اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

أصول تقي الدين النبهاني وحزب التحرير/د.طارق عبد الحليم


أسامة الثويني

Recommended Posts

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) تقدمة

تقي الدين النبهاني، رحمه الله، هو واحدٌ من الرجال الذين تركوا بصمة لا يمكن إغفالها على تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة. وُلد وعاش ودرّس وأفتى بفلسطين، حتى عام النكبة، وحصل على العالمية من الأزهر، ثم خَرج للأردن حيث أسس حزب التحرير عام 1953. وله عديدٌ من المؤلفات في نواحٍ مختلفة من العلوم الإسلامية والفكر، اخترنا منها كتابه في أصول الفقه، موضوعاً لهذا المقال، وهو الجزء الثالث من سلسلته "الشخصية الإسلامية"، طَبَعَته دار الأمة اللبنانية، وهى النسخة التي اعتمدنا عليها في مقالنا هذا. وقد عُرف عن الشيخ النبهانيّ الورع والتقوى وطلب العلم، وتُوفي النّبهاني رحمه الله عام 1977.

والحق، أنّ النبهانيّ من أولئك الرجال الذين لم يحظوا بإهتمام إعلاميّ، ولا انتشارٍ جماهيري واسعٍ، نظراً لطبيعة دعوته التي تركزت على إقامة الخلافة الإسلامية، وهو ما جعله من غير المقربين للإعلام العميل من غير شكّ. وانعكست شعبيته في حجم أتباعه في حزب التحرير، الذي كانت ولا زالت له أرضية في مصر والأردن وسوريا وفلسطين، على اختلافٍ في درجات تلك الشعبية واتساعها ومجالها.

ومع أنّ النبهاني رجلٌ له قدرٌ في الوسط الحركيّ الإسلاميّ، فإن ذلك لا يعنى أنّ ما قدّم للعالم الإسلاميّ يجب أن يؤخذ بالتسليم والقبول، شأنه في ذلك شأن غيره من العلماء والكتاب. وقد شابت كتاباته الكثير من التجاوزات العلمية، واتسمت الآراء التي تبناها، ومن ثمّ الفتاوى التي صدرت عن حزبه، بالاضطراب والغرابة في عدة مجالاتٍ. ولا نرى ذلك، في رأينا، إلا انعكاساً لما شاب هذه الآراء، خاصة في علم الأصول، من انحراف. إذ إن الانحراف في التوجه الأصوليّ لا ينشأ عنه إلا غرابة في الاجتهادات الفقهية والحركية. ولعل الإمام بن حزم، على جلالة قدره، أحسن مثالٍ لذلك، حين تبنى نفي القياس في الأصول، فسَقط سقطاتٍ شنيعة أخرجته من دائرة الإجماع والاعتداد برأيه عند أهل السنة والجماعة، في مواقف الإختلاف.

وقد رَصدنا في حديث النبهانيّ في مادة الأصول، تناقضاً واضِحاً، إلى جانب الأخْطاء العَقدية والأصوليّة التي أدت إلى نتائج مُرّة في اتجاه حركته.

ولا نقصد هنا إلى تتبع كلّ ما جاء في كتاب النبهانيّ، ولعلنا نفعل ذلك يوماً إن شاء الله، لكن سنركّز حديثنا على بعض تلك النقاط التي رأينا أنّ لها أثرا عميقا في الإنحراف بالنتائج التي وصل اليها النبهاني رحمه الله، في الفقه، وما سارت عليه جماعته في حزب التحرير من بعده.

(2) مسألة التحسين والتقبيح

في معرض حديث النبهاني عن التحسين والتقبيح، في باب الحاكم، أخذ النبهانيّ بقول المعتزلة في أنّ الحكم بالحُسن والقبح حكم عقليّ بحتٌ لا مدخل للشرع فيه، وإنما يأتي الشرع ليحددّ إمكان الفعل أو الترك، بناءً على الثواب والعقاب، وهو في التقرير الأول على مذهب المعتزلة، وفي هذا التقرير الأخير أقرب إلى الفهم الأشعريّ! يقول النبهاني "فهل الحكم بالحسن والقبح هو للعقل أو للشرع؟ إذ لا ثالث لهما في إصدار الحكم. والجواب على ذلك هو أن الحُكم على الأفعال والأشياء، إما أن يكون من ناحية واقعها ما هو، ومن ناحية ملاءمتها لطبع الإنسان وميوله الفطرية، ومنافرتها لها، وإما من ناحية المدح على فعلها والذم على تركها، أو عدم المح أو عدم الذم، أي من ناحية الثواب والعقاب عليها، أو عدم الثواب وعدم العقاب. فهذه ثلاث جهاتٍ للحكم على الأشياء، أحدها من حيث واقعها ما هو، الثاني من حيث ملاءمتها لطبع الإنسان وميوله الفطرية، ومنافرتها لها، والثالث من حيث الثواب والعقاب أو المدح والذم. فأما الحكم على الأشياء من الجهة الأولى وهي ناحية واقعها، ومن الجهة الثانية وهي ملاءمتها للطبع ومنافرتها له، فلا شك أن ذلك كله إنما هو للإنسان نفسه، أي هو للعقل لا للشرع. فالعقل هو الذي يحكم على الأفعال والأشياء في هاتين الناحيتين، ولا يحكم الشرع في أيّ منهما، إذ لا دخل للشرع فيهما. وذلك نثل العلم حسنٌ والجهل قبيح، فإن واقعهما ظاهر منه الكمال والنقص، وكذلك الغنى حسنٌ والفقر قبيح، وهكذا ...لذلك كان العقل هو الذي يحكم عليه بالحسن والقبح وليس الشرع، إي كان إصدار الحكم على الأفعال والأشياء من هاتين الجهتين هو للإنسان، فالحاكم فيهما هو الإنسان" اهـ ص14 وبعدها.

ومن هنا يتبين بلا وجه للجدل أن النبهانيّ يُثبت حُسناً وقبحاً في الأشياء ذاتها، وهو ما لا يخالف فيه أهل السنة، إنما يخالف في أن لا مدخل للشرع في تحديد ذلك الأمر على الإطلاق كما صرّح، وهو خطأ فاحشٌ، إذ للشرع مدخلٌ في تحديد الحسن والقبح، لأن الإنسان في كثيرٍ من الأحيان لا يمكنه الإستقلال بذلك على الإطلاق، فالشرع إما مُعَضدٌ لما ثبت من حسن وقبح بالعقل، وإما كاشِف عنهما ابتداءً إن لم يوافق العقل، أو اضطرب العقل فيه، وهو كثير، بل غالب. وما فات النبهانيّ، أن وصف الفعل بالحسن والقبح من جهة الشرع، تكسبه تلك الصفة تلقائياً، ويتكشف أنه حسنٌ أو قبيح بهذا الوصف الشرعيّ كما قال تعالى "وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَـٰٓئِثَ"الأعراف 157، فالشرعٌ يُعرّفُ الطيبات والخبائث بتحليلها وتحريمها، ولو تطابق ذلك مع حكم العقل فيها في كلّ مسألة لما كان للشرع مزيّة، ولو اختلفا، وحَكَم الشرع بخلاف ما في الفعل من طبيعة ذاتية، حسنة أو قبيحة، لكان تحكّم من الشارع، حاشاه. يقول بن تيمية "فالحكمة منشؤها من نفس الأمر لا من نفس المأمور به، وهذا النوع والذي قبله لم يفهمه المعتزلة، وزعمت أن الحسن والقبح لا يكون إلا لما هو متصف بذلك، بدون أمر الشارع، والأشعرية ادعوا أن جميع الشريعة من قسم الامتحان، وإن الأفعال ليست لها صفة لا قبل الشرع ولا بالشرع" كتاب القدر ج8 ص428 وبعدها. فالحسن والقبح وإن تبينا للعقل في كثيرٍ من الأحيان، إلا إنهما يخفيان عليه في كثير من الأحيان أيضاً. ومن ثم، فإنّ إطلاق القول بهذا النظر إعتزال أصوليّ لا مراء فيه.

كما كان خطأ النبهاني هناك أنه فرّق بلا دراية بين الحسن والقبح، وبين المدح والذم، وهى تفرقة لا دليل عليها من شرعٍ أو عقل. فإن ما هو حسنٌ ممدوحٌ شرعاً مثاب عليه، وما هو قبيحٌ مذموم شرعاً معاقب عليه، ولا فرق. كما اضطرب فيما قال بعدها من أن العقل يصدر أحكامه "بالإحساس"، ومن ثم لا يمكنه أن يحكم بالمدح والذم! وصار يخلط في هذه النقطة فلم يبين هل هذا "الإحساس" بمعنى "الحسّ" الفيزيقي" أم "الشعورىّ"؟ ، قال النبهاني "فالإحساس جزء جوهري من مقومات العقل، فإذا لم يحس الإنسان بالشي لم يمكن لعقله أن يصدر حكما عليه. لأن العقل مقيد في حكمه على الأشياء بكونها محسوسة (!) ويستحيل عليه إصدار حكم على غير المحسوسات، وكون الظلم مما يمدح أو يذم ليس مما يحسه الإنسان، لأنه ليس شيئا يُحس (!) - وكأن الحسن والقبح شيئاً يحسّ - .. وإن كان يشعر الإنسان بفطرته بالنفرة منه أو الميل اليه، ولكن الشعور وحده لا ينفع في إصدار العقل حكمه على الشئ، بل لابد من الحسّ (!).." ص16. وواضح شدة الإضطراب والخلط في هذا المعنى، كما يتضح تأثره بأقوال الرازى الفيلسوف في هذا الصدد.

ثم قرر النبهانيّ بعدها بأنه "لا حكم (على الأشياء) قبل ورود الشرع" ص18، وهذا كذلك خطأ عقديّ إن أُخذ على إطلاقه، فإن الناس كانوا مكلفين بالتوحيد قبل ورود الرسالة المحمدية، وفي زمن الفترات، ولذلك حكم الله عليهم بالكفر ابتداءً إلا من كان من المتحنفين، مثل زيد بن عمرو بن نفيل وغيره. والصحيح أنه لا عذاب قبل ورود الرسالة، والفرق بينهما كبير. ولا ندرى من أين جاء بمقولة أنّ أهل الفترة ناجين، فهي خطأ محض، فالقول في أهل الفترة قولان، إنا أنهم معذبون، وهو الأقوى، وإما أنهم يمتحنون على عرصات القيامة، وهو الأضعف، راجع كتابنا "الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد"، ولا ثالث للرأيين!

(3) مسألة المباح والعفو والمسكوت عنه

اضطرب النبهانيّ اضطراباً شديداً في هذه المسألة، فذكر تقريرات متناقضة في صفحة واحدة! قال في 45ص ما نصه "وأما ما أخرجه الترمذيّ عن سلمان الفارسيّ قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء، فقال >الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو عفو< فإنه لا يدل على أن ما سكت عنه القرآن مباحٌ، فإن هناك أشياء حرمت، وأشياء أحلت في الحديث، وقد صح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال >ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه<، فالمراد ما سكت عنه الوحي". ثم يقول بعدها "وكذلك ليس المراد بما سكت عنه الوحي أنه مباح"!! فيكون ما سكت عنه الوحي (أو القرآن)، لا هو مباح ولا هو غير مباح! وهو يحاول جاهدا أن ينفى درجة العفو التي تحدث عنها الشاطبيّ في كتاب الأحكام ج1 ص161. وذلك بأن يثبت أن الشرع لم يسكت عن شئ، فكل مباح قد ورد فيه نص، وما سكت عنه الشارع فقد سكت عن تحريمه، فهذا يعنى أنه أحله كما صرّح بذلك، واحتج بعموم الآية "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ تِبْيَـٰنًۭا لِّكُلِّ شَىْءٍۢ"، ولا يصح له هذا الاستدلال بهذه العمومية على الإطلاق، بل هي من طرق الزائغين، الاستدلال بالعمومات دون الرجوع إلى المخصصات. وهو بذلك قد تجاوز الحديث عن درجة رفع الحرج، ورفع الجناح والعفو، وكأنها لا توجد في الشريعة.

كما تجاوز النّبهانيّ عن الحديث عن رتبة المباح بدرجاته سواء بالكلّ (أي على الجماعة) أو بالجزء (أي على الفرد)، إذ هذا مما يغيّر حكم المباح إما للندب أو الإيجاب، أو للكراهة أو التّحريم. وإنما أراد من حديثه في ذلك الباب التأكيد على مفهومٍ معين يثبته في عقل المُطّلع على كتابه، أنّ أي حكم شَرعيّ فلابد له من دليل ثابتٍ خاصٍ، كما سيدعى بعد ذلك في باب الأدلة الشرعية، وهو باطل عار عن الصحة.

(4) الأدلة الشرعية:

أخذ النّبهاني بقول الشاطبي في أنّ أصول الفقه قطعية لا ظنية فيها، وهو ما لا بأس به، إذ هو قول من القولين المعتبرين. لكنه تجاوز فلم يُقرّ إلا بأربعة أدلة شرعية اعتبر أنها كلها راجعة إلى نصّ قطعيّ، وهي الكتاب والسنة وإجماع الصحابة (بالذات) والقياس، قال "فإن الدليل الشرعيّ حتى يعتبر حجة، فلابد أن يقوم الدليل القطعيّ على حجيثته، وما لم يقم الدليل الشرعيّ على ذلك لا يعتبر دليلاً شرعياً، والأدلة التي قام الدليل القطعيّ على حجيتها أربعة أدلة ليس غير، الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس". (ص67)، فيما فيه علة منصوصة، ثم ردّ كل سائر الأدلة الشرعية، وهو قول بدعيّ شنيع يدلّ على قصر نظرٍ وتحكم ومغالاة، فإن الشاطبيّ أو غيره من أعمدة الفقهاء والعلماء الأصوليين، لم يردّوا بقية الأدلة الشرعية التي تستنبط من الأدلة الأربعة المذكورة، كالاستصحاب، أو الاستحسان أو المصلحة المرسلة أو سدّ الذريعة، وإن اعترض بعضهم على التسميات، لكن لا مشاحة في التسمية، كمن انكر الاستحسان، ثم جاء به تحت باب القياس الخفيّ.

(5) حجية أخبار الآحاد:

وهذا من أشنع ما وقع فيه النبهانيّ من بدع القول، وما ترتب عليه آثار في عقيدته وفتاواه، هو ومن تبعه، من أبناء حزب التحرير. وقد تنبّه النبهانيّ أن إنكار حجية خبر الآحاد مطلقاً ستوقعه في حرج عظيم، بل ستخرجه من دائرة الإسلام كلية، إذ غالب العمليات قد وردت بهذا الطريق، فراح يتخير ما يقبل، ونسب الحديث إلى الظنّ، حتى لو صحّ، ثم وضع شروطاً للقبول رغم ثبوت صحة الحديث، وهى ما سمّاه "الدراية"، وهي احتكامه للعقل ابتداءً لقبول الخبر. وقد انزلق به هذا المأخذ إلى تبنى ما عُرف عن المعتزلة من إنكار مسلّمات عند أهل السنة في العقائد مثل عذاب القبر، والشفاعة والحوض، ورؤية الله سبحانه وغيرها من مسائل العقائد السنية.

أما عن الفروع، فقد خلّط النبهانيّ في الأحكام، قال "وأما شروط قبول خبر الواحد فهي أن لا يعارض ما هو أقوى منه من ىية أو حديث متواتر أو مشهور، مثل ما روى عن فاطمة بنت قيس أنها قالت "طلقنى زوجى ثلاثاً، فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة"، فهذا الحديث معارض لقوله تعالى "أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ" اهـ ص 90.

وهذا كلام منكرٌ مردود عليه. فالحديث صحيح، على أعلى درجات الصحة، رواه مسلم في صحيحه، كما عضدته رواية أحمد وأبي داود الصحيحة "قال لها: لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً". ثمّ إنّ هذه الآية لا دليل عليها في هذا المعنى، إذ هي تخصّ المرأة وهي في ذمة زوجها لا بعد أن تُطلق ثلاثاً، لا واحدة رجعية. ولو أنه استشه بقول الله تعالى "لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّآ أَن يَأْتِينَ بِفَـٰحِشَةٍۢ مُّبَيِّنَةٍۢ"الطلاق 1، لكان أقرب له، وإن كانت هذه الآية كذلك تتحدث عن الزوجة في حالة وجودها في ذمة الزوج. وهذا المثال دليل على التحكم المردى فيمن أراد أن يلتزم ما ليس عليه دليل حقيقيّ إلا الهوى والنظر الخاطئ، وإن ادعى غير ذلك.

(6) خلاصة

وقد عُرف عن حزب التحرير، تبنّيه فتاوى عجيبة، سواء في الفروع، أو في أصول الدعوة ومنهجها، بُنيت على هذه الأصول المنحرفة التي ليست من مناهج أهل السنة والجماعة في النظر والاستدلال في شئ، مما يأسف له المرء. فمنها ما يتخذونه محوراً لدعوتهم، وهو الخلافة، التي يصورونها ويتعاملون معها على أنها أصلٌ من أصول الدين، كما تتعامل الرافضة مع فكرة الأمام، أو جماعة التبليغ والدعوة مع فكرة الخروج، ومنها ما يرونه في وجوب عرض أنفسهم على الحكام الكفرة في الدول المحكومة بغير الشرع لقبول نصرته! بدعوى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض نفسه على القبائل، ونسوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض على القبائل "لا إله إلا الله" قبل نصرته، وأنّى لبرويز مشرف، أو غيره ممن تقدموا له بهذه الطلبات العجيبة، أن يقبل إقامة الخلافة التي يريدون الوصول لها دون طريقها الشرعي! وهي بدعة يتحول بها فرعٌ من فروع الشريعة، مهما بلغت أهميته، إلى أصلٍ كليّ دون أن يدرك الداعون لذلك أي خلل في بناء الشريعة ارتكبوا، بله استحالة تحقق الهدف وضعاً.

ثم في الفرعيات، فإن رأيهم في الموسيقى والإختلاط وممارسة العادة السرية، ومصافحة المرأة الأجنبية ومشاهدة الأفلام الإباحية وغيرها، هو من المؤسفات، إذ نرى شباباً مُتديناً محباً للإسلام، قد تلاعبت بدينه أقوال انحرفت ابتداءً، ولم يعتنى أحدٌ، بعدما دَوّن النبهانيّ، أن يراجعها ويصحّحها. وهو دين التقليد، والاتباع، رأيناه في الإخوان بما فعلوه مع تراث حسن البنا، وحزب التحرير بما فعلوه مع تراث تقيّ الدين النبهاني. ولاشك أنك واجد من بين أتباع الحزب من ينكر مثل هذه الأفعال أو الفتاوى، وهذا ما ذكرناه من قبل، من انفصال بين القائد والتابعين في الكثير من الجماعات، على مستوى الأصول ابتداءّ، إذ لا يستطيع الكثير من الأتباع، بل غالبهم، أن يتتبّعوها لفقر في العلم، وانفصالٌ على مستوى الفروع في بعض الأحيان، حين تكون ممجوجة فطرة ومرفوضة طبيعة. لكن هذا لا يغير من أنّ الموقف الرسميّ للحزب هو ما يجب الرجوع اليه عند التعارض، لا إلى آراء بعض التابعين هنا أو هناك.

وللنبهاني تصورات عن الدين الإسلاميّ عامة، بثّها في كتابه "الشخصية الإسلامية"، بناها على هذه الأصول المعوجّة، فيها أخطاء عديدة في النظر والاستدلال، ومن ثمّ في النتائج، فإن الأصل إن اعوَجّ، خرج الفرع تابعاً له في اعوجاجه ولا محالة. ولعلنا نتناول بقية كتابه هذا بالنظر في مقالٍ قادم إن شاء الله.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، فكم من مخلصٍ ضلَّ في هذا المَسعى، فرأى الحق باطلاً والباطل حقاً.

 

http://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-52282

 

موقع الدكتور طارق عبد الحليم من المواقع التي أزورها بين الفينة والأخرى،للوقوف على آخر انتاج الرجل. فأحسبه أنه من رموز العمل السلفي،وله اتجاه أصولي عقائدي صارم، أنتجت آراء قوية تجاه المشهد الاسلامي الذي نشأ في مصر. على أي حال، وعودة إلى المقال أعلاه، فلا مشكلة البتة في نقاش أفكار وأدبيات الشيخ النبهاني وحزب التحرير،لا مشكلة البتة..ولكن المشكلة في منهجية النقد والنقاش!

بمعنى، إن كان الدكتور أو غيره يريد نقاش الأصول التي ذكرها الدكتور في مقاله (التحسين والتقبيح، الأدلة، حجية خبر الواحد..الخ) فلا بد من عرض الرأي الأصلي وأدلته واستدلالاته، ومن ثم تفنيد الرأي بأدلة معارضة أقوى. هذا ألف باء النقد!

