اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

مقالات من المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير - متجدد


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

طريق الخلاص

 

في زمنٍ تتعثر فيه الإنسانية تحت وطأة الطغيان والفساد، وتضيع فيه المبادئ في زحام المصالح، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: هل هناك مخرج من هذه المتاهة؟ الجواب، رغم كل التعقيدات، لا يتعدى القول: طريق النجاة والخلاص واحد فقط، هو طريق الحق، طريق الله الذي ارتضاه لعباده.

 

اليوم، لم تعد السياسة مجرد لعبة مصالح كما يُظن، بل هي في حقيقتها مرآة أخلاق الشعوب وحضاراتها. فإذا ابتعدت السياسات عن قيم الحق والعدل، تفككت أوصال المجتمعات، وتسلل اليأس إلى القلوب. وفي خضم هذا الانحراف والتيه، يُولد الطاغية، فيزداد الظلم.

 

لكن الخلاص لا يأتي - كما تدّعي شرعة الغرب - من التبديل السطحي للأشخاص والأنظمة، بل يبدأ من استعادة البوصلة الحقيقية، التي تستمد قيمها من السماء: العدل، والرحمة، والحق. تلك القيم التي تتحول إلى قوانين تنظم حياة الجميع بلا استثناء.

 

إن الشعوب التي تضع الله سبحانه وتعالى نصب أعينها، وتطالب بحقوقها على أساسٍ من القيم الإلهية، هي الشعوب التي تحارب الظلم بكل الوسائل، ولا ترضى أن تكون سلعةً تُباع في أسواق السياسة الفاسدة.

 

أما الطغاة، ومهما علا شأنهم، فإنهم يعلمون أن مصيرهم محتوم، لأنهم يقفون ضد الطريق الذي اختاره الله لعباده. ومن هنا تبدأ معركة لا تنتهي: معركة بين الحق والطغيان، بين طريق الله وطريق الطغاة. فكل طريقٍ سوى طريق الله عبثٌ ينهب طاقات الشعوب ويبدّد أحلامها. فالمبادئ، والأنظمة المستبدة، لا تزرع إلا الفوضى والدمار، وتمزق المجتمع. أما طريق الله عز وجل فهو الوعد بالعدل الحقيقي، والطمأنينة التي لا تمنحها قوة بشرية، ولا تحققها مؤامرات سياسية. إنه السبيل الوحيد لإعادة بناء الأمة على أسس متينة، لترسيخ قيم الحق والعدالة، إنه طريق الخلاص لهذه الإنسانية المعذبة.

 

علينا أن نصحو من غفلتنا، وأن نرفض كل أشكال الظلم مهما علت مبرراته.

 

وفي عالمٍ يشتعل بالنيران السياسية والمؤامرات الرخيصة، حيث تبدو الدروب مظلمة، يبقى طريق الله هو النور الذي لا ينطفئ؛ وهو السبيل الذي يجمع بين الروح والمادة، بين الإنسان وربه، ليمنحه السكينة والطمأنينة.

 

فلتكن العودة إلى هذا الطريق عبر الرائد الذي لا يكذب أهله، فهو يدعوكم للعمل معه من أجل استعادة هذا الطريق المفقود، الذي لا يضل من سلكه.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

  • الردود 314
  • Created
  • اخر رد

Top Posters In This Topic

  • صوت الخلافة

    315

بسم الله الرحمن الرحيم

التعزيزات المصرية في سيناء

بين التنسيق مع يهود وواجب تحرير الأرض المباركة

 

 

شهدت الأيام الأخيرة تحركات واسعة للجيش المصري في شمال سيناء، ووصفتها تقارير إعلامية بأنها أكبر انتشار عسكري منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1979، حيث تحدثت المصادر عن نحو 40 ألف جندي ومئات المدرعات والآليات العسكرية، في خطوة قيل إنها تأتي لمنع أي سيناريو لتهجير جماعي للفلسطينيين إلى سيناء. وفي المقابل، أكدت مصادر عبرية أن هذا الانتشار جاء بالتنسيق الكامل مع الكيان الغاصب، في إطار التفاهمات الأمنية المنبثقة عن المعاهدة المشؤومة.

 

هنا يثور السؤال: ما حكم الشرع في هذا الانتشار إذا كان تحت سقف كامب ديفيد وتحت أعين يهود؟ وما الواجب الشرعي على هذه الحشود العسكرية؟

 

لقد نصّت المعاهدة على جعل سيناء منطقة منزوعة السلاح إلا من قوات محدودة، وعلى وجود قوات مراقبة دولية، وعلى ترتيبات أمنية تُقيد حركة الجيش المصري في أرضه. والأخطر أنها اعترفت بكيان يهود، وألزمت مصر بسلام دائم معه. وهذا وحده كافٍ لجعلها معاهدة باطلة شرعاً، إذ كيف يجوز شرعاً أن يُعطى العدو المحتل شرعية على أرض المسلمين، والله تعالى يقول: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾؟! قال القرطبي: "هذه الآية أصل في تحريم تمكين الكفار من شيء من سلطان المسلمين"، ومعاهدة كامب ديفيد جعلت لهم سلطاناً واعترافاً وحقاً مزعوماً في أرض فلسطين.

 

الانتشار العسكري الحالي لم يتم خارج المعاهدة ولا في إطار قرار سيادي مستقل، بل تم بالتنسيق مع كيان يهود، وهو ما اعترف به الإعلام العبري. وهذا يفضح حقيقة الأمر: أن هذه القوات ليست موجهة لتحرير الأرض المباركة ولا لقتال يهود، وإنما لضبط الحدود وحماية أمن كيان يهود من أي تدفق محتمل للمجاهدين أو السلاح، ولمنع تهجير الفلسطينيين إلى مصر بما يهدد أمن النظام، لا نصرةً لهم ولا عملا لتحرير أرض الإسلام. فهذه الحشود في حقيقتها جزء من المنظومة الأمنية المرتبطة بالمعاهدة، لا جيشاً متأهباً للجهاد في سبيل الله.

 

إن الجيوش في بلاد المسلمين وخصوصاً جيش الكنانة هم أهل القوة والمنعة الذين فرض الله عليهم نصرة الدين والذود عن حمى المسلمين. قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾. يقول ابن كثير إن هذه الآية "حجة في وجوب قتال الكفار لاستنقاذ المستضعفين من أيديهم". فأهل فلسطين اليوم هم أصدق مثال على المستضعفين الذين يوجب الشرع نصرتهم، ولكن أن يتحرك الجيش المصري ويحتشد تحت سقف كامب ديفيد وبالتنسيق مع المحتل، فهذا لا يعدو كونه إحكاماً للقيود التي كبّلت بها أمريكا مصرَ وجيشها منذ السبعينات، وتحويلاً لقوته إلى أداة لحماية أمن يهود بدلاً من تهديدهم.

 

إن الواجب على هذه الجموع من الجنود والدبابات أن تتحرك لا شرق سيناء فحسب، بل أن تتجاوز الحدود نحو غزة والأرض المباركة كلها، لإزالة كيان يهود الغاصب من جذوره. فالأرض المباركة أرض إسلامية مغتصبة، وتحريرها فرض عين على المسلمين. قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: "إذا دخل الكفار بلداً للمسلمين، صار الجهاد فرض عين على أهل ذلك البلد، وعلى من يليهم حتى يعم جميع المسلمين"، وها هو العدو قد احتل فلسطين كلها، ويمعن في قتل أهلها وتجويعهم في غزة. فأي فرض أعظم من هذا؟ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإذا دخل العدو بلاد الإسلام، فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب". ومصر بحكم جوارها لفلسطين هي أولى الناس بحمل هذا الواجب.

 

إن الغاية من هذه التحركات ليست نصرة أهل غزة ولا تحرير فلسطين، وإنما حماية النظام من غضب شعبي محتمل إذا وقع التهجير، وفي الوقت نفسه طمأنة يهود بأن الحدود مؤمّنة ولن يُفتح عليهم من مصر بابٌ للجهاد أو السلاح. وهكذا تستمر وظيفة الجيش المصري، كما رسمتها أمريكا في كامب ديفيد، قوةً ضاربةً لحماية أمن كيان يهود لا لاقتلاعه.

 

إن كل جندي وكل قائد في الجيش المصري يجب أن يعلم أن معاهدة كامب ديفيد باطلة شرعاً، ولا يجوز الالتزام بها، لأنها تعطل فريضة الجهاد وتضفي شرعية على كيان مغتصب. وكل تنسيق أمني مع يهود هو حرام شرعاً وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾. قال الطبري: "أي من أعانهم ونصرهم على المسلمين فهو منهم في الحكم والموالاة". فكيف بمن يتعاون معهم أمنياً ويجعل حدود مصر حصناً لهم؟!

 

إن هذه التعزيزات، ما دامت تحت سقف كامب ديفيد وبالتنسيق مع كيان يهود، فهي لا قيمة لها شرعاً ولا تُعذر بها الأمة أمام ربها. بل هي تأكيد لاستمرار الارتهان لاتفاقية باطلة وتفويت لفرصة القيام بالواجب الشرعي.

