اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

نداءات القرآن الكريم / حلقات يكتبها الأستاذ محمد أحمد النادي


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نداءات القرآن الكريم

 

ح26

 

 

النهي عن طاعة الذين كفروا من الذين أوتوا الكتاب

 

ج2

 

 

(يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فر‌يقا من الذين أوتوا الكتاب ير‌دوكم بعد إيمانكم كافر‌ين). (آل عمران 100).

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة والتي تليها نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء الثاني عشر نتناول فيه الآية الكريمة المائة من سورة آل عمران التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فر‌يقا من الذين أوتوا الكتاب ير‌دوكم بعد إيمانكم كافر‌ين).

 

نقول وبالله التوفيق: يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: "وهذا شأن المسلم الحق في كل زمان, ومن ثم يكون هذا التحذير بهذه الصورة سوطا يلهب الضمير، ويوقظه بشدة لصوت النذير .. ومع هذا فإن السياق يتابع التحذير والتذكير .. فيا له من منكر أن يكفر الذين آمنوا بعد إيمانهم، وآيات الله تتلى عليهم، ورسوله فيهم. ودواعي الإيمان حاضرة، والدعوة إلى الإيمان قائمة، ومفرق الطريق بين الكفر والإيمان مسلط عليه هذا النور: (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله؟) أجل. إنها لكبيرة أن يكفر المؤمن في ظل هذه الظروف المعينة على الإيمان .. وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استوفى أجله، واختار الرفيق الأعلى، فإن آيات الله باقية، وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم باق .. ونحن اليوم مخاطبون بهذا القرآن كما خوطب به الأولون، وطريق العصمة بين، ولواء العصمة مرفوع: "ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم" .. أجل. إنه الاعتصام بالله. والله سبحانه باق. وهو - سبحانه - الحي القيوم.

 

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتشدد مع أصحابه رضوان الله عليهم في أمر التلقي في شأن العقيدة والمنهج، بقدر ما كان يفسح لهم في الرأي والتجربة في شؤون الحياة العملية المتروكة للتجربة والمعرفة، كشؤون الزرع، وخطط القتال، وأمثالها من المسائل العملية البحتة التي لا علاقة لها بالتصور الاعتقادي، ولا بالنظام الاجتماعي، ولا بالارتباطات الخاصة بتنظيم حياة الإنسان .. وفرق بين هذا وذلك بين. فمنهج الحياة شيء، والعلوم البحتة والتجريبية والتطبيقية شيء آخر.

 

أيها المؤمنون:

 

والإسلام الذي جاء ليقود الحياة بمنهج الله، هو الإسلام الذي وجه العقل للمعرفة والانتفاع بكل إبداع مادي في نطاق منهجه للحياة .. قال الإمام أحمد: "حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا سفيان عن جابر عن الشعبي عن عبد الله بن ثابت. قال: جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أمرت بأخ يهودي من بني قريظة فكتب لي جوامع من التوراة. ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن ثابت: قلت له: ألا ترى ما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا. قال: فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى عليه السلام ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم. إنكم حظي من الأمم، وأنا حظكم من النبيين". وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا حماد عن الشعبي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا. وإنكم إما أن تصدقوا بباطل، وإما أن تكذبوا بحق. وإنه والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني" .. وفي بعض الأحاديث: "لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي.

 

هؤلاء هم أهل الكتاب. وهذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في التلقي عنهم في أي أمر يختص بالعقيدة والتصور، أو بالشريعة والمنهج .. ولا ضير وفق روح الإسلام وتوجيهه من الانتفاع بجهود البشر كلهم في غير هذا من العلوم البحتة، علما وتطبيقا .. مع ربطها بالمنهج الإيماني: من ناحية الشعور بها، وكونها من تسخير الله للإنسان. ومن ناحية توجيهها والانتفاع بها في خير البشرية، وتوفير الأمن لها والرخاء" .. (لم ينته الاقتباس).

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

محمد احمد النادي

 

19 من جمادى الثانية 1434

الموافق 2013/04/29م

 

رابط هذا التعليق
شارك

listen.gifprint.gifgroup.png

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

نداءات القرآن الكريم للذين آمنوا

ح29

النداء الثالث عشر

الأمر بتقوى الله تعالى، والاعتصام بحبله المتين (2)

 

 

 

 

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون* واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفر‌قوا واذكر‌وا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفر‌ة من النار‌ فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون). (آل عمران 102)

 

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء الثالث عشر نتناول فيه الآية الكريمة الثانية بعد المائة من سورة آل عمران التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون). نقول وبالله التوفيق:

 

يسترسل صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة فيقول: "والنص القرآني يعمد إلى مكمن المشاعر والروابط: "القلب" .. فلا يقول: فألف بينكم. إنما ينفذ إلى المكمن العميق: (فألف بين قلوبكم). فيصور القلوب حزمة مؤلفة متآلفة بيد الله وعلى عهده وميثاقه. كذلك يرسم النص صورة لما كانوا فيه. بل مشهدا حيا متحركا تتحرك معه القلوب: (وكنتم على شفا حفرة من النار) .. وبينما حركة السقوط في حفرة النار متوقعة، إذا بالقلوب ترى يد الله، وهي تدرك وتنقذ! وحبل الله وهو يمتد ويعصم. وصورة النجاة والخلاص بعد الخطر والترقب! وهو مشهد متحرك حي تتبعه القلوب واجفة خافقة، وتكاد العيون تتملاه من وراء الأجيال!

