اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

د. ماهر الجعبري: التصويت… حق أم حرام؟


Recommended Posts

التصويت… حق أم حرام؟ ـ د. ماهر الجعبري

 

 

تتداخل في أذهان الكثيرين آلية الانتخابات مع مفهوم الديمقراطية، لدرجة أن البعض يحبّ ــ بل يصرّ ــ أن يفهم الديمقراطية على أنها الانتخابات، ومن ثم يحكم على نجاعة تطبيق الديمقراطية من خلال نجاح العملية الانتخابية، ويغيب عن ذهنه ربط المفهوم الديمقراطي بالرأسمالية الغربية نشأة وطريقة. ويحصر الديمقراطية بالانتخابات، مع أنها في حقيقتها كأسلوب ليست خاصة بالديمقراطية دون غيرها من النظم السياسية، وبالتالي لا يصح أن تكون الانتخابات مقياس الحكم على الديمقراطية ولا على نجاعتها.

 

وضمن أجواء الربيع العربي، طغى الحديث عن الانتخابات وآلياتها وكيفياتها على الواقع السياسي والاعلامي في عدد من البلاد العربية، وكأنها الطريق للقضاء على الديكتاتورية، أو كأنها أصبحت بحد ذاتها غاية عند كثير من الأحزاب والفصائل، وتجسّد فيها التنافس الفصائلي والحزبي، فيما غاب عنها الصراع الفكري والسياسي حول البرامج والمبادئ، وخصوصا في ظل انتشار فكرة التحالفات الانتخابية

ففي مصر، لم تنته الانتخابات البرلمانية حتى جاءت الرئاسية ثم تصاعد الحديث عن البرلمانية من جديد، وفي لبنان يدور جدل حول الحصص الطائفية، وفي فلسطين وقف منشار المصالحة بل المقاسمة السياسة عند عقدة آليات توزيع الحصص الفصائلية، وتتصارع الشخصيات على المقاعد متخفية خلف الشعارات، وكذا الحال في تونس، وفي ليبيا.

 

وفي هذا السياق يختلط الموقف الشرعي على كثير من المتابعات، وتضيع المفاهيم السياسية في زحمة التنافس على صناديق الاقتراع، وفي زحمة الشحن العاطفي دون استحضار الوعي السياسي ــ الشرعي الكافي، مما اقتضى وقفة سياسية شرعية في هذه المقالة.

 

التصنيف والخلفية

 

ان الانتخابات بحد ذاتها، هي عملية اختيار من خلال التصويت، الذي يتخذ عددا من الأشكال منها

1 ــ اختيار الحاكم مثل الانتخابات الرئاسية في النظام الديمقراطي أو انتخاب الخليفة في نظام الحكم الاسلامي.

2 ــ اختيار وكلاء عن الناخبين في محاسبة الحاكم، أو في اقرار التشريعات، أو المصادقة على تنصيب الحكومات كما في الانتخابات التشريعية أو البرلمانية في الأنظمة الديمقراطية، أو كما في انتخابات مجلس الشورى ومجلس الأمة في نظام الحكم الاسلامي.

3 ــ اختيار المديرين لتصريف الشؤون الادارية في البلاد، كما في انتخابات البلديات والمجالس المحلية.

4 ــ استفتاءات الرأي العام حول موقف سياسي أو تشريعي معين، تطرحه الدولة.

5 ــ اختيار جهة التمثيل أو التفويض السياسي ــ عند غياب الحكم والدولة ــ وذلك في حالة التنافس على الشرعية ، وعلى أحقية التفاوض باسم الجماهير وأصحاب القضايا السياسية، كما في تنافس الفصائل الفلسطينية، وكما يجري في المحاولات الدولية لتشكيل مرجعية سياسية للثورة السورية ضمن الائتلاف أو المجلس الوطني.

 

اذن، تصويت الناس اما أن يكون لأجل اختيار شخصيات يُسند لها الحكم تنفيذيا أو تشريعيا أو اداريا ، واما أن يكون لأجل اختيار رأي أو موقف معين يسير بحسبه الحاكم، كالتصويت على دستور وضعي، كما حصل في مصر، أو لأجل التمثيل بالرأي. وكل حالة من هذه الحالات تحتاج لوقفة خاصة تبين سياقها السياسي وحكمها الشرعي. ولا بد قبل ذلك، من تبيان ربط الخلفية الفكرية لتشريع الانتخابات في الأنظمة الديمقراطية بمبادئ حقوق الانسان التي أقرت حزمة من الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية اضافة للفردية . ولذلك نصت المادة 21 من الميثاق العالمي لحقوق الانسان في بندها الأول على أنه لكل فرد الحق في الاشتراك في ادارة الشؤون العامة لبلاده اما مباشرة واما بوساطة ممثلين يختارون اختياراً حرًا ، وفي بندها الثالث ان ارادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الارادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي اجراء مماثل يضمن حرية التصويت .

