اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

مقالات من المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير - متجدد


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

السودان: مأساة القرن المُغيّبة عن أنظار العالم

 

غابت دولة الإسلام الحامية لرعيّتها، فعاش المسلمون في شقاء وعذاب وكوارث في شتى أنحاء العالم، ومنها السودان التي تعيش حالياً واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث نتيجة للقتال الدامي المستمر منذ عامين بين الجيش وقوات الدعم السريع، والذي أدى إلى مآسٍ مروّعة لا أحد يتحدث عنها أو يحاول إيقافها. قتال منسيّ لا يُلقي الإعلام عليه الضوء ولا تكشف دواخله دولة أو حتى مؤسسات.

 

فالأهالي يتعرضون لانتهاكات جسيمة تشمل القتل الجماعي والنزوح واللجوء القسري والمجاعة والأمراض والعنف الجنسي وغيرها من مصائب، وليس من رقيب ولا حسيب!

 

فمع ارتكاب الفظائع من كلا الطرفين المتحاربيْن، تشير التقديرات إلى وجود أرقام صادمة من القتلى والجرحى خاصة بين النساء والأطفال وكبار السن، وقد قُدّرت أعداد القتلى بما لا يقل عن 150,000 شخص، منهم أكثر من 60,000 في ولاية الخرطوم وحدها خلال أول 14 شهراً من النزاع.

 

وتجاوز عدد الجرحى 70,000 شخص، مع صعوبات كبيرة في الحصول على الرعاية الطبية بسبب انهيار النظام الصحي وتوقف 70-80% من المؤسسات الصحية عن العمل، وتفشّي أمراض مثل الكوليرا والحصبة والإسهال. وكذلك فقد انهار التعليم؛ فهناك ما يقرب من 20 مليون طفل في السودان اليوم خارج المدارس.

 

وشهدت مناطق عديدة مذابح مروعة وعمليات إعدام بدم بارد واختطاف وتعذيب بمن فيهم الأطفال، ومنها مجازر ود النورة والهلالية وجلقني والسريحة وتمبول ومعسكر زمزم وقرى شمال دارفور والجنينة واردمتا وقرى بولاية النيل الأبيض بوسط البلاد، والتي أدت إلى مقتل آلاف المدنيين وتشريد مئات الآلاف منهم. ويُضاف إلى ذلك جرائم العنف الجنسي واغتصاب جماعي ضدّ النساء والفتيات وحتى الأطفال.

 

وقد أدى هذا القتال إلى نزوح أكثر من 14 مليون شخص، وفقاً لمنظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة؛ منهم أكثر من 11 مليون نازح داخل السودان، وأكثر من 3 مليون لاجئ فروا إلى دول مجاورة مثل مصر، وإثيوبيا، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وتشاد، وحتى الأردن.

 

ويمثل الأطفال 53% من النازحين داخلياً، ما يجعل السودان أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، حيث يشكل النازحون حوالي ثلث سكان السودان البالغ عددهم حوالي 50 مليون نسمة. وتفتقر مخيمات اللاجئين إلى الخدمات الأساسية، فهم يعانون من نقص في الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية. كما تتعرض هذه المخيمات لهجمات متكررة، ما يزيد من معاناة النازحين.

 

وقد أدى هذا كله إلى أزمة غذاء حادة، خاصة أن كلا الجانبين يستخدمان الجوع كسلاح حرب من خلال منع دخول الغذاء إلى المناطق التي يسيطر عليها، حيث يحتاج حوالي 25 مليون شخص - أي نصف السكان تقريباً - إلى مساعدات غذائية، خاصة في مخيمات النازحين. وهناك مئات الآلاف من الأطفال يعانون من سوء تغذية حاد، وعدد كبير منهم معرض للموت. حيث تشير التقارير إلى أن حوالي 3.7 مليون طفل في السودان يعانون من سوء التغذية، مع توقعات بزيادة هذا العدد إذا استمر الوضع هكذا، واحتمال وفاة نحو 220,000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد.

 

أي أن السودان التي اعتُبرت أنها السلة الغذائية للعالم لوفرةِ الأراضي الزراعية والمياه والمواشي فيها أصبح أهلها يعانون الجوع والفقر والمرض والتشريد، وأصبحت تواجه أكبر كارثة إنسانية من جميع النواحي نتيجة الحرب اللعينة بين الجيش وقوات الدعم السريع، لاستمرار تحقيق مطامع سيدتهم أمريكا في السودان وثرواتها، والتي يدفع ثمنها الباهظ فقط أهل السودان المنكوبون.

 

وسيبقى هذا القتال قائماً في السودان وغيرها من بلاد المسلمين ما دامت الأطماع الاستعمارية قائمة، والحكام الرويبضات يجثمون على صدورهم. فاعملوا أيها الناس على خلعهم وإيجاد دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة لتتحرر السودان وكل بلاد المسلمين من ربقة الاستعمار بكل أشكاله وأساليبه. قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾.

 

وكما أخرج ابن ماجه بسنده إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسولُ اللهِ ﷺ فقال: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ: خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ؛ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ عَدُوّاً مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ إِلَّا جَعَلَ اللهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ». وهذا والله وضعنا وحالنا في البلاد الإسلامية منذ غياب شمس الخلافة والراعي والقائد الذي يحكم بشرع الله ودينه.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مسلمة الشامي (أم صهيب)

رابط هذا التعليق
شارك

  • الردود 314
  • Created
  • اخر رد

Top Posters In This Topic

  • صوت الخلافة

    315

بسم الله الرحمن الرحيم

خيانة الدول العربية: تصدير الأغذية للعدو الغاصب الذي يُجَوِّع أهل غزة!

 

 

في مشهد يُدمي القلوب ويُبكي العيون، يُقتل أهل غزة جوعاً وقصفا، بينما تصدّر الدول العربية الخضروات والفواكه والزيوت إلى الكيان الغاصب، وتفتح له أبوابها التجارية مشرعة، فتزوّده بالوقود والغذاء اللازم لمواصلة عدوانه، وتمنع ذلك عن أطفال غزة الذين يصرخون من الجوع والمرض والعطش! إنها صورة تجلّي الخيانة العظمى في أبرز صورها.

 

كشفت تقارير رسمية موثقة من مصادر دولية متعددة مثل (COMTRADE، Middle East Eye، Morocco world news) أن دولاً عربية عدة - أبرزها مصر، والمغرب، والإمارات، والأردن - تواصل تصدير منتجات غذائية إلى كيان يهود في ذروة عدوانه على غزة. فتصدّر مصر وحدها تحضيرات غذائية بقيمة ملايين الدولارات شهرياً، والمغرب ترسل العصائر والسكريات، والإمارات تصدر سلعاً متنوعة عبر الممر البري، بينما تُغلق المعابر وتُمنع المساعدات من الوصول إلى أهلنا المحاصرين في غزة.

 

أي خيانة أعظم من أن يُجَوَّع المسلم ويُطعم العدو؟! أي عار هذا الذي يجعل الخضار المصرية والمغربية تُعرض في أسواق يهود، بينما لا تجد أسر غزة حبة طماطم أو كيس طحين؟!

 

إن كيان يهود هو كيان غاصب لأرض المسلمين، وجوده في فلسطين حرام شرعاً، وهو عدو يجب قتاله لا محاورته، واستئصاله لا التعايش معه. وما يقع في فلسطين هو عدوان على أرض الإسلام، وقتل لإخواننا المسلمين، والواجب الشرعي تجاهه ليس البيانات ولا الشجب ولا تصدير الخضروات، بل تحريك الجيوش لقتاله واقتلاعه من الجذور. وإن أي علاقة؛ تجارية كانت أو سياسية أو أمنية مع كيان يهود هي خيانة لله ورسوله، وهي نقض للعقيدة الإسلامية، وموالاة للكافرين، قال ﷺ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ»، فكيف تُسلم الأنظمة إخواننا في غزة وهم يُذبحون جوعاً، بينما تمدّ العدو بالغذاء؟!

 

لم يعد خافياً أن هذه الأنظمة لا تحاصر غزة فقط، بل تحاصر الأمة كلها. فبينما تُغلق معبر رفح بوجه الجرحى والمساعدات، تُفتَح المعابر التجارية أمام منتجات كيان يهود والعلاقات الاستخباراتية. وحين يُطلب من هذه الأنظمة السماح بمرور القوافل الإنسانية تُماطل وتختلق الأعذار، لكنها تُسهّل مرور المنتجات إلى ميناء حيفا!

 

وفي الوقت الذي يُمنع فيه إدخال أكياس الحليب لأطفال غزة، تُرسل شاحنات السكر والعصير إلى أسواق المحتل، في مشهد يجعل حتى العدو يستغرب من سخاء هذه الأنظمة، ويعترف - كما ورد في صحيفة "ذا ماركر" العبرية - أن مصر تصدّرت قائمة الدول العربية التي ضاعفت صادراتها لكيان يهود رغم العدوان على غزة. فأي عار أكبر من أن يخرج العدو نفسه ممتناً للأنظمة العربية على دعمها الاقتصادي في ظل الحرب؟!

 

إن الواجب الشرعي اليوم على جيوش المسلمين أن تتحرك فوراً لتحرير فلسطين كاملة، من النهر إلى البحر، وإسقاط الأنظمة التي تُطبع وتخون وتُغلق الأبواب بوجه الدم المسلم وتفتحها للعدو. ففلسطين لا تحرر بالتفاوض، ولا بالمساعدات، بل بالقوة، وما يقع اليوم في غزة لا يُحتمل، ويجب على كل مسلم قادر أن يتحرك في وجه أنظمة الخيانة، ويدعو الجيوش للانقلاب على حكامهم الخانعين، وإقامة الخلافة الراشدة التي توحّد الأمة وتقتلع كيان يهود اقتلاعاً.

 

إن التطبيع، والتبادل، واتفاقات التجارة الحرة، والممرات البرية... كلها تسميات خادعة لحقيقة واحدة: التحالف مع العدو المحتل ضد الأمة. وهذه العلاقات لا يجوز تبريرها بمصالح اقتصادية أو اتفاقات دولية، لأن كل ما يُخالف حكم الله فهو باطل. ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْوالنصوص القطعية في تحريم التبادل مع العدو الحربي، وتحريم تسليمه ما يُقويه أو يُعينه على الظلم، لا تقبل التأويل. بل إن ديننا يحرم بيع العنب لمن يتخذه خمراً، فكيف بمن يبيع الغذاء والدواء لمن يقتل أهل الإسلام؟!

 

أيها المسلمون، يا أهل الكنانة، يا أهل المغرب، يا أهل الشام، يا أهل الخليج... إن ما يجري في غزة هو امتحان عظيم، وإن الأمة اليوم تعيش لحظة فارقة، فإما أن تنتصر لأرضها ودينها وتحرّر مقدساتها، أو تستمر تحت نير الخيانة والذل.

 

إن الجيوش التي تملك القوة هي القادرة على الحسم، وإن سكوتها عن نصرة فلسطين جريمة، ومشاركتها في تصدير الغذاء للعدو خيانة كبرى. قال ﷺ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ ...». وإن أكبر المنكرات اليوم هو بقاء كيان يهود قائماً، ودعم العدو المحتل بالمواد الغذائية، وتجويع أهل غزة، وخيانة الحكام المتواطئين.

 

ورغم هذا الواقع المظلم وما فيه، فإن الأمة لم تمت، وإن شعوب المسلمين تُدرك من هو عدوها ومن خانها، وتتحين اللحظة للانقضاض على الطغاة والعملاء، وإعادة سلطان الإسلام، وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تُنهي هذه المهزلة، وتحرر المسجد الأقصى، وتعيد فلسطين كاملة إلى حضن الأمة.

فليكن صراخنا:

 

جوع أهل غزة لا يقابله إلا زحف الجيوش لا تصدير الغذاء لليهود.

نصرة فلسطين لا تكون بالمفاوضات، بل بالسلاح والدماء والتضحيات.

العلاقات مع كيان يهود خيانة، مهما تلونت بالأسماء.

الجيوش إلى الأقصى، إلى تحرير المقدسات ونصرة المستضعفين.

 

﴿انْفِرُوا خِفَافاً وَّثِقَالاً وَّجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمود الليثي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لن يتحقق النصر ويعم الأمان إلا بالالتزام بأوامر الله

 

استهل وزير الأوقاف السوداني الجديد بشير هارون عبد الكريم بتوجيه خطاب رقم (١) بتخصيص خطبة الجمعة لنصرة القوات المسلحة ودعم المناطق المحاصرة.

 

وهو قائد في حركة جيش تحرير السودان وعضو في الهيئة القيادية لتحالف السودان، وجاء تعيينه ضمن الحصة الجديدة للحركات المسلحة في حكومة الأمل التي يرأسها كامل إدريس في إطار تنفيذ اتفاقية جوبا لتقاسم السلطة مع الحركات المسلحة.

 

جاء في الخطاب الموجه إلى خطباء الجمعة:

 

في إطار واجب الوزارة الديني والوطني في دعم قواتنا المسلحة الباسلة والقوات المساندة لها، وفي ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد ومن استهداف داخلي وخارجي نوجه السادة الخطباء والأئمة في جميع مساجد السودان بالداخل والخارج تخصيص خطبة يوم الجمعة الموافق ١/٨/٢٠٢٥ على النحو التالي:

 

الجزء الأول من الخطبة: التأكيد على الدور البطولي الذي تقوم به القوات المسلحة والقوات المساندة لها في الدفاع عن الوطن وأمن المواطن مع الدعوة للوقوف صفا واحدا خلفهم والدعاء لهم بالنصر والثبات.

 

الجزء الثاني من الخطبة: التذكير بالمناطق المتأثرة والمحاصرة من مليشيا الدعم السريع وعبد العزيز الحلو وما يعانيه المواطنون من حصار وظروف إنسانية قاسية في (الدلنج - كادقلي- بابنوسة - الفاشر) مع الدعوة الصادقة إلى الله بنصرهم وفك كربهم.

 

وتعليقا على ذلك نقول:

 

ابتداءً فإن منبر الجمعة، هو منبر رسول الله ﷺ لقول الحق والحقيقة وعدم التدليس والتضليل، ويتبني قضايا المسلمين ويكون له الرأي والتوجيه في النوازل وفق أحكام الشرع الحنيف منضبطا بتوجيه الوحي (الكتاب والسنة) وليس استجابة لرغبة السلطان والدولة، ويقوم بترسيخ الدعوة للعيش في ظل أنظمة الإسلام السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية ومنها الجانب العسكري.

 

لقد أوجب الإسلام أن تكون القوى المسلحة في الدولة قوة واحدة هي الجيش ومنها الشرطة لحفظ الأمن الداخلي وأن تكون عقيدة الجيش هي العقيدة الإسلامية، ووظيفته الجهاد في سبيل الله لحمل الإسلام، وحماية سلطان الدولة. ولا يجوز أن تتعدد الجيوش، وأن تكون هناك قوى مسلحة ذات وجهة جهوية أو قبلية أو إثنية كما الحال اليوم في السودان، وهو الذي يتسبب في التوترات والانفجارات الأمنية والحروب، وقوات الدعم السريع أسوأ مثال على ذلك لما يحدث الآن في البلاد. إن تعدد الجيوش يعرض أمن واستقرار البلاد للتهديد وعدم الاستقرار ويؤدي إلى التفكك والتمزيق والتفتيت وفق مخططات القوى الغربية المتربصة بالسودان وباقي بلاد المسلمين قاطبة (حدود الدم).

 

أما فيما يتعلق بما تعيشه بعض المدن وسكانها من حصار القوى المتمردة والتضييق عليهم في الطعام والشراب والخدمات وما يقومون به من التنكيل والقتل والتجويع، فيجب على الجيش والدولة العمل للقضاء على هذه الحال وإزالة خطر وتسلط هذه القوى المتمردة ونشر الأمن والطمأنينة، وتمكين الناس من العيش الكريم، وهذا يوجب علينا أن نعيش في ظل دولة مبدئية لا وظيفية تحقق مصالح الاستعمار وتفرط في مصالح الرعية، دولة تطبق نظاماً يقوم على عقيدة أهل البلاد، عقيدة الإسلام العظيم، بمبايعة خليفة للمسلمين، فهو الذي يوحد القوى المسلحة المختلفة والمتنوعة في جيش واحد عقيدته الإسلام وليس منطلقه جهويا أو قبلياً أو إثنياً، وتكون وظيفته القتال في سبيل الله ويكون سند النظام السياسي (الخلافة) في مواجهة مؤامرات الدول الغربية الطامعة في بلادنا الساعية إلى تمزيقه وتفتيته عبر زرع ورعاية حركات ومليشيات قبلية وجهوية، ومنحها شرعية عبر الاتفاقيات مع الدولة وإشراكها في الحكم والسلطة، واتفاق نيفاشا الذي هندسته أمريكا ماثل بيننا وقد نتج عنه فصل جنوب السودان. وما تخطط له أمريكا الآن عبر هذه الحرب التي أشعلتها بين الجيش وقوات الدعم السريع تدل على إقدامها على فصل دارفور، لا قدر الله، إذا لم يستيقظ المخلصون في الجيش ويقلبوا الطاولة على المتآمرين، وتمكين حكم الإسلام المتمثل في الخلافة التي يعمل لها حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله.

 

يا أهل النصرة: إلى عز الدنيا والآخرة ندعوكم، لإقامة صرح الإسلام العظيم؛ الخلافة التي بها نقطع يد الغرب التي تمتد لبلادنا تمزيقا وتقطيعا ونهبا لثرواتنا وإشعالا للحرائق والفتن بين مكونات أهلنا، الخلافة الثانية التي هي وعدنا بها ربنا سبحانه وبشرى حبيبنا محمد ﷺ:

 

قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، وقال رسول الله ﷺ: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ. ثُمَّ سَكَتَ».

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبدالله حسين (أبو محمد الفاتح)

منسق لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

القضاء والقدر وحامل الدعوة

فهمٌ راسخ وسيرٌ لا يلين

 

في زمان كثُر فيه الإحباط، وتراكمت على كاهل الأمة الابتلاءات، وغدت الطريق إلى التغيير محفوفة بالمخاطر والمصاعب، تبرز حاجة حامل الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية لفهم عميق للقضاء والقدر، فهماً يرسخ اليقين، ويمنح الثبات، ويصنع الشخصية التي لا تهزّها العواصف، ولا تحرفها عن هدفها الأهوال.

 

إنَّ الحديث عن القضاء والقدر ليس ترفاً فكريّاً، ولا نقاشاً فلسفيّاً يُخاض من أجل الجدل، بل هو أصل من أصول العقيدة الإسلامية، له أثر مباشر في سلوك المسلم، لا سيما حامل الدعوة، الذي نذر نفسه لله تعالى ليقيم دينه في الأرض ويعيد سلطان الإسلام المغتصب.

 

فكل ما يحدث في الكون من حياةٍ وموت، وغنىً وفقر، وصحةٍ ومرض، وزلازل وبراكين، هو قضاء من الله. أما ما اختص به الإنسان من أفعالٍ يملك القيام بها أو الامتناع عنها، فهي من فعله وكسبه، ويحاسب عليها.

 

وأفعال الإنسان بين دائرتين؛ دائرة فوق قدرته وإرادته، أي لا قدرة له عليها، ودائرة تحت إرادته وقدرته، وإنّ أفعال الإنسان التي تقع تحت قدرته وإرادته، هي من كسبه، ويحاسب عليها... وإنّ القضاء هو ما لا قدرة للإنسان عليه من أمور الحياة والموت والرزق وما شابه.

 

حين يدرك حامل الدعوة هذا الفهم العميق للقضاء والقدر، فإنه يتحرر من الشعور بالعجز، ويعلم أن التغيير ليس مُحتّماً وقوعه لمجرد أنه قدّر في علم الله، بل هو مرتبط بإرادة التغيير لدى البشر وأفعالهم ضمن المشيئة الإلهية.

 

لذا، لا يستسلم حامل الدعوة للمصاعب ولا يبرر تقاعسه بالقَدَر، ولا يقول كما يقال: "هذا قدرنا"، بل يعلم أن الله خلقه حرّ الإرادة، مكلَّفاً مأموراً، وأن عليه أن يعمل لإقامة شرعه، وأن يُحاسَب على تقصيره إن قصّر.

 

فليس صحيحاً ما يقوله البعض من أنّ الإنسان مجبر على أفعاله، فالله جعل له إرادة، وأعطاه العقل، وبيّن له الطريق، وأمره ونهاه، ثم يُحاسبه على فعله. فلو كان مجبراً لما صحّ الحساب.

 

تاريخ الأمة الإسلامية مليء بالنماذج التي عاشت هذا الفهم، فانطلقت بقوةٍ للعمل لتغيير الواقع، فلم تسيطر عليهم القدرية الغيبية ولم يكن القضاء والقدر حجّةً للتقاعس. فالنبي ﷺ مع علمه بأنه رسول الله المختار، وبأن النصر والتمكين وعد متحقق لا محالة، لم يتواكل، بل تحمّل الأذى، وصبر على البلاء، وربّى أصحابه على السعي والعمل، وخطّط، وهاجر، وأقام الدولة في المدينة.

 

ولمّا واجه الصحابة مصائب عظيمة كأحد أو حنين أو مقتل القادة، لم يقولوا: "هذا قدر الله فلنترك السعي"، بل كانوا يعلمون أن النتائج بيد الله، وأن المطلوب منهم هو السعي والعمل وفق أوامر الله في طاعة مطلقة.

 

إنّ الإيمان بالقدر يجب أن لا يؤدي إلى التواكل، بل يدفع للعمل، لأنّه يعني أن الله يعلم ما كان وما سيكون، ولكنه لم يُجبر الإنسان على فعله، بل قدّره بعلمه وإحاطته، وترك له حرية الاختيار.

 

وإن من أخطر ما ابتُليت به الأمة اليوم هو الانحراف في فهم القدر، حتى صار بعض أبنائها يتذرعون به للهروب من المسؤولية، فيقولون: "ما يحدث لنا من ذلّ واحتلال وتبعية هو قدر الله، ولا يمكن تغييره".

 

وهذا الفهم باطل، ومخالف للكتاب والسنة. فالله لم يأمرنا بالركون بل قال سبحانه: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾، وقال عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾.

 

ومن ظنّ أن الذلّ والهوان الذي نعيشه اليوم هو قضاء لا يُردّ، فقد كذّب نصوص الوحي، وألغى مسؤولية الإنسان، وجعل الشريعة عبثاً، وحاشا لله أن يأمرنا بإقامة الدولة ثم يمنعها قهراً، أو يكلفنا بما لا نستطيع أو ما هو فوق طاقتنا.

 

إن حامل الدعوة يعيش في واقع مليء بالمحن؛ يُطارد، يُسجن، يُفصل من عمله، يُخوَّن، وتُحارب فكرته من كل اتجاه. وهنا يظهر الأثر الحقيقي لفهم القضاء والقدر.

 

إنه يعلم أن الأذى قَدَر، وأن الرزق قَدَر، وأن النصر قَدَر. لكنّه في الوقت نفسه يعلم أن تكليفه بالدعوة هو أمر واجب وتقاعسه عن القيام به إثم، وكل بلاء يقع عليه في هذا السبيل سيكون مكافأة له أمام الله، وأن الله لن يسأله لِمَ لم تُنصر؟ بل سيسأله هل حملتَ الدعوة كما أُمِرت أم قصرت فيها؟

 

فهو يسير في درب طويلة، لا يرجو إلا وجه الله، ويعلم أن القتل أو الحبس أو التشريد ليس إلا أجلاً كُتب له لن يتقدم ولن يتأخر، فيحمل الدعوة بثبات، ويقول كما قال ﷺ: «وَاَللَّهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ».

 

إن القضاء والقدر في الإسلام ليسا عائقاً في طريق التغيير، بل دافع للعمل بإخلاص وطمأنينة، لأنه يُرسي في القلب أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن صدقت مع الله، فإنك موعود بالنصر ولو بعد حين.

 

إن حامل الدعوة إذا جمع بين الإيمان بالقدر والعمل الجاد، وبين السعي الدؤوب والتوكل على الله، فإنما يسير على طريق محمد ﷺ، ويكون من جيل التمكين، لا من جيل التبرير.

 

وختاماً، نقول لحملة الدعوة:

 

اعملوا، وجدّوا، واصبروا، فأنتم على حق، وإن الله ناصرٌ دينه بكم أو بغيركم، فاجعلوا أنفسكم من جنده المختارين، الذين يُحسنون الفهم، ويُتقنون العمل، ويثبتون مهما اشتدت العواصف، ووالله لَتُقيمَنّ هذه الأمة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة قريبا، شاء من شاء وأبى من أبى.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمود الليثي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قتل امرئٍ في غابةٍ جريمةٌ لا تُغتفر

وقتلُ شعبٍ كاملٍ قضيةٌ فيها نظر!

 

إنّ هذا التناقض، وهذه الازدواجية في سياسة المعايير، تفضحان التواطؤ العالميَّ المسخ.

 

فعندما يُقتل فردٌ في مكانٍ ما، يستنفر العالمُ، وتُعقد المؤتمرات، أما حين يُقتل شعبٌ بأكمله، يُفتح باب النقاش والجدل والبيروقراطية السياسية.

 

يجتمع مجلسُ الخيانةِ ليتداول موضوع أسرى يهود لدى حماس، بناءً على طلب من كيان يهود، بينما أهل فلسطين يموتون جوعاً، وتُهدَم مدنُهم فوق رؤوس ساكنيها، ويُدفنون أحياءً، أمام صمتِ العالم.

 

الانتقائيةُ في تحريك المؤسسات الدولية، كالأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وغيرهما، تُسَخَّرُ لنصرة الظالم على مرأى العالم. حيث يُسلَّط الضوء على أسرى من جانبٍ واحد، في حين يتجاهل العالم معاناةَ ملايين البشر تحت الاحتلال، والحصار، والدمار.

 

إنها ازدواجيةٌ في المعايير، تُحوِّلُ قضيّةَ قتلِ شعبٍ كامل إلى "وجهة نظر"، في عالمٍ تتصدّر فيه "حقوق الإنسان" شعاراتِ المنابر الدولية.

 

لقد بات واضحاً أن قيمة الإنسان عندهم لا تُقاس بإنسانيته، بل بجنسيته، أو مدى قربه من مصالح القوى الغربية، وعلى رأسها زعيمة الديمقراطية أمريكا!

 

إن هذه المفارقة لم تَعُد مجرّد استعارة بلاغية، بل واقعٌ نعيشه كلَّ يوم. فعندما يُقتل شخصٌ بريء، تتحرّك كاميراتُ الإعلام، وتُكتب التقارير، وتُعقد الاجتماعات؛ لكن حين يُقصف حيٌّ كامل في غزّة، أو تُبادُ عائلاتٌ تحت الأنقاض، أو يُدفن أطفالٌ أحياءٌ تحت الركام، يصبح المشهد "موضع تحقيق"، وتُعاد صياغة العناوين لتتحدث عن "اشتباكات"، أو "تصعيد"، أو "حق الدفاع عن النفس"!

 

والأدهى من ذلك، أن ينعقد مجلسُ الخزي والعار الدوليّ ليتداول موضوع الأسرى لدى حماس، بينما يموت عشرات بل مئات الفلسطينيين يومياً!

 

لا أحد يتحدث عن الأسرى الفلسطينيين الذين قضوا أعمارهم خلف القضبان، لا لشيء سوى أنهم دافعوا عن أرضهم وعرضهم. ولا أحد يُحاسب القنابل "الذكية" التي تُلقى على مخيمات اللاجئين!

 

إن هذه الازدواجية ليست فقط أخلاقية، بل قانونية أيضاً، فالقانون الدوليّ - كما يزعمون - وُضع ليُطبَّق على الجميع، لكنه بات يُطبَّق انتقائياً، وفق هوى القوى الكبرى.

أقولها بمرارة: إنها وصمةُ عارٍ في جبين الحضارة الغربية!

 

ويحقّ لنا أن نتساءل: هل دم الفلسطيني أرخص؟ هل باتت مقاومةُ الاحتلال - في دساتيركم - إرهاباً، بينما الاحتلال نفسُه يُبرَّر؟ هل أصبحت قيمة الإنسان تُحدَّد وفق ما يقرّره الإعلام؟

 

إنّ صمتَ العالم عن هذه المآسي لا يعني جهلاً بها، بل تواطؤاً ضمنياً. وما دام في هذا العالم من يرى أنّ قتلَ شعبٍ كاملٍ "قضية فيها نظر"، فإنّ الإنسانية التي تتغنون بها ليست سوى كذب وافتراء!

 

 أيها المسلمون: لو كان لنا كيانٌ يدافع عنّا وعن كرامتنا، لما احتجنا اليوم إلى الرجوع إلى مجالس الأمم، نستجدي منها إيقافَ نزيف دم إخواننا.

 

إن غياب دولتنا وعزّتنا وكرامتنا هو ما جعل دماءنا تُستباح، وأصواتنا تُهمَّش، في عالم لا يعترف إلا بالقوة، ولا يحترم إلا من يملك القرار. وسنبقى، في ظل غياب دولتنا، مجرّد مادةٍ للمفاوضات، لا طرفاً فيها.

 

إنّ ما يحدث اليوم في فلسطين وغيرها من بلادنا الإسلامية، ليس مجرّد مأساة إنسانية، بل هو نتيجةٌ مباشرةٌ لغياب دولتنا وعزّتنا، ولو وُجدت هذه الدولة، لتغيّرت المعادلة، وارتفع صوتُ الحق وانتصر.

 

أيها المسلمون، لقد بلغ السيل الزُّبى. ولو كانت لنا دولةٌ تجمع شملنا، لما تجرّأ كيان يهود وتمثالُهُ على انتهاك حرمة دماء المسلمين. لقد آن الأوان أن ندرك أن عزّنا لا يكون بالتبعية، ولا بالمناشدات، بل بالعودة إلى مشروعنا الحقيقي: إقامة دولتنا، التي بها نوحّد شتاتنا، ونستعيد فيها هيبتنا وعزتنا. فبلا دولة، سنبقى شعوباً متفرقة، وأوطاناً هزيلة، وقضايا بلا نصير.

 

وهذا حزب التحرير الرائدُ الذي لا يكذب أهلَه يدعوكم للعمل معه للقيام بهذا الواجب، الذي تُحفَظ به الحقوق، وتُصان الأرواح... وإذا ما تحقق ذلك بإذن الله فإن فجر العزة قادم، مهما طال ليلُ الهوان!