 

أيها المؤمنون:

 

وقد ذكر محمد بن إسحاق في السيرة وغيره أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج. وذلك أن رجلا من اليهود مر بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة، فبعث رجلا معه، وأمره أن يجلس بينهم، ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم "بعاث"! ففعل. فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم، وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا، ونادوا بأشعارهم. وطلبوا أسلحتهم. وتوعدوا إلى "الحرة" .. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم، فجعل يسكنهم، ويقول: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم" وتلا عليهم هذه الآية، فندموا على ما كان منهم، واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي الله عنهم. وكذلك بين الله لهم فاهتدوا، وحق فيهم قول الله سبحانه في التعقيب في الآية: (كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون).

 

فهذه صورة من جهد يهود لتقطيع حبل الله بين المتحابين فيه، القائمين على منهجه، لقيادة البشرية في طريقه .. هذه صورة من ذلك الكيد الذي تكيده يهود دائما للجماعة المسلمة، كلما تجمعت على منهج الله واعتصمت بحبله. وهذه ثمرة من ثمار طاعة أهل الكتاب. كادت ترد المسلمين الأولين كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض. وتقطع بينهم حبل الله المتين، الذي يتآخون فيه مجتمعين.

 

وهذه صلة هذه الآية بالآيات قبلها في هذا السياق. على أن مدلول الآية أوسع مدى من هذه الحادثة. فهي تشي - مع ما قبلها في السياق وما بعدها - بأنه كانت هناك حركة دائبة من اليهود لتمزيق شمل الصف المسلم في المدينة، وإثارة الفتنة والفرقة بكل الوسائل.

 

والتحذيرات القرآنية المتوالية من إطاعة أهل الكتاب، ومن الاستماع إلى كيدهم ودسهم، ومن التفرق كما تفرقوا .. هذه التحذيرات تشي بشدة ما كانت تلقاه الجماعة المسلمة من كيد اليهود في المدينة، ومن بذرهم لبذور الشقاق والشك والبلبلة باستمرار .. وهو دأب يهود في كل زمان. وهو عملها اليوم وغدا في الصف المسلم، في كل مكان"! (انتهى الاقتباس).

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وأن يكرمنا بنصره، وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

22 من جمادى الثانية 1434

الموافق 2013/05/02م

 

http://www.hizb-ut-t...nts/entry_24982

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نداءات القرآن الكريم

 

ح30

 

 

النهي عن اتخاذ بطانة من دون المؤمنين

 

ج1

 

listen.gifprint.gifgroup.png

 

 

(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدور‌هم أكبر‌ قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون). (آل عمران 118)

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء الرابع عشر نتناول فيه الآية الكريمة الثامنة عشرة بعد المائة من سورة آل عمران التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا). نقول وبالله التوفيق:

 

يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: "في نهاية هذا الدرس، ونهاية هذا المقطع الطويل من السورة كلها يجيء التحذير للجماعة المسلمة من أن تتخذ من أعدائها الطبيعيين بطانة، وأن تجعل منهم أمناء على أسرارها ومصالحها، وهم للذين آمنوا عدو .. يجيء هذا التحذير في صورة شاملة خالدة، ما نزال نرى مصداقها في كل وقت، وفي كل أرض. صورة رسمها هذا القرآن الحي، فغفل عنها أهل هذا القرآن. فأصابهم من غفلتهم وما يزال يصيبهم الشر والأذى والمهانة: إنها صورة كاملة السمات، ناطقة بدخائل النفوس، وشواهد الملامح، تسجل المشاعر الباطنة، والانفعالات الظاهرة، والحركة الذاهبة الآيبة. وتسجل بذلك كله نموذجا بشريا مكرورا في كل زمان وفي كل مكان. ونستعرضها اليوم وغدا فيمن حول الجماعة المسلمة من أعداء. يتظاهرون للمسلمين -في ساعة قوة المسلمين وغلبتهم- بالمودة. فتكذبهم كل خالجة وكل جارحة. وينخدع المسلمون بهم فيمنحونهم الود والثقة، وهم لا يريدون للمسلمين إلا الاضطراب والخبال، ولا يقصرون في إعنات المسلمين ونثر الشوك في طريقهم، والكيد لهم والدس، ما واتتهم الفرصة في ليل أو نهار.

 

أيها المؤمنون:

 

وما من شك أن هذه الصورة التي رسمها القرآن الكريم هذا الرسم العجيب، كانت تنطبق ابتداء على أهل الكتاب المجاورين للمسلمين في المدينة وترسم صورة قوية للغيظ الكظيم الذي كانوا يضمرونه للإسلام والمسلمين، وللشر المبيت، وللنوايا السيئة التي تجيش في صدورهم في الوقت الذي كان بعض المسلمين ما يزال مخدوعا في أعداء الله هؤلاء، وما يزال يفضي إليهم بالمودة، وما يزال يأمنهم على أسرار الجماعة المسلمة ويتخذ منهم بطانة وأصحابا وأصدقاء، لا يخشى مغبة الإفضاء إليهم بدخائل الأسرار .. فجاء هذا التنوير، وهذا التحذير، يبصر الجماعة المسلمة بحقيقة الأمر، ويوعيها لكيد أعدائها الطبيعيين، الذين لا يخلصون لها أبدا، ولا تغسل أحقادهم مودة من المسلمين وصحبة. ولم يجىء هذا التنوير وهذا التحذير ليكون مقصورا على فترة تاريخية معينة، فهو حقيقة دائمة، تواجه واقعا دائما .. كما نرى مصداق هذا فيما بين أيدينا من حاضر مكشوف مشهود .. والمسلمون في غفلة عن أمر ربهم: ألا يتخذوا بطانة من دونهم. بطانة من ناس هم دونهم في الحقيقة والمنهج والوسيلة. وألا يجعلوهم موضع الثقة والسر والاستشارة .. المسلمون في غفلة عن أمر ربهم هذا يتخذون من أمثال هؤلاء مرجعا في كل أمر، وكل شأن، وكل وضع، وكل نظام، وكل تصور، وكل منهج، وكل طريق! والمسلمون في غفلة من تحذير الله لهم، يوادون من حاد الله ورسوله ويفتحون لهم صدورهم وقلوبهم.