فعلى سبيل المثال، فكرة التقبيح والتحسين وأن لا حكم للأشياء قبل ورود الشرع أوردها حزب التحرير وناقشها في صفحات وصفحات وجاء بأدلة على رأيه.فهل من الإنصاف القفز على تلك المادة العلمية وسلقها بفقرة مشوهة؟! ومن ثم الرد على هذه الفقرة المشوهة بحكم قاطع؟!

على أية حال، المقال متاح أعلاه، ولو أراد أحد الأخوة العارفين بالأصول ولغتها سبك مقال وإرساله للدكتور فبها ونعمت، وهو بالمناسبة يحتفي بالردود على مقالاته ويعطيها حقها، كما هو واضح في موقعه.

 

وملاحظة أخيرة ربما تكون سياسية:

ربما جاء هذا المقال في هذا التوقيت لظهور اسم ونشاط الحزب مجددا في الساحة المصرية، والله أعلم.

رابط هذا التعليق
شارك

فلعلها تكون فرصة لطرح بضاعة فكرية راقية، بعيدة عن "الردح" الفكري، وتأخذ الجميع إلى مستوى آخر في الفكر والنقاش..

ولعلها تكون فرصة لنشر الفكرة وحملتها بين أوساط السلفية العلمية تحديداً ومنتدياتهم (منتدى أنا المسلم،مثلا)..

باختصار، لعلها تكون فرصة لبيان ماذا نحمل..

 

الله المستعان

رابط هذا التعليق
شارك

الدكتور طارق عبد الحليم ، رجل معروف عنه أنه موضوعى ويحب الحق لذلك أقترح أن يدعى إلى نقاش بناء لإجلاء الحقائق ، فما كان خلافى فلاضرر فى الإختلاف ، وماكان من الأمور التى لاتقبل خلاف ، علينا أن نبين الدليل والحجة .

 

هذه مناسبة جيدة لنقاش هادف ينفع الأمة

رابط هذا التعليق
شارك

انقل هنا في الرد على المسألة الاولي وهي الحسن القبح ما يأكد ويعضد قول شيحنا رحمه الله تقي الدين النبهاني

 

فقد جاء في كتاب شرح الكوكب المنير فصل الاحكام والكلام في الحسن والقبح لتقي الدين ابو البراء الفتوحي في صفحه 96و97 ما يلي

 

(الحسن والقبح ) يطلق بثلاثة اعتبارات أحدها : ( بمعنى ملاءمة الطبع ومنافرته ) كقولنا : إنقاذ الغريق حسن ، واتهام البريء قبيح الثاني : ما أشير إليه بقوله : ( أو ) بمعنى ( صفة كمال ونقص ) كقولنا : العلم حسن ، والجهل قبيح . وكل منهما ( عقلي ) أي إن العقل يستقل بإدراكهما من غير توقف على الشرع .

 

( و ) الثالث : إطلاق الحسن والقبح ( بمعنى المدح والثواب ، و ) بمعنى الذم والعقاب : شرعي ، فلا حاكم إلا الله تعالى ، والعقل لا يحسن ولا يقبح ولا يوجب ولا يحرم ) عند الإمام احمد رضي الله تعالى عنه وأكثر أصحابه والأشعرية . قالهابن عقيلوأهل السنة والفقهاء ، قال الامام احمد ليس في السنة قياس ، ولا يضرب لها الأمثال ، ولا تدرك بالعقل ، وإنما هو الاتباع .

 

وقال أبو الحسن التميمي ، من أصحابنا ، والشيخ تقي الدين ، وابن القيم ، ابو الخطاب والمعتزلة ، والكرامية : العقل يحسن ويقبح ، ويوجب ويحرم .

 

ونقل عن الحنفية والمالكية والشافعية قولان . قال ابن قاضي الجبل : قال شيخنا - يعني الشيخ تقي الدين - وغيره : الحسن والقبح ثابتان ، والإيجاب والتحريم بالخطاب والتعذيب متوقف على الإرسال ورد الحسن والقبح الشرعيين إلى الملاءمة والمنافرة ; لأن الحسن الشرعي : يتضمن المدح والثواب الملائمين .

 

والقبح الشرعي : يتضمن الذم والعقاب المنافرين . واختار ابن الخطيب في آخر كتبه : أن الحسن والقبح العقليين ثابتان في أفعال العباد . انتهى .

 

وقال ابن قاضي الجبل أيضا : ليس مراد المعتزلة بأن الأحكام عقلية : أن الأوصاف مستقلة بالأحكام ، ولا أن العقل هو الموجب ، أو المحرم ، بل معناه عندهم : أن العقل أدرك أن الله تعالى بحكمته البالغة كلف بترك المفاسد وتحصيل المصالح . فالعقل أدرك الإيجاب والتحريم ، لا أنه أوجب وحرم فالنزاع معهم : في أن العقل أدرك ذلك أم لا . فخصومهم يقولون : ذلك جائز على الله تعالى ، ولا يلزم من الجواز الوقوع ، وهم يقولون : بل هذا عند العقل من قبل الواجبات . فكما يوجب العقل أنه يجب أن يكون الله عليما قديرا متصفا بصفات الكمال كذلك أدرك وجوب مراعاة الله تعالى للمصالح وللمفاسد . فهذا محل النزاع . .

 

ومن قواعد القائلين بأنه " لا حاكم إلا الله تعالى " : أن حسن الفعل وقبحه ليسا لذات الفعل ولا لأمر داخل في ذاته ولا خارج لازم لذاته ، حتى يحكم العقل بحسن الفعل ، أو قبحه بناء على تحقق ما به من الحسن والقبح . والحنفية وإن لم يجعلوا العقل حاكما صريحا فقد قالوا : حسن بعض الأشياء وقبحها لا يتوقف على الشرع ، بمعنى أن العقل يحكم في بعض الأشياء بأنها مناط للثواب والعقاب وإن لم يأت نبي ولا كتاب.

 

وبعض تلك الأحكام بديهي ، وبعضها كسبي ( ولا يرد الشرع بما يخالف ما يعرف ببداهة العقول وضرورياتها ) قالالقاضي والحلواني وغيرهما : ما يعرف ببداهة العقول وضرورياتها - كالتوحيد وشكر المنعم وقبح الظلم - لا يجوز أن يرد الشرع بخلافه . وما يعرف بتوليد العقل استنباطا أو استدلالا ، فلا يمتنع أن يرد بخلافه . ومعناهلابي الخطاب. فإنه قال : ما ثبت بالعقل ينقسم قسمين . فما كان منه واجبا لعينه - كشكر المنعم والإنصاف وقبح الظلم - فلا يصح أن يرد الشرع بخلاف ذلك . وما كان واجبا لعلة أو دليل مثل : الأعيان المنتفع بها التي فيها الخلاف . فيصح أن يرتفع الدليل والعلة ، فيرتفع ذلك الحكم . وهذا غير ممتنع . كفروع الدين كلها . تثبت بأدلة ثم تنسخ الأدلة فيرتفع الحكم ، وقال : وقد قيل : إن الشرع يرد بما لا يقتضيه العقل إذا كان العقل لا يحيله كتكليف ما لا يطاق ، وإن الله سبحانه وتعالى يريد جميع أفعال العباد حسنها وقبيحها ويعاقبهم على القبيح وغير ذلك... انتهى

تم تعديل بواسطه عماد النبهاني
رابط هذا التعليق
شارك

جاء في كتاب مفاهيم اسلاميه الجزء التاني لمحمد حسن عبد الله

 

الحسن والقبح

 

إنّ الحكم على الأشياء والأفعال بالحسن والقبح، قد يكون من جهة واقعها أو من جهة ملاءمتها أو منافرتها لفطرة الإنسان، أو من جهة الثواب والعقاب عليها من الله تعالى.

 

أما من جهة واقعها، وملاءمتها أو منافرتها للفطرة، فإن الإنسان بحسه وعقله يستطيع الحكم عليها، فيحكم على الشيء الحلو كالعسل بأنه حسن، وعلى الشيء المر كالحنظل بأنه قبيح، وحكم على العلم أو الغنى بأنه حسن، وعلى الجهل والفقر بأنه قبيح لما فيها من الكمال والنقص، لأن الله أودع فيه خصائص يمكنه بها أن يدرك ذلك، وهي الغرائز والحاجات العضوية والتفكير.

 

وأما الحكم على الأشياء والأفعال بالحسن والقبح من جهة الثواب والعقاب عليها من الله تعالى، فإنه ليس للإنسان، لأنه عاجز بما أعطي من خصائص، عن معرفة كون الأمر مما يثيب عليه الله، أو مما يعاقب عليه الله، لأن ذلك لا يقع تحت حسه، فلا يمكن أن يدركه عقله إلا بإخبار من الله تعالى، وهذا الإخبار هو الشرع الذي جاء به الوحي إلى الرسل.

 

والشرع مدح أشياء وأفعالاً ورتب على بعضها ثواباً، وذم أشياء وأفعالاً، ورتب على بعضها عقاباً، لذلك كان الحكم عليها بالحسن والقبح من جهة المدح والذم ومن جهة الثواب أو العقاب هو لله تعالى، وليس لعقل الإنسان، وذلك لأن واقع العقل مكوّن من إحساس وواقع ومعلومات سابقة ودماغ، والإحساس جزء أساسي من العقل، فإن لم يحس الإنسان بالشيء لا يمكن لعقله أن يصدر حكماً عليه، لأن العقل مقيد حكمه على الأشياء بكونها محسوسة أو محسوس أثرها، وما دام لا يحس بمدح الله أو ذمه للأشياء والأفعال، ولا يحس بما رتب عليها من ثواب أو عقاب، فإنه عاجز عن إصدار الحكم عليها من هذه الجهة، إلا بإخبار من الله تعالى.

 

وإن حكم الإنسان عليها من جهة واقعها، أو من جهة ملاءمتها أو منافرتها لفطرته، لا قيمة شرعية له، ولا دخل له في قيامه أو عدم قيامه بالفعل، فالمسلم يجاهد في سبيل الله، ويحمل الدعوة، ويصوم، كما أمره الله، وأن لم يدرك حسن واقع هذه الأعمال، أو كانت منافرة لفطرته. وهو يجتنب الربا والزنا والتجسس كما نهاه الله، وإن لم يدرك قبح هذه الأعمال، أو كانت ملائمة لفطرته.

ففي الإسلام، الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبَّحه الشرع، قال تعالى: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) (157/ الأعراف ). فالطيب أو الحسن ما أحله الله والخبيث أو القبيح ما حرمه الله، وليس ما لاءم أو نافر فطرة الإنسان وعقله، فالعنب طيب وحسن والخمر المصنوع منه خبيث وقبيح، والبيع حلال وحسن، والربا حرام وقبيح.

 

الحلال والحرام

 

إن ألفاظ: ((الخير والشر)) و ((الحسن و القبيح)) ألفاظ عربية وضعها العرب أصلاً لتدل على معان معينة، ثم استعملها الشارع في القرآن الكريم، والسنة النبوية لتدل على معانيها اللغوية كما وصفها العرب في مكان، ولتدل على معان شرعية في مكان آخر. فإن أطلقت دون قرائن دلت على المعاني الشرعية فقط، وإن أريد بها المعاني اللغوية احتاجت إلى قرائن.

 

وأما الحلال والحرام، فهما لفظان نقلا من معناهما اللغوي الوضعي، إلى المعنى الشرعي، وأهمل المعنى اللغوي، فهما حقيقتان لغويتان شرعيتان أينما وردتا في الكتاب والسنة، سواء وردتا أسماء أم أفعالاً، قال تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) وقال صلى الله عليه وسلم: (الحلال ما أحلّ الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه...) وقال صلى الله عليه وسلم: ((الحلال بيّن والحرام بيّن...)) فالحلال ما سمح الله به، ولم يرتب على فعله أي عقوبة، والحرام ما حذر الله منه، ورتب على فعله عقوبة في الدنيا والآخرة.

والحلال يشمل كلاً من الواجب والمندوب والمباح والمكروه، والحرام يشمل الحرام فقط.

 

وأحكام التكليف في الإسلام لا تخرج عن واحد من هذه الأنواع الخمسة، وأحكام الوضع المتعلقة بها خمسة أيضاً وهي: السبب، والشرط، والمانع، والرخصة والعزيمة، والصحة والبطلان والفساد.

 

ومقياس ((الحلال والحرام)) يشملها جميعها، وهو المقياس الشرعي لكل الأشياء والأفعال اللازمة للإنسان في حياته الدنيا.

وقد ثبت باستقراء الأدلة الشرعية المتعلقة بالأشياء أنّ الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم، وأنّ الأصل في الأفعال التقيد، فلا يوجد في الكون شيء أو فعل إلا وأنزل الله له حكماً شرعياً في الإسلام، إما حلالاً وإمَّا حراماً. فإن لم يجد المسلمون حكماً لشيء أو فعل فهو نتيجة تقصيرهم في الاجتهاد لاستنباط الأحكام، وليس هو نتيجة قصور أو نقص في الأدلة الشرعية، لأن الله تعالى نص بصراحة على اشتمال الإسلام لكل حكم يلزم الإنسان إلى يوم القيامة، قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً) (3/ المائدة)، وقال تعالى: (وأنزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء) (89/ النحل ).

ويحرم على المسلم أن يصف فعلاً أو شيئاً بالحلال أو الحرام دون دليل شرعي، قال تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام، لتفتروا على الله الكذب، إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) (116/ النحل).

 

هناك فرق بين وصف الأفعال بالخير والشر، وبين وصفها بالحسن والقبح.

 

أما وصفها بالخير والشر فهو آت من حيث أثرها، ومن حيث الإقدام عليها أو الإحجام عنها. فالأصل في المسلم أن يقدم على القيام بفعل ما، ويصفه بالخير، إن كان هذا الفعل يرضي الله، وأن يحجم عن القيام بفعل ما، ويصفه بالشر، إن كان هذا الفعل يسخط الله، لأن الله رضي عن الذين يفعلون الخير الذي أمر به، ووعدهم بالجنة، وغضب على الذين يفعلون الشر الذي نهى عنه، وأوعدهم بالنار.

وأما الحكم على الأفعال بالحسن والقبح، فإن المسلم يصف الفعل بالحسن إذا كان الشرع قد مدحه أو رتب عليه ثواباً، ويصفه بالقبح إن كان الشرع قد ذمه أو رتب عليه عقاباً، بصرف النظر عن قيام الإنسان بالفعل أو عدم قيامه به، حسناً كان أم قبيحاً.

 

وأما قياس الحلال والحرام فهو أكثر تفصيلاً، لأنه شامل لأنواع الأحكام الشرعية الخمسة، وما تعلق بها من أحكام الوضع الخمسة، وقد عبر الفقهاء عن هذا المقياس بقولهم: الحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد، بالاقتضاء أو التخيير، أو الوضع. والاقتضاء يعني الطلب، فإن كان الطلب طلب فعل جازم فهو الواجب، وإن كان غير جازم فهو المندوب، وإن كان الطلب طلب ترك جازم فهو الحرام، وإن كان غير جازم فهو المكروه، والتخيير بين الفعل والترك دون بدل فهو المباح، والوضع هو جعل الشيء سبباً أو شرطاً أو مانعاً، أو رخصة وعزيمة، أو صحة وبطلاناً وفساداً.

 

ومعرفة الحكم الشرعي لازمة للمسلم قبل قيامه بالعمل، لأن الأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي.

 

وعليه فإن وصف الأفعال بالخير والشر، أو الحسن والقبح أو بالحلال والحرام، من جهة الثواب والعقاب، هو للشرع الذي أنزله الله، وليس للعقل، أو للقوانين التي وضعها الإنسان من عنده.

 

وكذلك وصف الأشياء بالحسن والقبح أو الحلال والحرام أعم من الوصف بالخير والشر، لأن المقياس الأخير خاص بالأفعال، بينما المقياسان الآخران يشملان الأفعال والأشياء.

 

http://www.alokab.com/forums/index.php?showtopic=49706&hl=%C7%E1%CA%CD%D3%ED%E4+%E6%C7%E1%CA%DE%C8%ED%CD

رابط هذا التعليق
شارك

أنصح نفسي والأخوة الكرام "مسك" الأعصاب والتعليق الموضوعي،ولا أرى كثير أو قليل فائدة في شخصنة الموضوع.

الشخصنة ليست بضاعة المفكر،صح؟

لنحاول جعل الموضوع "مرجعاً" للأفكار الراقية والاستدلالات المتينة،كي يتسنى في النهاية للمرء أن يحيل إليه مستقبلاً.

وأرجو من المشرفين المعاونة على تحقيق هذه الغاية بإزالة التلميحات المسيئة للشيخ طارق.وبارك الله في الجميع.

رابط هذا التعليق
شارك

أنتم يا أبا علي في بؤبؤ العين...ويعلم الله قربكم من عقلي وقلبي.

احذف ما تشاء يا أُخَيْ،وفي تقديركم الخير ان شاء الله.

وكلمة صغيرة قبل اغلاق الموضوع:

أقول سبحان الله!

تقي الدين رحمه الله مر على عصره بسرعة البرق،ويبدو أنه-بغير مبالغة-يسير بنفس السرعة!

لماذا عندما يصطدم المشتغلون بالعلم والفكر بالشيخ النبهاني وبفكر حزب التحرير بشكل عام-لماذا يفقدون توازنهم وتطيش سهامهم؟!

لا أعلم كيف يريد الدكتور طارق عبد الحليم إقناع القارئ الجاد بجدله أعلاه؟!

كيف لقارئ وطالب علم أن يستفيد علماً بنقاش مسألة بل مسائل غاية في العمق في سطر أو سطرين؟!

إلا أن يكون المقال موجه لمن هم في ذات الطبقة الفكرية التي تثق بالدكتور والتي يكفيها الاشارة الى المعتزلة أو الأشاعرة كي تشطب وتصنف وتقصي ...

على أي،أصلح الله الجميع،واستعملنا لنصرة دين الاسلام واظهاره على الدين كله.

تحياتي الحارة

رابط هذا التعليق
شارك

وكلمة صغيرة قبل اغلاق الموضوع:

أقول سبحان الله!

تقي الدين رحمه الله مر على عصره بسرعة البرق،ويبدو أنه-بغير مبالغة-يسير بنفس السرعة!

لماذا عندما يصطدم المشتغلون بالعلم والفكر بالشيخ النبهاني وبفكر حزب التحرير بشكل عام-لماذا يفقدون توازنهم وتطيش سهامهم؟!

لا أعلم كيف يريد الدكتور طارق عبد الحليم إقناع القارئ الجاد بجدله أعلاه؟!

كيف لقارئ وطالب علم أن يستفيد علماً بنقاش مسألة بل مسائل غاية في العمق في سطر أو سطرين؟!

إلا أن يكون المقال موجه لمن هم في ذات الطبقة الفكرية التي تثق بالدكتور والتي يكفيها الاشارة الى المعتزلة أو الأشاعرة كي تشطب وتصنف وتقصي ...

على أي،أصلح الله الجميع،واستعملنا لنصرة دين الاسلام واظهاره على الدين كله.

 

كلماتك دائماً اغلى من الذهب وأنقى من الرقراق وأطيب من الشهد على النفس.

 

وسطورك بلسم للجروح أستشعرها وهي تسري في العروق حتى تصل القلب.

 

والله ما قلتُ لك إلاّ ما شعرتُ به لحظة قراءتي لمشاركتك هذه.

 

فجزاك الله عنّا كلّ خير.

 

سأكتفي بغلق الموضوع فقط دون حذفه .. من أجل مشاركتك الأخيرة .. فهي درس تام وبليغ للمنصفين.

 

جزاك الله خيراً .. جزاك الله الجنّة .. من أخٍ حبيب قريبٍ وأستاذٍ غالٍ طيّب حريص..

 

 

.

رابط هذا التعليق
شارك

  • 2 weeks later...

