وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا- خالد زروان

[أبو تراب]

لقد امتلأت النت بالفيديوهات والبيانات والمقالات التي تدعو إلى وقف القتال والصلح. وما نلاحظه في أغلبها إن لم نقل جميعها هو أن هذه المواد خالية من أي تأصيل شرعي يبدأ بتشخيص الواقع والأحداث. لا تعرض أي تشخيص للأحداث وأسبابها وإن تعرضت لها فإنها تتعرض إلى نتائج لأسباب ولم تتناول أبداً الأسباب (تتناول قتل المجاهدين ولا تتناول سبب ذلك ودوافع فعله لدى من قام به …) ومع ذلك تطلب وقف القتال والصلح وتلح فيه. وهو ما يجعلها مواد مشاعرية لا تقدم أي معالجة لأسباب الإقتتال، أقصى ما تفعله هو إثارة عواطف ومشاعر من يسمعها لبرهة ثم يتلاشى مفعولها ما إن يصطدم بحقيقة المشكل الجاثم أمامه. ونحن إذ نثمن شعور وسعي أي صادق يسعى في حفظ دماء المسلمين وإصلاح ذات بينهم خصوصاً أمام عدو ماكر متمثل في أنظمة العالم أجمع والنظام العالمي برمته، ولكننا نرى أن جميع هذه الدعوات لا أثر لها وإن حدث أن نزل على احداها المقتتلون، فإنها سوف لن تكون إلا مسكناً مؤقتاً ما لم يتم التطرق إلى أصل المشكل وإستئصاله من جذوره بالكامل.

كذلك وجب أن ننوه بصفة عامة إلى النقاط التالية:

1- باب المبادرات ودعوات الصلح، انما هو باب لتدخل شيوخ المخابرات الذين يدعون الجهاد حتى يكتسبوا ثقة ومكانة من خلال اظهار حرصهم على مصلحة الجهاد وذلك بهدف اقتعاد مراكز الفتوى والتزكيات وربما صدارة المرجعيات للألوية والجبهات. وهذا أخطر ما يمكن أن ينتهي إليه هذا الحال! ونقول أن كل من ادعى جهاداً في الشام أو دعماً له ولم يسبق له أن تبرأ من آل سعود وآل الصباح وآل موزة وآل النهبان وأنظمة الضرار التي تحكم بغير ما أنزل الله، هذا إن لم يكن يعتبرهم أولياء أمر،… فإنه متهم في دينه ومجروح العدالة ولا يصح أن يسمع منه حرف، حتى يتبرأ منهم ويوالي الله ورسوله والمؤمنين. ثم ليبك على نفسه لا أن يتصدر للمبادرات والفتوى والصلح. واللائمة تقع على من يسمع له لقلة نباهته وليس عليه لمكره.

2- أغلب هذه الفيديوهات تعتبر أن القتال الحاصل هو قتال فتنة. وهذا تشخيص مغالط لا واقع له، بل وإنه تشخيص يزيد الطين بلة بتركيز أسباب الإقتتال الحاصل. وهذا مرده إلى إسقاط معنى فتنة على الإقتتال الحاصل. والمعلوم أن الفتنة هي في مجانبة حكم الله حتى وإن توقف الإقتتال.

3- القتال في حد ذاته ليس على اطلاقه مذموماً وإن كان بين المؤمنين. بل وإن الله تعالى قد أمر به في طريق التمشي لوقف أي اقتتال بين طائفتين من المؤمنين. ذلك لأن المعتبر هو إعلاء حكم الله على الجميع ولأن الفتنة هي في تمادي عدم الفيء إلى أمر الله وليست في القتال.

4- تمشي وقف أي قتال بين المؤمنين ملخص في آية:

{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ

أ- فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا

ب- فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ

ت- فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ} الحجرات 9

5- ما يجب أن يقف بجانبه كل صادق، ليس ما تميل إليه مشاعره وإنما هو أمر الله وحكمه {…وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}. من منا يرغب في قتال بين إخوة مؤمنين؟ ولكن إن كان الأمر هو كما أمر الله فإن لنا فيه حتماً فلاحنا {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ}.