 

يا أهل الكنانة: إن رباطكم في سبيل الله لا يكون بحراسة حدود يهود ولا بتأمين وجودهم، بل رباطكم الحق أن تكونوا على ثغور الإسلام لتحرير كامل فلسطين وتطهيرها من دنسهم، رباطكم يكون في الساحات مطالبين أبناءكم في الجيوش بنصرة أهل الأرض المباركة وتحرير أرض الإسلام ورفض الانصياع لحكام الذل والعار عبيد الاستعمار، بل واقتلاعهم وإقامة دولة الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

أيها الجنود والضباط: أنتم قوة الأمة ومنعتُها، والله سائلكم غداً عن دماء أهل غزة، وعن أرض الإسراء التي يدنسها أحط خلق الله. فإما أن تكونوا جنداً لله، وإما أن يكتبكم التاريخ في خانة من قيّدهم العدو بمعاهدة باطلة وأهدروا فرص النصر.

 

يا أجناد الكنانة: إنكم لستم مجرد أفرادٍ في تشكيلٍ عسكري، أنتم جزء من أمة محمد ﷺ، وأنتم طليعة يجب أن تتحرك، وسيف يجب أن يُستل، وسندٌ يجب أن ينهض لنصرة المستضعفين في غزة وفي كل فلسطين. إن إخوتكم هناك يُذبحون، ويُحاصرون، ويُبادون، وأنتم أقرب إليهم من أي جيش، وأقدر على كسر القيد، إن أردتم. فلا تخدعنّكم الأوامر التي تُقيّد أيديكم، ولا تُفتنوا بعقيدة القتال المفرغة من روحها، فالعقيدة القتالية الحقيقية هي التي تنبع من القرآن، وهذه الجيوش في الإسلام لم تُوجد لحماية الأنظمة، ولا لحراسة اتفاقيات الذل، بل شُكّلت لتحمي الأمة، وتحمل رسالة الإسلام إلى العالم، وتدافع عن ديار المسلمين، وتُرهب عدوهم.

 

يا أجناد الكنانة: أما آن لكم أن تنتصروا لدينكم، لأهلكم، لإخوانكم الذين يُبادون على مرأى منكم؟

 

أما آن لقلوبكم أن تضج بالغيرة على المسجد الأقصى وهو يُدنس، وعلى أطفال غزة وهم يُقطعون إرباً بالصواريخ؟ أما آن لأرواحكم أن تتحرر من أسر التعليمات التي تصدرها أنظمة خائنة لا تمثل إلا مصالح المستعمر؟

إننا لا نخاطبكم كأفراد، بل كأبطال محتملين، يحمل كل واحد منكم في قلبه بذرة التغيير.

 

افتحوا أعينكم على الحقيقة، من يستعملكم لحراسة كيان غاصب يحتل أرض الإسلام؟ ومن يجعلكم تؤمنون حدوده؟ من يمنعكم من نصرة غزة؟ من يأمركم بالسكوت على المجازر؟ من يحرمكم من أداء فرض فرضه الله عليكم؟ إنه النظام الذي ينسّق مع العدو، ويصمت على القتل، بل ويشارك في حصار أهلكم في فلسطين.

 

أنتم قادرون على كسر هذه المعادلة، على قلب الطاولة، وعلى نصرة إخوانكم.

 

يكفي أن تتحركوا، أن تخرجوا لله، أن تجعلوا رضا الله هو الأمر الأعلى، لا رضا أمريكا ولا تحالف الصهاينة.


يكفي أن تقولوا: لن نخون، لن نصمت، لن نبقى حرساً لمعابر الذل ومعاهدة العار وحدود الاستعمار.

 

ولتكن لكم في سعد بن أبي وقاص، وخالد بن الوليد، سيف الله المسلول، قدوة، لا في قادة الانقلابات واتفاقيات كامب ديفيد. ولتجعلوا من سلاحكم أمانة في أعناقكم لا يُرفع إلا في وجه عدو الله وعدو الأمة.

إن غزة اليوم تناديكم... فهل من مجيب؟

 

إن القدس اليوم تستصرخكم... فهل من مغيث؟

 

إن الأمة تنتظر منكم موقفاً يسجله التاريخ بمداد الفخر، لا بالعار.

 

فيا جند الكنانة، آن أوانكم؛ فإما أن تكونوا رجال التغيير، وصنّاع النصر، وحملة راية الإسلام، وإما أن يسجلكم التاريخ في صفحات الخذلان.

 

اللهم بلّغنا... اللهم اشهد.

 

﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾

 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمود الليثي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

احتكار عمليات شراء وتسويق الذهب جريمة في حق الأمة

ولا تعزز استقرار سعر الصرف المزعوم

 

 

في خطوة تهدف إلى معالجة التدهور الاقتصادي المتسارع، (حسب زعمها) أعلنت لجنة الطوارئ الاقتصادية برئاسة رئيس الوزراء الانتقالي الدكتور كامل إدريس، عن حزمة من عشرة قرارات جديدة تستهدف ضبط الأداء المالي وتعزيز استقرار سعر صرف للجنيه السوداني، الذي يواصل تراجعه منذ اندلاع الحرب في نيسان/أبريل 2023، حيث بلغ سعر صرف الدولار في السوق الموازي نحو 3400 جنيه، بزيادة تجاوزت 700% مقارنة بالفترة التي سبقت النزاع. وكان ضمن قرارات لجنة الطوارئ، (حصر عمليات شراء وتسويق الذهب في جهة حكومية واحدة، ومتابعة الصادرات للحد من تهريب الذهب) (راديو دبنقا، 22/08/2025م)

 

واعتبر رئيس الوزراء أن الشركاء وحدهم، من لهم حق شراء وتسويق الذهب، حيث قال (سعدت اليوم بتدشين فعالية افتتاح النافذة السودانية الموحدة لصادر الذهب، التي شرفها حضوراً عضو مجلس السيادة الفريق مهندس إبراهيم جابر بجانب عدد من وزراء وكبار المسئولين بالدولة، كوزارة المعادن)، وقال (بذلنا جهودا مع شركائنا لإنجاز هذه المرحلة المهمة التي ستساهم في تسهيل وتبسيط إجراءات صادر الذهب للإسهام في نهوض الاقتصاد الوطني ورفد الخزينة العامة بعملات مقدرة). والنافذة الموحدة لصادر الذهب هي منصة مركزية تهدف إلى تسهيل عملية تصدير الذهب من البلاد وتجتمع فيها جميع الجهات ذات الصلة من (وزارة المعادن، وزارة التجارة، بنك السودان المركزي، الشركة السودانية للموارد المعدنية، هيئة المواصفات والمقاييس، شرطة الجمارك، هيئة الأمن الاقتصادي، هيئة الاستخبارات العسكرية، الغرفة التجارية).

 

أليس هذا احتكاراً للذهب؟! ولمزيد من التضييق على الناس اعتبرت اللجنة أن أي شخص ليس لديه أوراق ثبوتية للذهب الذي بحوزته يصادر منه!

 

إن رئيس الوزراء يعتبر أن (النافذة ستقلل من عمليات التهريب)، فقال: (بهذه السياسة تكون وزارة المعادن قد تنازلت عن كثير من الرسوم الخاصة بإجراءات الصادرات بالشركة السودانية. وبهذه الخطوات نود أن نشير إلى حصائل الصادر خلال الأشهر الماضية من العام الجاري قد بلغت ملياراً و500 مليون دولار. ونسعى جاهدين لوقف تهريب الذهب بالسياسات والإجراءات).

 

ومن جهة أخرى فإن هذه الإجراءات تذمرت منها غرفة الصادر، حيث وصف رئيس شعبة مصدري الذهب عبد المنعم الصديق في حديث للجزيرة نت بتاريخ 21/08/2025م، وصف قرار احتكار الحكومة لتصدير الذهب بـ"القرار الكارثي وسيعمل على تدمير ما تبقى من الاقتصاد السوداني المتهالك وسيعيد نفس تجربة حكومة الإنقاذ وسياساتها الأخيرة والتي كانت نتائجها معلومة للجميع". وتابع "لا أدري لماذا الإصرار على تجريب المجرب وهذا لن يؤدي إلى إصلاح اقتصادنا المتهالك والذي يعتمد على صادر الذهب في توفير أغلب احتياجات البلاد". وأضاف أن احتكار صادر الذهب لمجموعة معينة يفتح المجال واسعا للفساد فيقول: "من خلال تجاربنا السابقة مع نفس هذه السياسات لم ينل منها الوطن إلا إهدارا لموارده عبر التهريب وكذلك مزيدا من الفساد والإفساد".

 

من المعلوم حسب الأحكام الشرعية أن معدن الذهب وغيره من المعادن ليست من ملكيات الدولة، فهي إما أن تكون ملكية فردية، وإما ملكية عامة. فالحكم الشرعي في التعامل مع المعادن فهو كالآتي:

 

المعادن قسمان: قسم محدود المقدار بكمية لا تعتبر كمية كبيرة بالنسبة للفرد، وقسم غير محدود المقدار. أما القسم المحدود المقدار، فإنّه من الملكية الفردية، ويملك ملكاً فردياً، ويعامل معاملة الركاز، وفيه الخمس. فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ سئل عن اللقطة فقال: «مَا كَانَ مِنْهَا فِي طَرِيقِ الْمِيتَاءِ (أي الطريق المسلوكة) أَوْ الْقَرْيَةِ الْجَامِعَةِ فَعَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَهِيَ لَكَ، وَمَا كَانَ فِي الْخَرَابِ، يَعْنِي فَفِيهَا وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ». رواه أبو داود.