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

(2) مسألة التحسين والتقبيح

في معرض حديث النبهاني عن التحسين والتقبيح، في باب الحاكم، أخذ النبهانيّ بقول المعتزلة في أنّ الحكم بالحُسن والقبح حكم عقليّ بحتٌ لا مدخل للشرع فيه، وإنما يأتي الشرع ليحددّ إمكان الفعل أو الترك، بناءً على الثواب والعقاب، وهو في التقرير الأول على مذهب المعتزلة، وفي هذا التقرير الأخير أقرب إلى الفهم الأشعريّ! يقول النبهاني "فهل الحكم بالحسن والقبح هو للعقل أو للشرع؟ إذ لا ثالث لهما في إصدار الحكم. والجواب على ذلك هو أن الحُكم على الأفعال والأشياء، إما أن يكون من ناحية واقعها ما هو، ومن ناحية ملاءمتها لطبع الإنسان وميوله الفطرية، ومنافرتها لها، وإما من ناحية المدح على فعلها والذم على تركها، أو عدم المح أو عدم الذم، أي من ناحية الثواب والعقاب عليها، أو عدم الثواب وعدم العقاب. فهذه ثلاث جهاتٍ للحكم على الأشياء، أحدها من حيث واقعها ما هو، الثاني من حيث ملاءمتها لطبع الإنسان وميوله الفطرية، ومنافرتها لها، والثالث من حيث الثواب والعقاب أو المدح والذم. فأما الحكم على الأشياء من الجهة الأولى وهي ناحية واقعها، ومن الجهة الثانية وهي ملاءمتها للطبع ومنافرتها له، فلا شك أن ذلك كله إنما هو للإنسان نفسه، أي هو للعقل لا للشرع. فالعقل هو الذي يحكم على الأفعال والأشياء في هاتين الناحيتين، ولا يحكم الشرع في أيّ منهما، إذ لا دخل للشرع فيهما. وذلك نثل العلم حسنٌ والجهل قبيح، فإن واقعهما ظاهر منه الكمال والنقص، وكذلك الغنى حسنٌ والفقر قبيح، وهكذا ...لذلك كان العقل هو الذي يحكم عليه بالحسن والقبح وليس الشرع، إي كان إصدار الحكم على الأفعال والأشياء من هاتين الجهتين هو للإنسان، فالحاكم فيهما هو الإنسان" اهـ ص14 وبعدها.

ومن هنا يتبين بلا وجه للجدل أن النبهانيّ يُثبت حُسناً وقبحاً في الأشياء ذاتها، وهو ما لا يخالف فيه أهل السنة، إنما يخالف في أن لا مدخل للشرع في تحديد ذلك الأمر على الإطلاق كما صرّح، وهو خطأ فاحشٌ، إذ للشرع مدخلٌ في تحديد الحسن والقبح، لأن الإنسان في كثيرٍ من الأحيان لا يمكنه الإستقلال بذلك على الإطلاق، فالشرع إما مُعَضدٌ لما ثبت من حسن وقبح بالعقل، وإما كاشِف عنهما ابتداءً إن لم يوافق العقل، أو اضطرب العقل فيه، وهو كثير، بل غالب. وما فات النبهانيّ، أن وصف الفعل بالحسن والقبح من جهة الشرع، تكسبه تلك الصفة تلقائياً، ويتكشف أنه حسنٌ أو قبيح بهذا الوصف الشرعيّ كما قال تعالى "وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَـٰٓئِثَ"الأعراف 157، فالشرعٌ يُعرّفُ الطيبات والخبائث بتحليلها وتحريمها، ولو تطابق ذلك مع حكم العقل فيها في كلّ مسألة لما كان للشرع مزيّة، ولو اختلفا، وحَكَم الشرع بخلاف ما في الفعل من طبيعة ذاتية، حسنة أو قبيحة، لكان تحكّم من الشارع، حاشاه. يقول بن تيمية "فالحكمة منشؤها من نفس الأمر لا من نفس المأمور به، وهذا النوع والذي قبله لم يفهمه المعتزلة، وزعمت أن الحسن والقبح لا يكون إلا لما هو متصف بذلك، بدون أمر الشارع، والأشعرية ادعوا أن جميع الشريعة من قسم الامتحان، وإن الأفعال ليست لها صفة لا قبل الشرع ولا بالشرع" كتاب القدر ج8 ص428 وبعدها. فالحسن والقبح وإن تبينا للعقل في كثيرٍ من الأحيان، إلا إنهما يخفيان عليه في كثير من الأحيان أيضاً. ومن ثم، فإنّ إطلاق القول بهذا النظر إعتزال أصوليّ لا مراء فيه.

 

 

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدي رسول الله

أشكر للأخ الكريم أبي بدر نقله هذا الموضوع إلى هنا، وأستميح أخانا الكبير أبا عمار "ابن الصديق" الاذن في فتحه للنقاش، ثم بعد ذلك سنرسل إن شاء الله رسالة لموقع الدكتور طارق نرشده فيها إلى هذا النقاش لكن بعد أن نأخذ الوقت اللازم لمثل هذا الأمر، إذ الوقت جد ضيق، ولعل كتابة بضعة سطور يعتبر بحد ذاته تحديا والله المستعان

 

أزعم بلا تردد أن الدكتور طارق لم يدقق ليقف على دقة فهم الشيخ النبهاني رحمه الله ، ولم يحلل اللغة الأصولية ولا الفكرية التي بنى بها الشيخ بحثه هذا، فخرج بنتائج مغلوطة بحاجة لتجلية

 

أولا: ما الذي دعا لبحث التحسين والتقبيح؟

في كتاب الأصول للشيخ النبهاني يبحث مسألة التحسين والتقبيح هل هي للشرع أم للعقل.

ثانيا: ما هي النتيجة النهائية التي يتوصل إليها الشيخ النبهاني؟

التحسين والتقيبح شرعيان لا عقليان

قال النبهاني في الشخصية الثالث الصفحة 13 "ولذلك كان من المقطوع به شرعاً، أن الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع، من حيث الذم والمدح."

ثالثا: الحكم الذي انتقده الدكتور طارق ما هو رأي الشيخ النبهاني به؟

 

يتصور الدكتور طارق أن الشيخ النبهاني انتهى إلى أن التحسين والتقبيح للعقل!! وهذا يدل على عدم قراءة أصولية ولا فكرية ولا قراءة المدقق لكلام النبهاني رحمه الله

فظن أنه ينتهي إلى أن التحسين والتقبيح عقليان، فينطلق من هذا الفهم المغلوط إلى وصف الشيخ بالاعتزال!!

 

لنتأمل يا دكتور طارق في كلام الشيخ الذي نقلته أنت وندقق الفهم:

 

هناك فعل يراد الحكم عليه بأنه حسن أو قبيح

ما هي المناهج الفكرية التي تبدأ من منطلقات معينة لتصدر أحكامها على الفعل بأنه حسن أو قبيح؟

هناك منطلق يقول: ملاءمة الفعل للطبع أو منافرته له

هناك منطلق يقول: واقع الفعل ما هو؟ وبالتالي نفهم واقع الفعل ونصدر الحكم

وهناك منطلق يقول: حتى تحكم على الفعل لا بد أن تعرف هل تثاب عليه أم تعاقب عليه؟ هل يجوز القيام به أم لا؟

المنطلقان الأولان ينتهيان إلى جعل الحكم بالحسن والقبح للعقل

فواقع الفعل ما هو عبارة عن تفكير بأمر محسوس، أو محسوس أثره، كأن تفكر في واقع القتل ما هو؟ العقل يستطيع الحكم على هذا الواقع بتوصيفه وبيان أثره وكيف يحصل وما هي نتائجه

ما هو واقع الزنا؟ ما هو واقع الربا؟ يستطيع العقل فهم واقع هذا الفعل وتوصيفه،

فإن نظر إلى الفعل من هذه الزاوية خرج الناظر بتصور أن التحسين والتقبيح عقليان

لكن الشيخ النبهاني يرفض هذه الزاوية للحكم على الأفعال

كما يرفض زاوية ملاءمتها للطبع أو منافرتها له

ويقرر بأن الزاوية الصحيحة والوحيدة التي يجب الانطلاق منها للحكم على الأفعال هي زاوية الثواب والعقاب، زاوية السماح بالقيام بالفعل أو المنع عنه

قالها بوضوح في نهاية الفقرة المنقولة من قبل الدكتور طارق، ومر عليها الدكتور مرور الكرام، ولم يثبتها في نقله وانتقاده، وهذا ليس من الأمانة العلمية ولا من الدقة بمكان:

قال الشيخ النبهاني:

 

"والحكم على الأفعال والأشياء بالمدح والذم هو لتعيين موقف الإنسان منها. فهو بالنسبة للأشياء، يبين هل يجوز له أخذها أو يحرم عليه، ولا يتصور غير ذلك من حيث الواقع. وبالنسبة لأفعال الإنسان، هل يطلب منه أن يقوم بها، أو يطلب منه أن يتركها، أو يخير بين الفعل والترك. ولما كان هذا الحكم من هذه الجهة لا يكون إلا للشرع؛ لذلك يجب أن تكون أحكام أفعال الإنسان، وأحكام الأشياء المتعلقة بها، راجعة للشرع لا للعقل، فيجب أن يكون حكم الشرع وحده هو المتحكم بأفعال العباد، وبالأشياء المتعلقة بها أفعالهم.

وفوق ذلك، فإن الحكم على الأشياء من حيث الحل والحرمة، وعلى أفعال العباد من حيث كونها واجباً، أو حراماً، أو مندوباً، أو مكروهاً، أو مباحاً، وعلى الأمور والعقود من حيث كونها أسباباً، أو شروطاً، أو موانع، أو صحيحة وباطلة وفاسدة، أو عزيمة ورخصة، كل ذلك ليس من قبيل ملاءمتها للطبع أو عدم ملاءمتها، ولا هو من قبيل واقعها ما هو، وإنما من قبيل ترتب المدح والذم عليها في الدنيا، والثواب والعقاب عليها في الآخرة؛ ولذلك كان الحكم في شأنها للشرع وحده وليس للعقل؛ فيكون الحاكم حقيقة على الأفعال، وعلى الأشياء المتعلقة بها، وعلى الأمور، والعقود، إنما هو الشرع وحده، ولا حكم للعقل في ذلك مطلقاً."

 

انتهى

إذن: فالشيخ النبهاني يقول: خطأ اتخاذ زاوية واقع الفعل ما هو للحكم عليه واتخاذ الموقف حياله أيقوم به الانسان أم يبتعد عنه

خطأ زاوية الملاءمة للطبع أو المنافرة له للحكم عليه أيقوم به الانسان أم لا؟

والزاوية الصحيحة والوحيدة التي يجب اتخاذ الموقف بناء عليها هي: هل حسنه الشرع أم قبحه؟ هل يثيب عليه الشارع أم يعاقب عليه؟

 

وعليه

فإن الدكتور طارق حارب طواحين الهواء ، ولم يحسن قراءة النص ولا فهم المراد منه

 

إن الشيخ النبهاني رحمه الله إنما يشنع على من يتخذ موقفه من الفعل بناء على تحسين عقلي أو تقبيح عقلي، منطلقين من واقع الفعل أو من ملاءمته للطبع

ويقول لهم: الموقف الصحيح هو التحسين الشرعي، والزاوية الصحيحة هي بحث الفعل من حيث موقف الشرع منه فما أثاب عليه الشارع وأمر به يفعل، وما نهى عنه يترك

 

فأي الفريقين أحق بالأمن يا دكتور؟

 

وأين هي ملامح الاعتزال؟ وهذه التصنيفات البغيضة التي يسارع أحدكم لرمي الشيخ بها، وكما قال القائل

وكم من عائب قولا دقيقا وآفته من الفهم السقيم

 

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

(2) مسألة التحسين والتقبيح

 

ومن هنا يتبين بلا وجه للجدل أن النبهانيّ يُثبت حُسناً وقبحاً في الأشياء ذاتها، وهو ما لا يخالف فيه أهل السنة، إنما يخالف في أن لا مدخل للشرع في تحديد ذلك الأمر على الإطلاق كما صرّح، وهو خطأ فاحشٌ، إذ للشرع مدخلٌ في تحديد الحسن والقبح، لأن الإنسان في كثيرٍ من الأحيان لا يمكنه الإستقلال بذلك على الإطلاق، فالشرع إما مُعَضدٌ لما ثبت من حسن وقبح بالعقل، وإما كاشِف عنهما ابتداءً إن لم يوافق العقل، أو اضطرب العقل فيه، وهو كثير، بل غالب. وما فات النبهانيّ، أن وصف الفعل بالحسن والقبح من جهة الشرع، تكسبه تلك الصفة تلقائياً، ويتكشف أنه حسنٌ أو قبيح بهذا الوصف الشرعيّ كما قال تعالى "وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَـٰٓئِثَ"الأعراف 157، فالشرعٌ يُعرّفُ الطيبات والخبائث بتحليلها وتحريمها، ولو تطابق ذلك مع حكم العقل فيها في كلّ مسألة لما كان للشرع مزيّة، ولو اختلفا، وحَكَم الشرع بخلاف ما في الفعل من طبيعة ذاتية، حسنة أو قبيحة، لكان تحكّم من الشارع، حاشاه. يقول بن تيمية "فالحكمة منشؤها من نفس الأمر لا من نفس المأمور به، وهذا النوع والذي قبله لم يفهمه المعتزلة، وزعمت أن الحسن والقبح لا يكون إلا لما هو متصف بذلك، بدون أمر الشارع، والأشعرية ادعوا أن جميع الشريعة من قسم الامتحان، وإن الأفعال ليست لها صفة لا قبل الشرع ولا بالشرع" كتاب القدر ج8 ص428 وبعدها. فالحسن والقبح وإن تبينا للعقل في كثيرٍ من الأحيان، إلا إنهما يخفيان عليه في كثير من الأحيان أيضاً. ومن ثم، فإنّ إطلاق القول بهذا النظر إعتزال أصوليّ لا مراء فيه.

 

 

 

الاحظ التناقض الصارخ في كلام الدكتور طارق

أولا: لا يخالف أهل السنة أن الأفعال في ذاتها فيها حسن وقبح، بمعنى آخر يوافق أن التحسين والتقبيح من زاوية واقع الفعل أو واقع الشيء هو للعقل، والجملة التي قالها الدكتور بوضوح هي:

 

ومن هنا يتبين بلا وجه للجدل أن النبهانيّ يُثبت حُسناً وقبحاً في الأشياء ذاتها، وهو ما لا يخالف فيه أهل السنة،

 

 

إذن، فالدكتور يوافق أن العقل يستطيع الحكم على الأفعال من ناحية واقعها بأنها حسنة أو قبيحة،

ثانيا:

ينفي أن يستطيع العقل ذلك في كل مرة، بل يحتاج للشرع ليحدد له الموقف أحيانا

قال:

لأن الإنسان في كثيرٍ من الأحيان لا يمكنه الإستقلال بذلك على الإطلاق، فالشرع إما مُعَضدٌ لما ثبت من حسن وقبح بالعقل، وإما كاشِف عنهما ابتداءً إن لم يوافق العقل، أو اضطرب العقل فيه، وهو كثير، بل غالب.

 

 

إذن فالتناقض الأول: أنه في حين أن العقل يستطيع ذلك، إلا أنه في أغلب الأحيان لا يستطيعه!! ويحتاج للشرع ليعضد فهمه فيه أو ليرشده إلى أين الحسن والقبح

لاحظوا أيها الأكارم أننا نتحدث عن العقل يحكم من زاوية واقع الفعل لا من زاوية الثواب والعقاب

السؤال هو: هل يخالف الدكتور هنا أهل السنة؟ فبعد أن أثبت أنهم يقرون على ذلك زعم بأن أغلب ما يتوصل إليه العقل عرضة لأن يكون خطأ وبالتالي احتاج لغيره ليرشده؟

 

ثم التناقض الثالث:

 

فالشرعٌ يُعرّفُ الطيبات والخبائث بتحليلها وتحريمها، ولو تطابق ذلك مع حكم العقل فيها في كلّ مسألة لما كان للشرع مزيّة، ولو اختلفا، وحَكَم الشرع بخلاف ما في الفعل من طبيعة ذاتية، حسنة أو قبيحة، لكان تحكّم من الشارع، حاشاه.

 

إذن: إذا تناقض الشرع مع العقل، وكان حكم العقل بأن الفعل حسن، وحكم الشرع بأنه قبيح لكان ذلك تحكما من الشرع - حاشاه- فلا بد أن يوافق حكم الشرع خكم العقل حتى لا يكون متحكما

وفي الوقت نفسه نرى التناقض الرابع

لو كان حكم العقل مطابقا لحكم الشرع في كل مرة لما كان للشرع مزية، ولما احتجنا للشرع!!

 

لحظة يا دكتور، لم يسعفني فهمي!!

 

أنت تقرر أن الطبيعة الذاتية للفعل تنطق صارخة بأنني حسن!!

فإن جاء الشرع وخالف ذلك فهذا تحكم منه

واعترضت على أن الشيخ النبهاني يقرر أن الفعل من حيث ذاته يمكن أن يحكم عليه بالحسن والقبح

ورجعت لتثبت ما اعترضت عليه

رغم الفرق بين ما تقول وبين ما قال النبهاني

فهو انتهى إلى منع جعل الحكم على الفعل من منطلق واقعه ما هو

وأنت انتهيت إلى ما اعترضت عليه

ورميت الشيخ بالاعتزال وكلامك كله اعتزال

فأسعف فهمي!!

 

 

الخلاصة:

 

اقرأ ما انتهى إليه الشيخ النبهاني رحمه الله والزم غرزه!!

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

(2) مسألة التحسين والتقبيح

 

كما كان خطأ النبهاني هناك أنه فرّق بلا دراية بين الحسن والقبح، وبين المدح والذم، وهى تفرقة لا دليل عليها من شرعٍ أو عقل. فإن ما هو حسنٌ ممدوحٌ شرعاً مثاب عليه، وما هو قبيحٌ مذموم شرعاً معاقب عليه، ولا فرق. كما اضطرب فيما قال بعدها من أن العقل يصدر أحكامه "بالإحساس"، ومن ثم لا يمكنه أن يحكم بالمدح والذم! وصار يخلط في هذه النقطة فلم يبين هل هذا "الإحساس" بمعنى "الحسّ" الفيزيقي" أم "الشعورىّ"؟ ، قال النبهاني "فالإحساس جزء جوهري من مقومات العقل، فإذا لم يحس الإنسان بالشي لم يمكن لعقله أن يصدر حكما عليه. لأن العقل مقيد في حكمه على الأشياء بكونها محسوسة (!) ويستحيل عليه إصدار حكم على غير المحسوسات، وكون الظلم مما يمدح أو يذم ليس مما يحسه الإنسان، لأنه ليس شيئا يُحس (!) - وكأن الحسن والقبح شيئاً يحسّ - .. وإن كان يشعر الإنسان بفطرته بالنفرة منه أو الميل اليه، ولكن الشعور وحده لا ينفع في إصدار العقل حكمه على الشئ، بل لابد من الحسّ (!).." ص16. وواضح شدة الإضطراب والخلط في هذا المعنى، كما يتضح تأثره بأقوال الرازى الفيلسوف في هذا الصدد.

ثم قرر النبهانيّ بعدها بأنه "لا حكم (على الأشياء) قبل ورود الشرع" ص18، وهذا كذلك خطأ عقديّ إن أُخذ على إطلاقه، فإن الناس كانوا مكلفين بالتوحيد قبل ورود الرسالة المحمدية، وفي زمن الفترات، ولذلك حكم الله عليهم بالكفر ابتداءً إلا من كان من المتحنفين، مثل زيد بن عمرو بن نفيل وغيره. والصحيح أنه لا عذاب قبل ورود الرسالة، والفرق بينهما كبير. ولا ندرى من أين جاء بمقولة أنّ أهل الفترة ناجين، فهي خطأ محض، فالقول في أهل الفترة قولان، إنا أنهم معذبون، وهو الأقوى، وإما أنهم يمتحنون على عرصات القيامة، وهو الأضعف، راجع كتابنا "الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد"، ولا ثالث للرأيين!

 

 

مجموعة ضخمة من التناقضات والتجاوزات، لا نرضاها للدكتور

أولا أنت تقول:

 

كما كان خطأ النبهاني هناك أنه فرّق بلا دراية بين الحسن والقبح، وبين المدح والذم، وهى تفرقة لا دليل عليها من شرعٍ أو عقل. فإن ما هو حسنٌ ممدوحٌ شرعاً مثاب عليه، وما هو قبيحٌ مذموم شرعاً معاقب عليه، ولا فرق.

 

لاحظ أن الشيخ النبهاني جعل أساس الحكم على الفعل بأنه حسن أو قبيح وبأنه يفعل أو يترك هو المدح والذم والثواب والعقاب، فما كان ممدوحا ومثابا عليه من قبل الشارع فهو الحسن

ولم يقل: الحسن قد يكون مذموما من قبل الشارع

 

هذا خطأ في البحث والفهم لا يغتفر يا دكتور طارق!!

 

ثم:

 

بالنسبة للاحساس وكونه من مقومات العقل هذا بحث طويل يراجع فيه كتاب التفكير حتى تقف على ما يريد الشيخ النبهاني قوله في بحث: ما يستطيع العقل الحكم عليه وما لا يستطيع بحثه

 

ولا أراه موضوعا لصيقا هنا وأخشى الإطالة فسأتجاوز عنه

 

أما إدخال العقيدة في الاحكام الشرعية، فهي زلة كبيرة يا دكتور، وخلط لا يصح

قلت:

 

ثم قرر النبهانيّ بعدها بأنه "لا حكم (على الأشياء) قبل ورود الشرع" ص18، وهذا كذلك خطأ عقديّ إن أُخذ على إطلاقه، فإن الناس كانوا مكلفين بالتوحيد قبل ورود الرسالة المحمدية، وفي زمن الفترات، ولذلك حكم الله عليهم بالكفر ابتداءً إلا من كان من المتحنفين،

 

أحيلك في هذه المسألة إلى كتب أهل العلم ، فإن بحثها يطول، وأنقل لك شيئا يسيرا:

 

إن رب العالمين سبحانه أمرنا باتباع الشرع وحده، فقال عز من قائل: { اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } (3) الأعراف، { قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ } (45)الأنبياء، { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (7)الحشر، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) النساء، { فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى} (36) القيامة { إنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ } 57 الأنعام، 40 يوسف، 67 يوسف، { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (10) الشورى.

