اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

مقالات من المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير - متجدد


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

السودان: مأساة القرن المُغيّبة عن أنظار العالم

 

غابت دولة الإسلام الحامية لرعيّتها، فعاش المسلمون في شقاء وعذاب وكوارث في شتى أنحاء العالم، ومنها السودان التي تعيش حالياً واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث نتيجة للقتال الدامي المستمر منذ عامين بين الجيش وقوات الدعم السريع، والذي أدى إلى مآسٍ مروّعة لا أحد يتحدث عنها أو يحاول إيقافها. قتال منسيّ لا يُلقي الإعلام عليه الضوء ولا تكشف دواخله دولة أو حتى مؤسسات.

 

فالأهالي يتعرضون لانتهاكات جسيمة تشمل القتل الجماعي والنزوح واللجوء القسري والمجاعة والأمراض والعنف الجنسي وغيرها من مصائب، وليس من رقيب ولا حسيب!

 

فمع ارتكاب الفظائع من كلا الطرفين المتحاربيْن، تشير التقديرات إلى وجود أرقام صادمة من القتلى والجرحى خاصة بين النساء والأطفال وكبار السن، وقد قُدّرت أعداد القتلى بما لا يقل عن 150,000 شخص، منهم أكثر من 60,000 في ولاية الخرطوم وحدها خلال أول 14 شهراً من النزاع.

 

وتجاوز عدد الجرحى 70,000 شخص، مع صعوبات كبيرة في الحصول على الرعاية الطبية بسبب انهيار النظام الصحي وتوقف 70-80% من المؤسسات الصحية عن العمل، وتفشّي أمراض مثل الكوليرا والحصبة والإسهال. وكذلك فقد انهار التعليم؛ فهناك ما يقرب من 20 مليون طفل في السودان اليوم خارج المدارس.

 

وشهدت مناطق عديدة مذابح مروعة وعمليات إعدام بدم بارد واختطاف وتعذيب بمن فيهم الأطفال، ومنها مجازر ود النورة والهلالية وجلقني والسريحة وتمبول ومعسكر زمزم وقرى شمال دارفور والجنينة واردمتا وقرى بولاية النيل الأبيض بوسط البلاد، والتي أدت إلى مقتل آلاف المدنيين وتشريد مئات الآلاف منهم. ويُضاف إلى ذلك جرائم العنف الجنسي واغتصاب جماعي ضدّ النساء والفتيات وحتى الأطفال.

 

وقد أدى هذا القتال إلى نزوح أكثر من 14 مليون شخص، وفقاً لمنظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة؛ منهم أكثر من 11 مليون نازح داخل السودان، وأكثر من 3 مليون لاجئ فروا إلى دول مجاورة مثل مصر، وإثيوبيا، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وتشاد، وحتى الأردن.

 

ويمثل الأطفال 53% من النازحين داخلياً، ما يجعل السودان أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، حيث يشكل النازحون حوالي ثلث سكان السودان البالغ عددهم حوالي 50 مليون نسمة. وتفتقر مخيمات اللاجئين إلى الخدمات الأساسية، فهم يعانون من نقص في الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية. كما تتعرض هذه المخيمات لهجمات متكررة، ما يزيد من معاناة النازحين.

 

وقد أدى هذا كله إلى أزمة غذاء حادة، خاصة أن كلا الجانبين يستخدمان الجوع كسلاح حرب من خلال منع دخول الغذاء إلى المناطق التي يسيطر عليها، حيث يحتاج حوالي 25 مليون شخص - أي نصف السكان تقريباً - إلى مساعدات غذائية، خاصة في مخيمات النازحين. وهناك مئات الآلاف من الأطفال يعانون من سوء تغذية حاد، وعدد كبير منهم معرض للموت. حيث تشير التقارير إلى أن حوالي 3.7 مليون طفل في السودان يعانون من سوء التغذية، مع توقعات بزيادة هذا العدد إذا استمر الوضع هكذا، واحتمال وفاة نحو 220,000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد.

 

أي أن السودان التي اعتُبرت أنها السلة الغذائية للعالم لوفرةِ الأراضي الزراعية والمياه والمواشي فيها أصبح أهلها يعانون الجوع والفقر والمرض والتشريد، وأصبحت تواجه أكبر كارثة إنسانية من جميع النواحي نتيجة الحرب اللعينة بين الجيش وقوات الدعم السريع، لاستمرار تحقيق مطامع سيدتهم أمريكا في السودان وثرواتها، والتي يدفع ثمنها الباهظ فقط أهل السودان المنكوبون.

 

وسيبقى هذا القتال قائماً في السودان وغيرها من بلاد المسلمين ما دامت الأطماع الاستعمارية قائمة، والحكام الرويبضات يجثمون على صدورهم. فاعملوا أيها الناس على خلعهم وإيجاد دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة لتتحرر السودان وكل بلاد المسلمين من ربقة الاستعمار بكل أشكاله وأساليبه. قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾.

 

وكما أخرج ابن ماجه بسنده إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسولُ اللهِ ﷺ فقال: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ: خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ؛ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ عَدُوّاً مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ إِلَّا جَعَلَ اللهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ». وهذا والله وضعنا وحالنا في البلاد الإسلامية منذ غياب شمس الخلافة والراعي والقائد الذي يحكم بشرع الله ودينه.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مسلمة الشامي (أم صهيب)

رابط هذا التعليق
شارك

  • الردود 259
  • Created
  • اخر رد

Top Posters In This Topic

  • صوت الخلافة

    260

بسم الله الرحمن الرحيم

خيانة الدول العربية: تصدير الأغذية للعدو الغاصب الذي يُجَوِّع أهل غزة!

 

 

في مشهد يُدمي القلوب ويُبكي العيون، يُقتل أهل غزة جوعاً وقصفا، بينما تصدّر الدول العربية الخضروات والفواكه والزيوت إلى الكيان الغاصب، وتفتح له أبوابها التجارية مشرعة، فتزوّده بالوقود والغذاء اللازم لمواصلة عدوانه، وتمنع ذلك عن أطفال غزة الذين يصرخون من الجوع والمرض والعطش! إنها صورة تجلّي الخيانة العظمى في أبرز صورها.

 

كشفت تقارير رسمية موثقة من مصادر دولية متعددة مثل (COMTRADE، Middle East Eye، Morocco world news) أن دولاً عربية عدة - أبرزها مصر، والمغرب، والإمارات، والأردن - تواصل تصدير منتجات غذائية إلى كيان يهود في ذروة عدوانه على غزة. فتصدّر مصر وحدها تحضيرات غذائية بقيمة ملايين الدولارات شهرياً، والمغرب ترسل العصائر والسكريات، والإمارات تصدر سلعاً متنوعة عبر الممر البري، بينما تُغلق المعابر وتُمنع المساعدات من الوصول إلى أهلنا المحاصرين في غزة.

 

أي خيانة أعظم من أن يُجَوَّع المسلم ويُطعم العدو؟! أي عار هذا الذي يجعل الخضار المصرية والمغربية تُعرض في أسواق يهود، بينما لا تجد أسر غزة حبة طماطم أو كيس طحين؟!

 

إن كيان يهود هو كيان غاصب لأرض المسلمين، وجوده في فلسطين حرام شرعاً، وهو عدو يجب قتاله لا محاورته، واستئصاله لا التعايش معه. وما يقع في فلسطين هو عدوان على أرض الإسلام، وقتل لإخواننا المسلمين، والواجب الشرعي تجاهه ليس البيانات ولا الشجب ولا تصدير الخضروات، بل تحريك الجيوش لقتاله واقتلاعه من الجذور. وإن أي علاقة؛ تجارية كانت أو سياسية أو أمنية مع كيان يهود هي خيانة لله ورسوله، وهي نقض للعقيدة الإسلامية، وموالاة للكافرين، قال ﷺ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ»، فكيف تُسلم الأنظمة إخواننا في غزة وهم يُذبحون جوعاً، بينما تمدّ العدو بالغذاء؟!

 

لم يعد خافياً أن هذه الأنظمة لا تحاصر غزة فقط، بل تحاصر الأمة كلها. فبينما تُغلق معبر رفح بوجه الجرحى والمساعدات، تُفتَح المعابر التجارية أمام منتجات كيان يهود والعلاقات الاستخباراتية. وحين يُطلب من هذه الأنظمة السماح بمرور القوافل الإنسانية تُماطل وتختلق الأعذار، لكنها تُسهّل مرور المنتجات إلى ميناء حيفا!

 

وفي الوقت الذي يُمنع فيه إدخال أكياس الحليب لأطفال غزة، تُرسل شاحنات السكر والعصير إلى أسواق المحتل، في مشهد يجعل حتى العدو يستغرب من سخاء هذه الأنظمة، ويعترف - كما ورد في صحيفة "ذا ماركر" العبرية - أن مصر تصدّرت قائمة الدول العربية التي ضاعفت صادراتها لكيان يهود رغم العدوان على غزة. فأي عار أكبر من أن يخرج العدو نفسه ممتناً للأنظمة العربية على دعمها الاقتصادي في ظل الحرب؟!

 

إن الواجب الشرعي اليوم على جيوش المسلمين أن تتحرك فوراً لتحرير فلسطين كاملة، من النهر إلى البحر، وإسقاط الأنظمة التي تُطبع وتخون وتُغلق الأبواب بوجه الدم المسلم وتفتحها للعدو. ففلسطين لا تحرر بالتفاوض، ولا بالمساعدات، بل بالقوة، وما يقع اليوم في غزة لا يُحتمل، ويجب على كل مسلم قادر أن يتحرك في وجه أنظمة الخيانة، ويدعو الجيوش للانقلاب على حكامهم الخانعين، وإقامة الخلافة الراشدة التي توحّد الأمة وتقتلع كيان يهود اقتلاعاً.

 

إن التطبيع، والتبادل، واتفاقات التجارة الحرة، والممرات البرية... كلها تسميات خادعة لحقيقة واحدة: التحالف مع العدو المحتل ضد الأمة. وهذه العلاقات لا يجوز تبريرها بمصالح اقتصادية أو اتفاقات دولية، لأن كل ما يُخالف حكم الله فهو باطل. ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْوالنصوص القطعية في تحريم التبادل مع العدو الحربي، وتحريم تسليمه ما يُقويه أو يُعينه على الظلم، لا تقبل التأويل. بل إن ديننا يحرم بيع العنب لمن يتخذه خمراً، فكيف بمن يبيع الغذاء والدواء لمن يقتل أهل الإسلام؟!

 

أيها المسلمون، يا أهل الكنانة، يا أهل المغرب، يا أهل الشام، يا أهل الخليج... إن ما يجري في غزة هو امتحان عظيم، وإن الأمة اليوم تعيش لحظة فارقة، فإما أن تنتصر لأرضها ودينها وتحرّر مقدساتها، أو تستمر تحت نير الخيانة والذل.

 

إن الجيوش التي تملك القوة هي القادرة على الحسم، وإن سكوتها عن نصرة فلسطين جريمة، ومشاركتها في تصدير الغذاء للعدو خيانة كبرى. قال ﷺ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ ...». وإن أكبر المنكرات اليوم هو بقاء كيان يهود قائماً، ودعم العدو المحتل بالمواد الغذائية، وتجويع أهل غزة، وخيانة الحكام المتواطئين.

 

ورغم هذا الواقع المظلم وما فيه، فإن الأمة لم تمت، وإن شعوب المسلمين تُدرك من هو عدوها ومن خانها، وتتحين اللحظة للانقضاض على الطغاة والعملاء، وإعادة سلطان الإسلام، وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تُنهي هذه المهزلة، وتحرر المسجد الأقصى، وتعيد فلسطين كاملة إلى حضن الأمة.

فليكن صراخنا:

 

جوع أهل غزة لا يقابله إلا زحف الجيوش لا تصدير الغذاء لليهود.

نصرة فلسطين لا تكون بالمفاوضات، بل بالسلاح والدماء والتضحيات.

العلاقات مع كيان يهود خيانة، مهما تلونت بالأسماء.

الجيوش إلى الأقصى، إلى تحرير المقدسات ونصرة المستضعفين.

 

﴿انْفِرُوا خِفَافاً وَّثِقَالاً وَّجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمود الليثي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لن يتحقق النصر ويعم الأمان إلا بالالتزام بأوامر الله

 

استهل وزير الأوقاف السوداني الجديد بشير هارون عبد الكريم بتوجيه خطاب رقم (١) بتخصيص خطبة الجمعة لنصرة القوات المسلحة ودعم المناطق المحاصرة.

 

وهو قائد في حركة جيش تحرير السودان وعضو في الهيئة القيادية لتحالف السودان، وجاء تعيينه ضمن الحصة الجديدة للحركات المسلحة في حكومة الأمل التي يرأسها كامل إدريس في إطار تنفيذ اتفاقية جوبا لتقاسم السلطة مع الحركات المسلحة.

