قائله مساقا مطبوعا، ولم يكن متكلفا أو مصنوعا، كما ترى اسجاع القرآن وبعدها عن التعسف، وبراءتها من التكلف.

وقال: « لربك »، وفيه حسنان، وروده على طريقة الالتفات التي هي ام من الامهات، وصرف الكلام عن لفظ المضمر إلى لفظ المظهر، وفيه إظهار لكبرياء شأنه، وانافة لعزة سلطانه، ومنه أخذ الخلفاء قولهم: يأمرك أمير المؤمنين بالسمع والطاعة، وينهاك أمير المؤمنين عن مخالفة الجماعة.

وعن عمر بن الخطاب (رض) أنه حين خطب الازدية أتى أهلها فقال لهم: خطب إليكم سيد شباب قريش مروان بن الحكم، وسيد أهل المشرق حسن بن بجيلة ويخطب إليكم أمير المؤمنين ـ عنى نفسه ـ.

وعلم بهذه الصفة أن من حق العبادة أن يخص بها العباد ربهم ومالكهم، ومن يتولى معايشهم ومهالكم، وعرض بخطأ من سفه نفسه ونقض قضية لبه، وعبد مربوبا وترك عبادة ربه.

 

وقال: « إن شانئك » فعلل الامر بالاقبال على شانه، وقلة الاحتفال بشنآنه، على سبيل الاستئناف، الذي هو جنس حسن الموقع رائعه، وقد كثرت في التنزيل مواقعه، ويتجه أن يجعلها جملة للاعتراض، مرسلة إرسال الحكمة لخاتمة الاغراض، كقوله تعالى: « إن خير من استأجرت القوي الامين ».

 

وعنى بالشانئ السهمي المرمي بسهمه، وإنما ذكره بصفته لاباسمه، ليتناول كل من كان في مثال حاله، من كيده بدين الحق ومحاله، وفيه أنه لم يتوجه بقلبه إلى الصدق، ولم يقصد به الافصاح عن الحق، ولم ينطق إلا عن الشنآن الذي هو توأم البغي والحسد، وعن البغضاء التي هي نتيجة الغيظ والحرد، وكذلك وسمه بما ينبئ عن المقت الاشد، ويدل على حنق الخصم الالد، وعرف الخبر ليتم له البتر، كأنه الجمهور الذي يقال له الصنبور، وأقحم الفصل لبيان أنه المعين لهذه النقيصة، وأنه المشخص لهذه الغميصة، وذلك كله مع علو مطلعها، وتمام مقطعها، ومجاوبة عجزها لهاديتها، وسبيبها لناصيتها، واتصافها بما هو طراز الامر كله من مجيئها، مع كونها مشحونة بالنكت الجلائل، مكتنزة بالمحاسن غير القلائل، خالية من تصنع من يتناول التنكيت، وتعمل من يتعاطى بمحاجته التبكيت، وكأنها كلام من يرمي به على عواهنه، ولا يتعمد إلى إبلاغ نكته ومحاسنه، ولا يلقاك ذلك إلا في كلام رب العالمين، ومدبر الكلام والمتكلمين، فسبحان من لو أنزل هذه الواحدة وحدها، ولم ينزل ما قبلها وما بعدها، لكفى بها آية تغمر الاذهان، ومعجزة توجب الاذعان، فكيف بما أنزل من السبع الطوال، وما وراءها إلى المفصل، والمفصل، يالها من معجزة كم معجزات في طيها، عند كل ثلاث آيات تقر الالسن بعيها، لو أراد الثقلان تسلية المغيظ المحنق؛ لاخذت من أفاصحهم بالمخنق، إن هموا بإنشاء سورة توازيها، وثلاث آيات تدانيها. هيهات قبل ذلك يشيب الغراب، ويسيب الماء كالسراب.

 

 

عن صفحة:

تم تعديل بواسطه عبد الله العقابي
رابط هذا التعليق
شارك

مقتطف من بحث "عجائب القرآن في النحو والبيان"- عن منتدى أهل الحديث

 

بسم الله الرحمن الرحيم

{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) }

 

سورة الكوثر أقصر سورة في القرآن الكريم، وقد تحدى الله العرب وهم أهل البلاغة والفصاحة أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو حتى بسورة من مثله قال الله تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } يونس 38

نعم كان التحدي من الله ولا زال، للإنس والجن، فتعالوا نتبصر في سورة الكوثر وندقق النظر فيها، ولتدبرها كما أمر الله.