 

وتحدد الديمقراطية هدف الانتخابات في تحقيق مفهوم المشاركة السياسية كآلية لتحقيق الاستقرار في المجتمع، وخلق حالة من التساكن بين التيارات السياسية والطائفية الفاعلة فيه، عند حالة الوسط أو حالة الغلبة في صناديق الاقتراع، تنتج طبقة حاكمة وأخرى معارضة.

 

هذا في العقلية الرأسمالية، وهي لا تُفرّق بين أي شكل من أشكال الانتخابات ولا تميّز في مشروعية أي نوع من أنواع التصويت، وحسب قاعدة ابن خلدون في تقليد المغلوب للغالب، رضخ المنظرون والناشطون في الاعلام لهذه العقلية، وتنافسوا في الاستناد لمرجعيتها، لا فرق بين اسلاميّيهم وعلمانيهم، ولا بين الثائرين منهم وبين الفلول، اذ تلتقي الغالبية عند هذه المرجعية الفكرية الغربية وتسلّم لها وبها، وقلّ فيهم من يقرع الجرس من أجل وقفة فكرية وسياسية تنخّل المفاهيم، وتميز بين الآليات والخلفيات، وبين الوسائل والمناهج الفكرية.

 

الموقف الإسلامي الشرعي

 

لا شك أن نظرة الاسلام للوقائع والحكم عليها تستند للأدلة والنصوص الشرعية لا للتجارب الانسانية، ولا لابداعات المفكرين في الشرق والغرب، ولا يمكن للمنظّرين الاسلاميين الاستناد الى مواثيق حقوق الانسان في تشريع مختلف أشكال التصويت والانتخابات بالجملة، مهما حاولوا من التوفيق بين حقوق الانسان وبين الاسلام. هذا من حيث المنطلق، لأن منطلق الاسلام في الحكم على التصويت والانتخابات يُرجع الأمور ويربطها بما يجري التصويت حوله، وهذا ما يحتاج لتفصيل لكل صنف من تلك الأصناف.

 

انتخاب رأس الدولة

 

ان اختيار الحاكم لتطبيق الاسلام هو أمر مشروع لأنه تجسيد لمفهوم أن يكون السلطان للأمة بالمعنى التنفيذي للحكم، أي أن الأمة هي التي تختار من يحكمها مباشرة، أو عبر ممثليها ــ من أهل الحل والعقد ــ كما حصل في السقيفة عند اختيار أبي بكر. وفي هذه الحالة، فان الانتخابات هي أسلوب من أساليب تنفيذ البيعة للخليفة، ومفهوم البيعة قد رسخ في وعي الأمة وفي أحكامها الشرعية عند المعتبرين من علماء السلف والخلف. أما الانتخابات الرئاسية التي تُفرز حاكم يطبق العلمانية المخففة، أو الاسلام المخلوط بالعلمانية بغض النظر عن نسبة الخلط فهي انتخابات لا يقرّها الاسلام، لأنها تصطدم مع أصل من أصول الدين، وهو أن الحاكمية لله، ويختلط في هذه الحالة، المعنى التنفيذي للحكم بالمعنى التشريعي، ومن ثم تصطدم هذه الانتخابات بالمفهوم الشرعي الأصيل الذي يحصر السيادة التشريعية بالله سبحانه، اِنِ الْحُكْمُ اِلاَّ لِلّهِ .

 

انتخاب ممثلين عن الرعية

 

