اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

يوسف الساريسي

الأعضاء
  • Posts

    251
  • تاريخ الانضمام

  • تاريخ اخر زياره

  • Days Won

    29

كل منشورات العضو يوسف الساريسي

  1. حياك الله يا عبد الله بانتظار تعقيباتك ومداخلاتك مع تحياتي
  2. السلام عليكم نود أن نزيد عما ذكرناه أعلاه في الموضوع، بما فيه فائدة وعبرة ان شاء الله: يقول الله تعالى في سورة الإسراء: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) ورد في تفسير ابن كثير لقوله تعالى: (فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الْأَرْضِ) أي يخليهم منها ويزيلهم عنها { فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض} ، وفي هذا بشارة لمحمد صلى اللّه عليه وسلم بفتح مكة مع أن السورة مكية، نزلت قبل الهجرة وكذلك وقع فإن أهل مكة همّوا بإخراج الرسول منها كما قال تعالى: { وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها} الآيتين، ولهذا أورث اللّه رسوله مكة فدخلها عنوة وقهر أهلها ثم أطلقهم حلماً وكرماً، كما أورث اللّه القوم الذين كانوا يستضعفون من بني إسرائيل مشارق الأرض ومغاربها. وهذه الاية تدل على أن سنة الله في انبيائه ماضية فيمن يستفزهم من أرضهم لاخراجهم منها مع المؤمنين معهم، فقد وقع هذا على فرعون بعد استفزازه لموسى عليه السلام وقومه (بني اسرائيل) فاغرق الله فرعون ومن معه جميعا، ووقع لمحمد عليه الصلاة السلام والمهاجرين معه -كما ذكرنا أعلاه- وقد نصره الله عليهم مع صحابته بفتح مكة وإنهاء دين الشرك. اللهم انفعنا بما علمتنا وزدنا علما والحمد لله رب العالمين
  3. السلام عليكم حضرات الإخوة الكرام المتابعين والمهتمين بهذا الموضوع أود من حضراتكم التعقيب والافادة في الموضوع، فمن كان لديه علم بوجود رأي أو آراء عقلية أخرى حول العلة الغائية لخلق الكون والإنسان، غير ما حصرناه أعلاه فليكتبه هنا، وسنتقبل ذلك بكل رحابة صدر، فما نحن إلا طالبي حق لا نتكبر عليه إن شاء الله مهما كان قائله ما دام يستند إلى دليل. فعلى حد علمنا لا يوجد إلا هذه الآراء الأربعة أو ما يندرج تحتها، فمن وجد شيئا غير هذه الآراء فليزودنا به ونحن بانتظاركم مع تحياتي لكم جميعا
  4. اكمال حصر الآراء المتعلقة بجواب سؤال "لماذا خلقنا الله؟" بعد البحث وجدنا بعض الإجابات العقلية عند بعض المفكرين، وملخصها كما يلي: في موقع "لا للإلحاد" على النت، ذكر الكاتب أن من حكم خلق الإنسان إظهار أسماء الله الحسنى وصفاته العلا، فمن عمل لما خلق له جازاه الله بالحسنى وتفضل عليه، وغفر له زلاته وعفا عن هفواته، و أسكنه فسيح جناته بعد مماته، فيظهر بذلك أثر كرم الله تعالى وتفضله وإحسانه وعفوه ومغفرته، و من أعرض عما خلق له استحق عقاب الله تعالى وانتقامه منه، لتنكره لخالقه ورازقه والمنعم عليه، ولإعراضه عما خلقه له، فإذا انتقم منه لذلك وعاقبه، ظهر أنه الجبار المنتقم شديد العقاب . أما في كتاب "سابغات" للمفكر أحمد يوسف السيد فيجيب: وهنا قد يسأل البعض أو يعترض قائلا: ولماذا أراد الله أن تكون الغاية من خلقنا أن نعبده؟ -وهو غني عنا- ولو أجبنا عن هذا السؤال فقلنا: لأن هذا مقتضى أسمائه وصفاته من المغفرة والرحمة والعزة والجبروت، فإن السائل يوغل في السؤال أكثر فيقول: ولماذا أراد الله أن تظهر مقتضيات صفاته على خلقه؟ إلى آخر هذه الأسئلة، التي حسبنا في الجواب عنها أن نقول: أنه أراد ذلك وهو أحكم الحاكمين، وهو يعلم ما لا نعلم، وهو رب كل شيء، فسؤالنا عن الحكمة من أفعال الله يقف عند جوابه سبحانه وتعالى وبيانه، وليس لنا أن نتجاوز ذلك إلى سؤاله عن سبب ارادته تلك، فإنه لا يسأل عما يفعل ونحن نسأل. أما الدكتور جيفري لانغ فيذكر بأن الهدف من الحياة هو أن الله يريد أن يصنع مجموعة من البشر أنشأت بإرادتها الحرة علاقة سامية من الحب مع الله، وأن الله سيسعد ويفرح بالعلاقة مع المؤمنين إن هم عرفوه وأطاعوه وتمثلوا بصفاته الحسنى في تصرفاتهم وأخلاقهم باختيارهم الحر وبرضاهم دون اكراه، فيكونون مؤهلين لعلاقة مع الله، وعندها سيحبهم الله ويرضيهم ويسعدهم بالقرب منه في الآخرة. ويضيف بأن الإنسان يتقترب من الله إذا كان هناك أمر مشترك بينه وبين الله، والأمر المشترك هو نفخة الروح. لذلك نأتي الى الدنيا بهذه الصفات والميزات. وكلما جاهدنا لنتصف بصفات المؤمنين كلما تمكنا من الاقتراب من صفات الله الحسنى. وسنتمكن من الاحساس بصفات الله الرائعة من الجمال والقدرة والرحمة والود وكل اسمائه الحسنى، إذا قمنا بتزكية النفس، وهذا سوف تشعرنا بالسعادة في الحياة الدنيا والآخرة، إذن هناك إجابة عقلية على هذا السؤال (لماذا خلقنا الله؟) تقول بأن الله خلقنا لأنه أراد أن تظهر وتتجلى مقتضيات صفاته الحسنى على خلقه. وعليه وبعد البحث والتفكير العميق في هذه المسألة، فقد وجدنا أربعة أجوبة عقلية عند مفكري وعلماء المسلمين عليها، وهي كما يلي: 1. صدور المعلولات (الموجودات) عن العلة التامة (واجب الوجود) هو واجب تلقائي ضروري دون إرادة منه، وبالتالي فالعالم قديم أي هو أزلي مع الله، وهذا هو دليل الفلاسفة "المسلمين". 2. لا توجد إجابة نقلية من النصوص الشرعية عن هذا السؤال، وعقلنا لا يستطيع التفكير بهذا السؤال لأنه متعلق بأفعال الله، وهي فوق عقل وحس الإنسان. 3. العلة الغائية لأفعال الله تعالى منفية، لأنها صفة نقص ولا تنسب إلى الله سبحانه، فلا يوجد علة باعثة لخلق الله للإنسان وهذا هو رأي متكلمي الأشاعرة. 4. خلق الله الإنسان لإظهار وتجلية عظمة بعض صفاته، لأنها لا تتجلى إلا بوجود موضوع حامل لهذه الصفات، وهذا هو رأي بعض المفكرين. يتبع بمشيئة الله
  5. حصر الآراء المتعلقة بجواب سؤال "لماذا خلقنا الله؟" بعد البحث في موضوع "لماذا خلقنا الله؟" فقد وجدنا العديد من الإجابات التي أجابها بعض علماء المسلمين ومفكرينهم، وقد وجدنا العديد منهم يجيب بأن الله خلقنا لعبادته أو بهدف ابتلائنا، ويستدلون بقوله تعالى في الآية (( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدون ) الذاريات/ 56) حيث أنها تعلل خلق الله الإنسان بأنه للعبادة، ولكن بالتدقيق في الآية نجد أنها تحدد وظيفة الإنسان بعد خلقه ولا تتحدث عن الغاية الربانية من خلقه، أما سؤال (لماذا خلقنا الله؟) فهو يبحث فيما قبل الوجود، أي عن السبب الباعث لله على خلق الموجودات والإنسان قبل ايجادها. ولنستعرض سريعا ملخص أهم هذه الآراء، كما يلي: يقول بعض المفكرين من أمثال شريف محمد جابر ومركز نون للدراسات القرآنية برام الله (الشيخ بسام جرار)، بأنه لا توجد إجابة قاطعة عن هذا السؤال (لماذا خلقنا الله؟) لأنه لا مجال لعالم المحدودات أن يجيب عن أسئلة متعلقة بعالم اللانهائيات، فما حصلنا عليه من الوحي هو إجابة تتعلق بوظيفة الإنسان في الدنيا وليس عن الغاية من خلق الإنسان، فلا توجد إجابة عن هذا السؤال. يقول د. مصطفى محمود معلقا على قوله تعالى في سورة الحجر: (( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ (85) )) بأن خلق الله الدنيا ليحق الحق و يبطل الباطل، وحينما تقول الآيات. (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (فالله خلقنا لنعرفه، فإذا عرفناه عبدناه. و إذا عبدناه تفاضلت عباداتنا وتفاضل إيماننا وإنكارنا وتفاضلت منازلنا. فالله خلقنا ليعطينا. وكلنا مستحقون للعطاء بحكم رتبة العبودية. ... ومجال التأمل هو في الحكمة العامة للخلق و للدنيا فقط. أما د. محمد المسعري فيقول بالنسبة لسؤال: لماذا خلق الله الخلق؟ هناك كلمة للصوفية -وليست حديثا- "كنت كنزا لا اعرف فخلقت الخلق ليعرفوني". ولماذا يعرفونه؟ والجواب أن الله مسرور بذاته راضٍ عن نفسه، فأراد اشراك موجودات في هذا الرضوان الممتع، بالقدر الذي يمكن ان يتمتع به المخلوق لأنه خلق محدوداً وله نهاية، وخلق الله فيه صفات الإدراك والعلم واوجد لديه القدرة على عبادة الله والتقرب اليه، بهدف الاستمتاع في الآخرة بصحبة الله إلى الأبد. أما د. راتب النابلسي فيقول: هذا الكون دليل على وجود خالق عظيم له أسماء حسنى، فما يليق بجلال الله أن يتركنا من دون هدف من وجودنا، فما هو الهدف؟ الهدف هو العبادة أن تعرفه فتطيعه فتسعد بقربه. العبادة هي الهدف من خلق الكون أو من خلق الإنسان، فالإنسان مخلوق للسعادة، إذا عرفت أنك خلقت من أجل أن يسعدك الله عز وجل، شعرت بالراحة والروح والتفاؤل وبأنك مكرم، وأن الله عز وجل تفضل عليك بإيجادك. ومن رحم الله من عباده فسيكونون من السعداء الخالدين في الجنة، لأنهم حققوا غاية خلقهم وهي نيل رضوان الله لأن السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة هي بنيل رضوان الله، وتتحقق لهم السعادة بالتفكر في الدنيا ثم التعرف على الله وعبادته والتوكل عليه. وهناك آراء أخرى متعددة يقول أصحابها بأن الله خلقنا لنحبه ويحبنا، فهو سبحانه وتعالى يُحــب أن يُعـبــد وأن يُوحـد ويُمجـد، وهو سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يعبدوه ويطيعوه. ولكن بالتدقيق في هذه الإجابات نجد أنها تعبر عن الغاية والمقصد من خلق الإنسان، وليست هي العلة الغائية لخلق الله للبشر، وهي تبين أن الغاية هي منفعة البشر وليست العلة الباعثة لخلق الله للإنسان. وقد يسأل البعض عن هذه الإجابات والغايات فيقول: ولماذا يريد الله منا أن نعبده أو أن نعرفه أو أن نحبه؟ أو ماذا ينتفع الله –سبحانه وتعالى- من عبادتنا او محبتنا له؟ وهذا يستدعي جوابا آخر غير هذه الإجابات الواردة أعلاه، لأنها إجابات تستند إلى بعض النصوص الشرعية. ومن تدبر النصوص الشرعية التي ورد فيها ما يدل على التعليل، نجد أنها تتعلق بالحكمة أو النتيجة من الخلق أو هي تتعلق بالغاية والمقصد من هذا الخلق، أي أن لها علاقة بوظيفة الإنسان في الحياة الدنيا، وهي ليست جوابا على العلة الغائية لفعل الخلق الصادر من الله سبحانه، ولذلك فهي ليست إجابات عن العلة الغائية للخلق، ولكن بعض النصوص الشرعية ذكرت أن الله خلق السموات والأرض بالحق. فما هو الحق الذي خلق الله الكون به وله؟ وهل يستطيع العقل الحصول على إجابة لهذا السؤال؟ يتبع بمشيئة الله