 

جاء في الخطاب الموجه إلى خطباء الجمعة:

 

في إطار واجب الوزارة الديني والوطني في دعم قواتنا المسلحة الباسلة والقوات المساندة لها، وفي ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد ومن استهداف داخلي وخارجي نوجه السادة الخطباء والأئمة في جميع مساجد السودان بالداخل والخارج تخصيص خطبة يوم الجمعة الموافق ١/٨/٢٠٢٥ على النحو التالي:

 

الجزء الأول من الخطبة: التأكيد على الدور البطولي الذي تقوم به القوات المسلحة والقوات المساندة لها في الدفاع عن الوطن وأمن المواطن مع الدعوة للوقوف صفا واحدا خلفهم والدعاء لهم بالنصر والثبات.

 

الجزء الثاني من الخطبة: التذكير بالمناطق المتأثرة والمحاصرة من مليشيا الدعم السريع وعبد العزيز الحلو وما يعانيه المواطنون من حصار وظروف إنسانية قاسية في (الدلنج - كادقلي- بابنوسة - الفاشر) مع الدعوة الصادقة إلى الله بنصرهم وفك كربهم.

 

وتعليقا على ذلك نقول:

 

ابتداءً فإن منبر الجمعة، هو منبر رسول الله ﷺ لقول الحق والحقيقة وعدم التدليس والتضليل، ويتبني قضايا المسلمين ويكون له الرأي والتوجيه في النوازل وفق أحكام الشرع الحنيف منضبطا بتوجيه الوحي (الكتاب والسنة) وليس استجابة لرغبة السلطان والدولة، ويقوم بترسيخ الدعوة للعيش في ظل أنظمة الإسلام السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية ومنها الجانب العسكري.

 

لقد أوجب الإسلام أن تكون القوى المسلحة في الدولة قوة واحدة هي الجيش ومنها الشرطة لحفظ الأمن الداخلي وأن تكون عقيدة الجيش هي العقيدة الإسلامية، ووظيفته الجهاد في سبيل الله لحمل الإسلام، وحماية سلطان الدولة. ولا يجوز أن تتعدد الجيوش، وأن تكون هناك قوى مسلحة ذات وجهة جهوية أو قبلية أو إثنية كما الحال اليوم في السودان، وهو الذي يتسبب في التوترات والانفجارات الأمنية والحروب، وقوات الدعم السريع أسوأ مثال على ذلك لما يحدث الآن في البلاد. إن تعدد الجيوش يعرض أمن واستقرار البلاد للتهديد وعدم الاستقرار ويؤدي إلى التفكك والتمزيق والتفتيت وفق مخططات القوى الغربية المتربصة بالسودان وباقي بلاد المسلمين قاطبة (حدود الدم).

 

أما فيما يتعلق بما تعيشه بعض المدن وسكانها من حصار القوى المتمردة والتضييق عليهم في الطعام والشراب والخدمات وما يقومون به من التنكيل والقتل والتجويع، فيجب على الجيش والدولة العمل للقضاء على هذه الحال وإزالة خطر وتسلط هذه القوى المتمردة ونشر الأمن والطمأنينة، وتمكين الناس من العيش الكريم، وهذا يوجب علينا أن نعيش في ظل دولة مبدئية لا وظيفية تحقق مصالح الاستعمار وتفرط في مصالح الرعية، دولة تطبق نظاماً يقوم على عقيدة أهل البلاد، عقيدة الإسلام العظيم، بمبايعة خليفة للمسلمين، فهو الذي يوحد القوى المسلحة المختلفة والمتنوعة في جيش واحد عقيدته الإسلام وليس منطلقه جهويا أو قبلياً أو إثنياً، وتكون وظيفته القتال في سبيل الله ويكون سند النظام السياسي (الخلافة) في مواجهة مؤامرات الدول الغربية الطامعة في بلادنا الساعية إلى تمزيقه وتفتيته عبر زرع ورعاية حركات ومليشيات قبلية وجهوية، ومنحها شرعية عبر الاتفاقيات مع الدولة وإشراكها في الحكم والسلطة، واتفاق نيفاشا الذي هندسته أمريكا ماثل بيننا وقد نتج عنه فصل جنوب السودان. وما تخطط له أمريكا الآن عبر هذه الحرب التي أشعلتها بين الجيش وقوات الدعم السريع تدل على إقدامها على فصل دارفور، لا قدر الله، إذا لم يستيقظ المخلصون في الجيش ويقلبوا الطاولة على المتآمرين، وتمكين حكم الإسلام المتمثل في الخلافة التي يعمل لها حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله.

 

يا أهل النصرة: إلى عز الدنيا والآخرة ندعوكم، لإقامة صرح الإسلام العظيم؛ الخلافة التي بها نقطع يد الغرب التي تمتد لبلادنا تمزيقا وتقطيعا ونهبا لثرواتنا وإشعالا للحرائق والفتن بين مكونات أهلنا، الخلافة الثانية التي هي وعدنا بها ربنا سبحانه وبشرى حبيبنا محمد ﷺ:

 

قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، وقال رسول الله ﷺ: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ. ثُمَّ سَكَتَ».

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبدالله حسين (أبو محمد الفاتح)

منسق لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

القضاء والقدر وحامل الدعوة

فهمٌ راسخ وسيرٌ لا يلين

 

في زمان كثُر فيه الإحباط، وتراكمت على كاهل الأمة الابتلاءات، وغدت الطريق إلى التغيير محفوفة بالمخاطر والمصاعب، تبرز حاجة حامل الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية لفهم عميق للقضاء والقدر، فهماً يرسخ اليقين، ويمنح الثبات، ويصنع الشخصية التي لا تهزّها العواصف، ولا تحرفها عن هدفها الأهوال.

 

إنَّ الحديث عن القضاء والقدر ليس ترفاً فكريّاً، ولا نقاشاً فلسفيّاً يُخاض من أجل الجدل، بل هو أصل من أصول العقيدة الإسلامية، له أثر مباشر في سلوك المسلم، لا سيما حامل الدعوة، الذي نذر نفسه لله تعالى ليقيم دينه في الأرض ويعيد سلطان الإسلام المغتصب.

 

فكل ما يحدث في الكون من حياةٍ وموت، وغنىً وفقر، وصحةٍ ومرض، وزلازل وبراكين، هو قضاء من الله. أما ما اختص به الإنسان من أفعالٍ يملك القيام بها أو الامتناع عنها، فهي من فعله وكسبه، ويحاسب عليها.

 

وأفعال الإنسان بين دائرتين؛ دائرة فوق قدرته وإرادته، أي لا قدرة له عليها، ودائرة تحت إرادته وقدرته، وإنّ أفعال الإنسان التي تقع تحت قدرته وإرادته، هي من كسبه، ويحاسب عليها... وإنّ القضاء هو ما لا قدرة للإنسان عليه من أمور الحياة والموت والرزق وما شابه.

 

حين يدرك حامل الدعوة هذا الفهم العميق للقضاء والقدر، فإنه يتحرر من الشعور بالعجز، ويعلم أن التغيير ليس مُحتّماً وقوعه لمجرد أنه قدّر في علم الله، بل هو مرتبط بإرادة التغيير لدى البشر وأفعالهم ضمن المشيئة الإلهية.

 

لذا، لا يستسلم حامل الدعوة للمصاعب ولا يبرر تقاعسه بالقَدَر، ولا يقول كما يقال: "هذا قدرنا"، بل يعلم أن الله خلقه حرّ الإرادة، مكلَّفاً مأموراً، وأن عليه أن يعمل لإقامة شرعه، وأن يُحاسَب على تقصيره إن قصّر.

 

فليس صحيحاً ما يقوله البعض من أنّ الإنسان مجبر على أفعاله، فالله جعل له إرادة، وأعطاه العقل، وبيّن له الطريق، وأمره ونهاه، ثم يُحاسبه على فعله. فلو كان مجبراً لما صحّ الحساب.

 

تاريخ الأمة الإسلامية مليء بالنماذج التي عاشت هذا الفهم، فانطلقت بقوةٍ للعمل لتغيير الواقع، فلم تسيطر عليهم القدرية الغيبية ولم يكن القضاء والقدر حجّةً للتقاعس. فالنبي ﷺ مع علمه بأنه رسول الله المختار، وبأن النصر والتمكين وعد متحقق لا محالة، لم يتواكل، بل تحمّل الأذى، وصبر على البلاء، وربّى أصحابه على السعي والعمل، وخطّط، وهاجر، وأقام الدولة في المدينة.

 

ولمّا واجه الصحابة مصائب عظيمة كأحد أو حنين أو مقتل القادة، لم يقولوا: "هذا قدر الله فلنترك السعي"، بل كانوا يعلمون أن النتائج بيد الله، وأن المطلوب منهم هو السعي والعمل وفق أوامر الله في طاعة مطلقة.

 

إنّ الإيمان بالقدر يجب أن لا يؤدي إلى التواكل، بل يدفع للعمل، لأنّه يعني أن الله يعلم ما كان وما سيكون، ولكنه لم يُجبر الإنسان على فعله، بل قدّره بعلمه وإحاطته، وترك له حرية الاختيار.

 

وإن من أخطر ما ابتُليت به الأمة اليوم هو الانحراف في فهم القدر، حتى صار بعض أبنائها يتذرعون به للهروب من المسؤولية، فيقولون: "ما يحدث لنا من ذلّ واحتلال وتبعية هو قدر الله، ولا يمكن تغييره".

 

وهذا الفهم باطل، ومخالف للكتاب والسنة. فالله لم يأمرنا بالركون بل قال سبحانه: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾، وقال عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾.

 

ومن ظنّ أن الذلّ والهوان الذي نعيشه اليوم هو قضاء لا يُردّ، فقد كذّب نصوص الوحي، وألغى مسؤولية الإنسان، وجعل الشريعة عبثاً، وحاشا لله أن يأمرنا بإقامة الدولة ثم يمنعها قهراً، أو يكلفنا بما لا نستطيع أو ما هو فوق طاقتنا.

 

إن حامل الدعوة يعيش في واقع مليء بالمحن؛ يُطارد، يُسجن، يُفصل من عمله، يُخوَّن، وتُحارب فكرته من كل اتجاه. وهنا يظهر الأثر الحقيقي لفهم القضاء والقدر.

 

إنه يعلم أن الأذى قَدَر، وأن الرزق قَدَر، وأن النصر قَدَر. لكنّه في الوقت نفسه يعلم أن تكليفه بالدعوة هو أمر واجب وتقاعسه عن القيام به إثم، وكل بلاء يقع عليه في هذا السبيل سيكون مكافأة له أمام الله، وأن الله لن يسأله لِمَ لم تُنصر؟ بل سيسأله هل حملتَ الدعوة كما أُمِرت أم قصرت فيها؟

 

فهو يسير في درب طويلة، لا يرجو إلا وجه الله، ويعلم أن القتل أو الحبس أو التشريد ليس إلا أجلاً كُتب له لن يتقدم ولن يتأخر، فيحمل الدعوة بثبات، ويقول كما قال ﷺ: «وَاَللَّهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ».

 

إن القضاء والقدر في الإسلام ليسا عائقاً في طريق التغيير، بل دافع للعمل بإخلاص وطمأنينة، لأنه يُرسي في القلب أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن صدقت مع الله، فإنك موعود بالنصر ولو بعد حين.

 

إن حامل الدعوة إذا جمع بين الإيمان بالقدر والعمل الجاد، وبين السعي الدؤوب والتوكل على الله، فإنما يسير على طريق محمد ﷺ، ويكون من جيل التمكين، لا من جيل التبرير.

 

وختاماً، نقول لحملة الدعوة:

 

اعملوا، وجدّوا، واصبروا، فأنتم على حق، وإن الله ناصرٌ دينه بكم أو بغيركم، فاجعلوا أنفسكم من جنده المختارين، الذين يُحسنون الفهم، ويُتقنون العمل، ويثبتون مهما اشتدت العواصف، ووالله لَتُقيمَنّ هذه الأمة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة قريبا، شاء من شاء وأبى من أبى.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمود الليثي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قتل امرئٍ في غابةٍ جريمةٌ لا تُغتفر

وقتلُ شعبٍ كاملٍ قضيةٌ فيها نظر!

 

إنّ هذا التناقض، وهذه الازدواجية في سياسة المعايير، تفضحان التواطؤ العالميَّ المسخ.

 

فعندما يُقتل فردٌ في مكانٍ ما، يستنفر العالمُ، وتُعقد المؤتمرات، أما حين يُقتل شعبٌ بأكمله، يُفتح باب النقاش والجدل والبيروقراطية السياسية.