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

خديعة أسلمة الاقتصاد الرأسمالي المفلس

لإعادة تدويره بأموال المسلمين!

 

تعرف الساحة الفكرية الإسلامية اليوم في ظل الحرب الحضارية الطاحنة ضد الإسلام وأمته سيولة فكرية جارفة حارقة، استدعى فيها الغرب كل إفكه وزيفه وتجديفه وتحريفه وتلبيسه وتضليله، وأخرج من أقداحه كل أنصابه وأزلامه، واستنفر من جحوره كل ضب نتن، يبغي به فتنة المسلمين وتزييف وعيهم وهدم إيمانهم وتحطيم إسلامهم، عبر تلبيس حق الإسلام العظيم بباطل وضلالات علمانيته الكافرة الفاجرة، بتزييف مفرداته وتزوير مصطلحاته وتحريف أصوله وقواعده وضوابطه، وإعادة فرز ومسخ أفكاره ومفاهيمه وأحكامه، والمشاغبة في تحريف دلالاته ومعانيه واللحن في لغته لتتماشى وتتماهى مع كفر علمانيته ورأسماليته.

 

وأمام قهر الإسلام الفكري وإفلاس الغرب الثقافي وهزيمته الفكرية وفشله الحضاري، أعاد الغرب فرز أوراقه وابتدع أسلوبا جديدا في الغزو الثقافي للساحة الإسلامية لعله وعساه يحتوي هذا المد الفكري الإسلامي الكاسح.

 

فكانت خديعة أسلمة مفاهيم المنظومة العلمانية الغربية في محاولة بائسة يائسة لإعادة تسويق المنتج العلماني الكاسد. والأسلمة عند التحقيق هي عملية تشويه فكري وتزييف ثقافي وتلفيق فقهي ومسخ حضاري ترمي إلى إعادة إذاعة وإشاعة المسخ الحداثي العلماني بمفردات ومصطلحات من الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية والفقه الإسلامي تحديدا، بعد أن يتم تجويف المفردات والمصطلحات الإسلامية وإفراغها من دلالاتها ومعانيها الشرعية وضخ مضامين ومفاهيم علمانية، ويقدَّم هذا الكفر المتأسلم كفهم واجتهاد منفتح وابتكار عصري ضمن دائرة الإسلام ومن داخل حدود معارفه، ويصدَّر لنا ونُقذف به كإنتاج من داخل فكرنا وثقافتنا وكمادة لدراستنا وتثقيفنا، وهكذا يتم إلباس رقاعة ضلالة العلمانية لبوس الشرع، ودعمها بأسناد من فقه الهزيمة وسحق الواقع وفتوى المشايخ المأجورين، ثم تدوين غواية وكفر فلسفتها وثقافتها بمفردات ومصطلحات وتراكيب إسلامية لتصديرها كجزء من الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية لأبناء الإسلام.

 

ومن أهم ميادين هذا المسخ والتزييف "الأسلمة" اليوم هو حقل الاقتصاد الرأسمالي ومعاملاته المالية الرأسمالية، وكانت الغاية من إفك الأسلمة ابتداء هي شرعنة النظام الرأسمالي المتوحش ومعاملاته المالية المحرمة، ثم محاولة امتصاص صدمات الأزمات الرأسمالية الطاحنة المتعاقبة، عبر ضخ أموال المسلمين الضخمة (أكثر من 3.25 تريليون دولار لسنة 2023 بحسب تقارير صادرة عن مجلس الخدمات المالية الإسلامية، ومن المتوقع أن يصل حجم السوق إلى أكثر من 4 تريليون دولار بحلول 2026 عبر توسع قطاع البنوك (الإسلامية) وزيادة الطلب على الصكوك) في السوق الرأسمالية المفلسة لمحاولة رتق الثقب الأسود المالي الرأسمالي (الديون الفلكية)، وكذلك تطويق هذه السيولة والتحكم فيها لجعلها عنصرا خادما للرأسمالية وليس معاكسا لتيارها، وكهدف استراتيجي وسلاح في الحرب الحضارية لاحتواء حركة الإسلام المبدئي وفعلها المتعاظم في الأمة، عبر تسويق منتج زائف (الاقتصاد الإسلامي الزائف) وتحييد بل وعزل الاقتصاد الإسلامي عن ساحة الصراع الفكري والكفاح السياسي، وصد الأمة عن الإسلام الحق وأنظمته الحقة ومنها نظام الاقتصاد الإسلامي، مع صناعة طبقة من المثقفين المهادنين للرأسمالية والمتعايشين بل المدافعين عن رؤاها كجزء من إسلامهم ومن ثم احتواء التغيير الجذري الثوري، عبر إيجاد نموذج اقتصادي إسلامي شكلي وزائف دون المساس بجوهر البنية الرأسمالية، والهدف إضفاء شرعية إسلامية على المعاملات المالية الرأسمالية مع الإبقاء على الفلسفة والأسس الربوية والقواعد الرأسمالية كما هي، ثم تسويق كل هذا النهب والجور الرأسمالي كمعاملات اقتصادية شرعية وإدماج كل المسلمين في هذا المقت الرأسمالي.

 

تاريخيا بدأ هذا المنحى في أسلمة العلمانية ورأسماليتها أواخر الثمانينات من القرن الماضي للتصدي لإرهاصات النهضة الإسلامية وتجلية مبدئية الإسلام ومشروعه الحضاري، وفيما يتعلق بالشق الاقتصادي عملت معاهد الفكر والجامعات الغربية والمؤسسات الرأسمالية الغربية على تصميم مشروع أسلمة مفاهيم الاقتصاد الرأسمالي ونشرها تحت ما سمي فيما بعد بالاقتصاد الإسلامي (المحدث الزائف).

 

فقد احتضنت جامعة أوكسفورد البريطانية أبحاثا متقدمة حول الفكر الاقتصادي الإسلامي ضمن مركز الدراسات الإسلامية الذي استحدثته، وتم تدريس ما أطلق عليه اقتصاد إسلامي كجزء من دراسات الشرق الأوسط والتمويل الأخلاقي. وكذلك جامعة هارفارد الأمريكية التي أنشأت "برنامج التمويل الإسلامي" وصيرته قسما في كلية الحقوق، واستضافت مؤتمرات كبرى حول اقتصادها الإسلامي المحدث في تسعينات القرن الماضي. وكذلك جامعة دورهام البريطانية وهي من أوائل الجامعات الغربية التي أطلقت ماجستير في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، وأنشأت مركزا بحثيا متخصصا لهذا الغرض. وكذلك المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن فقد ساهم في دمج العلوم (الاجتماعية) الغربية والاقتصاد الرأسمالي تحت غطاء الاقتصاد الإسلامي، في مناهج التعليم كمادة من الثقافة الإسلامية بعد تغليفها بقشرة إسلامية، وأنتج كتبا دراسية وأسس برامج جامعية في ماليزيا والسودان وإندونيسيا وأمريكا تحت خديعة أسلمة المعرفة.

 

ثم هناك المؤسسات المالية الرأسمالية الغربية كبنك سيتي بنك الغول المالي الأمريكي، وبنك إس بي سي البريطاني، فقد قاما بإنشاء أقسام (إسلامية) داخل البنوك وكذلك تداريب أكاديمية للتخصص في المعاملات المالية المستحدثة ضمن الاقتصاد الإسلامي المحدث الزائف، ومَوَّلُوا كذلك برامج جامعية لتسويق المنتج العلماني الرأسمالي الجديد (الاقتصاد الإسلامي). وتكفلت كذلك المعاهد الفكرية والدراسات الاستراتيجية الغربية كمؤسسة بروكنز الأمريكية والمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني بنشر وترويج الدراسات والبحوث المتعلقة بالاقتصاد الإسلامي المحدث الزائف. وكان لصندوق النقد والبنك الدوليين الدور العملي في تحويل أفكار الاقتصاد الإسلامي الزائف المحدث إلى سياسات، ودعا لإدراج مخرجات هذا الاقتصاد ضمن البرامج الاقتصادية والتعليمية للدول القائمة في البلاد الإسلامية، وكان الصندوق والبنك قد أجريا دراسات حول دور التمويل الإسلامي في الاستقرار المالي (بمعنى تدوير الاقتصاد الرأسمالي المفلس بأموال المسلمين).

 

وبالفعل تحولت سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين المتعلقة بالاقتصاد الإسلامي المحدث الزائف لسياسات للأنظمة القائمة في البلاد الإسلامية، وتكفلت مؤسسات إقليمية بإدراجه كتخصص أكاديمي وكمشاريع اقتصادية دولية، وأنشئت وتشكلت مؤسسات فكرية واقتصادية تم دمغها بالطابع الإسلامي، وقادت منظمة التعاون الإسلامي عملية تسويق المنتج الرأسمالي باسم الاقتصاد الإسلامي وأنشأت مجامع فقهية لإلباس المنتج الرأسمالي لبوس الإسلام، ثم سوقته وروجت له عبر مؤتمرات ودورات تدريبية ومولت من أجل ذلك مشاريع ومؤسسات مالية وأكاديمية.

 

ثم فرخت بعدها البنوك "الإسلامية" ومعها الحاجة إلى الأطر المتخصصة، فأحدثت لذلك أقسام وشعب ومقررات وشهادات في الجامعات والمعاهد الدينية المحلية والجامعات الغربية.

 

فالنموذج في بلاد المغرب حالة معيارية يقاس عليها؛ فقد تم تأسيس شُعَب الدراسات الإسلامية أواخر الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي في الجامعات المغربية لتشمل مقرّرات حديثة مثل الاقتصاد الإسلامي المحدث ضمن إطار ما سمي بمواكبة الحداثة والعصرنة. وأصبح تدريسه جزءاً من المناهج الدراسية المعاصرة في مرحلة الدراسات العليا كشعبة من شعب الاقتصاد أو كشعبة من الدراسات الإسلامية (ماجستير، دكتوراه)، وأدرج الاقتصاد الإسلامي في أقسام الجامعات كتخصص مستقل في جامعة محمد الخامس بالرباط وجامعة فاس وجامعة تطوان، وتكثفت الإجراءات بعد الانخراط التام للنظام في سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين المتعلقة بالاقتصاد الإسلامي المحدث، وأنشأ النظام ما سمي بالبنوك التشاركية كنوع من "البنوك الإسلامية" تحت إشراف بنك المغرب من حيث القوانين والأنظمة البنكية، وتكفل المجلس العلمي الأعلى بدمغها بالطابع الإسلامي عبر فتاوى تحت الطلب ومشايخ وأكاديميين للإيجار والتوظيف لإضفاء الشرعية على الأنظمة المالية الرأسمالية المعاصرة.

 

وهذا الاقتصاد الإسلامي المحدث الزائف لا علاقة بإسلام ولا بفقه، بل جذره الفلسفي هو الاقتصاد الرأسمالي ومدارسه ومذاهبه الفكرية، وتكاد تكون دائرة اشتغالاته هي المعاملات المالية الرأسمالية للبنوك والشركات والبورصات الرأسمالية، فمقررات أقسام الاقتصاد هذا بالجامعات في البلاد الإسلامية شاهدة على ذلك (جامعة القدس، جامعة دمشق، معهد الاقتصاد الإسلامي بالكويت والسعودية، جامعة محمد الخامس بالمغرب) تكاد موادها تكون نسخة واحدة للأصل الغربي ومواضيعها واحدة تتمحور حول: أسس التمويل - الاقتصاد النقدي والمالي - قانون الشركات والبنوك الإسلامية - التشريعات المصرفية والتأمينية - المعاملات المالية - الصكوك - تصميم المنتجات المالية - تمويل الشركات - أسواق المال - تقنيات البنوك والتأمين - إدارة المحافظ والأسواق - التمويل الدولي - إدارة الاستثمار - المحاسبة والضرائب - إدارة المخاطر... فدائرة انشغالاتها هي باختصار البنك ومعاملاته، والبورصة وأسهمها وسنداتها، ثم التأمين.

 

وكل هذه المواضيع في حقيقتها هي مضامين لمنتجات رأسمالية صيغت بغطاء إسلامي واستفادت من الهشاشة الثقافية وضعف الأفهام لأبناء الإسلام وخاصة جهلهم التام بطبيعة النظام الاقتصادي في الإسلام، فتم الالتفاف على مفاهيم الاقتصاد الرأسمالي بغلاف وقشرة إسلامية؛ الالتفاف على البنك بتسميته بنكا إسلاميا أو تشاركيا، والمعاملات الربوية مرابحة ومشاركة ومضاربة، والبورصة سوقا مالية إسلامية وأسهمها وسنداتها أضحت صكوكا، والتأمين صار تأمينا تكافليا!

 

فقد انتهى موضوع الاقتصاد الإسلامي إلى نسخة معدلة للاقتصاد الرأسمالي الغربي مع تحايل على معاملاته الربوية وعقوده وبنوكه وشركاته ومؤسساته الرأسمالية وتحويرها وإخفاؤها بمصطلحات من الفقه الإسلامي (المرابحة، المضاربة، بيع السلم، الصكوك...) لاستهداف الزبون المسلم، وهي عملية تحايل صممتها وأنشأتها دوائر الغرب وانخرطت فيها أنظمة الاستعمار عبر الترويج لها وتسويقها عبر أكاديميين تم إعدادهم لهكذا مهمة وشيوخ للإيجار والتوظيف للفتوى تحت الطلب وتحليل المعاملات الرأسمالية الباطلة المحرمة.

 

والواقع العملي هو الفاضح لحقيقة الغاية الرأسمالية الخبيثة وراء سياسة "الاقتصاد الإسلامي"، فجوهر الغاية الرأسمالية هو شرعنة البنك الرأسمالية محرك الاقتصاد الرأسمالي وماكينة حصاد أرباح رأسمالييه، وتعميم النموذج الرأسمالي في المعاملات البنكية والمعاملات المالية على عموم المسلمين دون تحفظ وتحوط من حرمة شرعية.

 

وها هو الميدان يفضح الحقائق، فقد تجاوزت سوق أموال المسلمين المستهدفة من السوق الرأسمالية 3.25 تريليون دولار (3250 مليار دولار) عام 2023 بحسب تقارير صادرة عن مجلس الخدمات المالية الإسلامية، وزعت بحسب القطاعات على الشكل التالي:

 

- قطاع البنوك (الإسلامية) يمثل 70٪ من إجمالي السوق بحجم يقارب 2.3 تريليون دولار

- الصكوك (السندات الإسلامية) تمثل 17٪ من حجم السوق بأكثر من 560 مليار دولار

- صناديق الاستثمار (الإسلامية) تمثل ما بين 4 و5٪ من حجم السوق بحوالي 150 مليار دولار

- التأمين (التكافلي) حجمه حوالي 25 مليار دولار

 

فنحن أمام معاملات مالية رأسمالية خالصة لن تجد لها أي جذر تشريعي في الفقه الإسلامي ولا علاقة لها بالنظام الاقتصاد الإسلامي ولا بأحكامه الشرعية الطاهرة. بل هي عملية تلاعب وتحايل كبرى على أموال المسلمين الطائلة لضخها في السوق الرأسمالية الغربية تحت غطاء من التلفيق الفقهي والزيف التشريعي، فالمعاملات الربوية تم تصنيفها في باب المرابحة والمضاربة وبيع السلم، والسندات الربوية تم تصنيفها صكوكا (السند هو دين لحكومة أو شركة تصدرها مقابل تحصيل السيولة من المشتري مقابل نسبة ربوية حين استرجاع المبلغ الأصلي من المشتري). والتأمين الرأسمالي صُنِّف تأمينا تكافليا!

 

وها قد شهد شهود من أهل هذا الاقتصاد الإسلامي المحدث الزائف على حقيقته الرأسمالية، فقد كشف مجمع الفقه الإسلامي العالمي أن ما يصل إلى 85٪ من الصكوك لا تلتزم فعليا بالشريعة، ما يعكس تواطؤا ضمنيا لإضفاء "شرعية وهمية". وأكد الأستاذ فيصل خان من جامعة نيويورك هوبارت أن عقود المرابحة التي تشكل 80٪ من المعاملات المالية (الإسلامية) العالمية، لا تتفق مع مبادئ الشريعة فهي عمليا شبيهة جدا بالربا، فالمرابحة المعمول بها عمليا هي حقيقة منفعة على الدين، فهي عائد ربح ثابت بدون مخاطرة أو مشاركة في الربح والخسارة وهو عين الربا، وكل ذلك التنظير عن المرابحة لا علاقة له بالواقع العملي، واعتبر آخر أن مشايخ الشريعة هم مجرد تزيين إعلامي للمنتج الرأسمالي. أما الصكوك فهي السندات الرأسمالية وعائدها هو عين الربا وما تغني حيل المرابحة والمضاربة وبيع السلم والرهن عن حقيقتها الرأسمالية، أما التأمين فهو عين العقد الرأسمالي الباطل المحرم، وتذويب شحمه في قدر التكافل لا يحله ولا ينزع عنه حرمته، أما السوق المالية الإسلامية فهي عين البورصة الرأسمالية وغرر أسهمها ومعاملاتها الرأسمالية الباطلة (كبورصات ماليزيا والسعودية والإمارات والبحرين والمغرب الحديثة النشأة والتي تصنف "أسواقا مالية إسلامية") فكلها تحاكي معاملات البورصات الرأسمالية الغربية.

 

وعليه كان لزاما علينا نحن المسلمين اليقظة التامة والتنبه والحذر لمكائد الغرب وحربه الفكرية الحضارية، فكيف يكون كيد ومكر عدونا بنا وحربه الحضارية تزداد شراسة؟! وبناء عليه نعود لتفكيك بعض الألغام المعرفية للتجرد والتحلل من علائق الفكر العلماني الغربي واقتصاده الإسلامي المحدث الزائف، والتأسيس لرؤية إسلامية نقية صافية متعلقة بنظامنا الاقتصادي الإسلامي الحق المستنبط من كتاب الله وسنة نبيه ﷺ وما أرشدا إليه من إجماع وقياس.

 

أولا لا بد من تعريف بالبذور والجذور للنظام الاقتصاد الرأسمالي الغربي لفهم حقيقة كفره وبطلانه وفساده، فبذرته الأم هي العقيدة العلمانية في فصل الدين عن الحياة والسياسة وأنظمتها، فهو اقتصاد وضعي منقطع عن وحي السماء محادّ لشرع الله، وجذره الثقافي هو حرية الملكية ومنها تولدت مصطلحات الاقتصاد الليبرالي والاقتصاد الحر واقتصاد السوق والاقتصاد الرأسمالي.

 

أما الأسس التي يقوم عليها النظام الاقتصادي الرأسمالي فهي ثلاثة أسس:

 

الندرة النسبية: وهي عدم كفاية السلع والخدمات المحدودة لإشباع وسد حاجات غير محدودة.

 

القيمة: وهي الأهمية والمنفعة الاقتصادية التي يخلعها الفرد أو المجتمع على مال ما، ويعتبر الشيء نافعاً اقتصاديا ما دام هناك من يرغب فيه سواء أكان ضروريا أو غير ضروري، كما لا يهم ولا ينبغي لهذه الرغبة أن تتفق مع قيم أو أخلاق أو تعترضها قواعد قانونية أو ضوابط صحية فهي متحررة من أي شرط أو قيد.

 

الثمن: وهو المتحكم في ميكانيكا السوق إنتاجا واستهلاكا وتوزيعا.

 

وعليه فأساس النظام الاقتصادي الرأسمالي الغربي هو معالجة تلك الندرة النسبية المفترضة عبر زيادة الإنتاج لتوفير مزيد من السلع والخدمات، فالهم والشغل الشاغل للرأسمالي هو مزيد من الإنتاج (يرافقه مزيد من أرباح الرأسماليين)، فالقضية في النظام الاقتصادي الرأسمالي هي مادة الثروة وأرباح ملاكها، أما مسألة الإنسان وإشباع حاجاته وسد جوعاته فأمر ثانوي متروك لمن يملك الثمن.

 

ثم العطب المعرفي المدمر في الرؤية الرأسمالية، وقبله بطلان وفساد العقيدة العلمانية في ادعائها عزل الخالق عن شؤون خلقه ثم تجريدهم من كل القيم عبر تحريرهم من أية مسؤولية أخلاقية عبر حرية الملكية، هو كذلك في افتراضها مشكلة وهمية غير قائمة أدى إلى تفريخ مشاكل متفرعة عنها، فافتراض الندرة النسبية أدى إلى زيادة مفرطة في الإنتاج بل وحتى إنتاج ما لا حاجة فيه، ما أدى إلى فائض في المنتوج، ما ولد الاحتكار والكنز والمضاربة وإتلاف المحاصيل والبضائع ومحق الجهود للتحكم في العرض ومن ثم الأرباح.

 

فابتكر الغرب آلية البنك للدين الربوي المقنن والمنظم والمعمم، لتوفير الثمن واستهلاك فائض المنتوج، وحلت الوسيلة مكان الفلسفة فأصبح البنك هو الثمن في الدورة الاقتصادية الرأسمالية ومحركا لعجلتها إنتاجا واستهلاكا وتوزيعا، وبات البنك هو حجر الزاوية في النظام الاقتصادي الرأسمالي الغربي.

 

فالبنك منتج رأسمالي خالص، واستنساخه إسلاميا وإضفاء شرعية عليه عبر بعض التمحلات كالتسمية "بنك إسلامي" والتعسف والتكلف في تسمية بعض معاملاته بمصطلحات شرعية كالمرابحة والمضاربة والرهن وبيع السلم... لا ينزع عنه فلسفته وأصله، فجيناته رأسمالية صرفة، وكل محاولة استنساخ هي محض هراء وتلفيق فقهي فاضح وتشوه ثقافي شنيع، وقس عليه البورصة وسنداتها وأسهمها، وكذلك هو التأمين، فما كانت تلك التلفيقات (السوق المالية الإسلامية والصكوك والتأمين التكافلي) لتنزع منها وعنها روحها الرأسمالية الخبيثة.

 

فما زلنا ندور في حلقة مفرغة حبيسي قفص المنظومة الرأسمالية الغربية في الاقتصاد تحديداً، فالاقتصاد الرأسمالي هو من أعظم البلايا التي فتنت بها الأمة وأشد ما تعانيه من بؤس وفقر من جراء نتائج الأفكار الرأسمالية المتعلقة بالاقتصاد، وتأثرا بهكذا فكر وواقع أصبح مصطلح الاقتصاد الإسلامي كما هو مطروح اليوم لا يعدو عن كونه قشرة يختفي تحتها ركام الاقتصاد الرأسمالي الغربي، محاولين عبثاً تهذيبه وتلطيفه وتوليف واستئناس وحشه، ففلسفة الغرب الاقتصادية الرأسمالية هي المتحكمة في هذا الاقتصاد الإسلامي المحدث الزائف، فالاقتصاد الرأسمالي هو الثمرة الخبيثة لمنظومة الغرب العلمانية الكافرة فهو شق من كفره.

 

فعبثا وسدى يحاول البعض من كفر الغرب الثقافي العلماني استخلاص رؤية للنظام الاقتصادي في الإسلام، فهو عين الضحالة الفكرية والهزيمة الثقافية وطرق لباب الردة، فالإسلام منظومة وحي مكتملة الصنعة فريدة البناء لها نسقها المعرفي الخاص والمتفرد والمتميز ولها قواعدها وأدواتها الخاصة بها وهي المُعَوَّل عليها لتجلية كنوز الوحي واستنباط أحكامه وأنظمته الشرعية، أنظمة الإسلام أساسها الوحي على النقيض من المنظومة العلمانية الوضعية وأنظمتها.

 

لذا كان لزاما تجلية أمر الاقتصاد الإسلامي حتى نخرج من هذا التيه الثقافي والدوامة المعرفية التي حولت البعض لقنوات وقناطر لتصريف المنتج العلماني الرأسمالي وهم يظنون أنه فقه إسلامي ويحسبون أنهم يحسنون صنعا!

 

لا بد من إدراك أن النظام الاقتصادي في الإسلام هو مجموع الأحكام الشرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية التي تعالج علاقة الإنسان بالثروة: حيازة وتصرفا بها وتوزيعا لها، ومادة الثروة هما المال وجهد الإنسان، وعلى ذلك فالأساس الذي يبنى عليه النظام الاقتصادي في الإسلام قائم على قواعد هي: الملكية، التصرف في الملكية، وتوزيع الثروة بين الناس.

 

وقولنا أحكاما شرعية مستنبطة من أدلتها التفصيلية أي أن العملية عملية فقهية شرعية خالصة، وصاحب الآلة ونعني به الفقيه المجتهد هو المخول شرعا ومعرفيا بما يملكه من أدوات لاستنباط هكذا أحكام، فالمسألة فقهية تشريعية وليست إنشاء لغوياً أو رأياً فنيا تقنيا أيا كان جذره المعرفي، والمسألة الفقهية في الإسلام شديدة الدقة وسياجها محكم، تستند إلى مصادر الوحي التشريعية؛ الكتاب والسنة وما أرشدا إليه من إجماع وقياس شرعي، وآلة استنباطها الاجتهاد المنضبط بقواعد الشرع، فالنظام الاقتصادي في الإسلام مسألة فقهية خالصة وصاحبها هو الفقيه المجتهد حصرا وقصرا، ومن الضحالة الفكرية تصورها مسألة فنية ومسألة حسابات وبيانات وأرقام فهذا عين الجهل بل الجهالة بشرع الله وبالطبيعة التشريعية للأنظمة من كونها فرعاً عن جذرها التشريعي وفلسفة منظومتها، وأشنع منها ذلك السفه في تصور النظام الاقتصادي في الإسلام بأنه استنساخ للنظام الرأسمالي الغربي الكافر مع تغيير في الأسماء (مسميات إسلامية).

 

ولما كان النظام الاقتصادي في الإسلام فقها شرعيا كان باباً موصدا أمام المتطفلين الذين يفتقرون للآلة الفقهية أداة استنباط الأحكام من مصادرها الشرعية، فيعتبر قادحا في تقوى المرء وورعه أن يخوض فيما لا يعلم وما لا يضبط، فمن لم تكن الأصول وقواعدها والفقه وأقضيته واللغة العربية وبلاغتها وبيانها وإعرابها والقرآن وعظيم علومه والسنة ومتونها ومسانيدها ورجالها والاجتهاد وشروطه، باب تحصيله وعلمه وهضمه ومَلَكَة اجتهاده فكيف به أن يقتحم محراب الإسلام العظيم؟! فالقضية دين ووحي وعلم رب العالمين فكيف يجب أن يكون زاد المرء المعرفي ليخوض في أمانة الوحي والفتيا فيه وثقل مسؤوليتها أمام الله؟

 

فالاقتصاد في الإسلام صنعة فطاحل الفقهاء وليس ترفا فكريا لأصحاب شهادات مدارس وجامعات ومعاهد حظائر الاستعمار العلمانية ومن باب أولى جامعات ومعاهد الغرب العلمانية الرأسمالية، فما هذا السفه في تحصيل ثقافي وشهادات وإجازات في الاقتصاد (الإسلامي) من جامعات حظائر الاستعمار العلمانية التي ما أنشأها الغرب إلا لعلمنة حياتنا وفكرنا، وأنكى منها جامعات لندن وباريس وواشنطن معاقل العلمانية والرأسمالية الاقتصادية الغربية؟! ما كان الشيطان الرجيم ليصنع أكثر من هذا مسخا للعقول ومحقا للإيمان وتحريفا لمفاهيم الإسلام!

 

لأبناء الإسلام ليس مع العلمانية وأنظمتها إسلام وإيمان بل هي الكفر ولا شيء سواه، فالحذر الحذر، دين الله أمانة ومسؤولية عظيمة أمام ديان الخلائق كلها، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فلا يغرن الواحد شهادته الجامعية في هكذا مقت وإفك (الاقتصاد الإسلامي المحدث الزائف) وتزكية العوام وإعجاباتهم، فلن تعدو كونها إعجاب عامي في دين الله بعامي آخر حسب شهادته الجامعية فقها وإجازة فقهية (وهي حقيقة شهادة وإجازة في باب من أبواب العلمانية واقتصادها الرأسمالي)!

 

ختاما هذا مرجع فريد ونفيس عن النظام الاقتصادي في الإسلام، وهو بحق ثروة فكرية إسلامية نادرة وعبقرية فقهية عز نظيرها من تأليف علم من أعلام هذه الأمة، فقيه مجتهد نحرير، الشيخ تقي الدين النبهاني جزاه الله عن الإسلام وأمته جزاءه الأوفى فردوسه الأعلى، لمن أراد أن يغترف من حقيق الفقه الإسلامي والثقافة الإسلامية الصافية النقية ويستقيم على أمر الله. كتاب: النظام الاقتصادي في الإسلام

قَالَ رَسُول الله ﷺ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

 
رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كيف دخل الإسلام إلى السّودان؟

 

لم يكن السودان المعروف اليوم بجغرافيته يمثل كياناً سياسياً أو ثقافياً أو دينياً موحداً قبل دخول المسلمين، فقد كانت تتوزع فيه أعراق وقوميات ومعتقدات مختلفة. ففي الشمال حيث النوبيون؛ كانت تنتشر النصرانية الأرثوذوكسية كعقيدة، واللغة النوبية بلهجاتها المختلفة لغة للسياسة والثقافة والتخاطب. أما في الشرق؛ فتعيش قبائل البجة، وهي من القبائل الحاميّة (نسبة لحام بن نوح) لها لغة خاصة، وثقافة منفصلة، وعقيدة مغايرة كتلك التي في الشمال. وإذا ما اتجهنا جنوباً نجد القبائل الزنجية بسحناتها المميزة، ولغاتها الخاصة، ومعتقداتها الوثنية. وكذلك الحال في الغرب. ([1])

 

وهذا التنوع والتعدد العرقي والثقافي هما من أبرز سمات وخصائص التركيبة السكانية في سودان ما قبل دخول الإسلام وقد نتجا من عوامل عدة منها خاصة أن السودان يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي شمال شرق أفريقيا. فهو يمثل بوابةً للقرن الأفريقي وحلقة وصل بين العالم العربي وشمال أفريقيا، وبين جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى. أتاح له هذا الموقع دوراً رئيساً في التواصل الحضاري والثقافي والتفاعلات السياسية والاقتصادية عبر التاريخ. أضف إلى ذلك أن له منافذ بحرية حيوية على البحر الأحمر، أحد أهم الممرات التجارية في العالم.