  6. ملخص مختصر لمحاضرة د. جيفري لانغ حول الهدف من الحياة: تساؤل لماذا يخلق الله الإنسان ولديه القدرة على التمرد على إرادة الله وفعل الشرور؟ في حين ان الله يستطيع أن يجعله مثل الملائكة؟ هناك مجموعة من العوامل لها دور اساسي في تصوير الحياة وهي: العقل والاختيار والابتلاء. فالانسان كائن لديه قدرات عقلية، وهو كائن أخلاقي مختار، ومعرض لوساوس الشيطان بالشر وايعاز الملائكة بالخير، وعليه ان يختار بينهما خلال عملية التزكية والنمو، والبشر سيعانون من الألم والابتلاء في الحياة الدنيا، ولا بد ان تكون حياتهم جهاد وصبر. ما الرابط بين هذه العوامل الثلاثة لوجود الانسان على الأرض، ولماذا ينبغي أن نمر بها لندخل الجنة؟ والجواب هو أن الحياة مرحلة من مراحل خلقنا، فرحم الأم كان مرحلة لنمونا الجسدي، والحياة الدنيا مرحلة لنمو النفس والشخصية، هذه النفس المتزكية هي التي نأخذها إلى الحياة الآخرة. فما هو الهدف من خلقنا؟ القرآن لم يخبرنا صراحة بالجواب، ولكن القرآن يتكلم عن المؤمنين والكافرين، والله خلقنا لنكون من المؤمنين، فما علاقة المؤمنين وأفعالهم بالعوامل الرئيسية السابقة؟ ويبدو للمحاضر بأن هذه طريقة طبيعية (عقلاً) في البحث عن الإجابة. وبالبحث في القرآن نجد ان أقصى ما سيحققونه في الدنيا والآخرة هو علاقة الحب مع الله، يتضح من القرآن بأن الهدف من الحياة أن الله يريد أن يصنع مجموعة من البشر أنشأت بإرادتها الحرة علاقة سامية من الحب مع الله، وهؤلاء سيستمتعون بسعادة في علاقتهم مع البشر وفي علاقتهم مع الله. ولكن خلقتنا يا الله لنحبك، لمَ لمْ تضعنا في الجنة فنشعر بحبك فيها؟ برمجنا على حبك. فما هي الخطوة المنطقية التالية التي علي أن أفعلها؟ نحن هنا لنحب الله، وان كنا مؤمنين وعملنا الصالحات سنسعد في الدنيا مع الله وكذلك مع البشر، حتى وان كنا سنبتلى ونجاهد، ولكن لم يستطع رؤية الرابط بين كل ذلك مع المعاناة من أجل دخول الجنة. فما هو السؤال الطبيعي التالي (عقلا) لنسأله؟ علينا أن ندرس الطرفيْن المشتركين في العلاقة. وما الرابط بين علاقتنا بالله وهذه العوامل الثلاثة؟ إن ما يطلبه القرآن من المؤمنين هو صفات معينة يحبها الله فيهم كالرحمة والرأفة والمسامحة والكرم والعلم والحكمة والحق وحب الآخرين. ولكن اذا أردت أن أكون قريبا منك علي أن أشاركك في شيء مشترك بيننا، تماما كما يحدث بين الناس بعضهم بعضا، ولكن كيف لشخص ان يتقترب من الله؟ ما المشترك بيننا وبينه؟ أننا نتشارك معه في نفخة الروح. لذلك نأتي الى الدنيا بهذه الصفات والميزات، ونحن بدورنا كبشر إما ان نزكي النفس بهذه الصفات وإما أن ندسيها، والتزكية سوف تشعرنا بالسعادة في الحياة الدنيا، وسنتمكن من الاحساس بصفات الله الرائعة من الجمال والقدرة والرحمة والود وكل اسمائه الحسنى، وكلما جاهدنا لنتصف بصفات المؤمنين كلما تمكنا من الاقتراب من صفات الله الحسنى وبالتالي كلما نتزكى نقترب فندرك عظمة الله. السؤال لماذا يتحتم علينا المرور بهذه الأمور الثلاثة؟ لماذا لم يجبلنا الله على الرحمة والتسامح ... الخ؟ والجواب أننا نحن كائنات تنمو وتتزكى بالفعل، ولكننا لا نستطيع ان نتصف بصفات الله ما لم توجد لدينا هذه الأمور الثلاثة، فهي اذن هي كلها لازمة وأساسية لتزكية النفس البشرية، من أجل أن تكون هذه النفس مؤهلة لعلاقة مع الله. إذن خلاصة ما يريد أن يقوله د. جيفري أن الله سيسعد ويفرح بالعلاقة مع المؤمنين إن هم عرفوه وأطاعوه وتمثلوا بصفاته الحسنى في تصرفاتهم وأخلاقهم وذلك باختيارهم الحر وبرضاهم دون اكراه، فيكونون مؤهلين لعلاقة مع الله، وعندها سيحبهم الله ويرضيهم ويسعدهم بالقرب منه في الآخرة. ولكم تحياتي
  7. السلام عليكم ملخص رأي الأشاعرة في سؤال لماذا خلقنا الله؟ كما ذكرنا في موضوع العلة الغائية عند الأشاعرة ورابطه: فانهم –أي الأشاعرة- يقولون بنفي العلة الغائية عن أفعال الله عموما، أي لا توجد علة باعثة أو دافعة لأفعاله سبحانه لأن هذا يعني وجود حاجة دافعة لأفعال الله، والحاجة هي عجز وتعالى الله عن كل صفات النقص والعجز، فهو سبحانه كامل وأزلي ولا يحتاج إلى شيء، وهذا ما يسمى بدليل الاستكمال. ولهذا فإن الأشاعرة ينفون وجود علة غائية للخلق، فلا يوجد سبب باعث لخلق الله للكون والحياة والإنسان، أما قوله تعالى (وما خقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فإنهم لا يعتبرون الآية تفيد التعليل، بل هي الحكمة من خلق الإنسان أي النتيجة، أي أن غاية الإنسان ووظيفته هي عبادة الله وليست هي العلة الغائية لخلق الإنسان. يتبع بمشيئة الله تعالى
  8. السلام عليكم أخي أبا مالك بارك الله فيك هل تتفضل علينا وتربط ما ذكرته في مشاركاتك أعلاه بالموضوع، فأنت من الرواد في مسائل صفات الله وقد وفقك الله وكتبت عدة أبحاث وكتب حول موضوع صفات الله. فرأيك بالتأكيد له اعتبار ووزن عندنا هنا!! بانتظاركم
  9. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته بارك الله فيك أخي عبد الله العقابي أولا: أرجو أن يكون ما اجبتك به سابقا حول التفريق بين سبب الموت وبين العلة الغائية واضحا وكافيا. ثانيا: بالنسبة للغاية من أفعال وأحكام الله وهي تسمى ايضا بالمقاصد أو هي العاقبة أو الحكمة الناتجة من تطبيقها عند الناس. يقول الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى في الجزء الثالث من كتاب الشخصية الاسلامية -أصول الفقه في موضوع مقاصد الشريعة: "ومما يجب أن يعلم أن حكمة الله من الحكم هي مقصده هو من تشريعه وغايته منه، فلا بد أن يبينها الشارع نفسه حتى يعرف أنها غايته، أي أن مقاصد الشريعة ... لا تعتبر مقاصد شرعية حتى يأتي بها نص شرعي، فإذا لم يأت بها نص قد جاء من الوحي، فلا يجوز أن تعتبر من المقاصد الشرعية ... ويستحيل عقلا وشرعا الاطلاع على حكمة الله إلا إذا اطلعنا الله عليها بنص بواسطة الوحي". فهذا يؤكد الكلام الذي ذكرته في التعقيب لاغلاق الباب على الجاهل والمتأول. من ناحية أخرى وبالاشارة إلى ما ذكرته في تعقيبك فليس بالضرورة أن يكون المقصد أو الحكمة قد وردت بدليل قطعي الثبوت وقطعي الدلالة، فهي مثل العلة الشرعية قد ترد في القرآن أو في السنة أو في اجماع الصحابة، وترد في القطعي والظني، وقد يختلف في دلالتها بين المجتهدين والعلماء، وبالتالي تعامل الحكمة الشرعية معاملة العلة الشرعية من حيث ضوابط أخذها وفهمها، فقد تكون الحكمة صريحة وقد تكون دلالة أو استنباطا. فحكمة الله من خلق الإنسان هي عبادته (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وهذا المقصد هو الغاية من الخلق، وهو قد ورد بدليل قطعي الثبوت وقطعي الدلالة. وورد في الحديث الشريف أن رسول الله "نهى عن أن تزوج المرأة على العمة وعلى الخالة وقال إنكم أن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم" وهذا الحديث ظني الثبوت. وقد تستنبط الحكمة من مجموعة من الأحكام الشرعية. ومن الأمثلة على الحكم التي استنبطها الشيخ تقي الدين رحمه الله ما ورد في كتاب النظام الاقتصادي هي عرف سياسة الاقتصاد بأنها (هي الهدف الذي ترمي اليه الأحكام التي تعالج تدبير أمور الإنسان، وهي ضمان تحقيق الإشباع لجميع الحاجات الأساسية لكل فرد اشباعا كاملا، وتمكينه من اشباع الحاجات الكمالية بقدر ما يستطيع) والهدف هنا هو نفسه الغاية وهو نفسه الحكمة وهي هنا مستنبطة من مجموعة من النصوص، حيث استنبط الشيخ ذلك من مجموعة من الأحكام الشرعية المتعلقة بالاقتصاد، ويمكنك مراجعة مقدمة الدستور والاطلاع على شرح الأسباب الموجبة للمادة 123 حول تعريف سياسة الاقتصاد في الاسلام ولك تحياتي
  10. السلام عليكم حياك الله أخي عبد الله بالنسبة لسؤالك أعلاه حول سبب الموت، فأود التنبيه أن مثال المطر ليس مني، بل هو ما ذكره الأشاعرة لتوضيح رأيهم في نفي العلة الغائية عن أفعال الله، ولأثبات أن الله يستطيع إنبات النبات دون حاجة للمطر كواسطة ضرورية أو سبب مؤثر مفروض عليه أما بحث سبب الموت فهو بحث مختلف عن بحث العلة الغائية، فما ذكرته من مثال قطع رأس انسان بأنه يؤدي إلى الموت حتما، فهذا مشاهد محسوس، ومثله اطلاق الرصاص على الدماغ أو القلب مباشرة، أو اتلاف أي عضو من أعضاء الإنسان الأساسية التي بدونها تنتفي الحياة من الجسم، فكل هذه الأمور توصل إلى الموت عادة كما يراها الناس ولذلك قال الشاعر المتنبي: من لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد هذا من ناحية الواقع المحسوس، ولكن من ناحية النصوص الشرعية فإنها أثبتت بالقطع أن الإنسان لا يموت إلا بأجله أي في الوقت الذي كتبه الله عليه، لذلك رأي الأشاعرة ورأينا أن الانسان يموت بسبب واحد وهو انتهاء الأجل. ومعنى انتهاء الأجل هو قبض ملك الموت لروح الإنسان عند وقت محدد كلف الله ذلك الملك به، أي أن سبب الموت هو نزع الروح من الجسد لا غير. وهذا يساوي أن سبب الحياة هو وجود الروح فالروح هي سر الحياة، فما دامت الروح في الجسد يبقى الكائن حيا وإذا قبضت هذه الروح مات الكائن. فسبب الحياة هو وجود الروح والموت يحصل عند انعدام السبب، أي أن الموت هو زوال ما كان سببا للحياة أي زوال الروح. فتصبح القضية هي كيف نوفق بين النصوص الشرعية القطعية حول سبب الموت بأنه نزع الروح من قبل ملك الموت عند موعد الكتاب المؤجل، وبين المشاهد المحسوس من أسباب يحصل عندها الموت كحز الرقبة؟ وقد قام الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله في الجزء الأول من كتاب الشخصية الإسلامية بالتوفيق لهذا التعارض الظاهري بين الأمرين، من خلال تحديد معنى السبب وأن سبب الموت حسب الأدلة الشرعية واحد لا يتعدد، وأن حز الرقبة واتلاف القلب ليس هو السبب وإنما هو حالة من الحالات التي يحصل عندها الموت، والتفريق بين السبب والحالة هو المخرج الذي اعتمده الشيخ تقي الدين والأشاعرة . ومعنى كلام الشيخ تقي الدين هو لزوم التفريق بين سبب الحياة وشروط بقاء الحياة في الإنسان أو الكائن الحي. ومن خلال ادراكنا الواقعي لشروط بقاء الحياة في تاجسم نجد أنها تنقسم إلى شروط خارجية وداخلية: أما الشروط الخارجية فهي كالأكل والشرب والتنفس فكل منها شرط من شروط الحياة، وكذلك جميع الحاجات العضوية لأن عدم اشباعها يؤدي إلى الهلاك. وأما الشروط الداخلية اللازمة لبقاء الحياة فتتمثل في عمل منظومة أجهزة الجسم بشكل سليم، أي أن صلاحية الجسم الحي لدعم الحياة تكون من خلال اتصال الأعضاء الاساسية وعمل أجهزة الجسم بشكل سليم، وعدم تلف أي عضو ضروري كالدماغ والقلب والرئتين والكبد والجلد ... الخ. وفي حالة انعدام أي شرط من الشروط الداخلية أو الخارجية فإن ذلك يؤدي إلى عدم المشروط أي انعدام الحياة، لأن الشرط هو ما لا يلزم من وجوده وجود ويلزم من عدمه العدم، وبما أن جميع الشروط الداخلية والخارجية لازمة للحياة فإن انعدام أي شرط لازم منها يؤدي إلى عدم صلاحية الجسم كمنظومة لدعم الحياة، فيصبح وجود الروح التي هي سبب الحياة في الجسم وكأنه غير ممكن لاختلال أحد شروط اللازمة لفعالية السبب، فيحصل الموت عند ذلك لأن السبب والشروط لا بد منها كلها لبقاء الحياة، فإذا انعدم السبب حصل الموت وإذا انعدم الشرط حصل الموت ولكن انعدام الشرط يؤدي إلى تعطيل عمل وفعالية السبب أي يؤدي إلى الموت، فيكون السبب الحقيقي للموت هو خروج الروح وليس بسبب الجوع أو الخنق أو حز الرقبة، لأن كل هذه الأمور هي شروط للحياة وليست أسبابا والسبب الوحيد للحياة هو وجود الروح وسبب الموت هو نزع الروح لا غير. وهذه الشروط اللازمة للحياة هي ما سماه الشيخ تقي الدين بالأحوال فهي ظروف وأوضاع يحصل عندها الموت ولكن الشرط ليس هو سبب الحياة ولذلك ليس هو سبب الموت. طبعا هذا الكلام لا يقوله الشيخ تقي الدين حرفيا بل هذا توضيح وتفسير مني لمعنى كلامه، لأن الكثير من الشباب يعرفون الفرق بين الأسباب والشروط ويمكنهم التفريق بينهما، فكان ربط موضوع الموت بهذه الأمور (السبب والشروط) أوضح من ذكر موضوع الحالات, وخلاصة الأمر أن موضوع سبب الموت بقطع الرأس الذي ذكرته هو استشكال شرعي بين النصوص القطعية وبين الواقع المشاهد لحالات الموت، وقد تم حل هذا الإشكال بهذه الطريقة وأقر بصعوبة فهمها من الكتب التي عالجت هذا الموضوع. أما موضوع العلة الغائية فهو مختلف، فليس هناك نصوص تنفي علية أفعال الله تعالى وتعارضت مع الواقع كما في مسألة الموت، بل العكس هو الصحيح، فهناك أدلة ونصوص شرعية تثبت قطعا وجود غايات لأفعال الله كقوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وتثبت تعليل الأحكام الشرعية كما في قوله: (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) وغيرها الكثير وهي أدلة متضافرة تثبت ذلك قطعا. والحمد لله رب العالمين
  11. مكمن الخلل الذي وقع فيه الفلاسفة ثم الأشاعرة كما ذكرنا أعلاه، فإن الخطأ المنهجي الذي وقع المتكلمون عموما، هو الانسياق وراء ابحاث الفلاسفة والرد عليهم على نفس صعيد البحث دون التمييز الدقيق لمدى صحة الأسس التي أقام عليها الفلاسفة استدلالاتهم. وفي موضوعنا هنا (نفي العلة الغائية عن أفعال الله) وقعوا في نفس الخطأ، فجاءت المشكلة المنهجية لدى الأشاعرة من اقرارهم جزئيا باستدلالات الفلاسفة على قدم العالم أي أزلية الكون من خلال العلة والمعلول، فالفلاسفة يقولون بأنه ما دامت العلة التامة (واجب الوجود وصفاته وافعاله) موجودة فيحصل المعلول (الوجود) عندها وجوبا، فأوجبوا على الله أن يخلق العالم منذ الأزل. ولما أراد الأشاعرة الرد عليهم نفوا ضرورة انتاج العلة للمعلول وجوبا بأن علقوا وجود المعلول أي العالم بمشيئة الله وليس جبرا عنه. ولذلك قالوا بالسببية الجعلية. وكذلك نفى الأشاعرة العلة الغائية عن أفعال الله حتى لا يحصل المعلول تلقائيا ووجوبا، لأن الأشاعرة اخذوا برأي الفلاسفة بأن الشيء الموجود له أربعة علل هي: العلة الفاعلة والعلة الغائية والعلة الصورية والعلة المادية، وعند توفر جميع هذه العلل ينتج عنها المعلول وجوبا لأن السبب ينتج المسبب حتما، ولذلك وحتى يرد الأشاعرة على الفلاسفة بنفس المنهج الفلسفي وجدوا الثغرة في العلة الغائية، وهي العلة التي لها علاقة بالباعث والدافع على القيام بالأفعال الارادية عند الفاعلين، وبما أن الفاعل مريد ويفعل باختياره، وهذا الاختيار هو ما يعطل العلة الغائية، قالوا بنفي العلة الغائية عن أفعال الله فكسروا بذلك حجة الوجوب على الله وأصبحت أفعال الله حتى حسب مقاييس الفلاسفة بالارادة والمشيئة، وتوصل الأشاعرة بأنه لا يجب على الله شيء. والصحيح انه كان على الأشاعرة عدم الإقرار بشروط العلة التامة كما قال بها الفلاسفة، لأن ذلك أوجد لهم إشكالية لها أول وليس لها آخر، اضطرنهم إلى نفي العلة الغائية والتشكيك في السببية والقول بأنها سببية جعلية، ولكن كان بامكانهم أن يخرجوا من هذا المطب والاشكال بطريقة أحسن وأسلم!!! في رأيي أن قول الفلاسفة بالعلل الأربع وأنها ينتج عنها المعلول وجوبا ليس مسلما به، فهذا صحيح بالاستقراء الجزئي بالنسبة للأشياء الفيزيائية الجامدة التي لا حياة فيها، أما فيما يتعلق بالسببية الإنسانية فهي غير السببية الفيزيائية، لأن هناك حلقة وسطى موجودة بين السبب وحصول المسبب أو النتيجة وهي حلقة الإرادة، وبدون هذه الإرادة لا يحصل الفعل الإنساني، فالارادة هي أحد الأسباب اللازمة حتى تكون العلة تامة والتي بتمامها واكتمالها تحصل النتيجة حتما. ولنأخذ المثال الذي استخدمه الأشاعرة حول البرد والمعطف، فشعور الإنسان بالبرد هو العلة الغائية الدافعة (الحاجة أو المشكلة) والباعثة على القيام بالفعل، والغاية تتبلور في ذهن الإنسان من خلال عملية عكس نتائج الحاجة أو المشكلة، فتكون الغاية هي التخلص من الألم الجسمي والانزعاج الناتج من البرد، ويكون سبب حل المشكلة أو اشباع الحاجة هو الوصول إلى الدفء وذلك من خلال لبس معطف ثقيل أو اشعال نار حول المكان، وبعد القيام بهذا الفعل تكون النتيجة هي زوال الألم والانزعاج والحصول على الدفء. ولا بد من ملاحظة نقطة النقص والخلل التي وقع فيها الفلاسفة هنا، وهي أن الفعل الإنساني (وهو لبس المعطف أو اشعال النار) هو فعل ارادي وليس فعلا جبريا، فصحيح أن البرد شيء خارج عن الإرادة ولكن فعل اللبس والنار شيء ارادي ومنوط بمشيئة الانسان واختياره, فيمكنه أن يلبس المعطف أو أن يشعل النار أو لا يفعل شيئا بأن يتحمل ألم البرد، ولا أحد يجبره على فعل أي من هذه الأفعال بل هو يقوم بواحد منها باختياره، وبالتالي تكون ارادته وحدها التي حددت له ما يقوم به من أفعال، طبعا بجانب الأخذ بباقي الأسباب والشروط اللازمة لاتمام هذا الفعل. والنتيجة أن الفعل الإنساني يلزمه وجود خمس علل وليس أربعة كما يقول الفلاسفة، والعلة الخامسة هي الإرادة والاختيار، ولو انتبه السادة الاشاعرة لهذا الأمر لما لزمهم كل هذا العناء في الرد على الفلاسفة، ولأدركوا أن الإرادة بالنسبة لأفعال الله هي أحد الأمور اللازمة لوجود نتيجة الفعل. ولأدركوا كذلك أن العلة المادية أي وجود المادة الخام التي يصنع منها الشيء هي علة لازمة حتما للفاعل (الإنسان)، ولكن الله لا يحتاج إلى العلة المادية، فقد يخلق الأشياء من العدم بدون سابق وجود كما خلق السموات والأرض، وقد يخلق الله الأشياء بالتصوير أي يحولها ويبدلها من أشياء موجودة خلقها سابقا، فقد خلق الله آدم من تراب، وهذا التراب كمادة شيء مخلوق قبل وجود آدم عليه السلام. ولذلك لا يصح قياس أفعال الله على أفعال الإنسان، فالله يخلق الأشياء ويصورها من لا شيء أي من العدم، ويخلقها بعلمه وارادته بقوله للشيء كن فيكون، وليس بحاجة إلى علة غائية تدفعه، ولكن هناك مقاصد وغايات لأفعاله موجودة في علم الله قبل خلقها، ثم الله يريد أن يخلق شيئا بارادته في وقت وزمان معين ويشكله ويصوره حسب ما يشاء ويجعله متناسبا ومتلائما مع باقي الأشياء التي خلقها وذلك بقدره وبحكمته. أما الإنسان فهو يحتاج في صنعه للأشياء أو في افعاله عموما إلى خمس علل وهي: الغائية والفاعلية والمادية والصورية والإرادة، فالإرادة هي أحد أسباب وجود الأشياء وتغيير أحوالها عند الإنسان، ولولا الإرادة لكان الفعل الإنساني هو فعل المضطر أو المجبر أو قد يكون فعلا لا إراديا، إي وقع منه بطريق الخطأ أو الصدفة ولذلك يعتبر فعله هذا فعلا غير مقصود أو عبثيا، ولكن هذا الأمر لا يصح في حق الله بأن يكون فعله بالخطأ او الصدفة العبثية لذلك كان لا بد من القصد والغاية حتى يعتبر الفعل اراديا. والخلاصة أن انسياق المتكلمين ومنهم الأشاعرة وراء منطق الفلاسفة وظنونهم، هو ما اوقعهم في ورطات فكرية كان يمكن تداركها لو اتبعوا منهجية فكرية صحيحة في ابحاثهم، من خلال طريقة القرآن في اقرار الحقائق، والاعتماد على العقل والفطرة بعد تحديد معنى العقل والطريقة العقلية والشروط اللازمة للتفكير، والابتعاد عن الانجرار وراء علم المنطق والابحاث الفلسفية التي لا طائل منها. والحمد لله على نعمة الهدى والقرآن
  12. شكرا لك أخي عبد الله العقابي على تفاعلك في الموضوع، فنحن بحاجة حقيقة للتفاعل بشكل أكبر في المنتدى وسأحاول الاجابة على تساؤلك في اقرب فرصة إن شاء الله تعالى
  13. خلاصة بحث موضوع العلة الغائية عند الأشاعرة جعل الأشاعرة من خصومة الفلاسفة وفرقة المعتزلة من المتكلمين الأساس في أبحاثهم، فكان الكثير من أبحاثهم هي ردود أفعال على مغالاة الفلاسفة والمعتزلة في الاندفاع وراء تبني الآراء الفلسفية اليونانية، وهذا ينطبق على أبحاث وجود الله وما وراء الطبيعة وابحاث صفات الله وأفعاله، ومسائل القضاء والقدر وخلق القرآن والرزق والموت وغيرها من أبحاث العقائد ولذلك نجد دفاع الأشاعرة عن الإسلام ووقوفهم بشكل حازم أمام تلك الموجة من التأثر بالفلسفة اليونانية، مما كان له الأثر في تخفيف الاندفاع وراء تلك الموجة، وهذا أمر يكتب لصالحهم، ولكن رأينا أن الأشاعرة قد انساقوا مع المتكلمين والمعتزلة في الرد على نفس الصعيد فوقعوا في أخطاء منهجية في طريقة التفكير، وقد ذكرها الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله تعالى في كتبه وبوب عناوين خاصة في بحث طريقة المتكلمين ومنهجهم والرد على هذا المنهج وتصويبه بذكر مواطن الخلل ثم تحديد الرأي الصواب في الموضوع وفق منهجية إسلامية بناها بعد بحث عميق مستنير حول موضوع التفكير وتعريفه ومناهج التفكير، وتعرض كذلك لعلم المنطق والخلل فيه، وتعرض للمغالطات التي تصرف عن الحقائق ثم البحث في النصوص الأدبية والفكرية والتشريعية والسياسية. فالشيخ تقي الدين رحمه الله فكر -كما يقال- خارج الصندوق، ورفض الانجرار وراء أبحاث الفلاسفة والمتكلمين، فلم يبحث مسألة خلق القرآن ولم يبحث في الكثير من متعلقات صفات الله، وقد ذكر الشيخ تقي الدين موضوع تعليل