 

وأما القسم غير المحدود المقدار، الذي لا يمكن أن يَنْفَد، فإنّه ملكية عامة، ولا يجوز أن يملك فردياً لما روى الترمذي عن أبيض بن حمال: «أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَاسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ فَقَطَعَ لَهُ، فَلَمَّا أَنْ وَلَّى قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمَجْلِسِ: أَتَدْرِي مَا قَطَعْتَ لَهُ؟ إِنَّمَا قَطَعْتَ لَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ. قَالَ: فَانْتَزَعَهُ مِنْهُ» والماء العِدُّ الذي لا ينقطع. شبه الملح بالماء العدّ لعدم انقطاعه، فهذا الحديث يدل على أن الرسول ﷺ أقطع ملح الجبل لأبيض بن حمال، ما يدل على أنه يجوز إقطاع معدن الملح. فلما علم أنه من المعدن الدائم الذي لا ينقطع، رجع عن إقطاعه، وأرجعه، ومنع ملكية الفرد له، لأنّه ملكية الجماعة. وليس المراد هنا الملح، وإنما المراد المعدن، بدليل لما علمه أنه لا ينقطع منعه، مع أنه يعلم أنه ملح، وأقطعه من أول الأمر، فالمنع لكونه معدناً لا ينقطع. قال أبو عبيد: "وأما إقطاعه ﷺ أبيض بن حمال المأربي الملح الذي بمأرب، ثمّ ارتجاعه منه، فإنما أقطعه، وهو عنده أرض موات يحييها أبيض، ويعمرها، فلما تبين للنبي ﷺ أنه ماء عد - وهو الذي له مادة لا تنقطع مثل ماء العيون والآبار - ارتجعه منه لأنّ سُـنّة رسول الله ﷺ في الكلأ، والنار، والماء، أن النّاس جميعاً فيه شركاء، فكره أن يجعله لرجل يحوزه دون النّاس". ولما كان الملح من المعادن، فإن رجوع الرسول عن إقطاعه لأبيض يعتبر علة لعدم ملكية الفرد، وهو كونه معدناً لا ينقطع، وليس كونه ملحاً لا ينقطع. ومن هذا الحديث يتبين أن علة المنع في عدم إقطاع معدن الملح كونه عداً، أي لا ينقطع. ويتبين من رواية عمرو بن قيس أن الملح هنا معدن، حيث قال "معدن الملح" ويتبين من استقراء كلام الفقهاء، أنهم جعلوا الملح من المعادن، فيكون الحديث متعلقاً بالمعادن لا بالملح خاصّة.

 

وهذا الحكم، وهو كون المعدن الذي لا ينقطع ملكاً عاماً، يشمل المعادن كلها سواء المعادن الظاهرة التي يوصل إليها من غير مؤونة، ينتابها النّاس وينتفعون بها، كالملح، والكحل، والياقوت، وما شابهها، أم كان من المعادن الباطنة، التي لا يوصل إليها إلا بالعمل والمؤونة، كمعادن الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والرصاص، وما شاكلها. وسواء أكانت جامدة كالبلور أم سائلة كالنفط، فإنها كلها معادن تدخل تحت الحديث. وبذلك لا يجوز تحويل الملكية العامة إلى ملكية فردية.

 

لكن النظام الرأسمالي، وبحكم البراغماتية، والنظرة النفعية للحياة، ينهب الملكيات العامة، ويحتكر تعاملاتها ظلما وعدواناً، فتتكدس الأموال عند أفراد قلة، بينما الناس في فقر مدقع لا يقوون على إشباع حاجاتهم الأساسية.

 

فرئيس الوزراء يكون قد كدس الأموال في أيدي شركائه في أجهزة حكومته لا كما أراد الله أن يكون المال دولة بين الناس. ولا يمكن وقف هذا الشره الرأسمالي إلا بدولة الخلافة الراشدة الثانية التي تطبق أحكام الشرع في النقد وغيره فتحفظ مقدرات الأمة بصك النقود على أساس قاعدة الذهب والفضة. وليس ورقاً لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب فيه. وبالتالي تعالج مشكلة النقد بفك الارتباط مع الدولار وربط العملة بالذهب والفضة. وقد تبنى حزب التحرير في مقدمة الدستور ما نصه:

 

(المادة 167: نقود الدولة هي الذهب والفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة، ولا يجوز أن يكون لها نقد غيرهـما. ويجوز أن تصدر الدولة بدل الذهب والفضة شيئاً آخر على شرط أن يكون له في خزانة الدولة ما يساويه من الذهب والفضة. فيجوز أن تصدر الدولة نحاساً أو برونزاً أو ورقاً أو غير ذلك وتضربه باسـمها نقداً لها إذا كان له مقابل يساويه تـماماً من الذهب والفضة).

 

وللرجوع إلى قاعدة الذهب يجب إزالة الأسباب التي أدت إلى التخلي عنه، وإزالة العوامل التي أدت إلى تدهوره، أي يعمل ما يلي:

 

1- إيقاف طبع النقود الورقية

2- إعادة النقود الذهبية إلى التعامل

3- إزالة الحواجز الجمركية من أمام الذهب، وإزالة جميع القيود على استيراده وتصديره.

4- إزالة القيود على تملك الذهب، وحيازته وبيعه، وشرائه، والتعامل به في العقود.

5- إزالة القيود على تملك العملات الرئيسية في العالم، وجعل التنافس بينها حراً، حتى تأخذ سعراً ثابتاً بالنسبة لبعضها، وبالنسبة للذهب، من غير تدخل الدول بتخفيض عملاتها أو تعويمها.

 

ومتى ترك للذهب الحرية، فإنه سيكون له سوق مفتوحة في فترة زمنية يسيرة، وبالتالي فإن جميع العملات الدولية ستأخذ سعر صرف ثابتاً بالنسبة للذهب، وسيأخذ التعامل الدولي بالذهب طريقه إلى الوجود حيث سيجري دفع قيم العقود لسلع مقدرة قيمتها بالذهب.

 

إن هذه الخطوات إذا قامت بها دولة واحدة قوية، فسيؤدي نجاحها إلى تشجيع الدول الأخرى على اتباعها في ذلك؛ ما يؤدي إلى تقدم نحو إعادة نظام الذهب إلى العالم مرة أخرى.

 

وليست دولة أجدر من دولة الخلافة من القيام بذلك؛ لأن العودة إلى قاعدة الذهب والفضة حكم شرعي بالنسبة لها، ولأن دولة الخلافة مسؤولة عن العالم مسؤولية هداية ورعاية.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

إبراهيم مشرف

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

متى يحصل المسلمون على الاستقلال؟

 

بعد سقوط السلطة السوفيتية ظهرت في آسيا الوسطى مجموعة من الدول الوطنية، ومن بينها قرغيزستان التي أعلنت استقلالها في 31 آب/أغسطس عام 1991.

 

وإذا نظرنا إلى صحف التاريخ، نجد أن المسلمين فقدوا استقلالهم الحقيقي بإسقاط دولة الخلافة العثمانية عام 1924م. فقد رفعت بريطانيا وفرنسا شعار "الاستقلال" لفصل المنطقة العربية والأفريقية عن الخلافة العثمانية ونشرتا بين الناس الشعارات القومية والعصبية مثل العروبة والتركية، وهكذا بدأت تنشأ الدول القومية.

 

ثم وقعت الحرب العالمية الأولى، وكانت من عوامل إسقاط دولة الخلافة. ولما ضاقت على الدول المستعمرة بما احتلته، اندلعت الحرب العالمية الثانية من جديد. ونتيجة لهذه الحرب، روّجت أمريكا التي كانت تسعى لقيادة العالم، شعارات "الاستقلال". ومصطلح "الاستقلال" كان مشروعاً أمريكياً ابتُكر لإيجاد فرصة لانتزاع المستعمرات من أيدي القوى الاستعمارية الأخرى. إذ إن أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية خرجت كقوة عظمى وبدأت تطمح في مناطق نفوذ الآخرين.

 

فبدأت عملية "التحرر من الاستعمار" من الهند، حيث أُجبرت بريطانيا على منح الهند وباكستان استقلالاً شكلياً عام 1947 بعدما دعمت أمريكا الحركات الثورية هناك تحت شعار "الاستقلال". ومنذ ذلك الحين استمرت المنافسة بين أمريكا وبريطانيا في الهند؛ فبريطانيا تدعم حزب المؤتمر الوطني الهندي، بينما تدعم أمريكا حزب الشعب الهندي تحت شعار الاستقلال. أما باكستان فقد انتزعتها أمريكا تماماً من يد بريطانيا.

 

وهكذا استمرت عملية إزالة الاستعمار في كل منطقة صراعا بين المستعمرين القدامى والجدد. وفي ستينيات القرن الماضي، لاقت "إزالة الاستعمار" دعماً قوياً من الأمم المتحدة التي دعمت لائحة الإزالة والتحرير من الاستعمار. وقد تبنت عام 1960 "إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة". وفي عام 1961 اتفق الرئيس الأمريكي مع خروتشوف زعيم الاتحاد السوفيتي في فينَّا على تقاسم المستعمرات فيما بينهم. ونتيجة لذلك، أفسحت حركات الاستقلال الطريق أمام أمريكا والاتحاد السوفيتي للتوغل في مستعمرات بريطانيا وفرنسا وغيرهما من الدول الاستعمارية.

