الاستاذ عثمان بخاش: متى تنتصر ثورة الشام

[خلافة راشدة]

عثمان بخاش

 

13 mins ·

متى تنتصر ثورة الشام

 

تتكاثر الأسئلة و تطير الظنون حول مجريات المعارك وسقوط مواقع في القصير والقلمون وجنوب دمشق ثم تتفاءل النفوس حين تسمع عن معركة الأنفال في الساحل او تقدم في ريف ادلب او حلب....وما بين هذا وذاك تتوارد الأخبار عن تواطؤ قيادات بعض الفصائل والكتائب مع الممولين الخليجيين او المخابرات التركية والاردنية سواء في فتح جبهة او السكوت عن سقوط جبهة....

وهذا كله يطرح التساؤل: هل تستطيع الثورة، بقواها المتشرذمة المتعددة بمن فيها الصادق والمخادع والتابع والمستقل، ان تسير في طريق الحسم للتخلص من الحكم الأمريكي في دمشق؟ ثم هل ستنجح قوى الثورة في اعادة صياغة المجتمع والدولة في مرحلة ما بعد سقوط النظام الأمريكي في دمشق؟ أم سيتكرر السيناريو الأفغاني الذي شهد الاقتتال الدامي بين الأخوة الألداء...حتى تمكن بعضهم من دحر طالبان ودخول كابل من على الدبابات الأمريكية؟؟

وهذا كله تساؤل مشروع مبني على الوقائع وليس على الأمنيات ولا التوهمات...

1- نقول بداية إن الثورة- أي ثورة- لا بد أن تبتديء في عالم الفكر قبل الواقع. فما الذي يدفع الناس إلى الثورة على نظام طاغوتي مجرم( سواء كان بعثيا نصيريا في سوريا أم نظام عسكريتاري كما في مصر وليبيا أو علماني أتاتوركي كما في تونس...)؟؟ والشعب الذي يريد إسقاط النظام ، ما هو النظام البديل الذي يسعى لاقامته على أنقاض النظام البائد؟ فكل من أنظمة البعث (بشقيه السوري والعراقي) والنظام الناصري( الذي استند إلى ثورة 23 يوليو، والتي كانت محض انقلاب عسكري وليس ثورة شعبية) ونظام القذافي ( الذي استمد شرعيته من ثورة الفاتح من سبتمبر كما زعم) وكذلك ثورة 26سبتمبر في اليمن، كل من اولئك استند إلى مشروعية ثورية مزعومة، تبين مع الأيام أنها صفحة أخرى من الحكم الجبري لا تقل بشاعة وقمعا واضطهادا من النظام البائد الذي اسقطته، ولا تقل خيانة للأمة وتبعية للغرب عن الحكم السابق ، سواء انتقل ولاء الحكام من عاصمة أوروبية إلى أخرى أمريكية( في مصر مثلا)، أم كان تجديدا للتبعية للعاصمة الاستعمارية نفسها(في ليبيا مثلا).

2- فلا بد من طرح مبدأ التغيير في عالم الفكر قبل الواقع: فالمعروف لدى القاصي والداني أن الغرب الصليبي قام بهدم الخلافة في 1342هـ/1924م على يد المجرم أتاتورك، وشرعت الدول الأوربية يومذاك ( فرنسا و بريطانيا) بفرض صياغة سياسية جديدة على الأمة الإسلامية تتمكن من خلالها من منع عودة وحدة الأمة عبر إعادة دولة الخلافة، واستعانت بعملائها من أبناء المنطقة للترويج لحضارة الغرب وتنفيذ سياسات هدفت الى فرض التغريب على المسلمين، من خلال التهجم على العقيدة الإسلامية، والأحكام الشرعية المنبثقة منها، ومن خلال إبعاد معالجات الإسلام لمشاكل الحياة من التطبيق العملي والترويج للنظام العلماني المستورد من العقائد المادية الملحدة( بشقيها الرأسمالي والإشتراكي) وتزامن ذلك مع سياسات قمعية للبطش بحملة الدعوة العاملين لاستئناف الحياة الاسلامية.

3- وهكذت نجد أنه مهما شهدت المنطقة من تغييرات في وجوه الحكام فقد كانت تغييرات شكلية لا تخرج في حقيقتها عن التبعية للغرب وحضارته المادية الملحدة. فعبر عقود من الزمن ظهرت قيادات وزعماء وسقطت وجوه قديمة، و عادة كان البيان رقم واحد يعد الأمة بتحرير فلسطين والتصدي للهجمة الاستعمارية....ثم يتبين للجميع أن تحرير فلسطين يمر عبر قمع المخلصين الصادقين وكل من يعمل للتخلص من الهيمنة الغربية على البلاد والعباد، وأن الجيوش التي تستنزف خيرات الأمة دورها الأول حماية كيان يهود، وإذا لزم الأمر البطش بالمعارضة الصادقة التي تدعو وتعمل لتحرير الأمة من الهيمنة الغربية.