أفعال الله بغرض، في مبحث مقاصد الشريعة في أصول الفقه، ضمن الجزء الثالث من كتاب الشخصية الإسلامية، وذكر وجود أكثر من رأي في هذا الموضوع ضمن أبحاث علماء التوحيد، ولكنه لم بعطي رأيا في الموضوع وإنما ذكر أن هذا المبحث ليس من مباحث أصول الفقه وإنما هو من المباحث المتعلقة بالعقائد وبصفات الله لا بالشريعة، لذلك لا محل له في أصول الفقه ولا في الفقه ولا علاقة له بالعلة الشرعية... لعدم انطباقه ولتباين الموضوعين موضوع صفات الله وموضوع العلة الشرعية والأحكام الشرعية. أما في بحثنا هنا في موضوع نفي العلة الغائية عن أفعال الاله عند الأشاعرة، فقد ذكرنا وشخصنا بشكل واضح لا لبس فيه المقصود بالعلة الغائية، والفرق بينها وبين السبب والغاية والإرادة والفعل والحكمة، وقد بينا فيه معنى العلة الغائية وأنها هي السبب الباعث على وجود المشكلة أو الحاجة وأن هذا يستلزم وجود أمر لا إرادي (جبري) يؤثر في الإنسان، وأن اثبات هذا الأمر لله -أي العلة الغائية في أفعاله- يستلزم وجود الحاجة والاضطرار والجبر في أفعال الله، وهذه صفة نقص أو كما يسميه الأشاعرة بالاستكمال، ولذلك توصلنا إلى أن العلة الغائية بهذا المعنى منفية قطعا عن الله سبحانه لأن من أهم صفاته أنه كامل غير ناقص وأنه صمد أي غير محتاج. لذلك فاستناد الأشاعرة والمتكلمين لهذا الدليل هو في محله ولا اشكال فيه. أما الشق الثاني من دليل الاستكمال وهو خلق الله لما يريد دون وسائط، فالموضوع فيها مختلف فهو لم يعد البحث في أن الله محتاج في ذاته إلى شيء وتوسل بالأسباب أو الوسائط لتحقيق ذلك، بل الموضوع أن الله أراد أن يتحقق سد حاجات مخلوقاته بواسطة أسباب معينة، فلا يشكل هذاالأمر أية مشكلة ولا نقصا في ذاته، بل هذا النقص يثبت لهذه الأشياء لأنها محتاجة لغيرها، وهذا هو بالضبط دليل الاحتياج الدال على وجود الله، ويستدل المتكلمون أنفسهم على وجود الله بدليل العناية ودليل الحكمة والتناسق وهو ما يسميه الغربيون (العلة الغائية)، ودليل العناية هو ما يثبت أن الله خلق الأشياء لينتفع بعضها من بعض، وأن تكون سببا في تحقيق حاجات الإنسان بالتسخير. وهذه هي عناية الرب سبحانه بمخلوقاته، وبهذا نرى أن الإشكال الموجود عند الاشاعرة في موضوع السببية والعلية والوسائط الضرورية قد تم حله. وكذلك تم النفريق بين الغاية والعلة الغائية، وأن نفي الغاية والقصد في الأفعال يقتضي العبثية، وإثبات وجود غايات للأفعال لا يستلزم أية إشكالات تتعلق بدليل الاستكمال الذي يستند اليه الأشاعرة في نفي العلة الغائية، فإثبات وجود غايات لأفعال الله هو نفي للعبثية عنها، لأن الغاية تابعة للقصد والإرادة، فإذا اثبتنا أن الله مريد فيكون ما يفعله مقصود لحكمة والأمر المقصود هو الأمر الذي تكون له غاية. والمريد الحكيم هو من تكون ارادته وغاية أفعاله مطابقة تماما لما ينتج عن هذه الأفعال من آثار وثمار. ولنضرب مثالا آخر من القرآن غير المذكور سابقا على وجود الغاية من أفعال الله قبل وجود الأشياء، وهو قوله تعالى في سورة البقرة (إني جاعل في الأرض خليفة). فالله أراد خلق خليفة في الأرض وهو آدم وذريته، وأخبر الملائكة عن هذه الغاية قبل خلق آدم، ثم خلق الله آدم وعلمه وجعل له الاختيار في أن يعبده (تسبيح الله والتقديس له)، فالعبادة هي الغاية وهي المقصد من خلق بني آدم قال الله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) والعبادة هي الحكمة الناتجة من خلق الإنسان ولكن هذه الحكمة قد تتحقق وقد لا تتحقق، والعبادة هي الغاية من خلق الإنسان ككائن مخير وله إرادة خاصة، وهذه الغاية موجودة في علم الله وأخبر بها الملائكة قبل أن يخلق آدم. ولذلك يجب الانتباه إلى أن النقص قد دخل من قصر البحث لدى الأشاعرة -في موضوع نفي العلة الغائية- على صفة الإرادة والقدرة لله وإغفالهم علاقة الصفات الأخرى بأفعال الله، وهي صفة العلم وصفة الحكمة، فصحيح أن أفعال الله تتعلق بارادته ولكنها تتعلق بعلمه وبحكمته أيضا، ولا يمكن فصل أفعال الله عن جميع صفاته أما موضوع السببية والوسائط التي ينكر الأشاعرة تأثيرها في الأشياء، بل يهربون من ذلك بالقول بالسببية الجعلية فهذا الأمر هو تشكيك في بدهيات العقول وفي الواقع المحسوس وهو تأويل لا داعي له ولا محل له، لأن خالق الأشياء والطاقة السببية المؤثرة فيها هو الله كما أنه خلق القوانين والنواميس والسنن وجعلها متحكمة في الكون والحياة والإنسان، وقد ذكرنا أن الأسباب تؤثر في غيرها بفعل الطاقة السببية التي تكتسبها من غيرها، وهذه الطاقة السببية ليست ذاتية ولا ضرورية في الأشياء بل هي سلسلة من الأسباب المؤثرة تنتهي عند مسبب الأسباب وهو الله تعالى. فالخلل في تصور السببية الجعلية آت من بحث مسألة خلق الأفعال، ولكن الموضوع ليس موضوع خلق التأثير وخلق التغيير عند وجود فعالية الأسباب، وإنما المسألة هي مسألة تغيير وتحويل وتبديل في الأشياء وليست مسألة خلق الفعل من العدم، فالفعل عرض لجوهر موجود وهي غير مستقل بذاته عن الأشياء، لذلك لا يقال خلق الفعل بل الخلق يكون للأشياء، وهذه هي نفس اشكالية نظرية الكسب الأشعرية في موضوع خلق الأفعال ردا على المعتزلة في موضوع القضاء والقدر، فالأشاعرة يقولون بأن العبد كاسب والله هو الفاعل وكما يقال في المثل القديم "أدق من كسب أشعري" تعبيرا من القدماء عن صعوبة فهم وتصور وادراك مسألة الكسب عند الأشاعرة. وبهذا حلت مشكلة السببية التي كانت تؤرق الباحثين في فكر الاشاعرة فالحمد لله على نعمة الهدى والرشاد ومنهجية الفكر المستنير بنور القرآن، والبعيد من التأثر بمنطق الفلسفة الاغريقية والله الموفق وعليه التكلان
  14. السلام عليكم تكملة تلخيص المحاضرة فما الهدف من الحياة؟ القرآن يذكر (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا) الله لا يلعب وما خلقنا ليسلي نفسه ويلهو بنا، وما خلق الدنيا عبثا إذن يقرر القرآن بأن هناك هدف، فما هو الهدف من خلقنا؟ القرآن لم يخبرنا صراحة بالجواب، لاحظ المحاضر أن القرآن يتكلم عن المؤمنين والكافرين، والله خلقنا لنكون من المؤمنين، فما علاقة المؤمنين وأفعالهم بالعوامل الرئيسية السابقة؟ وللنظر كيف يصف القرآن المؤمنين، وما هو اقصى شيء سيحققونه؟ ان أقصى ما سيحقوقنه في الدنيا والآخرة هو علاقة الحب مع الله، ونجد في القرآن ذكر رحمة الله وكرمه وتوفيقه وعطاءه وكل الصفات التي هي من صفات الله يعطيها الله لكل البشر. والحب هو علاقة بين اثنين، اذا لم نحب الله فكأننا حصلنا على رحمته ومغفرته وعطائه وتوفيقه ورعايته ولكننا رفضناها، والنتيجة اننا لم نتمكن من الشعور بعلاقة الحب مع الله لاننا لم نفتح قلوبنا له. وبهذا يتضح من القرآن بشكل جلي بأن الهدف من الحياة، أن الله يريد أن يصنع مجموعة من البشر أنشأت بإرادتها الحرة علاقة سامية من الحب مع الله، وهؤلاء سيستمتعون بسعادة في علاقتهم مع البشر وفي علاقتهم مع الله، وهي أقصى المتع التي ستبهجهم في الدنيا وكذلك في الآخرة عندما تنتهي كل المشوشات للأبد. هنا وصل المحاضر إلى سؤال وهو: خلقتنا يا الله لنحبك، لمَ لمْ تضعنا في الجنة فنشعر بحبك فيها؟ ففكر وقال ما هي الخطوة المنطقية التالية التي علي أن أفعلها؟ نحن هنا لنحب الله، ولكن لم يستطع رؤية الرابط بين كل ذلك مع المعاناة من أجل دخول الجنة. فما هو السؤال الطبيعي التالي (عقلا) لنسأله؟ علينا أن ندرس الطرفيْن المشتركين في العلاقة. ماذا يخبرنا القرآن عن المؤمنين والمطلوب منهم؟ وماذا يخبرنا القرآن عن الله؟ وما الرابط بين علاقتنا بالله وهذه العوامل الثلاثة؟ للإجابة عن السؤال، يجب ان نجد الرابط بين المؤمنين وبين الله. إن ما يطلبه القرآن من المؤمنين هو صفات معينة يحبها الله فيهم. كالرحمة والرأفة والمسامحة والكرم والعلم والحكمة والحق وحب الآخرين. ثم ما الذي يخبرنا القرآن عن الطرف الثاني في العلاقة (الله)؟. الله هو أحد صمد ليس كمثله شيء غير محدود بالزمان والمكان حي لا يموت الخ، لذلك فليس هناك وجه مقارنة ولا تكافؤ بين الله والمخلوقات، والنتيجة أنه لم يفهم الرابط الاساسي بيننا وبين الله، ولماذا هذه الأمور الثلاثة تؤثر على علاقتنا مع الله؟ النتيجة عند المحاضر أن أصابه الإحباط الشديد لعدم وجود صفات جامعة في العلاقة، ولاحقا مر به خاطر وهو أن القرآن بالفعل أخبرنا الكثير عن الله وعن أسمائه الحسنى وصفاته فالآيات تصف الله بأنه رحمن رحيم وانه غفور شكور وأنه عزيز حكيم، وفي لحظة النور هذه تجمعت كل قطع الاحجية سويا وأصبحت الامور منطقية بالنسبة للمحاضر، اذن ينبغي علينا التحلي بهذه الصفات، نحن هنا في الدنيا لنعبد الله ونحب الله ونقيم معه علاقة، ولكن كيف نقيم معه علاقة ونحن محدودن نفنى ونموت وهو أزلي غير محدود، فهذه صفات متضادة بيننا وبين الله. فكيف نصبح قريبين من الله بهذه الصفات؟ اذا أردت أن أكون قريبا منك علي أن أشاركك في شيء مشترك بيننا، تماما كما يحدث بين الناس بعضهم بعضا، ولكن كيف لشخص ان يتقترب من الله؟ ما المشترك بيننا وبينه؟ لو نظرنا لوجدنا أننا نتشارك معه ما أعطانا عند خلقنا وهو نفخة الروح. لذلك نأتي الى الدنيا بهذه الصفات والميزات بسبب نفخة الروح هذه، ونحن بدورنا كبشر إما ان نزكي النفس بهذه الصفات وإما أن ندسيها، والتزكية سوف تشعرنا بالسعادة في الحياة الدنيا، وسنتمكن من الاحساس بصفات الله الرائعة من الجمال والقدرة والرحمة والود وكل اسمائه الحسنى، وكل هذه الصفات اللامتناهية تأتي من المصدر اللامتناهي لهذه الصفات الحسنى من الله كلما جاهدنا لنتصف بصفات المؤمنين كلما تمكنا من الاقتراب من صفات الله الحسنى وبالتالي كلما نتزكى نقترب فندرك عظمة الله، وهو قرب أعظم من القرب المادي او العاطفي أو العقلي إنه الاقتراب من الخالق المعبود، انها اعظم المشاعر التي يمكنك أن تختبرها وتمر بها على الاطلاق وبهذا يبدو أن الأفكار المبعثرة صارت مترابطة بإحكام. ولكن لم يتم بعد تفسير لماذا وجدت العوامل الثلاثة: العقل والاختيار والمعاناة والابتلاء ولكن بقي السؤال لماذا يتحتم علينا المرور بهذه الأمور الثلاثة؟ لماذا لم يجبلنا الله على الرحمة والتسامح ... الخ؟ والجواب أننا نحن كائنات تنمو وتتزكى بالفعل، ولكننا لا نستطيع ان نتصف بصفات الله ما لم توجد لدينا هذه الأمور الثلاثة، فهي اذن هي كلها لازمة وأساسية لتزكية النفس البشرية، من أجل أن تكون هذه النفس مؤهلة لعلاقة مع الله. والقرآن يحدثنا عن المعصية بأنها ظلم للنفس، لأننا عندما نظلم انفسنا فاننا ندمرها، عندما لا نتزكى لنرتقي ونصل إلى هذه الصفات المطلوبة من المؤمنين، فاننا نصل إلى العكس ونكون قد دمرنا انفسنا وأصبحنا غير مؤهلين لمرحلة الدار الآخرة، وحرمنا انفسنا من علاقة رائعة مع الله في الدنيا والآخرة وهذا الأمر يشبة الجنين الذي ينمو في رحم أمه بطريقة خاطئة، لا تحقق له بعد الولادة ما يلزمه من حماية مادية ولا القدرة ولا المتعة في الحياة، كذلك لو لم تتزكى كإنسان في هذه الحياة الدنيا فكأنك دمرت نفسك في رحم أمك. هذه الأمور (صفات المؤمنين) هي أهم أمور لأجل الحياة الآخرة، إذا لم ننمي أنفسنا ونتزكى ونقيم علاقة حب مع الله بالتحلي بهذه الصفات، فسنعاني في هذه الحياة الدنيا بشكل هو أسوأ من الولادة بعيوب خلقية، وسيكون الحال أسوأ عذاب النار في الآخرة، والكفار هم من تسببوا في ذلك لأنفسهم. أما المؤمنون فيخبرنا القرآن بأنهم سيكونون في قمة السعادة والمتعة والرضى في الجنة، وهذا هو العدل الإلهي يوم القيامة من غير ظلم لأحد. انتهى تلخيص المحاضرة