 

وبدورها، سعت بريطانيا للحفاظ على نفوذها في مستعمراتها من خلال دول كومونويلث، كما حاولت فرنسا فعل الشيء نفسه عبر الجماعة الفرنسية. وبعد سقوط السلطة السوفيتية، حاولت روسيا أن تسير على خطاهما من خلال رابطة الدول المستقلة ثم لاحقاً عبر منظمة معاهدة الأمن الجماعي عسكرياً والاتحاد الاقتصادي الأوراسي اقتصادياً. إلا أن نفوذها ظل في تضاؤل بسبب انفتاح مستعمراتها السابقة على منظمات دولية أخرى، ودخول مستعمرين جدد إليها.

 

أما اليوم، ففي قرغيزستان لا يزال نفوذ المستعمر القديم روسيا هو الغالب، غير أن أمريكا أيضاً استطاعت التغلغل في شؤوننا الداخلية وحققت نجاحات ملموسة خاصة في المجال الإعلامي وإعداد الكوادر. ومن جهة أخرى، برزت الصين التي بدأت استعمارها الجديد كأكبر مقرض وأكبر مستثمر، وصارت ذات نفوذ اقتصادي رئيسي من خلال مشاريع استراتيجية مثل "السكك الحديدية عبر الصين - قرغيزستان - أوزبيكستان". كذلك زاد اهتمام أوروبا بآسيا الوسطى مع ارتفاع قيمة المعادن والمواد الخام، فحدثت محاولات جديدة للتغلغل الاستعماري في المنطقة.

 

وعليه، فإن يوم 31 آب/أغسطس ليس يوم استقلال لشعب قرغيزستان، بل هو اليوم الذي بدأ فيه الصراع بين المستعمرين الجدد على النفوذ في بلادنا. إذ إن مظاهر الاستقلال الحقيقية - السياسية والاقتصادية والعسكرية - ما زالت مرتبطة بالقوى الاستعمارية.

 

لذلك، كوننا مسلمين علينا أن ندرك أن طريق الخلاص من الاستعمار إنما هو في إسلامنا. فعلينا أن نتعلم الإسلام ونسارع للعمل به، فبهذا فقط نعيد بأيدينا استقلالنا الذي فقدناه عام 1924م. ولأجل ذلك، ينبغي على بلاد المسلمين أن لا تعترف بالحدود المصطنعة ولا تنخدع بالدول القومية المستقلة شكلياً. وعلينا اليوم أن ندع خلافاتنا وأن نتوحد.

 

حينئذٍ فقط سنحاسب أولئك الحكام الذين تركوا غزة، وتركستان الشرقية، والروهينجا، والسودان، وغيرها من المناطق المظلومة بلا ناصر. وحينها سنعيد دولة الخلافة التي تقف من بين أيدينا ووراءنا حاميةً، وبذلك سنحصل على الاستقلال الحقيقي.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

ممتاز ما وراء النهري

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أمريكا لها أياديها القذرة في كل صراع... والسودان ليس استثناءً

 

(مترجم)

 

على مدى العقد الماضي، كشفت أمريكا عن نفسها كمدبر لبعضٍ من أبشع وأعنف الصراعات في العالم. من روسيا وأوكرانيا إلى الهند وباكستان، إلى الصين وتايوان، إلى سوريا والعراق وأفغانستان واليمن وكينيا ومالي والكاميرون، وهذه أمثلة قليلة فقط! ومع ذلك، لم يكشف أيٌّ منها أمريكا أكثر من دعمها وتورطها السّافر في الإبادة الجماعية التي تُرتكب في غزّة ضدّ أهل فلسطين. قبل العدوان على غزة وحصارها الشامل وتدميرها، لم يكن الكثيرون يدركون مدى قذارة الحكومة الأمريكية وكيف أنها قادرة على تحريك اللاعبين كما لو كانوا بيادق على رقعة شطرنج. انكشف زيف هذه الخدعة رغم عقود من الدعاية الأمريكية التي روّجت لفكرة أنّ تورطها يقتصر على تعزيز الديمقراطية، وإزاحة الطغاة، وتطبيق القانون الدولي، أو حماية حقوق الإنسان، وما إلى ذلك. ومع تصاعد العنف ضدّ الشعب الفلسطيني، اتضح جلياً أن أمريكا هي من تُقدّم الأسلحة والدعم المالي اامليشيات والحكومات المتحاربة (وأحياناً لكلا الجانبين)، وأنها تُهمل القوانين الدولية، وأنها تُشوّه وتُعذّب وتغتصب وتقتل، وأنها، رغم ادعائها بأنها نصيرة العدالة، ترتكب في الواقع أعمال عنف ضدّ المدنيين الأبرياء يومياً في جميع أنحاء العالم. إنهم لا يدعمون كيان يهود فحسب، بل يدعمون أيضاً الطغاة والحكام غير الشرعيين والمليشيات والفصائل في جميع أنحاء العالم. بهذا الإدراك، يجب أن نفهم أنّ العنف والفوضى اللذين يحدثان في السودان لا يختلفان من حيث هوية اللاعبين الدوليين، وأنهما لا يحدثان في فراغ.

 

لطالما كان النظام السوداني في أيدي قوة دولية، بدءاً من بريطانيا، التي دبرت استقلال السودان المزيف عام 1956، ولكن سرعان ما انتقل إلى أيدي أمريكا بعد صعودها كقوة عظمى في العالم. ولأسباب عديدة بما في ذلك موارد السودان الثمينة للغاية وموقعه الجيوسياسي الاستراتيجي، تحاول الدول الغربية باستمرار الحصول على نصيبها من الكعكة. تحاول دول مثل روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا كسب موطئ قدم باستخدام وكلائها، مثل بريطانيا مع الإمارات، أو باستخدام المرتزقة مثل روسيا عبر مجموعة فاغنر، أو باستخدام النفوذ الاقتصادي مثل الصين. ومع ذلك، لم يتمكن أحد من التغلب على سيد الدمى، أمريكا، في لعبتها الاستعمارية الجديدة. من ناحية أخرى، تستخدم أمريكا تكتيكات مختلفة للحفاظ على قبضتها على السودان، مثل دعم الفصائل العسكرية المختلفة هناك والانخراط في مناورات خفية مختلفة لمنع حكومة مدنية من تولي السلطة في البلاد. وتستخدم أمريكا أيضاً وكلاءها مثل السعودية والإمارات ومصر وتركيا باعتبارهم "لاعبين وسطاء"، ما يسمح لهم بلعب دور في المنطقة، طالما ظل ذلك الدور ضمن حدود السياسة الأمريكية.

 

حركة أنيانيا، في الجنوب، كانت كائنا وُلِد من الحرب الأهلية الأولى وأنتجت حركة تحرير جنوب السودان المدعومة من أمريكا والمبشرين النصارى. وضعت أمريكا أُسسها لانفصال جنوب السودان في نهاية المطاف وسيطرتها من خلال دعمها للحركة الشعبية لتحرير السودان، إلى جانب علاقة عمر البشير الخيانية معهم، ومشاركتهم في قيادة اتفاقية نيفاشا. بعد أن رأت أمريكا خطتها لفصل جنوب السودان، وضعت أعينها على منطقة دارفور، التي كانت تستخدمها بريطانيا سابقاً كوسيلة للاحتفاظ بأي بقايا من السيطرة التي كانت لديها من قبل من خلال تأجيج الحروب هناك. ومع ذلك، وكالعادة، تستخدم أمريكا نفوذها وأموالها وتهديداتها لإحباط أي خطط تتعارض مع خططها. واليوم، تحافظ أمريكا على سلطتها من خلال الرجال على كلا الجانبين الذين يقاتلون على الأرض. عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي منذ الانقلاب وقائد القوات المسلحة السودانية، وكذلك محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع. تسيطر أمريكا على القوات المسلحة السودانية عبر وكيلتها، السعودية، التي تُرسل الأموال إلى القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، عبر وكيلها حميدتي. ورغم ولاء حاكمها لبريطانيا، استمرت الإمارات في دعم هذه القوات وعميل أمريكا حميدتي، أملاً في كسب بعض النفوذ عليه وعلى أتباعه إذا ما نجحت خطة أمريكا وانقسم السودان مرةً أخرى. يا له من أمر مخزٍ أن يقاتل البرهان وحميدتي بدماء الشعب السوداني لا لشيء إلا خدمة مصالح أمريكا في فصل دارفور عن السودان، تماماً كما فعلت عندما فصلت جنوب السودان!

إلى أهل السودان، أودّ أن أترككم مع هذا النداء من أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة في جواب سؤال صادر بتاريخ 23 ذي القعدة 1446هـ الموافق 21 أيار/مايو 2025م:

 

"أيها الأهل في السودان.. إننا نناديكم، فتداركوا الأمر قبل الندم ولات حين مندم.. وخذوا على رقاب الطرفين المتقاتلين وأطروهما على الحق أطرا.. وانصروا حزب التحرير لإقامة الخلافة الراشدة، ففيها عز الإسلام والمسلمين وذل الكفر والكافرين.. ورضوان من الله أكبر.. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾".