يقول الشوكاني في إرشاد الفحول (ص6): «ولا خلاف في كون الحاكم هو الشرع وذلك بعد البعثة وبلوغ الدعوة»، ويقول الغزالي في المستصفى (ص40): «والمحكوم فيه هو فعل المكلّف ولا حكم قبل ورود الشرع والعقل معرِّف للحكم وليس بحاكم»، وقال النووي رحمه الله في المجموع شرح المهذب، في كتاب الطهارة: وَكُتُبِ الْمَذْهَبِ أَنَّ أَصْلَ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الْإِبَاحَةِ أَمْ التَّحْرِيمِ أَمْ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ ؟ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ الصَّحِيحُ مِنْهَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَلَا يُحْكَمُ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي شَيْءٍ يَفْعَلُهُ بِتَحْرِيمٍ وَلَا حَرَجٍ ، وَلَا نُسَمِّيهِ مُبَاحًا لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالتَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ ، فَكَيْفَ يَدَّعِي ذَلِكَ قَبْلَ الشَّرْعِ . وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ سَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْعِ ، وَأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُثْبِتُ شَيْئًا.

 

انتهى من كتاب لا يصلح الانسان في أي زمان أو مكان إلا بالاسلام

 

يا دكتور طارق: إنما تكون النذارة بالوحي، ويحاسب الناس على اتباع الوحي، ومن لم يخاطب بالوحي في فترة من الرسل، فانظر ما قال عنه وفيه الشيخ

محمد أمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: قولـه تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولا﴾.

 

والحمد لله رب العالمين

رابط هذا التعليق
شارك

السلام عليكم

نشكر أخانا الكبير أبا مالك فقد أحسن الإجابة على ما تقوله د. طارق عبد الحليم بشأن أصول الفقه لحزب التحرير والشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله تعالى.

وقد عقب فيه على خلل منهجي لدى الدكتور طارق ونخص فيه ذكر ما يلي:

 

أزعم بلا تردد أن الدكتور طارق لم يدقق ليقف على دقة فهم الشيخ النبهاني رحمه الله ، ولم يحلل اللغة الأصولية ولا الفكرية التي بنى بها الشيخ بحثه هذا، فخرج بنتائج مغلوطة بحاجة لتجلية

 

انظر أيضا:

 

يتصور الدكتور طارق أن الشيخ النبهاني انتهى إلى أن التحسين والتقبيح للعقل!! وهذا يدل على عدم قراءة أصولية ولا فكرية ولا قراءة المدقق لكلام النبهاني رحمه الله

فظن أنه ينتهي إلى أن التحسين والتقبيح عقليان، فينطلق من هذا الفهم المغلوط إلى وصف الشيخ بالاعتزال!!

 

انظر أيضا:

 

وعليه

فإن الدكتور طارق حارب طواحين الهواء ، ولم يحسن قراءة النص ولا فهم المراد منه

 

انظر أيضا:

 

فأي الفريقين أحق بالأمن يا دكتور؟

 

وأين هي ملامح الاعتزال؟ وهذه التصنيفات البغيضة التي يسارع أحدكم لرمي الشيخ بها، وكما قال القائل

وكم من عائب قولا دقيقا وآفته من الفهم السقيم

 

الاحظ التناقض الصارخ في كلام الدكتور طارق

........

مجموعة ضخمة من التناقضات والتجاوزات، لا نرضاها للدكتور

 

أما إدخال العقيدة في الاحكام الشرعية، فهي زلة كبيرة يا دكتور، وخلط لا يصح

 

فالخلل أكبر من الحكم على الشيخ تقي الدين، وهو ينسحب على منهجية في البحث والحكم لا بد من إدراكها كما رأيتم.

 

والحمد لله رب العالمين

رابط هذا التعليق
شارك

ايها الإخوة

 

السلام عليكم ورحمة الله

 

يفضل عند الاطلاع وقراءة من يكتب عن الحزب أو أدبياته الانتباه إلى الخلفية الفكرية للكاتب فذلك يعين في فهم منهجية الكتابة والبحث، وكذلك يمكن رؤية الخلاصة التي يرمي إليها الباحث، والأهم تشخيص الخلل والزيغ.

 

وقد كتبت موضوعا منفصلا حول هذا الأمر بعنوان "منهجية البحث عند اتباع المدرسة السلفية الوهابية" ورابطه ما يلي:

 

http://www.alokab.co...?showtopic=2935

 

 

يمكنكم الاطلاع عليه هناك

 

والله الموفق

تم تعديل بواسطه يوسف الساريسي
رابط هذا التعليق
شارك

السلام عليكم

 

لقد كتبت في موضوع "منهجية البحث عند اتباع المدرسة السلفية الوهابية" الرأي التالي حول كلام د. طارق عبد الحليم:

 

السلام عليكم

 

فيما يتعلق بما كتبناه حول السلفية، وجب الانتباه إلى أننا لم نقصد التعرض لكل شخص وكل فكرة قال بها أحد السلفيين للرد عليها وتفنيدها إن كانت مجانبة للصواب، إنما المقصود هو وضع خطوط عريضة عن طريقة ومنهجية البحث والتفكير عند أتباع السلفية.

 

فنحن لسنا معنيين هنا بالرد على ما قاله ابن تيمية في ما يتعلق بصفات الله ولا التعرض لما ذكره محمد بن عبد الوهاب للنواقض العشرة للتوحيد ورايه في الولاء والبراء، ولا معنيون بالجامية ولا بالسرورية ولا بالسلفية الجهادية.

 

العناية تنصب هنا على تبيان منهجية في التفكير والبحث لدى السلفيين عموما كخطوط عريضة، فهم ليسوا مدرسة موحدة ولا متجانسة فكريا ولا سياسيا، وليس لهم تبنيات واضحة محددة ولا طريقة في العمل والإصلاح، وهم ليسوا حزبا سياسيا ولا جماعة منظمة، وإنما هناك شيوخ واتباع وتيار عام يسمى سلفية لذلك تجد عندهم اختلافات وتناقضات فكرية وفقهية وسياسية واقتصادية وغير ذلك.

 

ما أردنا التركيز عليه في منهجية السفيين فهم الخلفية الفكرية التاريخية لأفكارهم وآرائهم ومنهجيتهم، وهذا يساعدنا في تفكيك وتفسير سبب تشددهم وتشنيعهم على الآراء المخالفة لهم ورمي غيرهم وبكل سهولة بالاعتزال والإرجاء والخروج مما يعني القدح في الأشخاص والهيئات والأحزاب دون وجه حق.

 

فتراهم يذكرون لغيرهم أوصافا مقيتة مثل الانحراف والاضطراب الشديد والابتداع (وهذا قول بدعيّ شنيع) والأخطاء العقدية والخروج من دائرة الإسلام والغلو ثم الكلام بصيغة المجهول أحيانا وبضمير الغائب والبعيد أحيانا أخرى مما يوحي للقارئ بشكل نفسي وغير مباشر أن ذلك المذكور "أدناه" ذو شناعة وقذارة وسوء أخلاق وسوء فهم وسوء رأي وفكر وبالتالي فلا يؤخذ منه دين ولا فقه ووجب اعتزاله ومنعه من الفتيا والكلام وإلا فالضرب به أولى.

 

وكذلك ينسبون إلى انفسهم إدعاء الحق الذي لا مرية فيه، وأنهم هم أهل السنة فقط وأن كل من خالفهم ليس من أتباع الفرقة الناجية، فيرمون من خالفهم بانهم معتزلة وجبرية ومرجئة وخوارج وقدرية ورافضة وغير ذلك من الأوصاف التي توحي بالاستقذار والنفي والطرد للمخالفين.

كل هذا الطعن والغمز واللمز نرى أنه مما يخالف فقه الإسلام في التعامل مع المسلمين المخالفين في الفروع والتعامل مع الآراء الشرعية المختلفة (أشداء على الكفار رحماء بينهم) فغياب الرحمة وأدب الإسلام في تعاملهم مع المسلمين له أسباب أردنا وضع الاصبع عليها.

 

ومما يحز في النفس كثيرا هو عدم النزاهة العلمية في النقل عن المخالفين أو الافتراء عليهم أو تقويلهم ما لم يقولوه أو الفهم الغريب للكلام ثم البناء عليه والرد بالتشنيع والتغليط. ولله در القائل للقاعدة الذهبية (أن كنت ناقلا فالصحة، وإن كنت مدعيا فالدليل).

 

ومن الطبيعي أن يحمل هذه الآراء اتباع هؤلاء المشايخ دون رجوع للمصادر الأصلية ودون روية ولا انعام نظر، ثم يرمونك بأبشع التهم، مما يولد لديهم ولدى من يستمع إليهم أحقادا وغلا للذين آمنوا وهذا مما يؤسف له حقا، فلو ناقشوك بشكل علمي منهجي يظهر فيه أدب الإسلام في الاختلاف والالتزام بالأحكام الشرعية لكان خيرا لهم، فندعو الله لنا ولهم بالهداية وأن يكونوا ذوي رحمة بالمؤمنين وأن لا يجعل في صدور الجميع غلا للذين آمنوا.

 

وبناء على هذا المنهجية المذكورة أعلاه، تستطيع فهم كيفية ومنهجية تعامل اتباع المدرسة السلفية في البحث ومناقشة الغير، وتفهم سر هذا التشدد والشطط في التعامل مع المخالفين، وبالتالي تعذر أصحاب المثل الشعبي القائل (لا تكون حنبلي).

 

أخيرا قوموا بتطبيق هذا الكلام المذكور أعلاه على منهجية الدكتور طارق عبد الحليم في تعامله مع الشيخ تقي الدين النبهاني وحزب التحرير وسترون العجب العجاب مما يُستفز له الجماد من كثرة المغالطات ومجانبة الصواب.

 

والله الموفق وعليه التكلان.

 

وطلبت في النهاية التالي:

 

أخيرا قوموا بتطبيق هذا الكلام المذكور أعلاه على منهجية الدكتور طارق عبد الحليم في تعامله مع الشيخ تقي الدين النبهاني وحزب التحرير وسترون العجب العجاب مما يُستفز له الجماد من كثرة المغالطات ومجانبة الصواب.

 

والحمد لله رب العالمين

رابط هذا التعليق
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

ابتداء نحن لا نحبذ الرد على الاتهامات الباطلة المزعومة، فليس من عادة حزب التحرير أن يرد على الافتراءات عليه، كي لا يجعل الساحة الإسلامية ساحة سجال بين المسلمين، ولكنه يبين الخط المستقيم بجانب الخطوط العوجاء العرجاء. وردنا هنا هو رد شخصي يتعلق بأشخاصنا ولا علاقة له بأي رد رسمي ولأن الموضوع قد عرض المنتدى وطلب بعض الشباب الرد عليه.

 

من قراءة الموضوع يظهر أن د. طارق عبد الحليم أراد أن يثبت قضية الا وهي "الانحراف في التوجه الأصوليّ" عند الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله تعالى وحزب التحرير، والذي –في رأيه- أدى واتسمت الآراء التي تبناها، ومن ثمّ الفتاوى التي صدرت عن حزبه، بالاضطراب والغرابة في عدة مجالاتٍ. ثم يقول:

 

وقد رَصدنا في حديث النبهانيّ في مادة الأصول، تناقضاً واضِحاً، إلى جانب الأخْطاء العَقدية والأصوليّة التي أدت إلى نتائج مُرّة في اتجاه حركته

 

هذا ما يريد د. طارق أن يثبته من دراسة أصول الفقه لدى الشيخ تقي الدين، فهل نجح في إثبات زعمه أم لا؟ هذا ما سنراه.

 

يختار د. طارق خمس قضايا ليثبت رأيه وزعمه للانحراف والأخطاء العقدية والأصولية عند حزب التحرير وهي:

  • مسألة التحسين والتقبيح،
  • ومسألة العفو والمسكوت عنه،
  • ومسألة الأدلة الشرعية ،
  • ومسألة خبر الآحاد
  • ثم يطبق مقولته على حديث فاطمة بنت قيس.

وللنظر تقييمه لأصول الحزب والشيخ تقي الدين كما يلي:

  1. مسألة التحسين والتقبيح:

يشنع د. طارق على الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى بالقول تارة بأنه معتزلي ومتأثر بالفلسفة وتارة أخرى أنه يتكلم بلا دراية وأنه مضطرب وأنه يخلط وما إلى ذلك من أحكام، وهذه وحدها فيها ما فيها من سوء الخلق كعادة أدعياء السلفية، وقد رد عليه أخونا أبو مالك وبين له من المضطرب ومن الذي يخلط ومن لديه سوء الفهم ويتقول على الشيخ ما لم يقله.

 

وهناك نشرة للشيخ تقي الدين بعنوان " دور العقل في الاسلام " وقد ورد فيها ما يلي:

 

هذا بالنسبة الى العقيدة الاسلامية واما ما ينبثق عنها من احكام فان للعقل فيها دوران احدهما : دور الفهم والاجتهاد بالاستنباط والقياس . وثانيهما دور التكليف فهو مناط التكليف الشرعي .

وقد التبس امر وصف العمل عند بعض المسلمين من كونه حسنا او قبيحا فعزاه البعض الى العقل وعزاه الاخرون الى الشرع والحقيقة ان وصف العمل ليس اتيا من ذات العمل فهو ات من قبل ملابسات واعتبارات خارجة عنه هي التي تصفه بالحسن او القبح وهذا الغير اما ان يكون العقل وحده او الشرع وحده واما ان يكون العقل والشرع دليل عليه او الشرع والعقل دليل عليه . اما وصفها من ناحية العقل وحده فباطل لان العقل عرضة للتفاوت والاختلاف والتناقض . اذ قياساته تتأثر بالبيئة التي يعيش فيها وتتفاوت وتختلف بالعصور على تعاقبها وبهذا يكون الشيء قبيحا عند فئة من الناس وحسنا عند اخرين او قبيحا في عصر وحسنا في اخر، والاسلام بوصفه المبدأ العالمي الخالد يقضي بان يكون الوصف للعقل بالحسن او القبح ساريا على جميع بني الانسان في جميع العصور ولذلك لا بد ان يكون هذا الوصف اتيا من قوة وراء العقل اي من الشرع . واما جعل الشرع دليلا على ما دل عليه العقل فهو يقضي بجعل العقل حكما في الحسن والقبح وقد بينا بطلانه .

اما جعل العقل دليلا على ما دل عليه الشرع فهو يقضي بجعل العقل دليلا على الحكم الشرعي مع ان الحكم الشرعي دليله الشرع"‎النصوص الشرعية"لا العقل . ومهمة العقل هي كما ذكرنا سابقا فهم الحكم الشرعي لا جعله دليلا او حكما ومن هنا ان وصف العمل بالحسن او بالذم شرعيا لا عقليا ."

 

 

وعلى الهامش ليس كل من قال رأيا في مسألة ووافق رأيه رأيا لأحد ما، فيتهم بتهمة أنه أخذها عنه فهذا إدعاء من غير دليل خصوصا إذا كانت التهمة فيها غمز ولمز بعقيدة الشخص.

 

وماذا ينبني على هذه القضية من خلط عقائدي واصولي، فالشيخ تقي قرر أن الحاكمية للشرع ولا يجوز للعقل أن يشرع بالحل والحرمة أو الثواب والعقاب، فالاختلاف في هذه النقطة مع د. طارق ومع غيره هو اختلاف في موضوع لا علاقة له بالنتيجة المراد إثباتها عند د. طارق فهل قرر الشيخ تقي الدين إدخال العقل في التشريع حتى يتهم؟ فهل هذا كافٍ لك لرفع التهمة عنه بالاعتزال؟

 

ففي هذه النقطة لم يوفق د. طارق في إثبات وجود إنحراف في الأصول ولا في العقيدة وفشل فشلا ذريعا.

 

يتبع بإذن الله

تم تعديل بواسطه يوسف الساريسي
رابط هذا التعليق
شارك

تابع (2):

 

2. مسألة المباح والعفو والمسكوت عنه:

 

الموضوع متعلق بمسألة أقسام الحكم الشرعي وهي خمسة وهي الفرض والمندوب والمباح والمكروه والحرام، وكون الشيخ تقي يعتبر العفو هو الحلال ويدخله تحت الحكم الشرعي، فهل هذا من الباطل ومن طرق الزائغين يا د. طارق، أم هو ينسجم من أن الشريعة كاملة تامة لا مجال فيها لمسألة ليس لله فيها حكم! فالمسألة مسألة تقسيم وتصنيف وتبويب وليس مسألة حق وباطل

 

فأين الخلل الأصولي وهل قال الأصوليون بوجود حكم سادس أو سابع اسمه العفو أو المسكوت عنه؟ أين هو علم الصول يا د. طارق؟! فهل ما قاله من طرق الزائغين؟!

 

أما الإدعاء بأن الشيخ يقول بأن: "أي حكم شَرعيّ فلابد له من دليل ثابتٍ خاصٍ، كما سيدعى بعد ذلك في باب الأدلة الشرعية، والتعليق : وهو باطل عار عن الصحة"

 

فأين البطلان في الكلام يا دكتور؟ هل استناد الحكم الشرعي للدليل هو الباطل؟ أم أن الشيخ تقي يدعي –كما تقول- بوجوب دليل خاص ثابت لكل حكم شرعي؟

 

وهذا الكلام فيه تجني على الحقيقة فهناك من الأحكام ما هو عام وخاص، وهناك المطلق والمقيد وهناك المجمل والمفصل، وهذا كله ثابت في كتب الاصول ومنها كتاب الشخصية الإسلامية الجزء 3 (انظر موضوع الخصوص وأدلة تخصيص العموم من صفحة 249 إلى صفحة 260) فأرجو أن تقرأه.

 

وفي هذه النقطة لم يوفق د. طارق في إثبات وجود إنحراف في الأصول كما يدعي ولا انحراف في العقيدة، والمسألة العفو والمسكوت عنه ورفع الحرج كلها تدخل تحت خطاب الشارع المقسم عند الأصوليين والفقهاء إلى خمسة أحكام شرعية، ولذلك فلا تعدو المسألة من كونها تقسيم وتبويب للأحكام الشرعية.

 

 

3. الأدلة الشرعية

 

يدعي د. طارق بأن الشيخ تقي الدين ردّ كل سائر الأدلة الشرعية، وهو قول بدعيّ شنيع يدلّ على قصر نظرٍ وتحكم ومغالاة،

 

يقول الشيخ تقي الدين تحت عنوان الأدلة الشرعية يجب أن تكون قطعية صفحة 67 "وما عدا هذه الأربعة لا يعتبر دليلا شرعيا لأنه لم يقم الدليل القطعي عليه"

 

ثم الأصل فيمن يريد أن يحكم على شخص أن لا يقرأ قوله عضين، فالشيخ لا يقول بأن هذه الأدلة غير شرعية ومردودة، ولكنه ليست في حقه دليلا فلا يأخذ بها لأن دليلها ظني.

 

ولو كلف د. طارق نفسه لقرأ في نفس الكتاب ص 404 تحت عنوان "ما ظن أنه دليل وليس بدليل" حيث يقول:

 

"إلا أن الاستدلال بغير هذه الأدلة الأربعة مما فيه شبهة الدليل يعتبر من الاستدلال الشرعي ، وما يستنبط بحسبه من الأحكام يعتبر حكما شرعيا، لأن له شبهة الدليل ، ولكن من لا يعتبرها أدلة لا يكون في حقه حكما شرعيا، ولكنه يكون في نظره حكما شرعيا، لأن له شبهة الدليل."

