اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

مقالات من المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير - متجدد


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

طريق الخلاص

 

في زمنٍ تتعثر فيه الإنسانية تحت وطأة الطغيان والفساد، وتضيع فيه المبادئ في زحام المصالح، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: هل هناك مخرج من هذه المتاهة؟ الجواب، رغم كل التعقيدات، لا يتعدى القول: طريق النجاة والخلاص واحد فقط، هو طريق الحق، طريق الله الذي ارتضاه لعباده.

 

اليوم، لم تعد السياسة مجرد لعبة مصالح كما يُظن، بل هي في حقيقتها مرآة أخلاق الشعوب وحضاراتها. فإذا ابتعدت السياسات عن قيم الحق والعدل، تفككت أوصال المجتمعات، وتسلل اليأس إلى القلوب. وفي خضم هذا الانحراف والتيه، يُولد الطاغية، فيزداد الظلم.

 

لكن الخلاص لا يأتي - كما تدّعي شرعة الغرب - من التبديل السطحي للأشخاص والأنظمة، بل يبدأ من استعادة البوصلة الحقيقية، التي تستمد قيمها من السماء: العدل، والرحمة، والحق. تلك القيم التي تتحول إلى قوانين تنظم حياة الجميع بلا استثناء.

 

إن الشعوب التي تضع الله سبحانه وتعالى نصب أعينها، وتطالب بحقوقها على أساسٍ من القيم الإلهية، هي الشعوب التي تحارب الظلم بكل الوسائل، ولا ترضى أن تكون سلعةً تُباع في أسواق السياسة الفاسدة.

 

أما الطغاة، ومهما علا شأنهم، فإنهم يعلمون أن مصيرهم محتوم، لأنهم يقفون ضد الطريق الذي اختاره الله لعباده. ومن هنا تبدأ معركة لا تنتهي: معركة بين الحق والطغيان، بين طريق الله وطريق الطغاة. فكل طريقٍ سوى طريق الله عبثٌ ينهب طاقات الشعوب ويبدّد أحلامها. فالمبادئ، والأنظمة المستبدة، لا تزرع إلا الفوضى والدمار، وتمزق المجتمع. أما طريق الله عز وجل فهو الوعد بالعدل الحقيقي، والطمأنينة التي لا تمنحها قوة بشرية، ولا تحققها مؤامرات سياسية. إنه السبيل الوحيد لإعادة بناء الأمة على أسس متينة، لترسيخ قيم الحق والعدالة، إنه طريق الخلاص لهذه الإنسانية المعذبة.

 

علينا أن نصحو من غفلتنا، وأن نرفض كل أشكال الظلم مهما علت مبرراته.

 

وفي عالمٍ يشتعل بالنيران السياسية والمؤامرات الرخيصة، حيث تبدو الدروب مظلمة، يبقى طريق الله هو النور الذي لا ينطفئ؛ وهو السبيل الذي يجمع بين الروح والمادة، بين الإنسان وربه، ليمنحه السكينة والطمأنينة.

 

فلتكن العودة إلى هذا الطريق عبر الرائد الذي لا يكذب أهله، فهو يدعوكم للعمل معه من أجل استعادة هذا الطريق المفقود، الذي لا يضل من سلكه.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

  • الردود 284
  • Created
  • اخر رد

Top Posters In This Topic

  • صوت الخلافة

    285

بسم الله الرحمن الرحيم

التعزيزات المصرية في سيناء

بين التنسيق مع يهود وواجب تحرير الأرض المباركة

 

 

شهدت الأيام الأخيرة تحركات واسعة للجيش المصري في شمال سيناء، ووصفتها تقارير إعلامية بأنها أكبر انتشار عسكري منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1979، حيث تحدثت المصادر عن نحو 40 ألف جندي ومئات المدرعات والآليات العسكرية، في خطوة قيل إنها تأتي لمنع أي سيناريو لتهجير جماعي للفلسطينيين إلى سيناء. وفي المقابل، أكدت مصادر عبرية أن هذا الانتشار جاء بالتنسيق الكامل مع الكيان الغاصب، في إطار التفاهمات الأمنية المنبثقة عن المعاهدة المشؤومة.

 

هنا يثور السؤال: ما حكم الشرع في هذا الانتشار إذا كان تحت سقف كامب ديفيد وتحت أعين يهود؟ وما الواجب الشرعي على هذه الحشود العسكرية؟

 

لقد نصّت المعاهدة على جعل سيناء منطقة منزوعة السلاح إلا من قوات محدودة، وعلى وجود قوات مراقبة دولية، وعلى ترتيبات أمنية تُقيد حركة الجيش المصري في أرضه. والأخطر أنها اعترفت بكيان يهود، وألزمت مصر بسلام دائم معه. وهذا وحده كافٍ لجعلها معاهدة باطلة شرعاً، إذ كيف يجوز شرعاً أن يُعطى العدو المحتل شرعية على أرض المسلمين، والله تعالى يقول: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾؟! قال القرطبي: "هذه الآية أصل في تحريم تمكين الكفار من شيء من سلطان المسلمين"، ومعاهدة كامب ديفيد جعلت لهم سلطاناً واعترافاً وحقاً مزعوماً في أرض فلسطين.

 

الانتشار العسكري الحالي لم يتم خارج المعاهدة ولا في إطار قرار سيادي مستقل، بل تم بالتنسيق مع كيان يهود، وهو ما اعترف به الإعلام العبري. وهذا يفضح حقيقة الأمر: أن هذه القوات ليست موجهة لتحرير الأرض المباركة ولا لقتال يهود، وإنما لضبط الحدود وحماية أمن كيان يهود من أي تدفق محتمل للمجاهدين أو السلاح، ولمنع تهجير الفلسطينيين إلى مصر بما يهدد أمن النظام، لا نصرةً لهم ولا عملا لتحرير أرض الإسلام. فهذه الحشود في حقيقتها جزء من المنظومة الأمنية المرتبطة بالمعاهدة، لا جيشاً متأهباً للجهاد في سبيل الله.

 

إن الجيوش في بلاد المسلمين وخصوصاً جيش الكنانة هم أهل القوة والمنعة الذين فرض الله عليهم نصرة الدين والذود عن حمى المسلمين. قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾. يقول ابن كثير إن هذه الآية "حجة في وجوب قتال الكفار لاستنقاذ المستضعفين من أيديهم". فأهل فلسطين اليوم هم أصدق مثال على المستضعفين الذين يوجب الشرع نصرتهم، ولكن أن يتحرك الجيش المصري ويحتشد تحت سقف كامب ديفيد وبالتنسيق مع المحتل، فهذا لا يعدو كونه إحكاماً للقيود التي كبّلت بها أمريكا مصرَ وجيشها منذ السبعينات، وتحويلاً لقوته إلى أداة لحماية أمن يهود بدلاً من تهديدهم.

 

إن الواجب على هذه الجموع من الجنود والدبابات أن تتحرك لا شرق سيناء فحسب، بل أن تتجاوز الحدود نحو غزة والأرض المباركة كلها، لإزالة كيان يهود الغاصب من جذوره. فالأرض المباركة أرض إسلامية مغتصبة، وتحريرها فرض عين على المسلمين. قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: "إذا دخل الكفار بلداً للمسلمين، صار الجهاد فرض عين على أهل ذلك البلد، وعلى من يليهم حتى يعم جميع المسلمين"، وها هو العدو قد احتل فلسطين كلها، ويمعن في قتل أهلها وتجويعهم في غزة. فأي فرض أعظم من هذا؟ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإذا دخل العدو بلاد الإسلام، فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب". ومصر بحكم جوارها لفلسطين هي أولى الناس بحمل هذا الواجب.

 

إن الغاية من هذه التحركات ليست نصرة أهل غزة ولا تحرير فلسطين، وإنما حماية النظام من غضب شعبي محتمل إذا وقع التهجير، وفي الوقت نفسه طمأنة يهود بأن الحدود مؤمّنة ولن يُفتح عليهم من مصر بابٌ للجهاد أو السلاح. وهكذا تستمر وظيفة الجيش المصري، كما رسمتها أمريكا في كامب ديفيد، قوةً ضاربةً لحماية أمن كيان يهود لا لاقتلاعه.

 

إن كل جندي وكل قائد في الجيش المصري يجب أن يعلم أن معاهدة كامب ديفيد باطلة شرعاً، ولا يجوز الالتزام بها، لأنها تعطل فريضة الجهاد وتضفي شرعية على كيان مغتصب. وكل تنسيق أمني مع يهود هو حرام شرعاً وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾. قال الطبري: "أي من أعانهم ونصرهم على المسلمين فهو منهم في الحكم والموالاة". فكيف بمن يتعاون معهم أمنياً ويجعل حدود مصر حصناً لهم؟!

 

إن هذه التعزيزات، ما دامت تحت سقف كامب ديفيد وبالتنسيق مع كيان يهود، فهي لا قيمة لها شرعاً ولا تُعذر بها الأمة أمام ربها. بل هي تأكيد لاستمرار الارتهان لاتفاقية باطلة وتفويت لفرصة القيام بالواجب الشرعي.

 

يا أهل الكنانة: إن رباطكم في سبيل الله لا يكون بحراسة حدود يهود ولا بتأمين وجودهم، بل رباطكم الحق أن تكونوا على ثغور الإسلام لتحرير كامل فلسطين وتطهيرها من دنسهم، رباطكم يكون في الساحات مطالبين أبناءكم في الجيوش بنصرة أهل الأرض المباركة وتحرير أرض الإسلام ورفض الانصياع لحكام الذل والعار عبيد الاستعمار، بل واقتلاعهم وإقامة دولة الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

أيها الجنود والضباط: أنتم قوة الأمة ومنعتُها، والله سائلكم غداً عن دماء أهل غزة، وعن أرض الإسراء التي يدنسها أحط خلق الله. فإما أن تكونوا جنداً لله، وإما أن يكتبكم التاريخ في خانة من قيّدهم العدو بمعاهدة باطلة وأهدروا فرص النصر.