 

لمزيد من التحليل المفصل للوضع في السودان من الماضي إلى الحاضر، أحثكم على قراءة هذه المقالات، والبحث في الموقع عن المقالات العديدة التي كتبها أمير حزب التحرير، وكذلك الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان.

 

جــواب ســؤال: قضية البشير مع المحكمة الدولية، وحقيقة تخفيف التصعيد بين أوروبا وأمريكا حول السودان

جواب سؤال: رفض حركة العدل والمساواة توقيع وثيقة الدوحة للسلام في دارفور 

جواب سؤال: هجمات المسيّرات وتطورات الحرب في السودان

بيان صحفي: يا حكومة البشير، متى أصبح السودانُ ولايةً أمريكية؟!

بيان صحفي: الاستعمار الأمريكي يصفع البرهان ويعوم حميدتي بالرغم من جرائمه بحق أهل السودان

بيان صحفي: الساسة في السودان ينفذون مؤامرات أمريكا لتمزيق البلاد!

 

#أزمة_السودان           #SudanCrisis

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سارة محمد – أمريكا

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ضرب كيان يهود المجرم للاجتماع الوزاري في صنعاء

عَرَضٌ لمرضٍ أعمق

 

شيّع الحوثيون الاثنين، جثامين رئيس وزرائهم السابق، وعدد من وزراء حكومته الذين قتلوا في غارات يهود، على صنعاء، الأسبوع الماضي، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" التي يديرها الحوثيون.

 

وأفادت مصادر مطلعة أنّ العملية جرت بدقة عالية، ما يوحي باختراق استخباراتي خطير سهّل للطيران المعادي إصابة الهدف بدقة، في وقت يثير فيه تغيّب بعض المسؤولين المفترض حضورهم عن الاجتماع علامات استفهام حول طبيعة التنسيق الأمني ومن يقف وراء التسريب.

 

ما جرى في صنعاء لم يكن قصفاً عابراً ولا خسارة عسكرية فحسب، بل هو صورة فاضحة لانكشاف هذه الأنظمة وعجزها أمام أعداء الأمة. أي دولة هذه التي تُساق قياداتها إلى مجزرة تحت سقف واحد دون أدنى احتراز؟ وأي سيادة يُتشدَّق بها فيما تُدار الحروب في سمائها ومكاتبها من غرف استخبارات أجنبية؟

 

إنّ جمع هذا العدد من الوزراء في وقت حرب، ثم إصابتهم بهذه الدقة، يشي بأن المعلومة تسربت من أضيق الدوائر، بل ربما من داخلها نفسها. فأمام من نحن؟ أمام أعداء خارجيين وحدهم؟ أم أمام شبكة من العملاء والخونة الذين فتحوا البلاد على مصراعيها للاستخبارات الدولية، يقتلون من يشاؤون وينجون من يشاؤون؟

 

ثم أين ذهبت القيادات التي غابت "مصادفة" عن الاجتماع؟ أهو الغياب العارض، أم الترتيب المسبق؟ وكيف يُترك مستقبل البلاد ومصير أهلها لعبة بيد الغرف السوداء؟

 

لقد قال الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله: "لقد غفل المسلمون عن خطر هذه الثقافة، وصاروا يحاربون المستعمر ويتناولون منه ثقافته، مع أنّها هي سبب استعمارهم، وبها يتركز الاستعمار في بلادهم... يمدون إليه أيديهم من خلف ليتناولوا بكلتا يديهم سمومه القاتلة، يتجرعونها، فيسقطون بين يديه هلكى، يحسبهم الجاهل شهداء نزال، وما هم إلا صرعى غفلة وضلال".

 

وهذا ما نراه اليوم تماماً؛ أنظمة تدّعي المقاومة والممانعة، لكنها تحكم بالقوانين الوضعية، وتستند إلى الثقافة الغربية، وتبني سلطتها على غير أساس الإسلام. فهي تفتح الأبواب للعدو، وتُحكم قبضتها على الشعوب، وتتركهم فريسة للفقر والدماء والانكسار.

 

إن هذا ليؤكد أنّ هذه الأنظمة العميلة تتحمل المسؤولية الكاملة عما جرى ويجري، وأنّ الحل لا يكون بتغيير الأشخاص ولا بمناصب تتهاوى في غارات جوية، ولا بتحالفات ومصالحات هزيلة، بل الحل الجذري هو بإقامة الخلافة الراشدة التي تقلع الاستعمار من جذوره، وتُعيد الحكم بما أنزل الله، وتحاسب كل خائن ومتواطئ، وتردّ العدوان بيد قوية، لا تعرف التبعية ولا المساومة.

 

فإما أن نفيق وننخلع من هذه المنظومة المهترئة، أو نبقى صرعى غفلة وضلال إلى أن يأذن الله بنصره وفرجه، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ﴾.

 

إن الهجوم الجوي المروع هذا هو شهادة صارخة لا يمكن إنكارها على الاختراق الأمني والاستخباراتي العميق الذي يعصف بأرض اليمن، ويكشف عن نقاط الضعف الكامنة في غياب دولة ذات سيادة حقيقية. هذه المأساة تحث على مواجهة أسئلة مقلقة: من سهّل هذا الاختراق؟ من نجا، ولماذا؟ وماذا يعني هذا الحادث حقاً لمستقبل الحوثيين؟

 

ما حدث في صنعاء ليس مجرد اغتيال سياسي معزول؛ بل هو الثمرة المرة الحتمية لفشل منهجي؛ الغياب الصارخ لدولة حقيقية قادرة على حماية رعاياها، وصد العدوان الخارجي، ومحاسبة الخونة، وقطع أيدي المتآمرين.

 

إن استمرار انتشار الأنظمة العميلة، الخالية من سلطة اتخاذ القرار، والتي تفتقر إلى السيطرة الحقيقية على الأجهزة الحيوية للحكم، قد حول بلاد المسلمين إلى ساحة خصبة لوكالات الاستخبارات الدولية وميدان مناسب لتصفية الحسابات.

 

وكما لاحظ الشيخ الجليل تقي الدين النبهاني، رحمه الله، ببصيرة نافذة، فإن هذه الحقيقة العميقة يتردد صداها بوضوح مخيف في أحداث اليوم. نشهد أنظمة تعلن بصوت عالٍ المقاومة والممانعة، ومع ذلك تحكم بشكل متناقض من خلال عدسة الثقافة الغربية، وتؤسس أنظمة حكم تتناقض جوهرياً مع مبادئ الإسلام. وبذلك، فإنها تفتح الأبواب عن غير قصد للعدو، بينما تشد قبضتها في الوقت نفسه على شعوبها، تاركة إياهم فريسة لليأس والفقر وسفك الدماء.

 

ومن منظور أعمق، فإن دقّة غارة صنعاء، التي استهدفت مثل هذا التجمع رفيع المستوى، تتجاوز نطاق الضربة العسكرية التقليدية. إنها تشير إلى عملية مخططة بدقة، تم تنفيذها بمعلومات استخباراتية من أعلى المستويات. والسؤال المركزي الذي يصرخ طلباً للإجابة هو: كيف سُمح لمثل هذا الاجتماع الحاسم، الذي يضم كبار قادة الحوثيين، بالانعقاد تحت سقف واحد، في انتهاك مباشر لبروتوكولات الأمن الأساسية في زمن الحرب؟ إن جوهر الدفاع الاستراتيجي يُملي ألا يتم أبداً تجميع فريق قيادة الدولة في مكان واحد ضعيف، وذلك تحديداً لتجنب خسائر كارثية بهذا الحجم، إلا إذا كان للحوثيين أسبابٌ أخرى ستبدي نتائجها الأيام، وليس خافياً على أحد، ما سبق من كوارث تشبه هذه أصيبت بها إيران وحزبها في لبنان، وكأن المخرج لهذه المشاهد واحد، وسيناريو لن يتوقف تكراره.

 

علاوة على ذلك، فإن الدقة الجراحية التي نُفذت بها هذه العملية تشير بقوة إلى أن المعلومات الاستخباراتية تم تسليمها مباشرة، وربما نشأت من داخل الدوائر الداخلية للسلطة. وإذا كان هذا هو الحال بالفعل، فإن الحوثيين يواجهون اختراقاً استخباراتياً لا يقل خطورة، إن لم يتجاوز الضربة العسكرية نفسها. وهذا يثير تساؤلاً حاسماً آخر: كيف تمكن بعض المسؤولين، الذين كان من المتوقع حضورهم بشكل لا لبس فيه في مثل هذا الاجتماع المحوري، من النجاة من الأذى؟ هل كان غيابهم مجرد صدفة سعيدة، أم كان هناك ترتيب متعمد سهل ابتعادهم في الوقت المناسب عن المنطقة المستهدفة في لحظة الأزمة؟ وهذا يجعل مشهد ما حدث في جريمة "القاعة الكبرى" يعود إلى الأذهان، خصوصاً لما يدور بين السلطة الحوثية وحزب المؤتمر وبقايا عفاش وحزب الإصلاح من تصفيات متتالية لا تزال تجر حبالها مؤخراً.