 

والله سبحانه يقول للجماعة المسلمة الأولى كما يقول للجماعة المسلمة في أي جيل: (ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر).. ويقول: (ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم، وتؤمنون بالكتاب كله، وإذا لقوكم قالوا: آمنا، وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ).. والله سبحانه يقول: (إن تمسسكم حسنة تسؤهم، وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها).. ومرة بعد مرة تصفعنا التجارب المرة، ولكننا لا نفيق .. ومرة بعد مرة نكشف عن المكيدة, والمؤامرة تلبس أزياء مختلفة ولكننا لا نعتبر. ومرة بعد مرة تنفلت ألسنتهم فتنم عن أحقادهم التي لا يذهب بها ود يبذله المسلمون، ولا تغسلها سماحة يعلمها لهم الدين .. ومع ذلك نعود، فنفتح لهم قلوبنا ونتخذ منهم رفقاء في الحياة والطريق! .. وتبلغ بنا المجاملة، أو تبلغ بنا الهزيمة الروحية أن نجاملهم في عقيدتنا فنتحاشى ذكرها، وفي منهج حياتنا فلا نقيمه على أساس الإسلام، وفي تزوير تاريخنا وطمس معالمه كي نتقي فيه ذكر أي صدام كان بين أسلافنا وهؤلاء الأعداء المتربصين! ومن ثم يحل علينا جزاء المخالفين عن أمر الله. ومن هنا نذل ونضعف ونستخذي. ومن هنا نلقى العنت الذي يوده أعداؤنا لنا، ونلقى الخبال الذي يدسونه في صفوفنا .. (لم ينته الاقتباس).

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

محمد احمد النادي

 

 

24 من جمادى الثانية 1434

الموافق 2013/05/04م

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نداءات القرآن الكريم

ح31-

 

 

النهي عن اتخاذ بطانة من دون المؤمنين

 

ج2

listen.gifprint.gifgroup.png

 

 

(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدور‌هم أكبر‌ قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون). (آل عمران 118)

 

أيها المؤمنون:

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نتابع معكم النداء الرابع عشر نتناول فيه الآية الكريمة الثامنة عشرة بعد المائة من سورة آل عمران التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدور‌هم أكبر‌ قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون). نقول وبالله التوفيق:

 

يسترسل صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة فيقول: "وتبلغ بنا المجاملة، أو تبلغ بنا الهزيمة الروحية أن نجاملهم -أي نجامل أعداءنا- في عقيدتنا فنتحاشى ذكرها، وفي منهج حياتنا فلا نقيمه على أساس الإسلام، وفي تزوير تاريخنا وطمس معالمه كي نتقي فيه ذكر أي صدام كان بين أسلافنا وهؤلاء الأعداء المتربصين! ومن ثم يحل علينا جزاء المخالفين عن أمر الله. ومن هنا نذل ونضعف ونستخذي. ومن هنا نلقى العنت الذي يوده أعداؤنا لنا ، ونلقى الخبال الذي يدسونه في صفوفنا .. وها هو ذا كتاب الله يعلمنا - كما علم الجماعة المسلمة الأولى - كيف نتقي كيدهم، وندفع أذاهم، وننجو من الشر الذي تكنه صدورهم، ويفلت على ألسنتهم منه شواظ: (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا. إن الله بما يعملون محيط) .. فهو الصبر والعزم والصمود أمام قوتهم إن كانوا أقوياء وأمام مكرهم وكيدهم إن سلكوا طريق الوقيعة والخداع. الصبر والتماسك لا الانهيار والتخاذل ولا التنازل عن العقيدة كلها أو بعضها اتقاء لشرهم المتوقع أو كسبا لودهم المدخول .. ثم هو التقوى: الخوف من الله وحده. ومراقبته وحده .. هو تقوى الله التي تربط القلوب بالله، فلا تلتقي مع أحد إلا في منهجه، ولا تعتصم بحبل إلا حبله ..

 

أيها المؤمنون:

 

وحين يتصل القلب بالله فإنه سيحقر كل قوة غير قوته وستشد هذه الرابطة من عزيمته، فلا يستسلم من قريب، ولا يوادد من حاد الله ورسوله، طلبا للنجاة أو كسبا للعزة! هذا هو الطريق: الصبر والتقوى .. التماسك والاعتصام بحبل الله. وما استمسك المسلمون في تاريخهم كله بعروة الله وحدها، وحققوا منهج الله في حياتهم كلها .. إلا عزوا وانتصروا، ووقاهم الله كيد أعدائهم، وكانت كلمتهم هي العليا. وما استمسك المسلمون في تاريخهم كله بعروة أعدائهم الطبيعيين، الذين يحاربون عقيدتهم ومنهجهم سرا وجهرا، واستمعوا إلى مشورتهم، واتخذوا منهم بطانة وأصدقاء وأعوانا وخبراء ومستشارين .. إلا كتب الله عليهم الهزيمة، ومكن لأعدائهم فيهم، وأذل رقابهم، وأذاقهم وبال أمرهم .. والتاريخ كله شاهد على أن كلمة الله خالدة وأن سنة الله نافذة. فمن عمي عن سنة الله المشهودة في الأرض، فلن ترى عيناه إلا آيات الذلة والانكسار والهوان.