 

يجتمع مجلسُ الخيانةِ ليتداول موضوع أسرى يهود لدى حماس، بناءً على طلب من كيان يهود، بينما أهل فلسطين يموتون جوعاً، وتُهدَم مدنُهم فوق رؤوس ساكنيها، ويُدفنون أحياءً، أمام صمتِ العالم.

 

الانتقائيةُ في تحريك المؤسسات الدولية، كالأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وغيرهما، تُسَخَّرُ لنصرة الظالم على مرأى العالم. حيث يُسلَّط الضوء على أسرى من جانبٍ واحد، في حين يتجاهل العالم معاناةَ ملايين البشر تحت الاحتلال، والحصار، والدمار.

 

إنها ازدواجيةٌ في المعايير، تُحوِّلُ قضيّةَ قتلِ شعبٍ كامل إلى "وجهة نظر"، في عالمٍ تتصدّر فيه "حقوق الإنسان" شعاراتِ المنابر الدولية.

 

لقد بات واضحاً أن قيمة الإنسان عندهم لا تُقاس بإنسانيته، بل بجنسيته، أو مدى قربه من مصالح القوى الغربية، وعلى رأسها زعيمة الديمقراطية أمريكا!

 

إن هذه المفارقة لم تَعُد مجرّد استعارة بلاغية، بل واقعٌ نعيشه كلَّ يوم. فعندما يُقتل شخصٌ بريء، تتحرّك كاميراتُ الإعلام، وتُكتب التقارير، وتُعقد الاجتماعات؛ لكن حين يُقصف حيٌّ كامل في غزّة، أو تُبادُ عائلاتٌ تحت الأنقاض، أو يُدفن أطفالٌ أحياءٌ تحت الركام، يصبح المشهد "موضع تحقيق"، وتُعاد صياغة العناوين لتتحدث عن "اشتباكات"، أو "تصعيد"، أو "حق الدفاع عن النفس"!

 

والأدهى من ذلك، أن ينعقد مجلسُ الخزي والعار الدوليّ ليتداول موضوع الأسرى لدى حماس، بينما يموت عشرات بل مئات الفلسطينيين يومياً!

 

لا أحد يتحدث عن الأسرى الفلسطينيين الذين قضوا أعمارهم خلف القضبان، لا لشيء سوى أنهم دافعوا عن أرضهم وعرضهم. ولا أحد يُحاسب القنابل "الذكية" التي تُلقى على مخيمات اللاجئين!

 

إن هذه الازدواجية ليست فقط أخلاقية، بل قانونية أيضاً، فالقانون الدوليّ - كما يزعمون - وُضع ليُطبَّق على الجميع، لكنه بات يُطبَّق انتقائياً، وفق هوى القوى الكبرى.

أقولها بمرارة: إنها وصمةُ عارٍ في جبين الحضارة الغربية!

 

ويحقّ لنا أن نتساءل: هل دم الفلسطيني أرخص؟ هل باتت مقاومةُ الاحتلال - في دساتيركم - إرهاباً، بينما الاحتلال نفسُه يُبرَّر؟ هل أصبحت قيمة الإنسان تُحدَّد وفق ما يقرّره الإعلام؟

 

إنّ صمتَ العالم عن هذه المآسي لا يعني جهلاً بها، بل تواطؤاً ضمنياً. وما دام في هذا العالم من يرى أنّ قتلَ شعبٍ كاملٍ "قضية فيها نظر"، فإنّ الإنسانية التي تتغنون بها ليست سوى كذب وافتراء!

 

 أيها المسلمون: لو كان لنا كيانٌ يدافع عنّا وعن كرامتنا، لما احتجنا اليوم إلى الرجوع إلى مجالس الأمم، نستجدي منها إيقافَ نزيف دم إخواننا.

 

إن غياب دولتنا وعزّتنا وكرامتنا هو ما جعل دماءنا تُستباح، وأصواتنا تُهمَّش، في عالم لا يعترف إلا بالقوة، ولا يحترم إلا من يملك القرار. وسنبقى، في ظل غياب دولتنا، مجرّد مادةٍ للمفاوضات، لا طرفاً فيها.

 

إنّ ما يحدث اليوم في فلسطين وغيرها من بلادنا الإسلامية، ليس مجرّد مأساة إنسانية، بل هو نتيجةٌ مباشرةٌ لغياب دولتنا وعزّتنا، ولو وُجدت هذه الدولة، لتغيّرت المعادلة، وارتفع صوتُ الحق وانتصر.

 

أيها المسلمون، لقد بلغ السيل الزُّبى. ولو كانت لنا دولةٌ تجمع شملنا، لما تجرّأ كيان يهود وتمثالُهُ على انتهاك حرمة دماء المسلمين. لقد آن الأوان أن ندرك أن عزّنا لا يكون بالتبعية، ولا بالمناشدات، بل بالعودة إلى مشروعنا الحقيقي: إقامة دولتنا، التي بها نوحّد شتاتنا، ونستعيد فيها هيبتنا وعزتنا. فبلا دولة، سنبقى شعوباً متفرقة، وأوطاناً هزيلة، وقضايا بلا نصير.

 

وهذا حزب التحرير الرائدُ الذي لا يكذب أهلَه يدعوكم للعمل معه للقيام بهذا الواجب، الذي تُحفَظ به الحقوق، وتُصان الأرواح... وإذا ما تحقق ذلك بإذن الله فإن فجر العزة قادم، مهما طال ليلُ الهوان!

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

خديعة أسلمة الاقتصاد الرأسمالي المفلس

لإعادة تدويره بأموال المسلمين!

 

تعرف الساحة الفكرية الإسلامية اليوم في ظل الحرب الحضارية الطاحنة ضد الإسلام وأمته سيولة فكرية جارفة حارقة، استدعى فيها الغرب كل إفكه وزيفه وتجديفه وتحريفه وتلبيسه وتضليله، وأخرج من أقداحه كل أنصابه وأزلامه، واستنفر من جحوره كل ضب نتن، يبغي به فتنة المسلمين وتزييف وعيهم وهدم إيمانهم وتحطيم إسلامهم، عبر تلبيس حق الإسلام العظيم بباطل وضلالات علمانيته الكافرة الفاجرة، بتزييف مفرداته وتزوير مصطلحاته وتحريف أصوله وقواعده وضوابطه، وإعادة فرز ومسخ أفكاره ومفاهيمه وأحكامه، والمشاغبة في تحريف دلالاته ومعانيه واللحن في لغته لتتماشى وتتماهى مع كفر علمانيته ورأسماليته.

 

وأمام قهر الإسلام الفكري وإفلاس الغرب الثقافي وهزيمته الفكرية وفشله الحضاري، أعاد الغرب فرز أوراقه وابتدع أسلوبا جديدا في الغزو الثقافي للساحة الإسلامية لعله وعساه يحتوي هذا المد الفكري الإسلامي الكاسح.

 

فكانت خديعة أسلمة مفاهيم المنظومة العلمانية الغربية في محاولة بائسة يائسة لإعادة تسويق المنتج العلماني الكاسد. والأسلمة عند التحقيق هي عملية تشويه فكري وتزييف ثقافي وتلفيق فقهي ومسخ حضاري ترمي إلى إعادة إذاعة وإشاعة المسخ الحداثي العلماني بمفردات ومصطلحات من الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية والفقه الإسلامي تحديدا، بعد أن يتم تجويف المفردات والمصطلحات الإسلامية وإفراغها من دلالاتها ومعانيها الشرعية وضخ مضامين ومفاهيم علمانية، ويقدَّم هذا الكفر المتأسلم كفهم واجتهاد منفتح وابتكار عصري ضمن دائرة الإسلام ومن داخل حدود معارفه، ويصدَّر لنا ونُقذف به كإنتاج من داخل فكرنا وثقافتنا وكمادة لدراستنا وتثقيفنا، وهكذا يتم إلباس رقاعة ضلالة العلمانية لبوس الشرع، ودعمها بأسناد من فقه الهزيمة وسحق الواقع وفتوى المشايخ المأجورين، ثم تدوين غواية وكفر فلسفتها وثقافتها بمفردات ومصطلحات وتراكيب إسلامية لتصديرها كجزء من الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية لأبناء الإسلام.

 

ومن أهم ميادين هذا المسخ والتزييف "الأسلمة" اليوم هو حقل الاقتصاد الرأسمالي ومعاملاته المالية الرأسمالية، وكانت الغاية من إفك الأسلمة ابتداء هي شرعنة النظام الرأسمالي المتوحش ومعاملاته المالية المحرمة، ثم محاولة امتصاص صدمات الأزمات الرأسمالية الطاحنة المتعاقبة، عبر ضخ أموال المسلمين الضخمة (أكثر من 3.25 تريليون دولار لسنة 2023 بحسب تقارير صادرة عن مجلس الخدمات المالية الإسلامية، ومن المتوقع أن يصل حجم السوق إلى أكثر من 4 تريليون دولار بحلول 2026 عبر توسع قطاع البنوك (الإسلامية) وزيادة الطلب على الصكوك) في السوق الرأسمالية المفلسة لمحاولة رتق الثقب الأسود المالي الرأسمالي (الديون الفلكية)، وكذلك تطويق هذه السيولة والتحكم فيها لجعلها عنصرا خادما للرأسمالية وليس معاكسا لتيارها، وكهدف استراتيجي وسلاح في الحرب الحضارية لاحتواء حركة الإسلام المبدئي وفعلها المتعاظم في الأمة، عبر تسويق منتج زائف (الاقتصاد الإسلامي الزائف) وتحييد بل وعزل الاقتصاد الإسلامي عن ساحة الصراع الفكري والكفاح السياسي، وصد الأمة عن الإسلام الحق وأنظمته الحقة ومنها نظام الاقتصاد الإسلامي، مع صناعة طبقة من المثقفين المهادنين للرأسمالية والمتعايشين بل المدافعين عن رؤاها كجزء من إسلامهم ومن ثم احتواء التغيير الجذري الثوري، عبر إيجاد نموذج اقتصادي إسلامي شكلي وزائف دون المساس بجوهر البنية الرأسمالية، والهدف إضفاء شرعية إسلامية على المعاملات المالية الرأسمالية مع الإبقاء على الفلسفة والأسس الربوية والقواعد الرأسمالية كما هي، ثم تسويق كل هذا النهب والجور الرأسمالي كمعاملات اقتصادية شرعية وإدماج كل المسلمين في هذا المقت الرأسمالي.

 

تاريخيا بدأ هذا المنحى في أسلمة العلمانية ورأسماليتها أواخر الثمانينات من القرن الماضي للتصدي لإرهاصات النهضة الإسلامية وتجلية مبدئية الإسلام ومشروعه الحضاري، وفيما يتعلق بالشق الاقتصادي عملت معاهد الفكر والجامعات الغربية والمؤسسات الرأسمالية الغربية على تصميم مشروع أسلمة مفاهيم الاقتصاد الرأسمالي ونشرها تحت ما سمي فيما بعد بالاقتصاد الإسلامي (المحدث الزائف).

 

فقد احتضنت جامعة أوكسفورد البريطانية أبحاثا متقدمة حول الفكر الاقتصادي الإسلامي ضمن مركز الدراسات الإسلامية الذي استحدثته، وتم تدريس ما أطلق عليه اقتصاد إسلامي كجزء من دراسات الشرق الأوسط والتمويل الأخلاقي. وكذلك جامعة هارفارد الأمريكية التي أنشأت "برنامج التمويل الإسلامي" وصيرته قسما في كلية الحقوق، واستضافت مؤتمرات كبرى حول اقتصادها الإسلامي المحدث في تسعينات القرن الماضي. وكذلك جامعة دورهام البريطانية وهي من أوائل الجامعات الغربية التي أطلقت ماجستير في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، وأنشأت مركزا بحثيا متخصصا لهذا الغرض. وكذلك المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن فقد ساهم في دمج العلوم (الاجتماعية) الغربية والاقتصاد الرأسمالي تحت غطاء الاقتصاد الإسلامي، في مناهج التعليم كمادة من الثقافة الإسلامية بعد تغليفها بقشرة إسلامية، وأنتج كتبا دراسية وأسس برامج جامعية في ماليزيا والسودان وإندونيسيا وأمريكا تحت خديعة أسلمة المعرفة.