 

يا أجناد الكنانة: إنكم لستم مجرد أفرادٍ في تشكيلٍ عسكري، أنتم جزء من أمة محمد ﷺ، وأنتم طليعة يجب أن تتحرك، وسيف يجب أن يُستل، وسندٌ يجب أن ينهض لنصرة المستضعفين في غزة وفي كل فلسطين. إن إخوتكم هناك يُذبحون، ويُحاصرون، ويُبادون، وأنتم أقرب إليهم من أي جيش، وأقدر على كسر القيد، إن أردتم. فلا تخدعنّكم الأوامر التي تُقيّد أيديكم، ولا تُفتنوا بعقيدة القتال المفرغة من روحها، فالعقيدة القتالية الحقيقية هي التي تنبع من القرآن، وهذه الجيوش في الإسلام لم تُوجد لحماية الأنظمة، ولا لحراسة اتفاقيات الذل، بل شُكّلت لتحمي الأمة، وتحمل رسالة الإسلام إلى العالم، وتدافع عن ديار المسلمين، وتُرهب عدوهم.

 

يا أجناد الكنانة: أما آن لكم أن تنتصروا لدينكم، لأهلكم، لإخوانكم الذين يُبادون على مرأى منكم؟

 

أما آن لقلوبكم أن تضج بالغيرة على المسجد الأقصى وهو يُدنس، وعلى أطفال غزة وهم يُقطعون إرباً بالصواريخ؟ أما آن لأرواحكم أن تتحرر من أسر التعليمات التي تصدرها أنظمة خائنة لا تمثل إلا مصالح المستعمر؟

إننا لا نخاطبكم كأفراد، بل كأبطال محتملين، يحمل كل واحد منكم في قلبه بذرة التغيير.

 

افتحوا أعينكم على الحقيقة، من يستعملكم لحراسة كيان غاصب يحتل أرض الإسلام؟ ومن يجعلكم تؤمنون حدوده؟ من يمنعكم من نصرة غزة؟ من يأمركم بالسكوت على المجازر؟ من يحرمكم من أداء فرض فرضه الله عليكم؟ إنه النظام الذي ينسّق مع العدو، ويصمت على القتل، بل ويشارك في حصار أهلكم في فلسطين.

 

أنتم قادرون على كسر هذه المعادلة، على قلب الطاولة، وعلى نصرة إخوانكم.

 

يكفي أن تتحركوا، أن تخرجوا لله، أن تجعلوا رضا الله هو الأمر الأعلى، لا رضا أمريكا ولا تحالف الصهاينة.


يكفي أن تقولوا: لن نخون، لن نصمت، لن نبقى حرساً لمعابر الذل ومعاهدة العار وحدود الاستعمار.

 

ولتكن لكم في سعد بن أبي وقاص، وخالد بن الوليد، سيف الله المسلول، قدوة، لا في قادة الانقلابات واتفاقيات كامب ديفيد. ولتجعلوا من سلاحكم أمانة في أعناقكم لا يُرفع إلا في وجه عدو الله وعدو الأمة.

إن غزة اليوم تناديكم... فهل من مجيب؟

 

إن القدس اليوم تستصرخكم... فهل من مغيث؟

 

إن الأمة تنتظر منكم موقفاً يسجله التاريخ بمداد الفخر، لا بالعار.

 

فيا جند الكنانة، آن أوانكم؛ فإما أن تكونوا رجال التغيير، وصنّاع النصر، وحملة راية الإسلام، وإما أن يسجلكم التاريخ في صفحات الخذلان.

 

اللهم بلّغنا... اللهم اشهد.

 

﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾

 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمود الليثي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

احتكار عمليات شراء وتسويق الذهب جريمة في حق الأمة

ولا تعزز استقرار سعر الصرف المزعوم

 

 

في خطوة تهدف إلى معالجة التدهور الاقتصادي المتسارع، (حسب زعمها) أعلنت لجنة الطوارئ الاقتصادية برئاسة رئيس الوزراء الانتقالي الدكتور كامل إدريس، عن حزمة من عشرة قرارات جديدة تستهدف ضبط الأداء المالي وتعزيز استقرار سعر صرف للجنيه السوداني، الذي يواصل تراجعه منذ اندلاع الحرب في نيسان/أبريل 2023، حيث بلغ سعر صرف الدولار في السوق الموازي نحو 3400 جنيه، بزيادة تجاوزت 700% مقارنة بالفترة التي سبقت النزاع. وكان ضمن قرارات لجنة الطوارئ، (حصر عمليات شراء وتسويق الذهب في جهة حكومية واحدة، ومتابعة الصادرات للحد من تهريب الذهب) (راديو دبنقا، 22/08/2025م)

 

واعتبر رئيس الوزراء أن الشركاء وحدهم، من لهم حق شراء وتسويق الذهب، حيث قال (سعدت اليوم بتدشين فعالية افتتاح النافذة السودانية الموحدة لصادر الذهب، التي شرفها حضوراً عضو مجلس السيادة الفريق مهندس إبراهيم جابر بجانب عدد من وزراء وكبار المسئولين بالدولة، كوزارة المعادن)، وقال (بذلنا جهودا مع شركائنا لإنجاز هذه المرحلة المهمة التي ستساهم في تسهيل وتبسيط إجراءات صادر الذهب للإسهام في نهوض الاقتصاد الوطني ورفد الخزينة العامة بعملات مقدرة). والنافذة الموحدة لصادر الذهب هي منصة مركزية تهدف إلى تسهيل عملية تصدير الذهب من البلاد وتجتمع فيها جميع الجهات ذات الصلة من (وزارة المعادن، وزارة التجارة، بنك السودان المركزي، الشركة السودانية للموارد المعدنية، هيئة المواصفات والمقاييس، شرطة الجمارك، هيئة الأمن الاقتصادي، هيئة الاستخبارات العسكرية، الغرفة التجارية).

 

أليس هذا احتكاراً للذهب؟! ولمزيد من التضييق على الناس اعتبرت اللجنة أن أي شخص ليس لديه أوراق ثبوتية للذهب الذي بحوزته يصادر منه!

 

إن رئيس الوزراء يعتبر أن (النافذة ستقلل من عمليات التهريب)، فقال: (بهذه السياسة تكون وزارة المعادن قد تنازلت عن كثير من الرسوم الخاصة بإجراءات الصادرات بالشركة السودانية. وبهذه الخطوات نود أن نشير إلى حصائل الصادر خلال الأشهر الماضية من العام الجاري قد بلغت ملياراً و500 مليون دولار. ونسعى جاهدين لوقف تهريب الذهب بالسياسات والإجراءات).

 

ومن جهة أخرى فإن هذه الإجراءات تذمرت منها غرفة الصادر، حيث وصف رئيس شعبة مصدري الذهب عبد المنعم الصديق في حديث للجزيرة نت بتاريخ 21/08/2025م، وصف قرار احتكار الحكومة لتصدير الذهب بـ"القرار الكارثي وسيعمل على تدمير ما تبقى من الاقتصاد السوداني المتهالك وسيعيد نفس تجربة حكومة الإنقاذ وسياساتها الأخيرة والتي كانت نتائجها معلومة للجميع". وتابع "لا أدري لماذا الإصرار على تجريب المجرب وهذا لن يؤدي إلى إصلاح اقتصادنا المتهالك والذي يعتمد على صادر الذهب في توفير أغلب احتياجات البلاد". وأضاف أن احتكار صادر الذهب لمجموعة معينة يفتح المجال واسعا للفساد فيقول: "من خلال تجاربنا السابقة مع نفس هذه السياسات لم ينل منها الوطن إلا إهدارا لموارده عبر التهريب وكذلك مزيدا من الفساد والإفساد".

 

من المعلوم حسب الأحكام الشرعية أن معدن الذهب وغيره من المعادن ليست من ملكيات الدولة، فهي إما أن تكون ملكية فردية، وإما ملكية عامة. فالحكم الشرعي في التعامل مع المعادن فهو كالآتي:

 

المعادن قسمان: قسم محدود المقدار بكمية لا تعتبر كمية كبيرة بالنسبة للفرد، وقسم غير محدود المقدار. أما القسم المحدود المقدار، فإنّه من الملكية الفردية، ويملك ملكاً فردياً، ويعامل معاملة الركاز، وفيه الخمس. فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ سئل عن اللقطة فقال: «مَا كَانَ مِنْهَا فِي طَرِيقِ الْمِيتَاءِ (أي الطريق المسلوكة) أَوْ الْقَرْيَةِ الْجَامِعَةِ فَعَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَهِيَ لَكَ، وَمَا كَانَ فِي الْخَرَابِ، يَعْنِي فَفِيهَا وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ». رواه أبو داود.