التشخيص:

إن السبب الظاهر البين الذي لا يغيب عن كل متابع في كل ما يحصل في الشام يمكن تلخيصه في كلمة: التسلط.

فهي فكرة حملها البغدادي ويسعى في فرضها. البغدادي نصب نفسه أمير عامة على أهل الشام. وأتباعه يسعون في فرض سلطته على بقية الجماعات المجاهدة. فنتج عنها سلوكات وأعمال ليست هي سبب ما يحصل اليوم وإنما هي نتيجة لفكرة التسلط.

فالاقتتال الحاصل اليوم جاء بعد أعمال قتل وخطف وإعتقال من جماعة البغدادي ورد فعل محدود من المستهدفين. وفي كل مرة لا تستجيب جماعة البغدادي لإقامة محاكم مستقلة عنها، بل تريد حصراً التحاكم إلى محاكم تنشئها جماعة البغدادي، وهو مظهر آخر من مظاهر التسلط. وبعد تكرار الحوادث على المجاهدين وتكرار جماعة البغدادي عدم الإذعان إلى قضاء مستقل عنها وعن أي جماعة، إستشعر المجاهدون الغبن والخطر الذي يمثله هذا السلوك عليهم ناهيك وأن جماعة البغدادي في ظهورهم في المناطق المحررة. وفي كل حادثة تبرز مبادرات الإصلاح وإقامة محاكم مستقلة ولكنها تلاقي الصد والرفض من جماعة البغدادي. فإلى هذا الحد كان التمشي سليماً حسب الآية أعلى. والمطلوب أولاً هو الإصلاح في هذه الحوادث وإقامة قضاء عادل تخضع له جماعة البغدادي. ولكن ما الحل إن رفضت جماعة البغدادي أي إصلاح أو أي نزول عند حكم الله تقضي به محكمة مستقلة عن أي جماعة؟! ما الحل وقد انتصبت جماعة البغدادي في ظهور المجاهدين تضرب بتسلطها على المسلمين، إسلامية الثورة وحاضنتها وتفتك بمن تعتقله؟ ويتعمدون الإساءة للسكان بحجة ضرب “صنم” الحاضنة؟!!! هذه العقليات هي أخطر على الإسلام من العدو البين نفسه. معالجتها أكيداً إن لم يتعدى الأمر إلى التسلط بالسلاح يكون بالتوعية والتفقه في ألدين ولكن ما الحل وقد استقووا على المسلمين بالسلاح وتسلطوا عليهم وكفروا من أرادوا تكفيره لقتله … نتاجاً لهذا الفكر المتنطع؟!!! حتى من كان معهم في نفس الجماعة عندما إنتقل إلى جبهة النصرة حكموا عليه بالردة ولا يعلم مصيره؟!! الولاء والبراء لديهم مبني على الولاء للبغدادي وليس لله والبراء من الدنيا مسلمها وكافرها وليس من الكفر.

الحل:

الحل مكتوب أسود على أبيض في الآية أعلى: “فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ”. وأمر الله هو أن تعود جماعة البغدادي عن تسلطها على بقية المجاهدين وأن يخضع مجاهدوها كأي مجاهد إلى محاكم مستقلة عن أي جماعة.