 

ثم هناك المؤسسات المالية الرأسمالية الغربية كبنك سيتي بنك الغول المالي الأمريكي، وبنك إس بي سي البريطاني، فقد قاما بإنشاء أقسام (إسلامية) داخل البنوك وكذلك تداريب أكاديمية للتخصص في المعاملات المالية المستحدثة ضمن الاقتصاد الإسلامي المحدث الزائف، ومَوَّلُوا كذلك برامج جامعية لتسويق المنتج العلماني الرأسمالي الجديد (الاقتصاد الإسلامي). وتكفلت كذلك المعاهد الفكرية والدراسات الاستراتيجية الغربية كمؤسسة بروكنز الأمريكية والمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني بنشر وترويج الدراسات والبحوث المتعلقة بالاقتصاد الإسلامي المحدث الزائف. وكان لصندوق النقد والبنك الدوليين الدور العملي في تحويل أفكار الاقتصاد الإسلامي الزائف المحدث إلى سياسات، ودعا لإدراج مخرجات هذا الاقتصاد ضمن البرامج الاقتصادية والتعليمية للدول القائمة في البلاد الإسلامية، وكان الصندوق والبنك قد أجريا دراسات حول دور التمويل الإسلامي في الاستقرار المالي (بمعنى تدوير الاقتصاد الرأسمالي المفلس بأموال المسلمين).

 

وبالفعل تحولت سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين المتعلقة بالاقتصاد الإسلامي المحدث الزائف لسياسات للأنظمة القائمة في البلاد الإسلامية، وتكفلت مؤسسات إقليمية بإدراجه كتخصص أكاديمي وكمشاريع اقتصادية دولية، وأنشئت وتشكلت مؤسسات فكرية واقتصادية تم دمغها بالطابع الإسلامي، وقادت منظمة التعاون الإسلامي عملية تسويق المنتج الرأسمالي باسم الاقتصاد الإسلامي وأنشأت مجامع فقهية لإلباس المنتج الرأسمالي لبوس الإسلام، ثم سوقته وروجت له عبر مؤتمرات ودورات تدريبية ومولت من أجل ذلك مشاريع ومؤسسات مالية وأكاديمية.

 

ثم فرخت بعدها البنوك "الإسلامية" ومعها الحاجة إلى الأطر المتخصصة، فأحدثت لذلك أقسام وشعب ومقررات وشهادات في الجامعات والمعاهد الدينية المحلية والجامعات الغربية.

 

فالنموذج في بلاد المغرب حالة معيارية يقاس عليها؛ فقد تم تأسيس شُعَب الدراسات الإسلامية أواخر الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي في الجامعات المغربية لتشمل مقرّرات حديثة مثل الاقتصاد الإسلامي المحدث ضمن إطار ما سمي بمواكبة الحداثة والعصرنة. وأصبح تدريسه جزءاً من المناهج الدراسية المعاصرة في مرحلة الدراسات العليا كشعبة من شعب الاقتصاد أو كشعبة من الدراسات الإسلامية (ماجستير، دكتوراه)، وأدرج الاقتصاد الإسلامي في أقسام الجامعات كتخصص مستقل في جامعة محمد الخامس بالرباط وجامعة فاس وجامعة تطوان، وتكثفت الإجراءات بعد الانخراط التام للنظام في سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين المتعلقة بالاقتصاد الإسلامي المحدث، وأنشأ النظام ما سمي بالبنوك التشاركية كنوع من "البنوك الإسلامية" تحت إشراف بنك المغرب من حيث القوانين والأنظمة البنكية، وتكفل المجلس العلمي الأعلى بدمغها بالطابع الإسلامي عبر فتاوى تحت الطلب ومشايخ وأكاديميين للإيجار والتوظيف لإضفاء الشرعية على الأنظمة المالية الرأسمالية المعاصرة.

 

وهذا الاقتصاد الإسلامي المحدث الزائف لا علاقة بإسلام ولا بفقه، بل جذره الفلسفي هو الاقتصاد الرأسمالي ومدارسه ومذاهبه الفكرية، وتكاد تكون دائرة اشتغالاته هي المعاملات المالية الرأسمالية للبنوك والشركات والبورصات الرأسمالية، فمقررات أقسام الاقتصاد هذا بالجامعات في البلاد الإسلامية شاهدة على ذلك (جامعة القدس، جامعة دمشق، معهد الاقتصاد الإسلامي بالكويت والسعودية، جامعة محمد الخامس بالمغرب) تكاد موادها تكون نسخة واحدة للأصل الغربي ومواضيعها واحدة تتمحور حول: أسس التمويل - الاقتصاد النقدي والمالي - قانون الشركات والبنوك الإسلامية - التشريعات المصرفية والتأمينية - المعاملات المالية - الصكوك - تصميم المنتجات المالية - تمويل الشركات - أسواق المال - تقنيات البنوك والتأمين - إدارة المحافظ والأسواق - التمويل الدولي - إدارة الاستثمار - المحاسبة والضرائب - إدارة المخاطر... فدائرة انشغالاتها هي باختصار البنك ومعاملاته، والبورصة وأسهمها وسنداتها، ثم التأمين.

 

وكل هذه المواضيع في حقيقتها هي مضامين لمنتجات رأسمالية صيغت بغطاء إسلامي واستفادت من الهشاشة الثقافية وضعف الأفهام لأبناء الإسلام وخاصة جهلهم التام بطبيعة النظام الاقتصادي في الإسلام، فتم الالتفاف على مفاهيم الاقتصاد الرأسمالي بغلاف وقشرة إسلامية؛ الالتفاف على البنك بتسميته بنكا إسلاميا أو تشاركيا، والمعاملات الربوية مرابحة ومشاركة ومضاربة، والبورصة سوقا مالية إسلامية وأسهمها وسنداتها أضحت صكوكا، والتأمين صار تأمينا تكافليا!

 

فقد انتهى موضوع الاقتصاد الإسلامي إلى نسخة معدلة للاقتصاد الرأسمالي الغربي مع تحايل على معاملاته الربوية وعقوده وبنوكه وشركاته ومؤسساته الرأسمالية وتحويرها وإخفاؤها بمصطلحات من الفقه الإسلامي (المرابحة، المضاربة، بيع السلم، الصكوك...) لاستهداف الزبون المسلم، وهي عملية تحايل صممتها وأنشأتها دوائر الغرب وانخرطت فيها أنظمة الاستعمار عبر الترويج لها وتسويقها عبر أكاديميين تم إعدادهم لهكذا مهمة وشيوخ للإيجار والتوظيف للفتوى تحت الطلب وتحليل المعاملات الرأسمالية الباطلة المحرمة.

 

والواقع العملي هو الفاضح لحقيقة الغاية الرأسمالية الخبيثة وراء سياسة "الاقتصاد الإسلامي"، فجوهر الغاية الرأسمالية هو شرعنة البنك الرأسمالية محرك الاقتصاد الرأسمالي وماكينة حصاد أرباح رأسمالييه، وتعميم النموذج الرأسمالي في المعاملات البنكية والمعاملات المالية على عموم المسلمين دون تحفظ وتحوط من حرمة شرعية.

 

وها هو الميدان يفضح الحقائق، فقد تجاوزت سوق أموال المسلمين المستهدفة من السوق الرأسمالية 3.25 تريليون دولار (3250 مليار دولار) عام 2023 بحسب تقارير صادرة عن مجلس الخدمات المالية الإسلامية، وزعت بحسب القطاعات على الشكل التالي:

 

- قطاع البنوك (الإسلامية) يمثل 70٪ من إجمالي السوق بحجم يقارب 2.3 تريليون دولار

- الصكوك (السندات الإسلامية) تمثل 17٪ من حجم السوق بأكثر من 560 مليار دولار

- صناديق الاستثمار (الإسلامية) تمثل ما بين 4 و5٪ من حجم السوق بحوالي 150 مليار دولار

- التأمين (التكافلي) حجمه حوالي 25 مليار دولار

 

فنحن أمام معاملات مالية رأسمالية خالصة لن تجد لها أي جذر تشريعي في الفقه الإسلامي ولا علاقة لها بالنظام الاقتصاد الإسلامي ولا بأحكامه الشرعية الطاهرة. بل هي عملية تلاعب وتحايل كبرى على أموال المسلمين الطائلة لضخها في السوق الرأسمالية الغربية تحت غطاء من التلفيق الفقهي والزيف التشريعي، فالمعاملات الربوية تم تصنيفها في باب المرابحة والمضاربة وبيع السلم، والسندات الربوية تم تصنيفها صكوكا (السند هو دين لحكومة أو شركة تصدرها مقابل تحصيل السيولة من المشتري مقابل نسبة ربوية حين استرجاع المبلغ الأصلي من المشتري). والتأمين الرأسمالي صُنِّف تأمينا تكافليا!

 

وها قد شهد شهود من أهل هذا الاقتصاد الإسلامي المحدث الزائف على حقيقته الرأسمالية، فقد كشف مجمع الفقه الإسلامي العالمي أن ما يصل إلى 85٪ من الصكوك لا تلتزم فعليا بالشريعة، ما يعكس تواطؤا ضمنيا لإضفاء "شرعية وهمية". وأكد الأستاذ فيصل خان من جامعة نيويورك هوبارت أن عقود المرابحة التي تشكل 80٪ من المعاملات المالية (الإسلامية) العالمية، لا تتفق مع مبادئ الشريعة فهي عمليا شبيهة جدا بالربا، فالمرابحة المعمول بها عمليا هي حقيقة منفعة على الدين، فهي عائد ربح ثابت بدون مخاطرة أو مشاركة في الربح والخسارة وهو عين الربا، وكل ذلك التنظير عن المرابحة لا علاقة له بالواقع العملي، واعتبر آخر أن مشايخ الشريعة هم مجرد تزيين إعلامي للمنتج الرأسمالي. أما الصكوك فهي السندات الرأسمالية وعائدها هو عين الربا وما تغني حيل المرابحة والمضاربة وبيع السلم والرهن عن حقيقتها الرأسمالية، أما التأمين فهو عين العقد الرأسمالي الباطل المحرم، وتذويب شحمه في قدر التكافل لا يحله ولا ينزع عنه حرمته، أما السوق المالية الإسلامية فهي عين البورصة الرأسمالية وغرر أسهمها ومعاملاتها الرأسمالية الباطلة (كبورصات ماليزيا والسعودية والإمارات والبحرين والمغرب الحديثة النشأة والتي تصنف "أسواقا مالية إسلامية") فكلها تحاكي معاملات البورصات الرأسمالية الغربية.

 

وعليه كان لزاما علينا نحن المسلمين اليقظة التامة والتنبه والحذر لمكائد الغرب وحربه الفكرية الحضارية، فكيف يكون كيد ومكر عدونا بنا وحربه الحضارية تزداد شراسة؟! وبناء عليه نعود لتفكيك بعض الألغام المعرفية للتجرد والتحلل من علائق الفكر العلماني الغربي واقتصاده الإسلامي المحدث الزائف، والتأسيس لرؤية إسلامية نقية صافية متعلقة بنظامنا الاقتصادي الإسلامي الحق المستنبط من كتاب الله وسنة نبيه ﷺ وما أرشدا إليه من إجماع وقياس.

 

أولا لا بد من تعريف بالبذور والجذور للنظام الاقتصاد الرأسمالي الغربي لفهم حقيقة كفره وبطلانه وفساده، فبذرته الأم هي العقيدة العلمانية في فصل الدين عن الحياة والسياسة وأنظمتها، فهو اقتصاد وضعي منقطع عن وحي السماء محادّ لشرع الله، وجذره الثقافي هو حرية الملكية ومنها تولدت مصطلحات الاقتصاد الليبرالي والاقتصاد الحر واقتصاد السوق والاقتصاد الرأسمالي.

 

أما الأسس التي يقوم عليها النظام الاقتصادي الرأسمالي فهي ثلاثة أسس:

 

الندرة النسبية: وهي عدم كفاية السلع والخدمات المحدودة لإشباع وسد حاجات غير محدودة.

 

القيمة: وهي الأهمية والمنفعة الاقتصادية التي يخلعها الفرد أو المجتمع على مال ما، ويعتبر الشيء نافعاً اقتصاديا ما دام هناك من يرغب فيه سواء أكان ضروريا أو غير ضروري، كما لا يهم ولا ينبغي لهذه الرغبة أن تتفق مع قيم أو أخلاق أو تعترضها قواعد قانونية أو ضوابط صحية فهي متحررة من أي شرط أو قيد.

 

الثمن: وهو المتحكم في ميكانيكا السوق إنتاجا واستهلاكا وتوزيعا.

 

وعليه فأساس النظام الاقتصادي الرأسمالي الغربي هو معالجة تلك الندرة النسبية المفترضة عبر زيادة الإنتاج لتوفير مزيد من السلع والخدمات، فالهم والشغل الشاغل للرأسمالي هو مزيد من الإنتاج (يرافقه مزيد من أرباح الرأسماليين)، فالقضية في النظام الاقتصادي الرأسمالي هي مادة الثروة وأرباح ملاكها، أما مسألة الإنسان وإشباع حاجاته وسد جوعاته فأمر ثانوي متروك لمن يملك الثمن.