 

أيها المؤمنون:

 

بهذا ينتهي هذا الدرس وينتهي كذلك المقطع الأول في السورة. وقد وصل السياق إلى ذروة المعركة وقمة المفاصلة الكاملة الشاملة. ويحسن قبل أن ننهي هذا الدرس أن نقرر حقيقة أخرى، عن سماحة الإسلام في وجه كل هذا العداء. فهو يأمر المسلمين ألا يتخذوا بطانة من هؤلاء. ولكنه لا يحرضهم على مقابلة الغل والحقد والكراهية والدس والمكر بمثلها. إنما هي مجرد الوقاية للجماعة المسلمة وللصف المسلم، وللكينونة المسلمة .. مجرد الوقاية ومجرد التنبيه إلى الخطر الذي يحيطها به الآخرون .. أما المسلم فبسماحة الإسلام يتعامل مع الناس جميعا وبنظافة الإسلام يعامل الناس جميعا, وبمحبة الخير الشامل يلقى الناس جميعا, يتقي الكيد ولكنه لا يكيد، ويحذر الحقد ولكنه لا يحقد. إلا أن يحارب في دينه، وأن يفتن في عقيدته، وأن يصد عن سبيل الله ومنهجه. فحينئذ هو مطالب أن يحارب، وأن يمنع الفتنة، وأن يزيل العقبات التي تصد الناس عن سبيل الله، وعن تحقيق منهجه في الحياة. يحارب جهادا في سبيل الله لا انتقاما لذاته. وحبا لخير البشر لا حقدا على الذين آذوه. وتحطيما للحواجز الحائلة دون إيصال هذا الخير للناس. لا حبا للغلب والاستعلاء والاستغلال .. وإقامة للنظام القويم الذي يستمتع الجميع في ظله بالعدل والسلام. لا لتركيز راية قومية ولا لبناء امبراطورية! هذه حقيقة تقررها النصوص الكثيرة من القرآن والسنة ويترجمها تاريخ الجماعة المسلمة الأولى، وهي تعمل في الأرض وفق هذه النصوص. إن هذا المنهج خير. وما يصد البشرية عنه إلا أعدى أعداء البشرية الذين ينبغي لها أن تطاردهم، حتى تقصيهم عن قيادتها .. وهذا هو الواجب الذي انتدبت له الجماعة المسلمة، فأدته مرة خير ما يكون الأداء. وهي مدعوة دائما إلى أدائه، والجهاد ماض إلى يوم القيامة .. تحت هذا اللواء .. (انتهى الاقتباس).

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

محمد احمد النادي

 

26 من جمادى الثانية 1434

الموافق 2013/05/06م

 

 

http://www.hizb-ut-t...nts/entry_25143

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نداءات القرآن الكريم

 

ح32

 

 

النهي عن أكل الربا أضعافا مضاعفة

 

 

(يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الر‌با أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون). (آل عمران 130).

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء الخامس عشر نتناول فيه الآية الكريمة الثلاثين بعد المائة من سورة آل عمران التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الر‌با أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون).

نقول وبالله التوفيق:

 

يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: "تجيء هذه التوجيهات كلها قبل الدخول في سياق المعركة الحربية لتشير إلى خاصية من خواص هذه العقيدة: الوحدة والشمول في مواجهة هذه العقيدة للكينونة البشرية ونشاطها كله, ورده كله إلى محور واحد: محور العبادة لله والعبودية له، والتوجه إليه بالأمر كله، والوحدة والشمول في منهج الله وهيمنته على الكينونة البشرية في كل حال من أحوالها، وفي كل شأن من شؤونها، وفي كل جانب من جوانب نشاطها. ثم تشير تلك التوجيهات بتجمعها هذا إلى الترابط بين كل ألوان النشاط الإنساني وتأثير هذا الترابط في النتائج الأخيرة لسعي الإنسان كله، كما أسلفنا.

 

والمنهج الإسلامي يأخذ النفس من أقطارها، وينظم حياة الجماعة جملة لا تفاريق، ومن ثم هذا الجمع بين الإعداد والاستعداد للمعركة الحربية وبين تطهير النفوس ونظافة القلوب، والسيطرة على الأهواء والشهوات، وإشاعة الود والسماحة في الجماعة، فكلها قريب من قريب، وحين نستعرض بالتفصيل كل سمة من هذه السمات، وكل توجيه من هذه التوجيهات، يتبين لنا ارتباطها الوثيق بحياة الجماعة المسلمة، وبكل مقدراتها في ميدان المعركة وفي سائر ميادين الحياة! "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربوا أضعافا مضاعفة، واتقوا الله لعلكم تفلحون. واتقوا النار التي أعدت للكافرين. وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون" ولقد سبق الحديث عن الربا والنظام الربوي بالتفصيل، ولكن نقف عند الأضعاف المضاعفة، فإن قوما يريدون في هذا الزمان أن يتواروا خلف هذا النص، ويتداروا به، ليقولوا: إن المحرم هو الأضعاف المضاعفة، أما الأربعة في المائة والخمسة في المائة والسبعة والتسعة .. فليست أضعافا مضاعفة، وليست داخلة في نطاق التحريم! ونبدأ فنحسم القول بأن الأضعاف المضاعفة وصف لواقع، وليست شرطا يتعلق به الحكم. والنص الذي في سورة البقرة قاطع في حرمة أصل الربا بلا تحديد ولا تقييد: "وذروا ما بقي من الربا" أيا كان! فإذا انتهينا من تقرير المبدأ فرغنا لهذا الوصف، لنقول: إنه في الحقيقة ليس وصفا تاريخيا فقط للعمليات الربوية التي كانت واقعة في الجزيرة، والتي قصد إليها النهي هنا بالذات، إنما هو وصف ملازم للنظام الربوي المقيت، أيا كان سعر الفائدة.