إن في هذه السورة من المعاني البديعة والفصاحة التي تسدّ بها عن معارضته الذريعة، وفيها من الألفاظ البديعة الرائقة التي اقتضت بها أن تكون مبهجة، والمعاني المنيعة الفائقة التي اقتضت بها أن تكون معجزة. وفيها واحد وعشرون موقعا دل كل الدلالة على إعجازها وهي مقسمة كما يلي:

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1): ثمانية فوائد.

فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2): ثمانية فوائد.

إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3): خمسة فوائد.

أما الثمانية الأولى في قوله: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1):

1) إن قوله: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ؛ دلَّ على عطيةٍ كثيرة مُسندة إلى مُعطٍ كبير، ومن كان كذلك كانت النعمة عظيمة عنده، وأراد بالكوثر الخير الكثير، ومن ذلك الخير الكثير ينال أولاده إلى يوم القيامة من أمته. جاء في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه _ النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وهو أب لهم وأزواجه امهاتهم _ "" ونص الآية في حفص: { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } "".

ومن الخير الذي وعد به ما أعطاه الله في الدارين من مزايا التعظيم والتقديم والثواب ما لم يعرفه إلا الله. وقيل أن الكوثر ما اختص به من النهر الذي ماؤه أحلى من كل شيء وعلى حافاته أواني الذهب والفضة كالنجوم أو كعدد النجوم.

2) أنه جمع ضمير المتكلم وهو يُشعر بعظم الربوبية "" يعني قال: إنَّا ولم يقل أنَا.

3) أنه بنى الفعل على المبتدأ فدل على خصوصية، بناء على التقديم تبعا للأهمية "" يعني جعل الفعل أعطيناك خبراً لمبتدأ هو إنَّا.

4) أنه صدَّر الجملة بحرف التوكيد الجاري مجرى القسم، وهو إنَّـ ـا.

5) أنه أورد الفعل بلفظ الماضي دلالة على أن الكوثر لم يتناول عطاء العاجلة دون عطاء الآجلة. ودلالة على أن المتوقع من سيب الكريم في حكم الواقع.

و السَّيْبُ: العَطاءُ، والعُرْفُ، والنافِلةُ. وفي حديث الاستسقاءِ: واجْعَلْه سَيْباً نافِعاً أَي عَطاءً، ويجوز أَن يريد مَطَراً سائباً أَي جارياً.

6) جاء بالكوثر محذوف الموصوف.لأن المثبت ليس فيه ما في من المحذوف من فرط الإيهام والشياع والتناول عن طريق الاتساع.

7) اختيار الصفة المؤذنة بالكثرة " وهي الكوثر ".

أتى بهذه الصفة مُصدرة باللام المعروف بالاستغراق لتكون لما يوصف بها شاملة، وفي إعطاء معنى الكثرة كاملة.

************************************

أما الثمانية في قوله: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2):

1) فاء التعقيب ها هنا مستفادة من معنى التسبب لمعنيين؛ أحدهما، جعل الأنعام الكثيرة سببا للقيام بشكر المنعم وعبادته.

2) والثانية، جَعْلهُ لترك المبالاة بقول العدو فإن سبب نزول هذه السورة أن العاص بن وائل قال ان محمدا صنبور _ والصنبور _ الذي لا عقب له، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى السورة.

3) قصده بالأمر التعريض بذكر العاص وأشباهه ممن كانت عبادته ونحره لغير الله، وتثبيت قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصراط المستقيم وإخلاصه العبادة لوجهه الكريم.

4) أشار بهاتين العبادتين إلى نوعي العبادات، اعني الأعمال البدنية التي الصلاة قوامها، والمالية التي نحر الإبل سنامها للتنبيه على ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الاختصاص في الصلاة التي جُعلت فيها قرة عينه ونحر الإبل التي همته فيه قوية

5) حذف اللام الأُخرى لدلالة الأولى عليها.

6) مراعاة حق السجع الذي هو من جملة صنعة البديع إذا ساقه قائله مساقا مطبوعا ولم يكن متكلفا.

7) قوله: لربك. فيه حُسنان؛ وروده على طريق الالتفات التي هي امٌ من الأُمهات. وصرف الكلام عن لفظ المضمر إلى لفظ المُظهر، وفيه إظهار لكبرياء شأنه وإثباته لعز سلطانه، ومنه أخذ الخلفاء فمثلا يقولون يأمرك أمير المؤمنين بكذا، وعن عمر رضي الله عنه حين خطب الأزدية إلى أهلها فقال: إليكم سيد قريش مروان بن الحكم).

8) علَّم بهذا أن من حقوق الله تبارك وتعالى التي تعبد العباد بها أنه ربهم ومالكهم وعرّض بترك التماس العطاء من عبد مربوب ترك عبادة ربه.