 

ثم العطب المعرفي المدمر في الرؤية الرأسمالية، وقبله بطلان وفساد العقيدة العلمانية في ادعائها عزل الخالق عن شؤون خلقه ثم تجريدهم من كل القيم عبر تحريرهم من أية مسؤولية أخلاقية عبر حرية الملكية، هو كذلك في افتراضها مشكلة وهمية غير قائمة أدى إلى تفريخ مشاكل متفرعة عنها، فافتراض الندرة النسبية أدى إلى زيادة مفرطة في الإنتاج بل وحتى إنتاج ما لا حاجة فيه، ما أدى إلى فائض في المنتوج، ما ولد الاحتكار والكنز والمضاربة وإتلاف المحاصيل والبضائع ومحق الجهود للتحكم في العرض ومن ثم الأرباح.

 

فابتكر الغرب آلية البنك للدين الربوي المقنن والمنظم والمعمم، لتوفير الثمن واستهلاك فائض المنتوج، وحلت الوسيلة مكان الفلسفة فأصبح البنك هو الثمن في الدورة الاقتصادية الرأسمالية ومحركا لعجلتها إنتاجا واستهلاكا وتوزيعا، وبات البنك هو حجر الزاوية في النظام الاقتصادي الرأسمالي الغربي.

 

فالبنك منتج رأسمالي خالص، واستنساخه إسلاميا وإضفاء شرعية عليه عبر بعض التمحلات كالتسمية "بنك إسلامي" والتعسف والتكلف في تسمية بعض معاملاته بمصطلحات شرعية كالمرابحة والمضاربة والرهن وبيع السلم... لا ينزع عنه فلسفته وأصله، فجيناته رأسمالية صرفة، وكل محاولة استنساخ هي محض هراء وتلفيق فقهي فاضح وتشوه ثقافي شنيع، وقس عليه البورصة وسنداتها وأسهمها، وكذلك هو التأمين، فما كانت تلك التلفيقات (السوق المالية الإسلامية والصكوك والتأمين التكافلي) لتنزع منها وعنها روحها الرأسمالية الخبيثة.

 

فما زلنا ندور في حلقة مفرغة حبيسي قفص المنظومة الرأسمالية الغربية في الاقتصاد تحديداً، فالاقتصاد الرأسمالي هو من أعظم البلايا التي فتنت بها الأمة وأشد ما تعانيه من بؤس وفقر من جراء نتائج الأفكار الرأسمالية المتعلقة بالاقتصاد، وتأثرا بهكذا فكر وواقع أصبح مصطلح الاقتصاد الإسلامي كما هو مطروح اليوم لا يعدو عن كونه قشرة يختفي تحتها ركام الاقتصاد الرأسمالي الغربي، محاولين عبثاً تهذيبه وتلطيفه وتوليف واستئناس وحشه، ففلسفة الغرب الاقتصادية الرأسمالية هي المتحكمة في هذا الاقتصاد الإسلامي المحدث الزائف، فالاقتصاد الرأسمالي هو الثمرة الخبيثة لمنظومة الغرب العلمانية الكافرة فهو شق من كفره.

 

فعبثا وسدى يحاول البعض من كفر الغرب الثقافي العلماني استخلاص رؤية للنظام الاقتصادي في الإسلام، فهو عين الضحالة الفكرية والهزيمة الثقافية وطرق لباب الردة، فالإسلام منظومة وحي مكتملة الصنعة فريدة البناء لها نسقها المعرفي الخاص والمتفرد والمتميز ولها قواعدها وأدواتها الخاصة بها وهي المُعَوَّل عليها لتجلية كنوز الوحي واستنباط أحكامه وأنظمته الشرعية، أنظمة الإسلام أساسها الوحي على النقيض من المنظومة العلمانية الوضعية وأنظمتها.

 

لذا كان لزاما تجلية أمر الاقتصاد الإسلامي حتى نخرج من هذا التيه الثقافي والدوامة المعرفية التي حولت البعض لقنوات وقناطر لتصريف المنتج العلماني الرأسمالي وهم يظنون أنه فقه إسلامي ويحسبون أنهم يحسنون صنعا!

 

لا بد من إدراك أن النظام الاقتصادي في الإسلام هو مجموع الأحكام الشرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية التي تعالج علاقة الإنسان بالثروة: حيازة وتصرفا بها وتوزيعا لها، ومادة الثروة هما المال وجهد الإنسان، وعلى ذلك فالأساس الذي يبنى عليه النظام الاقتصادي في الإسلام قائم على قواعد هي: الملكية، التصرف في الملكية، وتوزيع الثروة بين الناس.

 

وقولنا أحكاما شرعية مستنبطة من أدلتها التفصيلية أي أن العملية عملية فقهية شرعية خالصة، وصاحب الآلة ونعني به الفقيه المجتهد هو المخول شرعا ومعرفيا بما يملكه من أدوات لاستنباط هكذا أحكام، فالمسألة فقهية تشريعية وليست إنشاء لغوياً أو رأياً فنيا تقنيا أيا كان جذره المعرفي، والمسألة الفقهية في الإسلام شديدة الدقة وسياجها محكم، تستند إلى مصادر الوحي التشريعية؛ الكتاب والسنة وما أرشدا إليه من إجماع وقياس شرعي، وآلة استنباطها الاجتهاد المنضبط بقواعد الشرع، فالنظام الاقتصادي في الإسلام مسألة فقهية خالصة وصاحبها هو الفقيه المجتهد حصرا وقصرا، ومن الضحالة الفكرية تصورها مسألة فنية ومسألة حسابات وبيانات وأرقام فهذا عين الجهل بل الجهالة بشرع الله وبالطبيعة التشريعية للأنظمة من كونها فرعاً عن جذرها التشريعي وفلسفة منظومتها، وأشنع منها ذلك السفه في تصور النظام الاقتصادي في الإسلام بأنه استنساخ للنظام الرأسمالي الغربي الكافر مع تغيير في الأسماء (مسميات إسلامية).

 

ولما كان النظام الاقتصادي في الإسلام فقها شرعيا كان باباً موصدا أمام المتطفلين الذين يفتقرون للآلة الفقهية أداة استنباط الأحكام من مصادرها الشرعية، فيعتبر قادحا في تقوى المرء وورعه أن يخوض فيما لا يعلم وما لا يضبط، فمن لم تكن الأصول وقواعدها والفقه وأقضيته واللغة العربية وبلاغتها وبيانها وإعرابها والقرآن وعظيم علومه والسنة ومتونها ومسانيدها ورجالها والاجتهاد وشروطه، باب تحصيله وعلمه وهضمه ومَلَكَة اجتهاده فكيف به أن يقتحم محراب الإسلام العظيم؟! فالقضية دين ووحي وعلم رب العالمين فكيف يجب أن يكون زاد المرء المعرفي ليخوض في أمانة الوحي والفتيا فيه وثقل مسؤوليتها أمام الله؟

 

فالاقتصاد في الإسلام صنعة فطاحل الفقهاء وليس ترفا فكريا لأصحاب شهادات مدارس وجامعات ومعاهد حظائر الاستعمار العلمانية ومن باب أولى جامعات ومعاهد الغرب العلمانية الرأسمالية، فما هذا السفه في تحصيل ثقافي وشهادات وإجازات في الاقتصاد (الإسلامي) من جامعات حظائر الاستعمار العلمانية التي ما أنشأها الغرب إلا لعلمنة حياتنا وفكرنا، وأنكى منها جامعات لندن وباريس وواشنطن معاقل العلمانية والرأسمالية الاقتصادية الغربية؟! ما كان الشيطان الرجيم ليصنع أكثر من هذا مسخا للعقول ومحقا للإيمان وتحريفا لمفاهيم الإسلام!

 

لأبناء الإسلام ليس مع العلمانية وأنظمتها إسلام وإيمان بل هي الكفر ولا شيء سواه، فالحذر الحذر، دين الله أمانة ومسؤولية عظيمة أمام ديان الخلائق كلها، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فلا يغرن الواحد شهادته الجامعية في هكذا مقت وإفك (الاقتصاد الإسلامي المحدث الزائف) وتزكية العوام وإعجاباتهم، فلن تعدو كونها إعجاب عامي في دين الله بعامي آخر حسب شهادته الجامعية فقها وإجازة فقهية (وهي حقيقة شهادة وإجازة في باب من أبواب العلمانية واقتصادها الرأسمالي)!

 

ختاما هذا مرجع فريد ونفيس عن النظام الاقتصادي في الإسلام، وهو بحق ثروة فكرية إسلامية نادرة وعبقرية فقهية عز نظيرها من تأليف علم من أعلام هذه الأمة، فقيه مجتهد نحرير، الشيخ تقي الدين النبهاني جزاه الله عن الإسلام وأمته جزاءه الأوفى فردوسه الأعلى، لمن أراد أن يغترف من حقيق الفقه الإسلامي والثقافة الإسلامية الصافية النقية ويستقيم على أمر الله. كتاب: النظام الاقتصادي في الإسلام

قَالَ رَسُول الله ﷺ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

 
رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كيف دخل الإسلام إلى السّودان؟

 

لم يكن السودان المعروف اليوم بجغرافيته يمثل كياناً سياسياً أو ثقافياً أو دينياً موحداً قبل دخول المسلمين، فقد كانت تتوزع فيه أعراق وقوميات ومعتقدات مختلفة. ففي الشمال حيث النوبيون؛ كانت تنتشر النصرانية الأرثوذوكسية كعقيدة، واللغة النوبية بلهجاتها المختلفة لغة للسياسة والثقافة والتخاطب. أما في الشرق؛ فتعيش قبائل البجة، وهي من القبائل الحاميّة (نسبة لحام بن نوح) لها لغة خاصة، وثقافة منفصلة، وعقيدة مغايرة كتلك التي في الشمال. وإذا ما اتجهنا جنوباً نجد القبائل الزنجية بسحناتها المميزة، ولغاتها الخاصة، ومعتقداتها الوثنية. وكذلك الحال في الغرب. ([1])

 

وهذا التنوع والتعدد العرقي والثقافي هما من أبرز سمات وخصائص التركيبة السكانية في سودان ما قبل دخول الإسلام وقد نتجا من عوامل عدة منها خاصة أن السودان يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي شمال شرق أفريقيا. فهو يمثل بوابةً للقرن الأفريقي وحلقة وصل بين العالم العربي وشمال أفريقيا، وبين جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى. أتاح له هذا الموقع دوراً رئيساً في التواصل الحضاري والثقافي والتفاعلات السياسية والاقتصادية عبر التاريخ. أضف إلى ذلك أن له منافذ بحرية حيوية على البحر الأحمر، أحد أهم الممرات التجارية في العالم.

 

يمكن النظر إلى الهجرة الأولى للصحابة رضوان الله عليهم إلى أرض الحبشة (في رجب سنة خمس من النبوة وهي السنة الثانية من إظهار الدعوة) باعتبارها أولى الإشارات إلى الاتصال المبكر بين الإسلام الناشئ ومجتمعات شرق السودان. وعلى الرغم من أن هدف الهجرة كان في الأصل البحث عن ملاذ آمن من الاضطهاد في مكة، فإن هذه الخطوة مثّلت بداية الحضور الإسلامي الأول في الفضاء الأفريقي والسوداني. وقد أرسل النبي ﷺ سنة 6هـ مع رسوله عمرو بن أمية كتابا إلى النجاشي يدعوه فيه إلى الإسلام ([2]) وأجابه النجاشي برسالة أظهر فيها قبوله.

 

ومع فتح مصر على يد عمرو بن العاص في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب عام 20هـ/641م، شعر النوبيون بالخطر حينما بدأت الدولة الإسلامية في تثبيت نفوذها الإداري والسياسي على وادي النيل الشمالي، لا سيما في صعيد مصر الذي كان يمثل امتداداً استراتيجياً وجغرافياً لممالك النوبة السودانية. لذا شرعت ممالك النوبة في شن هجمات استباقية على صعيد مصر، كرد فعل دفاعي. فأمر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه والي مصر عمرو بن العاص بإرسال السرايا نحو أرض النوبة بالسودان لتأمين حدود مصر الجنوبية ولتبليغ الدعوة الإسلامية. وبدوره أرسل إليهم عمرو بن العاص جيشا بقيادة عقبة بن نافع الفهري سنة 21هـ، ولكن الجيش أُجبِر على التراجع، إذ قابله أهل النوبة ببأس شديد، ورجع كثير من المسلمين بأعين مفقوءة، فقد كان النوبة رماة مهرة بالسهام، يصيبون بها إصابات دقيقة حتى في العيون، ولذلك سماهم المسلمون "رماة الحِدَق". وفي عام 26هـ (647م) وُلّي عبد الله بن أبي السرح مصر أيام عثمان بن عفان واستعدّ لملاقاة النوبيين بقيادة حملة مجهزة تجهيزا جيدا وتمكن من التوغل جنوبا حتى دنقلة* عاصمة المملكة النوبية النصرانية سنة 31هـ/652 م وحاصر المدينة حصارا شديدا. ولما سألوه الصلح والموادعة أجابهم عبد الله بن أبي السرح إلى ذلك([3]). وعقد صلحاً معهم سُمّي بعهد أو اتفاقية البقط** وبنى في دُنقُلَة مسجدا. وقد اجتهد الباحثون في معنى البقط فمنهم من قال إنه لاتيني وهو (Pactum) ومعناه الاتفاق، ولا يرى المؤرّخون والكتاب هذا الصلح كغيره من معاهدات الصلح التي كان يفرض فيها المسلمون الجزية على من يصالحونهم وإنما عدّوه اتفاقا أو هدنة بين المسلمين والنوبة.