 

يمكن النظر إلى الهجرة الأولى للصحابة رضوان الله عليهم إلى أرض الحبشة (في رجب سنة خمس من النبوة وهي السنة الثانية من إظهار الدعوة) باعتبارها أولى الإشارات إلى الاتصال المبكر بين الإسلام الناشئ ومجتمعات شرق السودان. وعلى الرغم من أن هدف الهجرة كان في الأصل البحث عن ملاذ آمن من الاضطهاد في مكة، فإن هذه الخطوة مثّلت بداية الحضور الإسلامي الأول في الفضاء الأفريقي والسوداني. وقد أرسل النبي ﷺ سنة 6هـ مع رسوله عمرو بن أمية كتابا إلى النجاشي يدعوه فيه إلى الإسلام ([2]) وأجابه النجاشي برسالة أظهر فيها قبوله.

 

ومع فتح مصر على يد عمرو بن العاص في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب عام 20هـ/641م، شعر النوبيون بالخطر حينما بدأت الدولة الإسلامية في تثبيت نفوذها الإداري والسياسي على وادي النيل الشمالي، لا سيما في صعيد مصر الذي كان يمثل امتداداً استراتيجياً وجغرافياً لممالك النوبة السودانية. لذا شرعت ممالك النوبة في شن هجمات استباقية على صعيد مصر، كرد فعل دفاعي. فأمر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه والي مصر عمرو بن العاص بإرسال السرايا نحو أرض النوبة بالسودان لتأمين حدود مصر الجنوبية ولتبليغ الدعوة الإسلامية. وبدوره أرسل إليهم عمرو بن العاص جيشا بقيادة عقبة بن نافع الفهري سنة 21هـ، ولكن الجيش أُجبِر على التراجع، إذ قابله أهل النوبة ببأس شديد، ورجع كثير من المسلمين بأعين مفقوءة، فقد كان النوبة رماة مهرة بالسهام، يصيبون بها إصابات دقيقة حتى في العيون، ولذلك سماهم المسلمون "رماة الحِدَق". وفي عام 26هـ (647م) وُلّي عبد الله بن أبي السرح مصر أيام عثمان بن عفان واستعدّ لملاقاة النوبيين بقيادة حملة مجهزة تجهيزا جيدا وتمكن من التوغل جنوبا حتى دنقلة* عاصمة المملكة النوبية النصرانية سنة 31هـ/652 م وحاصر المدينة حصارا شديدا. ولما سألوه الصلح والموادعة أجابهم عبد الله بن أبي السرح إلى ذلك([3]). وعقد صلحاً معهم سُمّي بعهد أو اتفاقية البقط** وبنى في دُنقُلَة مسجدا. وقد اجتهد الباحثون في معنى البقط فمنهم من قال إنه لاتيني وهو (Pactum) ومعناه الاتفاق، ولا يرى المؤرّخون والكتاب هذا الصلح كغيره من معاهدات الصلح التي كان يفرض فيها المسلمون الجزية على من يصالحونهم وإنما عدّوه اتفاقا أو هدنة بين المسلمين والنوبة.

 

وعاهدهم عبد الله بن أبي السرح على الأمان لا يحاربهم المسلمون وأن يدخل النوبة بلاد المسلمين مجتازين غير مقيمين وعلى النوبة حِفظ من نَزل بلادهم من المسلمين أو المعاهدين حتى يخرج منها ([4]). وعليهم حفظ المسجد الذي ابتناه المسلمون بدنقلة وكنسه وإسراجه وتكرمته وألا يمنعوا عنه مصليا وأن يدفعوا كل سنة 360 رأسا من أوسط رقيقهم وفي المقابل يتبرّع المسلمون بإمدادهم سنويا بكميات من الحبوب والملابس (لِما شكا الملك النوبي من قلة الطعام في بلده) ولكن لا يلتزمون بدفع عدوّ أو مغير على بلادهم. وبهذا الصلح اطمأن المسلمون على سلامة حدودهم من ناحية الجنوب وضمنوا تجارة عابرة للحدود بين البلدين وحصلوا على سواعد النوبة القوية في خدمة الدولة. ومع حركة السلع تنقلت الأفكار فكان للدعاة والتجار دور محوري في نشر الإسلام في بلاد النوبة بالدعوة السلمية خاصة من خلال حسن المعاملات. وكانت القوافل التجارية تحمل معها عقيدة ولغة وحضارة ونمطا في الحياة مثلما كانت تحمل السلع التجارية.

 

كما أصبح للعربية حضور متزايد في الحياة اليومية للمجتمعات السودانية خاصة في شمال السودان. فمثلت هذه الاتفاقية نوعا من الاتصال الدائم بين المسلمين والنوبيين النصارى دام ستة قرون ([5]). خلال ذلك، تسرّبت العقيدة الإسلامية إلى الجزء الشمالي من السودان الشرقي منذ أواسط القرن السابع الميلادي على أيدي التجار المسلمين والمهاجرين العرب. وقد تسربت هذه الهجرات العربية الكبرى من 3 طرق: أولها: من مصر، وثانيها من الحجاز عن طريق موانئ باضع وعيذاب وسواكن، وثالثها: من المغرب وشمال أفريقيا عبر أواسط بلاد السودان. ولكن أثر هذه المجموعات لم يكن فعالا نظرا لصغر حجمها إذا ما قارناها بالأعداد الكبيرة التي تحرّكت من مصر صوب الجنوب منذ القرن التاسع الميلادي والذي على إثره صُهرت أرض البجة والنوبة والسودان الأوسط بالعنصر العربي. إذ قرّر آنذاك الخليفة العباسي المعتصم (218-227هـ/833-842م) الاعتماد على الجنود الأتراك والتخلي عن الجنود العرب وهو ما يعتبر نقطة تحوّل خطيرة في تاريخ العرب في مصر. وبذلك شهد القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي هجرات عربية واسعة للسودان ومن ثم التوغل في السهول الواسعة جنوبا وشرقا([6]) فساعد الاستقرار بهذه المناطق على الاتصال بأهل البلاد والتأثير فيهم وتقبلهم الإسلام والدخول فيه.

 

وفي القرن الثاني عشر الميلادي، وإثر احتلال الصليبيين أرض فلسطين، لم يعد طريق سيناء للحجيج المصري والمغربي آمنا فتحولوا إلى ميناء عيذاب (تعرف بميناء الذهب وتقع على ساحل البحر الأحمر). وعندما نشطت حركة الحجيج بها وتردد عليها المسلمون في ذهابهم وإيابهم من الأراضي المقدسة في الحجاز بدأت المراكب التي تحمل بضائع اليمن والهند ترسو بها وبالتالي عمرت منطقتها وزادت حركية فاحتلت عيذاب مركزا ممتازا في حياة المسلمين الدينية والتجارية. ([7])

 

ولما كان ملوك النوبة ينقضون العهد كلما وجدوا وهناً أو ضعفا من المسلمين ويغيرون على أسوان ومواقع المسلمين في مصر خاصة في أيام ملكها داود سنة 1272م، اضطر المسلمون إلى حربهم أيام الظاهر بيبرس وتم عقد معاهدة جديدة بين الطرفين سنة 1276م وأخيرا فتح السلطان الناصر بن قلاوون دنقلة عام 1317م وكان ملك النوبة عبد الله ابن أخ الملك داود اعتنق الإسلام سنة 1316م فسهل انتشاره هناك ودخلت بلاد النوبة في الإسلام نهائيا.([8])

 

أما مملكة عُلوة النصرانية فتم إسقاطها إثر التحالف بين قبائل العبدلاب العربية والفونج الزنجية عام 1504م وتم تأسيس مملكة الفونج الإسلامية التي عرفت أيضا باسم "سلطنة سنار" نسبة للعاصمة وأيضا بـ"المملكة الزرقاء"، وتعتبر مملكة سنار أول دولة عربية إسلامية قامت في بلاد السودان بعد انتشار الإسلام واللغة العربية فيها([9]).

 

ونتيجة لتزايد النفوذ العربي الإسلامي صارت الأسر المالكة في بلاد النوبة وعلوة وسنار وتقلي ودارفور مسلمة بعد أن كانت نصرانية أو وثنيّة. فكان اعتناق الطبقة الحاكمة للإسلام كفيلا بإحداث ثورة متعددة الأبعاد في تاريخ السودان. فقد تشكلت عائلات حاكمة مسلمة ومعها تأسست أولى النماذج للممالك السودانية الإسلامية التي كان لها الأثر الكبير في التمكين لهذا الدين وأسهمت بفعالية في نشر الدين الإسلامي، وتثبيت أركانه وإرساء قواعده وإقامة أسس الحضارة الإسلامية في أرض السودان. وتقمص بعض الملوك دور الدعاة في بلادهم وفهموا دورهم باعتبارهم ولاة أمور يقع على رقابهم تبليغ هذا الدين والحفاظ عليه فراحوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويحتكمون إلى شريعة الله ويقيمون العدل ما استطاعوا إليه سبيلا ويدعون إلى الله ويجاهدون في سبيله. ([10])

 

وبذلك سارت دعوة الإسلام في هذه المنطقة بشكل قوي وفعال وسط أعاصير من الوثنية وحملات التبشير النصرانية. وبهذا تعتبر السودان من أشهر المناطق التي مثلت فيها الدعوة السلمية النموذج الحقيقي لانتشار الإسلام وبرزت فيها قدرة المسلمين على نشر عقيدتهم بالإقناع والحجة وحسن المعاملة فلعبت تجارة القوافل والفقهاء دورا كبيرا في نشر الإسلام في الديار السودانية حيث نابت الأسواق عن ميادين الوغى ونابت الأمانة والصدق وحسن المعاملة عن السيف في نشر عقيدة التوحيد([11]) وفي ذلك يقول الفقيه المؤرّخ أبو العباس أحمد بابا التنبكتي: "أهل السودان أسلموا طوعا بلا استيلاء أحد عليهم كأهل كانو وبرنو ما سمعنا أن أحداً استولى عليهم قبل إسلامهم".

 

#أزمة_السودان         #SudanCrisis

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

م. درة البكوش

 

** ملحق عهد من الأمير عبد الله بن سعد بن أبي سرح، لعظيم النوبة ولجميع أهل مملكته:

 

"عهد عقده على الكبير والصغير من النوبة من حدّ أرض أسوان إلى حدّ أرض علوة أنّ عبد الله بن سعد، جعل لهم أماناً وهدنةً جارية بينهم، وبين المسلمين ممن جاورهم من أهل صعيد مصر، وغيرهم من المسلمين وأهل الذمّة، إنكم معاشر النوبة آمنون بأمان الله وأمان رسوله محمد النبيّ ﷺ، أن لا نحاربكم، ولا ننصب لكم حرباً ولا نغزوكم ما أقمتم على الشرائط التي بيننا وبينكم على أن تدخلوا بلدنا مجتازين غير مقيمين فيه، وندخل بلدكم مجتازين غير مقيمين فيه، وعليكم حفظ من نزل بلدكم، أو يطرقه من مسلم أو معاهد، حتى يخرج عنكما، وإنّ عليكم ردّ كل آبق خرج إليكم من عبيد المسلمين، حتى تردّوه إلى أرض الإسلام، ولا تستولوا عليه ولا تمنعوا منه ولا تتعرّضوا لمسلم قصده وحاوره إلى أن ينصرف عنه، وعليكم حفظ المسجد الذي ابتناه المسلمون بفناء مدينتكم، ولا تمنعوا منه مُصلياً، وعليكم كنسه وإسراجه وتكريمه، وعليكم في كل سنة ثلاثمائة وستون رأساً، تدفعونها إلى إمام المسلمين من أوسط رقيق بلادكم غير المعيب، يكون فيها ذكران وإناث، ليس فيها شيخ هرم، ولا عجوز ولا طفل لم يبلغ الحلم، تدفعون ذلك إلى والي أسوان، وليس على مسلم دفع عدوّ عرض لكم ولا منعه عنكم، من حدّ أرض علوة إلى أرض أسوان، فإن أنتم آويتم عبد المسلم أو قتلتم مسلماً أو معاهداً، أو تعرّضتم للمسجد الذي ابتناه المسلمون بفناء مدينتكم بهدم أو منعتم شيئاً من الثلاثمائة رأس والستين رأساً، فقد برئت منكم هذه الهدنة والأمان وعدنا نحن وأنتم على سواء حتى يحكم الله بيننا، وهو خير الحاكمين علينا بذلك عهد الله وميثاقه وذمّته وذمّة رسوله محمد ﷺ، ولنا عليكم بذلك أعظم ما تدينون به من ذمّة المسيح، وذمّة الحواريين، وذمّة من تعظمونه من أهل دينكم، وملتكم.

 

الله الشاهد بيننا وبينكم على ذلك. كتبه عمرو بن شرحبيل في رمضان سنة إحدى وثلاثين".

 


[1] دخول الإسلام السودان وأثرة في تصحيح العقائد للدكتور صلاح إبراهيم عيسى

[2] الباب العاشر من كتاب تنوير الغبش في فضل أهل السودان والحبش ، لابن الجوزي

* كانت بلاد النوبة قبل الإسلام تنقسم إلى 3 ممالك هم النوبة ومقرة وعلوة (من أسوان جنوبا حتى الخرطوم حاليا) ثم بعد ذلك اتحدت مملكتا النوبة ومقرّة بين عام 570م إلى عام 652م وسميت بمملكة النوبة وكانت عاصمتها دنقلة

[3] فتوح البلدان للإمام أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي (الشهير بالبلاذرى)

** انظر الملحق لقراءة نص العهد كاملا

[4] الإسلام والنوبة في العصور الوسطى لـلدكتور مصطفى محمد سعد

[5] الإسلام في السودان من تأليف ج.سبنسر تريمنجهام

[6] انتشار الإسلام في أفريقيا جنوب الصحراء ليوسف فضل حسن

[7] السودان عبر القرون للدكتور مكي شبيكة

[8] السودان لمحمود شاكر

[9] قراءة في تاريخ مملكة الفونج الإسلامية (910 - 1237ه/ 1504 – 1821م) للدكتور طيب بوجمعة نعيمة

[10] الإسلام والنوبة في العصور الوسطى لـلدكتور مصطفى محمد سعد

[11] دراسات في تاريخ الإسلام والأسر الحاكمة في أفريقيا جنوب الصحراء للدكتور نور الدين الشعباني

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كيف تكون قبائل اليمن مَسوسة إذا كان الحوثيون سوسة؟!

 

لقد ابتلي المسلمون في زماننا هذا بأنظمة خائنة تحكم بقوانين وضعية فاسدة ما أنزل الله بها من سلطان، توالي الكافر المستعمر وتنفذ مخططاته وتحرس مصالحه وتنشر ثقافته وتحكم بقوانينه، وتفزع إليه وقت الخطر وتشعل نار الاحتراب الداخلي والفتن بين المسلمين وتظلم رعاياها وتسومهم سوء العذاب وتخون قضاياهم وتقف في صف أعدائهم...

 

وسلطة الحوثيون لا تختلف عن سائر الأنظمة الرأسمالية التي تحكم بالكفر وتزيد عليهم أنها ما زالت عقلية الطائفة هي الضابطة لكل تصرفاتهم وسلوكهم ولم ترتق إلى عقلية الدولة التي يكون تعاملها تجاه جميع الرعية معاملة واحدة وتنظر إليهم جميعا بمنظار واحد، بل تتعامل مع من لا ينتمي إلى طائفتهم معاملة أخرى؛ فإذا قتل شخص شخصاً آخر وكلاهما من غير طائفتهم فما أسرعهم في إقامة القصاص على القاتل وتلهج ألسنتهم بآيات القرآن الكريم التي توجب العفو أو الدية أو القصاص، وتردد ذلك وسائل إعلامهم المتنوعة ويرددها أتباعهم في وسائل التواصل الإلكتروني بشكل لافت ومؤثر يوجد دعاية لاستقامة حكمهم وأنهم على شيء! أما إذا كان القاتل من غيرهم والمقتول منهم فإنهم لا يتوانون لحظة واحدة في قتل القاتل بسرعة مذهلة تقترب من سرعة البرق وبدون الرجوع إلى القضاء! ومثال ذلك ما حصل قبل سنتين؛ فقد قام أحد العناصر الأمنية التابعة لهم بقتل رجل في مدينة رداع بمحافظة البيضاء تحت غطاء أمني من سلطة الحوثيين وظل في حمايتهم عاماً كاملاً يسرح ويمرح ويجول شوارع رداع كلها بطقمه العسكري، وغاب دور القضاء الذي يتشدق الحوثيون بعدالته! ولكن عندما قام شقيق القتيل بعد طول انتظار بقتله، كان ردهم عنيفا فقد هجموا على بيته وفجروه وضربوه بالأسلحة الثقيلة وقتلوا من فيه! وهذا السلوك الحيواني المنحط بسبب عقليتهم الطائفية التي يحملونها ويحكمون الناس بها. أما إذا كان القاتل منهم والمقتول من غيرهم فإنهم يقومون بحماية القاتل ويهدرون دم القتيل، وهناك أمثلة كثيرة سنذكر منها مثالين فقط:

 

المثال الأول: قام أحد المشرفين الحوثيين بغصب أرض للشيخ أحمد سالم السكني من عمران قبل خمس سنوات، ولما شكى أمره إلى الدولة قام بقتله بدم بارد، فقامت سلطة الحوثيون بحماية القاتل وإهدار دم القتيل ولم تنفع خيام الاعتصام التي قامت بها آلاف القبائل للمطالبة بدم الشيخ السكني فضاع دمه هدراً وما زال القاتل إلى اليوم يسرح ويمرح في حماية الحوثيين!

 

المثال الثاني: قام حمير صالح رطاس فليته رئيس قسم شرطة الحائط بمديرية عيال سريح بمحافظة عمران يوم السبت 26/7/2025م بقتل الشيخ حميد منصور ردمان وهو من قبيلة أرحب من بكيل، وهو والد زوجة القاتل، وقد قتل فليته عمه حميد إثر خلاف عائلي بينهما، فقامت سلطة الحوثيون بحماية القاتل فليته وهو من قبيلة عذر من حاشد، والظاهر أن الحوثيين أوعزوا لبعض مشايخ أرحب أن يفعلوا النكف القبلي للاحتشاد على حدود قبيلة حاشد لإيجاد الفتنة بينهما لكي يوهموا الناس أن المشكلة بين القبيلتين للتغطية على جريمتهم البشعة، ثم ليقوم الحوثيون بالصلح بينهما بعد أن تدق الحرب طبولها فيكسب الحوثيون أمرين هما: الدعاية لهم وتغطية جريمتهم.

 

مع العلم أن الحوثيين لا يقيمون لشرع الله وزناً، وإلا لبادروا إلى إقامة حكم الله في القاتل وهو القصاص عاجلا غير آجل، قال الله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾.

 

فهم يلقون القبض على من أرادوا في الحال إذا كان من المخالفين لهم في الفكر والمعتقد أو من المعارضين لهم بسبب سياستهم الظالمة والفاشلة، وأما الجناة القتلة منهم المعتدون على أرواح الناس بسفك دمائهم المعصومة من دون وجه حق فلا يهمهم أمرهم لأنهم لا يشعرون بالمسئولية أمام الله تجاههم، ولا غرابة في ذلك فحكمهم قائم على التمييز والعصبية والعنصرية والعنجهية. هذا هو حال الحوثيين وأعمالهم في مناطق سيطرتهم، ولا يعني هذا أن سكان المناطق الواقعة خارج سيطرتهم وتقع تحت سيطرة الحكومة الرسمية يعيشون في نعيم ورخاء بل هم في جحيم مستعر من الفوضى والانفلات والسرقات وسوء الخدمات بل انعدامها.

 

ومعلوم أن القبائل تربط بينها روابط الإخاء والجوار والمصاهرة وقبل ذلك رابطة العقيدة الإسلامية، فهم جزء من الأمة الإسلامية العظيمة، وأبناء القبائل هم في مناصب الدولة المدنية والعسكرية وفي استطاعتهم الوقوف في وجه الحكام الظلمة في شمال اليمن وجنوبه وإسقاطهم جميعا لو رصوا صفوفهم خلف حزب التحرير وتبنوا مشروعه العظيم المتمثل في إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فهو مشروع الأمة كلها وهم جزء مهم جدا منها، فالخلافة هي التي تحل كل مشاكل المسلمين وتوحد صفوفهم ضد الكفار المستعمرين، وهي التي ستحل مشاكل الثأر حلا جذريا، وهي التي تحرر فلسطين وأخواتها كشمير وبورما وجنوب السودان وقبرص وغيرها... وهي التي سوف تطبق الإسلام في الداخل فتحل كل المشكل التي أوجدتها الأنظمة العميلة للغرب الكافر، وتحمل الإسلام رسالة نور وهدى إلى العالم كله بالدعوة والجهاد.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حاشد قاسم – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كيف تكون قبائل اليمن مَسوسة إذا كان الحوثيون سوسة؟!

 

لقد ابتلي المسلمون في زماننا هذا بأنظمة خائنة تحكم بقوانين وضعية فاسدة ما أنزل الله بها من سلطان، توالي الكافر المستعمر وتنفذ مخططاته وتحرس مصالحه وتنشر ثقافته وتحكم بقوانينه، وتفزع إليه وقت الخطر وتشعل نار الاحتراب الداخلي والفتن بين المسلمين وتظلم رعاياها وتسومهم سوء العذاب وتخون قضاياهم وتقف في صف أعدائهم...

 

وسلطة الحوثيون لا تختلف عن سائر الأنظمة الرأسمالية التي تحكم بالكفر وتزيد عليهم أنها ما زالت عقلية الطائفة هي الضابطة لكل تصرفاتهم وسلوكهم ولم ترتق إلى عقلية الدولة التي يكون تعاملها تجاه جميع الرعية معاملة واحدة وتنظر إليهم جميعا بمنظار واحد، بل تتعامل مع من لا ينتمي إلى طائفتهم معاملة أخرى؛ فإذا قتل شخص شخصاً آخر وكلاهما من غير طائفتهم فما أسرعهم في إقامة القصاص على القاتل وتلهج ألسنتهم بآيات القرآن الكريم التي توجب العفو أو الدية أو القصاص، وتردد ذلك وسائل إعلامهم المتنوعة ويرددها أتباعهم في وسائل التواصل الإلكتروني بشكل لافت ومؤثر يوجد دعاية لاستقامة حكمهم وأنهم على شيء! أما إذا كان القاتل من غيرهم والمقتول منهم فإنهم لا يتوانون لحظة واحدة في قتل القاتل بسرعة مذهلة تقترب من سرعة البرق وبدون الرجوع إلى القضاء! ومثال ذلك ما حصل قبل سنتين؛ فقد قام أحد العناصر الأمنية التابعة لهم بقتل رجل في مدينة رداع بمحافظة البيضاء تحت غطاء أمني من سلطة الحوثيين وظل في حمايتهم عاماً كاملاً يسرح ويمرح ويجول شوارع رداع كلها بطقمه العسكري، وغاب دور القضاء الذي يتشدق الحوثيون بعدالته! ولكن عندما قام شقيق القتيل بعد طول انتظار بقتله، كان ردهم عنيفا فقد هجموا على بيته وفجروه وضربوه بالأسلحة الثقيلة وقتلوا من فيه! وهذا السلوك الحيواني المنحط بسبب عقليتهم الطائفية التي يحملونها ويحكمون الناس بها. أما إذا كان القاتل منهم والمقتول من غيرهم فإنهم يقومون بحماية القاتل ويهدرون دم القتيل، وهناك أمثلة كثيرة سنذكر منها مثالين فقط:

 

المثال الأول: قام أحد المشرفين الحوثيين بغصب أرض للشيخ أحمد سالم السكني من عمران قبل خمس سنوات، ولما شكى أمره إلى الدولة قام بقتله بدم بارد، فقامت سلطة الحوثيون بحماية القاتل وإهدار دم القتيل ولم تنفع خيام الاعتصام التي قامت بها آلاف القبائل للمطالبة بدم الشيخ السكني فضاع دمه هدراً وما زال القاتل إلى اليوم يسرح ويمرح في حماية الحوثيين!

 

المثال الثاني: قام حمير صالح رطاس فليته رئيس قسم شرطة الحائط بمديرية عيال سريح بمحافظة عمران يوم السبت 26/7/2025م بقتل الشيخ حميد منصور ردمان وهو من قبيلة أرحب من بكيل، وهو والد زوجة القاتل، وقد قتل فليته عمه حميد إثر خلاف عائلي بينهما، فقامت سلطة الحوثيون بحماية القاتل فليته وهو من قبيلة عذر من حاشد، والظاهر أن الحوثيين أوعزوا لبعض مشايخ أرحب أن يفعلوا النكف القبلي للاحتشاد على حدود قبيلة حاشد لإيجاد الفتنة بينهما لكي يوهموا الناس أن المشكلة بين القبيلتين للتغطية على جريمتهم البشعة، ثم ليقوم الحوثيون بالصلح بينهما بعد أن تدق الحرب طبولها فيكسب الحوثيون أمرين هما: الدعاية لهم وتغطية جريمتهم.

 

مع العلم أن الحوثيين لا يقيمون لشرع الله وزناً، وإلا لبادروا إلى إقامة حكم الله في القاتل وهو القصاص عاجلا غير آجل، قال الله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾.

 

فهم يلقون القبض على من أرادوا في الحال إذا كان من المخالفين لهم في الفكر والمعتقد أو من المعارضين لهم بسبب سياستهم الظالمة والفاشلة، وأما الجناة القتلة منهم المعتدون على أرواح الناس بسفك دمائهم المعصومة من دون وجه حق فلا يهمهم أمرهم لأنهم لا يشعرون بالمسئولية أمام الله تجاههم، ولا غرابة في ذلك فحكمهم قائم على التمييز والعصبية والعنصرية والعنجهية. هذا هو حال الحوثيين وأعمالهم في مناطق سيطرتهم، ولا يعني هذا أن سكان المناطق الواقعة خارج سيطرتهم وتقع تحت سيطرة الحكومة الرسمية يعيشون في نعيم ورخاء بل هم في جحيم مستعر من الفوضى والانفلات والسرقات وسوء الخدمات بل انعدامها.

 

ومعلوم أن القبائل تربط بينها روابط الإخاء والجوار والمصاهرة وقبل ذلك رابطة العقيدة الإسلامية، فهم جزء من الأمة الإسلامية العظيمة، وأبناء القبائل هم في مناصب الدولة المدنية والعسكرية وفي استطاعتهم الوقوف في وجه الحكام الظلمة في شمال اليمن وجنوبه وإسقاطهم جميعا لو رصوا صفوفهم خلف حزب التحرير وتبنوا مشروعه العظيم المتمثل في إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فهو مشروع الأمة كلها وهم جزء مهم جدا منها، فالخلافة هي التي تحل كل مشاكل المسلمين وتوحد صفوفهم ضد الكفار المستعمرين، وهي التي ستحل مشاكل الثأر حلا جذريا، وهي التي تحرر فلسطين وأخواتها كشمير وبورما وجنوب السودان وقبرص وغيرها... وهي التي سوف تطبق الإسلام في الداخل فتحل كل المشكل التي أوجدتها الأنظمة العميلة للغرب الكافر، وتحمل الإسلام رسالة نور وهدى إلى العالم كله بالدعوة والجهاد.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حاشد قاسم – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ما هدف ترامب من اللقاء ببوتين؟

 

في مؤتمر صحفي بتاريخ 11/8/2025 قال ترامب: (ستكون قمة تمهيدية في الغالب... سأقول لبوتين قبل الاجتماع عليك إنهاء هذه الحرب يجب أن توقفها، ولن يعبث معي بعد الآن)، وأضاف مشيرا إلى أنه قد ينسحب من الدبلوماسية بشأن أوكرانيا (وقد أخرج بعدها وأتمنى حظا سعيدا وتنتهي القضية)، (وأنه لا يمكن تسويتها). وأشار أنه سيعرف خلال الدقائق الأولى من اللقاء ما إذا كانت هناك إمكانية للتوصل إلى سلام مع روسيا، كما أنه أعرب عن استيائه من تصريحات زيلينسكي التي أكد فيها أنه سيحتاج إلى موافقة دستورية بشأن القضايا الإقليمية، وأعلن أن اللقاء سيكون في 15/8/2025 في ولاية ألاسكا الأمريكية.

 

وقال مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف (سيركز الطرفان على مناقشة سبل تسوية طويلة الأمد للنزاع في أوكرانيا)، وأضاف أوشاكوف في تعليقه على مكان المحادثات (إن مصالح البلدين الاقتصادية تلتقي في ألاسكا والمنطقة القطبية الشمالية حيث توجد فرص لتنفيذ مشاريع اقتصادية كبيرة)، وقال ترامب في البيت الأبيض في مؤتمره الصحفي (أنا أتعامل بشكل جيد مع زيلينسكي، لكني لا أوافق على ما فعله. أعارضه بشدة، لم يكن لهذه الحرب أن تقع، ما كان يجب أن تحدث)، وأضاف: (أقلقني بعض الشيء ما قاله زيلينسكي "أحتاج إلى موافقة دستورية" لم يكن يحتاج إلى موافقة لدخول الحرب وقتل الجميع، لكنه يحتاج إلى موافقة لتبادل الأراضي. لأنه ستكون هناك بعض عمليات تبادل أراض). وقال إنه سيتصل بزيلينسكي بعد لقائه مع بوتين مشيرا إلى عدم وجود خطط لدعوة زعيم نظام كييف إلى قمة ألاسكا، وقال (سأتصل برئيس أوكرانيا ومن ثم بقادة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو).

 

هذه تصريحات ترامب قبل قمة ألاسكا مع بوتين، ويتبين منها أن هناك هدفا معلنا وآخر مخفياً لا يدركه إلا السياسي المحنك، فهو اجتماع مهم بين زعيمي بلدين يتنافسان على المصالح والمنافع، على حساب شعوب ودول العالم بغض النظر عن المشاكل التي بينهما، فالمصلحة فوق كل اعتبار.