 

إن النظام الربوي معناه إقامة دورة المال كلها على هذه القاعدة، ومعنى هذا أن العمليات الربوية ليست عمليات مفردة ولا بسيطة، فهي عمليات متكررة من ناحية، ومركبة من ناحية أخرى، فهي تنشئ مع الزمن والتكرار والتركيب أضعافا مضاعفة بلا جدال. إن النظام الربوي يحقق بطبيعته دائما هذا الوصف، فليس هو مقصورا على العمليات التي كانت متبعة في جزيرة العرب، إنما هو وصف ملازم للنظام في كل زمان، ومن شأن هذا النظام أن يفسد الحياة النفسية والخلقية كما أن من شأنه أن يفسد الحياة الاقتصادية والسياسية ومن ثم تتبين علاقته بحياة الأمة كلها، وتأثيره في مصائرها جميعا.

 

والإسلام - وهو ينشئ الأمة المسلمة - كان يريد لها نظافة الحياة النفسية والخلقية، كما كان يريد لها سلامة الحياة الاقتصادية والسياسية، وأثر هذا وذاك في نتائج المعارك التي تخوضها الأمة معروف، فالنهي عن أكل الربا في سياق التعقيب على المعركة الحربية أمر يبدو إذن مفهوما في هذا المنهج الشامل البصير .. أما التعقيب على هذا النهي بالأمر بتقوى الله رجاء الفلاح واتقاء النار التي أعدت للكافرين، أما التعقيب بهاتين اللمستين، فمفهوم كذلك وهو أنسب تعقيب: إنه لا يأكل الربا إنسان يتقي الله ويخاف النار التي أعدت للكافرين، ولا يأكل الربا إنسان يؤمن بالله، ويعزل نفسه من صفوف الكافرين .. والإيمان ليس كلمة تقال باللسان إنما هو اتباع للمنهج الذي جعله الله ترجمة عملية واقعية لهذا الإيمان، وجعل الإيمان مقدمة لتحقيقه في الحياة الواقعية، وتكييف حياة المجتمع وفق مقتضياته.

 

ومحال أن يجتمع إيمان ونظام ربوي في مكان، وحيثما قام النظام الربوي فهناك الخروج من هذا الدين جملة وهناك النار التي أعدت للكافرين! والمماحكة في هذا الأمر لا تخرج عن كونها مماحكة، والجمع في هذه الآيات بين النهي عن أكل الربا والدعوة إلى تقوى الله، وإلى اتقاء النار التي أعدت للكافرين، ليس عبثا ولا مصادفة، إنما هو لتقرير هذه الحقيقة وتعميقها في تصورات المسلمين، وكذلك رجاء الفلاح بترك الربا وبتقوى الله .. فالفلاح هو الثمرة الطبيعية للتقوى، ولتحقيق منهج الله في حياة الناس، ولقد سبق في النداء العاشر الحديث عن فعل الربا بالمجتمعات البشرية وويلاته البشعة في حياة الإنسانية. فلنرجع إلى هذا البيان هناك؛ لندرك معنى الفلاح هنا، واقترانه بترك النظام الربوي المقيت! ثم يجيء التوكيد الأخير: "وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون" وهو أمر عام بالطاعة لله والرسول، وتعليق الرحمة بهذه الطاعة العامة. ولكن للتعقيب به على النهي عن الربا دلالة خاصة، هي أنه لا طاعة لله وللرسول في مجتمع يقوم على النظام الربوي, ولا طاعة لله وللرسول في قلب يأكل الربا في صورة من صوره، وهكذا يكون ذلك التعقيب توكيدا بعد توكيد، وذلك فوق العلاقة الخاصة بين أحداث المعركة التي خولف فيها أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين الأمر بالطاعة لله وللرسول، بوصفها وسيلة الفلاح، وموضع الرجاء فيه .. ثم لقد سبق في سورة البقرة أن رأينا السياق هناك يجمع بين الحديث عن الربا، والحديث عن الصدقة. بوصفهما الوجهين المتقابلين للعلاقات الاجتماعية في النظام الاقتصادي وبوصفهما السمتين البارزتين لنوعين متباينين من النظم: النظام الربوي والنظام التعاوني، فهنا كذلك نجد هذا الجمع في الحديث عن الربا والحديث عن الإنفاق في السراء والضراء، فبعد النهي عن أكل الربا، والتحذير من النار التي أعدت للكافرين، والدعوة إلى التقوى رجاء الرحمة والفلاح، بعد هذا يجيء الأمر بالمسارعة إلى المغفرة وإلى جنة عرضها السماوات والأرض (أعدت للمتقين) ثم يكون الوصف الأول للمتقين هو: "الذين ينفقون في السراء والضراء" - فهم الفريق المقابل للذين يأكلون الربا أضعافا مضاعفة - ثم تجيء بقية الصفات والسمات". (انتهى الاقتباس).

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

محمد احمد النادي

 

28 من جمادى الثانية 1434

الموافق 2013/05/08م

 

http://www.hizb-ut-tahrir.info/info/index.php/contents/entry_25252

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نداءات القرآن الكريم

 

ح34

 

 

النهي عن طاعة الذين كفروا

 

 

ج2

 

(يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفر‌وا ير‌دوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسر‌ين). (آل عمران 149)

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نتابع وإياكم النداء السادس عشر نتناول فيه الآية الكريمة التاسعة والأربعين بعد المائة من سورة آل عمران التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفر‌وا ير‌دوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسر‌ين). نقول وبالله التوفيق:

 

يسترسل صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة فيقول: "ولكن المهم أن توجد حقيقة الإيمان في قلوب المؤمنين، حقيقة الشعور بولاية الله وحده، والثقة المطلقة بهذه الولاية، والتجرد من كل شائبة من شك في أن جند الله هم الغالبون، وأن الله غالب على أمره، وأن الذين كفروا غير معجزين في الأرض ولا سابقين لله سبحانه!