 

إن التحليل الدقيق لهذه الحقائق المقلقة يؤدي إلى استنتاجات عدة لا مفر منها:

 

أولاً: توجد نقاط ضعف لا يمكن إنكارها ضمن أطر الحماية والأمن الحالية لدى الحوثيين، تنم عن انهيار سيادتهم المزعومة، وتمسكهم ببقايا بناء الجمهورية المتصدعة الأركان.

 

ثانياً: دفع هذه الأحداث بأبناء الشعب إلى إسقاط ثقتهم بالحوثيين أمنياً وعسكرياً، بعد سقوطهم فكرياً وحضارياً، وسيندفع الجميع للحل الجذري الشامل في إعادة دولة الإسلام التي تحمي أبناءها وتذود عنهم.

 

وفي ضوء هذه التطورات الخطيرة، يجب أن يكون ما حدث في صنعاء بمثابة حافز لحوار عميق وصادق حول تبني مشروع الخلافة الإسلامية بديلاً، وبشكل حاسم، وضرورة قطع أيدي الاستعمار الغربي من بلاد المسلمين بشكل كامل، خشية من الوقوع في فخاخ مماثلة في المستقبل.

 

تتحمل هذه الأنظمة المسؤولية المباشرة عن الكوارث التي تحل بأمتنا. ونؤكد، بقناعة لا تتزعزع، أن الحل الجذري والدائم لن يوجد في التعيينات السياسية، أو التحالفات العابرة، أو المصالحات السطحية. بل يكمن، بشكل لا لبس فيه، في إقامة الخلافة الراشدة، الدولة التي ستقتلع الاستعمار من جذوره، وتعيد الحكم بما أنزل الله، وترد الصاع صاعين، وتحاسب كل خائن ومتواطئ بأشد الحساب. فعلى الفئة الفاعلة المؤثرة من حكام وغيرهم في اليمن أن تعي هذا الأمر جيداً.

 

لذلك، فإن الخيار أمامنا واضح: إما أن نستيقظ من سباتنا ونتخلص من قيود التبعية، أو نبقى صرعى غفلة وضلال حتى يأذن الله بفرجه ونصره. لقد حان الآن وقت العمل الحاسم، المتجذر في المبادئ الحقيقية للإسلام، ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ﴾.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أبو بكر الجبلي – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وصفة البنك الدولي لواحات تونس.. إدارة الأزمة أم إدارة التبعية؟!

 

حذر البنك الدولي في تقرير حديث أعده بالشراكة مع مؤسسات بحثية تونسية من مخاطر جسيمة تهدد واحات تونس نتيجة الاستغلال المفرط للمياه الجوفية والتغيرات المناخية وضعف الحوكمة. وسلط التقرير الضوء على الأهمية البيئية والاقتصادية لهذه الواحات باعتبارها "جواهر طبيعية" و"خزانات للتنوع البيولوجي". وكشف عن ارتفاع المساحات المزروعة في الواحات من 17,500 هكتار عام 1992 إلى أكثر من 51,000 هكتار اليوم، بفضل التوسع في استخراج المياه العميقة، خاصة في الجنوب. وقدّم التقرير سيناريوهين: استمرار التدهور أو الإصلاح المستدام الذي قد يحقق مكاسب اقتصادية تصل إلى 7 مليارات دينار وإخلاف أكثر من 33 ألف فرصة عمل، مع خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بـ 22.5 مليون طن بحلول 2050.

 

كما شدد التقرير على أن مستقبل الواحات لا يتوقف فقط على التمويل والتقنيات الحديثة، بل على إصلاح منظومة الحوكمة، مشيراً إلى معاناة الواحات من تداخل الصلاحيات بين الوزارات والمجالس المحلية وجمعيات المستخدمين، في غياب التنسيق الفعال.

 

ودعا التقرير إلى إعداد خطط تنمية متكاملة لإدارة الواحات، وتحديث القوانين لتلائم خصوصياتها، مع إمكانية إدراجها ضمن قائمة محميات "اليونسكو" الحيوية.

 

ولإضفاء مصداقية علمية أعدّ البنك الدولي هذا التقرير بالتعاون مع مؤسسات بحثية تونسية مرموقة مثل المعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس، والمعهد الوطني للبحوث في الهندسة الريفية والمياه والغابات، حيث غطى التقرير الجوانب البيئية والاقتصادية والاجتماعية، ما يجعله تحليلاً متكاملاً. ويشكل ناقوس خطر حول مخاطر حقيقية تهدد الواحات، خاصة مع توقع ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.9 درجة مئوية وانخفاض الأمطار بنسبة 9% بحلول 2050.

 

لكن في المقابل تجاهل هذا التقرير الثروات المائية الهائلة جنوب تونس، خاصة المخزون العالمي للمياه الجوفية الألبية المشتركة مع الجزائر وليبيا، والتي تقدر بحوالي 40,000-50,000 مليار متر مكعب. كما ركز على الإصلاحات المحلية دون طرح رؤية إقليمية شاملة للتعامل مع المشكلة، والتي تتطلب تعاوناً مع كلّ من الجزائر وليبيا. كما لم يطرح بدائل مثل تحلية مياه البحر أو مشاريع الطاقة المتجددة كحلول استراتيجية.

 

البنك الدولي وتاريخ من الإملاءات الفاشلة:

 

مع أهمية الدراسة إلا أن هناك تساؤلاً عن اهتمام البنك الدولي كمؤسسة مالية ربوية تُعدّ من أشدّ أذرع النظام المالي العالمي والذي تهيمن عليه الولايات المتحدة ودول غربية كبرى، ومن أهم الأدوات لتحقيق النفوذ السياسي والاقتصادي من خلال الهيمنة على قرارات التمويل والاقتصاد.

 

منذ ستينات القرن الماضي، لعبت خيارات التنمية المدعومة من البنك الدولي دوراً كبيراً في تشكيل الأزمات التونسية المتعاقبة. منها دعمه تجربة التعاضد التي كانت مشروعاً تأسيسياً لرأسمالية الدولة حيث أُجبر الفلاحون على التخلي عن أراضيهم، ما أدى إلى تراجع الإنتاجية ونقمة شعبية واسعة. بعد ذلك، ومع سياسة الانفتاح في السبعينات، اختارت تونس الاعتماد على السياحة والصناعات المصدّرة ذات القيمة المضافة الضعيفة، وهو توجه شجعه البنك وصندوق النقد الدوليان. هذه الخيارات أدت إلى تركّز الاستثمارات على المناطق الساحلية وتهميش الجهات الداخلية، وتهميش قطاعات استراتيجية كالفلاحة والصناعة، فبقي الاقتصاد هشاً وتابعاً للخارج. ثمّ جيء ببرامج التعديل الهيكلي في الثمانينات: فُرض تحرير السوق وتقليص دور الدولة وخوصصة المؤسسات العمومية، ما فاقم البطالة والفوارق المجتمعية والجهوية. وكانت هذه الاختلالات من الأسباب العميقة لثورة 2011.

 

إغفال المخاطر الحقيقية في التقرير:

 

- الطاقة الهيدروجينية: لم يتناول التقرير خطورة اعتماد الطاقة الهيدروجينية لتسويقها لأوروبا على المياه الجوفية في الجنوب، والتي تتطلب كميات هائلة من المياه.

 

- التبعية المالية: يظل البنك الدولي جزءاً من النظام المالي العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة ودول غربية كبرى، ما يجعله أداة لتحقيق النفوذ السياسي والاقتصادي على دول العالم الثالث.

 

دعا التقرير إلى إدراج الواحات تحت قائمة اليونسكو

 

ما يعني فقدان السيادة غير المباشر، وذلك من خلال الالتزام بمعايير وقوانين تفرض قيوداً على استخدام الأرض والتنمية، ووضع الموقع تحت إشراف ومراقبة دولية، بما يؤثر على السياسات المحلية والتخطيط العمراني ويزيد من نسبة الاعتماد على التمويلات والخبرات الدولية.

 

والجدير بالذكر أن عديد الدول رفضت وماطلت في إدراج مواقعها التراثية لدواعٍ سيادية، فكيان يهود الغاصب رفض إدراج مواقع التراث في الأراضي الفلسطينية مثل أريحا والخليل، تعبيراً على أن تدبير اليونسكو يساهم في دعم المطالب الفلسطينية، وأن هذه الإجراءات تمس سيادته وتقلل من نفوذه، ما يطرح تساؤلات حول دوافع الترويج لمثل هذه الخطوة في تونس.

 

الأسباب الحقيقية لأزمة المياه والواحات والحلول البديلة

 

الأسباب الحقيقية تكمن في اختيار الأنظمة القائمة في بلادنا لسياسات تبعية للقوى الدولية بدلاً من البحث عن تكامل إقليمي يحقق الاكتفاء الذاتي ويحمي البلاد والعباد، والحال أن منطقة جنوب تونس تحتوي على أكبر مخزون عالمي للمياه الجوفية الألبية المشتركة مع الجزائر وليبيا، لكن سوء الإدارة وغياب التخطيط الاستراتيجي أفقد تونس ودول المنطقة فرصة الاستفادة من هذه الثروة. رغم أنّه في ذمتنا حكم شرعي يدعو إلى الوحدة السياسية والاشتراك في الثروات، ما كان ليمكن أن يحقق تكاملاً إقليمياً في جميع شمال أفريقيا. قال النبي ﷺ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ».