 

ماذا يريد ترامب من هذا الاجتماع؟ هل يريد فعلا وقف الحرب في أوكرانيا؟ أم أن هناك هدفا آخر يريد تحقيقه مع روسيا بعيدا عن حرب أوكرانيا؟ وما هو هذا الهدف غير المعلن عنه؟ للجواب على ذلك أقول:

 

أولا: مكان الاجتماع له دلالة سياسية عما سيبحث في هذا الاجتماع، فألاسكا اشترتها أمريكا من روسيا عام 1867 بعد خسارة ألكسندر الثاني إمبراطور روسيا حربه مع بريطانيا، والأمر الآخر أنها منطقة في بداية القطب الشمالي، وحينما جاء ترامب أمر باستغلال الموارد في هذه الولاية وأصدر أمراً بصناعة كاسحات الثلوج والتنقيب عن المعادن بكافة أشكالها، وهي منطقة مشتركة مع روسيا في القطب الشمالي، وعليه يريد ترامب أن يقول لبوتين وزيلينسكي إنه من الممكن التخلي عن الأرض بعد خسارة حرب وأن روسيا سابقا فعلت ذلك، فلا ضير من فعله مجددا، ويقول لزيلينسكي ها هم الروس تخلوا عن أرض بعد الهزيمة وأنت كذلك.

 

ثانيا: إن اجتماع القمة لن يخرج منه شيء عن الموضوع المعلن ألا وهو وقف الحرب في أوكرانيا، فهذه حرب معقدة لعدة أسباب:

 

1-  موقف الروس ثابت لم يتغير ولا يريدون التنازل عما أخذوه من الأراضي (القرم وأربع مقاطعات في أوكرانيا) وهذا معلن غير مخفي وهو على ألسنة السياسيين الروس، وبالمقابل فإن زيلينسكي كما ورد في التصريحات آنفا لا يستطيع أن يتنازل، ولهذا نجد أن ترامب هاجمه وانتقده بشدة.

 

2-  موقف الاتحاد الأوروبي موقف معارض لوقف الحرب، لأن ترامب أقصاهم وأصبحوا لاعبين صغاراً، فهم نكايةً في ترامب يدعمون زيلينسكي بقوة ويقولون له لا تتنازل، وبالذات الخبث البريطاني، وجاءت هذه المواقف على لسان مسؤولين في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وروسيا، وهذه بعضها: بيان للسفارة الروسية في لندن (المحاولات المستمرة من جانب لندن وبعض شركائها لعرقلة التسوية السلمية للنزاع من خلال القضاء على أسبابه الجذرية)، وأضاف: (يتضح ذلك من خلال الأنشطة التي قامت بها القيادة البريطانية) قبيل القمة الروسية الأمريكية في ألاسكا، ويؤكد هذا الخط النهج الانتهازي للعواصم الأوروبية التي تقول علينا الاستمرار في استخدام أوكرانيا ضد روسيا، وأيضا إعلان أوروبا بشأن القمة المزمع عقدها في ألاسكا: (إن النجاح في تحقيق السلام في أوكرانيا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الضغط على روسيا والاستمرار في دعم أوكرانيا)، وأيضا تصريحات مارك روته الأمين العام لحلف الناتو (دعا إلى رفض الاعتراف القانوني بضم الأراضي الجديدة إلى روسيا)، وصرح الممثل الدائم لأمريكا في حلف الناتو ماثيو ويتكر في تعليقه على رفض رئيس أوكرانيا تقديم تنازلات إقليمية (إن على طرفي النزاع في أوكرانيا الموافقة على إنهائه)، وقالت زخاروفا تعليقا على بيان قادة الاتحاد الأوروبي (إنه ليس إلا أحد المنشورات النازية الدورية).

 

فنجد هنا تناقضا صارخا بين موقف أوروبا وأمريكا وموقف أوروبا وروسيا، فهذه تصريحات نارية لا توحي أن هناك حلا في الأفق لهذه الأزمة، وروسيا تعتبر أن أوكرانيا حديقتها الأمامية وهي خط الدفاع الأول عنها ولن تسمح بدخول حلف الناتو رسميا إلى أوكرانيا وإنشاء قواعد له وانضمام أوكرانيا للحلف، فأمام ترامب مهمة صعبة جدا في الجمع بين الأطراف، وأما التصريحات المتفائلة منه ومن نائبه ومن ستيف ويتكوف وأمين عام الناتو فكلها لا تعدو عن آمال، حتى إن بذور فشل القمة في هدفها المعلن موجود وهو استبعاد زيلينسكي واستبعاد الاتحاد الأوروبي وتصلب الموقف الروسي.

 

3-  هناك سبب آخر ألا وهو وجود معارضة قوية في أمريكا وتيار يؤيد عزل روسيا وليس الانفتاح عليها، بل محاصرتها ومعاقبتها مثل ما فعلت إدارة بايدن، وهذا التيار موجود حتى بين أعضاء الحزب الجمهوري وفي الدولة العميقة، فهؤلاء لا يرون الانفتاح على روسيا بل خنقها، وبخاصة بعد انفتاح روسيا على الصين، فهذا التيار يريد تبني حرب أوكرانيا لإشغال روسيا وتهديد أوروبا وإبقائهم تحت السيطرة، ولكن ترامب له رأي آخر هو والدولة العميقة الجديدة أصحاب رؤوس الأموال الجشعين.

 

ثالثا: إذن ما هو الهدف الحقيقي من انعقاد القمة؟ إن الهدف من انعقاد القمة هو استغلال موارد القطب الشمالي بشكل مشترك، ولهذا أعلن ترامب أنه يمكن أن نعلن عن اتفاق، ولم يوضح ما قصده، فهو يقصد استغلال القطب الشمالي والإعلان عن اتفاق بينه وبين روسيا، ويقضي الاتفاق أن تقدم موسكو لواشنطن المساعدة في تطوير واستثمار الموارد في منطقة القطب الشمالي وفي المقابل سيدعم ترامب شروط روسيا التي سيتعين على زيلينسكي قبولها من أجل إنهاء الصراع في أوكرانيا، وهذا سيجعل أوكرانيا غاضبة جدا بسبب اتفاقية القطب الشمالي المرتبطة بالحل في أوكرانيا.

 

صرح رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل ديميترييف (أن روسيا وأمريكا قادرتان على التعاون بنجاح في القطب الشمالي)، وأضاف (القطب الشمالي بالغ الأهمية، يجب على روسيا وأمريكا إيجاد أرضية مشتركة لضمان الاستقرار وتنمية الموارد وحماية البيئة)، وختم قائلا (التعاون ليس خيارا بل ضرورة، العالم يراقب). إذن الموضوع اقتصادي واستثمار موارد في هذه القمة، وبيع أوكرانيا في مزاد علني، وكأن بريطانيا وأوروبا تعلم بهذا، ولذلك دعوا زيلينسكي إلى التصلب وعدم التنازل، ولا يملك ترامب أمام الروس إلا ورقة أوكرانيا ليأخذ مقابلها خيرات القطب الشمالي، فهل يا ترى ينجح في ذلك؟

 

سيعمل ترامب على توقيع اتفاق القطب الشمالي ويعطي الوعود لروسيا في أراضي أوكرانيا دون حل جذري، فهو معني جدا بالاتفاق القطبي ولتذهب روسيا إلى الجحيم، ولتبقى الحرب سنوات أخرى، وهذا ما عبرت عنه مجلة فورين بوليسي في مقال تحليلي قبل أشهر وكاتبه من الخبراء قال: (السياسة الأمريكية الرامية إلى زيادة عزلة روسيا يمكن أن تسرع التعاون بين روسيا والصين في القطب الشمالي)، وهذا ما هو حاصل الآن، فقد مكنت روسيا الصين من استثمار موارد القطب الشمالي، وهناك تقارير وإحصاءات تؤكد هذا القول، والذي دفع روسيا إلى هذا هو حرب أوكرانيا، والاتفاقيات التي وقعها بوتين مع الصين بلغت أربع اتفاقيات استراتيجية مكنت روسيا من الصمود في وجه الضغوط والعقوبات الغربية، وسال لعاب الصين على موارد القطب الشمالي، فلما جاءت إدارة ترامب تخلى عن سياسة عزل روسيا وأراد أن يفتح معها علاقات تجارية، وهو صاحب الصفقات والمنافع المادية، فأخذ برأي القائلين إنه لا يجوز عزل روسيا وإلجاؤها إلى الصين، وبدأ علاقة جديدة مع بوتين وفتح قنوات اتصال وبدأ بإقناع أوكرانيا بالموافقة على خططه، فالاتجاه اليوم عند الإدارة في هذه القمة إغراء روسيا وعزلها عن الصين والحيلولة دون تشكل تكتل ضخم مع موارد ضخمة لا تستطيع أمريكا الوقوف في وجهه، فالمتوقع استمرار ترامب في محاولاته فتح آفاق جديدة مع روسيا بالرغم من وجود عقدة أوكرانيا، ويمكن مستقبلا أن يفصل بينهما، فهذه الإدارة متوحشة تريد أن تستولي على خيرات العالم وتستخدم في سبيل ذلك أساليب متعددة، وحمل العصا والجزرة وشعار (لنجعل أمريكا عظيمة) وشعار (السلام بالقوة) هو شعارها وسيفها المسلط على العالم.

 

أما نحن فنقول ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾، فالنصر قادم وستقام دولة الخلافة وسيبلغ ملكها ما بلغ الليل والنهار، وستعمل على إفشال مخططات هؤلاء المتوحشين، وستفشل مساعيهم وتقف في وجههم بكل حزم واقتدار وشموخ، وسيزول بإذن الله رسم أمريكا من العالم وستنكفئ على نفسها وسنلاحقها إلى عقر دارها كما فعل سلفنا الصالح حينما دخلوا أبيض كسرى ودخلوا بلد هرقل مكبرين مهللين، فهو تحقيق لوعد الله سبحانه وبشرى رسوله ﷺ.

 

﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سيف الدين عبده

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مجلس الأمن بين ازدواجية المعايير وتسييس القرارات:

من العراق إلى غزة

 

منذ تأسيس هذا المجلس، الذي أُوكلت إليه مهمة حفظ السلم والأمن الدوليين - كما يزعمون - أثبت الواقع أنه أداة لتنفيذ قراراته على الدول الضعيفة، من خلال احتكار الدول الدائمة العضوية للقرار، واستخدامها لحق النقض (الفيتو) الجائر، ما يؤدي إلى ازدواجية المعايير وتسييس القرارات بما يخدم مصالح تلك القوى على حساب الشعوب المستضعفة.

 

وما حصل في العراق عام 2003 بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل - التي لم يُعثر عليها - يقابله العجز والصمت الممنهج أمام جرائم يهود المتكررة في فلسطين، وخاصة في قطاع غزة.

 

فعلى الرغم من تشكيل لجان تفتيش في العراق، وعدم عثورها على أي دليل يدينه، لم يوقف المجلس ما قامت به أمريكا وبريطانيا من غزو العراق وتدميره. ووقف المجلس عاجزاً صامتاً، لا يستطيع أن يقدم شيئاً أو يوقف غزو أمريكا للعراق. ورغم أن الغزو تسبب في مقتل مئات الآلاف، وخلّف دماراً هائلاً وفوضى لا يزال العراق يدفع ثمنها، فإن هذا المجلس المزعوم لم يحاسب أي طرف دولي انتهك القرارات، وأثبت عجزه أمام الغطرسة والعنجهية الأمريكية التي لا تلقي بالاً لجميع الأعراف والمواثيق.

 

واليوم يتكرر المشهد بصورة مغايرة، تحت ذريعة "حق كيان يهود في الدفاع عن نفسه"، ليتحول المجرم إلى ضحية أمام عجز وتواطؤ واضحين.

 

منذ أكثر من 75 عاماً، والشعب الفلسطيني يعاني الاضطهاد وانتهاكات فاقت كل الشرائع الدولية، ولم نشهد من هذا المجلس المزعوم سوى بيانات الشجب والإدانة، رغم صدور عشرات القرارات التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. لكن هذه القرارات تبقى حبراً على ورق، بسبب الفيتو الأمريكي المتكرر. ورغم دعوات المجلس وتوصياته خلال الحرب على أهلنا في غزة، إلا أنها تبقى محصورة في أروقة المجلس، الذي فشل ويفشل في اتخاذ أية خطوات ملموسة في مناصرة القضايا العادلة والمتكررة في هذا الوقت.

 

ورغم اختلاف السياقات بين العراق وغزة، إلا أن تشابه المسارات واختلاف المعايير يوضح أن مجلس الأمن هو رهينة لمصالح القوى العظمى التي أنشأته لتحقيق غاياتها، ما يقوّض شرعيته في أعين الشعوب المنكوبة.

 

فما بين العراق الذي غُزي بذريعة كاذبة، وغزة التي تواجه صمتاً دولياً على ما يقوم به يهود، يظل مجلس الأمن - كما عهدناه - يعيد إنتاج ازدواجية المعايير، ويكرس القانون لخدمة الأقوياء فقط، كونه أداة للضغط السياسي والإعلامي.

 

إن الاعتراف بالقانون الدولي، في ظل هذه المعادلة المختلة، لا يعدو أن يكون ضرباً من السذاجة السياسية، فالمظلوم لا يملك رفاهية الانتظار.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

الأهمية الجيوستراتيجية للسودان

 

(مترجم)

 

شهد الخامس عشر من نيسان/أبريل 2025 مرور عامين على انغماس السودان في حرب أهلية مدمرة، تسبّبت في واحدة من أكبر وأشدّ الأزمات الإنسانية في العالم اليوم. قبل عامين، في نيسان/أبريل 2023، اندلع القتال بين القوات المسلّحة السودانية وقوات الدّعم السريع، ما أدى إلى نزوح الملايين، وإغراق البلاد في انعدام أمن غذائي حاد، وتدمير خدمات الصحة والتعليم الحيوية. ورغم الكارثة الإنسانية التي نتجت عن ذلك، فقد أفلتت حرب السودان إلى حدّ كبير من الأضواء العالمية. ويُعتبر السودان حرباً منسية، خاصةً بالنسبة للعالم الغربي الذي لا يركز إلا على أوكرانيا وغزة. فما هي العوامل الجيوسياسية التي تجعل السودان مغرياً جداً للقتال من أجله؟

 

الموقع الجغرافي للسودان

 

يقع السودان في شمال شرق قارة أفريقيا، وهو القلب الاستراتيجي لها وللشرق الأوسط. قبل الاستفتاء الذي قسّم السودان إلى قسمين عام ٢٠١١، كان ثالث أكبر دولة في أفريقيا، والسادس عشر في العالم. تحدُّه مصر من الشمال، والبحر الأحمر من الشمال الشرقي، وإريتريا من الشرق، وإثيوبيا من الجنوب الشرقي، وأفريقيا الوسطى من الجنوب الغربي، وتشاد من الغرب، وليبيا من الشمال الغربي. كما يمر عبره نهر النيل، أطول نهر في العالم.

 

يزخر السودان بالموارد المعدنية، مثل الذهب، والبترول، والغاز الطبيعي، واليورانيوم، والكروميت، وخام الحديد، بالإضافة إلى الأسبستوس، والكوبالت، والنحاس، والجرانيت، والجبس، والكاولين، والقصدير، والمنغنيز، والميكا، والغاز الطبيعي، والنيكل، والفضة، واليورانيوم، والزنك. علاوةً على ذلك، يتمتع بأراضٍ زراعية خصبة بفضل نهر النيل الذي يتدفق عبره. ومن الناحية الجيوستراتيجية، يقع السودان على ضفاف معالم طبيعية استراتيجية، وهي نهر النيل والبحر الأحمر. وهذان الموقعان يجعلانه ذا قيمة استراتيجية عالية جداً من حيث التجارة والموارد والنقل.

 

طبقات الصراع في السودان

 

وصفت مجلة الإيكونوميست السودان بأنه "آلة فوضى" ذات موجات صدمات إقليمية. وبعبارة بسيطة، إذا كان السودان في حالة فوضى، فإن موجات الصدمة ستمتدّ عبر المنطقة، نظراً لموقعه الاستراتيجي في قلب أفريقيا والشرق الأوسط. يمثل السودان نموذجاً للصراع الإقليمي، حيث تتقاطع الديناميكيات المحلية والدولية بشكل متزايد، مع تفاقم الأزمة الإنسانية.

 

إنّ عدم الاستقرار هو بوابة الاستعمار، حيث لا يمكن لأي طرف أن ينتصر بمفرده، وقد اجتذب كل من الجيش السوداني وقوات الدّعم السريع قوى خارجية كحلفاء، إمّا عن طريق إرسال الأموال والأسلحة أو عن طريق التدخل المباشر، وهو ما ستستغله بالطبع الأطراف الخارجية ذات المصالح في السودان لصالحها. في غضون ذلك، سمح فشل المؤسسات الدولية وعدم مبالاة الديمقراطيات الغربية لجهات فاعلة أخرى أكثر جرأةً بالتدخل. وهنا يأتي دور الجغرافيا السياسية، ما يخلق طبقات من الصراع تتقاطع فيها مصالح عديدة، فلنحلّلها واحدةً تلو الأخرى.

 

أ. محور الفوضى المحلي: المجمع الصّناعي شبه العسكري

 

لم تتمكن الحكومة الانتقالية قط من مواجهة قوات الدعم السريع باعتبارها أخطر إرث للبشير؛ وواصلت إضفاء الشرعية عليها ومنحها الحرية والفرص للتحول إلى جيش ثانٍ.

 

بعد سقوط عمر البشير، كان أخطر إرثه كياناً شبه عسكري يتمتع بقوة اقتصادية هائلة. تحولت قوات الدعم السريع إلى ما يسميه أليكس دي دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي والباحث البارز في شؤون السودان، "مؤسسة مرتزقة خاصة عابرة للحدود الوطنية". بالإضافة إلى المرتزقة، تعتمد قوات الدعم السريع على أعمال عائلة حميدتي التجارية، وكذلك على مناجم الذهب. أصبح المال والأسلحة والذهب في نهاية المطاف مصدر القوة لها. فلولا الأموال من مصادر دخل متنوعة، لما تمكنت هذه القوات من الحفاظ على مشروعها المكلف، حيث أدت الديناميكيات الداخلية والإقليمية إلى تقلص مواردها. ليس من المستغرب أنها وُلدت من بيئة صناعية شبه عسكرية جمعت بين قوة السلاح وتراكم الثروة الرأسمالية، ما أدى إلى زواج المصالح مع النخبة. كما أنها نشأت في بيئة عسكرية قمعية، حيث كان الجيش السوداني متورطاً بشكل كبير في المجالات السياسية والحياتية والاقتصادية للبلاد منذ الخمسينات. ونتيجة لذلك، تنافست الفصائل العسكرية في "الأنشطة التجارية والصناعية والزراعية".

 

ما مدى سوء متلازمة الصناعة العسكرية في السودان؟ يمكننا أن نقرأ من بيانات أيار/مايو 2020، أنه تحت سلطة وزارة الدفاع السودانية وحدها، كان هناك أكثر من 200 شركة في أيار/مايو 2020، بإيرادات سنوية قدرها 110 مليارات جنيه سوداني (2 مليار دولار بسعر الصرف الرسمي في ذلك الوقت). بينما تمتلك قوات الدعم السريع 250 شركة، بالإضافة إلى إيرادات كبيرة من أعمال المرتزقة. وفقاً لمراجعة شاملة أجراها الباحث والمحلل السياسي جان بابتيست غالوبان، فإنّ هذه الشركات العسكرية متورطة في إنتاج وبيع الذهب والمعادن الأخرى، والرخام، والجلود، والماشية، والصمغ العربي. كما أنها متورطة في تجارة الاستيراد، بما في ذلك السيطرة على 60% من السوق المرتبطة بحياة الكثير من الناس.

 

هذا النموذج من القيادة العسكرية متقلّب للغاية ولن يحقّق الاستقرار لأي بلد لأنه يضع سلطة المال والسلاح كقوة تحكم رئيسية. ونتيجة لذلك، يعاني السودان دائماً من صراعات وانقلابات لا تنتهي. وفي النهاية، كان الشعب السوداني، الذي يبلغ عدد المسلمين فيه قرابة 50 مليون نسمة، ضحية جشع وسطحية قادته الذين كان من السهل على القوى الأجنبية توجيههم.

 

ب. الصّراع الإقليمي على نهر النيل

 

يُعدُّ نهر النيل أطول نهر في العالم، وهو مصدر مياه يتدفق عبر 11 دولة في القارة الأفريقية. ويُعدّ وجوده بالغ الأهمية لاستدامة تلبية احتياجات الدول التي يمرّ عبرها. والسودان من الدول الرئيسية التي يتدفق عبرها هذا النهر.

 

في ظلّ الحكم الاستعماري عام 1929، توصلت بريطانيا إلى اتفاقية مع مصر منحتها سيطرة كاملة على النهر. وفي عام 1959، عُدِّلت الاتفاقية، فمنحت مصر السيطرة على 66% من تدفق النهر، والسودان 22%، وفُقد الباقي بسبب التبخر. ويجادل العديد من الدبلوماسيين المصريين بأن هذه الاتفاقيات مُلزمة قانوناً ولا يجوز تعديلها. من ناحية أخرى، يجادل الإثيوبيون بأنه على الرغم من أن مصدر النيل يأتي من إثيوبيا، إلا أنه لم يُدرج قط في هذه الاتفاقيات، وبالتالي، يجادلون بأن لديهم الآن الحق في نقضها. بدأ الصراع على نهر النيل عام ٢٠١١ عندما أعلنت إثيوبيا نيتها بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير. يهدف تطوير سد النهضة نفسه إلى استخدامه كمحطة لتوليد الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا، والتي تعتمد على نهر النيل. مع الأسف، لم يلق هذا القرار استحساناً من مصر والسودان، نظراً لشعورهما بالتهديد من انخفاض تدفق المياه إليهما.

 

يشعر الكثيرون بالقلق من احتمال نشوب صراع عسكري بين الدول المعنية، ما سيؤثر على أوروبا والعالم أجمع. في عام ٢٠٢١، صرّح المجلس الأوروبي بأنّ "التوصل إلى حلّ تفاوضي لنزاع سدّ النهضة سيسهم بشكل كبير في الاستقرار الإقليمي والتنمية المستدامة في الدول الثلاث المعنية".

 

ج. التدخل الدولي من البحر الأحمر

 

يُعدّ البحر الأحمر طريقاً تجارياً دولياً رئيسياً يربط آسيا وأوروبا، حيث يمرّ عبره ما يُقدر بـ ١٢-١٥٪ من التجارة البحرية العالمية التي تزيد قيمتها عن تريليون دولار سنوياً. يُعدّ البحر الأحمر حيوياً للدول الثلاث الرئيسية، السعودية والإمارات وروسيا، وهذا يزيد من تعقيد الأزمة السودانية. يقع السودان على بعد 30 كم فقط من السعودية عبر البحر الأحمر، وهذا يجعل من السهل على التجارة والمصالح الأجنبية دخول البلاد.

 

على طول البحر الأحمر، يوجد للسودان سبعة جيران ضعفاء و800 كم من الساحل. عندما تنهار دولة مثل السودان في منطقة استراتيجية، فإنها تجتذب التدخل الأجنبي، والذي بدوره يُصدّر عدم الاستقرار إلى جيرانها. لذلك، يمكن للسودان أن يزعزع استقرار تشاد والصومال وإثيوبيا ومنطقة الساحل ودول أبعد من ذلك في القرن الأفريقي وشرق أفريقيا بسرعة. من ناحية أخرى، مع توجه اللاجئين السودانيين إلى أوروبا ويأتي المعطلون والمتدخلون الرئيسيون من الخليج والشرق الأوسط، يمكن حتى للحرب أن تؤثر على ثلاث قارات منفصلة.

 

الإمارات مثلا، التي تدعم قوات الدعم السريع، بهدف توسيع نفوذها في السودان وتأمين الوصول إلى الموارد القيمة، وخاصةً الذهب؛ يُقدَّر أن 50-80% (حوالي 60 طناً) من الذهب السوداني يُهرَّب بشكل أساسي عبر الإمارات، وقيمته الحقيقية أعلى بمرتين إلى ثلاث مرات من الأرقام الرسمية، وهذا هو سبب اهتمام الإمارات الشديد بالموانئ، كما أنّ الموقع الاستراتيجي للسّودان على البحر الأحمر يجعله شريكاً جذاباً لتوسيع وجوده البحري، لمواجهة نفوذ القوى المتنافسة في البحر الأحمر والقرن الأفريقي. في الواقع، دربت الإمارات جنوداً من ثماني دول أفريقية، بما في ذلك إثيوبيا، وأنشأت قواعد عسكرية في جيران السودان، بما في ذلك تشاد وإريتريا ومصر وليبيا والمناطق التي تسيطر عليها الحكومة في الصومال.

 

وهذه التحرّكات صممتها الإمارات (التي كانت وثيقة الصلة بكيان يهود وكانت رائدة في اتفاقيات أبراهام) لمواجهة الإسلام المتطرف، ربما تذكر أن أسامة بن لادن أسس تنظيم القاعدة لأول مرة في السودان في الثمانينات. ومن خلال بناء هذه العلاقات الدفاعية، يمكن للإمارات حشد قوات من دول أخرى للقتال في السودان إلى جانب قوات الدعم السريع. في غضون ذلك، من المهم لروسيا الحفاظ على مصالحها في البحر الأحمر والمحيط الهندي، ما قد يؤثر على سيطرتها على قناة السويس. تلعب روسيا لعبةً ثنائية، تدعم كلا الجانبين، وفي مقابل دعمها للبرهان وحميدتي، تحصل مجموعة فاغنر، وهي قوة شبه عسكرية روسية، على ذهب بمليارات الدولارات. يمكن استخدام هذه الموارد لتمويل مبادرات روسية أخرى، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا.

 

بالنسبة للسعودية، التي تدعم الجيش السوداني، فإنّ البحر الأحمر أمر بالغ الأهمية لرؤية المملكة 2030، وهي إطارها الاستراتيجي لتقليل اعتمادها على النفط وتنويع اقتصادها. أحد المكونات الرئيسية لرؤية 2030 هو تطوير البنية التحتية السياحية للبحر الأحمر لجذب الزوار العالميين. إنّ الصراع المستمر والأعمال المتطرفة في البحر الأحمر قد يعرّض طموحات السعودية للخطر، بما في ذلك مشروع نيوم الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار. وكما تُظهر هذه الديناميكيات المعقدة، على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية؛ حتى لو انتهى قريباً، فقد أدّى الصراع السوداني بالفعل إلى زعزعة استقرار المنطقة، ما أدى إلى تفاقم التوترات داخل دول المنطقة وفيما بينها.

 

في الإسلام، لا تعتمد القوة الجيوسياسية على الثروة الطبيعية والموقع الجيوستراتيجي فحسب، بل تعتمد أيضاً على قوة القيادة الأصيلة ونظام الحياة القائم على الوحي. ما حدث في السودان درسٌ مهمٌّ في أن القيادة السّطحية الجشعة الظالمة، هي مصدر الكارثة التي تجعل الشعب يعشق طعاماً يتقاتل عليه أعداء الإسلام. عن ثوبان رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ: «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ. فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ».

 

#أزمة_السودان             #SudanCrisis

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. فيكا قمارة

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الغاية من خلق الإنسان ومأساة الجهل بها

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الرسل والأنبياء أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. إن الإنسان المخلوق الذي كرّمه الله بالعقل، قد جعله مختلفاً عن سائر المخلوقات. فقد قال الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾. وهذا التكريم بالعقل لم يكن عبثاً، بل لأجل أن يكون الإنسان محلّاً للتكليف، مسؤولاً عن اختياره، مأموراً بأن يعبد الله بإرادته وبصيرته لا كرهاً ولا جبراً.

 

من هنا جاءت الرسالات السماوية لتُعلِّم الإنسان معنى العبودية لله تعالى، فجميع الأنبياء والرسل جاؤوا لأداء رسالة واحدة: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ

 

1. العبادة

2. الاستخلاف في الأرض

3. العمارة

4. الدعوة والشهادة

 

لا تكتمل إلا إذا عاشت الأمة في ظل دولة تطبق الإسلام، وتحمل رسالته إلى العالم، وتدعو الناس بالبيان والبرهان، وتحمي دعوتها بالسنان، فيكون الدين كله لله، وتتحقق الغاية من خلق الإنسان.

 

إن أعظم سؤال يجب أن يُطرح على كل إنسان: لماذا خُلقنا؟ ما الغاية من وجودنا؟ وما الهدف من هذه الحياة؟ وللأسف فإن أكثر الناس اليوم يعرفون المصطلحات دون إدراك جوهرها، يعرفون أن الغاية من خلق الإنسان هي العبادة، والاستخلاف، والإعمار، والدعوة... ولكن دون فهم عميق أو تطبيق واقعي، فتحوّلت هذه المفاهيم إلى شعارات جوفاء لا تُنتج سلوكاً، ولا تُنير طريقاً!

 

وهذا هو الخطر الحقيقي: أن تعرف شيئاً من حيث اللفظ، ولكنك تجهله من حيث الحقيقة والمضمون، وهذا ما أدى إلى الضياع والتخبط والاضطرابات النفسية والفكرية في مجتمعاتنا، لأن الإنسان الذي لا يعرف لماذا وُجد، سيعيش بلا وِجهة، وسيقوده الضياع إلى كل وادٍ من وديان الباطل والعبث.

 

أولاً: العبادة - جوهر العلاقة بالله

 

الله سبحانه وتعالى هو خالق الإنسان، والكون، والحياة، وخلق كل شيء بحكمة. قال تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾.

 

فكل شيء في هذا الكون في طاعة وتسبيح لخالقه، فهذا الكون العظيم، بما فيه من مخلوقات وكائنات، يسبّح الله تعالى ويعبده تسبيحاً لا نفقهه نحن، كما أخبرنا سبحانه: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾  فكل ما في الوجود - من شمس وقمر ونجوم وهواء وماء... - يسير بأمر الله ووفق سننه الكونية، دون أن يتخلف عن طاعته قيد شعرة: ﴿لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾.

 

أما أنت أيها الإنسان فقد خُلقت لتعبد الله وحده، عبادة شاملة تشمل الصلاة والصيام، وتشمل العمل، والموقف، والحكم، والسياسة، والولاء والبراء...

 

فالعبادة ليست مجرد طقوس ظاهرة، بل هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال، الظاهرة والباطنة. وهي شاملة لكل سلوكيات الإنسان في حياته كلها: في معاملاته، وعلاقاته، وأخلاقه، ونظامه، وولائه، وعداوته، يجب أن تكون كلها وفق ما أمر الله تعالى.

