اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

تفكير سياسي أم أزمة نفسية وحالة احباط


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

التفكير السياسي وأثر الميول المبدئية ومشاعر اليأس والإحباط على صحته وسلامته.

ﻻ بد أن يحذر المفكر السياسي من أن تؤثر عليه ميوله المبدئية حين يحاول فهم الواقع...فلا يجوز أن يراه كما يتمنى له أن يكون، بل يفهمه كما هو ولو كانت حقيقته مخالفة للرغبات المبدئية. وفي المقابل ﻻ يجوز بتاتا أن نفهم الواقع من خلال مشاعر اليأس والإحباط التي تجعلنا ننظر إلى كل شيء من زاوية العجز والفشل والهزيمة. وهذا النوع الثاني منتشر في اﻷمة أكثر من اﻷول فقد سيطر الإحباط واليأس على اﻷمة عقودا واستسلمت لعدوها وأوشكت في مرحلةٍ ما على الفناء كما قال المفكر الإمام تقي الدين النبهاني رحمه الله. وهذا اﻷمر جعل الكثير من المسلمين يفقدون اﻷمل في أي تغيير وتحكّمت فيهم فكرة أنه ﻻ يجري شيء في بلادنا إﻻ ما يريده الكافر. ما جعلهم ينظرون إلى كل حركة في الأمة ولو كانت مخلصة على أنها تابعة للأجنبي وأنه ﻻ يمكن أن تخرج عن سياساته، أو يلجأون إلى التعميم مع وجود فوارق مفصلية مثل إسقاط ما جرى في ليبيا على ما يجري في سوريا.

إن هذا "التفكير" ﻻ يستطيع أن يتصور اﻷمة إﻻ حجارة وحطبا للمستعمر وأنها ﻻ يمكن أن تكون فاعلة ومؤثرة، بل هي دائما مفعول بها.

إن القول إن ما يجري في سوريا هو صراع محصور بين طرفين هما اﻷميركي واﻷوروبي وأن اﻷميركي يتمثل في النظام واﻷوروبي يتمثل في الثورة، وبالتالي إنكار وجود طرف ثالث في المعادلة وهو الأمة يتناقض تماما مع ما يفترض أنه يعمل له، وهو تحميل اﻷمة المبدأ وقيادتها لتخوض الصراع من أجله لتكون فاعلة ومؤثرة في السياسة بل صانعة لها من خلال مكافحة الحكام وكشف مؤامراتهم وإحباطها وكشف سياسات الدول الكبرى في بلادنا والعمل على إحباطها من خلال تحريك الأمة أو القوى المؤثرة فيها.

إن أصل القضية السورية هو ثورة الشعب على الظلم دون تخطيط من أحد، بل بشكل عفوي وتقدير رباني. ثم حين حاولت القوة الوحيدة الموجودة في الداخل والمتمثلة في النظام إخماد الثورة زادتها اشتعاﻻ وانتشارا. من هنا وُجد طرفان لهذا الصراع الداخلي: النظام ومن ورائه أميركا والشعب الثائر... فالمشكلة بدأت بين هذين الطرفين ولم يكن معهما طرف ثالث. ومن المعلوم أن النظام السوري لم يُبقِ أي أثر لنفوذ أوروبي داخل سوريا.

حين عجز النظام عن خنق الحراك دخل الأوروبيون على الخط وحاولوا ركوب الثورة وسرقتها ولكن الثورة كانت عصية على السرقة، فقد بقي قرارها حرا ولم تتمكن دول الخليج من التحكم بالثورة حتى اللحظة. ثمة اختراقات، ولكن للساعة لم يتمكن من السيطرة على الثورة.

ومن هنا فإن من أعاق التسوية وإعادة إنتاج النظام هم الثوار وليس اﻷوروبي. صحيح أن اﻷوروبي كان يُعبّئ الثورة ويحرضها على إسقاط النظام كله، ولكنه بعد أن وجد إصرارا أميركيا على حماية النظام ومنع سقوطه، وحين فشلت في جعل وﻻء الثوار لها ولمشروعها العلماني، بل وحين تأكدت من أن الخيار اﻷقوى للثوار هو الخيار الإسلامي، تراجعت الدول الأوروبية عن فكرة إسقاط النظام وأيدت جنيف 1 ولم تعارض الذهاب إلى جنيف 2 طمعا في أن يكون لها حضور في التسوية.

والحاصل أن هاجس دول الكفر كلها، القريب منها والبعيد اﻷوروبي واﻷميركي، هو التوجه الإسلامي للثورة الذي يزداد أصالة وقوة كل يوم، وتزداد الثورة بدورها تأثيرا في كل المنطقة بشكل إيجابي جعل المحيط كله يتفاعل معها، وكلما طالت الثورة كلما تصدعت البنية اﻷمنية اﻻستعمارية للمنطقة.

ﻻ نجزم بنهاية محددة وإيجابية للثورة، فلا يعلم ذلك إﻻ الله سبحانه، وبخاصة حين نعلم أن الصراع فيها أصبح داميا ومعقدا.

اﻷمة بحراكها هي مَن فرَضَ على أوروبا التخلي عن بن علي والتراجع إلى الوراء ما زعزع قبضة نظامها العميل هناك، وما أتاح للحزب العمل بارتياح وقوة رغم أنه العدو اللدود للغرب، ما يعني أن دول الغرب الكبرى اضطرت أن تتراجع إلى الوراء لصالح حراك اﻷمة، ما يعني أن اﻷمة قادرة على التأثير بالسياسة لو ملكت إرادة التغيير، وقادرة على قلب كل شيء لو ملكت الوعي والإرادة.

إن اﻻيمان والوعي الذي يزداد كل يوم في الشام وتداعي المسلمين من كل أصقاع الأرض إليها لينصروها، وإصرارها على إسقاط النظام كله رغم الطائرات وصواريخ سكود والبراميل الحارقة وأخيرا وليس آخرا السلاح الكيماوي... هذا الإصرار والوعي هو الذي عقد الأمور على أميركا وأعاق مخططاتها في التسوية رغم أن المكر اﻷوروبي واﻷميركي لحرف الثورة واحتوائها كبير جدا إﻻ أن هذه الثورة مازالت خارجة عن السيطرة كما ذكر اﻷخضر الإبراهيمي حين قال إن الثورة السورية خرجت عن السكة ولم نتمكن من إعادتها إليها كما فعلنا في تونس ومصر.

من السهل أن نشطب بالتنظير والتفسيرات الخشبية شعبا بأكمله بكل جهاده وتضحياته ودمائه وثباته ونقول إنه مجرد حطب ﻻ إرادة له وﻻ قرار، وإنه ﻻ يعدو كونه دمية يلعب بها المتصارعون، ولكن لا يمكن لتلك الكلمات أن تلغي اﻷمة من أرض الواقع وأن تلغي أمنياتها وأن تغير في مجرى الأحداث والتاريخ...

منذر عبد الله

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...