 

وعاهدهم عبد الله بن أبي السرح على الأمان لا يحاربهم المسلمون وأن يدخل النوبة بلاد المسلمين مجتازين غير مقيمين وعلى النوبة حِفظ من نَزل بلادهم من المسلمين أو المعاهدين حتى يخرج منها ([4]). وعليهم حفظ المسجد الذي ابتناه المسلمون بدنقلة وكنسه وإسراجه وتكرمته وألا يمنعوا عنه مصليا وأن يدفعوا كل سنة 360 رأسا من أوسط رقيقهم وفي المقابل يتبرّع المسلمون بإمدادهم سنويا بكميات من الحبوب والملابس (لِما شكا الملك النوبي من قلة الطعام في بلده) ولكن لا يلتزمون بدفع عدوّ أو مغير على بلادهم. وبهذا الصلح اطمأن المسلمون على سلامة حدودهم من ناحية الجنوب وضمنوا تجارة عابرة للحدود بين البلدين وحصلوا على سواعد النوبة القوية في خدمة الدولة. ومع حركة السلع تنقلت الأفكار فكان للدعاة والتجار دور محوري في نشر الإسلام في بلاد النوبة بالدعوة السلمية خاصة من خلال حسن المعاملات. وكانت القوافل التجارية تحمل معها عقيدة ولغة وحضارة ونمطا في الحياة مثلما كانت تحمل السلع التجارية.

 

كما أصبح للعربية حضور متزايد في الحياة اليومية للمجتمعات السودانية خاصة في شمال السودان. فمثلت هذه الاتفاقية نوعا من الاتصال الدائم بين المسلمين والنوبيين النصارى دام ستة قرون ([5]). خلال ذلك، تسرّبت العقيدة الإسلامية إلى الجزء الشمالي من السودان الشرقي منذ أواسط القرن السابع الميلادي على أيدي التجار المسلمين والمهاجرين العرب. وقد تسربت هذه الهجرات العربية الكبرى من 3 طرق: أولها: من مصر، وثانيها من الحجاز عن طريق موانئ باضع وعيذاب وسواكن، وثالثها: من المغرب وشمال أفريقيا عبر أواسط بلاد السودان. ولكن أثر هذه المجموعات لم يكن فعالا نظرا لصغر حجمها إذا ما قارناها بالأعداد الكبيرة التي تحرّكت من مصر صوب الجنوب منذ القرن التاسع الميلادي والذي على إثره صُهرت أرض البجة والنوبة والسودان الأوسط بالعنصر العربي. إذ قرّر آنذاك الخليفة العباسي المعتصم (218-227هـ/833-842م) الاعتماد على الجنود الأتراك والتخلي عن الجنود العرب وهو ما يعتبر نقطة تحوّل خطيرة في تاريخ العرب في مصر. وبذلك شهد القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي هجرات عربية واسعة للسودان ومن ثم التوغل في السهول الواسعة جنوبا وشرقا([6]) فساعد الاستقرار بهذه المناطق على الاتصال بأهل البلاد والتأثير فيهم وتقبلهم الإسلام والدخول فيه.

 

وفي القرن الثاني عشر الميلادي، وإثر احتلال الصليبيين أرض فلسطين، لم يعد طريق سيناء للحجيج المصري والمغربي آمنا فتحولوا إلى ميناء عيذاب (تعرف بميناء الذهب وتقع على ساحل البحر الأحمر). وعندما نشطت حركة الحجيج بها وتردد عليها المسلمون في ذهابهم وإيابهم من الأراضي المقدسة في الحجاز بدأت المراكب التي تحمل بضائع اليمن والهند ترسو بها وبالتالي عمرت منطقتها وزادت حركية فاحتلت عيذاب مركزا ممتازا في حياة المسلمين الدينية والتجارية. ([7])

 

ولما كان ملوك النوبة ينقضون العهد كلما وجدوا وهناً أو ضعفا من المسلمين ويغيرون على أسوان ومواقع المسلمين في مصر خاصة في أيام ملكها داود سنة 1272م، اضطر المسلمون إلى حربهم أيام الظاهر بيبرس وتم عقد معاهدة جديدة بين الطرفين سنة 1276م وأخيرا فتح السلطان الناصر بن قلاوون دنقلة عام 1317م وكان ملك النوبة عبد الله ابن أخ الملك داود اعتنق الإسلام سنة 1316م فسهل انتشاره هناك ودخلت بلاد النوبة في الإسلام نهائيا.([8])

 

أما مملكة عُلوة النصرانية فتم إسقاطها إثر التحالف بين قبائل العبدلاب العربية والفونج الزنجية عام 1504م وتم تأسيس مملكة الفونج الإسلامية التي عرفت أيضا باسم "سلطنة سنار" نسبة للعاصمة وأيضا بـ"المملكة الزرقاء"، وتعتبر مملكة سنار أول دولة عربية إسلامية قامت في بلاد السودان بعد انتشار الإسلام واللغة العربية فيها([9]).

 

ونتيجة لتزايد النفوذ العربي الإسلامي صارت الأسر المالكة في بلاد النوبة وعلوة وسنار وتقلي ودارفور مسلمة بعد أن كانت نصرانية أو وثنيّة. فكان اعتناق الطبقة الحاكمة للإسلام كفيلا بإحداث ثورة متعددة الأبعاد في تاريخ السودان. فقد تشكلت عائلات حاكمة مسلمة ومعها تأسست أولى النماذج للممالك السودانية الإسلامية التي كان لها الأثر الكبير في التمكين لهذا الدين وأسهمت بفعالية في نشر الدين الإسلامي، وتثبيت أركانه وإرساء قواعده وإقامة أسس الحضارة الإسلامية في أرض السودان. وتقمص بعض الملوك دور الدعاة في بلادهم وفهموا دورهم باعتبارهم ولاة أمور يقع على رقابهم تبليغ هذا الدين والحفاظ عليه فراحوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويحتكمون إلى شريعة الله ويقيمون العدل ما استطاعوا إليه سبيلا ويدعون إلى الله ويجاهدون في سبيله. ([10])

 

وبذلك سارت دعوة الإسلام في هذه المنطقة بشكل قوي وفعال وسط أعاصير من الوثنية وحملات التبشير النصرانية. وبهذا تعتبر السودان من أشهر المناطق التي مثلت فيها الدعوة السلمية النموذج الحقيقي لانتشار الإسلام وبرزت فيها قدرة المسلمين على نشر عقيدتهم بالإقناع والحجة وحسن المعاملة فلعبت تجارة القوافل والفقهاء دورا كبيرا في نشر الإسلام في الديار السودانية حيث نابت الأسواق عن ميادين الوغى ونابت الأمانة والصدق وحسن المعاملة عن السيف في نشر عقيدة التوحيد([11]) وفي ذلك يقول الفقيه المؤرّخ أبو العباس أحمد بابا التنبكتي: "أهل السودان أسلموا طوعا بلا استيلاء أحد عليهم كأهل كانو وبرنو ما سمعنا أن أحداً استولى عليهم قبل إسلامهم".

 

#أزمة_السودان         #SudanCrisis

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

م. درة البكوش

 

** ملحق عهد من الأمير عبد الله بن سعد بن أبي سرح، لعظيم النوبة ولجميع أهل مملكته:

 

"عهد عقده على الكبير والصغير من النوبة من حدّ أرض أسوان إلى حدّ أرض علوة أنّ عبد الله بن سعد، جعل لهم أماناً وهدنةً جارية بينهم، وبين المسلمين ممن جاورهم من أهل صعيد مصر، وغيرهم من المسلمين وأهل الذمّة، إنكم معاشر النوبة آمنون بأمان الله وأمان رسوله محمد النبيّ ﷺ، أن لا نحاربكم، ولا ننصب لكم حرباً ولا نغزوكم ما أقمتم على الشرائط التي بيننا وبينكم على أن تدخلوا بلدنا مجتازين غير مقيمين فيه، وندخل بلدكم مجتازين غير مقيمين فيه، وعليكم حفظ من نزل بلدكم، أو يطرقه من مسلم أو معاهد، حتى يخرج عنكما، وإنّ عليكم ردّ كل آبق خرج إليكم من عبيد المسلمين، حتى تردّوه إلى أرض الإسلام، ولا تستولوا عليه ولا تمنعوا منه ولا تتعرّضوا لمسلم قصده وحاوره إلى أن ينصرف عنه، وعليكم حفظ المسجد الذي ابتناه المسلمون بفناء مدينتكم، ولا تمنعوا منه مُصلياً، وعليكم كنسه وإسراجه وتكريمه، وعليكم في كل سنة ثلاثمائة وستون رأساً، تدفعونها إلى إمام المسلمين من أوسط رقيق بلادكم غير المعيب، يكون فيها ذكران وإناث، ليس فيها شيخ هرم، ولا عجوز ولا طفل لم يبلغ الحلم، تدفعون ذلك إلى والي أسوان، وليس على مسلم دفع عدوّ عرض لكم ولا منعه عنكم، من حدّ أرض علوة إلى أرض أسوان، فإن أنتم آويتم عبد المسلم أو قتلتم مسلماً أو معاهداً، أو تعرّضتم للمسجد الذي ابتناه المسلمون بفناء مدينتكم بهدم أو منعتم شيئاً من الثلاثمائة رأس والستين رأساً، فقد برئت منكم هذه الهدنة والأمان وعدنا نحن وأنتم على سواء حتى يحكم الله بيننا، وهو خير الحاكمين علينا بذلك عهد الله وميثاقه وذمّته وذمّة رسوله محمد ﷺ، ولنا عليكم بذلك أعظم ما تدينون به من ذمّة المسيح، وذمّة الحواريين، وذمّة من تعظمونه من أهل دينكم، وملتكم.

 

الله الشاهد بيننا وبينكم على ذلك. كتبه عمرو بن شرحبيل في رمضان سنة إحدى وثلاثين".

 


[1] دخول الإسلام السودان وأثرة في تصحيح العقائد للدكتور صلاح إبراهيم عيسى

[2] الباب العاشر من كتاب تنوير الغبش في فضل أهل السودان والحبش ، لابن الجوزي

* كانت بلاد النوبة قبل الإسلام تنقسم إلى 3 ممالك هم النوبة ومقرة وعلوة (من أسوان جنوبا حتى الخرطوم حاليا) ثم بعد ذلك اتحدت مملكتا النوبة ومقرّة بين عام 570م إلى عام 652م وسميت بمملكة النوبة وكانت عاصمتها دنقلة

[3] فتوح البلدان للإمام أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي (الشهير بالبلاذرى)

** انظر الملحق لقراءة نص العهد كاملا

[4] الإسلام والنوبة في العصور الوسطى لـلدكتور مصطفى محمد سعد

[5] الإسلام في السودان من تأليف ج.سبنسر تريمنجهام

[6] انتشار الإسلام في أفريقيا جنوب الصحراء ليوسف فضل حسن

[7] السودان عبر القرون للدكتور مكي شبيكة

[8] السودان لمحمود شاكر

[9] قراءة في تاريخ مملكة الفونج الإسلامية (910 - 1237ه/ 1504 – 1821م) للدكتور طيب بوجمعة نعيمة

[10] الإسلام والنوبة في العصور الوسطى لـلدكتور مصطفى محمد سعد

[11] دراسات في تاريخ الإسلام والأسر الحاكمة في أفريقيا جنوب الصحراء للدكتور نور الدين الشعباني

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كيف تكون قبائل اليمن مَسوسة إذا كان الحوثيون سوسة؟!

 

لقد ابتلي المسلمون في زماننا هذا بأنظمة خائنة تحكم بقوانين وضعية فاسدة ما أنزل الله بها من سلطان، توالي الكافر المستعمر وتنفذ مخططاته وتحرس مصالحه وتنشر ثقافته وتحكم بقوانينه، وتفزع إليه وقت الخطر وتشعل نار الاحتراب الداخلي والفتن بين المسلمين وتظلم رعاياها وتسومهم سوء العذاب وتخون قضاياهم وتقف في صف أعدائهم...