 

فحين يتحرك الإنسان في حياته على أساس عبوديته لله، ويجعل كل أقواله وأفعاله ضمن مفهوم العبادة، فإنه يرتقي إلى أسمى المراتب، ويحقق الغاية التي خُلق من أجلها: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾.

 

فليكن همّنا أن نكون عباداً لله بحق، كما أراد منا خالقنا، لا كما تهوى نفوسنا أو تُملي علينا حضارات مادية لا تعبد إلا شهواتها، فليست العبادة طقوساً شعائرية فقط، بل هي حياة كاملة تُبنى على طاعة الله وتحكيم شرعه. فمن يقصرها على المسجد فقط، فقد ابتعد عن مفهومها القرآني.

 

ثانياً: الاستخلاف - حمل الأمانة وبناء الحكم بما أنزل الله

 

قال الله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، فالخلافة في الأرض تعني أن يحمل الإنسان مسؤولية تنفيذ أمر الله وتحكيم شريعته، في كل جوانب الحياة، لا أن يعيش تابعاً للغرب، ولا أن يُحكم بأنظمة الكفر، ولا أن يُرضي الحكام الفاسدين على حساب دينه وأمته.

 

الاستخلاف هو نظام حكم، هو سياسة واقتصاد واجتماع تُبنى على العقيدة، وليس مجرد وجود بشري على الأرض. وهو ما افتقدته الأمة بهدم الخلافة، فضعفت، وتفرقت، واستُبيحت دماؤها.

 

فخلق الله سبحانه وتعالى الإنسان لعبادته وعمارة الأرض، وجعل الغاية من وجوده هي إقامة دين الله وتطبيق شريعته. ومن تمام هذه الغاية أن تُقام الخلافة، فهي الكيان التنفيذي الذي تُنفّذ به أحكام الإسلام، وتُرعى به شؤون الناس. قال الله عز وجل: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾. فالله جل وعلا لم يجعل داود عليه السلام خليفة لمجرد العبادة الفردية، بل ليحكم بالحق ويقيم العدل، وهذا لا يكون إلا بسلطان يُقيم الدين ويحكم بشرع الله.

 

فالخلافة هي رئاسة عامة للمسلمين لتطبيق الإسلام في الداخل ونشره إلى الخارج بالدعوة والجهاد، وهي النظام الذي تُحل به النزاعات، وتُقام به الحدود، وتُرعى به الشؤون: في التعليم، والاقتصاد، والصحة، والسياسة، وغير ذلك. فبدون الخلافة يسود الظلم، ويضيع الحق، وينتشر الربا والزنا والجهل والفقر، وتنهار القيم، حتى الناحية الروحية؛ العبادة ذاتها، تتأثر بانعدام الدولة التي ترعى أمور الناس وتحقق لهم الاستقرار والأمان. قال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾. فإقامة الصلاة تعلّقت بأسباب دنيوية، كالأمن والرزق، وهذه الأسباب لا تُنظَّم إلا بدولة ترعى مصالح العباد بما أنزل الله.

 

أما الأمر الثالث، فهو العمارة، فالإعمار هو إصلاح الأرض لا إفسادها، قال تعالى: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ والإعمار ليس بناء العمارات فحسب، بل هو عمارة الأرض بالصلاح، بإقامة العدل، بنشر القيم، بتمكين شرع الله، لا بالنظام الرأسمالي ولا بنظام القوانين الوضعية.

 

فكل إعمار لا يُبنى على طاعة الله، فهو خراب، ولو بدا زاهياً في الظاهر، فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليكون عبداً له ومستخلفاً في الأرض، أي ليقوم بمهمة إعمار الأرض وفق منهج الله، لا وفق أهوائه ورغباته. قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾. فالملائكة علموا أن البشر إذا تُركوا بدون منهج إلهي ودون نظام يضبط سلوكهم، فإنهم سيفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، وهذا ما نراه اليوم واقعاً ملموساً.

 

لذلك فإن غاية الخلق ليست العبادة فقط، بل أيضاً العمارة على أساس الصلاح، أي وفق أحكام الإسلام، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال وجود دولة تطبق الإسلام، أي الخلافة الراشدة. فبدون الخلافة لا يتحقق صلاح الأرض، ولا تنتظم العبادة، ولا تُحمى الدماء، ولا تُحفظ الأعراض، بل تعم الفوضى ويسود الفساد وتُستباح الحقوق، وتتحول المجتمعات إلى غابات يأكل فيها القوي الضعيف.

 

إذن فـالعمارة الحقيقية للأرض لا تكون إلا بالخلافة، كما أن العبادة لا تنتظم إلا بالخلافة، وبدونها تفسد البشرية وتسقط في الانحلال والهمجية، وهذا هو حال العالم اليوم.

 

أما الأمر الرابع: الدعوة والشهادة

 

قال الله عز وجل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً﴾ فغاية بعثة الرسول ﷺ هي دعوة الناس كافة إلى دين الله، وهكذا كانت مهمة الأمة الإسلامية من بعده، أن تواصل هذه الدعوة لتكون رسالة الإسلام للعالم كله.

 

فالدعوة إلى الإسلام ليست مهمة اختيارية، بل هي أصل من أصول الرسالة، وهي غاية من غايات الخلق، كما أن إقامة الحجة على الناس لا تكون إلا بإبلاغهم دعوة الإسلام، وهذه المهمة العظيمة لا يمكن أن تؤدى كما يجب إلا من خلال دولة تحمل الدعوة إلى العالم، وتنشر الإسلام بالجهاد، ليكون الدين كله لله، لا يُعبد غيره، ولا يُطاع في الأرض سواه.

 

قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ وهذه الشهادة على الأمم لا تتحقق بكلام فردي أو بنشاط عاطفي، بل تتحقق بحمل الإسلام عملياً من خلال دولة الخلافة التي ترسل جيوشها بالحق، لا لاحتلال الشعوب، بل لتحريرها من عبودية البشر إلى عبودية رب البشر.

 

وكذلك نشر الدعوة لتطبيقها في أرض الواقع في عهد الدولة يحتاج إلى قوة تحميها، وجهاد ينصرها، وشهادة تقيم الحجة، ولذلك فإن الجهاد في سبيل الله ليس مجرد قتال، بل هو الطريقة العملية لحمل الإسلام إلى العالم، وفتح القلوب له، وكشف زيف الأنظمة الباطلة التي تستعبد البشر وتصدهم عن دين الله.

 

فالأمة الإسلامية مسؤولة عن تبليغ رسالة الإسلام للعالم، وهي ليست أمة منغلقة، بل أمة رسالة. ولكن حين تخلت عن هذه الوظيفة، وتفرغت للدنيا واللهث وراء الغرب، صارت ذليلة، مستضعفة، لا هي نالت رضا الله، ولا احترمها أعداؤها.

 

إن الغاية من خلق الإنسان ليست فلسفة ولا ترفاً فكرياً، بل هي من أعظم قضايا الوجود. ولا بد أن ندرك أن الإسلام جاء ليحكم الحياة كلها، وليس ليُحبس في قلوب العابدين ولا في مساجد الخاشعين.

 

وما لم ترجع الأمة لتحقيق هذه الغايات كما أمر الله، فلن تتغير أحوالها، ولن تنهض من سباتها. وقد آن لنا أن نعيد فهم هذه الغايات بعمق، ونحوّلها إلى وعي، وسلوك، وحركة، نحو التغيير الجذري بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

فالوعي على الغاية هو بداية الطريق... ومن ضل الغاية، تاه في الفروع والهوامش، ولو ظن أنه على الحق.

 

فكيف للناس أن يعبدوا الله حق عبادته وهم يجهلون الأحكام؟ وكيف يخلصون في صلاتهم وهم مظلومون جائعون، لا يأمنون على أنفسهم؟ وكيف يتحقق الشكر لله وهم محرومون من الثروات والخيرات التي سخرها لهم؟!

 

إن واقع المسلمين اليوم، من ضياع وفقر وفساد، هو الشاهد الأكبر على أن ضياع الخلافة أدى لضياع العبادات، وأفسد الحياة في كل جوانبها. ولهذا، فإن العمل لإعادة الخلافة ليس مجرد ترف سياسي أو طموح تنظيمي، بل هو فرض شرعي وضرورة حتمية لإقامة الدين، وضمان تحقق العبادة في واقع الناس، على الوجه الذي يُرضي الله سبحانه وتعالى.

 

فالخلافة ليست فقط تاج الفروض، بل هي الحامية لكل الفروض، وبدونها تضيع الأمة، وتضيع عبادتها، ويضيع دينها.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

معمر الحمري – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تاريخ الاستعمار المباشر وغير المباشر للسودان

بين عامي ١٨٨٩ و٢٠١٩

(مترجم)

 

من المهم لنا فهم التاريخ الخلفي للاستعمار في السودان، وكذلك تاريخ الحكم في منطقة السودان نفسها. وقد قيل إن الاستعمار البريطاني في القرن التاسع عشر خلق الظروف التي شجعت على تقسيم السودان والصراع فيه. وحتى أوائل القرن التاسع عشر، كانت المنطقة تعمل كسلسلة من السلطنات الصغيرة، بما في ذلك سلطنة الفونج وسلطنة دارفور. لم تكن طبيعة الحكم في العصر العثماني في المناطق غير الحضرية هي التي تحاول السيطرة على جميع جوانب الحياة. ومع ذلك، حاول محمد علي باشا المصري إخضاع السودان بأكمله لسيطرته في محاولته لتعزيز سلطته حتى يتمكن في النهاية من الانفصال عن العثمانيين. وظلّ السودان تحت سيطرة "مصر العثمانية" حتى حوالي عام 1882.

 

بعد ذلك، احتلّت بريطانيا مصر واستعمرتها عام 1882، ثم استعمرت السودان عام 1899. ويعود ذلك جزئياً إلى المنافسة الاستعمارية الشرسة بين بريطانيا وفرنسا بشأن التنافس على أفريقيا. كان التنافس على أفريقيا غزواً واستعماراً لمعظم أفريقيا على يد سبع قوى أوروبية غربية، مدفوعة بالثورة الصناعية الثانية خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في عصر الاستعمار الجديدة؛ بلجيكا، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، إيطاليا، البرتغال، وإسبانيا. لذلك، حرصت بريطانيا على تأمين سيطرتها على مصر ونهر النيل لكونه أحد طريقي التجارة المؤديين إلى مستعمراتها في الهند وجنوب أفريقيا.

 

تتجلى الأهمية الاستراتيجية للسودان بوضوح من موقعه الجغرافي. فهو جزء من منطقة الانتقال الأفريقية/الساحل (وهو مصطلح قد يشمل السودان، ولكنه يُستخدم بشكل أكثر شيوعاً للمنطقة الواقعة غرب القارة الكبرى، بما في ذلك النيجر ومالي وبوركينا فاسو والسنغال وغينيا)، ولكنه أيضاً جزء من جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى بشكل عام. كما أنه إحدى دول منطقة حوض النيل، ويشكل جزءاً من الساحل الغربي للبحر الأحمر ذي الأهمية الاستراتيجية. وهكذا، كانت الأهمية الاستراتيجية للسودان بالنسبة لبريطانيا وتأمين الممرات المائية الاستراتيجية لمصالحها الاقتصادية السبب الرئيسي الذي أدى إلى الغزو العسكري للسودان عام 1898 بقوات أنجلو-مصرية قوامها 24000 جندي. خاضت القوات الإمبراطورية البريطانية، بما في ذلك أمثال السير ونستون تشرشل، معارك ضد جيش خليفة السودان في معركة أم درمان. وتضمن ذلك الاستيلاء على العاصمة الخرطوم تحت القيادة الأنجلو-مصرية لهيبرت كيتشنر. تمكّنت القوات الأنجلو-مصرية من ترسيخ وجودها ونفوذها بشكل كامل داخل مستعمرة السودان من خلال عمل العديد من المعاهدات والسياسات الإدارية التي أسست سلطة الحكم الثنائي الأنجلو-مصري المشترك مع السودان تحت قيادة كل من التاج البريطاني والخديوي المصري. من الناحية النظرية، شاركت مصر في دور الحكم، ولكن من الناحية العملية ضمن هيكل الحكم الثنائي السيطرة البريطانية الكاملة على السودان. كان الحكام والمفتشون عادةً ضباطاً بريطانيين، وإن كانوا يخدمون تقنياً في الجيش المصري، وظلت الشخصيات الرئيسية في الحكومة والخدمة المدنية دائماً من خريجي الجامعات والمدارس العسكرية البريطانية. أصبح هذا في النهاية الآلية التي سيطرت بها بريطانيا على السودان حتى تشكيل دولة السودان المستقلة ذات السيادة في 1 كانون الثاني/يناير 1956. من ناحية أخرى، غزت بريطانيا دارفور واحتلتها عام 1916، واحتلت العاصمة الفاشر. اعتُبر سلطان دارفور، علي دينار، موالياً جداً للعثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى. ومنذ ذلك الوقت وحتى "الاستقلال"، ظلت دارفور تابعة للسودان. تخلت بريطانيا عن السيطرة المباشرة عام 1953، لكن الصراع تبع ذلك كما كان دائماً في المناطق التي كانت بريطانيا تحتلها سابقاً.

 

سيطرت بريطانيا على المنطقة من خلال نهج )فرق تسُدّ( الكلاسيكي، عرقياً ودينياً. مُنحت المجتمعات الأكثر استعماراً في الشمال سلطة على المجتمعات الأكثر أفريقية في الغرب والجنوب. قسّم الإداريون البريطانيون البلاد إلى منطقتين متميزتين، شمال وجنوب السودان. ومن خلال عملية تُعرف باسم "سياسة الجنوب"، أُدير جنوب السودان بشكل منفصل عن الشمال الأكثر تطوراً اقتصادياً. وحيثما كانت المعتقدات الدينية الوثنية موجودة في الجنوب؛ تأسست أنشطة تبشيرية نصرانية. وبالتالي، فإن جنوب السودان الحديث الذي انفصل عن السودان عام 2011 يتألف من 60% نصارى، و34% وثنيين، و6% مسلمين.

 

هذه هي الانقسامات القبلية نفسها التي شكّلت خطوط صدوع على مدى العقدين أو الثلاثة عقود الماضية.

 

ووفقاً لغراهام توماس في عمله الصادر عام 1990 بعنوان "السودان: صراع من أجل البقاء"، "تعزّز استمرار الانقسام بين الشمال والجنوب بقرار كيتشنر بالسماح للمقاطعات الجنوبية باعتناق النصرانية، بينما ظل شمال السودان مسلماً". تزامنت سياسة الجنوب مع قانون المنطقة المغلقة لعام 1922 الذي قيد حركة غير الجنوبيين داخل جنوب السودان.

 

في أعقاب العدوان والاستعمار البريطاني من عام 1896م حتى عام 1956م، شهدت العقود التي تلت ذلك مواجهة استعمار سياسي وثقافي غير مباشر، وانتشار القيم الرأسمالية الفاسدة، وصراع الاستعمار القديم والجديد بين بريطانيا وأمريكا.

 

ونتيجة لذلك، ظلّ السودان كدولة في حالة دائمة من الصراع والعنف منذ الاستقلال عام 1956 وحتى اليوم من خلال الحقن الهائل للأسلحة التي ضخمت الانقسامات العرقية والسياسية على يد أمريكا وبريطانيا.

 

وعلى وجه الخصوص، استخدمت أمريكا الجيش لتنفيذ العديد من الانقلابات منذ انقلاب نميري عام 1969. وكان السودان تحت النفوذ الأمريكي مع تحالف سياسي قوي مع أمريكا منذ عام 1972. زار الرئيس جعفر نميري أمريكا خمس مرات في زيارات خاصة وزيارة عمل رسمية واحدة بين عامي 1979 و1985. وكان هو الوحيد من بين رئيسين سودانيين قاما بزيارتها.

 

في عام ١٩٧٩، اكتشفت شركة شيفرون الأمريكية للنفط رواسب نفطية في منطقة بانتيو بأعالي النيل. أنكر النميري آنذاك ملكية الجنوب للنفط.

 

بدأت مغامرة السودان النفطية مع شركة شيفرون الأمريكية للنفط بعد فترة وجيزة من الحرب الأهلية الأولى بين الشمال والجنوب، والتي انتهت باتفاقية أديس أبابا للسلام عام ١٩٧٢. خلال فترة جعفر النميري (١٩٦٩-١٩٨٥) كعميل أمريكي، رحّب بطبيعة الحال بتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة. وفي عام ١٩٨٢، تلقى السودان مساعدات أمريكية أكثر من أي دولة أخرى في جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى - ١٦٠ مليون دولار أمريكي و١٠٠ مليون دولار أمريكي كمساعدات عسكرية. في زيارة نميري للولايات المتحدة عام 1983، أكد رونالد ريغان على أهمية السودان تحت النفوذ الأمريكي حيث قال: "إننا نشيد بجهود السودان لتنشيط قطاعه الخاص وإصلاح السياسات الحكومية التي تعيق التقدم الاقتصادي. إنّ التنمية الاقتصادية ذات أهمية قصوى لشعب السودان، وفي هذا المسعى يسعد الولايات المتحدة أن تقدم يد العون لصديق".

 

من المعروف أنّ أمريكا أشرفت على تنفيذ انفصال جنوب السودان عام 2011 في عهد أوباما وتأسيس دويلة جنوب السودان. كان ذلك بعد أن أنشأت الولايات المتحدة حركة انفصالية تسمى جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1983، بقيادة عميلها جون قرنق الذي عمل على احتواء جميع المتمردين وحركاتهم في حركة واحدة.

 

كان الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي، معروفاً بولائه لبريطانيا. ترأس الحكومة السودانية بين عامي 1986 و1989 وأُطيح به بانقلاب البشير. في عام 2005، وقّع نظام البشير والحركة الشعبية لتحرير السودان اتفاقية السلام الشامل. بدأت محادثات السلام في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تحت رعاية الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية بقيادة كينية، بدعم من "الترويكا" أمريكا وبريطانيا والنرويج. أسست اتفاقية السلام الشامل حكماً قائماً على دولة واحدة ونظامين، حيث فرض الشمال الشريعة الإسلامية بينما ظل الجنوب علمانياً، وأدى في النهاية إلى استقلال جنوب السودان في عام 2011. وبعد عام، تم توقيع اتفاقية سلام شرق السودان. وهكذا، كانت أمريكا هي التي جلبت الرئيس عمر البشير وزمرته إلى السلطة في عام 1989 حتى عام 2019، لتركيز النفوذ الأمريكي في البلاد، ثم لتنفيذ فكرة فصل الجنوب. وبالتالي أصبح السودان، شماله وجنوبه، منطقة خاضعة بالكامل للنفوذ الأمريكي.

 

ومع ذلك، ظلت أوروبا، وخاصة بريطانيا بسبب نفوذها السابق في السودان وعملائها في البلاد، تحاول التدخل كلما أمكن ذلك، لاستعادة نفوذها في السودان، أو على الأقل محاولة مشاركته مع أمريكا، حتى لو كان قليلاً. على سبيل المثال، عندما أسّست أمريكا الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق عام 1983، حاولت بريطانيا أن تسلل رجالها إليها. وخلال تلك الفترة، عاد ريك مشار، الذي كان في بريطانيا يدرس الهندسة الصناعية والتخطيط الاستراتيجي في جامعة برادفورد، عاد إلى السودان للانضمام إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان. ومع ذلك، كان هناك في ذلك الوقت صراع وقتال بينه وبين زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق، ما أجبره على ترك الحركة عام 1991. اتهم جون قرنق ريك مشار بأنه عميل بريطاني إلى جانب زوجة ريك مشار، إيما ماكون، وهي إنجليزية وكانت تعمل تحت غطاء منظمة إغاثة بريطانية/كندية ممولة من اليونيسف، وهي منظمة ستريت  كيدز الدولية. اتهمها جون قرنق بالعمل مع المخابرات البريطانية حتى أطلق قرنق على الحرب التي دارت بينه وبين

 

مشار اسم "حرب إيما". قُتلت عام 1993 في حادث مروري في نيروبي. حاول مشار بعد ذلك إيجاد طريقة للانفصال عن حركة قرنق وتشكيل حركة انفصالية أخرى من بين العديد من الحركات الانفصالية المسماة، وخاصة في عام 1997 عندما بدأ محادثات مع عمر البشير كانفصالي مستقل، إلا أنه فشل في تحقيق ذلك. ظل جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة قرنق الحركة الأبرز والأكثر نفوذاً، ونتيجة لذلك حاول مشار، بدافع من البريطانيين، العودة إليها. وبسبب النفوذ الكبير لقبيلته "النوير"، وافقت أمريكا على عودته على الرغم من علمها بحقيقة كونه عميلاً بريطانياً. أوعزت أمريكا إلى قرنق بالموافقة على عودته من أجل السيطرة عليه واحتوائه تحت قيادته لأن أمريكا كانت تعلم بثقله بسبب وجود القبيلة التي تقف خلفه، ثاني أكبر قبيلة في الجنوب. ومع ذلك، استمرت خلافاتهما في الحركة، واختار قرنق عدم تعيينه رجلاً ثانياً في الحركة، بل عيّن سلفا كير الأقل رتبة.

 

يُعد الرئيس الحالي لجنوب السودان، سلفا كير ميارديت، عميلاً حقيقياً لأمريكا، وقد تم إسكات أي معارضة لقيادته. ومع ذلك، استمر ريك مشار، نائبه من عام 2011 إلى عام 2013، في الوجود فيما يسمى بالحركة الشعبية لتحرير السودان بهدف احتوائهم ووضعهم تحت إشرافها، لأنه إذا بقوا في حركات مختلفة، فإن هذه الحركات الخارجة عن سيطرتها ستكون بوابة للدول الأوروبية المنافسة، وخاصة بريطانيا، وبالتالي سيكون هذا مصدر عائق لمشاريع أمريكا.

 

يمكن اعتبار العديد من مشاكل السودان الحالية بمثابة غياب للحضارة الإسلامية في العالم وفي المنطقة. هناك علاقة مباشرة بالمعاناة الإنسانية. ومع ذلك، يمكن للمستقبل أن يكون إيجابياً. ليس من الخيال أن نفكر في الإسلام ودولة الخلافة كحل. بل ينبغي أن يكون طموحاً حقيقياً. قبل دخول رسول الله ﷺ المدينة المنورة، كانت قبائل يثرب - الأوس والخزرج - في حالة حرب لسنوات. وكانت قبائل أخرى في المنطقة، مثل يهود بني النضير وبني قريظة، تتلاعب بهم بعضهم ضد بعضا لتحقيق مصالحها، إلا أن وصول رسول الله ﷺ غيّر ذلك. فقد تأسس الإسلام بوصفه نظاماً، ومنه انتشرت الرحمة. وقد ذكرنا الله سبحانه وتعالى بالتمسك بالإسلام حبل الله المتين وعدم التفرق، لأن التفرق بينهم كان بمثابة شفا حفرة من النار، لا يُنجى منها إلا بإقامة هدى الإسلام. ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.

 

لقد عانى السودان في ظلّ الرأسمالية أكثر من غيره، وازدهر في ظلّ الإسلام بكلّ معنى الكلمة، ويمكنه بالتأكيد أن يزدهر مجدداً.

 

#أزمة_السودان                    #SudanCrisis

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

ثريا أمل يسنى

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

رؤية نتنياهو (لإسرائيل الكبرى) مشروع يهودي يهدد المنطقة

 

في 12/8/2025 خرج علينا رئيس وزراء كيان يهود بتصريح في مقابلة مع قناة آي 24 نيوز العبرية فجر فيه قنبلة سياسية من العيار الثقيل غير آبه بأهل فلسطين حكاما ومحكومين وضاربا عرض الحائط بالدول المحيطة بفلسطين والبعيدة قائلا بتعجرف معهود إنه (يقوم بمهمة تاريخية روحية لتحقيق أحلام أجيال متعاقبة من الشعب اليهودي) وقال إنه (يشتاق إلى رؤية إسرائيل الكبرى). فهل هذا التصريح زلة لسان إعلامية أم أنه يكشف عن نوايا يهود الحقيقية في فلسطين والمنطقة؟ وما الذي دفع هذا المتعجرف الصغير لقول هذا الكلام في هذا الظرف بالذات؟ مع علمه أن من يحمونه من حكام العرب في أسوأ أوضاعهم؟ إليكم البيان:

 

أولا: إن رؤية يهود بشأن مصطلح (إسرائيل الكبرى) هي رؤية توسعية لحدود دولتهم المصطنعة، وتختلف النسخ المطروحة لهذه الرؤية لتشمل كامل أرض فلسطين التاريخية (من البحر إلى النهر) بينما تتبنى الفئة الأكثر تطرفا ضم أجزاء من الأردن ولبنان وسوريا ومصر بل وربما العراق وشبه جزيرة العرب. والذي نراه أن الرؤية الأقرب في بروتوكولات زعماء اليهود وتوافق عليها الإرادة الدولية هي الرؤية الأولى وهي الهيمنة على كامل أرض فلسطين، وهذا برز في تصريح نتنياهو السالف الذكر وتصريح وزير ماليته حين أعلن الضم عمليا والمباشرة بالبناء في منطقة E1 في مناطق القدس، (وقال زعيم حزب الصهيونية الدينية: "سنبدأ مخطط توسيع معاليه أدوميم الأربعاء المقبل وسنضاعف حجمها"، مبينا أن "الخطة تربط معاليه أدوميم بمدينة القدس، وتقطع التواصل العربي بين محافظتي رام الله وبيت لحم". سموتريتش اعتبر أن المخطط "يدفن فكرة الدولة الفلسطينية، بالنسبة للفلسطينيين والمجتمع الدولي، تُعدّ هذه المنطقة استراتيجية، وبدونها لا يمكن قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية" الأناضول، 14/8/2025) ومثل ذلك حين صوت الكنيست في شهر تموز/يوليو 2025 بأغلبية واسعة لصالح قرار رمزي يدعم ضم الضفة الغربية (أيد الكنيست مقترحا يقضي بضم الضفة الغربية، وذلك بأغلبية 71 نائبا من إجمالي 120، الجزيرة نت، 23/7/2025) وأيضا ذكرت جريدة مجلة المجلة بتاريخ 19 آب/أغسطس 2025 على لسان كاتب مقال عمرو إمام (عندما زار رئيس الموساد في كيان يهود ديفيد برنياع الدوحة في 14 آب/أغسطس 2025 قال لرئيس وزراء قطر بأن غزو غزة ليس مجرد ورقة ضغط على حماس لإظهار المرونة في المحادثات غير المباشرة الجارية بل هو خطة فعلية لإعادة الوجود اليهودي الدائمي في فلسطين)... فمن هذه التصريحات نفهم غاية نتنياهو وكيانه؛ أنهم يريدون كامل فلسطين ولا مكان للمسلمين والعرب فيها، وهذه رؤيتهم وهي المقصودة من تصريح نتنياهو، فهو تصريح حقيقي وبالذات الضفة الغربية، فهم يسعون عمليا لضم أجزاء كبيرة منها وفرض السيادة عليها، أما (إسرائيل الكبرى) خارج فلسطين فهي أحلام يهود التوسعية غير القابلة للتطبيق في الظرف الدولي الحالي.

 

ثانيا: لماذا جاء هذا الإعلان في هذا الوقت؟ إن ذلك لعدة أسباب:

 

1- لأن الظرف الداخلي لنتنياهو مواتٍ بسبب عملية طوفان الأقصى؛ فما بعدها بالنسبة لسياسة يهود وأمريكا تجاه فلسطين مختلف عما كان قبلها، فاستغل نتنياهو هذا الظرف بشن حرب على غزة، وشاهد كيف خذل حكام المسلمين أهل غزة وتقاعسوا عن نصرتهم، فدعاه ذلك إلى التمادي في الإجرام والتنكيل بأهل فلسطين.

 

2- يريد نتنياهو إرضاء اليمين الديني المتمثل في أحزاب الائتلاف لكي يحافظ على حكمه ويستمر في فرض الأمر الواقع في القدس والضفة الغربية، وذلك بالتضييق على أهل الضفة وخلق بيئة طاردة للناس حتى يلجئهم للهجرة الطوعية كما يقول دون أن يحسب حساباً لأحد، وما موقف السلطة الفلسطينية إلا دافع لنتنياهو للاستمرار في هذه السياسة، فهم قبلوا أن يكونوا تابعين ليهود ومعاونين له في سياساته الإجرامية.

3- نجاح ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية شكل رافعة قوية ليهود في فلسطين بسبب:

 

(أ) تبني إدارة ترامب لحل يختلف عن الحل الذي كانت تتبناه إدارة بايدن (حل الدولتين)، أما ترامب فهو يتبنى الحل الجزئي المتساوق مع رؤية يهود في الأرض المقدسة (إدارة ذاتية محدودة)،

 

(ب) جاء هذا التراخي من إدارة ترامب في حل الدولتين لأنه تبنى كيان يهود وجعله رأس حربة في المنطقة؛ وقد جاء هذا على لسان ترامب وغيره من المسؤولين الأمريكيين حيث ذكرت سكاي نيوز نقلا عن البيت الأبيض قول ترامب (مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخريطة ولطالما فكرت كيف يمكن توسيعها) [الجزيرة مباشر، فيديو، 16/8/2024]، بل إن المبعوث الأمريكي ستيفن ويتكوف ناقش مع روسيا نموذجا لحل قضية أوكرانيا على نمط احتلال الضفة الغربية (علمت صحيفة التايمز البريطانية أن روسيا والولايات المتحدة ناقشتا نموذجاً لإنهاء الحرب في أوكرانيا يشابه الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية) [ألترا فلسطين، 17/8/2025] ما يشي بأن نموذج الاحتلال الطويل الأمد للضفة الغربية هو نموذج مقبول عند أمريكا، وورد في قناة آي 24 نقلا عن رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون والسفير الأمريكي لدى الكيان مايك هاكابي (الصديق الأمريكي جاء ليقول: "هذه الأرض لكم" وليدفع عجلة الاعتراف بالسيادة لكم) وأضاف (كل زاوية في هذا مهمة لنا، هذا جزء لا يتجزأ من إيماننا، وذلك بالنسبة إلينا عظيم جدا، ولكن التواجد هنا بالضبط المهد الحقيقي لإيماننا هذا أكثر أهمية، وأكمل: نحن نقف بجانبكم بشكل كامل) وقال جونسون (الكتاب المقدس يعلمنا أن يهودا والسامرة وعدت للشعب اليهودي وهي تعود لكم بحق، ولكن الكثيرين في العالم اليوم لا يرون ذلك، هكذا يسمونها "أراض محتلة" أو "الضفة الغربية") قال مايك هكابي: (في الحقيقة لدينا شريك حقيقي واحد وهي "إسرائيل"، الله اختار الشعب اليهودي، وأعطاهم مكانا قطعة أرض صغيرة ربما هذه الأرض الأكثر جدلا في العالم كله) وقال: (هذا لكم) [آي 24 نيوز، 4/8/2025]، وذكرت يورو نيوز في 14/8/2025 (أن السيناتور ليندسي غراهام الأمريكي قال: دعم "إسرائيل" واجب ديني وغضب الله علينا إذا سحبنا هذا الدعم) وأضاف غراهام ("إسرائيل" في معركة من أجل البقاء ومن حولها جماعات لا تطمح فقط إلى هزيمتها بل إلى محوها من الوجود) وقال أيضا: ("إسرائيل" الصديق الأكثر موثوقية لأمريكا في الشرق الأوسط محذرا من عواقب وقف الدعم لها).