 

وأما القسم غير المحدود المقدار، الذي لا يمكن أن يَنْفَد، فإنّه ملكية عامة، ولا يجوز أن يملك فردياً لما روى الترمذي عن أبيض بن حمال: «أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَاسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ فَقَطَعَ لَهُ، فَلَمَّا أَنْ وَلَّى قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمَجْلِسِ: أَتَدْرِي مَا قَطَعْتَ لَهُ؟ إِنَّمَا قَطَعْتَ لَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ. قَالَ: فَانْتَزَعَهُ مِنْهُ» والماء العِدُّ الذي لا ينقطع. شبه الملح بالماء العدّ لعدم انقطاعه، فهذا الحديث يدل على أن الرسول ﷺ أقطع ملح الجبل لأبيض بن حمال، ما يدل على أنه يجوز إقطاع معدن الملح. فلما علم أنه من المعدن الدائم الذي لا ينقطع، رجع عن إقطاعه، وأرجعه، ومنع ملكية الفرد له، لأنّه ملكية الجماعة. وليس المراد هنا الملح، وإنما المراد المعدن، بدليل لما علمه أنه لا ينقطع منعه، مع أنه يعلم أنه ملح، وأقطعه من أول الأمر، فالمنع لكونه معدناً لا ينقطع. قال أبو عبيد: "وأما إقطاعه ﷺ أبيض بن حمال المأربي الملح الذي بمأرب، ثمّ ارتجاعه منه، فإنما أقطعه، وهو عنده أرض موات يحييها أبيض، ويعمرها، فلما تبين للنبي ﷺ أنه ماء عد - وهو الذي له مادة لا تنقطع مثل ماء العيون والآبار - ارتجعه منه لأنّ سُـنّة رسول الله ﷺ في الكلأ، والنار، والماء، أن النّاس جميعاً فيه شركاء، فكره أن يجعله لرجل يحوزه دون النّاس". ولما كان الملح من المعادن، فإن رجوع الرسول عن إقطاعه لأبيض يعتبر علة لعدم ملكية الفرد، وهو كونه معدناً لا ينقطع، وليس كونه ملحاً لا ينقطع. ومن هذا الحديث يتبين أن علة المنع في عدم إقطاع معدن الملح كونه عداً، أي لا ينقطع. ويتبين من رواية عمرو بن قيس أن الملح هنا معدن، حيث قال "معدن الملح" ويتبين من استقراء كلام الفقهاء، أنهم جعلوا الملح من المعادن، فيكون الحديث متعلقاً بالمعادن لا بالملح خاصّة.

 

وهذا الحكم، وهو كون المعدن الذي لا ينقطع ملكاً عاماً، يشمل المعادن كلها سواء المعادن الظاهرة التي يوصل إليها من غير مؤونة، ينتابها النّاس وينتفعون بها، كالملح، والكحل، والياقوت، وما شابهها، أم كان من المعادن الباطنة، التي لا يوصل إليها إلا بالعمل والمؤونة، كمعادن الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والرصاص، وما شاكلها. وسواء أكانت جامدة كالبلور أم سائلة كالنفط، فإنها كلها معادن تدخل تحت الحديث. وبذلك لا يجوز تحويل الملكية العامة إلى ملكية فردية.

 

لكن النظام الرأسمالي، وبحكم البراغماتية، والنظرة النفعية للحياة، ينهب الملكيات العامة، ويحتكر تعاملاتها ظلما وعدواناً، فتتكدس الأموال عند أفراد قلة، بينما الناس في فقر مدقع لا يقوون على إشباع حاجاتهم الأساسية.

 

فرئيس الوزراء يكون قد كدس الأموال في أيدي شركائه في أجهزة حكومته لا كما أراد الله أن يكون المال دولة بين الناس. ولا يمكن وقف هذا الشره الرأسمالي إلا بدولة الخلافة الراشدة الثانية التي تطبق أحكام الشرع في النقد وغيره فتحفظ مقدرات الأمة بصك النقود على أساس قاعدة الذهب والفضة. وليس ورقاً لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب فيه. وبالتالي تعالج مشكلة النقد بفك الارتباط مع الدولار وربط العملة بالذهب والفضة. وقد تبنى حزب التحرير في مقدمة الدستور ما نصه:

 

(المادة 167: نقود الدولة هي الذهب والفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة، ولا يجوز أن يكون لها نقد غيرهـما. ويجوز أن تصدر الدولة بدل الذهب والفضة شيئاً آخر على شرط أن يكون له في خزانة الدولة ما يساويه من الذهب والفضة. فيجوز أن تصدر الدولة نحاساً أو برونزاً أو ورقاً أو غير ذلك وتضربه باسـمها نقداً لها إذا كان له مقابل يساويه تـماماً من الذهب والفضة).

 

وللرجوع إلى قاعدة الذهب يجب إزالة الأسباب التي أدت إلى التخلي عنه، وإزالة العوامل التي أدت إلى تدهوره، أي يعمل ما يلي:

 

1- إيقاف طبع النقود الورقية

2- إعادة النقود الذهبية إلى التعامل

3- إزالة الحواجز الجمركية من أمام الذهب، وإزالة جميع القيود على استيراده وتصديره.

4- إزالة القيود على تملك الذهب، وحيازته وبيعه، وشرائه، والتعامل به في العقود.

5- إزالة القيود على تملك العملات الرئيسية في العالم، وجعل التنافس بينها حراً، حتى تأخذ سعراً ثابتاً بالنسبة لبعضها، وبالنسبة للذهب، من غير تدخل الدول بتخفيض عملاتها أو تعويمها.

 

ومتى ترك للذهب الحرية، فإنه سيكون له سوق مفتوحة في فترة زمنية يسيرة، وبالتالي فإن جميع العملات الدولية ستأخذ سعر صرف ثابتاً بالنسبة للذهب، وسيأخذ التعامل الدولي بالذهب طريقه إلى الوجود حيث سيجري دفع قيم العقود لسلع مقدرة قيمتها بالذهب.

 

إن هذه الخطوات إذا قامت بها دولة واحدة قوية، فسيؤدي نجاحها إلى تشجيع الدول الأخرى على اتباعها في ذلك؛ ما يؤدي إلى تقدم نحو إعادة نظام الذهب إلى العالم مرة أخرى.

 

وليست دولة أجدر من دولة الخلافة من القيام بذلك؛ لأن العودة إلى قاعدة الذهب والفضة حكم شرعي بالنسبة لها، ولأن دولة الخلافة مسؤولة عن العالم مسؤولية هداية ورعاية.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

إبراهيم مشرف

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

متى يحصل المسلمون على الاستقلال؟

 

بعد سقوط السلطة السوفيتية ظهرت في آسيا الوسطى مجموعة من الدول الوطنية، ومن بينها قرغيزستان التي أعلنت استقلالها في 31 آب/أغسطس عام 1991.

 

وإذا نظرنا إلى صحف التاريخ، نجد أن المسلمين فقدوا استقلالهم الحقيقي بإسقاط دولة الخلافة العثمانية عام 1924م. فقد رفعت بريطانيا وفرنسا شعار "الاستقلال" لفصل المنطقة العربية والأفريقية عن الخلافة العثمانية ونشرتا بين الناس الشعارات القومية والعصبية مثل العروبة والتركية، وهكذا بدأت تنشأ الدول القومية.

 

ثم وقعت الحرب العالمية الأولى، وكانت من عوامل إسقاط دولة الخلافة. ولما ضاقت على الدول المستعمرة بما احتلته، اندلعت الحرب العالمية الثانية من جديد. ونتيجة لهذه الحرب، روّجت أمريكا التي كانت تسعى لقيادة العالم، شعارات "الاستقلال". ومصطلح "الاستقلال" كان مشروعاً أمريكياً ابتُكر لإيجاد فرصة لانتزاع المستعمرات من أيدي القوى الاستعمارية الأخرى. إذ إن أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية خرجت كقوة عظمى وبدأت تطمح في مناطق نفوذ الآخرين.

 

فبدأت عملية "التحرر من الاستعمار" من الهند، حيث أُجبرت بريطانيا على منح الهند وباكستان استقلالاً شكلياً عام 1947 بعدما دعمت أمريكا الحركات الثورية هناك تحت شعار "الاستقلال". ومنذ ذلك الحين استمرت المنافسة بين أمريكا وبريطانيا في الهند؛ فبريطانيا تدعم حزب المؤتمر الوطني الهندي، بينما تدعم أمريكا حزب الشعب الهندي تحت شعار الاستقلال. أما باكستان فقد انتزعتها أمريكا تماماً من يد بريطانيا.

 

وهكذا استمرت عملية إزالة الاستعمار في كل منطقة صراعا بين المستعمرين القدامى والجدد. وفي ستينيات القرن الماضي، لاقت "إزالة الاستعمار" دعماً قوياً من الأمم المتحدة التي دعمت لائحة الإزالة والتحرير من الاستعمار. وقد تبنت عام 1960 "إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة". وفي عام 1961 اتفق الرئيس الأمريكي مع خروتشوف زعيم الاتحاد السوفيتي في فينَّا على تقاسم المستعمرات فيما بينهم. ونتيجة لذلك، أفسحت حركات الاستقلال الطريق أمام أمريكا والاتحاد السوفيتي للتوغل في مستعمرات بريطانيا وفرنسا وغيرهما من الدول الاستعمارية.

 

وبدورها، سعت بريطانيا للحفاظ على نفوذها في مستعمراتها من خلال دول كومونويلث، كما حاولت فرنسا فعل الشيء نفسه عبر الجماعة الفرنسية. وبعد سقوط السلطة السوفيتية، حاولت روسيا أن تسير على خطاهما من خلال رابطة الدول المستقلة ثم لاحقاً عبر منظمة معاهدة الأمن الجماعي عسكرياً والاتحاد الاقتصادي الأوراسي اقتصادياً. إلا أن نفوذها ظل في تضاؤل بسبب انفتاح مستعمراتها السابقة على منظمات دولية أخرى، ودخول مستعمرين جدد إليها.

 

أما اليوم، ففي قرغيزستان لا يزال نفوذ المستعمر القديم روسيا هو الغالب، غير أن أمريكا أيضاً استطاعت التغلغل في شؤوننا الداخلية وحققت نجاحات ملموسة خاصة في المجال الإعلامي وإعداد الكوادر. ومن جهة أخرى، برزت الصين التي بدأت استعمارها الجديد كأكبر مقرض وأكبر مستثمر، وصارت ذات نفوذ اقتصادي رئيسي من خلال مشاريع استراتيجية مثل "السكك الحديدية عبر الصين - قرغيزستان - أوزبيكستان". كذلك زاد اهتمام أوروبا بآسيا الوسطى مع ارتفاع قيمة المعادن والمواد الخام، فحدثت محاولات جديدة للتغلغل الاستعماري في المنطقة.

 

وعليه، فإن يوم 31 آب/أغسطس ليس يوم استقلال لشعب قرغيزستان، بل هو اليوم الذي بدأ فيه الصراع بين المستعمرين الجدد على النفوذ في بلادنا. إذ إن مظاهر الاستقلال الحقيقية - السياسية والاقتصادية والعسكرية - ما زالت مرتبطة بالقوى الاستعمارية.