 

فكيف تطيب نفس د. طارق اتهام الشيخ تقي الدين بأن قوله بدعيّ شنيع يدلّ على قصر نظرٍ وتحكم ومغالاة، فمن هو أحق بهذه الأوصاف؟

ثم كيف يمكن الإدعاء بأن أعمدة الفقهاء والعلماء الأصوليين لم يردوا أدلة غيرهم، فالشافعي مثلا يتبنى حصر الأدلة الشرعية بأربعة وقال بإبطال الاستحسان ردا على أبي حنيفة، والإمام أحمد ينكر وجود إجماع غير اجماع الصحابة،

 

فمن هو صاحب البدعة والتحكم والمغالاة يا ترى؟

 

يتبع بإذن الله

تم تعديل بواسطه يوسف الساريسي
رابط هذا التعليق
شارك

تابع (3)

 

4. حجية أخبار الآحاد

 

القارئ لكلام د. طارق يظن أن هذه المسالة أي حجية أخبار الآحاد في العقائد (وهو تقصد عدم ذكر العقائد) هي من المسلمات ولا خلاف فيها وحقيقة نستغرب من كون د. طارق عالما في الأصول، وكأنه لم يطلع على رأي جمهرة علماء أصول الدين والفقه الذين يقولون بأن خبر الواحد لا يفيد العلم وأنه ظني الثبوت، ولذلك يعتبرون منكر خبر الآحاد ليس بكافر –حتى عند السلفية- فلو كان خبر الواحد قطعي الثبوت لكان منكره كافرا، لكن كون د. طارق سلفيا متأثرا بمدرسة الحديث فهو لا يحب التفريق بين ما هو قطعي الثبوت وما هو ظني الثبوت في الأحاديث لأنها ليست من صلب اختصاص المحدثين.

 

وقد نقل الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى في كتابه الشخصية الإسلامية جزء 3 صفحة 66 عن الإمام جمال الدين الأسنوي في كتابه نهاية السؤل ما يلي:

 

"وأما الآحاد فهو باطل لأن رواية الآحاد إن أفادت فإنما تفيد الظن، والشارع إنما أجاز الظن في المسائل العملية دون العلمية كأصول الدين وكذلك قواعد أصول الفقه، كما نقله الأنباري شارح البرهان عن العلماء قاطبة".

 

فالعلماء قاطبة يقولون بعدم حجية أخبار الآحاد في الأصول وليس فقط الشيخ تقي الدين يا د. طارق، وغني عن الذكر أن رأي المدرسة السلفية قد خالفت رأي الجمهور في إفادة خبر الواحد للظن.

 

ولو أدرك د. طارق استدلال الشيخ تقي الدين في مسألة خبر الواحد لما تجرأ هذه الجرأة عليه، فيكفيه من هذا الأمر فائدة، انهيار الكثير من إدعاءات وغلو الفرق الإسلامية في مسائل الاعتقاد، فمثلا نحن لا نقر الشيعة الإمامية على اعتقاداتهم عن أهل البيت المبنية على أدلة ظنية من أخبار الآحاد ونسقط معتقدهم في عصمة آل البيت وكون الإمامة من العقيدة وبكون كلام آل البيت رضوان الله عليهم حجة شرعية.

 

أما موضوع رد الحديث دراية فليست بدعة ابتدعها الشيخ تقي الدين لم يسبقه إليها أحد، فهي قضية أصولية وحديثية مشهورة لا يجهلها عالم، وضابطها ليس الاحتكام للعقل -كما يزعم- بل لها ضوابط أصولية وقواعد علم أصول الحديث معروفة لدى من له أدنى معرفة بعلم الحديث.

 

قد قسم العلماء علم الحديث إلى قسمين: علم الحديث رواية، وعلم الحديث دراية. ... تعريف علم الحديث دراية -ويطلق عليه مصطلح الحديث أو أصول الحديث أو علوم الحديث-: فهو العلم بقواعد يُعرف بها أحوال السند والمتن من حيث القبول أوالرد، أو هو القواعد المُعَرِّفة بحال الراوي والمروي.وعلم الحديث دراية يُوَصِّل إلى معرفة المقبول من المردود بشكل عام، أي بوضع قواعد عامة،

http://www.islamweb....atwaId&Id=38740

 

والأصوليون والفقهاء في العادة لهم مبحث يسمى التعارض بين الأدلة، وعندهم إعمال الدليلين خير من إهمال أحدهما، فإذا تعارضت الأدلة يقدمون قطعي الثبوت (القرآن والمتواتر) على ظني الثبوت (خبر الآحاد) فهل علم الدراية منكر يا د. طارق!!؟؟

 

وعليه فما دامت هذه القضية المتعلقة بخبر الواحد مسألة معروفة ومتفق عليها عند العلماء قاطبة باستثناء أهل الحديث والسلفيين، فلماذا هذا الحمل غير المبرر على الشيخ تقي الدين. وبذلك وما دام رأي جمهور علماء أصول الفقه وأصول الدين يقولون بمثل قول الشيخ تقي الدين. فقد فشل د. طارق في اثبات مراده من هذه القضية من أن الشيخ تقي قد ابتدع وتأثرت عقيدته.

 

غير أن ما يحز في النفس هو التقول على الشيخ تقي الدين ما لم يقله وهو: إنكار عذاب القبر وإنكار الشفاعة والحوض فهذا اتهام باطل وافتراء فالشيخ تقي لم يذكر ذلك وإنما هو من الافتراءات عليه، فهو يقول بأن ما لم يثبت بدليل قطعي يحرم الاعتقاد به، وما دامت الأحاديث الواردة في عذاب القبر والشفاعة والحوض وغيرها لم تثبت بدليل قطعي متواتر فيحرم الاعتقاد بها، ولكن وفي نفس الوقت يحرم ردها، فمن يرد أخبار الآحاد يعتبر آثما، والمطلوب تجاه أخبار الآحاد هو التصديق بخبر الواحد ولكن يحرم رفعه لدرجة التصديق الجازم بدون دليل قطعي. فأي الفريقين أحق بالأمن يا دكتور؟؟!!

 

أما التقول الآخر من د. طارق فكان بقوله:

 

" وقد تنبّه النبهانيّ أن إنكار حجية خبر الآحاد مطلقاً ستوقعه في حرج عظيم، بل ستخرجه من دائرة الإسلام كلية، إذ غالب العمليات قد وردت بهذا الطريق، فراح يتخير ما يقبل،"

 

يعني إذا كان الشيخ تقي الدين قد تنبه لحجية خبر الواحد في الأحكام الشرعية العملية فلماذا إذن هذا الهجوم غير المبرر على الشيخ؟؟!! ولماذا ايراد نتائج خطيرة لما يترتب على إنكار خبر الواحد من أمور لشخص لم يقل بذلك، غير الغمز واللمز والطعن والقدح والذم!! كالعادة طبعا.

 

 

5 - حديث فاطمة بنت قيس في مسألة النفقة:

 

 

أما الأدهى والأمر في جميع تقولات د. طارق على الشيخ تقي الدين فكان رأيه في كلام الشيخ حول حديث فاطمة بنت قيس بتعليقه "وهذا كلام منكرٌ مردود عليه" ، وكأن الشيخ تقي قد اخترع هذا الرأي، وكان الأولى بالشيخ طارق أن يتقي الله، وأن تكون لديه نزاهة علمية بأن يذكر بأن هذه المسألة هي من المسائل الخلافية المشهورة بين العلماء في مسألة النفقة،

 

فقد أورد إبن نصر المروزي كتاب اختلاف العلماء: فقد اختلف أهل العلم في المطلقة ثلاثاً، هل لها السكنى والنفقة، أم لا؟ وقد روى الإمام مسلم مجموعة أحاديث في صحيحه في باب "المطلقة ثلاثا لا نفقة لها". وخلاصة القصة أن زوج فاطمة قد طلقها ثلاثاً وكان غائباً، فلم يجعل لها رسول الله لا سكنى ولا نفقة. فاعتدت في بيتٍ آخر. ثم إنها صارت تفتي لغيرها من النساء بهذا، فأنكر عليها ذلك جمع من الصحابة. قال عمر لها: «إن جئت بشاهدين يشهدان أنهما سمعاه من رسول الله ، وإلا لم نترك كتاب الله لقول امرأة. قال الله عز وجل: ]لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة[». ، وانظر كلام ابن القيّم في نيل الأوطار، لقول امرأةٍ، لا ندري لعلها حفظت أو نسيت».

 

ثم زاد د. طارق على ذلك من غير مراعاة لأدب الحديث واللياقة بقوله:

 

"وهذا المثال دليل على التحكم المردى فيمن أراد أن يلتزم ما ليس عليه دليل حقيقيّ إلا الهوى والنظر الخاطئ"

 

 

فكان الأولى بالاستاذ طارق إن كان فقيها أصوليا واعيا لما يقول أن لا يتقول، وأن يرد أولا على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى سيدنا عمر رضي الله عنه وعنهم أجمعين، لا أن يتهم الشيخ تقي الدين بأن كلامه منكر وأنه يصدر عن هوى ونظر خاطئ، فهذا اتهام للصحابة ولسيدنا عمر ضمنا، فخلافك يا د. طارق ليس مع تقي الدين ولكن مع كبار صحابة رسول الله وعلى رأسهم عمر رضي الله عنه وعنهم فكيف تتجرأ في الرد عليهم بهذا الشكل.

 

فمن هو صاحب الهوى والنظر الخاطئ يا د. طارق ؟؟؟؟ !!!!!

 

وخلاصة الكلام أن دعوى د. طارق عبد الحليم -الدارس لأصول الفقه- لم تثبت، بل الذي ثبت عنه هو قلة الفقه والعلم، والخلل في منهجية البحث الصحيحة، ثم التقول والطعن والغمز واللمز كعادة المدرسة السلفية في التعامل مع مخالفيهم فهداهم الله لأحسن الأخلاق ولسلوك الطريق القويم.

 

فإذا وصلك كلامنا هذا فتب إلى الله وارجع عن اتهاماتك وصحح ما فعلت وإلا فاخش الله في المسلمين ولا تعد لمثل هذا أبدا.

 

والحمد لله رب العالمين

تم تعديل بواسطه يوسف الساريسي
رابط هذا التعليق
شارك

السلام عليكم

أخواني هذا ملحق من الدكتور طارق على مقاله أعلاه ، و انا بصراحة كنت أتمنى لو فعلا ألتزم هو بما طلب من بعض شباب حزب التحرير الالتزام به من الرد بالدليل و الحجة و عدم التراشق بالكلمات! فعلا اذا لم تستح فأصنع ما شئت...

 

هذا المقال:

 

 

"خواطر وأراء

ملحقٌ بسيطٌ على مقال تقيّ الدين النبهاني

بقلم :د طارق عبد الحليم

الخميس 20 سبتمبر 2012

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

تلقينا عدداً من التعليقات على موضوع "أصول تقي الدين النبهانيّ"، الذي نشرنا بالأمس، منها ما أنصف أهله ومنها ما شطّ فيه كاتبوه، ولعل أكثرها جاء من أتباع حزب التحرير. وقد تفاوتت الردود الناقدة بين رَميٍّ بالعمالة والخيانة، وبين اتهام بقصر الفهم، أو بعدم الدقة في البحث، أو بالإغراض للترويج "لحزبنا" في مصر!

 

ويشهد الله أنه ليس لدينا حزبا في مصر نروج له، ولا نجيز أصلاً إقامة أحزابٍ في ظلّ نظامٍ علمانيّ، يخلّط في مصادر التشريع، خلافاً لحزب التحرير الذي، يجيز ذلك مع إقراره بكفر النظم العلمانية! بل إننا نقوم على "دعوة" سنية صحيحة باسم "التيار السنيّ لإنقاذ مصر"، وهي ليست حزباً ولا تنظيماً ولا جماعة، بل دعوة إلى التوحيد الخالص، ومنشوراتها متوفرة في مكتب مصر، وعلى موقعنا والحمد لله تعالى.

 

أمّا عن بقية ما جاء من نقد، فبغض النظر عن موضوع العمالة والخيانة، إذ ليس هناك من نعمل له في هذه القضية إلا الله سبحانه، فقد جاءت التعقيبات مخيّبة للآمال في ضحالتها وسَطحيتها مع الأسف. ومن هنا رأينا أن نوجّه أبناءنا المُعَلقين الناقدين من أبناء حزب التحرير، إلى أنّ الأمر ليس أمر كتابة كلماتٍ تعبر عن غضبً لا مبرر له. بل من أصول النقد أن:

 

يعرّف الناقد بموضوع نقده، أو بالنقاط التي لا يراها حقاً أو يجد عليها تعقيبا.

يتناول الناقد ما ذكر الكاتب في كلّ نقطة، مبيناً ما قال أولاً، ثم موضحا نقاط الخطأ فيها، علمياً وبالدليل.

لكن النقد الذي نراه اليوم من أبناء الحركات الإسلامية، لا يتعدى ردّ فعلٍ يدل على عدم علم بالموضوعات المطروحة، أو فهمٍ لصوابها وخطئها، أو لسلبياتها وإيجابيتها. ولهؤلاء ننصح أن يردوا الأمر إلى من له علمٌ عندهم، فيكتب لهم تعقيباً راشداً، سواءً أصاب فيه أو أخطأ، فيكون حواراً لا تراشقاً بالكلمات.

 

وقد كتبت ما شاء الله لي أن أكتب في الأربعين عاماً السالفة، أثنبتُ فيها على من استحق الثناء، ممن وافق عقيدة أهل السنة والجماعة التي ندين بها، والتي هي منشورة معروفة. كما نقدت فيها عدداً من الحركات الإسلامية كالإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية وغيرهم، بغية التوجيه والتصحيح أولاً، ثم بغية الزجر والتأنيب ثانياً، لكن لم أر في هذه العقود الأربعة ردّاً علمياً مصحوباً بدليلٍ، إلا ما كان من إدعاء الخطأ والحقد والعمالة وأمثال ذلك، مما لا يجب أن يلجأ اليه الناقد إلا بعد أن يَرُدّ رداً علمياً ثم لا يستجاب له، ولا يأتي خصمه له بقولٍ مقبول، وهو ما لم نراه أبداً من هؤلاء. وقد يُعرض الناقد عن النقد ابتداءً، إما لضعفٍ في دليله، وعدم رغبة في المراجعة وقرع الحجة بالحجة، وغالباً ما يبرر لأتباعه أنه إنما أعرض لأنّ ما ورد لا يرقى إلى مستوى يدفعه إلى الرد. وهيهات، فغالباً ما يكون الأمر عجزاً لا إعراضاً.

 

ودعاؤنا أن اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه." انتهى

 

المصدر: http://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-52358

رابط هذا التعليق
شارك

ويشهد الله أنه ليس لدينا حزبا في مصر نروج له، ولا نجيز أصلاً إقامة أحزابٍ في ظلّ نظامٍ علمانيّ، يخلّط في مصادر التشريع، خلافاً لحزب التحرير الذي، يجيز ذلك مع إقراره بكفر النظم العلمانية! بل إننا نقوم على "دعوة" سنية صحيحة باسم "التيار السنيّ لإنقاذ مصر

 

غريب جدا ان يصدر مثل هذا الكلام ممن يزعم انه مالك لناصية الفهم وان كل من هو سواه مبتلى بالقصور الفقهي والعلمي

 

والحقيقة ان هذا الطرح القاصر المغلوط من الشيخ طارق والخلط البين فيه بين اقامة احزاب مرتكزاتها ومنطلقاتها وطريقة سيرها وغاياتها مرجعيتها الكتاب والسنة وهما سربال شرعيتها وبين احزاب استمدت وجودها من الواقع الفاسد المحكوم بافكار ونظم الكفر كالديمقراطية والعلمانية وهي سربال شرعيتها لانخراطها فيه والتعاطي معها وفق فلسفة افكار الكفر,,يتضح منه ان الشيخ طارق يتخبط في فهمه للواقع وحكمه عليه بين الشرعنة والعقلنة ويكتنف طريقة فهمه ومحاكاته للافعال والاشيئاء دخن كبير يؤدي به الى انحراف بالغ وغلط خطير في احكامه عليها

 

فان يحكم على كل الاحزاب بالفساد لوجود احزاب مشرعنة ومرعية من قبل الانظمة الديمقراطية العلمانية الكافرة وتوضع كلها في سلة واحدة وترمى عن قوس واحدة دون التفريق بين من منها يتخذ الكتاب والسنة مرجعية له في النشأة والهدف يوجب الشرع احترامه وبين من يتخذ الديمقراطية والعلمانية مرجعيته يوجب الشرع محاربته وهدمه فهذا اقل ما يقال فيه انه احتطاب بليل ونتيجة طبيعية لتفكير سطحي يصعب معه هضم ان يكون صاحبه عالم فضلا عن ان يكون اصولي

 

فحزب كحزب التحرير الباعث على وجوده استجابته لامر الله تبارك وتعالى حيث قال,,ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر وألئك هم المفلحون,,وغايته استئناف الحياة الاسلامية باعادة تطبيق شرع الله عن طريق اقامة الخلافة المتضافرة على وجوب وجودها الادلة من السنة المشرفة ويتخذ من طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في اقامة الدولة الاسلامية سبيلا له لتحقيق غايته الشرعية وبذله في سبيل ذلك عظيم التضحيات وتصدره وبكل جراة وجدارة للمنافحة عن الاسلام ليس من الفقه ولا العلم في شيئ ولا من الانصاف ان يشمل في الحكم مع من باعوا دينهم بدنياهم ودنيا غيرهم وقفزوا في سفينة الكفر وقبلوا ان يكونوا افضل مجدفيها رغم ان ريادة حزب التحرير لمحاربتهم والتصدي لهجماتهم اشهر من نار على علم واظهر من ان يتنكر لها عاقل هذا فضلا عن ان اعتزال حزب التحرير للحلبة الديمقراطية امر يعد من نافلة القول ومما لا يحتاج لبيان لكونه من المسلمات عند عامة الناس فكيف بمن يزعم انه من خواصها يدعي عكس ذلك اللهم الا ان يكون منسوبا الى العلم والعلماء وما هو منهم ولا هو للعلم باهل اوممن اوصله (علمه) بان يجعل المسلمين كالمجرمين

تم تعديل بواسطه مقاتل
رابط هذا التعليق
شارك

الغريب انتقاده لحزب التحرير بأنه تقدم بالترخيص تحت ظل انظمة علمانية في بلاد المسلمين ،ألم يحصل هو على ترخيص لدار الأرقم في كندا ؟ هل هذا يعني أنه يدين بالولاء لأنظمة كندا الكفرية؟ أين اشتمّ الدكتور طارق رائحة الولاء لأنظمة علمانية في أفعال حزب التحرير أو في ترخيصه؟

رابط هذا التعليق
شارك

  • 2 weeks later...

عودة إلى الشيخ النبهانيّ .. وحزب التحرير

 

بقلم د. طارق عبد الحليم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

أعود مرة أخرى إلى حزب التحرير، على مَضَضٍ منى، إذ لا أجدُ جديداً قدّمه هذا الحزب، حتى الآن، ما يستحق الردّ عليه، بل هو ذات ما قدّم النّبهانيّ منذ أكثر من نصف قرن من الزمان. كما أنه قد لفت بعض الإخوة نظرى إلى موقعٍ لهذا الحزب، يرتاده متعصبوه، قد علّق فيه البعض بتعليقات أحسب أنها لم تأتِ إلا من "هواة علمٍ" لا أكثر. هذا إلى جانب تسافُلٍ في بعض الحديث، وقلة أدب لا تخرج إلا من صغارٍ يجب على العاقل تجنّبهم ابتداءً. وكنا قد أزْمعنا الغَضّ عن هؤلاء إذ نحن مأمورون بإهمال أهل البدع في الإعتقاد والعمل، لكن، فزِعَ إليّ عدد من الإخوة أنني أسديت جميلاً لهؤلاء بما كتبت عنهم، كأني حَرّكت بركة راكدة، كما أن بعض شبابنا ليس له قدرة على الجدال والمَراء الذي يمتاز به منتسبو هذا الحزب، بصفته حزباً يقوم على مناهج جدلية أقرب لعلم الكلام، وإن عابَ النبهانيّ على علم الكلام بحق، (راجع حديثه عن المتكلمين في كتاب الشخصية الإسلامية 1 ص 49).

 

وقبل أن أبدأ حديثى، أودّ أن أبيّن أنّى لا أجادل ولا أمارى، ولا أردّ على تعقيباتٍ ولا تعليقاتٍ، ولكن أكشف للقارئ العاديّ حقائق ومواقف، كما أمَرنا الله أن نُبيّن للناس الحقّ ولا نكتُمه. وسأكتفى بهذا المقال في هذا الأمر، حتى أعطي الأمر حَجمه الذي يحتله على الساحة، متناسباً مع حجم الحزب نفسه، ثم أحيل القارئ للكتب التي دُّونت في بحث وتحليل عقيدة الحزب[1][1]، إذ لا داعٍ لصرفِ الأوقات فيما قام به الغير إبتداء.

 

ونحن هنا ندوّن مقالاً، ولا نقصدُ إلى إخراج كتابٍ في الموضوع، إذ هناك العديد من الكتب التى استفاضت فيما لحزب التحرير وفيماعليه من قبل، وقد استفدت منها في هذا المقال. ولا أظن أنّ هذا المقال، بل ولا مجلداتٍ مثله سيغيّر من اتجاه واحدٍ ممن التزم بهذا الفكر، فهى طبيعة التحزب، التقليد الذي يظهر من الخارج أنه تَحرُرٌ منه. وإنما القصد هنا هو بيان بعض ما على الحزب من الناحية العقدية والحركية، أما بيان ما للحزب، فندعه لله يجازى به مؤسسه وأتباعه بما يراه سبحانه.