  15. تلخيص محاضرة بعنوان: الهدف من الحياة لـــــ د. جيفري لانج من زاوية نظر الملحد فإن العالم مليء بالعنف العشوائي، كموت الأطفال في الحروب؟ لماذا يدع الله الصراعات والعنصرية تستمر؟ ولماذا يخلق الله الكون على هذه الشاكلة؟ لماذا لم يدخلنا الجنة من البداية ويكفينا مؤونة المعاناة؟ لماذا جعلنا قابلين لاقتراف الذنوب والشر؟ لماذا لم يجعلنا ملائكة ويدخلنا الجنة من البداية؟ بسبب هذه الأمور لا يستطيع الملحد ان يتقبل ظواهر الشر في العالم لأن وجود الشر يتعارض مع صفات الله وخصوصا صفة العدل. وقد غير القرآن وجهة نظر د. جيفري عن الحياة عند قراءته للقرآن (المترجم)، في قوله تعالى ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)، لفت نظره استخدام القرآن لفظة "خليفة"، وكان جواب الله للملائكة (اني اعلم ما لا تعلمون). فالأمر في الظاهر ان الله لم يستخلف الانسان في الأرض ليقوم بدور إيجابي حسب كلام الملائكة، فلماذا تجعل الإنسان قادرا على أن يفسد في الأرض ويسفك الدماء. إنهم يسألون واحد من أكثر الأسئلة الأساسية ذات الأهمية في تاريخ الأديان قاطبة، لماذا يخلق الله مخلوقا لديه القدرة على التمرد على إرادة الله وفعل الشرور، في حين انه يستطيع أن يجعله مثل الملائكة؟ نظر المحاضر إلى هذا السؤال وقال انه سؤالي! وإجابه القرآن بقوله (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) أي جعله مخلوقا قادرا على التفكير والتعلم، وقد تعلم آدم أكبر موهبة منحها الله للإنسان ألا وهي اللغة. فكأن الله يجيب سؤال الملائكة واعتراضهم على خلق الانسان، بأنهم أغفلوا قدرات آدم العقلية وقدرته على التعلم، وكذلك أبدت الملائكة ان البشر (الخليفة) لديهم القدرة على فعل الشر، ولكنهم كتموا وأخفوا ان البشر يمكنهم عمل الخير أيضا. بالمقارنة نجد أن اعتراض الملائكة على جعل خليفة في الأرض هو عين ما يفعله الملحدون، فهم نظروا وأظهروا وجها واحدا من طبيعة البشر (الشر). وأغفلوا قدرته على فعل الخير، ثم تكلمت الآية التالية عن سجود الملائكة لآدم ورفض ابليس للأمر. وسجود الملائكة قد يعني الطلب منهم خدمة هذا الانسان من أجل نموه وتزكيته، أما الشياطين فسيقومون بدفعه بالاتجاه المعاكس، والله يسمح ويأذن لمؤثرات الخير والشر أن تأتيه وعليه أن ينتبه للخطأ والصواب عند اتخاذ القرارات وهذا يعني أن البشر سيكونون كائنات أخلاقية وسيختارون بين الخير والشر، وستتزكى هذه الكائنات وستنتقل الى الدار الأخرة بالنفس الزكية. ومن معاني نفخ الله للروح في الانسان وجود الضمير والأخلاق لدى هذا الإنسان واوجدت فيه بعض الصفات المشتركة مع الله. ثم الآية التي تليها تتحدث عن إسكان آدم وزوجه الجنة واخبارهما بمنعهما من الأكل من الشجرة وسيغويهما الشيطان بالوسوسة للاكل من الشجرة لأنها شجرة الخلد. فالله تعالى قد اختار آدم ليكون خليفة في الأرض، وأما إسكانه الجنة فكانت فترة اختبار تمهيدية لينمو ويدرك كيف يكون كائنا أخلاقيا مختارا حين ينزل إلى الأرض، وعلامة قدرته على الاختيار تكون عند اتخاذ آدم لأول قرار مستقل في الجنة، وعندها يصبح جاهزا ليقوم بمهمته في الأرض باتباع هدى الله. إذن النتيجة هي أن هناك معادلة بشرية فيها مجموعة من العوامل تشكل تصوير الحياة وهي: العقل والاختيار والابتلاء. فالانسان كائن لديه قدرات عقلية، وهو كائن أخلاقي مختار، وهناك ابتلاء وألم سيواجهه في الحياة الدنيا، فبيئة الارض صنعت لهذه المعاناة والابتلاء والمصاعب والمكابدة. ولكن الملحدين يجدون صعوبة في تقبل هذه القضايا في العقائد الدينية. لأنها تثير لديهم الأسئلة التالية: لماذا وجد العقل أن كان سينحرف بنا عن الايمان بوجود الله؟ لماذا هناك حرية اختيار إن كنا سنختار المعصية؟ لمَ لمْ يجعلنا الله ملائكة؟ لماذا نعاني على الأرض، لمَ لمْ يدخلنا الله الجنة مباشرة؟ هنا يجيب القرآن ويخبرنا بأن هذه العوامل تقوم بالدور الرئيسي في الوصول للايمان، وهناك أيضا الهداية الربانية والمغفرة ووسوسة الشيطان وايعاز الملائكة كلها أمور ذكرها القرآن. ولكن ما الرابط بين هذه العوامل الثلاثة لوجود الانسان على الأرض، ولماذا ينبغي أن نمر بها لندخل الجنة؟ وما الهدف من التزكي؟ والجواب هو أن الحياة مرحلة من مراحل خلقنا، فرحم الأم كان مرحلة لنمونا الجسدي، والحياة الدنيا مرحلة لنمو النفس والشخصية، هذه النفس المتزكية هي التي نأخذها إلى الحياة الآخرة، فنحن ننتقل من مرحلة إلى مرحلة من الرحم إلى الحياة الدنيا ثم إلى الدار الآخرة.
  16. باء: العلل أو الأسباب الكونية وفقا لعلم المنطق الذي يستند اليه المتكلمون، فلا بد أن تنتهي سلسلة الاستدلالات بأفكار أولية أو بديهية لا بد منها بالضرورة لمنع التسلسل الباطل في القضايا والأدلة، ومن هذه البديهيات بطلان التناقض وبطلان الدور وبطلان التسلسل اللانهائي وبطلان الرجحان دون مرجح والسببية أو العلية وغيرها من البدهيات. وبالاستناد إلى هذه البديهيات يتم الاستدلال على وجود خالق واجب الوجود لهذا الكون والتوصل إلى بعض صفاته وذلك من خلال بعض الأفكار البدهية خصوصا فكرة العلية أو السببية، فإذا نقضت فكرة السببية هدمت كل الاستدلالات على وجود الله، ولذلك كان من أكبر الأخطاء التشكيك أو الغمز في مبدأ السببية، وهذا التشكيك في مبدأ السببية والتأثير السببي نابع من اعتبارهم للتأثير السببي بأنه تأثير جعلي فقط أي بمحض مشيئة الله وقدرته، وهذا ما يفسرونه بالقول بأن الله يخلق التأثير والتغيير بالأسباب عندها لا بها. كل هذا يجعل بديهية العلية أو السببية في الواقع والعقل غير ثابتة ولا أساسية في الكون والعقل، وإنما هي فكرة وهمية لا تفعل بذاتها وإنما هي متعلقة بفاعل آخر غير السبب الظاهر، والفاعل (أي الله) هو غيب لا يظهر تأثيره للبشر، ودوره هو خلق التأثير عند فعل كل فاعل وعند كل تغيير يحصل في الوجود، وهذه النظرية يظهر الخالق وكأنه فقط يقوم بخدمة الفاعلين وهم -في الحقيقة- ليسوا فاعلين بل الله هو الفاعل وهو القادر وهنا يظهر الخلل القائم في هذا التصور، فالموضوع ليس موضوع خلق التأثير وخلق التغيير عند وجود فعالية الأسباب، وإنما المسألة هي مسألة تغيير وتحويل وتبديل في الأشياء وليست مسألة خلق الفعل من العدم، فالفعل عرض لجوهر موجود وهي غير مستقل بذاته عن الأشياء، لذلك لا يقال خلق الفعل بل الخلق يكون للأشياء، وهذه هي نفس اشكالية نظرية الكسب الأشعرية في موضوع خلق الأفعال ردا على المعتزلة في موضوع القضاء والقدر، فالأشاعرة يقولون بأن الله هو الذي يخلق الأفعال وليس الإنسان، وأن قدرة العبد ليس لها دور بل هي قدرة الله مقترنة مع قدرة العبد، فالعبد كاسب والله هو الفاعل. ثم من خلال ادراكنا لمفهوم السببية وكيف يتحول الشيء من شيء ساكن مستقر إلى سبب مؤثر في غيره، ندرك أن التأثير السببي في الأشياء ليست من ذاتها وإنما هي طاقة سببية اكتسبتها من غيرها وأن سلسلة الأسباب هذه تنتهي وتنقطع حتما عند مسبب الأسباب وهو الله تعالى. فالسكين حتى تقطع تحتاج إلى قوة اليد أي إلى الطاقة السببية الواصلة اليها من يد الإنسان، والإنسان تنتقل إليه الطاقة السببية من الطعام ومن الطاقة الحيوية التي هي ثمرة وجود نفخة الروح فيه، والطعام يصتعه النبات ويخزن فيه الطاقة التي تصل إليه من الشمس بواسطة عملية التمثيل الكلوروفيلي، ومعطي الطاقة للشمس هو خالقها أي أن سلسلة الأسباب تنتهي عند الخالق. فقضية التأثير السببي الموجود في الأسباب ناتج عن الطاقة السببية التي وجدت في الأشياء فحولتها إلى أسباب، وهي ليست طاقة ذاتية في الشيء، بل ما يوجد في الأشياء هو المادة وصفاتها، ومن صفاتها وجود خاصيات كامنة فيها، وهذه الخاصيات يتم تفعليها بتأثير طاقة التي وصلت اليها من خارجها والله هو خالق الأشياء بما فيها من خاصيات، وخالق الطاقة السببية، فلا مشكلة في تأثير الأسباب في الأشياء وفي بعضها، اذا فهمنا واقع السببية والطاقة والتأثير السببي. وعليه فقول الأشاعرة بأن الله لا يسعى ليسد نقصا في ذاته فهذا صحيح، وأما أن يسد الله حاجة غيره فلا اشكال في ذلك، فلا توجد علة تتسلط على الإله لأن الأشياء وعللها والطاقة السببية المؤثرة هي كلها من خلق الله وهي تسير بقدر الله حسب الخواص والقوانين الجبرية والنواميس والسنن التي اودعها الله فيها. فالله ييسر لكل شيء ما يسد حاجته من خلال الأسباب والعلاقات المتبادلة بين الأشياء وكذلك البشر، فأين الإشكال في تأثير الأسباب في الأشياء وكلاهما من خلق الله وتسخيره والقرآن في الكثير من آياته أكد وجود التأثير السببي في الأشياء كقوله: (وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا) (وانزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا ) (والله جعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بسأكم) ، (وعلمناه صنعة لبوس لكم لتقيكم من بأسكم) ،(وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ كَذَٰلِكَ النُّشُورُ) ،(إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره) ،(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا) ،(قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم ) (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا انتم منه توقدون) وغيرها الكثير من الايات التي تثبت قطعا وجود التأثير السببي بين الأشياء بتقدير الله وارادته. يتبع بمشيئة الله