 

لذلك، كوننا مسلمين علينا أن ندرك أن طريق الخلاص من الاستعمار إنما هو في إسلامنا. فعلينا أن نتعلم الإسلام ونسارع للعمل به، فبهذا فقط نعيد بأيدينا استقلالنا الذي فقدناه عام 1924م. ولأجل ذلك، ينبغي على بلاد المسلمين أن لا تعترف بالحدود المصطنعة ولا تنخدع بالدول القومية المستقلة شكلياً. وعلينا اليوم أن ندع خلافاتنا وأن نتوحد.

 

حينئذٍ فقط سنحاسب أولئك الحكام الذين تركوا غزة، وتركستان الشرقية، والروهينجا، والسودان، وغيرها من المناطق المظلومة بلا ناصر. وحينها سنعيد دولة الخلافة التي تقف من بين أيدينا ووراءنا حاميةً، وبذلك سنحصل على الاستقلال الحقيقي.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

ممتاز ما وراء النهري

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أمريكا لها أياديها القذرة في كل صراع... والسودان ليس استثناءً

 

(مترجم)

 

على مدى العقد الماضي، كشفت أمريكا عن نفسها كمدبر لبعضٍ من أبشع وأعنف الصراعات في العالم. من روسيا وأوكرانيا إلى الهند وباكستان، إلى الصين وتايوان، إلى سوريا والعراق وأفغانستان واليمن وكينيا ومالي والكاميرون، وهذه أمثلة قليلة فقط! ومع ذلك، لم يكشف أيٌّ منها أمريكا أكثر من دعمها وتورطها السّافر في الإبادة الجماعية التي تُرتكب في غزّة ضدّ أهل فلسطين. قبل العدوان على غزة وحصارها الشامل وتدميرها، لم يكن الكثيرون يدركون مدى قذارة الحكومة الأمريكية وكيف أنها قادرة على تحريك اللاعبين كما لو كانوا بيادق على رقعة شطرنج. انكشف زيف هذه الخدعة رغم عقود من الدعاية الأمريكية التي روّجت لفكرة أنّ تورطها يقتصر على تعزيز الديمقراطية، وإزاحة الطغاة، وتطبيق القانون الدولي، أو حماية حقوق الإنسان، وما إلى ذلك. ومع تصاعد العنف ضدّ الشعب الفلسطيني، اتضح جلياً أن أمريكا هي من تُقدّم الأسلحة والدعم المالي اامليشيات والحكومات المتحاربة (وأحياناً لكلا الجانبين)، وأنها تُهمل القوانين الدولية، وأنها تُشوّه وتُعذّب وتغتصب وتقتل، وأنها، رغم ادعائها بأنها نصيرة العدالة، ترتكب في الواقع أعمال عنف ضدّ المدنيين الأبرياء يومياً في جميع أنحاء العالم. إنهم لا يدعمون كيان يهود فحسب، بل يدعمون أيضاً الطغاة والحكام غير الشرعيين والمليشيات والفصائل في جميع أنحاء العالم. بهذا الإدراك، يجب أن نفهم أنّ العنف والفوضى اللذين يحدثان في السودان لا يختلفان من حيث هوية اللاعبين الدوليين، وأنهما لا يحدثان في فراغ.

 

لطالما كان النظام السوداني في أيدي قوة دولية، بدءاً من بريطانيا، التي دبرت استقلال السودان المزيف عام 1956، ولكن سرعان ما انتقل إلى أيدي أمريكا بعد صعودها كقوة عظمى في العالم. ولأسباب عديدة بما في ذلك موارد السودان الثمينة للغاية وموقعه الجيوسياسي الاستراتيجي، تحاول الدول الغربية باستمرار الحصول على نصيبها من الكعكة. تحاول دول مثل روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا كسب موطئ قدم باستخدام وكلائها، مثل بريطانيا مع الإمارات، أو باستخدام المرتزقة مثل روسيا عبر مجموعة فاغنر، أو باستخدام النفوذ الاقتصادي مثل الصين. ومع ذلك، لم يتمكن أحد من التغلب على سيد الدمى، أمريكا، في لعبتها الاستعمارية الجديدة. من ناحية أخرى، تستخدم أمريكا تكتيكات مختلفة للحفاظ على قبضتها على السودان، مثل دعم الفصائل العسكرية المختلفة هناك والانخراط في مناورات خفية مختلفة لمنع حكومة مدنية من تولي السلطة في البلاد. وتستخدم أمريكا أيضاً وكلاءها مثل السعودية والإمارات ومصر وتركيا باعتبارهم "لاعبين وسطاء"، ما يسمح لهم بلعب دور في المنطقة، طالما ظل ذلك الدور ضمن حدود السياسة الأمريكية.

 

حركة أنيانيا، في الجنوب، كانت كائنا وُلِد من الحرب الأهلية الأولى وأنتجت حركة تحرير جنوب السودان المدعومة من أمريكا والمبشرين النصارى. وضعت أمريكا أُسسها لانفصال جنوب السودان في نهاية المطاف وسيطرتها من خلال دعمها للحركة الشعبية لتحرير السودان، إلى جانب علاقة عمر البشير الخيانية معهم، ومشاركتهم في قيادة اتفاقية نيفاشا. بعد أن رأت أمريكا خطتها لفصل جنوب السودان، وضعت أعينها على منطقة دارفور، التي كانت تستخدمها بريطانيا سابقاً كوسيلة للاحتفاظ بأي بقايا من السيطرة التي كانت لديها من قبل من خلال تأجيج الحروب هناك. ومع ذلك، وكالعادة، تستخدم أمريكا نفوذها وأموالها وتهديداتها لإحباط أي خطط تتعارض مع خططها. واليوم، تحافظ أمريكا على سلطتها من خلال الرجال على كلا الجانبين الذين يقاتلون على الأرض. عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي منذ الانقلاب وقائد القوات المسلحة السودانية، وكذلك محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع. تسيطر أمريكا على القوات المسلحة السودانية عبر وكيلتها، السعودية، التي تُرسل الأموال إلى القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، عبر وكيلها حميدتي. ورغم ولاء حاكمها لبريطانيا، استمرت الإمارات في دعم هذه القوات وعميل أمريكا حميدتي، أملاً في كسب بعض النفوذ عليه وعلى أتباعه إذا ما نجحت خطة أمريكا وانقسم السودان مرةً أخرى. يا له من أمر مخزٍ أن يقاتل البرهان وحميدتي بدماء الشعب السوداني لا لشيء إلا خدمة مصالح أمريكا في فصل دارفور عن السودان، تماماً كما فعلت عندما فصلت جنوب السودان!

إلى أهل السودان، أودّ أن أترككم مع هذا النداء من أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة في جواب سؤال صادر بتاريخ 23 ذي القعدة 1446هـ الموافق 21 أيار/مايو 2025م:

 

"أيها الأهل في السودان.. إننا نناديكم، فتداركوا الأمر قبل الندم ولات حين مندم.. وخذوا على رقاب الطرفين المتقاتلين وأطروهما على الحق أطرا.. وانصروا حزب التحرير لإقامة الخلافة الراشدة، ففيها عز الإسلام والمسلمين وذل الكفر والكافرين.. ورضوان من الله أكبر.. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾".

 

لمزيد من التحليل المفصل للوضع في السودان من الماضي إلى الحاضر، أحثكم على قراءة هذه المقالات، والبحث في الموقع عن المقالات العديدة التي كتبها أمير حزب التحرير، وكذلك الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان.

 

جــواب ســؤال: قضية البشير مع المحكمة الدولية، وحقيقة تخفيف التصعيد بين أوروبا وأمريكا حول السودان

جواب سؤال: رفض حركة العدل والمساواة توقيع وثيقة الدوحة للسلام في دارفور 

جواب سؤال: هجمات المسيّرات وتطورات الحرب في السودان

بيان صحفي: يا حكومة البشير، متى أصبح السودانُ ولايةً أمريكية؟!

بيان صحفي: الاستعمار الأمريكي يصفع البرهان ويعوم حميدتي بالرغم من جرائمه بحق أهل السودان

بيان صحفي: الساسة في السودان ينفذون مؤامرات أمريكا لتمزيق البلاد!

 

#أزمة_السودان           #SudanCrisis

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سارة محمد – أمريكا

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ضرب كيان يهود المجرم للاجتماع الوزاري في صنعاء

عَرَضٌ لمرضٍ أعمق

 

شيّع الحوثيون الاثنين، جثامين رئيس وزرائهم السابق، وعدد من وزراء حكومته الذين قتلوا في غارات يهود، على صنعاء، الأسبوع الماضي، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" التي يديرها الحوثيون.

 

وأفادت مصادر مطلعة أنّ العملية جرت بدقة عالية، ما يوحي باختراق استخباراتي خطير سهّل للطيران المعادي إصابة الهدف بدقة، في وقت يثير فيه تغيّب بعض المسؤولين المفترض حضورهم عن الاجتماع علامات استفهام حول طبيعة التنسيق الأمني ومن يقف وراء التسريب.