واجب كل جماعة مجاهدة وكل مسلم:

واجب كل جماعة مجاهدة وكل مسلم داعية عالماً كان أو عامياً هو أن ينتصر لحكم الله وألا يكون كالدرويش. لم يأمرنا الله بمنكر عندما طلب منا أن نكون جميعاً على الظالم ننصره ولو بالقتال لإرجاعه إلى جادة الصواب ويفيء إلى أمر الله. نعم دماء المؤمنين حرام ولكن من يسخر نفسه للظلم والبغي وعدم الإذعان لحكم الله، ناهيك عن الكارثة السياسية التي يلحقها بإسلامية الثورة، فهو محارب لحكم الله قبل محاربته للمسلمين، وواجب المسلمين جميعاً هو نصرته بإرجاعه عن غيه. هكذا يطمئن المسلمون لحكم الإسلام عندما يرون أن لا ظلم بعد اليوم ولو كان على حساب الدماء. والمصلحة هي في إعلاء شرع الله لا في كف الدماء، كما دلت على ذلك الآية بالأمر بالقتال بهدف إعلاء شرع الله على الباغي رغم وصف الله له بالمؤمن. ولو إتخذ الناس هذا الطريق السافر في عرض سبب المشكل وعرض حله، لما كابر المتسلطون ولا بقي لهم أمل في إمكانية مخادعة الأمة بأنهم يحاربون صحوات وهم يقتلون المجاهدين!

اخطار ومحاذير:

1- إن “التسلط” هو في تناسق تام مع الأجندة الغربية وكان دخوله ثم تصعيده متزامناً مع مفاصل في الأجندة الغربية: الدخول كان من أجل إثبات إرتباط جبهة النصرة بالقاعدة ليتم تصنيفها كجماعة ارهابية، وهو أول خنجر سياسي تطعن به ثورة الشام. والتصعيد كان قبل موعد جنيف 2 من أجل ضرب الموقف السياسي لإسلامية الثورة ومنح نقاط سياسية لبني علمان أعداء الله وفك قبضة المجاهدين على الأرض.

2- القتال من أجل أن تفيء الفئة الباغية لأمر الله، يتم استغلاله من طرف بني علمان أعداء الله وميليشياتهم في الداخل ومخابرات المنطقة من جهة، ومن طرف قيادة جماعة البغدادي ومخابرات المنطقة كذلك من جهة أخرى، من أجل إقامة محرقة للمجاهدين يتم استفراغ وإهدار طاقاتهم فيها … جهة تتهم جماعة البغدادي بالتسلط والتطرف عن ألدين وهذا صحيح، ولكنه كلام حق يراد به باطل، وجهة تتهم كل من يقاتل جماعة البغدادي هم صحوات، وهذا غير صحيح. ويصنف في هذا المضمار شيوخ المخابرات وأولهم العارعور. ولذلك ندعو بحرارة جماعة جيش الإسلام إلى التبرؤ من شيخ آل سعود حرصاً على نقاء وإخلاص عملهم لله. كما يصنف في هذا المضمار وسائل الإعلام وأولها العبرية والخنزيرة.

3- هناك ميليشيات قد تم تدريبها في الأردن عن طريق الأمريكان وهي تعد بعشرات الألوف وهي الآن تعمل سواءً في جماعات مستقلة تتمسح بالإسلام أو تحت قيادة المجالس العسكرية التابعة لهيئة انطاليا أو مجموعة رياض الأسعد، أو أنها اخترقت جماعات معروفة بسلامة دينها، أو حتى جماعة البغدادي نفسه، وهي التي تحاول إبعاد الطرفين عن تحكيم كتاب الله كما في الآية، لإطالة الإستنزاف وإبعاد القتال عن الهدف، ويغوونهم غواية الشيطان بإستصال الطرف الآخر. والمطلوب من المجاهدين الذين يسعون في إذعان الباغي البغدادي إلى أمر الله أن يتبرأوا منهم تبرؤاً علنياً مدوياً وإعلان الحرب على من يثبت لديهم عمله لصالح الإتلاف والأجندة الأمريكية “الإسرائيلية”. فهم العدو الأول والوجه الثاني لنظام السفاح بشار.

 

خالد زروان

[بصير]

جزى الله كاتب هذه الكلمات (خالدزروان)كل خير. انها كلمات تمثل قمة الوعي الشرعي و السياسي .علاوة على انها كتبت بموضوعيه و حياديه و اسست على تاصيل شرعي و اضح لا لبس و لا مهادنة فيها.