 

ومن هذه التصريحات نتبين أن إدارة ترامب وضعت مصلحة يهود على رأس هرم دول الشرق الأوسط وسمحت لهم بضرب كل من يرفع رأسه؛ فهم إنجيليون متعصبون ليهود وشباب بيض عنصريون يدعمون إدارة ترامب في سياساته، وقد جعلوا لمحاربة الإسلام في الشرق الأوسط أولوية على الملفات الكبرى مثل ملف الصين، فإن التوجه الذي أسست له إدارة أوباما ومارسته إدارة بايدن عمليا بجعل ملف الصين على رأس أجندة عمل الإدارة الأمريكية أصبح من الماضي، بل أصبح ملف الصين في المرتبة الثانية بعد ملف الشرق الأوسط، حيث إن عملية طوفان الأقصى وسقوط نظام بشار الأسد وصعود قوة الإسلام فكريا وسياسيا في الأمة وفي جيل الشباب جعل الإدارة الجديدة تضع ملف الإسلام في الشرق الأوسط على رأس قائمة أجندة عملها، فإن نجحت في ضبط الشرق الأوسط - لا سمح الله - فإنها سترجع ملف الصين ليكون على رأس الأجندة، ولذلك اقتنص يهود الفرصة وجاءت تصريحات نتنياهو السالفة الذكر تكشف عن نيته وما يصبو إليه من توسيع الكيان في الضفة الغربية والقدس وفرض الهيمنة الأمنية على باقي الدول المحيطة.

 

4- موقف البلاد الإسلامية في الشرق الأوسط موقف متخاذل ضعيف، تخلّوا فيه عن إخوانهم من أهل فلسطين، ما أغرى كيان يهود بأن يكشفوا عما في صدورهم من غايات وأهداف بعيدة المدى تتجاوز الهدف الذي أنشئ من أجله الكيان وهو رأس حربة الكفار الغربيين ضد المسلمين وضد قيام دولة الخلافة القادمة بإذن الله، (ندد بيان مشترك صادر عن وزراء خارجية 31 دولة عربية وإسلامية اليوم الجمعة بالتصريحات التي أدلى بها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو... بشأن ما تُسمى "إسرائيل الكبرى") [الجزيرة نت، 15/8/2025]، (أدانت منظمة التعاون الإسلامي التصريحات الاستفزازية التي أدلى بها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بشأن ما يُسمى "رؤية إسرائيل الكبرى"، معتبرة ذلك امتدادا لخطاب التطرف والتحريض والعدوان والاستخفاف بسيادة الدول، وانتهاكا صارخا لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة) [وفا، 14/8/2025]. فهذا هو مصير من يخذل أخاه ويتآمر عليه، فلن ينجو من العقاب الدنيوي والأخروي، فرأيناهم كيف كانت تصريحاتهم مخزية متهاوية لا تصدر همساً ولا صوتا فيه تهديد لليهود أو وعيد بالويل والثبور.

 

ثالثا: الظرف الدولي وموقف الدول الكبرى، نجده متواطئا متآمرا مع يهود، سواء من إدارة ترامب أو من أعضاء الاتحاد الأوروبي المنافق الذي عقد اجتماعا في نيويورك يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح دون إدانة الكيان أو مطالبة له باتخاذ إجراءات عملية لتطبيق ما يقولون، فهم منافقون يتساوقون مع اليهود ويحافظون عليهم ويدغدغون المشاعر لأزلام الحكام، والله يقول: ﴿يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [التوبة: 8] فمشروع حل الدولتين هو مشروع جريمة كبرى يريد الكفار منه تصفية فلسطين نهائيا لصالح يهود وإعطاء أهل البلاد فتاتا مسلوب الإرادة والسيادة كأنهم يعيشون في غير أرضهم (فلا نامت أعين الجبناء!).

 

رابعا: أخيرا، في هذه الأجواء الملبدة بالغيوم السياسية السلبية، اقتنص يهود الفرصة ليعبروا عن مكنونات صدورهم، ويعلنوا عن أهدافهم البعيدة، بإنشاء كيان يعطي مساحة معقولة لهم لاستمرار وجودهم ويدعمهم في ذلك الغرب الصليبي الحاقد الذي يشعر أن الأمة استفاقت وبدأت تتلمس طريقها نحو غايتها السامية، وأن هناك أعمالا جادة للوصول إلى هذه الغاية، فقد سار القطار على سكة الحديد بعد أن لم يكن، وهو سيصل بإذن الله إلى محطته الأخيرة ألا وهي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، يتقدمهم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذلك، رجال يصلون ليلهم بنهارهم، يقدمون الغالي والنفيس لإعزاز هذا الدين بعزيمة قوية لا تعرف الكلل ولا الملل ولا اليأس من روح الله، فهم رجال كخالد وأبي عبيدة وسعد بن معاذ والقعقاع، وها هم يركبون القطار بكل قوة واقتدار ليوصلوه إلى محطته النهائية، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الروم: 4-5]، فلا أمريكا ولا ربيبها كيان يهود ولا بريطانيا ولا روسيا ولا الصين سيقف في وجه العاملين للخلافة، ونقول لهم إن الله وعدنا وهو وعد حق فقال عز وجل: ﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: 6] وقال سبحانه: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾ [الإسراء: 7]

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سيف الدين عبده

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ماذا تعني قمةٌ بين ترامب وبوتين من دون أوروبا؟

 

نعم، قد ترى أوروبا أن القمة بين ترامب وبوتين بمثابة خيانةٍ للقيم الغربية، ولا سيما من زاوية المبادئ التي قام عليها التحالف الغربي: الدفاعُ المشترك، وحقوقُ الإنسان، والديمقراطية، ووحدةُ الصفّ الغربي. ويُحتمل أن يعتبر الأوروبيون أن هذه القمة خرقٌ للتوافق مع حليفتهم أمريكا؛ إذ يرون فيها إضفاءً لشرعيةٍ على بوتين رغم غزوه دولةً ذات سيادة، وربما يعدّونها مكافأةً له، أما ترامب، فمعروفٌ عنه أنه يقدّم المصالح على ما سواها، وهذا واضح في الصفقات التي يبرمها.

 

وقد يُقرأ هذا النهج الأحادي على أنه تقويضٌ للنظام الدولي الذي تتزعّمه واشنطن بالقوة، وهذا ما يُفهم من تصريح رئيس وزراء بولندا: "السلام لا يأتي بمقايضةٍ: أرضٍ مقابل صمت... هذه ليست قيم أوروبا". ومن ثمّ فإن القمة قد تُحدث شرخاً في التحالف الغربي وتُضعِف الثقة بالحليف.

 

لقد باتت سياسةُ أمريكا واضحة: سياسة نتائج وبراغماتيةٍ صِرفة، وكأنها تقول بعنجهية إننا نفعل ما يخدم مصالحنا، لا ما يرضي حلفاءنا، وهي تتخلّى عن الحليف عند انتفاء الفائدة؛ وخيرُ مثالٍ ما فعلته بعملائها الأفغان حين تخلت عنهم، وما فعلته سابقاً في فيتنام بعد أن شكّلت حكومةً في الجنوب ثم تخلّت عنها، وربما يتكرّر الأمر اليوم مع أوكرانيا إذا تغيّرت المصلحة، أو غداً مع تايوان؛ فالسياسة الأمريكية معروفةٌ بتقلّباتها في العلاقات الدولية.

 

ولعلّ عاملَي القوّة والموقع جعلاها تتصرّف بعنجهية، فلا ترى إلا نفسها، حتى لكأنها فوق "القانون الدولي" المزعوم؛ تنسحب من الاتفاقيات متى تشاء، وتفرض عقوباتٍ أحاديةً على من يخرج عن طاعتها، وتتدخّل عسكريّاً من دون موافقة الأمم المتحدة، فعلت ذلك في العراق وليبيا وغيرهما.

 

وربما تشعر أوروبا اليوم بأنها ستكون ضحيةَ البراغماتية الأمريكية، وأن أمريكا لا تراعي مصالحها، إذ تفاوضُ روسيا من خلف ظهرها وكأنها ليست طرفاً في هذه الحرب.

 

أقول لكلّ من تحالف مع "الشيطان الأكبر" إن أمريكا في سياستها لا تعرف عدوّاً ولا صديقاً، ولا تفي بالتزاماتها، والاتّكالُ عليها محفوفٌ بالمخاطر، إنها لا تُعلي من شأن القيم؛ بل تُقدِّم مصالحها عليها، فلا تنخدعوا بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ فعندما تتعارض القيمُ مع المكاسب، تنتصر المصالح. فقمة ترامب-بوتين ليست سوى مثالٍ واحد؛ ولا شيء يمنع أمريكا من عقد صفقاتٍ مع الصين أو روسيا إن حقّق ذلك مصالحها، كما أنّ أمريكا لا تريد أوروبا شريكةً بل تابعةً لسياساتها.

 

وأقول: مَن لا يملك قراره لا يملك مصيره!

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حين تتصارع الفيلة فالخاسر الأكبر هو العشب

"السودان مثال"

 

لم أجد في التاريخ تعبيراً لسوء الاستعمار أبلغ من قول ربعي بن عامر رضي الله عنه، لقائد الفرس: "نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد". وإن كان قوله هذا صدر عنه لبيان الغاية من رسالة الإسلام العظيمة بتكريم الناس بتعبيدهم لله، وما في ذلك من حفظ لأنفسهم وثرواتهم وكراماتهم، إلا أن الشيء أحيانا يتجلى ببيان ضدِّه. فرحمة الإسلام والحرية التي يضمنها تطبيقه على الناس تقابلها عبودية الشعوب والأمم للاستعمار الذي يرى فيهم مجرد ماكنات تدر عليه الذهب والمال.

 

بين كسرى وقيصر، وأمريكا وأوروبا وروسيا والصين، ماض وحاضر استُعبد فيه الناس ونهبت ثرواتهم وطحنت عظامهم في حروب لا تخدم إلا عروش الطغاة. صراع العروش هذا على العالم، ليس جديداً. وإن جاء الإسلام قبل أربعة عشر قرناً فأنقذ الأمم من براثن كسرى وقيصر، وأوصلهم لعبادة الله، وحكمهم بالوحي فعاشوا في هناء وكرامة محفوظي الأنفس والأموال والكرامات والأعراض، فقد هدمت دولة الإسلام منذ أكثر من قرن من الزمان وعاود الباطل استعباده للأمم والشعوب، وعادت البشرية تصطلي بنيران الأكاسرة الجدد. وأصبحت بلاد المسلمين في خانة المفعول به دوما بعد أن فقدنا دولتنا الخلافة دولة العز التي كانت الفاعل الأول في السياسة الدولية بدون منازع ولا تجرؤ دولة أن تكسر لها كلمة.

 

السودان بلد غني بالخيرات، وإن ادَّعى الغرب أنه فقير، يحتاج مساعدات منه ومن ومؤسساته، فهذا ادعاء لص يريد من ذلك ثلاث غايات: الأولى صرف أنظار المسلمين عن مكمن قوتهم وإبقاء الوهم بضعفهم وعجزهم سارياً في نفوسهم، وثانياً ضمان نهبه لثروات البلد دون لفت الأنظار ودون حسيب ولا رقيب، والأهم هو بقاؤه في الدولة وصيّاً مهيمنا يمرر سياساته وينفذ أجنداته لأنه بكل بساطة (لا جبن مجاني إلا في مصيدة الفئران).

 

ولأجل هذه الثلاثية: ضمان السلطة، ونهب الثروات، وإبقاء المسلمين في السودان في حالة ضعف ووهن، تتنافس دول العالم على حصص في السودان.

 

الناظر للصراع في السودان نظرة عابرة سيتوهمه صراعاً إثنياً أو عرقياً أو قبلياً كما درج الإعلام على الترويج، وفي أفضل حال يتم الترويج على أن هذا الاقتتال هو بين العسكر والمدنيين لاستلام السلطة. لكن المسلم الواعي الذي يجعل عقيدة الإسلام هي مرجعيته السياسية، ويعلم أن الكافرين عدو فيتخذهم عدوا، بالتالي لا يمر عليه أي تصريح لقادة الكفر مر الكرام، ولا ينخدع بود زائف، بل يعلم أن دول الكفر وهي تحاول منع نهضة الأمة، فهي تبذل في ذلك الجهود الجبارة في كل مكان، ولن يكون تصريح سياسي أمريكي أو أوروبي عن الصراع في بلد يعتبر سلة غذاء العالم ويطل على أهم الممرات البحرية مثل السودان، لن يكون حشو كلام أو مجرد إبداء رأي، بل المسلم يجب أن يعلم جيداً أن هذه التصريحات المتتالية عن السودان والدعم الإنساني المزعوم ومحاولات إعادة الإعمار كلها تحريك للعملاء ورسم لسياسات البلد القادمة وفق مصالح المستعمر وتثبيت لرجالاته في البلد.

 

فقد كان السودان محط أنظار الغرب طوال القرن الماضي منذ النفوذ البريطاني فيه وربطه بمصر، ثم لما انفك من مصر بقي النفوذ البريطاني يذهب ويعود عنه إلى أن استقر فيه نفوذ أمريكا في عهد النميري وعهد البشير. وإن أوروبا (بريطانيا وفرنسا) لا تزال تحاول النفاذ إليه كلما سنحت لها الفرصة كما فعلت في استغلال قضية دارفور وفشلت، ولا تزال تحاول ليكون لها مدخل إلى السودان. وعليه فإنه من حيث الأهمية، فالسودان مهم وهو محط اهتمام اللاعبين الكبار في السياسة الدولية. اهتمام لا يجر للسودان وأهله سوى حروب بين رجالات اللاعبين الكبار، تطحن البلد وأهله ولا تهتم لا بمئات آلاف القتلى ولا بملايين النازحين ولا أشد أزمات الجوع فتكاً في العصر الحديث.

 

هذه هي الرأسمالية: صراع الساسة على المناصب والثروات ورهن حياة الناس ومقدراتهم للسيد الذي يستعبدهم، لكن للمفارقة، فهو لأجل استمرار تسلّطه عليه أن ينزع عنه صفة المستعمر بل يدخل كحامٍ للبلاد من عدو يصنعه هو بنفسه. فأمريكا اليوم حتى تزيح رجالات أوروبا من الساحة وتضمن عدم وجود من يعكر عليها صفو تسييرها لمصالحها في هذا البلد وعدم وجود منافس على الثروات، تقيم حرباً بين طرفين تمسك هي بخيوط تحركهما وفق مصالحها. توهم الناس أن حميدتي معارض وأن البرهان يمثل الدولة، وفي الحقيقة كلاهما يتم تحريكه من عملاء أمريكا نفسها: مصر والسعودية والإمارات. يؤدون أدواراً تكاملية تخدم أهدافها بطرق مختلفة: فبينما يسعى البرهان لترسيخ سلطته داخلياً عبر حشد السند الشعبي وتفكيك النفوذ الأوروبي بإجراءات قانونية، ويعمل خارجياً على كسب الشرعية الدولية، يعكف حميدتي، في المقابل، على استكمال القضاء على نفوذ بريطانيا في دارفور، خصوصاً في الفاشر، التي يسعى جاهداً للسيطرة عليها دون أن ينجح رغم محاولاته الكثيرة، كما يعمل على إعادة تشكيل نفسه كمعارضة مسلحة قادرة على احتواء ما تبقى من نفوذ أوروبي في حركات الكفاح المسلح في دارفور.

 

وبذلك تستفرد أمريكا بالمشهد السوداني عبر رجالها من كلا الجانبين: حكومة يقودها الجيش بقيادة البرهان، ومعارضة تقودها قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي.

 

هذه الحكومات المختلفة، مدفوعة بقيمها الرأسمالية المادية وجوعها الذي لا يشبع لاكتساب الثروة، ليس لديها أي تحفظات بشأن التحريض على الحروب أو تأجيجها من أجل الربح ولا يكترثون بعدد القتلى المروع، أو حجم المعاناة الإنسانية، أو الكارثة الإنسانية الناتجة، ما دامت مصالحهم السياسية والاقتصادية مضمونة.

 

وستظل هذه الحروب مشتعلة في السودان وتستمر معها الأزمات وتتفاقم جوعاً ونزوحاً وسفك دماء ما لم يقف أهل السودان، خاصة المخلصون في الجيش، أمام ثلاثية أمريكا وهي: تقسيم البلاد بفصل دارفور بعد أن فصل الجنوب، والتطبيع مع كيان يهود الغاصب للأرض المباركة ويعيث فيها الفساد، ثم هذه الحرب المشتعلة الآثمة بين المسلمين.

 

﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ

 

#أزمة_السودان                    #SudanCrisis

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

بيان جمال

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ما خفايا مباحثات سوريا وكيان يهود في باريس؟

 

ذكرت صحيفة السياسة الكويتية بتاريخ 20/8/2025 خبرا عن لقاء سوري يهودي بوساطة أمريكية في باريس؛ لخفض التصعيد في سوريا، ونقلت عن الشيباني أنه بحث الاستقرار في سوريا مع وفد الاحتلال. وقد وصف موقع أكسيوس الأمريكي (بأن اللقاء توسطت فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويعد أرفع لقاء رسمي بين سوريا وإسرائيل منذ أكثر من 25 عاما) [الجزيرة نت، 20/8/2025] كما أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية سانا (أن وزير الخارجية أسعد الشيباني التقى وفدا إسرائيليا في باريس الثلاثاء "لمناقشة عدد من الملفات المرتبطة بتعزيز الاستقرار في المنطقة والجنوب السوري". وأضافت الوكالة الرسمية أن النقاشات تركزت على "خفض التصعيد وعدم التدخل بالشأن السوري الداخلي، والتوصل لتفاهمات تدعم الاستقرار في المنطقة، ومراقبة وقف إطلاق النار في محافظة السويداء (جنوب سوريا)") [الجزيرة نت، 20/8/2025] فالنقاشات التي جرت بوساطة أمريكية ركزت على مراقبة وقف إطلاق النار في محافظة السويداء وإعادة تفعيل اتفاق فصل القوات الموقع سنة 1974، مشيرة إلى أن المحادثات تأتي في إطار جهود دبلوماسية تهدف إلى تعزيز الأمن والحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية، وحضر الاجتماع من الجانب الأمريكي المبعوث الأمريكي توم براك ومن جانب كيان يهود رون ديرمر وزير الشؤون الاستراتيجية، ووصفت القناة 13 العبرية الاجتماع بأنه (مهم للغاية). فماذا وراء هذا الاجتماع المهم في باريس؟ وما هي حقيقته؟

 

أولا: الموقف الأمريكي، فأمريكا هي الدولة الفاعلة في الملف السوري وغيرها من الملفات، ولقد سعت جاهدة بمعاونة أردوغان وحكام العرب طوال 14 عاما من ثورة الشعب السوري المباركة التي رفعت شعارات تطالب بالتغيير الجذري القائم على عقيدة الإسلام، سعت لاحتواء هذه الثورة، واستخدمت كافة الوسائل والأساليب القذرة لإيجاد بديل مناسب لبشار الأسد، وأدخلت إيران وروسيا فأمعنوا قتلا وهدما وتشريدا وسجنا، وفتحوا خطاً آخر مع أردوغان المجرم المتخفي بثوب الإسلام، ليستخدم نفوذه على الثوار، وقد استطاع استمالة بعض فصائل الثوار وأنشأ لهم دويلة في إدلب لتدريب الكوادر وإنشاء بنية تحتية للوزارات، وقد استمرت هذه العملية مدة ثماني سنوات، عمل فيها أردوغان بإشراف مخابراته على إنضاج وبناء شخصيات لتتولى الأمور بعد بشار، فتم له ما أراد وأرادت أمريكا، فسقط بشار في ظروف ميدانية صنعها الثوار المخلصون رافعين لواء رسول الله ﷺ ورايته مكبرين مهللين ودخلوا دمشق فاتحين وتكللت الثورة بالنجاح، ولكن هرعت أمريكا بنفسها وأوباشها من العرب والفرس والترك واليهود وسخرت كل ما تملك من أدوات خارجية وإقليمية وداخلية لاحتواء توجه الثوار خوفا من إعلان الخلافة وتطبيق الإسلام، فالتفّت على الثوار ونصّبت عليهم حاكما من جنسهم قاتل معهم هو وزمرته ودخل دمشق كأنه هو من حقق النصر، ودعمه كل العملاء والدخلاء والأعداء والأصدقاء لتثبيته، وكل ذلك برعاية أمريكية محمومة خوفا من انفلات الأمور في الشام، فعقدت لذلك في بدايات سقوط دمشق اجتماعا في الدوحة حيدت فيه روسيا وإيران وحزبها، (وأوضح مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر خلال مداخلته في الجلسة، أن حلفاء الأسد يبدو أنهم يتقبلون الأمر الواقع ويبدو أن الوقت قد فات لتغيير هذا الواقع) [الجزيرة نت، 7/12/2024] ثم عقدت اجتماعا آخر في العقبة بما يسمى مجموعة الاتصال لدعم الاستقرار في سوريا، (أصدرت وزارة الخارجية الأردنية، السبت، بيانا ختاميا لاجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا... وتضم لجنة الاتصال الوزارية المعنية بسوريا كلا من المملكة الأردنية الهاشمية، والمملكة العربية السعودية،...، وجمهورية مصر العربية،... ودولة قطر) [سي إن إن بالعربية، 14/12/2024] وكانت أمريكا حاضرة بقوة في الاجتماع، وطلبت منهم استخدام أدواتهم لضبط الأمور في سوريا ودعم الحكومة الجديدة، وتحييد الثوار دعاة تطبيق الإسلام والخلافة، وقد تم ما أرادت! فدخل هؤلاء جميعهم مع أردوغان إلى دمشق، مغدقين الأموال على رئيسها الجديد، (أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، خلال زيارته لدمشق اليوم السبت (31 أيار/مايو 2025)، عن تقديم السعودية وقطر دعماً مالياً مشتركاً لموظفي القطاع العام في سوريا) [دي دبليو، 31/5/2025] وقد استعدت تركيا لحمايته عسكريا وأمنيا من أي تهديد ما عدا ما كان من اليهود! (وأوضح الوزير يرلي كايا - وزير الداخلية التركي - في منشور عبر منصة إكس، أنه بحث مع خطّاب إمكانات التعاون بين الوزارتين، لا سيما في المجال الأمني وتقديم الدعم اللازم لوزارة الداخلية السورية والوحدات التابعة لها) [الشرق الأوسط، 4/8/2025] فكانوا أنذل من أن يقفوا في وجه كيان يهود وهو يدمر سلاح سوريا دون تدخل "الحامي" أردوغان! فهو يعرف مهمته؛ وهي تثبيت الحاكم الجديد، وأنّ تصرف كيان يهود كان بإذن سيده حتى لا يقع هذا السلاح بيد من أخلص لله، واستمرت أمريكا في تثبيت النظام، وعقدت اجتماعا مع أحمد الشرع في السعودية برعاية تركية، وكان يظهر عليه الذل والاستكانة والتوسل لترامب، وقد استجاب لطلبهم بترسيخ الوطنية والقومية والعلمانية في سوريا، ولم يظهر في سوريا منذ 8/12/2024 إلى الآن أي من مظاهر الإسلام حتى ولو كانت شكلية، وهذا بأمر من أمريكا لأن الشام لا تحتمل التجارب، فهي أرض الأبدال وعاصمة الإسلام وأهله، ومن سكن فيها مدحه رسول الله ﷺ «وعليك بالشامِ فإنها خِيرةُ اللهِ من أرضِه، يجتبي إليها خيرتَه من عباده، فأما إن أبَيتُم فعليكم بيمنِكم، واسقوا من غدركم، فإنَّ اللهَ توكَّل - وفي روايةٍ: تكفَّل - لي بالشامِ وأهلِه» [صحيح الترغيب، 3087] فموقف أمريكا واضح منه احتواء جهود الثورة والمخلصين من الأمة الثلة الواعية، بتنصيب هذه الإدارة المؤقتة في دمشق، لتعمل على إعادة تدوير النظام بكافة مؤسساته وإبقاء أكابر مجرميها ليمكروا فيها وتغليفهم باللحى تضليلا وادعاءً بأن الإسلام وصل إلى الحكم، فها هي أمريكا خصصت للبنان وسوريا مبعوثا خاصا لإدارة سوريا والإشراف على كل حركة يقوم بها أحمد الشرع، وهو بدوره متهالك ويستجيب لهم ولأردوغان، ويتبع سنن الكافرين أمريكا والأعوان الخونة حذو القذة بالقذة، واستمرت أمريكا بهذا النهج إلى اليوم، وها هي رتبت لقاء بين الإدارة الجديدة ويهود في أذربيجان وعقدت عدة اجتماعات برعاية أمريكية وعلى مستويات أمنية عليا، ثم كان آخرها اجتماع باريس، الذي بحثت فيه قضية دروز السويداء ويهود وأمريكا ودروز فلسطين كما جاء في الخبر بداية المقال، وإلى الآن فإن الأمور تسير في سوريا كما خططت لها أمريكا في الخطة (أ) وهي سوريا موحدة ما دامت حكومتها تنفذ الأوامر، وأوعزت لتركيا برعاية النظام في دمشق هي والدول العربية بأموالها، والتأكد من عدم انحرافه عن طريق أمريكا، أما الخطة (ب) فهي تقسيم سوريا فيدراليا إذا شعروا أن أهل الشام ما زالوا متمسكين بمبادئ الثورة وهي إيصال الإسلام إلى الحكم، فعملت أمريكا على إبقاء الأكراد وكأنهم كيان منفصل أو له صلة بالحكومة المركزية، وأيضا تم إبقاء الساحل عصا مسلطة على رؤوس حكام دمشق، متى أرادت تحريكهم تحركوا بالتعاون مع القاعدة الروسية، وها هي السويداء والدروز يطالبون بالانفصال وربطهم بكيان يهود، وغيرها من المشاكل التي تفتعلها أمريكا وأذنابها في الإقليم والداخل، فرأي أمريكا هو سوريا موحدة تضمن مصالحها وتمنع وصول الإسلام، فإن تعذر فالخيار الآخر جاهز للتطبيق. أما بخصوص تمسك أمريكا بالخيار الأول فقد ذكر موقع عربي 21 عن النائب الأمريكي جو ويلسون تعليقه على فكرة تقسيم سوريا إلى ثلاث دول، وقال على منصة إكس: (اليوم تطرح الفكرة السخيفة لسوريا مما سيؤدي فقط إلى زعزعة استقرار سوريا، ستمتد آثارها إلى المنطقة في تركيا والأردن والعراق وإسرائيل) وأضاف (سوريا موحدة ومستقرة وشاملة هي الخيار الوحيد) [عربي 21، 21/8/2025]. وفي السياق نفسه عقد اجتماع في عمان بتاريخ 12/8/2025 (أكد بيان مشترك في ختام اجتماع أردني سوري أمريكي في العاصمة الأردنية عمّان، اليوم الثلاثاء، أن الاجتماع الثلاثي بحث الأوضاع في سوريا وسبل دعم عملية إعادة بنائها، وكذلك دعم وقف إطلاق النار في محافظة السويداء وإيجاد حل شامل للأزمة فيها) [الجزيرة نت، 12/8/2025] فأمريكا تريد إبقاء سوريا تحت سيطرتها، وهذا هو هدف هذه الاجتماعات المتلاحقة، وكذلك اجتماع نيويورك المزمع عقده في أيلول القادم حيث سيلتقي فيها أحمد الشرع مع ترامب ويهود لترتيب توقيع اتفاق أمني مع اليهود يحفظ مصالحهم في الجنوب السوري، وهذا إن تم كما أعلن عنه، ويرجح أن يكون الاتفاق في 25/9/2025 حسب إندبندنت عربية، وذكرت محطة سكاي نيوز عربية عن تنظيم اللقاء بين أحمد الشرع وترامب في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة (أفادت مصادر سكاي نيوز عربية بأن الولايات المتحدة تسعى إلى ترتيب لقاء بين الرئيس السوري أحمد الشرع ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في نيويورك في سبتمبر، بمشاركة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب) [سكاي نيوز العربية، 22/8/2025].