 

ما جرى في صنعاء لم يكن قصفاً عابراً ولا خسارة عسكرية فحسب، بل هو صورة فاضحة لانكشاف هذه الأنظمة وعجزها أمام أعداء الأمة. أي دولة هذه التي تُساق قياداتها إلى مجزرة تحت سقف واحد دون أدنى احتراز؟ وأي سيادة يُتشدَّق بها فيما تُدار الحروب في سمائها ومكاتبها من غرف استخبارات أجنبية؟

 

إنّ جمع هذا العدد من الوزراء في وقت حرب، ثم إصابتهم بهذه الدقة، يشي بأن المعلومة تسربت من أضيق الدوائر، بل ربما من داخلها نفسها. فأمام من نحن؟ أمام أعداء خارجيين وحدهم؟ أم أمام شبكة من العملاء والخونة الذين فتحوا البلاد على مصراعيها للاستخبارات الدولية، يقتلون من يشاؤون وينجون من يشاؤون؟

 

ثم أين ذهبت القيادات التي غابت "مصادفة" عن الاجتماع؟ أهو الغياب العارض، أم الترتيب المسبق؟ وكيف يُترك مستقبل البلاد ومصير أهلها لعبة بيد الغرف السوداء؟

 

لقد قال الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله: "لقد غفل المسلمون عن خطر هذه الثقافة، وصاروا يحاربون المستعمر ويتناولون منه ثقافته، مع أنّها هي سبب استعمارهم، وبها يتركز الاستعمار في بلادهم... يمدون إليه أيديهم من خلف ليتناولوا بكلتا يديهم سمومه القاتلة، يتجرعونها، فيسقطون بين يديه هلكى، يحسبهم الجاهل شهداء نزال، وما هم إلا صرعى غفلة وضلال".

 

وهذا ما نراه اليوم تماماً؛ أنظمة تدّعي المقاومة والممانعة، لكنها تحكم بالقوانين الوضعية، وتستند إلى الثقافة الغربية، وتبني سلطتها على غير أساس الإسلام. فهي تفتح الأبواب للعدو، وتُحكم قبضتها على الشعوب، وتتركهم فريسة للفقر والدماء والانكسار.

 

إن هذا ليؤكد أنّ هذه الأنظمة العميلة تتحمل المسؤولية الكاملة عما جرى ويجري، وأنّ الحل لا يكون بتغيير الأشخاص ولا بمناصب تتهاوى في غارات جوية، ولا بتحالفات ومصالحات هزيلة، بل الحل الجذري هو بإقامة الخلافة الراشدة التي تقلع الاستعمار من جذوره، وتُعيد الحكم بما أنزل الله، وتحاسب كل خائن ومتواطئ، وتردّ العدوان بيد قوية، لا تعرف التبعية ولا المساومة.

 

فإما أن نفيق وننخلع من هذه المنظومة المهترئة، أو نبقى صرعى غفلة وضلال إلى أن يأذن الله بنصره وفرجه، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ﴾.

 

إن الهجوم الجوي المروع هذا هو شهادة صارخة لا يمكن إنكارها على الاختراق الأمني والاستخباراتي العميق الذي يعصف بأرض اليمن، ويكشف عن نقاط الضعف الكامنة في غياب دولة ذات سيادة حقيقية. هذه المأساة تحث على مواجهة أسئلة مقلقة: من سهّل هذا الاختراق؟ من نجا، ولماذا؟ وماذا يعني هذا الحادث حقاً لمستقبل الحوثيين؟

 

ما حدث في صنعاء ليس مجرد اغتيال سياسي معزول؛ بل هو الثمرة المرة الحتمية لفشل منهجي؛ الغياب الصارخ لدولة حقيقية قادرة على حماية رعاياها، وصد العدوان الخارجي، ومحاسبة الخونة، وقطع أيدي المتآمرين.

 

إن استمرار انتشار الأنظمة العميلة، الخالية من سلطة اتخاذ القرار، والتي تفتقر إلى السيطرة الحقيقية على الأجهزة الحيوية للحكم، قد حول بلاد المسلمين إلى ساحة خصبة لوكالات الاستخبارات الدولية وميدان مناسب لتصفية الحسابات.

 

وكما لاحظ الشيخ الجليل تقي الدين النبهاني، رحمه الله، ببصيرة نافذة، فإن هذه الحقيقة العميقة يتردد صداها بوضوح مخيف في أحداث اليوم. نشهد أنظمة تعلن بصوت عالٍ المقاومة والممانعة، ومع ذلك تحكم بشكل متناقض من خلال عدسة الثقافة الغربية، وتؤسس أنظمة حكم تتناقض جوهرياً مع مبادئ الإسلام. وبذلك، فإنها تفتح الأبواب عن غير قصد للعدو، بينما تشد قبضتها في الوقت نفسه على شعوبها، تاركة إياهم فريسة لليأس والفقر وسفك الدماء.

 

ومن منظور أعمق، فإن دقّة غارة صنعاء، التي استهدفت مثل هذا التجمع رفيع المستوى، تتجاوز نطاق الضربة العسكرية التقليدية. إنها تشير إلى عملية مخططة بدقة، تم تنفيذها بمعلومات استخباراتية من أعلى المستويات. والسؤال المركزي الذي يصرخ طلباً للإجابة هو: كيف سُمح لمثل هذا الاجتماع الحاسم، الذي يضم كبار قادة الحوثيين، بالانعقاد تحت سقف واحد، في انتهاك مباشر لبروتوكولات الأمن الأساسية في زمن الحرب؟ إن جوهر الدفاع الاستراتيجي يُملي ألا يتم أبداً تجميع فريق قيادة الدولة في مكان واحد ضعيف، وذلك تحديداً لتجنب خسائر كارثية بهذا الحجم، إلا إذا كان للحوثيين أسبابٌ أخرى ستبدي نتائجها الأيام، وليس خافياً على أحد، ما سبق من كوارث تشبه هذه أصيبت بها إيران وحزبها في لبنان، وكأن المخرج لهذه المشاهد واحد، وسيناريو لن يتوقف تكراره.

 

علاوة على ذلك، فإن الدقة الجراحية التي نُفذت بها هذه العملية تشير بقوة إلى أن المعلومات الاستخباراتية تم تسليمها مباشرة، وربما نشأت من داخل الدوائر الداخلية للسلطة. وإذا كان هذا هو الحال بالفعل، فإن الحوثيين يواجهون اختراقاً استخباراتياً لا يقل خطورة، إن لم يتجاوز الضربة العسكرية نفسها. وهذا يثير تساؤلاً حاسماً آخر: كيف تمكن بعض المسؤولين، الذين كان من المتوقع حضورهم بشكل لا لبس فيه في مثل هذا الاجتماع المحوري، من النجاة من الأذى؟ هل كان غيابهم مجرد صدفة سعيدة، أم كان هناك ترتيب متعمد سهل ابتعادهم في الوقت المناسب عن المنطقة المستهدفة في لحظة الأزمة؟ وهذا يجعل مشهد ما حدث في جريمة "القاعة الكبرى" يعود إلى الأذهان، خصوصاً لما يدور بين السلطة الحوثية وحزب المؤتمر وبقايا عفاش وحزب الإصلاح من تصفيات متتالية لا تزال تجر حبالها مؤخراً.

 

إن التحليل الدقيق لهذه الحقائق المقلقة يؤدي إلى استنتاجات عدة لا مفر منها:

 

أولاً: توجد نقاط ضعف لا يمكن إنكارها ضمن أطر الحماية والأمن الحالية لدى الحوثيين، تنم عن انهيار سيادتهم المزعومة، وتمسكهم ببقايا بناء الجمهورية المتصدعة الأركان.

 

ثانياً: دفع هذه الأحداث بأبناء الشعب إلى إسقاط ثقتهم بالحوثيين أمنياً وعسكرياً، بعد سقوطهم فكرياً وحضارياً، وسيندفع الجميع للحل الجذري الشامل في إعادة دولة الإسلام التي تحمي أبناءها وتذود عنهم.

 

وفي ضوء هذه التطورات الخطيرة، يجب أن يكون ما حدث في صنعاء بمثابة حافز لحوار عميق وصادق حول تبني مشروع الخلافة الإسلامية بديلاً، وبشكل حاسم، وضرورة قطع أيدي الاستعمار الغربي من بلاد المسلمين بشكل كامل، خشية من الوقوع في فخاخ مماثلة في المستقبل.

 

تتحمل هذه الأنظمة المسؤولية المباشرة عن الكوارث التي تحل بأمتنا. ونؤكد، بقناعة لا تتزعزع، أن الحل الجذري والدائم لن يوجد في التعيينات السياسية، أو التحالفات العابرة، أو المصالحات السطحية. بل يكمن، بشكل لا لبس فيه، في إقامة الخلافة الراشدة، الدولة التي ستقتلع الاستعمار من جذوره، وتعيد الحكم بما أنزل الله، وترد الصاع صاعين، وتحاسب كل خائن ومتواطئ بأشد الحساب. فعلى الفئة الفاعلة المؤثرة من حكام وغيرهم في اليمن أن تعي هذا الأمر جيداً.

 

لذلك، فإن الخيار أمامنا واضح: إما أن نستيقظ من سباتنا ونتخلص من قيود التبعية، أو نبقى صرعى غفلة وضلال حتى يأذن الله بفرجه ونصره. لقد حان الآن وقت العمل الحاسم، المتجذر في المبادئ الحقيقية للإسلام، ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ﴾.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أبو بكر الجبلي – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وصفة البنك الدولي لواحات تونس.. إدارة الأزمة أم إدارة التبعية؟!

 

حذر البنك الدولي في تقرير حديث أعده بالشراكة مع مؤسسات بحثية تونسية من مخاطر جسيمة تهدد واحات تونس نتيجة الاستغلال المفرط للمياه الجوفية والتغيرات المناخية وضعف الحوكمة. وسلط التقرير الضوء على الأهمية البيئية والاقتصادية لهذه الواحات باعتبارها "جواهر طبيعية" و"خزانات للتنوع البيولوجي". وكشف عن ارتفاع المساحات المزروعة في الواحات من 17,500 هكتار عام 1992 إلى أكثر من 51,000 هكتار اليوم، بفضل التوسع في استخراج المياه العميقة، خاصة في الجنوب. وقدّم التقرير سيناريوهين: استمرار التدهور أو الإصلاح المستدام الذي قد يحقق مكاسب اقتصادية تصل إلى 7 مليارات دينار وإخلاف أكثر من 33 ألف فرصة عمل، مع خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بـ 22.5 مليون طن بحلول 2050.