*******************************************

أما الخمسة في قوله: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3):

1) أنه علل الأمر بالإقبال على شأنه وترك الاحتفال يشانيه (بشانئه) على سبيل الإستئناف الذي هو حسنٌ حُسنُ الموقع، وقد كثرت في التنزيل مواقعه.

2) ويتجه أن نجعلها جملة الإعتراض مرسلة ارسال الحكمة الخاتمة الأغراض؛ كقوله تعالى: (إن خير من استأجرت القوي الأمين) وعنى بالشانئ العاص بن وائل.

3) إنما لم يسمه باسمه ليتناول كل من كان في حاله.

4) صدّر الجملة بحرف التوكيد الجاري مجرى القسم، وعبر عنه بالاسم الذي فيه دلالة على أنه لم يتوجه بقلبه إلى الصدق ولم يقصد بلسانه الإفصاح عن الحق بل نطق بالشنآن الذي هو قرين البغي والحسد وعين البغضاء والحرد، ولذلك وسمه بما ينبئ عن الحقد.

5) جعل الخبر معرفة وهو الأبتر والشانئ حتى كأنه الجمهور الذي يقال له الصنبور.

 

وأضيف الى اضافاتك ،أمرا، وهو ان الله تعالى لم يعط لنبيه الكريم الكوثر فقط ، بل اعطاه مناسبة لأعظم عبادة،هي عبادة الشكر ، تلك العبادة التي قل من قام بها،"وقليل من عبادي الشكور"والسر كامن فى اعتماد صيغة الماضي فى قوله "اعطيناك" ، وربط ذلك بالفاء،"فصل"، فكأن المعنى:ان العطاء تم، فاشكر ربك، وهذا المعنى قد يختفي لو قال:".سأعطيك الكوثر.....فصل..."لأن العبادة حينئذ قد تنزل من مقام الشكر الى مقام السؤال والطمع ،

فالعدول عن المستقبل الى الماضي للتحقيق والتثبيت . ولك ان تلاحظ ان صيغة (فوعل) من الكثرة، وهو المفرط في الكثرة ،كما قال الزمخشري وتابعه على ذلك خلق...

فيحصل تأكيدان: تأكيد بصيغة المضي كما تفضلت ، وتأكيد بوزن (فوعل)

 

وفى المقابل ذكر الشانيء بوصفه (هو الابتر) وهنا ايضا تأكيدان او تخصيصان، بضمير الفصل(هو) وباللام

فللرسول صلى الله عليه وسلم ، المبالغة فى العطاء ، ولعدوه المبالغة فى النقص

 

إستخدام (إنا) المشددة التي تفيد التوكيد أيضا

 

ضمير التفخيم (نحن)..

(أعطيناك)

 

اجتمع فى الآية اربع مؤكدات

 

سورة الكوثر قد احتوت فعلين متعديين (انحر) (صل) وحذف المفعول به في كل وذلك لإفادة التعميم، فالأضاحي متعددة والصلوات متعددة،

 

وألا ترون أن لفظة((الأبتر)) قد احتوت من الحذف ما لايسع المجال لذكره.

 

فلم يذكر الجانب الذي وقع عليه البتر،أهو مادي أو معنوي؟

ولم تحدد الفترة الزمنية هل في الدنيا، في الآخرة؟

 

كل هذا يدل على عموم البتر، دون تحديد. وهذا يدل على المصير السيء الذي سيؤول إليه مبغض رسول الله في كل جوانب حياته.

 

ينظر ايضا الى التقابل بين العبادتين على اكثر من وجه:

"صل"عبادة بدنية...

"انحر "عبادة مالية...

الصلاة للرب...

والنحر للناس...

الصلاة فعل تعبدي لازم...

النحر فعل تعبدي متعدي...

وتجتمع العبادتان فى معنى الافضلية...

فالصلاة افضل العبادات...

والنحر لا يكون الا للابل وهي افضل اموالهم...

 

س: لماذا رقم عشرة بصفة خاصة؟

ج: عند العرب وفى علم مصطلح الحديث رقم عشرة هو أول جموع الكثرة، وهو أول حد المتواتر، فما دونه آحاد أو مشهور، بينما عشرة فما فوق فهو يعبر عن الكثرة والتواتر.

وكأن الله سبحانه قد أنزل علينا سورة واحدة قصيرة ولكنها مكتملة العناصر والأركان وهى بمفردها كثيرة وتعبر عن الكثرة.

 

 

عن صفحة:

تم تعديل بواسطه عبد الله العقابي
رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...