 

من ثمّ، فسنلقى نظرات عَجْلى على بعض أمور في شؤون الدعوة، الحركية والعقدية، كما يراها حزب التحرير، وفقاً للرؤية التي طرحها النبهاني منذ ستين عاماً، من واقع ما كتب.

 

مشاكل حركية عند حزب التحرير:

 

النبهانيّ والهدف السياسيّ:

 

من المهم أن نقرر هنا أنّ حزب التحرير هو النبهانيّ، والنبهانيّ هو حزب التحرير. فشبابه لم يخرجوا على إجتهاداته إلا في مواضع أقل من القليل، فكانوا بذلك أشدّ تقليداً لزعيمهم من تقليد الإخوان لحسن البنا. وهو أمرٌ طبيعيّ إن عرفنا الفرق بين شخصيتيّ النبهانيّ وحسن البنا. فالبنا رجل تربية بالأساس، عمل على صَقل الخُلق، وسعى إلى إقامة الإسلام في النفوس قبل إقامته على الأرض، بينما النبهانيّ رجل فكر وسياسة، يسعى إلى إقامة دولة على الأرض، تتولى هي من بعد تطبيق الإسلام متكاملاً، ولا محلّ للتربية في دعوته. وقد أخفق كلاهما في تحقيق ما وضعوه هدفاً لهما. وما أرى ذلك إلا للإنحراف العقديّ الذى صاحب دعوتهما. ثم لا ننسى أن لنشأة النبهانيّ أثرٌ في هذا التطرف في الحقل السياسيّ الذي صاحب دعوته، وما جرى من فقد فلسطين كدولة، ومن تشريده وأهله منها، لعن الله اليهود، ثم توجهاته القومية العربية، ومصاحبته للقوميين العرب في فترات من حياته، مما جعل السياسة هي العمود الفقريّ لفكره ثم لدعوته ولحزبه.

 

يقول النبهاني في التكتل الحزبيّ "مع أن الأمم لا تكون بالأخلاق، وإنما تكون بالعقائد التي تعتنقها، وبالأفكار التي تحملها، وبالأنظمة التي تطبقها" ص18، ويقول "أما الدعوة التي تحملها جماعة أو كتلة في أعمالٌ تتعلق بالفكر ولا تتعلق بالقيام بأعمال أخرى، ولذلك تأخذ الناحية الفكرية لا الناحية العملية فتقوم بما يفرضه عليه الشرع (يقصد العمل لإقامة الدولة دون النظر إلى الأخلاقيات، ولذلك كان منهم ممن أعرف شخصياً من يشاهد الأفلام الإباحية ويدخن وهو عضو فاعلٌ في الحزب عام 1968) حتى توجد الدولة الإسلامية ثم تبدأ الناحية العملية في الدولة"، حتى يقول "ولذلك يجب أن تكون الكتلة التي تحمل الدعوة الإسلامية كتلة سياسية ولا يجوز أن تكون كتلة روحية ولا كتلة خلقية، ولا كتلة عملية، ولا كتلة تعليمية ولا شئ من هذا، ولا ما يشبهه، بل يجب أن تكون كتلة سياسية، ومن هنا كان حزب التحرير - وهو حزب إسلامي - حزبا سياسياً يشتغل بالسياسة ويعمل لأن يثقف الأمة ثقافة إسلامية تبرز فيها الناحية السياسية". ثم إذا به يقول في الهدف التحريريّ "... وإنما هو في قيام دولة تستأنف الحياة الإسلامية عن عقيدة، وتطبق الإسلام في المجتمع، بعد أن يكون متغلغلاً في النفوس متمكنا من العقول .." مفاهيم حزب التحرير 72. فهو يدعو في ناحية أن لا يكون التكتل خلقياً أو تعليمياً، بل يجب أن يكون سياسياً فقط، ثم يعود إلى قول أنّ قيام الدولة يكون "..بعد أن يكون متغلغلاً في النفوس متمكنا من العقول"!. وهو تناقض واضحٌ في الهدف وفي سبيل تحقيقه، فمن سعى لقيام الدولة دون الإلتفات إلى الخلق، فما الذي يجعل الإسلام متغلغلاً في النفوس إذن؟ لكن هذا أمرٌ يخفى على أتباع الأحزاب والجماعات، إذ إنهم يرون المؤسس الأول كأنه نبيّ لا يخطئ، ويجب تأويل كلامه والالتفاف به ليكون حقاً وإن كان باطلاً.

 

تبنى الدعوة إلى الخلافة كفكرة محورية:

 

والنبهانيّ، ومن ورائه حزب التحرير، يجعل الفكرة السياسية هي المحور في الدعوة الإسلامية، كما رأينا فيما نقلنا عنه. ولهذا تعتبر فكرة إقامة الخلافة الإسلامية، أو إعادتها إلى الحياة بتعبيرٍ أدق، هي محور دعوتهم، وإن توسلوا بالحديث عن أمور غيرها، إذ تأبى الفطرة العقلية والروحية أن تتخذ من منهج النبهانيّ أساساً لدعوة إلهية شاملة.

 

ومن هنا وجدنا عند مُنَظّرِ الحزب الأول، والأوحد، التوسع الذي يتجاوز إلى حدّ التوله بكتابة دساتيرٍ وأشكالٍ للحكم، وهم لم يتمكنوا حتى من الحصول على ترخيصٍ لإقامة الحزب في بلدٍ واحد بعد! وهو أمر يدعو للحسرة أكثر منه إلى أيّ شئ آخر.

 

وقل يقول البعض أنّ فكرة إقامة الدولة الإسلامية، هي فكرة عامة مشتركة بين غالب التكتلات الإسلامية التي ظهرت على الساحة السياسية والدعوية بعد سقوط الخلافة، والتي اتخذت من الإسلام منهجاً عاماً للحياة، سواءً دعاة أهل السنة والجماعة، أو الإخوان أو حزب التحرير، فما العيب على حزب التحرير إذا من الدعوة إلى الخلافة؟ أليست هذه الدعوة هي أساس محوريّ يمكّن للمسلمين حياة كريمة ويؤسس لنهضة هم أصحابها، وولاة أمرها؟

 

والحق أن هذا التساؤل يكشف عن عدم فهم لدعوة حزب التحرير أولاً، وللدعوة الإسلامية ثانياً. فإنه يجب في البدء أن نقرر أنّ مهمة المسلم في الحياة ليست إقامة دولة إسلامية، بل لم تكن هذه الدعوة جزءٌ من دعوة الرسل عليهم صلوات الله. إن دعوة الرسل كلها كانت لتوجيه البشر إلى عبادة الله سبحانه، والإقرار بألوهيته وحاكميته، بعد إقرارهم بربوبيته. والآيات القرآنية متواترة في هذا المعنى "قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"، "وأن الله ربي وربكم فاعبدوه". فعبادة الله إذن، بمعنى طاعته والإلتزام بأمره هي هدف الرسالات كلها. وهذا الهدف منه ما يتحقق في حياة الأفراد بطريق فرديّ، كالصلاة والصوم وغض البصر والحجاب، ومنه ما يتحقق في حياة الأفراد بشكلٍ جماعيّ يستلزم إقامة حكومة مركزية تقوم على بناء صرحه وممارسة شرائعه، وإن كان كلا الجانبين متداخلان على مستوٍ ما، إذ من التكاليف الفردية ما يستدعى سلطة الدولة كذلك، كنشر العلم والتعليم، وتهيئة المناخ للخلق الحسن بتهيئة ظروفه عن طريق الإعلام النظيف وغيره. ومن هنا فإن قصر الدعوة هلى الجانب السياسيّ، بهذه الصرامة التي ظهرت في تعبير النبهانيّ "ولا يجوز أن تكون كتلة روحية ولا كتلة خلقية، ولا كتلة عملية، ولا كتلة تعليمية ولا شئ من هذا، ولا ما يشبهه، بل يجب أن تكون كتلة سياسية" هي مضادة لطبيعة الدعوة الإسلامية الشاملة التي تدعو الناس إلى العبادة والطاعة في القول والعمل، ومن ثم يفتح الله عليهم أبواب السيطرة والقوة والغلبة، ثم الحكم وإقامة الخلافة. وقصارى ما يمكن أن تصنف مثل تلك الدعوة التحريرية على أنها دعوة مرحلية متخصصة، ترمى إلى التثقيف السياسيّ لدى أفراد الأمة، لا غير. أما أن تكون دعوة شاملة يتبناها أفراد مجتمعٍ بأسره، فهذا لا يصلح بشكلٍ من الأشكال، وهو ما يبرر ضعف انتشار الحزب وقلة عدد منتميه.

 

ومن هنا فإننا نرى محدودية أيّ دعوة تقوم على ركنٍ معيّنٍ من أركان الإسلام، أو فرضٌ من فرائضه، مهما كان هذا الركن أو الفرض. فالسعة والشمولية هي سمة الدعوة إلى الله، وقصرُها على فرض من الفرائض، أيّاً كان هذا الفرض، هو خطأ في التصور والحركة جميعاً.

 

تناقض الإقرار بالديموقراطيّة ودخول البرلمانات:

 

لمّا كان العمل السياسيّ هو السبيل المُعتمد عند حزب التحرير للتغيير ابتداءً، فقد كان لابد أن يسمح الحزب لأعضائه بالعمل السياسيّ في ظلّ الدساتير الكفرية. ومبرر ذلك لديهم أنّ الدعوة إلى الخلافة هي دعوة استئنافية لا إنشائية، بمعنى أن المجتمع مسلمٌ بالأصالة، ومن ثمّ فإن الإشتراك في الأعمال والأشكال السياسية لا غضاضة فيه. وهذا التصور قد أوقع الحزب في تناقضٍ واضحٍ. فإنه وأن سلمنا بأن غالب سكان البقعة التي كانت تحت الخلافة حتى عام 1924، مسلمون، فإن ذلك لا يمنع من أنّ الحكم الذي هم واقعون تحته اليوم علمانيّ لا دينيّ. وكون السكان في هذه الرقعة مسلمون، لا يرفع حكم الكفر عن الأنظمة، ولم يقل بهذا أحدٌ ممن يُعتدّ بقوله، خلافاً لعلماء السلاطين والملوك. حتى الإخوان المعروفون بإلإرجاء العتيد قالوا بالإشتراك في هذه الأنظمة من باب جلب المصلحة ودرء المفسدة، لا من باب مشرعيتها المطلقة. ولا ندرى كيف يبرّر التحريريون هذا التناقض في رؤياهم السياسية العقدية.

 

هذا غير العوار في استدلالهم بطلب النصرة، واستشهادهم بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من هذا براء، إذ إنه صلى الله عليه وسلم طلب النصرة بعد طلب الإسلام والدعوة له كما حدث مع أهل بيعتي العقبة، إذ قال جابر رضى الله عنه "فأويناه وصدقناه"، وهو خطأ تكتيكي جرّهم اليه عدم تماسك مذهبهم الفكرى، الذي أدى إلى محدودية انتشارهم، وإلى إدراكهم استحالة إقامة خلافة عامة، أو حتى دولة قطرية إسلامية بهذا الفكرن فلجئوا إلى موضوع النصرة هذا.

 

مشاكل عقدية عند حزب التحرير:

 

العقل عند النبهانيّ:

 

يثبت النبهانيّ وجود الله بالعقل، والعقل عنده لا يدرك إلا محسوسات، يقرنها بمعرفة سابقة، ليست هي المبادئ الأولية التي يقصدها أهل السنة كما أشار بن تيمية، بل هي ناشئة عن تلقى "معلوماتٍ" من الخارج كذلك، فيرجع الأمر مرة أخرى إلى الحِسّ، ومن ثمّ كان مذهبه حِسيّ بحت، وهو ما أشرت إلى اضطرابه فيه في المقال السابق. ولهذا فإن إثباته وجود الله بهذا الطريق خُلفٌ في الدليل. والرجل يجعل مسائل الإيمان الكبرى مبنية على العقل لا الوحي "وأما القيادة الفكرية الإسلامية فإنها مبنية على العقل، إذ تفرض على المسلم أن يؤمن بالله وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن عن طريق العقل" نظام الإسلام 43، وهو مخالف لمذهب أهل السنة في ذلك، الذين يرون الفطرة مع العقل مع الرسالات، كلها تعمل لإثبات التوحيد، وأن ليس على العاميّ النظر العقليّ البته لتصحيح إيمانه. والأمر هنا أنه إن كان الإيمان بالله مبنيّ على العقل وحده، أفيكون المرء مكلفاً به دون إرسال الرسل؟ وهو لازم قولهم، وإن قالوا إنه قد ثبتت ضرورة إرسال الرسل في القرآن بشكلٍ قطعيّ، فهي إذن ثابتة في العقيدة، إذ يجب وقوع التكليف به إذن، بغض النظر عن الثواب والعقاب، فإن قالوا: لا يلزم، وقعوا في التناقض (كذلك يمكن مراجعة مناقشته لمفهوم العقل في كتابه الشخصية الإسلامية ج 1 ص12 وبعدها ويحمل تفسيره تناقضات عديدة عن المبادئ الأولية وعن مفهوم الحسّ ودوره في بناء الفكر وارتباطه بمذهب الحِسّيّين من أتباع ديموقراطيس اليوناني، الذي هو سلف اتباع مذهب اللذة).

 

النبهانيّ وحديث الآحاد: وهي الطامة الكبرى والبدعة العظمى في منهج النبهانيّ، التي جاءت نتيجة ما وصل اليه من وضعٍ للعقل في التعامل مع النصوص، والتزام تلك التقسيمات المحدثة من قطعيّ وظني وغيرها، ثم ولوع أتباعه بها واعتقادهم أنه أتى بما لم يأت به الأوائل. فقد وافق النبهانيّ قول المتكلمين، الذين عارضهم من قبل في علم الكلام، عن أدلة مسائل الإيمان، في مسألة القطعيّ والظنيّ، ودرجتهما وموقع حديث الآحاد فيهما. فهو رغم دفاعه عن السنة بشكل عام، فرّق بين حديث الآحاد والمتواتر، فجعل الأول ظنياً وجعل الآخر قطعياً. وحرى بالذكر أنّ مسألة القطعية والظنية، ومسألة الآحاد والتواتر، هي مسائل نشأت بعد القرون الثلاثة الفضلى، وهي من الآثار الباطلة لعلم الكلام والمنطقيات، وتحكيم العقل الذي زعموا أنهم لا يحكمونه في الشريعة، فإن كلّ هذه التقسيمات ما أنزل الله بها من سلطان. واستخدامهم لفظ "الظنّ" الوارد في آيات القرآن وصَبّه على أنه "الظن" الذي صاغوه مقابلاً لليقين منطقياً، لا اعتداد به ولا دليل عليه، بل هو من باب وضع المصطلح ثم الإستدلال عليه لاحقاً. فإن "الظن" في القرآن له معانٍ عديدة، منها اليقين "وَرَءَا ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوٓا۟ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا۟ عَنْهَا مَصْرِفًۭا" الكهف 53، كما وردت بمعنى الشك "إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّۭا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ" الجاثية 32. فمن التحكم والإعتساف أن نحمّلها معنى وسطٌ في الحقيقة بين الشكّ واليقين، وهو معنى "الإحتمال". وهو ما نزعت اليه المعتزلة ومن تبعهم في هذا من المتكلمين ثم من التحريريين في هذا العصر.

 

وقد وضع أهل التقسيم بين الآحاد والمتواتر للتفرقة بين ما هو منقولٌ بعدد كبير وما هو منقول بعدد أقل، لا كمقياس يؤخذ به الحديث أو يُترك، بل هي بدعة إعتزالية كلامية بغيضة. والأصل أن الحديث إن ثبتت صحته سنداً، ورواه الثقات العدول الأثبات الحفاظ مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاد العلم، وأُخذ به، عقيدة وعملاً، كما أجمعت عليه طبقات أهل السنة والجماعة بلا خلاف، إلا المعتزلة ومتكلمي الأشاعرة. والتفريق بين العقيدة والعمل بدعة ضلالة لا دليل عليها. وهذا التبدع هو ما أخذ به النبهانيّ واتباعه كما صرّح في كتابه "الشخصية الإسلامية".

 

وقد قَبِل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبلت صحابته، أخبار الآحاد، وكلف صلى الله عليه وسلم آحاداً بحمل رسالة الإسلام إلى غير المسلمين، كعمرو بن أمية الضمري ودحية بن خليفة الكلبيّ وعبد الله بن حذافة السهميّ وحاطب بن أبي بلتعة وشجاع بن وهب السديّ وسليك بن عمرو وعمرو بن العاص والعلاء بن الحضرمي وأبي موسى الأشعريّ وكثيرٌ غيرهم. وقد حاول النبهانيّ الخروج من المأزق الذي أوقع نفسه فيه بطريقين:

 

أولهما: قال أنّه فرقٌ بين البلاغ وبين قبول العقيدة، اي إنه ممكن في التبليغ في العقيدة، ولكنه ليس مُلزماً لمتلقيها!! وهو قول أقرب للخرق منه للعلم، فبهذا المقتضى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرسل رسله الآحاد هؤلاء لإبلاغ الناس العقيدة، لكن لم تقم بهم حجة عليهم ولا ألزمهم بقبول الإسلام بهذا البلاغ! ونترك للقارئ الحكم على هذا التعليل..

 

ثانيهما: فرّق النبهانيّ بين بين الإعتقاد الجازم وبين التصديق، فقال إنه يكون تصديقاً ظنياً ولا يسمى إعتقاداً! وهي بدعة أخرى التزم بها نتيجة التزامه نصرة مذهبه المنحرف ابتداءً. لذلك يموه عليك بعض منتسبى الحزب حين تسألهم عن الصراط والميزان والشفاعة والحوض، هل يؤمنون بها. فيقول هؤلاء نعم نؤمن بها، وهم يقصدون أنهم يصدقون ولا يعتقدون! وهذا تدليس باردٌ في القول لا يصح من مسلمٍ ابداً. وقد شابه قول النبهانيّ هذا ما عُرفَ عن أهل الكتاب الذين عرفوا النبيّ صلى الله عليه وسلم وصدقوه، لكن لم يعتقدوا في رسالته، جاء في ج3 من زاد المعاد " فلما وجَّهوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن نجران، جلس أبو حارثة على بغلة له مُوجِّهاً إلى رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلى جنبه أخٌ له يقال له: كُرز بن علقمة يسايره، إذ عثرت بغلةُ أبى حارثة. فقال له كُرز: تعس الأبعدُ يريدُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له أبو حارثة: بل أنت تَعِسْتَ. فقال: ولِمَ يا أخى؟ فقال: واللهِ إنه النبىُّ الأُمىُّ الذى كنا ننتظرُه. فقال له كُرز: فما يمنعُك من اتِّباعه وأنت تعلمُ هذا؟ فقال: ما صنع بنا هؤلاء القومُ: شرَّفونا، وموَّلونا، وأكرمونا، وقد أبَوْا إلا خِلافَه، ولو فعلتُ نزعوا منا كُلَّ ما ترى، فأضمر عليها مِنه أخوه كُرز ابن علقمة حتى أسلم بعد ذلك. فهذا هو ما استدل به أهل السنة على الفرق بين التصديق، بمعنى نسبة صدق الخَبر إلى المُخبر، وبين الإعتقاد، أي اليقين القلبيّ الذي يستدعى الإقرار والإتباع، وليس بينهما ثالثٌ إلا ما جاء به النبهانيّ في هذا الصدد، من قبيل مستحيلات طفرة النظام وكسب الأشعريّ وأحوال أبي هاشم[1][2]!

 

فالبدعة هنا هي في ذلك التفريق بين الآحاد والتواتر، وتخصيص أحدهما بالعقيدة، والآخر بالعمل دون العقيدة، ولو أنصف هؤلاء لرؤوا أنّ كلّ دليلٍ ساقوه على حجية السنة لا يفرق فيها بين هذا وذاك، إلا بالتمحك، واتباع الإبتداع. ولهذا قال أهل السنة بأن الأحاديث، آحادها ومتواترها، إن صحت دلت على العلم اليقيني بلا شك. ويجد القارئ ملفاً كاملاً في هذا الشأن إن أراد فيما كتب بن تيمية وبن القيم حول هذا الأمر، ودونك مجموع فتاوى بن تيمية والصواعق المرسلة لابن القيم وغيرهما. والحديث على خطل هذا المذهب لا يستغرقه مقال، بل يمكن أن تخرج فيه مجلدات، وإن لم يكن لها لزوم هنا إذ تكفل بها أساطين العلم من أهل السنة، فهدموا هذا البنيان البِدعيّ الواهى.