 

كما شدد التقرير على أن مستقبل الواحات لا يتوقف فقط على التمويل والتقنيات الحديثة، بل على إصلاح منظومة الحوكمة، مشيراً إلى معاناة الواحات من تداخل الصلاحيات بين الوزارات والمجالس المحلية وجمعيات المستخدمين، في غياب التنسيق الفعال.

 

ودعا التقرير إلى إعداد خطط تنمية متكاملة لإدارة الواحات، وتحديث القوانين لتلائم خصوصياتها، مع إمكانية إدراجها ضمن قائمة محميات "اليونسكو" الحيوية.

 

ولإضفاء مصداقية علمية أعدّ البنك الدولي هذا التقرير بالتعاون مع مؤسسات بحثية تونسية مرموقة مثل المعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس، والمعهد الوطني للبحوث في الهندسة الريفية والمياه والغابات، حيث غطى التقرير الجوانب البيئية والاقتصادية والاجتماعية، ما يجعله تحليلاً متكاملاً. ويشكل ناقوس خطر حول مخاطر حقيقية تهدد الواحات، خاصة مع توقع ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.9 درجة مئوية وانخفاض الأمطار بنسبة 9% بحلول 2050.

 

لكن في المقابل تجاهل هذا التقرير الثروات المائية الهائلة جنوب تونس، خاصة المخزون العالمي للمياه الجوفية الألبية المشتركة مع الجزائر وليبيا، والتي تقدر بحوالي 40,000-50,000 مليار متر مكعب. كما ركز على الإصلاحات المحلية دون طرح رؤية إقليمية شاملة للتعامل مع المشكلة، والتي تتطلب تعاوناً مع كلّ من الجزائر وليبيا. كما لم يطرح بدائل مثل تحلية مياه البحر أو مشاريع الطاقة المتجددة كحلول استراتيجية.

 

البنك الدولي وتاريخ من الإملاءات الفاشلة:

 

مع أهمية الدراسة إلا أن هناك تساؤلاً عن اهتمام البنك الدولي كمؤسسة مالية ربوية تُعدّ من أشدّ أذرع النظام المالي العالمي والذي تهيمن عليه الولايات المتحدة ودول غربية كبرى، ومن أهم الأدوات لتحقيق النفوذ السياسي والاقتصادي من خلال الهيمنة على قرارات التمويل والاقتصاد.

 

منذ ستينات القرن الماضي، لعبت خيارات التنمية المدعومة من البنك الدولي دوراً كبيراً في تشكيل الأزمات التونسية المتعاقبة. منها دعمه تجربة التعاضد التي كانت مشروعاً تأسيسياً لرأسمالية الدولة حيث أُجبر الفلاحون على التخلي عن أراضيهم، ما أدى إلى تراجع الإنتاجية ونقمة شعبية واسعة. بعد ذلك، ومع سياسة الانفتاح في السبعينات، اختارت تونس الاعتماد على السياحة والصناعات المصدّرة ذات القيمة المضافة الضعيفة، وهو توجه شجعه البنك وصندوق النقد الدوليان. هذه الخيارات أدت إلى تركّز الاستثمارات على المناطق الساحلية وتهميش الجهات الداخلية، وتهميش قطاعات استراتيجية كالفلاحة والصناعة، فبقي الاقتصاد هشاً وتابعاً للخارج. ثمّ جيء ببرامج التعديل الهيكلي في الثمانينات: فُرض تحرير السوق وتقليص دور الدولة وخوصصة المؤسسات العمومية، ما فاقم البطالة والفوارق المجتمعية والجهوية. وكانت هذه الاختلالات من الأسباب العميقة لثورة 2011.

 

إغفال المخاطر الحقيقية في التقرير:

 

- الطاقة الهيدروجينية: لم يتناول التقرير خطورة اعتماد الطاقة الهيدروجينية لتسويقها لأوروبا على المياه الجوفية في الجنوب، والتي تتطلب كميات هائلة من المياه.

 

- التبعية المالية: يظل البنك الدولي جزءاً من النظام المالي العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة ودول غربية كبرى، ما يجعله أداة لتحقيق النفوذ السياسي والاقتصادي على دول العالم الثالث.

 

دعا التقرير إلى إدراج الواحات تحت قائمة اليونسكو

 

ما يعني فقدان السيادة غير المباشر، وذلك من خلال الالتزام بمعايير وقوانين تفرض قيوداً على استخدام الأرض والتنمية، ووضع الموقع تحت إشراف ومراقبة دولية، بما يؤثر على السياسات المحلية والتخطيط العمراني ويزيد من نسبة الاعتماد على التمويلات والخبرات الدولية.

 

والجدير بالذكر أن عديد الدول رفضت وماطلت في إدراج مواقعها التراثية لدواعٍ سيادية، فكيان يهود الغاصب رفض إدراج مواقع التراث في الأراضي الفلسطينية مثل أريحا والخليل، تعبيراً على أن تدبير اليونسكو يساهم في دعم المطالب الفلسطينية، وأن هذه الإجراءات تمس سيادته وتقلل من نفوذه، ما يطرح تساؤلات حول دوافع الترويج لمثل هذه الخطوة في تونس.

 

الأسباب الحقيقية لأزمة المياه والواحات والحلول البديلة

 

الأسباب الحقيقية تكمن في اختيار الأنظمة القائمة في بلادنا لسياسات تبعية للقوى الدولية بدلاً من البحث عن تكامل إقليمي يحقق الاكتفاء الذاتي ويحمي البلاد والعباد، والحال أن منطقة جنوب تونس تحتوي على أكبر مخزون عالمي للمياه الجوفية الألبية المشتركة مع الجزائر وليبيا، لكن سوء الإدارة وغياب التخطيط الاستراتيجي أفقد تونس ودول المنطقة فرصة الاستفادة من هذه الثروة. رغم أنّه في ذمتنا حكم شرعي يدعو إلى الوحدة السياسية والاشتراك في الثروات، ما كان ليمكن أن يحقق تكاملاً إقليمياً في جميع شمال أفريقيا. قال النبي ﷺ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ».

 

الحل الجذري يكمن في رفض الإملاءات الخارجية التي تهدف إلى إضعاف سيادتنا والتي تحول دون توحيد الاستراتيجيات مع الجزائر وليبيا لإدارة الموارد المائية المشتركة بشكل دائم وعلى أحسن وجه، وفسح مجال للتكامل والتنقل الحرّ ما يؤدي إلى تنوع مصادر الثروة وتنوع الاقتصاد عبر الصناعة والتجارة دون استنزاف المياه، مع تطوير تقنيات تحلية مياه البحر والري بالطاقة الشمسية وتطوير التقنيات لاستغلال الثروة المائية الهائلة التي تكفي جميع شمال أفريقيا لمئات السنين.

 

الخاتمة

 

في الختام، بينما يحمل تقرير البنك الدولي تحذيرات مهمة حول مخاطر تهدد واحات تونس، إلا أنه يظل محكوماً بأجندات اقتصادية وسياسية تخدم مصالح القوى الكبرى وتكرّس للتقسيم الاستعماري الذي كان ولا يزال السبب الرئيسي لضعفنا وعجزنا عن الانتفاع بخيراتنا التي جعلها الله مشتركة بيننا.

 

 التاريخ يشهد أن إملاءات البنك الدولي لم تجلب لتونس إلا المزيد من البؤس والتبعية، من تجربة التعاضد في الستينات إلى المنوال الاقتصادي القائم على السياحة والخدمات إلى برامج التعديل الهيكلي في الثمانينات وآثاره الكارثية.

 

إن الحلّ الحقيقي يكمن في التحرر من هذه المقاربات الفاشلة واعتماد رؤية استراتيجية تقوم على التكامل الإقليمي بين دول المنطقة والاستفادة من الثروات الطبيعية ضمن أحكام الإسلام العظيم التي تدعو إلى إحياء الأرض والمحافظة على الثروات ومن أهمها المياه، وتدعو كذلك لوحدة المسلمين وانصهارهم كالبنيان الذي يشدّ بعضه بعضا، حتى نتمكن من إنقاذ واحاتنا وسائر ثرواتنا وتحويلها من مراكز للتبعية إلى نماذج للتنمية والسيادة والنجاح.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

ياسين بن يحيى

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

«لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ»

 

قال رسول الله ﷺ: «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ» فما بال أهلنا في العراق وفي غيره من بلاد المسلمين يلدغون من الجحر نفسه مرات ومرات ومرات من دون النظر إلى أن البلاء الذي ينزل عليهم هو من خلال هذا الجحر الأسود المظلم؟!

 

بعد أشهر قليلة، أي في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني القادم، ستكون هناك انتخابات جديدة لمجلس النواب العراقي والذي من خلاله وبعد تلك الانتخابات سيكون هناك ترشيح لرئيس مجلس الوزراء ورئيس جديد للبرلمان وغيرها من المناصب.

 

لن نتحدث اليوم عن حرمة هذه الانتخابات ومخالفتها الصريحة للأحكام الشرعية، مع أنها الأصل والفصل في هذا المقام، لأننا سبق وأن بينا ووضحنا ذلك مرارا وتكرارا خلال السنوات العشرين الماضية، بل سنتحدث اليوم عن تأثير هذه الانتخابات على الواقع المعيشي لأبناء هذا البلد العريق؛ حيث ومنذ إجراء الانتخابات لأول مرة عام ٢٠٠٥ - بعد سقوط نظام حزب البعث - ووضع الناس في العراق من سيئ إلى أسوأ، وهذا مشاهد محسوس بل يتحول واقعهم من سيئ إلى كارثي مأساوي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. فعلى يد هؤلاء الساسة وصل العراق إلى أسوأ مراتب التصنيف الدولي من حيث الأمن والأمان ورغد العيش ومؤشر الرفاهية وقوة جواز السفر العراقي... فماذا كان يفعل هؤلاء النواب (سنة وشيعة وكرد) خلال السنوات الماضية؟!