 

أيها المؤمنون:

 

والتعامل مع وعد الله هذا، مهما تكن ظواهر الأمور تخالفه، فوعد الله أصدق مما تراه عيون البشر وتقدره عقولهم! إنه الرعب لأن قلوبهم خاوية من السند الصحيح. لأنهم لا يستندون إلى قوة ولا إلى ذي قوة، إنهم أشركوا بالله آلهة لا سلطان لها، لأن الله لم يمنحها سلطانا. والتعبير: (ما لم ينزل به سلطانا) تعبير ذو معنى عميق، وهو يصادفنا في القرآن كثيرا. مرة توصف به الآلهة المدعاة، ومرة توصف به العقائد الزائفة .. وهو يشير إلى حقيقة أساسية عميقة: إن أية فكرة، أو عقيدة، أو شخصية، أو منظمة، إنما تحيا وتعمل وتؤثر بمقدار ما تحمل من قوة كامنة وسلطان قاهر.

 

هذه القوة تتوقف على مقدار ما فيها من "الحق" أي بمقدار ما فيها من توافق مع القاعدة التي أقام الله عليها الكون، ومع سنن الله التي تعمل في هذا الكون، وعندئذ يمنحها الله القوة والسلطان الحقيقيين الفاعلين المؤثرين في هذا الوجود، وإلا فهي زائفة باطلة ضعيفة واهية، مهما بدا فيها من قوة والتماع وانتفاش! والمشركون يشركون مع الله آلهة أخرى - في صور شتى - ويقوم الشرك ابتداء على إعطاء غير الله - سبحانه - شيئا ما من خصائص الألوهية ومظاهرها. وفي مقدمة هذه الخصائص حق التشريع للعباد في شؤون حياتهم كلها وحق وضع القيم التي يتحاكم إليها العباد في سلوكهم وفي مجتمعاتهم وحق الاستعلاء على العباد وإلزامهم بالطاعة لتلك التشريعات والاعتبار لهذه القيم .. ثم تأتي مسألة العبادة الشعائرية ضمن إعطاء هذه الخصائص لغير الله سبحانه، وواحدة منها! فماذا تحمل هذه الآلهة من الحق الذي أقام الله عليه الكون؟ إن الله الواحد خلق هذا الكون لينتسب إلى خالقه الواحد, وخلق هذه الخلائق لتقر له بالعبودية وحده بلا شريك ولتتلقى منه الشريعة والقيم بلا منازع ولتعبده وحده حق عبادته بلا أنداد .. فكل ما يخرج على قاعدة التوحيد في معناها الشامل، فهو زائف باطل، مناقض للحق الكامن في بنية الكون. ومن ثم فهو واه هزيل، لا يحمل قوة ولا سلطانا، ولا يملك أن يؤثر في مجرى الحياة بل لا يملك عناصر الحياة ولا حق الحياة!

 

أيها المؤمنون:

 

وما دام أولئك المشركون يشركون بالله ما لم ينزل به سلطانا من الآلهة والعقائد والتصورات فهم يرتكنون إلى ضعف وخواء، وهم أبدا خوارون ضعفاء, وهم أبدا في رعب حيثما التقوا بالمؤمنين المرتكنين إلى الحق ذي السلطان، وإننا لنجد مصداق هذا الوعد كلما التقى الحق والباطل .. وكم من مرة وقف الباطل مدججا بالسلاح أمام الحق الأعزل. ومع ذلك كان الباطل يحتشد احتشاد المرعوب، ويرتجف من كل حركة وكل صوت - وهو في حشده المسلح المحشود! فأما إذا أقدم الحق وهاجم فهو الذعر والفزع والشتات والاضطراب في صفوف الباطل ولو كانت له الحشود، وكان للحق القلة، تصديقا لوعد الله الصادق: (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ).

 

أيها المؤمنون:

 

ذلك في الدنيا، فأما في الآخرة، فهناك المصير المحزن البائس الذي يليق بالظالمين (ومأواهم النار. وبئس مثوى الظالمين! ) وهنا يردهم السياق إلى مصداق وعد الله هذا في غزوة أحد ذاتها، فقد كان لهم النصر الساحق في أوائلها. ولقد استحر القتل في المشركين حتى ولوا الأدبار، وتركوا وراءهم الغنائم، وسقط لواؤهم فلم تمتد يد لرفعه حتى رفعته لهم امرأة!، ولم ينقلب النصر هزيمة للمسلمين إلا حين ضعفت نفوس الرماة أمام إغراء الغنائم وتنازعوا فيما بينهم، وخالفوا عن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نبيهم وقائدهم، وهنا يردهم السياق إلى صميم المعركة ومشاهدها ومواقفها وأحداثها وملابساتها، في حيوية عجيبة.

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

03 من رجب 1434

الموافق 2013/05/13م

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نداءات القرآن الكريم

 

ح35

 

النهي عن ترديد أقوال الكافرين والمنافقين

 

listen.gifprint.gifgroup.png

 

 

(يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفر‌وا وقالوا لإخوانهم إذا ضر‌بوا في الأر‌ض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسر‌ة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير‌).

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء السابع عشر نتناول فيه الآية الكريمة السادسة والخمسين بعد المائة من سورة آل عمران التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفر‌وا وقالوا لإخوانهم إذا ضر‌بوا في الأر‌ض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسر‌ة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير‌). نقول وبالله التوفيق:

 

يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: "وظاهر من مناسبة هذه الآيات في سياق المعركة، أن هذه كانت أقوال المنافقين الذين رجعوا قبل المعركة، والمشركين من أهل المدينة الذين لم يدخلوا في الإسلام, ولكن ما تزال بين المسلمين وبينهم علاقات وقرابات، وأنهم اتخذوا من مقاتل الشهداء في أحد، مادة لإثارة الحسرة في قلوب أهليهم، واستجاشة الأسى على فقدهم في المعركة - نتيجة لخروجهم - ومما لا شك فيه أن مثل هذه الفتنة والمواجع دامية, مما يترك في الصف المسلم الخلخلة والبلبلة. ومن ثم جاء هذا البيان القرآني لتصحيح القيم والتصورات، ورد هذا الكيد إلى نحور كائديه. إن قول الكافرين: (لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا)، ليكشف عن الفارق الأساسي في تصور صاحب العقيدة وتصور المحروم منها، للسنن التي تسير عليها الحياة كلها وأحداثها: سراؤها وضراؤها.