  17. ألف: الفرق بين الغاية والعلة الغائية اتماما لما تم بحثه أعلاه حول النقطة الرابعة المتعلقة بدليل الاستكمال عند الأشاعرة ، لا بد من بحث الفرق بين الغاية والعلة الغائية، فهل العلة الغائية هي نفسها الغاية؟ وما العلاقة ما بين العلة الغائية والغاية؟ كما ذكرنا في شرح النقطة الثالثة أعلاه، فالعلة الغائية هي الباعث على القيام بالفعل عند الفاعل، وهي سبب قيام الفاعل بالفعل وهي عند الإنسان نابعة من حاجاته العضوية وغرائزه أو هي بمثابة السبب لمشكلة حدثت لدى الإنسان يسعى لحلها، وهو عندما يفكر بحل المشكلة أو اشباع الحاجة تتبلور لديه الغايات والعواقب والنتائج أو ما يسمى بالحكمة، وكذلك تتحدد لديه الأفعال السببية اللازمة للوصول للغايات. فالبحث في العلة الغائية هي مرحلة سابقة ذهنيا على مرحلة حل المشكلات من خلال تحديد الغايات والمقاصد والأفعال والنتائج. وعليه تكون العلة الغائية هي السبب الباعث على تحديد الغايات والأفعال السببية اللازمة لتحقيق النتائج وحل المشكلة. أما الغاية فهي الهدف أو القصد القائم في ذهن الفاعل قبل قيامه بالفعل، وأما الحكمة فهي العاقبة أو النتيجة التي تحصل بعد قيام الفاعل بالفعل، وحتى لا يكون الفعل عبثيا يجب أن تكون النتيجة مقصودة من الفعل أي بأن تكون العواقب مدركة عند الفاعل وتحصل النتائج وفقا للإرادة المقصودة، فإذا كان القصد شيئا مختلفا عن النتيجة فيكون الفاعل مخفقا في تحقيق ما يريد وما يقصد، وحين تكون النتيجة مطابقة تماما للقصد والغاية المرادة التي سبقت الفعل، يكون الفاعل ناجحا ومحققا لما أراد. ومن خلال تتبع اقوال الأشاعرة يلاحظ أنهم يتجنبون ذكر الغاية من الأفعال ويركزون على العلة الغائية، مع أنهما ليسا بنفس المعنى كما ذكرنا، وأحيانا نجد التفريق عندهم ولكن بشكل غير واضح ولا قاطع، ولذلك يتهمهم الكثير من الفرق الأخرى بأن كلامهم عن نفي العلة الغائية يعني نفيهم للغاية وهذا يقتضي العبثية في أفعال الله سبحانه وتعالى. والأشاعرة طبعا ينكرون هذا المقتضى للعبثية، ويبررون قولهم بأن إرادة الله هي المخصصة للأفعال. وحتى يكون كلامنا هنا واضحا لا لبس فيه، نقول بأن الغاية هي مغايرة للعلة الغائية، وأن نفي الغاية والقصد من الأفعال بقتضي العبثية، وإثبات وجود غايات للأفعال لا يستلزم أية إشكالات تتعلق بدليل الاستكمال الذي يستند اليه الأشاعرة في نفي العلة الغائية، ولذلك كان لا بد لهم من نفي العلة الغائية في أفعال الله لأن ذلك دليل نقص واحتياج، والله تعالى غير محتاج بل هو كامل، ولا بد أيضا من إثبات وجود غايات لأفعال الله وإلا كانت عبثية، لأن الغاية تابعة للقصد والإرادة، فإذا اثبتنا أن الله مريد فيكون ما يفعله مقصود لحكمة والأمر المقصود هو الأمر الذي تكون له غاية. والمريد الحكيم هو من تكون ارادته وغاية أفعاله مطابقة تماما لما ينتج عن هذه الأفعال. وحتى يكون كلامنا مستندا للأدلة الشرعية ولا نثبت لله سبحانه وتعالى أمرا في غير محله، ننظر في قول الله تعالى في سورة يس: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (82)) فهذه الآية تحتوي على ثلاثة أمور: فهناك أمر قولي من الله وهناك إرادة وهناك شيء مراد، والشيء المراد هو الغاية الموجودة أي المعلومة في علم الله، والإرادة الربانية أرادت خلق هذا الشيء أو تحويله فأمرت -بالأمر الكوني القدري لا التكليفي- بخلقه أو تحويله بقول "كن" فتتحقق النتيجة وهي وجود الشيء العيني كمخلوق في الواقع كما أراده الله تماما. هذا هو معنى الآية، وهنا واضح ان وجود الغاية (أي إيجاد الشيء أو تصويره) سبقت الفعل الإلهي (قوله للشيء كن) وأن تحقق النتيجة (الشيء المخلوق أو المصور) يأتي عقب الأمر، أي في الزمان والمكان الذي قدره الله وأراده. فالشيء المعلوم -وهو المخلوق أو الشيء المتحول من صورة إلى صورة- قد كان موجودا في علم الله قبل خلقه الفعلي ثم ظهر للوجود في المكان والزمان المقدر في علم الله بأمر الله وبإرادته وقدرته، وهذا ينفي قطعا أن الله يخلق دون غاية، فالغاية موجودة في علم الله ثم تكون الإرادة والأمر في زمن محدد فيكون ذلك الشيء ويتحقق وجوده العيني كما أمر الله وأراد، ويوجد بنفس الصورة التي علمها وأرادها، والصورة التي علمها الله وأرادها هي الغاية الموجودة قبل ايجاد الأشياء، فأين الإشكال في اثبات وجود الغاية قبل الوجود الفعلي للأشياء ؟!! وهذا الفهم لأفعال الله وغاياتها لا يستلزم أية قضايا باطلة. والأشاعرة أنفسهم يسلِّمون بالحكم والمصالح في الأفعال الإلهية وفي الأحكام الشرعية، إلا أنها ليست مقصودة أو جالبة للحكم بل هي آثار وثمار للفعل، ويقولون بأن إرادة الله مخصصة للأفعال، والإرادة مرجحة للاختيار. ولكن هل يوصف الفعل بالحكمة إلا إذا كانت المصلحة فيه مقصودة ولم تقع اتفاقا!؟ وهل تستقل إرادة الله بالفعل دون صفة العلم وصفة الحكمة الثابتتين لله؟ ثم نقول ألا تتعلق إرادة الله بعلمه؟ وهل تصدر الإرادة بغير علم ومعلوم!؟ والأمر المعلوم هنا هو الغاية الموجودة قبل وجود الشيء وصورته، أما الحكمة -والقول بأن الله حكيم- فهي وجود الإرادة والقصد لايجاد الثمار الناتجة من الأفعال بعد إتمامها. فما دام الفعل بإرادة الله وجب أن يكون مقصودا وله غاية وينتج عنها ثمرة وحكمة من الله المريد العليم الحكيم. يرد المفسر ابن عاشور على رأي الأشاعرة في كتابه التحرير والتنوير فيقول يسلمون – أي الأشاعرة - أن أفعال الله لا تخلو عن الثمرة والحكمة ويمنعون أن تكون تلك الحكم عللا وأغراضا مع أن ثمرة فعل الفاعل العالم بكل شيء لا تخلو من أن تكون غرضا لأنها تكون داعيا للفعل ضرورة، تحقق علم الفاعل وارادته ) وهو يقصد بالعلل والأغراض هنا الغايات، ولا أظنه يقصد العلل الغائية. يتبع بمشيئة الله
  18. السلام عليكم ورحمة الله بعد هذا التوضيح لدليل الاستكمال عند الأشاعرة، لا بد لنا من توضيح أمرين متعلقين به وهما: ألف: الفرق بين الغاية والعلة الغائية باء: رأي الأشاعرة في العلل والأسباب الكونية
  19. رابعا: دليل الاستكمال الذي بنى عليه الأشاعرة نفي العلة الغائية عن افعال الله بالإطلاع على أدلة المتكلمين –ومنهم الأشاعرة- حول نفي التعليل عن أفعال الله يتضح أنها هي نفس أدلة الفلاسفة، فالفلاسفة يتصورون بأن صدور وتولد المعلول عن علته التامة هو واجب تلقائي ضروري من واجب الوجود دون إرادة، وبالتالي قالوا بقدم العالم أي أن الوجود أزلي مع الله، لأن العلة الفاعلة وهي الله وجميع ما يلزم لخلق العالم قد وجد منذ الأزل، فالعالم موجود بالضرورة منذ الأزل، أي قديم. ألا أن المتكلمين متفقون على أن أفعال الله تصدر عن ارادته وعلمه فهي صادرة بالاختيار فلا شيء في أفعال الله تصدر وجوبا عن ذاته كما يدعي الفلاسفة. الدليل الذي يعتمده الأشاعرة لنفي العلة الغائية عن أفعال الله سبحانه وتعالى هو دليل أو حجة الاستكمال، فيقولون بأن المخلوق قد يدفعه البرد الى إيقاد النار ليصطلى بها أو يدفعه الجوع الى تناول الطعام ليصل الى الشبع، أما الإله فإنه مستغن بنفسه ولا يسعى ليسد نقصا أو يزداد كمالا، ونفى العلة- بهذا المعنى – عن أفعال الإله لا يعنى أبدا أن أفعاله عبثية غير مقصودة كأنما أتت بها المصادفات، وانما تحدد الإرادة أفعال الله تعالى وسننه الكونية وشرائعه على نحو متسق وحكيم دون غرض أو باعث أو علة تتسلط على الإله، فإرادته تامة لا يشوبها أى معنى من معانى الجبر أو الحمل على ما لا يريد. يقول الإمام الفخر الرازي: "أن كل من فعل فعلا لغرض فهو مستكمل بذلك الغرض، والمستكمل بغيره ناقص بذاته وذلك على الله محال، وإما أن يكون الداعي هو الحكمة والمصلحة فالله قادر على تحقيقها دون توقف على وسائط". ويقول الإمام الشهرستاني: "ان الله تعالى خلق العالم ... لا لعلة حاملة له على الفعل، سواء قدرت تلك العلة نافعة له أو غير نافعة، إذ ليس يقبل النفع والضرر، أو قدرت تلك العلة نافعة للخلق إذ ليس يبعثه على الفعل باعث فلا غرض له في أفعاله ولا حامل، بل علة كل شيء صنعه". ويقول د. البوطي: "صفة الارادة في ذات الله صفة تامة كاملة لا يشوبها أي جبر أو قسر، فلو قلت بأن الله أنزل المطر من أجل علة استهدفها، وهو ظهور النبات على وجه الأرض وأنها حاملة له على إنزال المطر -كما هو شأن العلة الغائية- فمعنى ذلك أنك تقول إن الضرورة هي التي حملته على الإمطار، إذ كانت هي الواسطة التي لا بد منها للنبات فالارادة متجهة اذا إلى الانبات، أما الأمطار فإنها مشوبة بقدر كبير من الضرورة التي تنافي الارادة ، .... وهذا الاعتقاد في حق الباري جل جلاله كفر محض وأنه يتناقض مع مقتضى الألوهية تناقضا بينا". وبتدبر دليل "الاستكمال" هذا والذي اعتمد عليه الأشاعرة، نجد أنه صحيح جزئيا من زاوية رد القول بالنقصان في ذات الله سبحانه، وهو غير دقيق من زاوية ضرورة الوسائط. فكما رأينا في النقطة الثالثة التي ذكرناها سابقا أعلاه، فإن العلة الغائية تعني وجود حاجة أو مشكلة عند المخلوق تؤثر عليه بشكل لا إرادي أي جبرا عنه، فتدفعه إلى القيام بأعمال معينة لسد هذه الحاجة أو حل هذه المشكلة، فالجوعان يدفعه الجوع للأكل لتحقيق الشبع، والنعسان يندفع للنوم والعطشان يحتاج للشرب، والمريض الذي لديه مشكلة في جسمه يحتاج للدواء من أجل الشفاء. فالعلة الغائية بهذا المعنى منفية قطعا عن الله سبحانه لأن من أهم صفاته أنه كامل وأنه صمد أي غير محتاج. والصمد سبحانه الذي لا يستند إلى شيء، بل كل المخلوقات تستند (تعتمد) في وجودها وحاجاتها اليه، فالله تعالى لا يجوع ولا يعطش ولا ينام بل هو قائم بذاته وهو قيوم السموات والأرض، وتستند الأشياء والمخلوقات في وجودها وسد حاجاتها إليه، فهو بهذا المعنى ربها أي يرعاها بما يصلحها، فالقول بالعلة الغائية في أفعال الله يعني اثبات النقصان في ذات الله كالأكل والنوم والمرض، ثم هو يلزمه بالضرورة أن يقوم بأفعال معينة ليسد هذا النقصان، فهو يستكمل بهذه الأفعال نقصانه. فهذا الأمر أي سد النقصان أو الاستكمال لا يجوز في حق