 

وسلطة الحوثيون لا تختلف عن سائر الأنظمة الرأسمالية التي تحكم بالكفر وتزيد عليهم أنها ما زالت عقلية الطائفة هي الضابطة لكل تصرفاتهم وسلوكهم ولم ترتق إلى عقلية الدولة التي يكون تعاملها تجاه جميع الرعية معاملة واحدة وتنظر إليهم جميعا بمنظار واحد، بل تتعامل مع من لا ينتمي إلى طائفتهم معاملة أخرى؛ فإذا قتل شخص شخصاً آخر وكلاهما من غير طائفتهم فما أسرعهم في إقامة القصاص على القاتل وتلهج ألسنتهم بآيات القرآن الكريم التي توجب العفو أو الدية أو القصاص، وتردد ذلك وسائل إعلامهم المتنوعة ويرددها أتباعهم في وسائل التواصل الإلكتروني بشكل لافت ومؤثر يوجد دعاية لاستقامة حكمهم وأنهم على شيء! أما إذا كان القاتل من غيرهم والمقتول منهم فإنهم لا يتوانون لحظة واحدة في قتل القاتل بسرعة مذهلة تقترب من سرعة البرق وبدون الرجوع إلى القضاء! ومثال ذلك ما حصل قبل سنتين؛ فقد قام أحد العناصر الأمنية التابعة لهم بقتل رجل في مدينة رداع بمحافظة البيضاء تحت غطاء أمني من سلطة الحوثيين وظل في حمايتهم عاماً كاملاً يسرح ويمرح ويجول شوارع رداع كلها بطقمه العسكري، وغاب دور القضاء الذي يتشدق الحوثيون بعدالته! ولكن عندما قام شقيق القتيل بعد طول انتظار بقتله، كان ردهم عنيفا فقد هجموا على بيته وفجروه وضربوه بالأسلحة الثقيلة وقتلوا من فيه! وهذا السلوك الحيواني المنحط بسبب عقليتهم الطائفية التي يحملونها ويحكمون الناس بها. أما إذا كان القاتل منهم والمقتول من غيرهم فإنهم يقومون بحماية القاتل ويهدرون دم القتيل، وهناك أمثلة كثيرة سنذكر منها مثالين فقط:

 

المثال الأول: قام أحد المشرفين الحوثيين بغصب أرض للشيخ أحمد سالم السكني من عمران قبل خمس سنوات، ولما شكى أمره إلى الدولة قام بقتله بدم بارد، فقامت سلطة الحوثيون بحماية القاتل وإهدار دم القتيل ولم تنفع خيام الاعتصام التي قامت بها آلاف القبائل للمطالبة بدم الشيخ السكني فضاع دمه هدراً وما زال القاتل إلى اليوم يسرح ويمرح في حماية الحوثيين!

 

المثال الثاني: قام حمير صالح رطاس فليته رئيس قسم شرطة الحائط بمديرية عيال سريح بمحافظة عمران يوم السبت 26/7/2025م بقتل الشيخ حميد منصور ردمان وهو من قبيلة أرحب من بكيل، وهو والد زوجة القاتل، وقد قتل فليته عمه حميد إثر خلاف عائلي بينهما، فقامت سلطة الحوثيون بحماية القاتل فليته وهو من قبيلة عذر من حاشد، والظاهر أن الحوثيين أوعزوا لبعض مشايخ أرحب أن يفعلوا النكف القبلي للاحتشاد على حدود قبيلة حاشد لإيجاد الفتنة بينهما لكي يوهموا الناس أن المشكلة بين القبيلتين للتغطية على جريمتهم البشعة، ثم ليقوم الحوثيون بالصلح بينهما بعد أن تدق الحرب طبولها فيكسب الحوثيون أمرين هما: الدعاية لهم وتغطية جريمتهم.

 

مع العلم أن الحوثيين لا يقيمون لشرع الله وزناً، وإلا لبادروا إلى إقامة حكم الله في القاتل وهو القصاص عاجلا غير آجل، قال الله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾.

 

فهم يلقون القبض على من أرادوا في الحال إذا كان من المخالفين لهم في الفكر والمعتقد أو من المعارضين لهم بسبب سياستهم الظالمة والفاشلة، وأما الجناة القتلة منهم المعتدون على أرواح الناس بسفك دمائهم المعصومة من دون وجه حق فلا يهمهم أمرهم لأنهم لا يشعرون بالمسئولية أمام الله تجاههم، ولا غرابة في ذلك فحكمهم قائم على التمييز والعصبية والعنصرية والعنجهية. هذا هو حال الحوثيين وأعمالهم في مناطق سيطرتهم، ولا يعني هذا أن سكان المناطق الواقعة خارج سيطرتهم وتقع تحت سيطرة الحكومة الرسمية يعيشون في نعيم ورخاء بل هم في جحيم مستعر من الفوضى والانفلات والسرقات وسوء الخدمات بل انعدامها.

 

ومعلوم أن القبائل تربط بينها روابط الإخاء والجوار والمصاهرة وقبل ذلك رابطة العقيدة الإسلامية، فهم جزء من الأمة الإسلامية العظيمة، وأبناء القبائل هم في مناصب الدولة المدنية والعسكرية وفي استطاعتهم الوقوف في وجه الحكام الظلمة في شمال اليمن وجنوبه وإسقاطهم جميعا لو رصوا صفوفهم خلف حزب التحرير وتبنوا مشروعه العظيم المتمثل في إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فهو مشروع الأمة كلها وهم جزء مهم جدا منها، فالخلافة هي التي تحل كل مشاكل المسلمين وتوحد صفوفهم ضد الكفار المستعمرين، وهي التي ستحل مشاكل الثأر حلا جذريا، وهي التي تحرر فلسطين وأخواتها كشمير وبورما وجنوب السودان وقبرص وغيرها... وهي التي سوف تطبق الإسلام في الداخل فتحل كل المشكل التي أوجدتها الأنظمة العميلة للغرب الكافر، وتحمل الإسلام رسالة نور وهدى إلى العالم كله بالدعوة والجهاد.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حاشد قاسم – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كيف تكون قبائل اليمن مَسوسة إذا كان الحوثيون سوسة؟!

 

لقد ابتلي المسلمون في زماننا هذا بأنظمة خائنة تحكم بقوانين وضعية فاسدة ما أنزل الله بها من سلطان، توالي الكافر المستعمر وتنفذ مخططاته وتحرس مصالحه وتنشر ثقافته وتحكم بقوانينه، وتفزع إليه وقت الخطر وتشعل نار الاحتراب الداخلي والفتن بين المسلمين وتظلم رعاياها وتسومهم سوء العذاب وتخون قضاياهم وتقف في صف أعدائهم...

 

وسلطة الحوثيون لا تختلف عن سائر الأنظمة الرأسمالية التي تحكم بالكفر وتزيد عليهم أنها ما زالت عقلية الطائفة هي الضابطة لكل تصرفاتهم وسلوكهم ولم ترتق إلى عقلية الدولة التي يكون تعاملها تجاه جميع الرعية معاملة واحدة وتنظر إليهم جميعا بمنظار واحد، بل تتعامل مع من لا ينتمي إلى طائفتهم معاملة أخرى؛ فإذا قتل شخص شخصاً آخر وكلاهما من غير طائفتهم فما أسرعهم في إقامة القصاص على القاتل وتلهج ألسنتهم بآيات القرآن الكريم التي توجب العفو أو الدية أو القصاص، وتردد ذلك وسائل إعلامهم المتنوعة ويرددها أتباعهم في وسائل التواصل الإلكتروني بشكل لافت ومؤثر يوجد دعاية لاستقامة حكمهم وأنهم على شيء! أما إذا كان القاتل من غيرهم والمقتول منهم فإنهم لا يتوانون لحظة واحدة في قتل القاتل بسرعة مذهلة تقترب من سرعة البرق وبدون الرجوع إلى القضاء! ومثال ذلك ما حصل قبل سنتين؛ فقد قام أحد العناصر الأمنية التابعة لهم بقتل رجل في مدينة رداع بمحافظة البيضاء تحت غطاء أمني من سلطة الحوثيين وظل في حمايتهم عاماً كاملاً يسرح ويمرح ويجول شوارع رداع كلها بطقمه العسكري، وغاب دور القضاء الذي يتشدق الحوثيون بعدالته! ولكن عندما قام شقيق القتيل بعد طول انتظار بقتله، كان ردهم عنيفا فقد هجموا على بيته وفجروه وضربوه بالأسلحة الثقيلة وقتلوا من فيه! وهذا السلوك الحيواني المنحط بسبب عقليتهم الطائفية التي يحملونها ويحكمون الناس بها. أما إذا كان القاتل منهم والمقتول من غيرهم فإنهم يقومون بحماية القاتل ويهدرون دم القتيل، وهناك أمثلة كثيرة سنذكر منها مثالين فقط:

 

المثال الأول: قام أحد المشرفين الحوثيين بغصب أرض للشيخ أحمد سالم السكني من عمران قبل خمس سنوات، ولما شكى أمره إلى الدولة قام بقتله بدم بارد، فقامت سلطة الحوثيون بحماية القاتل وإهدار دم القتيل ولم تنفع خيام الاعتصام التي قامت بها آلاف القبائل للمطالبة بدم الشيخ السكني فضاع دمه هدراً وما زال القاتل إلى اليوم يسرح ويمرح في حماية الحوثيين!

 

المثال الثاني: قام حمير صالح رطاس فليته رئيس قسم شرطة الحائط بمديرية عيال سريح بمحافظة عمران يوم السبت 26/7/2025م بقتل الشيخ حميد منصور ردمان وهو من قبيلة أرحب من بكيل، وهو والد زوجة القاتل، وقد قتل فليته عمه حميد إثر خلاف عائلي بينهما، فقامت سلطة الحوثيون بحماية القاتل فليته وهو من قبيلة عذر من حاشد، والظاهر أن الحوثيين أوعزوا لبعض مشايخ أرحب أن يفعلوا النكف القبلي للاحتشاد على حدود قبيلة حاشد لإيجاد الفتنة بينهما لكي يوهموا الناس أن المشكلة بين القبيلتين للتغطية على جريمتهم البشعة، ثم ليقوم الحوثيون بالصلح بينهما بعد أن تدق الحرب طبولها فيكسب الحوثيون أمرين هما: الدعاية لهم وتغطية جريمتهم.

 

مع العلم أن الحوثيين لا يقيمون لشرع الله وزناً، وإلا لبادروا إلى إقامة حكم الله في القاتل وهو القصاص عاجلا غير آجل، قال الله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾.

 

فهم يلقون القبض على من أرادوا في الحال إذا كان من المخالفين لهم في الفكر والمعتقد أو من المعارضين لهم بسبب سياستهم الظالمة والفاشلة، وأما الجناة القتلة منهم المعتدون على أرواح الناس بسفك دمائهم المعصومة من دون وجه حق فلا يهمهم أمرهم لأنهم لا يشعرون بالمسئولية أمام الله تجاههم، ولا غرابة في ذلك فحكمهم قائم على التمييز والعصبية والعنصرية والعنجهية. هذا هو حال الحوثيين وأعمالهم في مناطق سيطرتهم، ولا يعني هذا أن سكان المناطق الواقعة خارج سيطرتهم وتقع تحت سيطرة الحكومة الرسمية يعيشون في نعيم ورخاء بل هم في جحيم مستعر من الفوضى والانفلات والسرقات وسوء الخدمات بل انعدامها.

 

ومعلوم أن القبائل تربط بينها روابط الإخاء والجوار والمصاهرة وقبل ذلك رابطة العقيدة الإسلامية، فهم جزء من الأمة الإسلامية العظيمة، وأبناء القبائل هم في مناصب الدولة المدنية والعسكرية وفي استطاعتهم الوقوف في وجه الحكام الظلمة في شمال اليمن وجنوبه وإسقاطهم جميعا لو رصوا صفوفهم خلف حزب التحرير وتبنوا مشروعه العظيم المتمثل في إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فهو مشروع الأمة كلها وهم جزء مهم جدا منها، فالخلافة هي التي تحل كل مشاكل المسلمين وتوحد صفوفهم ضد الكفار المستعمرين، وهي التي ستحل مشاكل الثأر حلا جذريا، وهي التي تحرر فلسطين وأخواتها كشمير وبورما وجنوب السودان وقبرص وغيرها... وهي التي سوف تطبق الإسلام في الداخل فتحل كل المشكل التي أوجدتها الأنظمة العميلة للغرب الكافر، وتحمل الإسلام رسالة نور وهدى إلى العالم كله بالدعوة والجهاد.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حاشد قاسم – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ما هدف ترامب من اللقاء ببوتين؟

 

في مؤتمر صحفي بتاريخ 11/8/2025 قال ترامب: (ستكون قمة تمهيدية في الغالب... سأقول لبوتين قبل الاجتماع عليك إنهاء هذه الحرب يجب أن توقفها، ولن يعبث معي بعد الآن)، وأضاف مشيرا إلى أنه قد ينسحب من الدبلوماسية بشأن أوكرانيا (وقد أخرج بعدها وأتمنى حظا سعيدا وتنتهي القضية)، (وأنه لا يمكن تسويتها). وأشار أنه سيعرف خلال الدقائق الأولى من اللقاء ما إذا كانت هناك إمكانية للتوصل إلى سلام مع روسيا، كما أنه أعرب عن استيائه من تصريحات زيلينسكي التي أكد فيها أنه سيحتاج إلى موافقة دستورية بشأن القضايا الإقليمية، وأعلن أن اللقاء سيكون في 15/8/2025 في ولاية ألاسكا الأمريكية.