 

ألم يصل كل واحد من هؤلاء الساسة إلى مجلس البرلمان بناء على اصطفافهم المذهبي أو القومي أو الطائفي؟ فلماذا أبناء هذه الطوائف يعانون الأمرين في معيشتهم بينما البرلمانيون المنتخبون والساسة من هؤلاء يعيشون في رغد العيش ولذته؟!

 

ألم يصل هؤلاء إلى ما وصلوا إليه اعتمادا على انتخاب طوائفهم لهم؟ أي أنكم يا من تسعون إلى صناديق الاقتراع أنتم من أعطيتم الصلاحية لهؤلاء اللصوص والسراق وسفاكي الدماء ليفعلوا ما فعلوا باسمكم وبرضاكم وبانتخابكم لهم! فمنكم أخذوا شرعيتهم وباسمكم يفعلون ما يفعلون، مع علمنا المسبق أن هؤلاء جلبتهم أمريكا معها على دباباتها لينصبوهم عليكم سواء انتخبتموهم أم قاطعتموهم لكي تضمن أن قطار العراق سيسير على السكة التي صنعتها هي من أجل مصالحها بغض النظر عمن يقود هذا القطار، لكن الأجمل والأكثر قبولا أن يتم هذا الأمر، أي إيصال السياسي العميل إلى الحكم، على أيدي الشعب نفسه وكأن الشعب هو الذي انتخب وحدد وليس أمريكا المحتل الغاصب!

 

لهذا يتعمدون قبل أي انتخابات إذكاء الصراعات بين أبناء الشعب وإدخال الخوف والرعب إلى قلوب الناس من الفصيل المنافس؛ فساسة الشيعة يخوفون أتباعهم من السنة، والسنة يخوفون أتباعهم من الكرد، والكرد يخوفون أتباعهم من العرب، وبهذا يتحرك الناس كالقطيع بلا فهم أو إدراك أو وعي لينتخبوا من هو من طائفتهم حتى لو كانوا يعلمون أنه لا يساوي شسع نعل، أجلكم الله.

 

يا أهل العراق الكرام، يا جمجمة العرب، يا من كانت بغدادكم عاصمة للدنيا بأجمعها: انبذوا هؤلاء الشياطين وقاطعوا انتخاباتهم التي تعطيهم الشرعية ليفعلوا بكم ما يفعلون، لأنه بمقاطعتكم تنكشف عوراتهم وتسقط شرعيتهم، وأقيموا مكان هذا الحكم المعوج والنظام الباطل الفاسد الظالم العميل نظام حكم يرضي رافع السموات والأرض وينعم بخيراتها ساكن الأرض، ألا وهو تطبيق شرع الله بين الناس، فلهذا أرسل الله رسوله ﷺ ليسير الناس وفق إرادته هو لا كما يريدها الشرق أو الغرب، فإن في ذلك رضا ربكم ورفعاً لشأنكم بين الأمم وكسراً لعدوكم ورحمة لكم فيما بينكم، وبعدها رحمة تصل للعالم كله كما أرادها الله عز وجل حين أمر بنزول هذا التشريع العظيم. يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

ريان عيسى – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حين يتجمّل الباطل بثوب السلطان!

 

في أزمنة تتقلّب فيها الموازين، ويعلو فيها صوت الباطل، قد يتخيّل البعض أنّ الباطل قد غدا حقّاً، وأنّ الظلم قد لبس حلّة العدل، وأنّ القمع أصبح سياسة، والطغيان حكمة، والجبروت نظاماً. لكن الحقيقة، وإن طال ليلها، لا تُمحى، والباطل، وإن استقوى بعرش السلطة، لا يتحوّل إلى فضيلة.

 

ربما يمنح الزمن دوراً للباطل، وقد تُقيم له القوى العمياء دولة وسلطة، ويُشيَّد له قصر من وهم، ويُبنى له تاريخ مزيّف، غير أنّ ذلك يبقى باطلاً مهما صوّره الإعلام، ومهما صوّتت له الجموع خوفاً أو تملّقاً.

 

فلنتأمّل في فرعون الذي قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾؛ فهل غيّر جبروته من حقيقته؟ هل تحوّلت جرائمه إلى أمجاد؟ هل صارت قوته حكمة؟ كلا أبداً، فقد ظلّ التاريخ يلعنه، وظلّت البشريّة تذكره رمزاً للطغيان لا للعدل. وكذلك كلّ من لبس رداء الباطل، مهما عظم سلطانه، لا يلبث أن يتعرّى أمام عدالة التاريخ.

 

إنّ الحقّ لا يُقاس بكثرة الأتباع؛ فقد يُغتال الحقّ في وضح النهار، وقد يُنفى الصادقون، وتُكمَّم أفواههم، وتُطمس الحقائق، لكنّ الحقّ يظلّ حقّاً وإن حاصرته الظلمة.

 

نحن نعيش في عالم تتقلّب فيه الحقائق بفعل الإعلام الموجَّه، أو بسطوة القوّة، أو بصمت الشعوب. لكن لا شيء يضفي على الباطل شرعيّة دائمة، فما تأسّس على الظلم يسقط ولو بعد حين. فلندرك أنّ الزمان قد يمهل الباطل، لكنّه لا يخلّده، وأنّ التاريخ وإن كُتب بأيادي الأقوياء، فإنّ الحقّ هو من يضع الخاتمة.

 

واليوم، ما تفعله الحضارة الغربية من استعباد للشعوب المقهورة التي لا تملك من أمرها شيئاً، والتي تعيش في خنادق الحاجة، جعل منها حضارةً تتحوّل إلى آلة تلتهم الإنسان، وتقايض دمه بالنفط، وكرامته بالأسهم!

 

في كلّ مكان، هناك شعب يعاني لكي يزداد أصحاب الأبراج الشاهقة رفاهيةً فوق رفاهيتهم. فهل تنجو حضارة أُسِّست على القهر واستعباد الشعوب؟ إنّ التاريخ يعلّمنا أنّ الطغيان لا يملك إلا مهلة، وأنّ الباطل، وإن تجمّل، فإنّه يحمل في داخله بذور فنائه.

 

وكما سقطت الإمبراطوريات، وانهارت أصنام الذهب، فستسقط هذه الحضارة الخبيثة، وسينهض من بين ركامها إنسان جديد، لا تُقاس قيمته بما في جيبه، بل بما حباه الله وكرّمه به من نِعم. وستُرفع رايات الكرامة فوق أنقاض أسواقهم السوداء، ويسود نظام الإسلام؛ لينقذ البشريّة المعذّبة من جبروت الرأسماليّة القذرة، وليبثّ العدل والخير في ربوع المعمورة.

 

ذلك النظام الذي جعل من الزكاة حقّاً يُؤخذ لا فضلاً يُعطى، ومن الربا جريمة، ومن العدل أساساً... وإن شاء الله سيعود بمنهجه؛ ليقيم القسط، وينقذ المستضعفين، ويسعد البشريّة جمعاء، ويحرّر الإنسان من عبوديّة العباد إلى عبوديّة ربّ العباد، وما ذلك على الله بعزيز: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

"حق تقرير المصير"

وفق إرادة المستعمرين!

 

حلَّ نفوذ الغرب الكافر المستعمر في بلاد المسلمين، فجزأ البلاد، ومزقها مِزَقاً عدة وجعلها مقطَّعةَ الأوصال، مهشمة الجوانب، قطعةً هنا وأخرى هناك؛ فما حدث في العراق من تجزئة وفيدرالية عرقية، وما حدث في باكستان من فصل الشرقية عن الغربية، وما تم من اقتطاع تيمور الشرقية من إندونيسيا، وما تم في السودان من فصل الجنوب عن شماله، حتى أصبحت بلاد المسلمين المجزأة سائرةً على طريق المزيد من التجزئة والشرذمة.

 

لقد أضحت بلادنا الإسلامية مسرحاً لصراع الثروة والنفوذ بين أمريكا وأوروبا، ومما يؤسَف له أن تكون أدوات هذا الصراع بعض أبناء الأمة، سواء في الحكومة أو في حركات التمرد كما هو الحاصل اليوم في السودان، بينما الخاسر الوحيد في هذا الصراع هم الأبرياء المغلوبون على أمرهم.

 

وقد استخدم الغرب الكافر من أجل تحقيق أهدافه التقسيمية في السودان أساليب ووسائل خبيثة عديدة ووضع الخطط تلو الأخرى، فأثار النعرات العرقية بل والجغرافية والعشائرية وروج لفكرة "حق تقرير المصير" التي أصبحت التعبير المخفف عن الانفصال والانقسام بلغة السياسة الدولية.

 

لقد بدأ مسلسل التقسيم منذ احتلال بريطانيا لمصر عام 1882 حيث أخذت تعمل على تقسيمها، جريا على خطتها التي رسمتها للبلاد الإسلامية، فقامت كل من أمريكا وبريطانيا بتهيئة الرأي العام لقبول فكرة الانفصال وذلك بعقد اتفاقيةٍ عام 1953 نصت على ما أطلق عليه "حق تقرير المصير" للشعب السوداني وإجراء استفتاء شعبي برقابة دولية، فكانت تلك الاتفاقية تمهيدا للانفصال عن مصر وإعلان الجمهورية السودانية عام 1956.

 

ولم يقف دهاء وخبث بريطانيا إلى هذا الحد بل تعدى الأمر إلى العمل على تقسيم السودان إلى دولتين، الأولى في الشمال والثانية في الجنوب، وبدأت بالسعي لتنفيذ هذه الخطة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، أي في عام 1922 وسلكت سياسة عزل الشمال عن الجنوب فوضعت قيودا صارمة على انتشار الإسلام في مناطق الجنوب (الاستوائية، بحر الغزال وأعالي النيل) ومنعت انتشار كل ما يمت للشماليين بصلة من عادات وتقاليد، وجعلت الجنوبيين ينظرون إليهم بعين الريبة والشك، وأصدرت بريطانيا عام 1930 قرارا ينص على اعتبار الجنوبيين أناسا يختلفون عن الشماليين، ودفعت بالمبشرين والبعثات التبشيرية والإرساليات بهدف دعم المتمردين والتجسس وإثارة الفتنة وبث روح التمرد والعصيان ونشر الأفكار المعادية والمغرضة ضد المسلمين، هذا وقد اتخذت بريطانيا قبل خروجها من السودان الكثير من الإجراءات والتدابير التي من شأنها أن تباعد بين الشماليين والجنوبيين بشكل مباشر وغير مباشر عن طريق عملائها في مستعمراتها المجاورة.