 

الحل الجذري يكمن في رفض الإملاءات الخارجية التي تهدف إلى إضعاف سيادتنا والتي تحول دون توحيد الاستراتيجيات مع الجزائر وليبيا لإدارة الموارد المائية المشتركة بشكل دائم وعلى أحسن وجه، وفسح مجال للتكامل والتنقل الحرّ ما يؤدي إلى تنوع مصادر الثروة وتنوع الاقتصاد عبر الصناعة والتجارة دون استنزاف المياه، مع تطوير تقنيات تحلية مياه البحر والري بالطاقة الشمسية وتطوير التقنيات لاستغلال الثروة المائية الهائلة التي تكفي جميع شمال أفريقيا لمئات السنين.

 

الخاتمة

 

في الختام، بينما يحمل تقرير البنك الدولي تحذيرات مهمة حول مخاطر تهدد واحات تونس، إلا أنه يظل محكوماً بأجندات اقتصادية وسياسية تخدم مصالح القوى الكبرى وتكرّس للتقسيم الاستعماري الذي كان ولا يزال السبب الرئيسي لضعفنا وعجزنا عن الانتفاع بخيراتنا التي جعلها الله مشتركة بيننا.

 

 التاريخ يشهد أن إملاءات البنك الدولي لم تجلب لتونس إلا المزيد من البؤس والتبعية، من تجربة التعاضد في الستينات إلى المنوال الاقتصادي القائم على السياحة والخدمات إلى برامج التعديل الهيكلي في الثمانينات وآثاره الكارثية.

 

إن الحلّ الحقيقي يكمن في التحرر من هذه المقاربات الفاشلة واعتماد رؤية استراتيجية تقوم على التكامل الإقليمي بين دول المنطقة والاستفادة من الثروات الطبيعية ضمن أحكام الإسلام العظيم التي تدعو إلى إحياء الأرض والمحافظة على الثروات ومن أهمها المياه، وتدعو كذلك لوحدة المسلمين وانصهارهم كالبنيان الذي يشدّ بعضه بعضا، حتى نتمكن من إنقاذ واحاتنا وسائر ثرواتنا وتحويلها من مراكز للتبعية إلى نماذج للتنمية والسيادة والنجاح.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

ياسين بن يحيى

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

«لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ»

 

قال رسول الله ﷺ: «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ» فما بال أهلنا في العراق وفي غيره من بلاد المسلمين يلدغون من الجحر نفسه مرات ومرات ومرات من دون النظر إلى أن البلاء الذي ينزل عليهم هو من خلال هذا الجحر الأسود المظلم؟!

 

بعد أشهر قليلة، أي في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني القادم، ستكون هناك انتخابات جديدة لمجلس النواب العراقي والذي من خلاله وبعد تلك الانتخابات سيكون هناك ترشيح لرئيس مجلس الوزراء ورئيس جديد للبرلمان وغيرها من المناصب.

 

لن نتحدث اليوم عن حرمة هذه الانتخابات ومخالفتها الصريحة للأحكام الشرعية، مع أنها الأصل والفصل في هذا المقام، لأننا سبق وأن بينا ووضحنا ذلك مرارا وتكرارا خلال السنوات العشرين الماضية، بل سنتحدث اليوم عن تأثير هذه الانتخابات على الواقع المعيشي لأبناء هذا البلد العريق؛ حيث ومنذ إجراء الانتخابات لأول مرة عام ٢٠٠٥ - بعد سقوط نظام حزب البعث - ووضع الناس في العراق من سيئ إلى أسوأ، وهذا مشاهد محسوس بل يتحول واقعهم من سيئ إلى كارثي مأساوي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. فعلى يد هؤلاء الساسة وصل العراق إلى أسوأ مراتب التصنيف الدولي من حيث الأمن والأمان ورغد العيش ومؤشر الرفاهية وقوة جواز السفر العراقي... فماذا كان يفعل هؤلاء النواب (سنة وشيعة وكرد) خلال السنوات الماضية؟!

 

ألم يصل كل واحد من هؤلاء الساسة إلى مجلس البرلمان بناء على اصطفافهم المذهبي أو القومي أو الطائفي؟ فلماذا أبناء هذه الطوائف يعانون الأمرين في معيشتهم بينما البرلمانيون المنتخبون والساسة من هؤلاء يعيشون في رغد العيش ولذته؟!

 

ألم يصل هؤلاء إلى ما وصلوا إليه اعتمادا على انتخاب طوائفهم لهم؟ أي أنكم يا من تسعون إلى صناديق الاقتراع أنتم من أعطيتم الصلاحية لهؤلاء اللصوص والسراق وسفاكي الدماء ليفعلوا ما فعلوا باسمكم وبرضاكم وبانتخابكم لهم! فمنكم أخذوا شرعيتهم وباسمكم يفعلون ما يفعلون، مع علمنا المسبق أن هؤلاء جلبتهم أمريكا معها على دباباتها لينصبوهم عليكم سواء انتخبتموهم أم قاطعتموهم لكي تضمن أن قطار العراق سيسير على السكة التي صنعتها هي من أجل مصالحها بغض النظر عمن يقود هذا القطار، لكن الأجمل والأكثر قبولا أن يتم هذا الأمر، أي إيصال السياسي العميل إلى الحكم، على أيدي الشعب نفسه وكأن الشعب هو الذي انتخب وحدد وليس أمريكا المحتل الغاصب!

 

لهذا يتعمدون قبل أي انتخابات إذكاء الصراعات بين أبناء الشعب وإدخال الخوف والرعب إلى قلوب الناس من الفصيل المنافس؛ فساسة الشيعة يخوفون أتباعهم من السنة، والسنة يخوفون أتباعهم من الكرد، والكرد يخوفون أتباعهم من العرب، وبهذا يتحرك الناس كالقطيع بلا فهم أو إدراك أو وعي لينتخبوا من هو من طائفتهم حتى لو كانوا يعلمون أنه لا يساوي شسع نعل، أجلكم الله.

 

يا أهل العراق الكرام، يا جمجمة العرب، يا من كانت بغدادكم عاصمة للدنيا بأجمعها: انبذوا هؤلاء الشياطين وقاطعوا انتخاباتهم التي تعطيهم الشرعية ليفعلوا بكم ما يفعلون، لأنه بمقاطعتكم تنكشف عوراتهم وتسقط شرعيتهم، وأقيموا مكان هذا الحكم المعوج والنظام الباطل الفاسد الظالم العميل نظام حكم يرضي رافع السموات والأرض وينعم بخيراتها ساكن الأرض، ألا وهو تطبيق شرع الله بين الناس، فلهذا أرسل الله رسوله ﷺ ليسير الناس وفق إرادته هو لا كما يريدها الشرق أو الغرب، فإن في ذلك رضا ربكم ورفعاً لشأنكم بين الأمم وكسراً لعدوكم ورحمة لكم فيما بينكم، وبعدها رحمة تصل للعالم كله كما أرادها الله عز وجل حين أمر بنزول هذا التشريع العظيم. يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

ريان عيسى – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حين يتجمّل الباطل بثوب السلطان!

 

في أزمنة تتقلّب فيها الموازين، ويعلو فيها صوت الباطل، قد يتخيّل البعض أنّ الباطل قد غدا حقّاً، وأنّ الظلم قد لبس حلّة العدل، وأنّ القمع أصبح سياسة، والطغيان حكمة، والجبروت نظاماً. لكن الحقيقة، وإن طال ليلها، لا تُمحى، والباطل، وإن استقوى بعرش السلطة، لا يتحوّل إلى فضيلة.

 

ربما يمنح الزمن دوراً للباطل، وقد تُقيم له القوى العمياء دولة وسلطة، ويُشيَّد له قصر من وهم، ويُبنى له تاريخ مزيّف، غير أنّ ذلك يبقى باطلاً مهما صوّره الإعلام، ومهما صوّتت له الجموع خوفاً أو تملّقاً.

 

فلنتأمّل في فرعون الذي قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾؛ فهل غيّر جبروته من حقيقته؟ هل تحوّلت جرائمه إلى أمجاد؟ هل صارت قوته حكمة؟ كلا أبداً، فقد ظلّ التاريخ يلعنه، وظلّت البشريّة تذكره رمزاً للطغيان لا للعدل. وكذلك كلّ من لبس رداء الباطل، مهما عظم سلطانه، لا يلبث أن يتعرّى أمام عدالة التاريخ.

 

إنّ الحقّ لا يُقاس بكثرة الأتباع؛ فقد يُغتال الحقّ في وضح النهار، وقد يُنفى الصادقون، وتُكمَّم أفواههم، وتُطمس الحقائق، لكنّ الحقّ يظلّ حقّاً وإن حاصرته الظلمة.

 

نحن نعيش في عالم تتقلّب فيه الحقائق بفعل الإعلام الموجَّه، أو بسطوة القوّة، أو بصمت الشعوب. لكن لا شيء يضفي على الباطل شرعيّة دائمة، فما تأسّس على الظلم يسقط ولو بعد حين. فلندرك أنّ الزمان قد يمهل الباطل، لكنّه لا يخلّده، وأنّ التاريخ وإن كُتب بأيادي الأقوياء، فإنّ الحقّ هو من يضع الخاتمة.