 

أيها المؤمنون:

 

إن صاحب العقيدة مدرك لسنن الله، متعرف إلى مشيئة الله، مطمئن إلى قدر الله، إنه يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، ومن ثم لا يتلقى الضراء بالجزع، ولا يتلقى السراء بالزهو، ولا تطير نفسه لهذه أو لتلك, ولا يتحسر على أنه لم يصنع كذا ليتقي كذا، أو ليستجلب كذا، بعد وقوع الأمر وانتهائه! فمجال التقدير والتدبير والرأي والمشورة، كله قبل الإقدام والحركة, فأما إذا تحرك بعد التقدير والتدبير - في حدود علمه وفي حدود أمر الله ونهيه - فكل ما يقع من النتائج، فهو يتلقاه بالطمأنينة والرضى والتسليم موقنا أنه وقع وفقا لقدر الله وتدبيره وحكمته, وأنه لم يكن بد أن يقع كما وقع ولو أنه هو قدم أسبابه بفعله! .. توازن بين العمل والتسليم، وبين الإيجابية والتوكل، يستقيم عليه الخطو، ويستريح عليه الضمير.

 

فأما الذي يفرغ قلبه من العقيدة في الله على هذه الصورة المستقيمة، فهو أبدا مستطار، أبدا في قلق! أبدا في "لو" و"لولا" و"يا ليت" و"واأسفاه"! والله - في تربيته للجماعة المسلمة، وفي ظلال غزوة أحد وما نال المسلمين فيها- يحذرهم أن يكونوا كالذين كفروا, أولئك الذين تصيبهم الحسرات، كلما مات لهم قريب وهو يضرب في الأرض ابتغاء الرزق، أو قتل في ثنايا المعركة وهو يجاهد: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا) يقولونها لفساد تصورهم لحقيقة ما يجري في الكون، ولحقيقة القوة الفاعلة في كل ما يجري، فهم لا يرون إلا الأسباب الظاهرة والملابسات السطحية، بسبب انقطاعهم عن الله، وعن قدره الجاري في الحياة. "ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم" فإحساسهم بأن خروج إخوانهم ليضربوا في الأرض في طلب الرزق فيموتوا، أو ليغزوا ويقاتلوا فيقتلوا، إحساسهم بأن هذا الخروج هو علة الموت أو القتل، يذهب بأنفسهم حسرات أن لم يمنعوهم من الخروج! ولو كانوا يدركون العلة الحقيقية وهي استيفاء الأجل، ونداء المضجع، وقدر الله، وسنته في الموت والحياة، ما تحسروا ولتلقوا الابتلاء صابرين، ولفاءوا إلى الله راضين قال تعالى: (والله يحيي ويميت)، فبيده إعطاء الحياة، وبيده استرداد ما أعطى، في الموعد المضروب والأجل المرسوم، سواء أكان الناس في بيوتهم وبين أهلهم، أو في ميادين الكفاح للرزق أو للعقيدة. وعنده الجزاء، وعنده العوض عن خبرة وعن علم وعن بصر قال تعالى: (والله بما تعملون بصير).

 

أيها المؤمنون:

 

على أن الأمر لا ينتهي بالموت أو القتل فهذه ليست نهاية المطاف، وعلى أن الحياة في الأرض ليست خير ما يمنحه الله للناس من عطاء, فهناك قيم أخرى، واعتبارات أرقى في ميزان الله: قال تعالى (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون. ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون) فالموت أو القتل في سبيل الله - بهذا القيد وبهذا الاعتبار- خير من الحياة، وخير مما يجمعه الناس في الحياة من أعراضها الصغار: من مال ومن جاه ومن سلطان ومن متاع. خير بما يعقبه من مغفرة الله ورحمته، وهي في ميزان الحقيقة خير مما يجمعون. وإلى هذه المغفرة وهذه الرحمة يكل الله المؤمنين، إنه لا يكلهم - في هذا المقام - إلى أمجاد شخصية، ولا إلى اعتبارات بشرية. إنما يكلهم إلى ما عند الله، ويعلق قلوبهم برحمة الله, وهي خير مما يجمع الناس على الإطلاق، وخير مما تتعلق به القلوب من أعراض، وكلهم مرجوعون إلى الله، محشورون إليه على كل حال، ماتوا على فراشهم أو ماتوا وهم يضربون في الأرض، أو قتلوا وهم يجاهدون في الميدان. فما لهم مرجع سوى هذا المرجع وما لهم مصير سوى هذا المصير .. والتفاوت إذن إنما يكون في العمل والنية وفي الاتجاه والاهتمام، أما النهاية فواحدة: موت أو قتل في الموعد المحتوم، والأجل المقسوم, ورجعة إلى الله وحشر في يوم الجمع والحشر، ومغفرة من الله ورحمة، أو غضب من الله وعذاب .. فأحمق الحمقى من يختار لنفسه المصير البائس، وهو ميت على كل حال! بذلك تستقر في القلوب حقيقة الموت والحياة، وحقيقة قدر الله، وبذلك تطمئن القلوب إلى ما كان من ابتلاء جرى به القدر وإلى ما وراء القدر من حكمة، وما وراء الابتلاء من جزاء .. وبذلك تنتهي هذه الجولة في صميم أحداث المعركة، وفيما صاحبها من ملابسات. ((انتهى الاقتباس)).