الله سبحانه، لأن من أهم صفاته التي اثبتها العقل له بالقطع هو كونه خالق وأنه قادر غير عاجز، وهو غير محتاج وغير محدود أي أزلي وهو واجب الوجود، وهو أيضا عالم ومريد وحكيم ومالك الملك وغير ذلك من الصفات التي يثبتها العقل لله سبحانه، وهذا ينفي عن الخالق حاجته في وجوده أو أفعاله إلى أي شيء بل هو قادر على الخلق والقيام بما يريد دون الاحتياج والاستناد إلى أي شيء، فهو يُطعِم ولا يُطعَم ولا تأخذه سنة ولا نوم، وهو من يشفي المرضى وهو من ينزل الماء من السماء ليسقي جميع النبات والأحياء، ودليل الاحتياج هذا هو من أهم الأدلة التي تثبت عجز المخلوقات، ويثبت بأن لها خالقا خلقها، ولكنه –أي الخالق- يجب أن يكون غير عاجز ولا محتاج، فلو كان محتاجا لكان مخلوقا وهذا تناقض باطل لا يجوز. لذلك فاستناد الأشاعرة والمتكلمين لهذا الدليل هو في محله ولا اشكال فيه. ولكن لاحظ النقطة الخفية التي تتسرب بين كلمات الأشاعرة، وهي قولهم بأن الله قادر على سد حاجات المخلوقات دون توسط أي دون أسباب، وهذا ملاحظ في كلامهم ولكنه أمر يضاف إلى دليل الاستكمال وهو ليس جزءا منه بل تعلق به تعلقا دون ضرورة، فانظر ولاحظ الإشكال في الكلام ولنأخذ ما يذكره البوطي في مثال المطر والنبات أعلاه، فهو يقول: (أن الله أنزل المطر من أجل علة استهدفها، وهو ظهور النبات على وجه الأرض وأنها حاملة له على إنزال المطر -كما هو شأن العلة الغائية- فمعنى ذلك أنك تقول إن الضرورة هي التي حملته على الإمطار، إذ كانت هي الواسطة التي لا بد منها للنبات)، فالموضوع تحول هنا فلم يعد اثبات أن الله محتاج في ذاته، فليس الله بحاجة للنبات في ذاته وتوسل بالامطار لتحقيق ذلك، بل الموضوع أن الله أراد أن يتحقق الانبات لسد حاجات غيره أي مخلوقاته -لأنه ربها- وليس من أجل لذاته، وذلك بواسطة سبب معين وهو المطر. فكون الله سبحانه يرتب الانبات بسبب الامطار، فلا يشكل هذا أية مشكلة ولا نقصا في ذاته، بل هذا النقص يثبت لهذه الأشياء لأنها محتاجة لغيرها، وهذا هو بالضبط دليل الاحتياج الذي نستند اليه في إثبات وجود الله، فالله أراد الانبات وأراد الامطار وجعل هذا سببا في ذاك، فأين الاشكال؟ حقيقة لا يوجد اشكال لأن الله هو خالق الأشياء وخالق التأثير في الأسباب، وإنما المشكلة تكون إذا كان الله بحاجة في ذاته للنبات ولا يستطيع تحقيق الحصول على النبات الا بأسباب معينة وهي الامطار، أو أنه لا يملك التأثير على الاسباب ولا الوصول بها الى النتائج وهي النبات لسد حاجات غيره من المخلوقات، فيكون هذا الأمر عندها نقص في ذات الله سبحانه، ولكن إذا قلنا أن الله لا يحتاج إلى النبات وأنه هو من يوجد هذه الأغراض للمخلوقات بسبب حاجتها اليها فهذا يثبت وجود النقص فيها ويثبت أن الله هو من تحتاج اليه فيكون من صفاته أنه صمد وقيوم ورب. وعليه فلا يوجد أية مشكلة في ذات بسبب هذا الإقرار،فالله هو من جعل المطر سببا في الإنبات. وهذا من مقتضيات الخالقية القيومية والصمدية والربوبية في ذات الله، فالله رب كل شيء ويسد حاجات جميع مخلوقاته فيجعل هذا المخلوق يستكمل حاجته من مخلوق آخر، والله أراد أن يكون الإنبات بواسطة الأمطار، وأن يحتاج الحيوان إلى ماء المطر ليشرب وإلى النبات ليأكل، وأن يصطاد الحيوان حيوانا آخر ليسد به جوعته، وأن يأكل الإنسان من النبات والحيوان ليسد حاجاته، والأدلة على ذلك من الحياة والواقع ومن القرآن متضافرة لا يمكن انكارها. ومن أجل اثبات أن هذا الفهم ليس فهمنا الخاص بل هو فهم الأشاعرة، نقرأ من كلام البوطي في ص 145 من كتابه كبرى اليقينيات حيث يقول: (لأن من يحتاج إلى أمر ثم لا يستطيع بلوغ هذا الأمر الا بواسطة معينة يستعملها فانما هو ناقص من جهتين الاحتياج والاستعانة بالغير فهذا شأن كل من تقوم أعماله على أساس العلة الغائية) فهنا يفترض الأشاعرة أن الله عندما جعل الإنبات بواسطة الأمطار افترضوا بأن الله يعجز عن فعل ذلك إلا بالاستعانة بهذه الواسطة وهذا العجز مناقض لصفة الكمال، وقولهم هذا -حسب هذا المعنى- صحيح، ولكنه مشروط -بشرط غير لازم- بأن الله يحتاج ولا يستطيع بلوغ ذلك إلا بالاستعانة بالوسائط، ولو أزلنا هذا الشرط من الكلام لزال الإشكال أصلا فلسنا بحاجة إلى هذا الشرط حتى يقتضي ذلك نفي السببية والعلية عند الأشاعرة. وعندها يصبح الكلام متسقا ولا إشكال فيه فيكون القول بأن الله أراد إنبات النبات وجعل المطر سببا في الإنبات، وهو ذاته خالق المطر وخالق النبات وجعل بينهما رابطة سببية بحيث تكون في النبات قابلية الانتفاع من المطر وجعل في الماء قابلية أو خاصية الإرواء لتكون متناسبة مع النبات ، فالكلام -بعد إزالة شرط عدم الاستطاعة- يصبح متسقا ولا إشكال فيه. والغريب في الأمر أن المتكلمين أنفسهم يستدلون بدليل العناية على وجود الله، وهو من أهم الأدلة التي تثبت الكلام الذي نقوله أعلاه. فالله عز وجل خلق المخلوقات وأتقن صنعها وأحكمه، وجعل الأشياء مسخرة ليستفيد منها الإنسان ويقضي حاجاته من الغذاء والشراب والدواء والرعي والركوب والصناعة والبنيان فهي عناية مقصودة ليست عبثية، فالتسخير والتناسب بين الأشياء لمصالح المخلوقات أكبر دليل على على العناية. ودليل العناية هو ما يثبت أن الله خلق الأشياء لينتفع بعضها من بعض، وأن تكون سببا في تحقيق حاجات الإنسان بالتسخير. وهذه هي عناية الرب سبحانه بمخلوقاته، ويكفيك قول الله تعالى في سورة طه: (قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ (50) أي أن الله أعطى كل شيء صلاحه وهداه لما يصلحه. وبهذا نرى أن الإشكال الموجود عند الاشاعرة في موضوع السببية والعلية والوسائط الضرورية قد تم حله. والحمد لله رب العالمين
  20. حياك الله أخي عبد الله أرى أننا بحلجة إلى التفاعل في المنتدى وأنا بانتظار آرائكم ولكم تحياتي
  21. السلام عليكم قصة اسلام هذا الرجل قصة رائعة وملفتة للنظر وقد ذكرناها ولخصناها في القسم الفكري تحت عنوان (تساؤل من ملتزم جديد يريد اجوبه تفصيليه لو سمحتم الرد ؟) والرابط كما يلي: ولكم تحياتي
  22. السلام عليكم ورحمة الله ثالثا: واقع العلة وعلاقتها بالسبب والغاية والإرادة والفعل والحكمة العلة من ناحية اللغة تأتي بمعنى التكرر والعائق والضعف فى الشيء والسبب، فهي في اللغة لفظة قريبة من معنى السبب. ولكن يتضح من معانيها اللغوية أنها العائق أي السبب المعيق ومن معانيها علة المريض وهي سبب الضعف فيه أي سبب المشكلة التي حدثت في جسم المريض بعد أن كان صحيحا. أما من ناحية عقلية فتطلق العلة على السبب، ولكن النظرة إلى العلة تكون بشكل أوسع، بحيث تشمل الأسباب والشروط اللازمة لحصول الأعمال مع انتفاء الموانع والمعيقات، وعندها يطلق عليها العلة التامة ، وبالتالي هناك علاقة بين العلة والسبب بين اللغة والعقل. ومن ناحية الفلسفة الاغريقية وبالأخص فلسفة أرسطو-كما ذكرنا أعلاه-، فهو يقسم العلل إلى أربعة وهي: العلة الفاعلية والعلة الغائية والماهية والمادية. فوجود الشيء وتحققه في الخارج يحتاج إلى فاعل ومادة وصورة ومجموع هذا المركب تسمى علة تامة. والعلة الغائية هي الغرض أو هي ما لأجله يصدر الفعل من الفاعل أي هي الباعث على الحكم في الأفعال. والعلة الغائية متقدمة على الفعل في الوجود العلمي الذهني ومتأخرة في الوجود الخارجي الفعلي (النتيجة)، وهذه العلة هي المقصودة في التعليل بالحكم والغايات والمقاصد. إذن اعتمد المتكلمون على معنى العلة وتقسيماتها من أرسطو وطبقوا هذا الأمر على أفعال الإله، وبالتالي نفوا وجود العلة الغائية في أفعال الله سبحانه وتعالى. أما العلة الشرعية فهي اقرب ما تكون إلى العلة الفاعلة وهي دالة على معنى التأثير وغير داخلة في ماهية الحكم. أما العلة في أصول الفقه مختلفة عن السبب، فالسبب هو علة قاصرة غير مؤثرة في الحكم، وإنما هي فقط أمارة وعلامة لوجود الحكم الشرعي، أما العلة فهي الباعث على الحكم وهي مؤثرة في هذا الحكم. فدلوك الشمس سبب لصلاة الظهر وهي علامة على دخول الوقت ووجوب وجود الصلاة، ولكنها غير مؤثرة وليست الباعث على حكم الصلاة، أما الإلهاء عن صلاة الجمعة فهي علة للنهي عن التجارة والبيع وقت صلاة الجمعة، ويقاس عليها مثلا النهي عن اجراء العقود وعقد الصفقات وكل ما يلهي عن صلاة الجمعة، فالعلة هنا مؤثرة في الحكم وتدور معه وجودا وعدما. أما علاقة العلة بالغاية والحكمة، فالعلة الغائية هي العلة الباعثة على وجود الأفعال وما يتعلق بها من غايات وحكم، فالغايات تتأخر عن العلل الغائية في الذهن، ولكن الغايات تسبق الأفعال في الوجود العلمي الذهني، ومتأخرة في الوجود الخارجي الفعلي (النتيجة) فالحكمة هي ما ينتج عن الفعل من مصالح ومنافع بعد حصوله. ومن أجل أن نفهم العلة الغائية والغاية والحكمة، لا بد لنا من تصور ما يحصل في ذهن الإنسان قبل القيام بالفعل وبعده وذلك يكون على مرحلتين: المرحلة الأولى هي تشخيص وفهم المشكلة، ثم المرحلة الثانية وهي حل المشكلة. فالموضوع متعلق بالتفكير في المشكلات والحاجات لدى الإنسان، حيث أن لكل مشكلة أسباب ولها نتائج (مسببات)، فالمرحلة الأولى يتم فيها تشخيص المشكلة من خلال تحديد الظواهر الناتجة عنها أي نتائجها وآثارها، وإذا تم تحديد آثار المشكلة يتم الانتقال إلى تحديد سبب المشكلة وهو ما يسمى بالعلة الغائية أي السبب الباعث على حصولها أو هو السبب المؤثر أي المثير للمشكلة. وقد تكون المشكلة سببها حاجات الإنسان العضوية كالأكل والشرب والنوم وغرائزه كغريزة حب البقاء والنوع (الطاقة الحيوية)، فإذا لم تشبع هذه الحاجات فإنها توجد مشكلة. والمرحلة الثانية -بعد إتمام تشخيص المشكلة وفهمها ذهنيا-، هي سعي الإنسان إلى حل هذه المشكلة من خلال عكس الأسباب والنتائج، فيحول العقل نتائج المشكلة فتصبح غايات، فيما يحول أسباب المشكلة أو عللها الغائية إلى أسباب لحلها، وتكون أسباب الحل هي الأعمال السببية الموصلة إلى تحقيق الغايات، أي هي أفعال الإنسان المراد القيام بها وما يلزمها من شروط وأدوات مع التغلب على الموانع والمعيقات. ومن هنا نلاحظ الربط الواضح بين العلة الباعثة على وجود المشكلة وبين الغاية الماثلة في الذهن قبل القيام بالأفعال، فنتائج المشكلة تصبح هي الغايات المطلوبة والمقصودة لاحقا، وكذلك نلاحظ العلاقة ما بين نتائج الأفعال والعلة الغائية، فالعلة الغائية هي سبب حدوث المشكلة وهي نفسها السبب الفاعل المتخذ وسيلة لحلها ولكن بشكل معكوس. فالفعل الإنساني إذن هو السبب الفاعل للوصول إلى النتيجة المقصودة وهو معكوس السبب الباعث الذي أدى إلى حدوث المشكلة، أي أن العلة الغائية هي معكوس السبب الفاعل أي هي الفعل الذي أدى لحصول المشكلة ولكن بشكل معكوس، والفرق بينهما أن العلة الغائية تحصل بشكل لا إرادي ويكون الإنسان مجبرا فيه حيث يقع عليه دون إرادة منه، ولكن سبب الحل يكون بقيام الإنسان فعل إرادي.