 

ثانيا: أما يهود فقد أزعجهم سقوط نظام بشار المجرم، ورأوا بأم أعينهم أهل الثورة يرفعون رايات الإسلام ويرددون التكبيرات، فدب في قلوبهم الرعب، فأول عمل قاموا به هو تدمير سلاح الجيش السوري الثقيل والمتوسط ومراكز الأبحاث، وثاني عمل هو دخول قواتهم إلى القنيطرة وجهة جبل الشيخ السورية وتركزوا فيها واحتلوا بعض القرى، ثم وسعوا توغلهم إلى محافظة درعا، ثم بعيدا عن دمشق عشرين كيلومترا، وبعدها حذروا الإدارة السورية من ضرب الدروز في جرمانا وصحنايا، وحلق طيرانهم فوق رؤوس قوات أحمد الشرع، وآخرها حماية الدروز في السويداء وقصف مقرات سيادية في دمشق، وقصف قوات الجيش السوري وقتل العديد منهم وإنزال طائرات هليكوبتر في السويداء بحجة الدعم الإنساني، وبالرغم من تخلي أحمد الشرع وحكومته عن المسلمين في السويداء ودرعا وتخاذله في أرضه استمر يهود بالعربدة والمطالبة بنزع سلاح الدولة من الجنوب، فما أهداف يهود في سوريا، وهل تختلف عن أهداف أمريكا؟ هذا ما سنبينه:

 

إن يهود أهل غدر وعداء للإسلام والمسلمين؛ فهم دائما يكيدون بهم ويخشون من وحدة المسلمين وإقامة دولتهم، فهم يلتقون مع أمريكا في هذه الأهداف وبخاصة الخوف من إقامة الخلافة، أما أهدافهم الخاصة بهم في سوريا، فقد جاءت في صحيفة فرنسية اسمها (لاكروا الفرنسية) (1) إقامة منطقة عازلة حول هضبة الجولان المحتلة، (2) الادعاء بحماية الدروز في السويداء، (3) تحويل الجنوب السوري إلى منطقة منزوعة السلاح، (4) "إسرائيل" تفضل سوريا ضعيفة منقسمة على نفسها على سوريا قوية موحدة كما يريد الأمريكان، (5) تحرص "إسرائيل" على استمرار الفوضى في الجنوب لأن ذلك يخدم مصالحها. انتهى قول الصحيفة، 17/7/2025. فهذه الأهداف تطابق الحقيقة، فتصرّف اليهود على الأرض وشروطهم في المفاوضات مع أحمد الشرع يشي بهذه النتيجة، وما تصريحات كاتس بقوله: (إسرائيل لن تسمح بتحويل سوريا إلى مصدر تهديد لمستوطناتها أو مصالحها الأمنية) [روسيا اليوم، 3/4/2025]، وتصريحات نتنياهو بقوله إنه (لن يقبل بقيام أي خلافة على شاطئ المتوسط) [عربي 21، 21/4/2025]، إلا دليل على توجههم ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ [آل عمران، 118]

 

ثالثا: موقف الحكومة الجديدة في دمشق هو موقف متخاذل ربط نفسه مع المنظومة الإقليمية والدولية بقيادة أمريكا ولم يمض على وجوده إلا أشهر معدودة فسبق أسلافه في فتح القنوات مع العدو الغاصب لأجزاء من بلاد الشام فلسطين والجولان وغيرها حول الجولان، وهو يحاول تضليل أهل الشام بعلة عدم قدرته على مواجهة العدو الخارجي، وأن الوقت هو وقت البناء الداخلي، فعمل على بناء الداخل والمؤسسات على العلمانية.

 

ما هكذا يحكم المسلمون يا أحمد الشرع، وليس لك من اسمك نصيب، بل أنت تخليت عن الشرع، فطبقت نظام كفر، وتريد بالأموال والمشاريع صرف الناس عن هدفهم الحقيقي، ألا وهو تطبيق الإسلام، وتركت الكفار من يهود وأمريكان يجوسون خلال الديار ويعبثون بأرضك دون حراك منك ولا تهديد، بل استمررت في غيك وفتحت أبوابك ليهود وأرسلت الوفود لمفاوضتهم والجلوس معهم، فأين جهادك الذي تدعيه؟ فأنت تسجن الشرفاء والمخلصين من أبناء الأمة والمجاهدين، وتغري أزلامك من النظام السابق ليجلدوا الناس ويقتلوهم، لقد قلتَ سابقا محذرا الرئيس المصري مرسي أن حبل أمريكا قصير وسيغدرون بك يا مرسي، فها أنت تقع فيما حذرت منه. يا أحمد الشرع أقول لك قول الله تعالى ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيما﴾ فقول الحق واجب علينا أن ننصحك به، أن تقطع حبالك مع يهود وأمريكا وأشياعها، وأولهم أردوغان السمسار الأكبر، وارجع إلى الله فحبل الله خير لك في الدنيا والآخرة، وإلا سيلقونك على قارعة الطريق أنت ومن ساندك وسار معك على الباطل، وهذا ما حذرت منه مرسي، فأقول لك: النجاة النجاة، وحذار حذار أن تصر على سيرك مع هؤلاء المجرمين.

 

وأخيرا، إن الشام في حفظ الله، وأهلها بمعية الله فهم صبروا وصمدوا مدة 14 سنة، وهم مستعدون أن يصبروا مثلها وأكثر من أجل إقامة الخلافة، ويومها سيندم المتخاذلون الذين أبوا إلا أن يكونوا مع الخوالف، ولن يكون لك حظ في دولة الخلافة، فأسرع للتوبة والغفران والعمل مع العاملين لإقامتها ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام، 153]

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سيف الدين عبده

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم 

وقفة مع آية

﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾

 

 

هذه الآية تضرب مثلاً على عظمة هذا القرآن وقوة أثره، حتى إن الجماد - كالجبل الصلب - لو أنزل عليه هذا القرآن لتصدّع من خشية الله.

 

لكن الإنسان اليوم - المسلم خاصة - يسمع القرآن صباحاً ومساءً، ويتلوه ويحفظه، ومع ذلك لا يتصدّع قلبه ولا تتحرك جوارحه لإقامة أوامر الله ونواهيه في الواقع!

 

فالمطلوب ليس مجرد التلاوة ولا الحفظ، وإنما أن يحمل المسلم هذا القرآن ليُقيم به الحياة، ليجعله دستور دولة ونظام مجتمع، كما جعله الرسول ﷺ في المدينة.

 

الجبل لو نزل عليه القرآن لانهار، لكن المسلم اليوم يقرؤه وهو ثابت على قوانين الغرب!

 

الجبل يتصدع من خشية الله، لكن كثيراً من المسلمين لا يتصدعون حين يرون طاغوتاً يحكم بغير ما أنزل الله!

 

هذه الآية تحرّك الهمم لتدرك أن القرآن ليس كتاب بركة فقط، بل كتاب دولة ورسالة وحكم، من شأنه أن يغيّر وجه الأرض لو حمله المؤمنون بصدق.

 

الخلاصة:

 

إن هذه الآية تدعونا أن نتفكر: إن كان الجماد ينهار أمام القرآن، فكيف يليق بنا أن نسمع آيات الحكم والجهاد والخلافة ونتعامل معها وكأنها قصص للتلاوة فقط؟! فالواجب هو أن نجعلها منهجاً لإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤيد الراجحي – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

أمة الإسلام بين الوحي والتاريخ

 

 

نحن أمة الإسلام التي اصطفاها الله من بين سائر الأمم، فخاطبها بمدح عظيم، فقال سبحانه: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾. هذه الخيرية ليست صفةً وراثية ولا منحةً تاريخية، بل هي وظيفة كبرى، ورسالة عظيمة، وواجب تكليفي؛ أمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وإيمان وجهاد. فإن أدت الأمة وظيفتها صارت خير أمة، وإن قصرت لم تعد كذلك.

 

لقد جسّد الرسول ﷺ هذه الحقيقة من بداية بعثته، فلم يقف عند حدود الوعظ أو الزهد، بل أقام مشروعاً حضارياً كاملاً، يواجه به عقائد قريش الفاسدة، ويهدم أنظمتهم الباطلة، ويقدّم بديلاً ربانياً شاملاً. وفي المدينة أقام الدولة الإسلامية التي رعت شؤون رعاياها بالوحي، وحملت الإسلام إلى الناس بالدعوة والجهاد.

 

ومن بعده ﷺ سار الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم ومن تبعهم، ففتحوا فارس والروم، وأقاموا العدل في البلاد المفتوحة. ثم امتدت راية الإسلام شرقاً وغرباً في ظل الدولة الأموية، وبلغت قمة الازدهار في العصر العباسي، ثم حفظ العثمانيون بيضة الإسلام أربعة قرون، ففتحوا القسطنطينية تحقيقاً لبشارة الرسول ﷺ: «لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ».

 

هكذا عاشت الأمة في ظل الخلافة عزيزة قائدة، إلى أن تآمر الكافر المستعمر بقيادة بريطانيا، وأسقط الخلافة عام 1924م، فمزقت الأمة، وفقدت سلطانها، وسيطر المستعمر على أرضها وثرواتها وجيوشها.

 

اليوم نرى فلسطين يحتلها يهود المدعومون من الغرب، ونرى العراق والشام نهباً للغزاة، وأفغانستان ساحة للحروب، وأفريقيا فريسة للاستعمار الحديث، والخليج مرتهن لشركات الغرب وجيوشه، وجيوش المسلمين حُوّلت إلى أدوات لحماية الأنظمة العميلة، بدل أن تكون دروعاً للأمة وحراباً على أعدائها.

 

هذا الواقع ليس قدراً محتوماً، بل نتيجة طبيعية لهدم الخلافة وفقدان الكيان الجامع. فما نحن اليوم إلا شعوب ممزقة، تحكمها أنظمة خائنة، تطبق أنظمة الغرب وقوانينه، وتخضع للغرب المستعمر.

 

فمن نحن إذن؟ أأمة الخيرية التي وصفها الله بها؟ أم شعوب فقدت هويتها ورايتها ورسالتها؟

 

إن خيريتنا لا تعود إلا بعودتنا إلى وظيفتنا الأصلية استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تطبق الإسلام في الداخل، وتحمله إلى العالم بالدعوة والجهاد، رسالة هدى ونور ورحمة للعالمين. قال ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا». وهذا وعد لا يتخلف، ولكنه مرتبط بعملنا نحن.

 

إن طريق التغيير لا يُبتكر من العقول ولا يُنتزع من التجارب الغربية، بل يُستمدّ من سيرة الرسول ﷺ الذي غيّر واقع البشرية: حيث ربّى ﷺ الصحابة جماعة مؤمنة على أساس العقيدة الإسلامية، حتى تشكّل عندهم وعي صافٍ وإخلاص صادق، فصاروا حملة دعوة لا يعرفون المساومة. ثم نزل الصحابة بهذا الوعي وبثقافة الإسلام وأفكاره إلى ساحات مكة، يواجهون الأصنام والأفكار والعادات، يصدعون بالحق، ويخوضون الصراع الفكري والكفاح السياسي، حتى كوّنوا رأياً عاماً واعياً بالإسلام، ورأى الناس أن الإسلام ليس دين عبادة فحسب، بل منهج حياة شامل، ونمط عيش متكامل.

 

تزامنا مع هذا توجه الرسول ﷺ إلى أهل القوة والمنعة من القبائل، يعرض عليهم مشروع الإسلام ويطلب منهم نصرته وإقامة دولته، فرده من رده واشترط عليه من اشترط، حتى هيأ الله له الأنصار من أهل يثرب، فبايعوه بيعة العقبة الثانية، فكانت نقطة التحول الكبرى، ثم قامت الدولة الإسلامية. هكذا سار ﷺ، وهكذا يجب أن نسير إن أردنا القيام بالواجب واستحقاق النصر والتمكين.

 

إن العمل لإقامة الخلافة ليس مجرد عبادة فردية ولا نشاطاً خيرياً، بل هو صراع فكري مع أفكار الكفر من ديمقراطية وعلمانية ووطنية وقومية، لكشف زيفها وإظهار عجزها، وتبيين صلاحية الإسلام وحده لقيادة البشرية. وهو كذلك كفاح سياسي ضد الأنظمة العميلة التي تحكم بلاد المسلمين، لكشف ولائها للغرب، وفضح جرائمها بحق الأمة، وقيادة المسلمين لمحاسبتها والعمل على اقتلاعها.

 

وعندما يتشكل في الأمة رأي عام واعٍ بالإسلام وضرورة تطبيقه، يأتي دور النصرة من أهل القوة والمنعة، من الجيوش أو القبائل أو القيادات المؤثرة، ليعطوا النصرة لحزب التحرير كاملة غير مشروطة كما أعطاها الأنصار لرسول الله ﷺ، فتقام الدولة الإسلامية من جديد.

 

يا أمة الإسلام، لسنا اليوم أمام خيار ترفي أو مسألة فرعية، بل أمام قضية مصيرية: إما أن نعود إلى دورنا كخير أمة تقود البشرية، أو نظل غثاءً تتداعى علينا الأمم.

 

إن الواجب على كل مسلم أن يجعل قضية الخلافة قضيته الأولى والمصيرية، وأن يعمل معنا لإقامتها، وفق منهج الرسول ﷺ بالصراع الفكري والكفاح السياسي واستنصار أهل القوة والمنعة القادرين على تمكين المخلصين من إقامتها وتطبيق الإسلام من خلالها، حتى تنهض الأمة من جديد.

 

إن الخلافة ليست مجرد حكم، بل هي تطبيق الإسلام كاملا شاملا غير منقوص، وتحرير الأمة ومقدساتها من هيمنة الغرب وإنهاء عقود التبعية التي تكبلها، واستعادة السيادة على الثروات التي ينهبها الغرب في رعاية الأنظمة وحمايتها، ومن ثم قيادة البشرية بنور الإسلام، وإنقاذها من ظلم الرأسمالية ووحشية الاستعمار.

 

يا أمة الإسلام، إننا نملك وعد الله وبشارة رسوله ﷺ، ونملك تاريخاً مجيداً شهد له الأعداء قبل الأصدقاء، ونملك ثروة هائلة وبشراً بالملايين. فلم يبقَ إلا أن ننهض للعمل الجاد، ونقتدي برسولنا ﷺ في طريق التغيير، حتى نقيم الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فنعود خير أمة أخرجت للناس.

 

﴿هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ﴾

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سعد معاذ – ولاية مصر

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الإبادة الجماعية السودانية: دور عمر البشير

 

(مترجم)

 

بينما يعرف العالم الكثير عن الإبادة الجماعية التي يعاني منها أهلنا في فلسطين، إلا أن ما يُعرف أو يُتداول عن معاناة أهل السودان خلال الثمانية عشر شهراً الماضية من إبادة جماعية صامتة أقل بكثير. لقد أودت هذه الفظاعة بحياة أكثر من 15,000 شخص، وشردت أكثر من 10 ملايين، وتركت نصف السكان - 25 مليون شخص - يواجهون انعدام الأمن الغذائي والجوع.

 

ما لا يُعرف عنه الكثير هو أن هذه الإبادة الجماعية تنبع من الصراع المستمر بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية. ومع ذلك، لم تبدأ مشاكل السودان في عام 2023، بل منذ عام 1956، عندما نالت البلاد استقلالها عن الحكم البريطاني المصري. ومنذ ذلك الحين، شهد السودان سبعة انقلابات عسكرية، كان من أهمها ما حدث عام 1989، والذي أوصل عمر البشير إلى السلطة، والذي حكم كديكتاتور لثلاثة عقود.

 

بعد 30 عاماً من الظلم، نجح الشعب السوداني أخيراً في عزل البشير واحتفل بحريته الجديدة؛ الحرية التي سرعان ما انتزعها منه عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية، ومحمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، قائد قوات الدعم السريع. وقد اكتسب الرجلان نفوذاً وثروة طائلة في ظل نظام البشير.

 

قبل انقلاب عام 1989 الذي جعل عمر البشير حاكماً للسودان، كانت البلاد غارقة في حربها الأهلية الثانية مع الجيش الشعبي لتحرير السودان، بقيادة جون قرنق. وكثيراً ما يُتهم قرنق بالعمل كوكيل لأمريكا، ساعياً لتحقيق مصالحها لتقسيم السودان لتحقيق مكاسب استراتيجية واقتصادية. وتُوجت هذه الجهود باتفاقية نيفاشا عام 2005، التي وقّعها البشير وقرنق، والتي مهدت الطريق لاستقلال جنوب السودان.

 

تجدر الإشارة إلى أن جنوب السودان يمتلك احتياطيات نفطية هائلة، ما دفع الولايات المتحدة إلى استثمار أكثر من 1.2 مليار دولار في هذا البلد الناشئ، تحت شعاري "بناء السلام" و"الحوكمة الرشيدة"، في الوقت الذي كانت تتنافس فيه مع الصين على الهيمنة الإقليمية.

 

في الوقت نفسه، كان اقتصاد السودان ينهار. حيث فقد رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي الدعم الشعبي، حين واجه الناس المجاعة والتشرد وأزمة ديون محلية وتضخماً مفرطاً تجاوز 70%، تفاقمت جميعها بسبب انهيار العملة الذي جعل الناس غير قادرين على تحمل تكاليف الضروريات الأساسية.

 

وقد هيأت هذه الظروف أرضاً خصبة للبشير - بدعم من الجبهة الإسلامية القومية، التي تحالفت مع السعودية والولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفيتي؛ لتنفيذ انقلاب سلمي في 30 حزيران/يونيو 1989. وعند توليه السلطة، حل البشير البرلمان، وأعلن نفسه رئيساً للدولة، ورئيساً للوزراء، ووزيراً للدفاع، وفرض أحكاماً صارمة من "الشريعة الإسلامية".

 

وبصفته القائد الجديد، سارع البشير إلى إحاطة نفسه بحماة مخلصين، أبرزهم القوات المسلحة السودانية، التي ترقى فيها عبد الفتاح البرهان ليصبح المفتش العام. وكان دور البرهان ضمان أمن البشير وقمع أي معارضة.

 

على الرغم من الوعد بالازدهار، سارعت حكومة البشير إلى قمع الأقليات. وشهدت سنوات التسعينات من القرن الماضي، التي غالباً ما تُسمى "سنوات الإرهاب"، ظهور بيوت الأشباح؛ وهي مراكز احتجاز سرية حيث تعرض المعارضون بمن فيهم المثقفون والشيوعيون وضباط الجيش للتعذيب. كما بدأت عمليات الجلد والإعدام العلني، بما في ذلك إعدام ثلاثة رجال لحيازتهم دولارات أمريكية، ما أثار موجة من الخوف بين السكان.

 

كما فرض البشير تفسيرات متشددة للشريعة الإسلامية، مثل قطع يد السارق، حتى عندما كانت السرقة بدافع الجوع أو الفقر. ومع ذلك، فبموجب الفقه الإسلامي الصحيح، تُعلّق هذه العقوبات في أوقات المجاعة أو الشدة، كما جسّده الخليفة عمر بن الخطاب، الذي رفض تطبيق هذه العقوبة أثناء المجاعة. في غضون ذلك، اختلس البشير ونظامه مليارات الدولارات، حيث عُثر على 90 مليون دولار في منزله بعد إقالته عام 2019، ما يُسلّط الضوء على تطبيقه الانتقائي للشريعة الإسلامية.

 

وعلى الرغم من أساليبه الوحشية، اندلعت حروب أهلية وتمردات. ففي جنوب السودان، اندلعت الحرب الأهلية الثانية بين الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان، مخلفةً أكثر من مليوني قتيل، معظمهم من المدنيين. وخاضت القوات المسلحة السودانية هذه الحرب إلى حد كبير، حيث لعب البرهان دوراً رئيسياً في العمليات العسكرية.

 

في غضون ذلك، في غرب السودان، ثار إقليم دارفور الذي أهملته الخرطوم لفترة طويلة. وبدلاً من نشر القوات المسلحة السودانية، استأجر البشير مليشيات الجنجويد، بما في ذلك حميدتي، لقمع الانتفاضة بوحشية. فكانت هذه بداية الإبادة الجماعية في دارفور.

 

شنّت مليشيا الجنجويد، المعروفة بقسوتها، حملة تطهير عرقي. فقد قُتل أكثر من 300 ألف شخص، وشُرد 2.5 مليون شخص، واغتصبت النساء، وأُعدم الرجال، وتعرض الأطفال للإساءة. وعُوِّض حميدتي وقواته من خلال مناجم الذهب في دارفور، ما جعل تهجير السكان المحليين ليس هدفاً عسكرياً فحسب، بل هدفاً اقتصادياً أيضاً. فما هي "مكافأتهم" على هذه الإبادة الجماعية؟ اعتراف رسمي من الحكومة السودانية، وإعادة تسميتها بقوات الدعم السريع!

 

ومع إثراء البشير لنفسه واحتفالاته، استمر السكان في الجوع، وتفكك الاقتصاد. ومع استقلال جنوب السودان، فقد السودان معظم ثروته النفطية. وأظهرت مراجعة للميزانية الوطنية أن 70% من النفقات ذهبت إلى الجيش، ولم يتبقَّ سوى القليل للرعاية الصحية أو التعليم أو الأمن الغذائي.

 

وإذا أضفنا إلى ذلك عقوداً من الفساد، والثروات المسروقة، والديون المتضخمة، والتضخم الساحق، فإن الشعب السوداني تُرك ليعاني كابوساً دام ثلاثة عقود. ولكن ما إن ظنّوا أن الأمور قد انتهت، وانبعث الأمل بعد إقالة البشير، حتى تدخل أتباعه لملء الفراغ؛ البرهان وحميدتي، الرجلان اللذان مكّنهما حكمه، ويشنّان الآن حرباً ضد بعضهما البعض بينما السودان ينزف.

 

#أزمة_السودان                    #SudanCrisis

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أمة الله حشمي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

الشام والكارثة الكبرى

 

 

 

مأساة الشام اليوم هي في فراغ الحكم وعقم الحاكم وغياب مطلق لمشروع دولة، فنحن أمام حالة من سياسة شاذة للحكم مثخنة بعمى البصيرة السياسية وانعدام تام لشروط الحكم والقيادة، فالرئاسة والإدارة اليوم بالشام رهن للاستعمار، قرارها بيده ورسم سياساتها بيده، بل وجودها وعدمها سيان، فالمستعمر الأمريكي عبر مبعوثه الخاص (المندوب السامي) توم باراك هو من يدير الشام.

 

فالشام اليوم بعد سقوط سفاحها بشار رهينة سياسية لأمريكا محجوزة ومقيدة بسياستها الاستعمارية ونفوذها الخارجي، وإدارة دمشق صيرتها أمريكا أداة لتحقيق أهدافها الاستعمارية. وها هي أمريكا قد عاثت في الشام فسادا وإفسادا عبر مبعوثها توم باراك ومكائده ومكره الخبيث لتحقيقه أهدافها الاستعمارية عبر قاعدتها الاستراتيجية كيان يهود، بل حتى عبر أحقر أدواتها من شراذم خونة الدروز والعلويين والأكراد الذين باتوا يصولون ويجولون ويعيثون فسادا ولهم رأي في أمر الشام وسياسة أهلها، وأنكى من ذلك عبر أحمد الشرع وبطانته بدمشق.

 

المفارقة اليوم ورزية الشام وكارثتها الكبرى هي في فراغ الحكم وانعدام الدولة، ليس بالشام حاكم، أو حتى شبه حاكم، بل نحن أمام فراغ مدمر على مستوى الحكم والقيادة، هذا الوضع الشاذ جعل تمرير الخيانات الكبرى كسياسات ومشاريع حكم، حتى إن هذه الإدارة في عمى بصيرتها السياسية وارتهانها للاستعمار الأمريكي حققت له وأنجزت من الخيانات في سبعة أشهر ما تطلّب عقودا طوالاً من مؤامرات حكام الوظيفة الاستعمارية بالمنطقة.

 

فهذا الوضع السياسي الشاذ اليوم بالشام جراء هذه السياسات الشاذة للإدارة بدمشق، المندفعة بخطا متهورة متسارعة متلاحقة لإنهاء ثورة الشام عبر تسليم الشام لأمريكا، هي حالة من غرائب السياسة أن تنتهي ثورة للتحرير من الاستعمار إلى إحكام قيود الاستعمار!

 

فأمريكا مصرة على بقاء نفوذها في الشام بشروط وقيود ألعن من سابقاتها زمن السفاح بشار، وإدارة دمشق هي أداتها الخانعة الطيعة في تنفيذ كل مكائدها الاستعمارية وخبيث مكرها، ومبعوثها الخاص لسوريا توم براك هو حقيق مندوبها السامي لإدارة الشام وحكمه.

 

فنحن أمام مبعوث خاص أمريكي بصلاحيات مندوب سامي له السلطة العليا في القضايا المصيرية للشام تشريعا وحكما وسياسة وجيشا واقتصادا واجتماعا وإدارة. فتصريحاته لصحيفة نيويورك تايمز في تموز/يوليو 2025 كشفت دوره وصلاحياته وخريطة الطريق التي رسمتها أمريكا للشام والموكول به إنجاز أهدافها.

 

أبرز ما جاء فيها:

 

سوريا و(إسرائيل) تجريان محادثات جادة برعاية أمريكية لاستعادة الهدوء على الحدود

 

إدارة ترامب ترغب في انضمام سوريا إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، لكن هذا الأمر قد يستغرق وقتاً

 

الرئيس الشرع قد يواجه معارضة داخلية بشأن الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية

 

لا يمكن للسوريين أن يروا رئيسهم مجبراً على الانضمام لتلك الاتفاقيات، ولذلك عليه أن يعمل بتأنٍ

 

التقدم في مساري الديمقراطية والحكم الشامل في سوريا لن يتحقق بسرعة، وهما ليسا جزءاً من المعايير الأمريكية

 

واشنطن أدركت أن سوريا لا تستطيع طرد من تبقى من المقاتلين الأجانب (المجاهدين)

 

المقاتلون الأجانب قد يشكلون تهديداً للحكومة السورية الجديدة في حال استبعادهم

 

إدارة ترامب تتوقع شفافية بشأن الأدوار الموكلة إلى المقاتلين الأجانب في سوريا

 

رفع العقوبات يهدف إلى تشجيع التغييرات، وهو أكثر فاعلية من إبقائها سارية حتى تلبية مطالب محددة...

 

فنحن أمام مندوبية استعمارية مكتملة الأركان لها مندوبها السامي وأهدافها الاستعمارية المعلنة وخريطة طريقها لإنجاز أهدافها وحكومة دمشق أداة تنفيذ فيها. تَمَّت ترجمة ذلك عبر اللقاءات المكثفة لتوم براك بكل من أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني، ففي تصريح عقب اللقاء الذي جمع توم براك بأحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني في أيار/مايو 2025 بإسطنبول، أكد أن الملفات التي تم بحثها متعلقة بالخطوات العملية للاتفاق مع يهود، والإجراءات التي يجب أن تتخذها الحكومة السورية فيما يتعلق بملف المقاتلين الأجانب (المجاهدين أنصار الثورة).

 

ثم هناك اللقاء الذي جرى في قصر الشعب يوم الأربعاء، 9 تموز/يوليو 2025، وجمع توم براك بأحمد الشرع بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني، حيث جرى بحث أربعة ملفات رئيسية تتعلق بوضع سوريا، والملفات التي تم بحثها متعلقة بـ:

 

الهيكل السياسي المستقبلي للدولة السورية بحسب نظرة أمريكا وتوظيفها لملف العرقيات الصغيرة (الدروز، الأكراد، العلويين) في تفكيك سوريا وشرذمة مجتمعها.

 

تسريع تنفيذ بنود الاتفاق بين حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) العميلة لأمريكا، علما أن الاتفاق كان تصميما أمريكيا، والهدف منه دمج قسد في الدولة والجيش كجزء من مشروع إعادة هيكلة الحكم والجيش بعملاء جدد للاستعمار مع تصفية تامة للثوار والمجاهدين من أجهزة الحكم والجيش.

 

ملف الترتيبات الاقتصادية عبر تفعيل الصندوق الاستثماري الذي اقترحه توم براك، والذي يعتبر الآلية الأمريكية لفتح الباب أمام الشركات الأمريكية لنهب ثروات الشام تحت خديعة إعادة الإعمار والتنمية.

 

ترتيب وضع القوات العسكرية في شمال شرق سوريا، والقوات المعنية بالأمر هي القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة الشمالية الشرقية، أي تأمين الحكومة السورية وأجهزتها العسكرية والأمنية لقوات الاستعمار الأمريكي وضمان حركتها وحمايتها.

 

هكذا انتهت حكومة دمشق كإدارة وفرع في المندوبية السامية للاستعمار يشرف عليها ويديرها المبعوث الخاص الأمريكي توم براك بسلطات وصلاحيات مندوب سامي، وعليها تنفيذ سياساته وإنجاز مشاريعه.

 

ولقد كان تقرير واشنطن بوست الأخير في 23 آب/أغسطس 2025 والذي يستند إلى تصريحات توم براك، كاشفا بوضوح عن الرؤية الأمريكية لسوريا بعد الأسد وصيغة الدولة الوظيفية المستقبلية، فقد أدلى براك تصريحات كاشفة عن رؤية أمريكا للهيكل السياسي للدولة الوظيفية بسوريا نقلتها الصحيفة، حيث قال: "ليست اتحادية ولكن صيغة دون ذلك تسمح للجميع بالحفاظ على ثقافتهم ولغتهم الخاصة، دون تهديد من الإسلام السياسي". فهدف أمريكا هو تفكيك الشام للتصدي لمشروع الإسلام الحضاري والوحدة الإسلامية الفريدة.

 

وكل ما يطرح اليوم من مشاريع استعمارية سامة هو لخدمة هدف التفكيك، وتطرح للرأي العام كخيارات سياسية بل وضرورات لإدارة المرحلة الانتقالية تزييفا للوعي وتعمية عن الخيانة، ومن هذه المشاريع الاستعمارية الخبيثة:

اللامركزية المرنة عبر منح سلطات محلية للعرقيات الصغيرة تحت إشراف الحكومة في دمشق

 

ضمانات دولية للعلويين والدروز والأكراد، تحت ذريعة طمأنتهم بأنهم لن يتعرضوا للإقصاء أو الانتقام

 

رقابة أمريكية غربية (من الدول الاستعمارية تحديدا) لمتابعة تطبيق أي صيغة سياسية جديدة وضمان التوازن.

 

ثم ما يحاك في سراديب ودهاليز الشر الأمريكي من سياسات ومؤامرات ضد الشام وإسلامها وأهلها خدمة لكيان يهود الغاصب أدهى وأمر، وهي حقيق الردة والقهقرى نحو العمالة. فقد صرح توم براك "أن الإدارة الأمريكية ترعى محادثات غير مباشرة بين دمشق وتل أبيب تهدف إلى استعادة الهدوء على الحدود، وأن الطريق نحو الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام لن يكون فوريًا"، وأضاف "بأن الإدارة الأمريكية ترغب في أن تنضم سوريا إلى اتفاقيات أبراهام... وقد يستغرق وقتًا لتحقيقه".