يقر الاسلام عقود الوكالة بلا خلاف، وانتخاب ممثلين عن الرعية في محاسبة الحاكم وفي تقديم الشورى، هو نوع من أنواع الوكالة ــ بالرأي ــ التي شرّعها الاسلام، ولذلك أقرت الأحكام الشرعية انتخابات مجلس الشورى في الدولة الاسلامية، ومن هذا الباب لا تحرّم الأحكام الشرعية الانتخابات البرلمانية في الأنظمة الحالية ــ من حيث المبدأ ــ اذ أنها وكالة بالرأي للمحاسبة السياسية واتخاذ البرلمان منصة لتلك المحاسبة. ولكن البرلمانات الديمقراطية الحالية تقوم بما هو فوق المحاسبة السياسية من مثل المصادقة على تنصيب حكومة تطبق العلمانية، ومن مثل التصويت على سن التشريعات الوضعية، مما يصطدم مع مفهوم السيادة للشرع، وبالتالي، لا يجوز التصويت ــ ولا الترشّح لمن يصرّح أنه سيمارس هذه الأدوار المحرّمة في البرلمان، وان جاز التصويت والترشّح لمن يعلن صراحة أنه سيتخذ البرلمان منصة للمحاسبة على أساس الاسلام، دون الخوض في المهام الأخرى، بل يقف ضدها في البرلمان، كما حصل مع البرلماني الأردني الشيخ أحمد الداعور رحمه الله في عقد الخمسينات، عندما ألقى كلمة موثقة حول نقض الدستور الأردني، ورفض المصادقة على تنصيب الحكومة الأردنية، وظل يكشف مؤامرات النظام والغرب.

 

الانتخابات الادارية

 

ان اختيار مديري لتصريف الشؤون الادارية في البلاد، كما في انتخابات البلديات والمجالس المحلية، هي من حيث المبدأ لا اشكالية شرعية فيها، اذ ان ادارة الشؤون من حيث الوسائل والأساليب المباحة ترتبط بالغالب بأنظمة ادارية عامة للناس، ويمكن أن تشترك في أساليبها ووسائلها مختلف الثقافات والحضارات، كما هو الحال في كثير من أنظمة البلديات الادارية. ولكن مثل هذه الانتخابات ترتبط أحيانا بالصنف الخامس أدناه، فيختلف واقعها حينها.

 

استفتاءات الرأي العام

 

يعتمد حكم الاستفتاء على ما يجري الاستفتاء حوله، فان كان أمرا تشريعيا أو موقفا سياسيا حددته الأحكام الشرعية، فلا يصح الاستفتاء حوله اطلاقا، لأن ذلك الاستفتاء ينسف فكرة الحاكمية لله، ويجعل السيادة للشعب بالمعنى التشريعي ، ومن ثم يصبح الشعب فيها هو المشرع للأحكام، أي أن الشعب يتأله ــ من حيث الدور التشريعي ولذلك تحرم هذه الاستفتاءات مطلقا، ولو أدت الى نتيجة يقرها الشرّع، لأنها لا تحقق مفهوم التسليم بالحكم الشرعي من الله، بل تشرّع الحكم لأن الشعب أقرّه.

 

انتخابات التمثيل السياسي والانتخابات تحت الاحتلال

 

ان الانتخابات التي تجري لاختيار جهة التمثيل السياسي عند غياب الحكم والدولة هي في الغالب انتخابات من أجل تمرير برامج سياسية غربية، ولا يدعم الغرب مثل هذه الانتخابات الا بالقدر الذي تؤمّن له مصالحه، ولذلك فهي سباحة ضمن تيار المؤامرات التي تحاك ضد الأمة، ولا يجوز المشاركة في تمرير تلك المؤامرات بداهة، ولا تصلح حجة القائلين بوقف المؤامرات عبر المشاركة بتلك الانتخابات لأنها محددة السقف والغاية.

 

أما الانتخابات السياسية التي تجري تحت الاحتلال، فلا تجوز مطلقا، لأنها تصطدم مع حرمة تمكين المستعمرين من رقاب المسلمين، مما نصت عليه الآية، وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا . وفي الحالة الفلسطينية، لا ينفك هذا الشكل من الانتخابات عن المشروعات الغربية وعن الحلول السياسية لتصفية قضية فلسطين، وعن تثبيت أركان الكيان الاسرائيلي فوق جل أرض فلسطين، وهو ما لا يحتمل الخلاف عند المنصفين من المحللين. ولذلك فلا تجيز الأحكام الشرعية انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، لأنها تفضي الى تفويض منظمة التحرير الفلسطينية للاستمرار بدورها التفاوضي مع الاحتلال، مما لا خلاف على حرمته الشرعية.

 

هذا هو مجمل الموقف الشرعي من مختلف أشكال التصويت والانتخابات، مما تبلور في ثقافة حزب التحرير عبر اجتهادات شرعية مستندة الى أدلة معتبرة، وهو لا شك يتصادم مع كثير من الأطروحات الاسلامية المستندة الى منطق التوفيق بين ثقافة الغرب والاسلام، وهي المحركة بدعوى جلب المصالح . وهو ما يستوجب وقفة مكاشفة ومصارحة من قبل الأحزاب والفصائل التي ترفع شعار الاسلام أمام مؤيدها.

سياسي فلسطيني

 

http://www.azzaman.com/?p=27702

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...