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

محمد احمد النادي

 

04 من رجب 1434

الموافق 2013/05/14م

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

 

نداءات القرآن الكريم

 

 

ح36

 

 

الأمر بالصبر والمصابرة والمرابطة

 

 

ج1

 

 

listen.gifprint.gifgroup.png

 

 

 

 

(يا أيها الذين آمنوا اصبر‌وا وصابر‌وا ور‌ابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون). (آل عمران 200)

 

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء الثامن عشر نتناول فيه الآية الكريمة المائتين من سورة آل عمران التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبر‌وا وصابر‌وا ور‌ابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون). نقول وبالله التوفيق:

 

يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: "ثم تجيء الآية الخاتمة تلخص التوجيهات الإلهية للجماعة المسلمة، وتمثل خصائصها المطلوبة، وتكاليفها المحددة، والتي بها يكون الفلاح، وهو ختام يناسب محور السورة الأصيل، وموضوعاتها الرئيسة، ويتسق معها كل الاتساق. ثم يجيء الإيقاع الأخير، في نداء الله للذين آمنوا، وتلخيص أعباء المنهج وشرط الطريق، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبر‌وا وصابر‌وا ور‌ابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون).

 

أيها المؤمنون:

 

إنه النداء العلوي للذين آمنوا، نداؤهم بالصفة التي تربطهم بمصدر النداء. والتي تلقي عليهم هذه الأعباء، والتي تؤهلهم للنداء, وتؤهلهم للأعباء، وتكرمهم في الأرض, كما تكرمهم في السماء: (يا أيها الذين آمنوا). النداء لهم للصبر والمصابرة، والمرابطة، والتقوى .. وسياق السورة حافل بذكر الصبر وبذكر التقوى، يذكران مفردين، ويذكران مجتمعين، وسياق السورة حافل كذلك بالدعوة إلى الاحتمال والمجاهدة ودفع الكيد وعدم الاستماع لدعاة الهزيمة والبلبلة، ومن ثم تختم السورة بالدعوة إلى الصبر والمصابرة، وإلى المرابطة والتقوى، فيكون هذا أنسب ختام.

 

والصبر هو زاد الطريق في هذه الدعوة. إنه طريق طويل شاق، حافل بالعقبات والأشواك، مفروش بالدماء والأشلاء، وبالإيذاء والابتلاء، الصبر على أشياء كثيرة: الصبر على شهوات النفس ورغائبها، وأطماعها ومطامحها، وضعفها ونقصها، وعجلتها وملالها من قريب! والصبر على شهوات الناس ونقصهم وضعفهم وجهلهم وسوء تصورهم، وانحراف طباعهم، وأثرتهم، وغرورهم، والتوائهم، واستعجالهم للثمار! والصبر على تنفج الباطل - يقصد افتخاره بما ليس عنده- والصبر على وقاحة الطغيان، وانتفاش الشر، وغلبة الشهوة، وتصعير الغرور والخيلاء! - يقصد الغطرسة واستحقار الآخرين- والصبر على قلة الناصر، وضعف المعين، وطول الطريق، ووساوس الشيطان في ساعات الكرب والضيق! والصبر على مرارة الجهاد .. لهذا كله، وما تثيره في النفس من انفعالات متنوعة، من الألم والغيظ، والحنق - وهو السخط وشدة الغيظ والغضب- والصبر على الضيق، وضعف الثقة أحيانا في الخير، وقلة الرجاء أحيانا في الفطرة البشرية والملل والسأم واليأس أحيانا والقنوط! والصبر بعد ذلك كله على ضبط النفس في ساعة القدرة والانتصار والغلبة، واستقبال الرخاء في تواضع وشكر، وبدون خيلاء وبدون اندفاع إلى الانتقام، وتجاوز القصاص الحق إلى الاعتداء! والبقاء في السراء والضراء على صلة بالله، واستسلام لقدره، ورد الأمر إليه كله في طمأنينة وثقة وخشوع.

 

أيها المؤمنون:

 

 

والصبر على هذا كله - وعلى مثله - مما يصادف السالك في هذا الطريق الطويل، لا تصوره حقيقة الكلمات. فالكلمات لا تنقل المدلول الحقيقي لهذه المعاناة، إنما يدرك هذا المدلول من عانى مشقات الطريق وتذوقها، انفعالات وتجارب ومرارات! والذين آمنوا كانوا قد ذاقوا جوانب كثيرة من ذلك المدلول الحقيقي فكانوا أعرف بمذاق هذا النداء. كانوا يعرفون معنى الصبر الذي يطلب الله إليهم أن يزاولوه، والمصابرة - وهي مفاعلة من الصبر - مصابرة هذه المشاعر كلها، ومصابرة الأعداء الذين يحاولون جاهدين أن يفلوا من صبر المؤمنين .. مصابرتها ومصابرتهم، فلا ينفد صبر المؤمنين على طول المجاهدة، بل يظلون أصبر من أعدائهم وأقوى: أعدائهم من كوامن الصدور، وأعدائهم من شرار الناس سواء، فكأنما هو رهان وسباق بينهم وبين أعدائهم، يدعون فيه إلى مقابلة الصبر بالصبر، والدفع بالدفع، والجهد بالجهد، والإصرار بالإصرار، ثم تكون لهم عاقبة الشوط بأن يكونوا أثبت وأصبر من الأعداء. وإذا كان الباطل يصر ويصبر ويمضي في الطريق، فما أجدر الحق أن يكون أشد إصرارا, وأعظم صبرا على المضي في الطريق!. (لم ينته الاقتباس)

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

محمد احمد النادي

 

 

 

 

 

06 من رجب 1434

الموافق 2013/05/16م

 

 

 

 

 

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...