 

وهذا الانخراط التام في اتفاقيات أبراهام مؤامرة أمريكا الكبرى في تذويب كيان يهود في المنطقة عبر تطبيع شامل للعلاقات معه، وقد تسارعت خطوات حكومة دمشق وتلاحقت اتصالاتها به كمقدمة للتطبيع، وكان من مقتضيات سياسة خطوة خطوة نحو التطبيع، اقتطاع جنوب الشام وتحويلها إلى منطقة عازلة لتأمين يهود، وأحداث السويداء كانت الشق الأكبر في المؤامرة الأمريكية، جاء في جواب سؤال عن أحداث السويداء من إصدارات أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة: "كل هذا يؤكد أن أمريكا تريد أن يكون جنوب سوريا منطقة عازلة وآمنة لكيان يهود، وأنها راضية عن اعتداءاته المتكررة حتى يخضع النظام لهذا الوضع من أجل التطبيع.. وأن ما حدث من لقاءات في أذربيجان وباريس هي خطوات متلاحقة في هذا المسار.. وحسب تسريبات إعلامية فإن من أبرز ما يجري التفاوض عليه: إنشاء منطقة أمنية عازلة جنوب سوريا لحساب كيان يهود، كما هو موجود في سيناء بين مصر وكيان يهود حسب اتفاقية السلام التي عقدها النظام المصري عام 1979 والتي ما زالت سارية تمنع أهل مصر من أن يتحركوا لنصرة إخوانهم في غزة الذين يتعرضون للإبادة الجماعية".

 

لقد كان اجتماع باريس صادما فاضحا، لقاء مباشر يوم الثلاثاء 19 آب/أغسطس 2025 بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ووفد من كيان يهود ممثلا بوزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، وكان اللقاء تحت إشراف وإدارة أمريكية. وهذا الاجتماع الذي رعته إدارة ترامب يُعد أرفع مستوى من التواصل الرسمي بين كيان يهود وسوريا منذ أكثر من 25 عامًا. كتب توم براك على منصة إكس: "التقيت هذا المساء بالسوريين والإسرائيليين في باريس، كان هدفنا الحوار وخفض التصعيد، وقد حققنا ذلك بالفعل. وأكد جميع الأطراف التزامهم بمواصلة هذه الجهود".

 

هي خطوات في درب التطبيع الشامل مع الكيان الغاصب، وسير في دروب السياسة الأمريكية ومشاريعها الاستعمارية في إعادة الشام لحظيرة الاستعمار مثخنة بالجراح مكبلة بمزيد من الأغلال.

 

هي الكارثة العظمى يا أهل الشام فأحمد الشرع وبطانته ماضون في تسليم الشام لأمريكا والتطبيع مع الكيان الغاصب لأرضكم المباركة وشامكم، فكيف ترضون أن يكون مصير ثورتكم المباركة هو إقرار اغتصاب يهود لأقصاكم ومسرى ومعراج نبيكم واستعمار أمريكا لشامكم؟! كيف ترضون أن يكون حصاد ثورتكم المباركة هو استعمار شامكم؟!

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

النظام السوري الجديد

إسلامٌ يترخص بالضرورات وموازين القوى.. أم مؤامرات تتكرَّر وفخاخ؟!

 

التقى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في 19 آب 2025 بوفد من كيان يهود في باريس برعاية أمريكية، لبحث عدد من الملفات، منها خفض التصعيد في الجنوب السوري وإعادة تفعيل اتفاق فك الاشتباك لعام 1974. وإثرَ الإعلان عن هذا اللقاء ثارت جدالات بين مناصري الثورة السورية وإسقاطِ بشار ونظامه، وبخاصة الذين يتطلعون إلى التغيير الإسلامي وتطبيق الإسلام ومناصرة قضايا المسلمين في العالم. وكان هؤلاء بين مسوِّغ لهذا اللقاء والتفاوض بذرائع عديدة منها موازين القوى والأوضاع الداخلية لسوريا المنهكة والمدمّرة، وبين رافض لهكذا لقاءات، يعدُّها خيانةً وسيراً في سياسات الخضوع والعمالة، وقضاءً على تطلعات الشعب السوري وطاقاته.

 

إنها ليست المرة الأولى ولا الثانية ولا العاشرة، وربما الأكثر بكثير، التي ينخدع فيها المسلمون وشعوبهم بأعمال وأوضاع مماثلة؛ يرون فيها إمكانية تحرر من قيود القهر والاستعباد، وتخلصٍ من ظلمٍ يفوق الخيال، ويحلمون فيها بانتصارات وتحقيق تطلعات، ثم تنكشف الأمور عن مؤامرات كانوا فيها ضحيةَ مؤامراتٍ من أعداء وعملاء مدسوسين، اعتادوا على تكرار مكائدهم ونصب فخاخهم، وكانوا في معظم مؤامراتهم ينجحون. وإذا ما تعثروا لسببٍ أو آخر، احتالوا لمؤامرتهم وداروا لها، وزادوا في ظلم الشعوب وقهرها، وشدوا عليها قيود القهر والإذلال. فما السبب أو الأسباب؟ وعلى من تقع المسؤولية؟ وإلى متى يستمر هذا الحال ويظل يتكرر؟

 

ومن نافلة القول بيان أن السؤال "إلى متى يستمر هذا الحال؟"، هو ليس عن المدة أو الزمن، وإنما عن أسباب الوقوع المتكرر، في فخاخ مؤامرات متشابهة. والجواب المطلوب هو بيان الأوضاع التي تزيل هذه الأسباب.

 

نعم، إنها خدع ومؤامرات تتكرر كل عام، منذ ما يزيد على مائة عام، بما فيها من قهرٍ وإذلالٍ قاتِلَيْن. ومع ذلك، لا يحصل نبذٌ لتلك الأسباب، ولا توبة عنها، وبالتالي لا اعتبار بمآلاتها الصعبة، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطاًنِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾، ولقوله أيضاً: ﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَام مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾.

 

إن البحث والجواب المطلوب هنا ليس التعمق في دراسة واقع النظام السوري الجديد ورئيسه وطاقمه فهذا واضح، ولا في تحليل لقاء وزير خارجيته بوزير شؤون كيان يهود، ولا في كون هذا اللقاء يتم برعاية أمريكا. فإذا كانت هذه الأمور الواضحة تحتاج إلى بحث، فهذا يعني أن تضييع البوصلة والسقوط قد بلغا مبلغاً كبيراً. وليس الحديث هنا عن عامة الأمة، وإنما عن المتصدرين للقيام بالتغيير، من أصحاب مناصب الخطابة والتعليم الشرعي، ومواقع التوجيه الحركي والسياسي فيها. فالأمة بعمومها وعوامِّها لا تخطط ولا تغير ولا تقود، ولكنها تنقاد لمن يُفترض أنهم من أهل العلم والعمل والتوجيه القيادي، والناشطين المتصدِّرين للبناء والتغيير.

 

وإذا كان لا بد من كلمة عن هذا النظام الجديد في سوريا، فليس ثمَّ من يزعم أنه يطبق الإسلام، ولا من يجهل أنه لا يطبق الإسلام، وأنه يقوم على أسس الكفر العلمانية الغربية من حيث دستوره وقوانينه، ومن حيث التزامه مواثيق الأمم المتحدة وقراراتها. وليس ثمَّ من يجهل أن التحركات العسكرية لإسقاط نظام بشار أسد إنما كانت بتخطيط من أمريكا التي رتبت هذا الأمر وتفاصيله مع تركيا وروسيا. ولم يحصل أثناء ذلك وبعده أي موقف سياسي لهذا النظام أو مظهر ذي بال يُحسب للإسلام. بل هناك إمعان في سياسات داخلية تلبي طلبات أمريكا، وفي تجاهل مثير لاعتداءات يهود المتكررة على سوريا، والتي تثير شكوكاً واستفسارات!! فضلاً عن تجاهلٍ تامٍ ومثير للمجازر الرهيبة التي يرتكبها كيان يهود في غزة. فما الذي يسوِّغه المسوِّغون أو يروِّجون له، وهل هناك ذرائع شرعية فعلاً لتجاهلهم مواقف هذا النظام، ولتغاضيهم عن حقيقته، أم أن إسقاط نظام بشار هو فضيلة يحق له بعدها أن يرتكب كل الموبقات، ولو شابهت موبقات سائر أنظمة المنطقة؟ ولماذا هذا الرضا عنه من حكام الخليج كمحمد بن سلمان، ومن أردوغان ناهيك عن ترامب والمبعوث الأمريكي توم براك وغيرهم؟

 

لذلك، فإنّ هذا الإعلان عن لقاء الشيباني بوفد يهود، وما رافقه وتلاه من تصريحات رسمية عن السير باتجاه التطبيع معه، هو إماطة لثام أخرى عن وجه هذا النظام تكشف توجهاته الخطرة.

 

إن الذي يحتاج إلى بحث ضروري وتنبيه لازم هو أسباب قيام بعض المهتمين بشؤون الأمة، المتطلعين للتخلص من هيمنة الغرب وظلمه، والمنسوبين إليهم، بالدفاع عن هذا النظام وأركانه، وباستقصاء ذرائع للتغطية على ما ينكشف من سوءاته. فهؤلاء، بعملهم هذا، هم مع الأسف من أسباب ضعف المسلمين، وسيرهم في خطط أعدائهم، سواء بتهييج الصراعات الداخلية، أو السير بحسب مقتضيات سايكس بيكو وتجاهل العديد من قضايا المسلمين. ومع أنهم يرفضون المذهبية وسايكس بيكو والروابط الوطنية، فهم يخوضون فيها عملياً متذرِّعين بصعوبات الواقع وانغلاق السُبُل الموهوم. ويدفعون الناس بذلك لتأييد سياسات وأعمال، يتفاجؤون بعد حين بأنها كبلتهم بمزيد من القيود، وزادتهم رهقاً على رهق، وأحبطتهم بعد آمال عريضة وواعدة.

 

إن استحلال التغاضي عن منكرات هذا النظام وغيره، بذرائع موازين القوى وضغوط الواقع، وفقه النوازل والضرورات وما إلى ذلك، هو خطأ في الفهم والعمل، وإن كان عن حسن قصد. وهو من أسباب ما هي الأمة فيه من عجزٍ وحبرة، ويؤدي إلى المزيد من ذلك. ولست أدري بماذا تختلف هذه التسويغات، عن فتاوى غيرهم من علماء السلاطين. هل ثَمَّ شيءٌ مختلف سوى بعض المظاهر والنوايا المزعومة والذرائع الموهومة؟!

 

لذلك، إن سبب ما هي فيه الأمة من فشل متكرر، كالذي شاهدناه بعد الثورات في مصر وتونس وسوريا وغيرها، وسبب خذلان المسلمين الذي سبق أن وجدناه في أفغانستان وبورما وغيرهما، ونجده اليوم بشكلٍ أجلى وأصعب في غزة، وسببَ الترويج للنظام السوري الحالي، وهو لا يختلف عملياً عن النظام التونسي أو المصري سوى بغُلالات مخادعة، هو ليس الأمة التي تحركت وثارت وضحّت، وإنما هو النُخَب المذكورة؛ أي هو مشايخ ودُعاة وعاملون يحسنون النية والقصد، ولكنهم ينخدعون بمكائد الكفار ومؤامراتهم، ويُحسِنون الظن بعملاء ومدسوسين، بسبب مظاهر وأقوال هي بمثابة طُعم على مصيدة، فيرونهم أملاً واعداً بالتغيير المنشود، ويروِّجون لهم، ليسقطوا بعد ذلك في فخاخهم، ويسقط الشعب أو الأمة بهم ومعهم.

 

نعم، إن نهضة الأمة واهتداءها للجادَّة أو انحطاطها وتيهَها، وصحة مواقفها أو خطأها، واندفاعها أو انكفاءها، وتحركها أو قعودها، يرجع بالدرجة الأولى إلى وجود هذه الأمور عند نُخَبٍها؛ عند علمائها وخطبائها، ومنظِّميها وموجهيها، ومفكريها وسياسييها الذين تثق بهم وتنقاد لهم. وما يوجد في الأمة هو إلى حدٍ كبير مما عند هؤلاء.

 

ولكن، ما الذي يجعل هؤلاء، من أهل العلم والعمل، والنخب المتطلعة للتغيير الإسلامي بحرص وشوق وإخلاص، ما الذي يجعلهم فريسةً سهلةَ الوقوع في فخاخ المخادعين والمدسوسين، رغم تكرر المخادعات وتشابهها؟

 

يحتاج الجواب على هذا السؤال إلى دراسة جادة لأجل الوقوف عليها ومعالجتها، وإلى تعاون وحوار ومساهمة تتجاوز حدود هذه المقالة. ولكن مهما تعددت الأسباب، فهي ترجع إلى سبب أساسي، هو افتقار الأمة إلى رجال الدولة. أي إلى رجال يتقنون فهم المقاصد العليا لصيانة المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية، وفهم قضاياها العامة وأولويات هذه القضايا، بحيث يكون النظر السياسي؛ أي التفكير برعاية الشؤون العامة للأمة سجية من سجاياهم، فيقدمون الحلول العملية المنضبطة بالشرع لمشكلاتها، بعيداً عن اليأس أو الإحباط، وعن الذرائع غير الشرعية المنتشرة حالياً بين النخب التي تقدم ذكرها. ورجل الدولة المذكور يجمع بين العلم الشرعي المنضبط والبعيد عن ميوعة فتاوى التسويغ والذرائع النابعة من الميول وليس من العقل الفاهم والشرع الضابط، وبين خبرة فهم الواقع بموضوعية والقدرة على التخطيط لمعالجة المشكلات العامة والخروج من المآزق بأقصر مدة وأقل تكاليف. وبهذا المعيار يمكن القول إنه بناءً على الذرائع الخاطئة التي نعاينها، فإن الأمة الإسلامية تعاني من فقر شديد برجال الدولة، ومن المستبعد أن يقوم لها كيانٌ ويستمر، ما لم ينشأ فيها وينمو حشود من رجال الدولة، فضلاً عن أفراد متميزين منهم هم بُناةُ دولة، وليس فقط رجال دولة.

 

أما الأسباب التفصيلية لتسويغ الانحرافات واختلاق الذرائع لها، فلعل من أهمها صعوبة الواقع وحجم الفروق في موازين القوى بين الكفار والمسلمين، إضافة إلى التجارب العديدة والتكاليف الكبيرة، التي انتهت إلى فشل، وإلى تنبه الكفار إلى توجهات المسلمين وحركاتهم التي تستهدف التغيير واستئناف الحياة الإسلامية. يضاف إلى ذلك طول المدة وانقضاء أجيال من غير تحقيق الهدف، ما أدى إلى شعور عام بانغلاق سبل التغيير الإسلامي بغير توسيع أبواب الرخص. وهذه أفكار يأس تدفع إلى فتح أبواب الرخص على مصاريعها، والتحلل من اعتبار مواضعها وشروطها وموانعها. وهذا أهم وأخطر أسباب تسويغ ما يفعله النظام السوري الحالي، والدفاع عنه رغم سياساته التي لا تختلف عن الأنظمة الأخرى الموصوفة بالخيانة والعمالة. وليس عند أصحاب هذه الذرائع من دليل لمواقفهم سوى حالة شعورية ترجع إلى مظاهر شكلية ومزاعم تنقضها الوقائع، وإلى نوايا لا تُسعفها الأعمال بشيء. وهذا هو التعلق بحبال الهواء، أي بمتخيلات لا وجود لها، وكما يُقال: الغريق يتعلّق بقشَّة.

 

ولا بد من التأكيد على أن هذا التعلق بحبال الهواء أو بالقشة، ما كان ليكون لولا الافتقار لسياسيين رجال دولة، بما يعنيه ذلك ويقتضيه من توفر الإصرار والهمة والقصد، مهما طال الطريق وبلغت التضحيات. وهو الذي يضع غالبية النخب المذكورة عند التفكير بالتغيير أمام واقع صعب، لا يجدون له علاجاً سوى التذرع بالضعف والعجز والضرورات، الأمر الذي يُلجئهم إلى طريقٍ واحد هو الترخص بالمصالح والحاجات والمشقات العادية وهو غير شرعي، وليس بالضرورات الشرعية أو المشقات المعنِتة. وهذا لا يرجع إلى ضعف سياسي فقط وإنما إلى نقص علم أيضاً، وهما مما لا بد من توفرهما معاً في رجل الدولة.

 

وثمة مسألة يطرحها بعض المدافعين عن النظام السوري الحالي رغم كثرة دلائل عدم شرعيته، وافتقاره الشديد لجزئيات أو مواقف تدعم وصفه بالإسلامي. وهي قولهم مثلاً: إن التفاوض مع العدو جائز وليس حراماً. ثم يمضي هؤلاء الإخوة وكأن ما يفعله هذا النظام من مفاوضات متكررة مع ممثلي كيان يهود شرعيٌ وسائغ، والدليل هو أنه مصلحة لسوريا ونقطة على السطر. والجواب إن البحث ليس في حكم التفاوض فقط، فالنبي ﷺ فاوض الكفار في الخندق وفي الحديبية وغيرهما. والخلفاء الراشدون بعده فاوضوا، وكانت المفاوضات مباشرة وغير مباشرة. وإنما البحث هو في موضوع المفاوضات. أي على ماذا يحصل التفاوض، هل هو على استرجاع الحقوق أم على التنازل عنها؟ هل هو بهدف التضييق على كيان يهود والتهيئة لمحاربته، أو لأجل التقدم خطوة خطوة باتجاه تطبيع العلاقات معه والاعتراف به؟ هل يدخل في هذه المفاوضات أي قصد لإغاثة غزة؟ هل هناك أي نظر أو دليل على نظر عند حكام سوريا إلى أن سوريا وأهلها جزءٌ من البلاد الإسلامية، ويعنيهم ما يعني المسلمين في العالم، أم أن هذا أمر لا وجود له ولا قِبَل لهذا النظام به؟ وإذا كان الأمر كذلك فأين الإسلام في هذا النظام؟ وبماذا يختلف عن النظام الأردني مثلاً، أو السعودي؟ والأمر نفسه يقال عن العلاقات مع أمريكا، ومن إسفار بتطبيق العلمانية، وتهيئة لإضعاف سوريا لصالح جماعات غير مسلمة، إضافةً إلى مخاوف أخرى كالدخول التدريجي فيما يسمونه اتفاقات أبراهام.

 

ومن النقاط التي يتمسك بها المدافعون عن هذا النظام، وعن سياساته مع أمريكا وكيان يهود ودول المنطقة، هو أنه نظام جديد وعاجز عن الدخول في حرب مع يهود. وإذا لم يسكت على اعتداءاتهم فسيدمرونه. ولذلك، عليه أن يخضع وينفذ أوامر أمريكا كي تحفظ له وجوده! وإذا كان الأمر كذلك فما هو المرجو أو المتوقع من هكذا نظام؟ وما هي استراتيجيته لبناء القوة الذاتية والتحرر؟ وهل هو دولة بمعنى الكلمة أصلاً؟

 

يجادل المدافعون عن هذا النظام، بأن النبي ﷺ فاوض في الخندق وكاد أن يعرض تقديم تنازلات للكفار. وفاوض في الحديبية وقدم تنازلات. ومثل هذه الحجج واضحة الدلالة على الإفلاس في الاستنباط والاستدلال. فالنبي ﷺ، لم يكن في كل ذلك يخضع لأنظمة كفر ولا لقوانين أو سلطان غيره، ولا يلتزم توجيهات أو أوامر أعدائه في سياساته الداخلية أو الخارجية. وكانت مفاوضاته تحفظ دولته وسيادتها وسلطانها وفق ما يرى ويقرر. فأين ما يفعله حكام النظام الجديد في سوريا من هذا؟!

 

ومما يطرحه أيضاً المدافعون عن هذا النظام وأعماله قولُهم: ضع نفسك مكانهم، ماذا ستفعل؟ والجواب هو أنه لا يجوز أن يكون المسلم في هذا الموضع أصلاً، كما أنه لا يجوز له أن يكون مشرفاً على حانة خمر، أو مديراً لكازينو قمار وماخور زنا وخمر. ولا جدال أنه لا يجوز للمسلم أن يكون في موضع حاكمٍ بغير الإسلام. ولو عُرض عليه الحكم كاملا وبسلطانه الذاتي، بشرط أن لا يحكم بالإسلام فهذا لا يجوز قولاً واحداً. وقد عُرض مثل هذا الأمر على النبي ﷺ فرفضه رفضاً باتاً. ونزلت فيه آياتٌ بيناتٌ كانت بمثابة أمر إلهي وإعلان إسلامي عالمي يخاطب الكفار والعالم خطاباً دائمياً برفض هذا النمط من الحكم. فقد نزلت في ذلك سورة الكافرون، التي يتكرر فيها ثلاث مرات رفض الكفر في الحكم والعلاقات.

 

إنّ الواجب هو تطبيق الإسلام، ولا يصح أخذ الحكم أو الوصول إليه لتطبيق غير الإسلام، فأصل الموضوع والهدف الشرعي هو إعلاء كلمة الله وليس إعلاء الحركة أو الجماعة وأميرها. ولذلك، فإن مزاعم الضرورة هنا لا محل لها، وهي تضليل في تصوير الوقائع، إذ ليس ثمة ضرورة ليكون فلان أو الجماعة الفلانية في الحكم أو الوزارة أو في القصر. ولا تجوز خدمةُ الكفار والأعداء المستعمرين في حكم بلاد المسلمين أو جعل أي سيادة أو سلطان لهم عليها، ولو كان ذلك مقابل مصالح للمسلمين كإسقاط حاكم بالكفر أو طاغية. والواجب على المسلمين أن يعملوا للتغيير وإقامة الحكم بالإسلام وإسقاط الطغاة، بالتعاون مع المؤمنين، وبالموالاة فيما بين المؤمنين، والركون إلى المؤمنين. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وِيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وِرِسُولَه وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾. ولا يجوز الركون إلى الكفار في ذلك ولا إلى عملائهم، ولا التعاون معهم لأجل الوصول إلى الحكم، وهذه هي سنة النبي ﷺ وطريقته. قال تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾.

 

﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الدكتور محمود عبد الهادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

وتستمر التبعية في الإعلام لحرف المسلمين عن الجهاد

 

 

تبث القنوات المأجورة يوميا مشاهد تظهر فيها شجاعة وصمود المقاتلين في غزة العزة، وتقصد أن تبين فيها تطورات المعركة ومآلاتها المقتصرة على ثلة من المجاهدين مع تحالف دولي باسم كيان يهود، وتشيد ببطولة المجاهدين هناك، وأنهم ما زالوا يستطيعون هزيمة جيش يهود والإيقاع به.

 

ولكن هذه القنوات تخفي عن المسلمين حقيقة أن هناك مصاعب وشدائد يتعرض لها هؤلاء المجاهدون من تكالب العدو عليهم، وتأدية المهام ليست بالسهلة خاصة وأنهم في المواجهة وحدهم منذ نحو عامين. وحقيقة أخرى وهي الأشد خطرا أن تقنع العالم بهذه المشاهد بسلامة المجاهدين واكتفائهم بقوتهم وعدم حاجتهم لإمداد أحد ولا نصرة المسلمين، وأن ما سيحصل لهم من مخاطر وما يعانون من طول مدة الصراع وما أجبروا عليه من اتفاقيات وهدن وقف إطلاق نار وغيرها يقع على عاتق الأمة الإسلامية التي تشاهد وتفرح للبطولات دون شعور بالمسؤولية أو أن تشفق لحال المجاهدين الذين يتقوون بالله ثم بالعدة القليلة، والحال استمرار النزيف وسيل الدماء وتقدم العدو في استنزاف المزيد من الأرض والتوسع بأسرع وأكبر قدر من الوقت والمال.

 

ويقصد بهذا الاهتمام الإعلامي ليس لفت النظر للقضية الفلسطينية وحتمية رأي الإسلام فيها ليتم التنبيه بالواجب، بل ما يريده هذا الإعلام هو تركيز فكرة حل الدولتين في أذهان المسلمين، بالرغم من أنه لا وجود له في أجندات كيان يهود الذي يرى مستقبله كدولة حرة ولها قوة ونفوذ كامل لا شراكة فيها، وهذه المخططات تنافي وتلغي اتفاقية أوسلو التي بقيت مجرد مخدر يخدر به الإعلام الشعوب ليعطي الكيان فرصة لحل أزماته.

 

ولأهمية الإعلام في كل ذلك تتمسك أمريكا به كأداة لتحقيق ما تريد وتعطيه المساحة في الإجرام كما يشاء.

 

ففي الوقت الذي يئن فيه أهل غزة من القتل والتجويع والدمار والتهديد، لن ينفع مع تلك المشاهد الموثقة عالميا لا التحسر ولا البكاء، ولا ينفع أن تكتفي الأمة بمشاهد انتصارات المجاهدين والفرح والفخر بها، فإن القضية إسلامية عقائدية تتطلب العمل بل وسرعة العمل وليس الركون إلى العاطفة فقط.

 

أيها المسلمون: لقد علمتم أن من يمنع نصرة أهلنا المجاهدين في غزة هم حكامكم، فهم حراس الحدود وتقسيمات بلادهم وأن هذه هي الأسباب التي تحول دون أداء الواجب والفرض عليكم فلا بد من العمل لخلعهم ليبقى العدو وحده في الصراع ويتم النيل منه قبل أن يكون أهل غزة بمجاهديها وأهلها الصابرين لعنة عليكم إلى يوم تلقون الله فيكون سوء الحساب.

 

إن الواجب الذي يتحتم على الأمة هو الانعتاق من قيود التبعية لهذا الإعلام الذي يعد الانقياد له ولأهدافه استسلاماً لما سيأتي من العدوّ من حلول ومخططات. وإن الاستسلام لهذا الإعلام يعني عدم التحرك لتركن الأمة للتفرقة، وتبقى عاجزة عن وعي يحملها لعمل تنتهي به من حالها وجمودها وقرارها المسلوب وقوتها المهدورة إلى استعادة أمجادها، ولا تعيد الأمة أمجادها إلا بالاحتكام إلى ما أنزل الله في حياتها وكل مجالاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية... ولا يكون الحكم بما أنزل الله إلا بإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَاء يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ * اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ﴾.

 

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أم عثمان سباتين – الأرض المباركة (فلسطين)

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾

 

إن الاجتماع الأخير بين ترامب وقادة أوروبا ليس إلا مرآة تعكس بوضوحٍ ساطعٍ التفكك العميق الذي ينخر في صلب الحضارة الغربية. فالغرب، بما يتبجح به من قيم الحرية والعدالة، يظهر في مثل هذه اللقاءات ككيانٍ متهافت، تتقاذفه أهواء قادته وتتصارع فيه المصالح الضيقة. إن هذا الاجتماع يكشف بلا مواربة نزعة أمريكية متغطرسة تسعى للهيمنة، حيث تفرض واشنطن إرادتها كصانع قرارٍ أوحد، بينما يُترك الأوروبيون في موقع التابع المذعن، يتلقون الأوامر دونما قدرة على المبادرة.

 

هذا التفكك ليس وليد اللحظة، بل هو سمة جوهرية في بنية العلاقات الغربية، حيث تتصادم المصالح الوطنية، فتتكشف هشاشة وحدتهم. يتحد الغرب تارةً ضد المسلمين، مدفوعاً بعداءٍ متأصل، ويتفرق أخرى حين تتعارض أطماعه. إن أسلوب ترامب المتعالي، وعلاقته العمودية مع قادة أوروبا، ليس سوى دليلٍ ناطقٍ على غياب رؤية موحدة، وعلى أن الغرب رهين صراعاته الداخلية وأنانية قادته.

 

وما يزيد الصورة وضوحاً هو التجرد الأخلاقي الذي يميز سياستهم. فالحديث عن "السلام" و"الضمانات الأمنية" ليس إلا قناعاً رقيقاً يخفي حقيقة استخدام الحروب والصراعات كأدوات لتحقيق المصالح. وأبلغ شاهد على ذلك مأساة إخواننا في غزة - عجّل الله بنصرهم وفرّج كربهم - حيث يتكشف نفاق الغرب. ترامب، بتركيزه على إنهاء الحرب بسرعة، لا يهدف إلى حماية الشعوب، بل إلى تخفيف الأعباء الاقتصادية عن أمريكا وصقل صورته الانتخابية. وأوروبا، بدعمها الظاهري لأوكرانيا، لا تعدو أن تكون مدفوعةً بخوفها على أمنها الطاقي والاقتصادي والعسكري، لا التزاماً بمبادئ أخلاقية.

 

إن استعداد زيلينسكي للتفاوض على تبادل الأراضي، وموافقة الكرملين المحتملة على لقاء ثنائي، يكشفان عن منطق المنفعة البحتة التي تحكم القضايا الإنسانية. أين هي القيم التي يتشدق بها الغرب (الحرية، العدالة، حقوق الإنسان) عندما تُدار الأراضي والشعوب كسلعٍ في سوق؟ إن هذا النهج ليس سوى امتدادٍ لروح استعمارية، تستغل الأزمات والشعوب لتعزيز النفوذ والهيمنة.

 

ورغم هذا الشتات، يجد الغرب في عدائه للإسلام أرضيةً مشتركة لتوحيد صفوفه مؤقتاً. ففي أوقات الأزمات، يتفق على استهداف الأمة الإسلامية بالحروب المباشرة أو الحملات الإعلامية والاقتصادية. لكنه ما إن تتصادم مصالحه حتى تتكشف تناقضاته، وتنهار أوهام وحدته. إن هذا التناقض يؤكد عجز الغرب عن تقديم نموذجٍ حضاري حقيقي، لأنه يفتقر إلى الأسس العقائدية والأخلاقية التي تجمع الأمم.

 

إن هذا الاجتماع، بما حمله من دلالات، يعري حقيقة الغرب: قلوبٌ شتى، ومصالح متصارعة، وتجردٌ من القيم التي يدّعي الدفاع عنها. كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾، يجمعهم العداء للإسلام والنفعية، وتفرقهم الأنانية والصراع على السيطرة. وفي مقابل هذا التفكك، تقف الأمة الإسلامية مدعوةً لإحياء دولتها الراشدة، التي ستكون بإذن الله منارة عدلٍ وكرامة، تجمع شتات المسلمين وتتفوق على الغرب بقوتها العقائدية ووحدتها. إن عودة الخلافة على منهاج النبوة ليست مجرد حلم، بل هي وعدٌ إلهي سيهيمن به المسلمون على أعدائهم، ويعيدون للإنسانية نور العدل والرحمة، ليشهد العالم أجمع أن الإسلام هو وحده القادر على قيادة الحضارة وإنقاذ البشرية من ظلمات النفعية والتفكك.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

خديجة صالح

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل

×
×
  • اضف...