 

النبهانيّ ومذهبه في الصفات: يتبنى النبهاني، وبالتالي التحريريون، مذهب "المفوضة" في الصفات، وهو يعنى الإمساك عن إثبات الصفات أو نفيها، وتفويض أمرها إلى الله كنا قالوا. وهذا المذهب مخالفٌ لمذهب أهل السنة والجماعة الذي هو طإثبات بلا تمثيل وتتزيه بلا تعطيل"، فنذهب السلف أنهم يثبتون الصفة بلا كيف، كما أوضح مالك رضى الله عنه حين سئل عن الإستواء، قال: الإستواء معلوم، والكيف مجهول. فأثبت أن صفة الإستواء معلومة ولم يفوض معناها، ولكن كيفيتها هي المجهولة بالنسبة لله سبحانه. وقد أخطأ هؤلاء المفوّضة في فهمهم بعض ما ورد عن السلف بشأن الصفات حيث قالوا "أمروها كما جاءت"، فاعتقدوا أن إمرارها يعنى تفويض معناها ابتداءً، والحقّ أن إمرارها الذي قصدوه يعنى تفويض كيفيتها لا ظاهرها، لأن الله سبحانه تكلم بالصّفة، فوجب أن تكون مفهومة بقدرٍ ما للبشر، وهو قدر إثباتها، دون كيفيتها. وقد اتخذ هؤلاء من آية الأعراف "هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ مِنْهُ ءَايَـٰتٌۭ مُّحْكَمَـٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتٌۭ" الأعراف 7، أنها من المتشابه. فانظر يا رعاك الله، أهم مسائل العقيدة التي عرّف بها الله نفسه، والتي ذُكرت في طيّات القرآن مئات المرات، هي من "المتشابهات"، يعنى ثلث القرآن أو ربعه متشابه، وتعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركنا على اشتباه وجهلٍ بصفات الله! هذا ما يعتقده هؤلاء! فرسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر رسل الله عليهم السلام جاهلون بصفات الله (حاشاهم)، ولا يعلمون عنها شيئاً، بل يقرؤونها كأنهم يقرؤون حروفاً في لغة أعجمية غريبة عنهم! وقد ورد الردّ على المفوّضة[1][3] كذلك في العديد من كتب أهل السنة. وأنصح بمراجعة ما كتب بن القيم في هدم المبادئ الثلاثة التي أقام عليها دعاة التشابه في صفات الله مذهبهم، وهي "أنّ القرآن متضمن للمتشابه، وأن المتشابه هو صفات الله، وأن التشابه لا يمكن حصول العلم واليقين بمعناه" الصواعق المرسلة 185/.

 

وقد قرر العلماء أن مذهب التفويض مآله إلى نفي الصفات، إذ كلاهما يقتضى نفي الظاهر، وهو ما يجعله أقرب للمعتزلة، نفاة الصفات، وإن أنكر ذلك مريدوه.

 

النبهانيّ وعقيدة الإرجاء في الإيمان: يقرر النبهانيّ أن الإيمان "هو التصديق الجازم"، وهو بذلك يتبنى رأي المرجئة الذين أخرجوا الأعمال من مسمى الإيمان، وهو مخالفٌ لإجماع أهل السنة من أنّ الإيمان قولٌ عمل، إلا ما كان من مذهب أبي حنيفة الذى أسماه أهل السنة "مرجئة السنة"، والذي اعتذر عنه كبار الأحناف وحاولوا تأويله، كما هو مبثوث في كتب أهل السنة كأصول الإعتقاد للالكائي، والعقيدة الواسطية، وكتب شرح السنة وما ورد عن السلف ومجموع فتاوى بن تيمية وكافة مؤلفات بن القيم، وسائر كتب العقائد، بما لا يدع مجالاً للحيدة عنه في مذهبهم، بل حكى بن تيمية الإجماع على ذلك، وقد تَحدّثت عن ذلك بالتفصيل في كتاب "فتح المنان في بيان حقيقة الإيمان" المطبوع طبعاتٍ عديدة في مصر منذ 1979، وبعدها.

 

وقد وقع الحزب ومؤسّسه في أخطاء عديدة أخرى، خالفَ فيها أهل السنة، منها رأيهم في القضاء والقدر وأفعال العباد، ومنها نفيهم للكرامات ولدور الدعاء في ردّ القضاء، ولتجويزهم وقوع الأنبياء في الصغائر، ومنهم تعريفهم للبدع وإجازتهم لهيئات وكيفيات في العبادات غير واردة في الشرع، وغير ذلك من مخالفات، كلها ترجع - في رأينا - إلى سبب مشترك، وهو تعظيم دور العقل، والالتزام بما يلزمهم من ذلك، ثم محاولة تبرير ما يصلون اليه من النصوص ولو باعتسافها.

 

وبعد ..

 

يجب أن أذكّر هنا أنّ النصوص التي نقلناها هي مما كتب النبهانيّ، لا من غيره، فإن مشكلة الأتباع هي التركيز على نصوصٍ تنصر ما رَسَخ في أذهانهم، ثم تأويل غيرها أو غضّ الطرف عنها، والأصل أن تتعاضد النصوص لا أن تتعارض، لتقرّ معنى واحداً. ولا يقال أن الأصل أن نجمع بينها كما نفعل في نصوص القرآن والسنة، إذ هذا لا يكون إلا إن فرضنا عدم الخطأ أو استحالة الاضطراب في حق الكاتب. فهذا النهج لا يصح إلا في أضيق نطاقٍ في حق البشر بعامة.

 

نحن لا نُنكر، ولا يجب أن ننكر ما لحزب التحرير من إيجابياتٍ منهجية، يمكن أن تكون عاملاً مساعداً في تحقيق هدف من الأهداف التي يسعى اليها المسلمون، وهو رفع الوعي السياسيّ الإسلاميّ لدى الأمة، لكن الناظر المُدَقق لا يرى لهذا المَنهج من فرصة في تحقيق أكثر من هذا القدر، لما يعتور المَنهج من سلبياتٍ أشرنا لبعضها فيما سبق.

 

ثم أعود فأقرّر أنّ هذا اللون من الكتابة، يُسبب لي ضيقاً وحَرَجاً، فإني أراه للهَدم أقرب منه للبناء. ولولا أنّ النقد له جانبٌ إيجابيّ يُعين على بيان الحقّ والبِناء على أرضيّة أصلب وأقوم ما تعرّضت له ابتداءً.

 

أعاننا الله على بيان الحق، واتباعه، آمين.

 

* 15 أكتوبر 2012

 

[1][1] منها ما أنصف مثل كتاب الدكتور موسى السلميّ "حزب التحرير وآراؤه الإعتقادية"، ومنها ما توسط في النقد مثل الشيخ عبد الرحمن دمشقية، ثم منها ما شطّ وانحرف مثل محمد جمال باروت. ولا ننسى هنا أن نذكر بعض المضحكات من أقوال بعض مشايخ الحزب مثل ياسين العجلونيّ الذي تنبأ بأن ملك الأردن عبد الله سيتوب ويعلن الخلافة قريباً! [media=]http://www.youtube.com/watch?v=J5YgeDn-BAw[/media]&feature=related

 

[1][2] هي مقولة معروفة في علم الكلام. وأبي هاشم الجبائي، وابراهيم النظّام من أكابر المعتزلة، والأشعرى هو أبو الحسن صاحب مذهب الأشعرية. والثلاثة لهم محدثاتٌ في مذاهبهم غير معقولة بالمرة. فالأشعريّ يقول بالكسب، وهو أنّ فعل الإنسان ليس من فعله بل هو من خلق الله، والإنسان يكسبه، فليس له فيه إلا الكسب، ليتوسط بين الجبرية الذين يقولون أن فعل الإنسان خارج عن إرادته، والمعتزلة الذين يقولون أن فعل الإنسان بإرادته وليس لله عمل فيه، ولم يفهم أحد ما يقصد بالكسب. أما طفرة النظام فهي قوله أن الأجسام قد تمر بمكان في انتقالها من نقطة أ إلى تاء دون المرور بنقطة باء بينهما وأخذ بها ليفسر وجود المخلوقات دفعة واحدة على الأرض دون تقدم بعضها على بعض. وأحوال أبي هاشم تعنى حالات الكينونة التي استبدل بها صفات الله، فإن المعتزلة انكروا الصفات، وخرج أبو هاشم بنظرة الأحوال التي هي حالات الله من حيث كونه عالماً وقادرا ومتكلما، فهي ليست صفات ولكنها كينونات

 

<a href="http://www.almaqreze.net/ar/news.php?readmore=1931#_ftnref3">[1][3] وقد مرضت بوهم التفويض هذا شخصيا لفترة من عمرى في منتصف السبعينيات، ثم رحمنى الله بفضله سريعا، فشفيت منها قبل نهاية السبعينيات وإبّان تدويني كتاب فتح المنان في بيان حقيقة الإيمان، مع البحث المتعمق في مسائل الإيمان، فحمدا لله على هداه.

 

http://www.almaqreze...p?readmore=1931

 

تم تعديل بواسطه الباحث محمد
رابط هذا التعليق
شارك

أضف الى أن موضوع العقيدة من المواضيع الأساسية فكيف يقبل من ينتسب الى العلم أن يحكم على عقيدة فلان أو علّان من خلال ما قيل عنه من خصومه ؟ الأصل في الفروع بذل الجهد و الوسع لفهم مسألة ما من مصادرها الأصلية فكيف يقبل في الأصول الأخذ من هنا و من هناك مع التقصير في بذل الجهد و الوسع لفهم مراد من نحكم عليه؟ اليس هذا من التسرّع و الاجحاف و الحيد عن الأصول العلمية في البحث؟

رابط هذا التعليق
شارك

السلام عليكم ورحمة الله

 

هذا الكلام هنا في المنتدى الفكري الطيب، ليس موجها بالأساس للدكتور طارق عبد الحليم في هجومه الجديد على الحزب والشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى، ولكنه كلام موجه لأهل هذا المنتدى ليكونوا على بينة من أمرهم، وكذلك يمكنهم أن يناقشوا به من يسألهم من غيرهم، أو ليرشدوا النزيهين الباحثين عن الحق ممن يستمع لهذا الدكتور.

 

لذلك فهذا الكلام ليس ردا على ما قاله الدكتور طارق مؤخرا، بل هو توضيح لمنهجية البحث في منهجين متباينين، منهج سلفي فيه من سوء فهم الإسلام ما فيه، ومنهج آخر قام على إحسان الفهم للإسلام ولرسم الخط المستقيم بجانب الخط الأعوج. ونحن ندرك ان اتباع أي منهج ومنهم الدكتور طارق -متبع منهج السلفية الحنبلي- يناقش من خلال منهجه ولا يخرج عنه، لذلك فهو غير نزيه في مضمون قوله بأنه يناقش بتجرد فهو غير أهل لذلك بسبب تبعيته غير المستنيرة لغيره من السابقين من الحنابلة ومن السلفيين والخلفيين.

 

فلا يجدر به أن يعيب على غيره إتِّباعه منهجا آخر في الفهم لأنه بذلك يعيب على نفسه أولا، فالكل منا ومن غيرنا له منهج يتبعه ولكل منهج منظروه وعلماؤه ومفكروه، وليس هناك منهج يناقش بحيادية مجرده، ومن يدعي ذلك فادعاؤه فج وغير مؤسس على قواعد سليمة اللهم إلا الوهم، بل لكل منهج علمي أو فكري أسس يعتمد عليها، ومن ناقش بغير أساس فهو واهم وضائع.

 

وأنا أريد هنا أن أوضح فقط الخطأ المنهجي الذي يقع فيه الدكتور طارق وأمثاله، حيث هو يناقشنا وغيرنا من خلال زاوية معينة بنظر فيها للأمور ويقيس من خلال نظارات هذه الزاوية التي يضعها على عينيه ويحكم على غيره من خلالها، وهو يظن أن منهجهه الذي يقلده هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، وذلك لسبب واحد وهو أنه يسمى منهج أهل السنة والجماعة، أي بسبب الاسم لا المسمى،

 

وعلى كل حال فأول من سموا انفسهم بأهل السنة هم الأشاعرة وليس الحنابلة، ولكن بعد غلبة منهج الأشاعرة وضمور منهج المعتزلة، صار الكل يدعي بأنه على منهج أهل السنة وأضافوا إليه لفظة "الجماعة" فأصبح يسمى بمنهج أهل السنة والجماعة.

 

ولذلك فنحن لن نناقش الدكتور طارق بوصفه الشخصي ولا لكلامه الذاتي، فهذا الكلام الذي يذكره -هو في أغلبه- قد ناقشه وما زال يناقشه علماء الأمة منذ أكثر من ألف سنة وهو خلاف معروف بين المدارس الفقهية والأصولية والعقائدية، والطعن والغمز واللمز بالشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله تعالى وحزب التحرير هو في الحقيقة -وبعد قراءة ما كتبه الدكتور طارق- ليس خاصا بحزب التحرير بحيث توجه سهام النقد للحزب تحديدا، ولكنه خلاف مع الأمة وتاريخها وعلمائها وصحابتها وتابعيها وخلفائها، فآراء الحزب التي انتقدها الدكتور طارق جميعا هي آراء لعلماء أفذاذ ممن سبقوا الحزب بمئات السنين، ولكن مشكلتهم أنهم لم يكونوا من أتباع المدرسة السلفية الوهابية الحنبلية.

 

والذي ميز حزب التحرير عن غيره في العصر الحديث، أنه درس جميع الآراء الإسلامية التي سبقته وتبنى منها ما رآه صوابا وفق منهجية محددة، واستبعد الآراء الضعيفة والشاذة مما تبناه، وقد وضح الحزب هذه المنهجية في أدبياته. وكذلك قام الحزب بتبني آراء جديدة فيما يتعلق بما جد من شؤون الدنيا سواء في السياسة أو الاقتصاد أو العلاقات الدولية أو الحكم أو الاجتماع، ثم أعطى فيها رأيه من زاوية شرعية وفكرية ليكون فكر تجديديا وإسلاميا خالصا، وقام الحزب أيضا بإنزال الأحكام على وقائعها بعد فهم الواقع بشكل صحيح مستنير ليصبح هذا الفكر سياسيا يعالج الواقع.

 

وحمل الحزب دعوة الإسلام في المجتمع في مواجهة جميع التيارات المخالفة للإسلام، وكان يجب أن يكون الحمل للإسلام حملا سياسيا ليكون الإسلام هو الأساس في المجتمع وليحل محل الفكر العلماني الديمقراطي الرأسمالي المتركز في المجتمع ولإزالة رواسب الفكر الاشتراكي، وكان يجب أن يكون هذا الحمل سياسيا واقعيا وليس أكاديميا مدرسيا لا علاقة له بالواقع.

 

والحزب قبل أن يتبنى أي فكرة أو حكم شرعي قام بواجبه الأصلي المطلوب من المجدد، فأول أمر يهم المجدد أو الحزب السياسي المبدئي أن يدرس مشكلة المسلمين في العصر الحاضر ومن ثم يجب أن يحددها ليوجه العلاج الشرعي الصحيح إليها، وليست أبحاث الحزب بغرض البحث الأكاديمي والبحث العلمي المنقطع عن الواقع كما يفعل غيره، بل أبحاثه كلها تصب في معالجة مشكلة المسلمين كما درسها وحددها بدقة،

 

فالحزب لم يعتبر مشكلة المسلمين في أصلها مشكلة في العقيدة كما يتصور اتباع المنهج السلفي الحنبلي ولا مشكلة في البدع، وكذلك ليست المشكلة مشكلة اقتصادية في الأساس ولا مشكلة حكم وسياسة بل أساس جميع ما يعانيه المسلمون ينبع من سوء الفهم للإسلام ثم سوء التطبيق.

 

فالحزب قد أدرك من أول يوم أن مشكلة المسلمين هي سوء الفهم للإسلام أو هي الضعف الشديد الذي طرأ على الأذهان في فهم الإسلام، فكان لا بد للحزب من أن يتصدى لهذه المشكلة ويعالجها، فبعد الدراسة والبحث والنظر في تاريخ المسلمين حدد الحزب أسباب هذه المشكلة في عوامل عديدة منها:

 

دخول الفلسفة الاغريقية وعلم المنطق على الإسلام ونشوء علم الكلام، ومنها دس الحاقدين على الإسلام بالكذب على حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومنها إغلاق باب الاجتهاد، ومنها فصل الطاقة العربية عن الطاقة الإسلامية، ومنها دخول الفلسفة الهندية ونشوء الصوفية ومنها الفلسفة الفارسية ومشكلة الوراثة في الحكم كما فعل معاوية بن أبي سفيان في توريث ابنه يزيد للحكم، ومنها الغزو الفكري للحضارة الغربية لأبناء المسلمين في العصر الحديث قبل هدم الخلافة، ومنها هدم الخلافة والاحتلال العسكري المباشر لأراضي المسلمين من قبل الغرب الكافر ومباشرة تطبيق أحكام الكفر في ديار الإسلام وغير ذلك من الأسباب.

 

هذا هو مشروع حزب التحرير الحضاري فهو يريد أن ينهض بالمسلمين النهضة الصحيحة وأن يطبق شرع الله بإقامة الخلافة الإسلامية وأن يوحد بلاد المسلمين في دولة واحدة وأن يحرر المغتصب والمحتل من بلاد المسلمين، ثم تقوم دولة الخلافة باستئناف الفتوحات الإسلامية لديار الكفر لنشر رسالة الإسلام رسالة هدى ونور للعالم أجمع كما أمرنا الله سبحانه وتعالى وأمرنا رسوله عليه الصلاة والسلام.

 

لذلك فنحن لا نرى مشكلة في وجود آراء إسلامية مخالفة لمنهج الحزب وبأنها قضية مصيرية يجب القضاء عليها وبذل الجهود والأوقات لتبيان عوارها ما دامت آراء إسلامية، وما نقوم به هو توضيح وعلاج لسوء الفهم للإسلام الذي يعاني منه المسلمون، لذلك فموقفنا من المسلمين هو موقف الإسلام والحكم الشرعي، وهذا بالضبط موقفنا من د. طارق عبد الحليم فهو أخ لنا في دين الإسلام ونخفض جناحنا له ولا نطعن أو نسب بل ننصح ونوجه ونذكر له أين الخلل في فهمه للإسلام.

 

يتبع بإذن الله

تم تعديل بواسطه يوسف الساريسي
رابط هذا التعليق
شارك

السلام عليكم ورحمة الله

 

إضافة لما سبق الحديث عنه، فإنني أود هنا أن أركز على نشوء مدرسة السلفية الحنبلية في العقيدة المسماة حاليا بالسلفية بكافة أشكالها، وبعد فهم تاريخها وأسباب نشوئها ومنهجيتها في البحث نستطيع تحليل وتفكيك طريقة التفكير هذه المدرسة وتبيان أين الخلل فيها وكيف تساعد هذه المدرسة على سوء الفهم للإسلام، وكيف أجرمت في إبعاد الناس عن الحكم بما أنزل الله بسبب تبعيتها لحكام الجور والظلم، ومحاربتها الشديدة لعودة الخلافة من خلال توجيه اتباعها إلى نقاش سفاسف الأمور، والابتعاد عن نقاش الأمور الحقيقة الصحيحة التي تهم المسلمين، وترك أمور الحكم والسياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية لحكام ظلمة أذناب للغرب الكافر المستعمر يسمونهم زورا وبهتانا بأولياء أمور، كما نرى في بعض دول المسلمين التي ينتشر فيها مذهب الحنابلة السلفيين.

 

وعود على بدء نقول أن بداية سوء الفهم للإسلام الذي ذكرناه أعلاه في القرن الثاني للهجرة قد ترافق مع ظهور بعض التيارات الفكرية والفرق في تاريخ المسلمين بسبب تأثر المسلمين بأفكار من الفلسفة اليونانية والفلسفة الهندية، مما أدى إلى نشوء المتكلمين وعلم الكلام، وبروز تيار المعتزلة في الدولة العباسية وكذلك نشوء الطرق الصوفية والمغالاة التي وقعوا فيها.

 

وندرك كذلك رد الفعل الطبيعي للأمة الإسلامية حيال ذلك، والذي أدى إلى نشوء فرق أخرى للرد على المتأثرين والمغالين، فنشأ أهل السنة (الأشاعرة والماتوريدية) للرد على المعتزلة والفرق الأخرى، بهدف كبح جماح اندفاع المعتزلة في أقوالهم بخلق القرآن وصفات الله والقضاء والقدر وغيرها من المسائل العقائدية، ولكنهم وقعوا في أخطاء منهجية في أبحاثهم لأنهم ردوا على نفس الصعيد وباستخدام علم المنطق والأفكار الفلسفية في الردود. فوقعوا في أخطاء، لكن الجميع بقي في دائرة الإسلام ولم يخرج عنها، وقد درس الحزب منهجيتهم وألف فيها ووضح أسباب الخطأ المنهجي، وللمراجعة يمكن الرجوع إلى كتاب الشخصية الإسلامية في جزئه الأول.