 

ومع تغير النفوذ من يد بريطانيا ليد أمريكا، تبنت هذه الأخيرة فكرة التقسيم ولكن بأساليبها ووسائلها الخاصة بها، فعلى الرغم من اختلاف المصالح الأمريكية عن البريطانية في السودان انطلاقا من مفهوم النفعية الذي يمليه عليهما المبدأ الرأسمالي إلا أن الفكرة الأساسية وهي فصل الجنوب عن الشمال وتقسيم السودان، لم يحصل بينهما خلاف عليها، وهذا الالتقاء بينهما يحصل في بعض القضايا الدولية كما هو الحال في البلاد الإسلامية.

 

ومن أخطر الأساليب التي التقت عليها دول الكفر، أمريكا وبريطانيا، لفصل جنوب السودان عن شماله هي؛ تدويل المسألة، أي خروجها من أيدي أصحابها إلى أيدي الدول الكبرى لحلها وتصفيتها وفق أهوائها ومصالحها، وهذا ما حصل بالنسبة لمسألة جنوب السودان، إذ أصبحت من كثرة الأطراف الدولية المتدخلة فيها وكأنها غير سودانية وبالأحرى غير إسلامية! ففتح جنوب السودان أمام أعمال المبشرين والإرساليات التي بلغت خمسا وثلاثين إرسالية، وأيضا أمام المنظمات التي تتظاهر أنها تعمل بدوافع إنسانية وللمحافظة على ما يسمونه بحقوق الإنسان وتقديم المساعدات المالية لتسويغ وجودها والتخريب تحت هذا الغطاء؛ لأن السودان ليس بحاجة لإعاناتها فهو في حقيقة أمره بلد غني قد حباه الله بثروات طبيعية هائلة، وهو خلاف ما يشاع عنه من أنه من أفقر بلاد العالم!

 

فوُقعت الاتفاقيات بين المتمردين وبين الدولة وظهرت المسألة وكأنها خلاف متأصل بين النصارى الأفارقة في الجنوب والمسلمين العرب في الشمال، فأقروا ما أسموه "إعلان المبادئ" الذي نص على ما أطلقوا عليه "حق تقرير المصير" للجنوبيين لتعود هذه الفكرة للتداول من جديد واعتبار الانفصال أحد الخيارات المفتوحة أمامهم وذلك بعد إجراء استفتاء شعبي عليه.

 

وهذا ما حدث بالفعل، ففي 9/7/2011 تم الإعلان رسمياً عن انفصال الجنوب، وأصبح دولة، فتحقق لبريطانيا وأمريكا ما تصبوان إليه، وأعلنت رئاسة الجمهورية السودانية ومجلس الوزراء رسمياً قبولهما بنتيجة استفتاء تقرير مصير جنوب السودان (المعلومة سلفاً) والتي جاءت بنسبة 98.83% لصالح الانفصال وقيام دويلة الجنوب (حلم الغرب الكافر) وهنأ آنذاك الرئيس الأمريكي أوباما من سماهم شعب جنوب السودان بهذه النتيجة التي خطط لها بذكاء ماكر، ونفذها الحكام والسياسيون بغباء باهر!!

 

وها هي اليوم دولة جنوب السودان على فوهة بركان الحرب الأهلية إذ تشهد منذ أشهر توترات عسكرية وسياسية متواصلة بين شريكي السلطة: الرئيس سلفاكير ميارديت، ونائبه الأول رياك مشار وصلت إلى حد تجدد المواجهات العسكرية خلال الأسابيع الأخيرة، فالصراع الحالي الذي استمر لسنوات طويلة هو في الغالب تنافس بين طرفين هما قبيلتا الدينكا والنوير وهو ما أدى إلى جولات عديدة من المواجهات العسكرية، بما في ذلك الحرب الأهلية التي استمرت خمس سنوات بين عامي 2013 و 2018 وأودت بحياة نحو 400 ألف شخص وانتهت باتفاق سلام هش عام 2018.

 

هذا مصير الدول التي تؤسَّس على الموافقات القبلية أو الإثنية أو المناطقية، وها هو مسلسل تقسيم السودان ما زال مستمرا حتى هذه الساعة وفي خضم الصراع الحالي، إذ لاحت في الأفق مؤشرات على احتمال انفصال إقليم دارفور عن السودان إثر قيام قوات الدعم السريع بإيقاف الصادرات المتجهة إلى مصر من المناطق التي تسيطر عليها من إقليم دارفور، هذا وقد صرح مستشار قائد قوات الدعم السريع، الباشا محمد طبيق إلى حاجة قوات الدعم لتشكيل حكومة في مناطق سيطرتها باعتبارها ضرورة قصوى، وأن هذه الخطوة يجب أن تلقى الترحيب والاعتراف الفوري من المجتمع الدولي للحفاظ على بقاء الدولة السودانية موحدة.

 

هذا بالإضافة إلى أن الأحداث الميدانية المتسارعة في السودان تسير باتجاه واحد، وهو إعادة سيطرة الجيش على معظم المناطق في السودان وترك المنطقة الغربية، دارفور خاصةً، لقوات الدعم السريع، وإذا ما اكتمل هذا التوجه فإن البلاد تتجه للتقسيم الفعلي.

 

ومما يبدو فإن مصلحة أمريكا اقتربت من التسارع لفصل دارفور كما فعلت في جنوب السودان، إذ كانت سابقا تغض الطرف عن الحديث حول حلول سياسية لمشكلة دارفور، لأنها لا تريد انشغالها بملف الجنوب وملف دارفور في آن واحد، فتركت ملف دارفور مشتعلاً إلى حينه. وكانت تتناول فقط الملفات الإنسانية والأمنية وموضوع النازحين دون جدية في حلها، وتحاول في كل مرة تبريد الأجواء المسخّنة من جانب أوروبا، وتطمين المجتمع الدولي بهدوء الأحوال في المنطقة مع علمها التام بسخونة ملف دارفور، فكما هو معلوم فإن الصراع في دارفور أصلاً كان مجرد مشاكل تقليدية بسيطة تحدث عادة بين القبائل، تتعلق بمناطق الزراعة والري والرعي وتجمعات المياه، وكانت هذه المشاكل سرعان ما تجد لها حلاً من خلال زعماء القبائل. ومعلوم أن هذا النوع من المشاكل يعتبر شيئاً عادياً في جميع المناطق القبلية، وهي من نوع الخلافات الطبيعية التي تنشأ في المجتمعات القبلية المتحركة، إلا أن أوروبا ونتيجة انفراد أمريكا بجنوب السودان دون إعطائها - وبخاصة بريطانيا وفرنسا - دوراً فيه، أي في جنوب السودان، أشعلت نار الفتنة في دارفور بين القبائل العربية من جهة وبين القبائل الأفريقية من جهة أخرى، وجميعها من المسلمين. فركزت أوروبا على إثارة مشكلة دارفور عسكرياً وسياسياً وإعلامياً لإحراج أمريكا وخلخلة وضع حكم البشير الموالي لأمريكا آنذاك، حتى لا تهنأ أمريكا بصيدها الثمين في الجنوب، وحتى تجد أوروبا موطئ قدم لها في السودان.

 

وها قد حان موعد الإمساك بالملف، وها هي أمريكا تفعل. وهكذا صار السودان ألعوبة في يد أمريكا تفعل به ما تشاء، وسيكون الحل الأمريكي للصراع الدائر في السودان والحل لدارفور، سيكون بالسيناريوهات ذاتها التي لعبتها أمريكا لفصل الجنوب، وبذلك يتحقق لها ما أرادت من تمزيق السودان وتفتيته ولكن بأيدي أبنائه المشاركين والمنفذين والمتواطئين أو الساكتين!

 

إن الموقف الذي يجب أن يتخذه أهل السودان من هذه المؤامرات والصراعات وإيقاف تساقط أقاليم السودان هو عدم التمادي في الباطل والاستمرار في سياسة الخضوع والقبول بأن نكون أحجار شطرنج يضعنا أعداؤنا في أي خندق يريدون، وأيضا علينا أن لا نعتمد على أمريكا المجرمة في معالجة قضايا البلاد، وأن لا نجعل بلادنا ميدان صراع بين أعداء الأمة فهذا أمر لا يقبله الإسلام، ويجر البلاد إلى مصيبة كبرى؛ من الذل والضعف، والفرقة والتفكك والخراب، وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين. فالكفار يقتلون النفوس، وينهبون الثروات، ويغتصبون الحقوق ويصولون ويجولون في بلاد المسلمين، لا فرق عندهم بين فلسطين والعراق ولا بين إندونيسيا وأفغانستان والسودان وغيرها من بلاد المسلمين.

 

فمتى تفيق الأمة وتعرف من هم أعداؤها، فتتصرف حيالهم استناداً إلى هذا الفهم، وتعرف أدواتهم فتلفظهم لفظ النواة، وتعمل لعزتها وكرامتها باتخاذها الإسلام وحده طريقها للنهضة والنجاة، وذلك بتحكيم شرع الله واتباع نبيّ الهدى محمد ﷺ في كل أمور حياتها السياسية وغيرها، ما دقّ منها وما جلّ؟ يقول المولى عز وجل: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾، ويقول سبحانه: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾، ففي ذلك الفوز العظيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾، فهل أنتم مستجيبون؟

 

#أزمة_السودان           #SudanCrisis

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رنا مصطفى

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل

×
×
  • اضف...