4- آن الآوان، بعد ما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن، أن نعيد النظر فيما يجري في ثورة الشام، لنطرح السؤال: هل ستنتهي الثورة إلى تجديد النظام الأمريكي في الشام، تحت وجوه جديدة؟؟ كالجربا و من على شاكلته؟؟ أم ستفلح ثورة الشام في إرساء نواة الخلافة التي بشر بها عبدالله ورسوله والتي ستتلو حكما العهد الجبري الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة؟؟

5- فإذا نجحت أمريكا، عبر أدواتها المحلية من الأنظمة العميلة، في تجديد قبضتها على عاصمة الأمويين، فلا داعي لإطالة أمد الثورة و التسبب بالمزيد من الضحايا....فاستبدال النظام العلماني الأمريكي الجديد بالنظام البعثي علماني هو المستجير من الرمضاء بالنار...

6- أما إذا اردنا لثورة الشام ان تكون منطلقا لتحرير الأمة الإسلامية كافة من الهيمنة الاستعمارية الغربية، فيحنئذ لا بد من بلورة مشروع الثورة ليكون مشروع الأمة، ولن يكون هناك مشروع للأمة إلا ما خرج من مشكاة العقيدة الاسلامية ورسالة الإسلام ، لتعود كما كانت خير أمة أخرجت للناس...فالبشرية تضج وتئن من ويلات الرأسمالية الفاسدة المفسدة التي أهلكت الحرث والنسل، ولا دواء لها إلا في ظل رحمة الإسلام وعدله.

7- ما سبق يفرض أن تعي الأمة أن تدخل الأطراف الخارجية من حكام وعملاء لن يكون مطلقا لنصرة الإسلام وأهله، بل على العكس فحكام الخليج والاردن ومصر وتركيا وإيران، كل هؤلاء يعملون لمنع إقامة دولة الخلافة التي ستزيل عروشهم..من هنا يصبح السؤال(خاصة في ضوء المعطيات والوقائع الميدانية التي تكشف بوضوح عن تبعية هذا الفصيل أو ذاك لهذا الممول الخارجي او ذاك) : كيف لقوى الثورة في الداخل أن تتمكن من توجيه الضربة القاضية للاجهاز على النظام الأمريكي في دمشق؟؟ ونحن نعلم أن أمريكا سخرت وتسخر عملاءها في إيران والعراق واتباعهم مع دعم روسي مطلق لنظامها في الشام؟ و أنها إلى الآن تمنع مد الثوار من الاسلحة النوعية الكفيلة بحسم الصراع.

8- إن الحل يكمن في أن تتكاتف قوى الأمة كافة وفي كل مكان ، ليس فقط في دول الجوار من لبنان والاردن وتركيا والعراق، بل وأيضا في دول الخليج ومصر والسودان وباكستان أولا لتبني مشروع الخلافة بشكل مدو، وثانيا للضغط السياسي والمعنوي على أهل القوة من أبناء الأمة للتخلص من الحكام المجرمين الذين يبذلون جهدهم لمنع ولادة دولة الخلافة، فينحازوا الى صف الأمة في مبايعة الخليفة لهدم النظام الاستعماري الذي بني على قاعدة سايكس بيكو... فالشرع يوجب على المسلمين نصرة اخوانهم وأهليهم ، وعدم الاكتفاء بالتفرج على مصابهم (وَإِنْ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ)..وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب، والواجب هنا لا يقف عند حدود التبرع ببضعة دريهمات لا تسمن ولا تغني من جوع، أو بالدعاء، وهذا أضعف الإيمان، بل الواجب هو خلع هؤلاء الحكام المجرمين، ولن يستطيع الضباط العملاء قمع حركة الأمة، بل ستدوسهم الأمة نظير خيانتهم لدماء المسلمين، والله سبحانه سينصر هذا الدين شاء من شاء وأبى من أبى، (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) ....

إنّ انتصار ثورة الشام رهن بالتفاف الأمة حولها، وذلك لا يكون الإ بالالتفاف حول راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ظنّ من المسلمين أنّه في منأى عن ثورة الشام ، وأخلد إلى الدنيا ولهوها وعبثها، فستثبت له الأحداث عقم وهمه ولن تنفعه الندامة....

(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون)

6 جمادى الثاني 1435هـ