لحل المشكلة وعكس نتائجها. ولنأخذ المثال الئي ذكره البوطي أعلاه حيث قال: فشعور الإنسان بالبرد توصله إلى الحاجة إلى الدفء، وهذه الحاجة هي غرض يحمل الإنسان على القيام بارتداء معطف ثقيل، فإذا فعل ذلك تحقق له الغرض المطلوب وشعر بالدفء. فتحقيق الدفء علة غائية وهي الحامل والباعث على الفعل وهي ماثلة في الذهن من قبل الفعل ولكنها تتحقق في الخارج بعده. فلدينا حاجة عضوية عند الإنسان وهي المحافظة على طاقة حرارية مناسبة للجسم، وعند البرد يشعر الإنسان بارتعاش وقشعريرة وألم في الأطراف وانزعاج في الذهن فهذه تعتبر نتائج المشكلة، ويبحث ذهنيا عن سبب المشكلة فيجد أنه برودة الجو مع خفة اللباس الواقي لجسمه من البرد، ثم بعد ذلك ينتقل إلى المرحلة الثانية من التفكير لحل المشكلة، فيحول نتائج المشكلة إلى غايات فتصبح غايته هو عكس البرد أي وصول الدفء لجسمه واطرافه لايقاف الألم والقشعريرة، ويتم ذلك بعكس سبب المشكلة وهي هنا اللباس الدافئ، فيقرر أن الحل يكون بالأخذ بالأسباب أي بالقيام بفعل معين وهو لبس معطف ثقيل أو اشعال نار، وإذا أراد حل المشكلة وعزم على القيام بتحقيق الغاية المقصودة فإنه يأخذ بالأسباب فيتحقق له الغرض المطلوب والمقصود وهو الدفء فإذا حصل الدفء تكون النتيجة قد طابقت الغاية المقصودة، فيكون قد نجح في حل المشكلة التي حدثت لديه، فالنجاح هو مطابقة نتيجة الفعل السببي للغاية المقصودة التي كانت ماثلة في الذهن قبل القيام بالفعل. ومن خلال هذا التحليل نتعرف على أن العلة الغائية هي برودة الجو بالنسبة للحراة المناسبة لجسمه، وأن الغاية المقصودة هي الوصول إلى الدفء المناسب، وأن الفعل المطلوب هو لبس معطف ثقيل عازل عن البرد، وأن الإرادة والعزيمة توصله إلى البحث عن المعطف المناسب ثم لبسه حول جسمه، وأن النتيجة المتحققة هي دفء الجسم، فإذا تحقق له الدفء فيكون قد نجح في عمله وحقق غايته. فالعلل الغائية هي المثيرات الداخلية والخارجية التي تؤثر في الظروف والأحوال المناسبة لحاجات الإنسان وهذه العلل لا يتحكم فيها الإنسان بل هي أمور تقع في الدائرة التي تسيطر عليه ولا إرادة له فيها والله الموفق وعليه التكلان
  23. السلام عليكم النقطة الثانية: اشكالية الابحاث المتعلقة بموضوع صفات الله عند علماء الكلام كان من أول الابحاث التي بحثها المتكلمون وبخاصة المعتزلة مسألة كلام الله وخلق القرآن، ومن هنا يرجع أصل تسمية علم الكلام والمتكلمين لأن أول ابحاثهم كانت مسألة كلام الله، وقد أثارت قضية خلق القرآن اشكالية كبيرة لدى المسلمين في العصر العباسي، وقد سجن الإمام أحمد بن حنبل وجلد بسببها، وتعرض الكثير من علماء المسلمين للتعذيب من جراء فرض الدولة العباسية رأي المعتزلة في مسألة خلق القرآن على الناس بقوة الدولة وبالإكراه، وانتهت هذه المحنة في زمن المتوكل على الله وتم بعدها اخراج الإمام أحمد من السجن، وفي الحقيقة لم يفد هذا البحث المسلمين في شيء وإنما أضرهم أكثر مما نفعهم. يذكر الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله تعالى في كتاب الشخصية الاسلامية أنه مع مجيء المتكلمين وتسرب الأفكار الفلسفية دب الخلاف في صفات الله، بسبب بحث المعتزلة لعلاقة ذات الله بصفاته، فقالت المعتزلة أن ذاته وصفاته شيء واحد، أما أهل السنة -الأشاعرة- فقالوا أن صفات الله ليست عين ذاته، ثم بينوا معنى كل صفة من صفات الله الأزلية كالعلم والقدرة والسمع والبصر والارادة والمشيئة والكلام. والغريب -كما يقول الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى- أن نقاط الجدل التي اثارها المتكلمون هي عينها كان قد اثارها فلاسفة اليونان من قبل، وقد تصدى أهل السنة للمعتزلة بسبب اندفاعهم وراء الفلسفة اليونانية للتخفيف من هذا الاندفاع ووراء ما توصل اليه هذه الآراء من فروض نظرية وقضايا منطقية، ولكنهم وقعوا في نفس ما وقع فيه المعتزلة فردوا على الصعيد ذاته. فجميع الفرق الكلامية لم تدرك معنى العقل بالشكل الصحيح، هو السبب الذي افقدهم الضوابط والشروط اللازمة لصحة هذه الأبحاث، ولو ادركوا معنى العقل لما تورطوا في هذه الأبحاث الفرضية والنتائج المدرك أنها غير واقعية، بل هي أشياء ترتبت على أشياء أخرى فسميت حقائق عقلية، وهي في حقيقتها أبحاث فيما وراء الطبيعة والمحسوسات. وكذلك لم يميز المتكلمون بين طريقة القرآن في تقرير الحقائق وبين طريقة الفلاسفة في ادراك الحقائق. ولهذا كان بحث المتكلمين جميعا في صفات الله في غير محله وهو خطأ محض، فصفات الله توقيفية، فما ورد منها في النصوص القطعية ذكرناه بالقدر الذي ورد في النصوص ليس غير، فلا يجوز أن نزيد صفة لم ترد ولا أن نشرح صفة بغير ما ورد عنها بالنص القطعي, ومن أراد الاستزادة حول هذا البحث فعليه بمراجعة موضوع صفات الله في الجزء الأول من كتاب الشخصية الإسلامية. ولذلك نرى نتائج هذا المنهج المنطقي في البحث واضحة في بحث الأشاعرة حول العلة الغائية في أفعال الإله، فنرى تعرضهم لمعاني صفات الله وما يستلزم هذا البحث من فروض ونتائج غير محسوسة، فنراه بشكل واضح خصوصا صفة الإرادة وصفة القدرة، ويجصل من جراء ذلك استنتاجات ولوازم لا ضرورة لها، ولذلك وجب علينا الوقوف عند حد ما أثبتت النصوص لنا حول صفات الله، دون الدخول في استنتاجات منطقية لا دليل عليها. يتبع بمشيئة الله
  24. السلام عليكم سنبدأ ببحث النقاط المذكورة أعلاه حسب الترتيب والبداية ستكون النقطة الأولى. النقطة الأولى: مدى صلاحية علم المنطق للاستدلالات العقلية والتوصل إلى نتائج صحيحة الأشاعرة بوصفهم من المتكلمين، فالمنطق في علم الكلام هو من أهم ما يستندون اليه في استدلالاتهم، لأنهم يعتبرون المنطق بأنه آلة تعصم العقل عن الوقوع في الخطأ ، وهم لم يتوصلوا إلى تعريف العقل بشكل صحيح، أو التوصل إلى شروط البحث العقلي الصحيح والوقوف عندها. وهي أربعة شروط: وجود الواقع المحسوس ووجود حواس سليمة ووجود دماغ صالح للربط الذكي ، ووجود المعلومات السابقة. علم المنطق كما يذكر الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله تعالى في كتاب التفكير، لا يعتبر -المنطق- طريقة خاصة في التفكير، وإنما هو أسلوب من أساليب البحث المبنية على الطريقة العقلية، والمنطق فيه قابلية الكذب وقابلية المغالطة، والأولى أن تستعمل الطريقة العقلية في البحث ابتداء، وأن لا يلجأ إلى الأسلوب المنطقي. وفي الجزء الأول من كتاب الشخصية الإسلامية يتعرض الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى، لنشأة المتكلمين ومنهجهم في البحث، وذكر أن هذا المنهج من البحث المنطقي الذي اعتمدوا عليه يقوم على الاستدلال وبناء قضايا على قضايا والتوصل إلى نتائج منطقية منها، وهو منهج يعطي العقل حرية البحث في كل شيء فيما يدرك وفيما لا يدرك في الطبيعة وفيما وراء الطبيعة وفيما يقع عليه الحس وما لا يحس، ولم يلتزموا بشرط البحث العقلي في المحسوسات فقط. وقد تعرض المتكلمون لصفات الله وأفعاله مما لا يقع عليه الحس وخاضوا فيها بحثا، وفاتهم أن المحسوس مدرك وأن ذات الله غير مدركة فلا يمكن أن يقاس أحدهما على الآخر، فالبحث في صفات الله دون دليل من الشرع هو بحث في ذات الله وهو ممنوع، فمثلا بحثوا مفهوم العدل بالنسبة لله، مع أن عدل الله لا يقاس على عدل الإنسان، وبحثوا موضوع علم الله وقدرته وارادته، وهي أبحاث كلها تقع في دائرة غير المحسوس، ولا يمكن للعقل أن يصدر حكمه عليها، ومجمل هذه الأبحاث مبنية على فروض وتخيلات، ويقام البرهان عليها من مجرد التصور المنطقي لأشياء قد تكون موجودة او غير موجودة، لذلك وقعوا في أخطاء من جراء هذا المنهج المنطقي في البحث. وقد تعرض حزب التحرير لمنهج المتكلمين بالتفصيل في كتبه، خصوصا كتاب الشخصية الإسلامية كما ذكرنا، وفندها تفنيدا تاما، ومن أراد الاستزادة فعليه بمراجعة الموضوع هناك. يتبع بمشيئة الله
  25. السلام عليكم ورحمة الله لكي ندرك الأسباب التي دفعت الأشاعرة –مع تقديرنا الشديد لهم- إلى ما يشبه انكار السببية، ونفي العلة الغائية عن أفعال الإله -كما ذكرنا أعلاه- لا بد لنا من التعرض لمجموعة قضايا تثيرها هذه الأبحاث، وهي: 1. مدى صلاحية علم المنطق للاستدلالات العقلية والتوصل إلى نتائج صحيحة 2. اشكالية الابحاث المتعلقة بموضوع صفات الله عند علماء الكلام 3. واقع العلة وعلاقتها بالسبب والغاية والارادة والفعل والحكمة 4. دليل الاستكمال الذي بنى عليه الأشاعرة نفي العلة الغائية عن افعال الله وسنبدأ بطرح هذه النقاط نقطة نقطة ثم التوصل إلى خلاصة لهذا الموضوع تحل هذه الإشكاليات التي تعرض لها الأشاعرة ونحن إذ نطرح مثل هذه القضايا لا نقصد التعرض للأشاعرة بالنقد من حيث هو نقد، بل نود تصويب الأخطاء التي نراها من جراء انجرار الأمة في ماضيها وراء المنطق اليوناني دون تمحيص جدير بمبلغ هذا العلم من الحق، وهدفنا دائما التصويب وتجنب الأخطاء وخصوصا لدى الأشاعرة الذين هم أقرب المتكلمين الينا وهدفنا من ذلك هو سعينا لانهاض المسلمين من جديد بإحسان فهم الإسلام، لأننا نعتبر أساس مشكلة الأمة الإسلامية وانحطاطها الذي وصلت اليه، هو الضعف الشديد الذي طرأ على أذهان المسلمين في فهم الإسلام، أو هو سوء الفهم للإسلام ، وكان من أهم أسباب هذا الضعف هو تأثر المسلمين بالمنطق اليوناني ونشوء علم الكلام في القرون الأولى، وكان لا بد لنا من أجل إحسان فهم الإسلام وإزالة الغشاوات عن الإذهان، من التعرض لبعض الأبحاث التي ناقشها المتكلمون من مثل القضاء والقدر وصفات الله وغيرها من الأبحاث، وهنا أردنا التعرض لهذا الموضوع المتعلق بالعلة الغائية لتصويب الرأي فيها وحل الإشكاليات التي فرضتها هذه الأفكار لدى المسلمين في الماضي والحاضر. والله من وراء القصد
×
×
  • اضف...