 

وقال مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف (سيركز الطرفان على مناقشة سبل تسوية طويلة الأمد للنزاع في أوكرانيا)، وأضاف أوشاكوف في تعليقه على مكان المحادثات (إن مصالح البلدين الاقتصادية تلتقي في ألاسكا والمنطقة القطبية الشمالية حيث توجد فرص لتنفيذ مشاريع اقتصادية كبيرة)، وقال ترامب في البيت الأبيض في مؤتمره الصحفي (أنا أتعامل بشكل جيد مع زيلينسكي، لكني لا أوافق على ما فعله. أعارضه بشدة، لم يكن لهذه الحرب أن تقع، ما كان يجب أن تحدث)، وأضاف: (أقلقني بعض الشيء ما قاله زيلينسكي "أحتاج إلى موافقة دستورية" لم يكن يحتاج إلى موافقة لدخول الحرب وقتل الجميع، لكنه يحتاج إلى موافقة لتبادل الأراضي. لأنه ستكون هناك بعض عمليات تبادل أراض). وقال إنه سيتصل بزيلينسكي بعد لقائه مع بوتين مشيرا إلى عدم وجود خطط لدعوة زعيم نظام كييف إلى قمة ألاسكا، وقال (سأتصل برئيس أوكرانيا ومن ثم بقادة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو).

 

هذه تصريحات ترامب قبل قمة ألاسكا مع بوتين، ويتبين منها أن هناك هدفا معلنا وآخر مخفياً لا يدركه إلا السياسي المحنك، فهو اجتماع مهم بين زعيمي بلدين يتنافسان على المصالح والمنافع، على حساب شعوب ودول العالم بغض النظر عن المشاكل التي بينهما، فالمصلحة فوق كل اعتبار.

 

ماذا يريد ترامب من هذا الاجتماع؟ هل يريد فعلا وقف الحرب في أوكرانيا؟ أم أن هناك هدفا آخر يريد تحقيقه مع روسيا بعيدا عن حرب أوكرانيا؟ وما هو هذا الهدف غير المعلن عنه؟ للجواب على ذلك أقول:

 

أولا: مكان الاجتماع له دلالة سياسية عما سيبحث في هذا الاجتماع، فألاسكا اشترتها أمريكا من روسيا عام 1867 بعد خسارة ألكسندر الثاني إمبراطور روسيا حربه مع بريطانيا، والأمر الآخر أنها منطقة في بداية القطب الشمالي، وحينما جاء ترامب أمر باستغلال الموارد في هذه الولاية وأصدر أمراً بصناعة كاسحات الثلوج والتنقيب عن المعادن بكافة أشكالها، وهي منطقة مشتركة مع روسيا في القطب الشمالي، وعليه يريد ترامب أن يقول لبوتين وزيلينسكي إنه من الممكن التخلي عن الأرض بعد خسارة حرب وأن روسيا سابقا فعلت ذلك، فلا ضير من فعله مجددا، ويقول لزيلينسكي ها هم الروس تخلوا عن أرض بعد الهزيمة وأنت كذلك.

 

ثانيا: إن اجتماع القمة لن يخرج منه شيء عن الموضوع المعلن ألا وهو وقف الحرب في أوكرانيا، فهذه حرب معقدة لعدة أسباب:

 

1-  موقف الروس ثابت لم يتغير ولا يريدون التنازل عما أخذوه من الأراضي (القرم وأربع مقاطعات في أوكرانيا) وهذا معلن غير مخفي وهو على ألسنة السياسيين الروس، وبالمقابل فإن زيلينسكي كما ورد في التصريحات آنفا لا يستطيع أن يتنازل، ولهذا نجد أن ترامب هاجمه وانتقده بشدة.

 

2-  موقف الاتحاد الأوروبي موقف معارض لوقف الحرب، لأن ترامب أقصاهم وأصبحوا لاعبين صغاراً، فهم نكايةً في ترامب يدعمون زيلينسكي بقوة ويقولون له لا تتنازل، وبالذات الخبث البريطاني، وجاءت هذه المواقف على لسان مسؤولين في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وروسيا، وهذه بعضها: بيان للسفارة الروسية في لندن (المحاولات المستمرة من جانب لندن وبعض شركائها لعرقلة التسوية السلمية للنزاع من خلال القضاء على أسبابه الجذرية)، وأضاف: (يتضح ذلك من خلال الأنشطة التي قامت بها القيادة البريطانية) قبيل القمة الروسية الأمريكية في ألاسكا، ويؤكد هذا الخط النهج الانتهازي للعواصم الأوروبية التي تقول علينا الاستمرار في استخدام أوكرانيا ضد روسيا، وأيضا إعلان أوروبا بشأن القمة المزمع عقدها في ألاسكا: (إن النجاح في تحقيق السلام في أوكرانيا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الضغط على روسيا والاستمرار في دعم أوكرانيا)، وأيضا تصريحات مارك روته الأمين العام لحلف الناتو (دعا إلى رفض الاعتراف القانوني بضم الأراضي الجديدة إلى روسيا)، وصرح الممثل الدائم لأمريكا في حلف الناتو ماثيو ويتكر في تعليقه على رفض رئيس أوكرانيا تقديم تنازلات إقليمية (إن على طرفي النزاع في أوكرانيا الموافقة على إنهائه)، وقالت زخاروفا تعليقا على بيان قادة الاتحاد الأوروبي (إنه ليس إلا أحد المنشورات النازية الدورية).

 

فنجد هنا تناقضا صارخا بين موقف أوروبا وأمريكا وموقف أوروبا وروسيا، فهذه تصريحات نارية لا توحي أن هناك حلا في الأفق لهذه الأزمة، وروسيا تعتبر أن أوكرانيا حديقتها الأمامية وهي خط الدفاع الأول عنها ولن تسمح بدخول حلف الناتو رسميا إلى أوكرانيا وإنشاء قواعد له وانضمام أوكرانيا للحلف، فأمام ترامب مهمة صعبة جدا في الجمع بين الأطراف، وأما التصريحات المتفائلة منه ومن نائبه ومن ستيف ويتكوف وأمين عام الناتو فكلها لا تعدو عن آمال، حتى إن بذور فشل القمة في هدفها المعلن موجود وهو استبعاد زيلينسكي واستبعاد الاتحاد الأوروبي وتصلب الموقف الروسي.

 

3-  هناك سبب آخر ألا وهو وجود معارضة قوية في أمريكا وتيار يؤيد عزل روسيا وليس الانفتاح عليها، بل محاصرتها ومعاقبتها مثل ما فعلت إدارة بايدن، وهذا التيار موجود حتى بين أعضاء الحزب الجمهوري وفي الدولة العميقة، فهؤلاء لا يرون الانفتاح على روسيا بل خنقها، وبخاصة بعد انفتاح روسيا على الصين، فهذا التيار يريد تبني حرب أوكرانيا لإشغال روسيا وتهديد أوروبا وإبقائهم تحت السيطرة، ولكن ترامب له رأي آخر هو والدولة العميقة الجديدة أصحاب رؤوس الأموال الجشعين.

 

ثالثا: إذن ما هو الهدف الحقيقي من انعقاد القمة؟ إن الهدف من انعقاد القمة هو استغلال موارد القطب الشمالي بشكل مشترك، ولهذا أعلن ترامب أنه يمكن أن نعلن عن اتفاق، ولم يوضح ما قصده، فهو يقصد استغلال القطب الشمالي والإعلان عن اتفاق بينه وبين روسيا، ويقضي الاتفاق أن تقدم موسكو لواشنطن المساعدة في تطوير واستثمار الموارد في منطقة القطب الشمالي وفي المقابل سيدعم ترامب شروط روسيا التي سيتعين على زيلينسكي قبولها من أجل إنهاء الصراع في أوكرانيا، وهذا سيجعل أوكرانيا غاضبة جدا بسبب اتفاقية القطب الشمالي المرتبطة بالحل في أوكرانيا.

 

صرح رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل ديميترييف (أن روسيا وأمريكا قادرتان على التعاون بنجاح في القطب الشمالي)، وأضاف (القطب الشمالي بالغ الأهمية، يجب على روسيا وأمريكا إيجاد أرضية مشتركة لضمان الاستقرار وتنمية الموارد وحماية البيئة)، وختم قائلا (التعاون ليس خيارا بل ضرورة، العالم يراقب). إذن الموضوع اقتصادي واستثمار موارد في هذه القمة، وبيع أوكرانيا في مزاد علني، وكأن بريطانيا وأوروبا تعلم بهذا، ولذلك دعوا زيلينسكي إلى التصلب وعدم التنازل، ولا يملك ترامب أمام الروس إلا ورقة أوكرانيا ليأخذ مقابلها خيرات القطب الشمالي، فهل يا ترى ينجح في ذلك؟

 

سيعمل ترامب على توقيع اتفاق القطب الشمالي ويعطي الوعود لروسيا في أراضي أوكرانيا دون حل جذري، فهو معني جدا بالاتفاق القطبي ولتذهب روسيا إلى الجحيم، ولتبقى الحرب سنوات أخرى، وهذا ما عبرت عنه مجلة فورين بوليسي في مقال تحليلي قبل أشهر وكاتبه من الخبراء قال: (السياسة الأمريكية الرامية إلى زيادة عزلة روسيا يمكن أن تسرع التعاون بين روسيا والصين في القطب الشمالي)، وهذا ما هو حاصل الآن، فقد مكنت روسيا الصين من استثمار موارد القطب الشمالي، وهناك تقارير وإحصاءات تؤكد هذا القول، والذي دفع روسيا إلى هذا هو حرب أوكرانيا، والاتفاقيات التي وقعها بوتين مع الصين بلغت أربع اتفاقيات استراتيجية مكنت روسيا من الصمود في وجه الضغوط والعقوبات الغربية، وسال لعاب الصين على موارد القطب الشمالي، فلما جاءت إدارة ترامب تخلى عن سياسة عزل روسيا وأراد أن يفتح معها علاقات تجارية، وهو صاحب الصفقات والمنافع المادية، فأخذ برأي القائلين إنه لا يجوز عزل روسيا وإلجاؤها إلى الصين، وبدأ علاقة جديدة مع بوتين وفتح قنوات اتصال وبدأ بإقناع أوكرانيا بالموافقة على خططه، فالاتجاه اليوم عند الإدارة في هذه القمة إغراء روسيا وعزلها عن الصين والحيلولة دون تشكل تكتل ضخم مع موارد ضخمة لا تستطيع أمريكا الوقوف في وجهه، فالمتوقع استمرار ترامب في محاولاته فتح آفاق جديدة مع روسيا بالرغم من وجود عقدة أوكرانيا، ويمكن مستقبلا أن يفصل بينهما، فهذه الإدارة متوحشة تريد أن تستولي على خيرات العالم وتستخدم في سبيل ذلك أساليب متعددة، وحمل العصا والجزرة وشعار (لنجعل أمريكا عظيمة) وشعار (السلام بالقوة) هو شعارها وسيفها المسلط على العالم.

 

أما نحن فنقول ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾، فالنصر قادم وستقام دولة الخلافة وسيبلغ ملكها ما بلغ الليل والنهار، وستعمل على إفشال مخططات هؤلاء المتوحشين، وستفشل مساعيهم وتقف في وجههم بكل حزم واقتدار وشموخ، وسيزول بإذن الله رسم أمريكا من العالم وستنكفئ على نفسها وسنلاحقها إلى عقر دارها كما فعل سلفنا الصالح حينما دخلوا أبيض كسرى ودخلوا بلد هرقل مكبرين مهللين، فهو تحقيق لوعد الله سبحانه وبشرى رسوله ﷺ.

 

﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سيف الدين عبده

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل

×
×
  • اضف...