 

في تلك الأثناء كان هناك فريق آخر يشاهد كل هذا ويراقبه وهم فريق مدرسة الأثر أو أهل الحديث، وهم فريق ممن لا يُعنون ببحث الأمور العقائدية والفكرية ابتداء، لأنها ليست من دائرة اهتماماتهم وتخصصهم، لكنهم رأوا في ما يحدث من خلافات فكرية وعقائدية في العراق وما جاوره بأنه يمس إسلام كل مسلم فأرادوا أن يكون لهم دور في الردود، ولكن تدخلهم لم يكن تدخلا كليا شاملا ولا منهجيا مبنيا على أصول، وإنما كان فقط تدخلا عند اشتداد الأزمات، كمسألة خلق القرآن وصفات الله، فكان الموقف العظيم للإمام أحمد بن حنبل أمام تيار المعتزلة وبعض خلفاء بني العباس في مسألة خلق القرآن وكذلك بعض الآراء فيما يتعلق بمسألة صفات الله.

 

لكن عموما لم يكن دخول أهل الحديث على النقاشات الفكرية بين الفرق الإسلامية من معتزلة وأهل سنة (أشاعرة) وجبرية ألا تدخلا عابرا ولوقف الاندفاع تجاه الآراء الكلامية المتأثرة بالفلسفة اليونانية، وهم عموما رفضوا علم الكلام وعلم المنطق، والملاحظ في ردودهم أنها كانت أيضا ردود أفعال من غير منهجية واضحة في تناول القضايا العقائدية، ولا لوم عليهم لأنهم لم يكونوا فرقة في العقيدة وإنما كانوا أهل حديث ورواة له، اهتموا بجمع الأحاديث وتخريجها وتصنيفها وجهدهم في ذلك مشهود ومشكور في تاريخ المسلمين، وقد اعتبر أهل الحديث (الحنابلة) جمع أحاديث النبي والذب عن سنته ومحاربة البدع أولوية لهم ولم يكن لهم جهد كبير في أبحاث العقيدة وعلم التوحيد وعلم أصول الفقه.

 

بقي هذا هو الحال بعد وفاة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى سنة 240 للهجرة أما بعد وفاته وفي القرن الرابع الهجري، أصبح أتباع الإمام احمد بن حنبل في بغداد ذوي كثرة وغلبة، فاستغلوا قوتهم في مناصرة مذهبهم وأصبحوا يتعرضون للناس بالعنف في كل ما يرونه مخالفا للشرع. وتعدوا ذلك إلى مقاومة غيرهم والإسراف في أذاهم، وهذا المظهر من اتباع الإمام أحمد والتشدد سبب في نفرة الناس منهم. وهذه السمعة عن جفاف الحنابلة باقية حتى اليوم عند العوام.

 

وفي القرن الرابع الهجري بدأ يظهر للحنابلة مدرسة في العقيدة وعلم التوحيد وقد رفضوا تفويض صفات الله تعالى وأثبتوا لله اليد والوجه والعين وغيرها، ورفضوا المجاز في القرآن الكريم منعا لتحريف صفات الله كما ادعوا، وقد اتهمهم خصومهم من فرق أهل السنة الأخرى بالتجسيم، وكان منهم ابن حامد الوراق ويعد أول الحنابلة المجسمين وتوفي 403هـ، وجاء بعده أبو يعلى الفراء وابن الزاغوني كل هؤلاء إدعوا أن مذهبهم في التجسيم هو مذهب الإمام أحمد وبالتالي مذهب أهل السنة والجماعة، ثم جاء ابن تيمية بعد ذلك بقرون (القرن السابع) وأحيا مذهب هؤلاء الثلاثة وادعى ادعائهم، وأدعى أن مذهبه هو مذهب أهل السنة وشنع على مخالفيه.

 

 

وما نراه اليوم من منهجية للسلفيين الوهابيين والحنابلة عموما في البحث والتأليف والنقد يرجع في معظمه إلى مذهب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. وقد ذكرنا طرفا من منهجيتهم في الموضوع بعنوان (منهجية البحث عند اتباع المدرسة السلفية الوهابية) في هذا المنتدى تحت الرابط:

 

http://www.alokab.co...?showtopic=2935

 

 

ولم يكن لهذه المدرسة السلفية أتباع كثر بعد ذلك، إلا بعد تحالف محمد بن عبد الوهاب مع ابن سعود، بعد أن قام الأخير قام بالتعاون مع حكومة شركة الهند الشرقية ضد الخلافة العثمانية، وبعد تأسيس هذه الدولة بالتعاون مع الانجليز صار لها اتباع في نجد والحجاز وباقي مشيخات الخليج، ثم انتشر اتباعها في باقي المناطق لأسباب منها الدعم المالي من هذه الدول النفطية لأتباع السلفية الوهابية، وبعد دراسة العديد من الطلاب في مدارس هذه الدول وعودتهم لبلدانهم، وكذلك هناك سبب آخر ألا وهو رغبة حكام العرب كمصر والأردن وغيرهم في محاربة بعض الحركات الإسلامية فتم استغلال تيار السلفية الوهابية ضد هذه الحركات كما فعل حكام مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وبذلك صار لهم انتشار وحضور في مناطق لم يكن لهم في اتباع.

 

وبعد هذه اللمحة التاريخية يتبين لنا بشكل واضح ضيق الأفق عند اتباع هذه المدرسة خصوصا في التعامل مع مخالفيهم، وإنكارهم أو عدم اعترافهم بشرعية الخلاف في الظنيات بين المدارس الإسلامية وبأنه أمر مستساغ ومشروع ما دام يستند إلى دليل أو شبهة دليل، وكون الرأي يعتبر فهما إسلاميا راجحا كان أو مرجوح، فهم لا يستسيغون الخلاف الفقهي والشرعي والعقائدي في الظنيات. وبذلك خالفوا منهج النبي عليه السلام وصحابته الذي تعتبر المجتهد المخطئ له أجر في الشريعة إن كان الأمر يتعلق بالظنيات وما فيه مشروعية في الخلاف بين المسلمين. وذلك استنادا إلى أدلة شرعية كثيرة ومنها ما رواه البخاري عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ).

 

إذن نحن ندرك بأن الكثير من أتباع هذه المدرسة السلفية الحنبلية الحديثة يعانون من سوء الفهم للإسلام، وهم جزء من المشكلة التي يعاني منها المسلمون حاليا، وهذا يفسر وقوفهم أمام دعوة الحزب بوصفها دعوة سياسية تريد تغيير المجتمع وإزالة الحكام وإقامة الخلافة، وهذا ما لا ترضاه بعض الدول القائمة في العالم الإسلامي، ولذلك تقوم هذه الدول بتوجيه الكثير منهم بالرأي والمال لحرب فكرة الحزبية الإسلامية وترك السياسة والاقتصاد لفجور الفاجرين من الحكام، ويحاربون دعاة التغيير والخروج على الحكام الجبريين.

 

يتبع بإذن الله

تم تعديل بواسطه يوسف الساريسي
رابط هذا التعليق
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،

 

أشكر الإخوة جميعا على ثنائهم ودعائهم، وأدعو لهم بمثله وأكثر، وعسى الله أن ينور بصائرنا دائما بالحق وللحق.

 

بعد شرح تاريخ وظروف نشأة الفكر السلفي وبعض ما يتميز به، نود أن نتقدم خطوة أخرى للأمام

 

ولكن قبل ذلك دعونا نلخص أبرز ما يميز الأصول الفكرية لمذهب السلفية الحنبلية:

  • وجود قواعد معينة في الأخذ من مصادر التشريع وخصوصا الاعتماد على الآثار والنفور من الاجتهاد والقياس.
  • يقوم الفهم على الاعتماد على النص بظاهره ورفض التأويل وعلم الكلام ثم تسخيف العقل. وكذلك تضييق دائرة الظنيات في النصوص الشرعية.
  • وجوب تتبع أقوال وآثار علماء "السلف" واعتبارها الأساس في فهم النصوص الشرعية
  • اعتبار مذهب أهل السنة والجماعة بأنه الحق وأنهم الفرقة الناجية
  • عدم مراعاة أصول الخلاف وأدب الاختلاف مع آراء المخالفين في الفهم للمذهب واعتبارها إما بدعية أو منحرفة

والهدف من هذه الأصول هو حصر الشرعية في مذهبهم ولمذهبهم، واعتباره الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأن من يخرج عنه فكأنما خرج من الفرقة الناجية إلى جهنم، وبذلك يضمنوا ولاء وتمسك الاتباع والتقليد والاقتداء بأقوال السابقين.

 

ثم يحيطون هذه الأصول الفكرية بأمور أخرى تحصنها مثل:

  • وجوب محاربة الفرق المخالفة التي يسمونها أهل البدع والأهواء، واعتبار التشنيع عليهم وتتبع عوراتهم فضيلة محمودة.
  • حصر علماء السلف الذين تؤخذ أقوالهم بأتباع المدرسة الحنبلية السلفية في الفقه وأصول الدين.
  • إخراج الفرق الإسلامية المخالفة لهم من مسمى أهل السنة والجماعة، كالأشاعرة والماتوريدية والمتكلمين وكأهل الرأي من الأحناف وغيرهم وكذلك الصوفية، من قديم هؤلاء وحديثهم، ثم عدم الاعتداد بآرائهم. واعتبارها ممن لا يعول عليه بشيء.

والهدف من التحصين أن يؤدي هذا إلى رفض جميع الأقوال المخالفة لآرائهم -وكأنهم يحرمون وجود أي رأي شرعي أو فقهي مخالف وإن كان في الظنيات- باعتبارها من البدع، وهذا يؤدي إلى تضييق دائرة من يعتد برأيهم ويؤخذ كلامهم، وبالتالي حصرهم في دائرة مغلقة. وإذا جاريتهم في نقاشهم واستدلالاتهم واستشهدت بكلام لأحد علماء السلف، يبدأون يصنفون ويخرجون قوله من دائرة أهل السنة وبالتالي رفض أقواله باعتبارها ليست على مذهب الفرقة الناجية.

 

إذن نرى أن منهجهم في النقاش والمناظرة يقوم على الآتي:

 

إن ناقشتهم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ووضحت لهم أدلتك الشرعية ووجه الاستدلال وكيفية الاستنباط، رفضوا ذلك وتوجسوا منك، ثم حصروك في أدلة معينة وفق مذهبهم.

ثم إن أتيتهم بفهم معين وفق الأدلة الشرعية المعتبرة في مذهبهم، سألوك من قائل القول؟

فإن قلت لهم هو رأي فلان من المتأخرين، طلبوا منك فهم السلف لا الخلف.

وإن أتيتهم بقول لعالم من السلف على غير مذهبهم رفضوه باعتباره ليس من أهل السنة والجماعة (الحنابلة السلفية).

ثم إن ذكرت لهم احد الأقوال من علماء مذهبهم الحنبلي، البسوه لباس الشذوذ ومخالفة أقوال ما عليه مذهب أهل السنة.

فماذا تفعل معهم؟

 

الصحيح أن الوضع منغلق والفكر فيه مأزوم وميؤوس منه، إذ لا يمكن النقاش معهم وفق هذه المنهجية التي ابتدعوها حماية لتعصبهم لمذهبهم، لأنك إن ناقشتهم بالعقل في الأمور التي للعقل مدخل فيها من العقائد كإثبات الخالق ردوك إلى النقل، وإن ناقشتهم في النقل والأدلة السمعية أدخلوك إلى منهجية معينة يجب أن تصب وفق أفهامهم.

 

ولا أقصد أن المذهب منغلق تجاه تذكيره بآيات القرآن الكريم وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، بل أقصد أنه منغلق ومحصن بانغلاقه على فهمه للأدلة، بحصره هذا الفهم باقوال علماء محصورين من الحنابلة السلفيين، ورفضه الأفهام المتقدمة والمتأخرة ممن عداهم، اي أنه يرفض فتح أبواب الحصن المحصنة لدخول وقبول أفهام جديدة أوعى من القديمة وأوجه استدلال أرجح مما لديهم حتى ولو كانت حقا وصدقا، فقط لأنها أقوال وآراء لمتأخرين تخالف ما عليه سلف الأمة (الحنابلة).

 

وأن حاولت فتح بعض المغاليق في منهجيتهم الفكرية كمناقشة الفهم القطعي والظني كخبر الآحاد أو مناقشة الآيات المتشابهات في صفات الله وقول غلاة المذهب في التجسيم والجهة وسبب رفض تفويض معاني الصفات، لن تجد معهم قواعد مشتركة أو مسلمات معينة للنقاش لا في العقليات ولا في الشرعيات، اللهم إلا في حالة واحدة إذا سلمت لهم بمنهجيتهم في البحث والاستدلال، وعندها لن يكون هناك نقاش بينك وبينهم بل عليك الالتزام بأقوال وأفهام العلماء السابقين وتحري نقولات مطولة حول قضايا معروفة نتائجها سلفا. فتكون الطريق منغلقة في النقاش.

 

وإن ناقشتهم في قضايا ومشاكل محدثة ومعاصرة فإنك تقع معهم في خيارين: إما أنهم يسقطوا أفهاما واصطلاحات قديمة على وقائع ليست من جنسها كتسمية حكام العرب والمسلمين بأنهم ولاة أمر ، وتصنيف الناس وفق قوالب جامدة قديمة كالخوارج والمعتزلة والمرجئة والقدرية والجهمية والروافض وغير ذلك وينسون تصنيفات مثل الشيوعية والرأسمالية والعلمانية والديمقراطية والوجودية والقومية والوطنية.

 

أو تجدهم لا رأي لهم بهذه القضايا الحديثة ويجيبوك أن هذا الشأن متروك للأئمة وولاة الأمر كقضايا السياسة والعلاقات والقانون الدولي والأمم المتحدة ومثل شؤون المال كالبورصة وملكية النفط وغيرها، فترى العجب العجاب من قوم ينكرون عليك أشد الإنكار لتطويل ثوبك أو حلق لحيتك أو لرأي ظني في فروع الدين، ثم تجدهم في أمور عظيمة تحدد وتهدد مصير الأمة -لم يتبينوا للسلف فيها رأي- ترى أنهم يستبيحونها استباحة ويسلمونها تامة لأعوان الكفار من الحكام كاحتلال بلاد المسلمين وشكل نظام الحكم والنظام الاقتصادي والسياسة الدولية وغيرها.

 

وعليه وبعد البحث والتفكير وجدنا أن وضع هذه المنهجية الحنبلية السلفية بأنها نظام منغلق تجاه الغير سواء في مناقشة الأدلة العقلية أو الأدلة النقلية او أفهام جديدة، وبالتالي توجد مشكلة حقيقية لدى أهل وأتباع هذا المذهب من انغلاقه على سوء الفهم للإسلام، ثم من إحاطة انغلاقه هذا بتحصين خارجي يغلف هذا الفكر كما ذكرنا أعلاه، ثم اتباع سياسة رمي من هو خارج الحصن بمختلف الأسلحة كما يُرمى العدو الخارجي المحيط بالحصون بالنبال والنار والحجارة ومختلف الأسلحة (أقصد الأسلحة الفكرية مجازا).

 

فهل يمكن فتح حصن فكري منغلق كهذا ومتشدد أيضا على من يقف خارجه؟ وله من الطبائع التي تحول دون الاستماع واتباع للهدى والحق إلا إذا كان وفق هواهم؟

 

سؤال كبير في الحقيقة وهو بحاجة للبحث والجد لأجل الإجابة عنه!!

 

بانتظار آرائكم

 

اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه يا رب، وأبعد عنا الفتن وانغلاق الفطن، ونجنا من سوء الفهم وسوء الخلق، ولا تجعل في صدورنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.

 

والحمد لله رب العالمين

تم تعديل بواسطه يوسف الساريسي
رابط هذا التعليق
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

شيخنا وأستاذنا الذي احبّه في الله .. حيّاك الله وكتبك من ورثة الأنبياء.

 

وصفتهم فأنصفتهم وأجرك على الله .. وحقّاً أقول لك أني كنتُ أبحثُ معك وبين سطورك عن مفتاح عقولهم ..

 

فعثرتُ على مفتاح حصنهم غير أنّنا بحاجة إلى بعض الوقت للوصول إليه..

 

لإنّ مشكلة الفكر الوهابي لا تنفصل عن باقي مشاكل وعقبات الأمّة الناتجة عن غياب دولة الخلافة ..

 

فمفتاح عقولهم يكمن بوجود وليّ الأمر الحق ( خليفة المسلمين ) وليس أولياء الأمور بالباطل ( ملوك ورؤساء مغتصبين لحكم المسلمين ) بالعمالة لبريطانيا أو أميركا.

 

إنّ وجود وليّ الأمر ( خليفة المسلمين بالبيعة ) يوجب عليهم بفهم السلف والخلف طاعة أمره والرضوخ عن مكابراتهم.. حيث ( رأي الإمام يرفع الخلاف ).

 

ومن يأبى سيوقع نفسه من حصن أهل السنة والجماعة إلى نارٍ سبق له أن شارك هو في إضرامها ( ثمّ يتحمّل ما يقع عليه من حكم وليّ أمر أهل السنة والجماعة على حدّ وصفهم ) .. ولن يكون من الناجية بمكان.

 

والعجب كلّ العجب بأناس يُنكرون على غيرهم بالبدع ثمّ يبتدعون لأنفسهم عنواناً لم يسمّهم به الله ورسوله .. أيستقلّون تسمية ( المسلمين ) ؟

 

وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

 

 

-------------------------------------------------

 

من جهة أخرى ( واقعهم في الأمة ) فإنّ الترويج لفكرهم المغلق وانتشاره بين أبناء الأمّة مرّ بعد الثمانينات من القرن المنصرم بأوفر حظوظه من الدعم والتمويل السعودي والخليجي فشهد تسويقاً كبيراً يتلاءم ويتواكب مع أبرز نقطة اهتمامات الجهلة من أبناء الأمة حيث المصلحيّة والبحث عمّا يسدّ الحاجات ويُشبع الجوعات .. وهذا لمّا كان الناس يرون أنّ الحياة هي لقمة العيش وملأ البطون والحصول على أكبر قدر من حطام الدنيا .. ولو كان بالسكوت عن وليّ الأمر.

 

أمّا اليوم فقد انحسر سوق هؤلاء .. وأصبح حصنهم وبالاً عليهم .. فالأمة التي سبقتهم في الوعي السياسي بدأت تعي أنّ الحياة تكمن في عزّة دينها وأن الإسلام حياتها وأنّ كرامتها تكمن في شريعة ربّها .. وأنّ أشدّ أعدائها وألدّهم هو حاكمها المغتصب المنصّب بأمر الصليب عدوّ الله ورسوله .. فبدأت تنفضّ عمّن يسكت عن جرائم الحكام ممّن يسمونهم أولياء الأمر .. وتنظر إليهم أشنع نظرات الإستخفاف والمهانة .. ولا تأخذ منهم البتة بل تعيب عليهم جبنهم وتخاذلهم وانزواءهم في خانة الحكّام.. اللّهمّ إلاّ من ارتضى التسليم على شاكلة : إنا وجدنا آباءنا !!!

 

لذلك أصبحت حصونهم وبالاً عليهم .. إلاّ بالخروج على جماعتهم ومخالفتهم إلى غير فكرهم .. وذلك لأنّ حصنهم لم يكن ضدّ غيرهم فقط .. بل إنّ حصنهم الأصمّ نراه يبدأ بهم .. حيث لا حقّ لهم بمناقشه نصوصهم وآراء الذين أخذوا منهم .. فالذي رزقه الله التقوى منهم ينظر إلى ما آلت إليه أحوال حكامهم من الكفر البواح والفسوق بل الفجور والظلم والطغيان وربما أصاب جيوبهم ( وكان الحكام قبل ذلك لا يُظهرون ما ظهر منهم خلال العقد الأخير ) ممّا يخالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة .. فأين يذهبون .. إذ أنّ فهم السلف قيل وانتهى من قبل وأغلق !

 

فإمّا عليهم الخروج على فكرهم وجماعتهم والتشنيع بهم .. وهذا ما حصل ورأيناهم بأمّ أعيننا .

 

وإمّا أن يبقى يتخبّط عشواءاً فيقع في فخاخ الكافر المستعمر والعلمانيين بما يثير الشفقة عليهم والمثال قريباً رأيناه في مصر وما يزال .. حيث أصبحوا مثل لاعب احتياط لسدّ فراغات الفرق !

 

هذا ما رأيناه ونراه بالأمس واليوم.

 

كيف يرتضون أن يضحك العملاء على ذقونهم ؟

 

والله إنّ أمرهم عجب!

 

 

جزاك الله الجنة شيخي الحبيب يوسف الساريسي وأحسن إليك جزاء ما تبصّرنا بالحق.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...