 

واليوم، ما تفعله الحضارة الغربية من استعباد للشعوب المقهورة التي لا تملك من أمرها شيئاً، والتي تعيش في خنادق الحاجة، جعل منها حضارةً تتحوّل إلى آلة تلتهم الإنسان، وتقايض دمه بالنفط، وكرامته بالأسهم!

 

في كلّ مكان، هناك شعب يعاني لكي يزداد أصحاب الأبراج الشاهقة رفاهيةً فوق رفاهيتهم. فهل تنجو حضارة أُسِّست على القهر واستعباد الشعوب؟ إنّ التاريخ يعلّمنا أنّ الطغيان لا يملك إلا مهلة، وأنّ الباطل، وإن تجمّل، فإنّه يحمل في داخله بذور فنائه.

 

وكما سقطت الإمبراطوريات، وانهارت أصنام الذهب، فستسقط هذه الحضارة الخبيثة، وسينهض من بين ركامها إنسان جديد، لا تُقاس قيمته بما في جيبه، بل بما حباه الله وكرّمه به من نِعم. وستُرفع رايات الكرامة فوق أنقاض أسواقهم السوداء، ويسود نظام الإسلام؛ لينقذ البشريّة المعذّبة من جبروت الرأسماليّة القذرة، وليبثّ العدل والخير في ربوع المعمورة.

 

ذلك النظام الذي جعل من الزكاة حقّاً يُؤخذ لا فضلاً يُعطى، ومن الربا جريمة، ومن العدل أساساً... وإن شاء الله سيعود بمنهجه؛ ليقيم القسط، وينقذ المستضعفين، ويسعد البشريّة جمعاء، ويحرّر الإنسان من عبوديّة العباد إلى عبوديّة ربّ العباد، وما ذلك على الله بعزيز: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

"حق تقرير المصير"

وفق إرادة المستعمرين!

 

حلَّ نفوذ الغرب الكافر المستعمر في بلاد المسلمين، فجزأ البلاد، ومزقها مِزَقاً عدة وجعلها مقطَّعةَ الأوصال، مهشمة الجوانب، قطعةً هنا وأخرى هناك؛ فما حدث في العراق من تجزئة وفيدرالية عرقية، وما حدث في باكستان من فصل الشرقية عن الغربية، وما تم من اقتطاع تيمور الشرقية من إندونيسيا، وما تم في السودان من فصل الجنوب عن شماله، حتى أصبحت بلاد المسلمين المجزأة سائرةً على طريق المزيد من التجزئة والشرذمة.

 

لقد أضحت بلادنا الإسلامية مسرحاً لصراع الثروة والنفوذ بين أمريكا وأوروبا، ومما يؤسَف له أن تكون أدوات هذا الصراع بعض أبناء الأمة، سواء في الحكومة أو في حركات التمرد كما هو الحاصل اليوم في السودان، بينما الخاسر الوحيد في هذا الصراع هم الأبرياء المغلوبون على أمرهم.

 

وقد استخدم الغرب الكافر من أجل تحقيق أهدافه التقسيمية في السودان أساليب ووسائل خبيثة عديدة ووضع الخطط تلو الأخرى، فأثار النعرات العرقية بل والجغرافية والعشائرية وروج لفكرة "حق تقرير المصير" التي أصبحت التعبير المخفف عن الانفصال والانقسام بلغة السياسة الدولية.

 

لقد بدأ مسلسل التقسيم منذ احتلال بريطانيا لمصر عام 1882 حيث أخذت تعمل على تقسيمها، جريا على خطتها التي رسمتها للبلاد الإسلامية، فقامت كل من أمريكا وبريطانيا بتهيئة الرأي العام لقبول فكرة الانفصال وذلك بعقد اتفاقيةٍ عام 1953 نصت على ما أطلق عليه "حق تقرير المصير" للشعب السوداني وإجراء استفتاء شعبي برقابة دولية، فكانت تلك الاتفاقية تمهيدا للانفصال عن مصر وإعلان الجمهورية السودانية عام 1956.

 

ولم يقف دهاء وخبث بريطانيا إلى هذا الحد بل تعدى الأمر إلى العمل على تقسيم السودان إلى دولتين، الأولى في الشمال والثانية في الجنوب، وبدأت بالسعي لتنفيذ هذه الخطة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، أي في عام 1922 وسلكت سياسة عزل الشمال عن الجنوب فوضعت قيودا صارمة على انتشار الإسلام في مناطق الجنوب (الاستوائية، بحر الغزال وأعالي النيل) ومنعت انتشار كل ما يمت للشماليين بصلة من عادات وتقاليد، وجعلت الجنوبيين ينظرون إليهم بعين الريبة والشك، وأصدرت بريطانيا عام 1930 قرارا ينص على اعتبار الجنوبيين أناسا يختلفون عن الشماليين، ودفعت بالمبشرين والبعثات التبشيرية والإرساليات بهدف دعم المتمردين والتجسس وإثارة الفتنة وبث روح التمرد والعصيان ونشر الأفكار المعادية والمغرضة ضد المسلمين، هذا وقد اتخذت بريطانيا قبل خروجها من السودان الكثير من الإجراءات والتدابير التي من شأنها أن تباعد بين الشماليين والجنوبيين بشكل مباشر وغير مباشر عن طريق عملائها في مستعمراتها المجاورة.

 

ومع تغير النفوذ من يد بريطانيا ليد أمريكا، تبنت هذه الأخيرة فكرة التقسيم ولكن بأساليبها ووسائلها الخاصة بها، فعلى الرغم من اختلاف المصالح الأمريكية عن البريطانية في السودان انطلاقا من مفهوم النفعية الذي يمليه عليهما المبدأ الرأسمالي إلا أن الفكرة الأساسية وهي فصل الجنوب عن الشمال وتقسيم السودان، لم يحصل بينهما خلاف عليها، وهذا الالتقاء بينهما يحصل في بعض القضايا الدولية كما هو الحال في البلاد الإسلامية.

 

ومن أخطر الأساليب التي التقت عليها دول الكفر، أمريكا وبريطانيا، لفصل جنوب السودان عن شماله هي؛ تدويل المسألة، أي خروجها من أيدي أصحابها إلى أيدي الدول الكبرى لحلها وتصفيتها وفق أهوائها ومصالحها، وهذا ما حصل بالنسبة لمسألة جنوب السودان، إذ أصبحت من كثرة الأطراف الدولية المتدخلة فيها وكأنها غير سودانية وبالأحرى غير إسلامية! ففتح جنوب السودان أمام أعمال المبشرين والإرساليات التي بلغت خمسا وثلاثين إرسالية، وأيضا أمام المنظمات التي تتظاهر أنها تعمل بدوافع إنسانية وللمحافظة على ما يسمونه بحقوق الإنسان وتقديم المساعدات المالية لتسويغ وجودها والتخريب تحت هذا الغطاء؛ لأن السودان ليس بحاجة لإعاناتها فهو في حقيقة أمره بلد غني قد حباه الله بثروات طبيعية هائلة، وهو خلاف ما يشاع عنه من أنه من أفقر بلاد العالم!

 

فوُقعت الاتفاقيات بين المتمردين وبين الدولة وظهرت المسألة وكأنها خلاف متأصل بين النصارى الأفارقة في الجنوب والمسلمين العرب في الشمال، فأقروا ما أسموه "إعلان المبادئ" الذي نص على ما أطلقوا عليه "حق تقرير المصير" للجنوبيين لتعود هذه الفكرة للتداول من جديد واعتبار الانفصال أحد الخيارات المفتوحة أمامهم وذلك بعد إجراء استفتاء شعبي عليه.

 

وهذا ما حدث بالفعل، ففي 9/7/2011 تم الإعلان رسمياً عن انفصال الجنوب، وأصبح دولة، فتحقق لبريطانيا وأمريكا ما تصبوان إليه، وأعلنت رئاسة الجمهورية السودانية ومجلس الوزراء رسمياً قبولهما بنتيجة استفتاء تقرير مصير جنوب السودان (المعلومة سلفاً) والتي جاءت بنسبة 98.83% لصالح الانفصال وقيام دويلة الجنوب (حلم الغرب الكافر) وهنأ آنذاك الرئيس الأمريكي أوباما من سماهم شعب جنوب السودان بهذه النتيجة التي خطط لها بذكاء ماكر، ونفذها الحكام والسياسيون بغباء باهر!!

 

وها هي اليوم دولة جنوب السودان على فوهة بركان الحرب الأهلية إذ تشهد منذ أشهر توترات عسكرية وسياسية متواصلة بين شريكي السلطة: الرئيس سلفاكير ميارديت، ونائبه الأول رياك مشار وصلت إلى حد تجدد المواجهات العسكرية خلال الأسابيع الأخيرة، فالصراع الحالي الذي استمر لسنوات طويلة هو في الغالب تنافس بين طرفين هما قبيلتا الدينكا والنوير وهو ما أدى إلى جولات عديدة من المواجهات العسكرية، بما في ذلك الحرب الأهلية التي استمرت خمس سنوات بين عامي 2013 و 2018 وأودت بحياة نحو 400 ألف شخص وانتهت باتفاق سلام هش عام 2018.

 

هذا مصير الدول التي تؤسَّس على الموافقات القبلية أو الإثنية أو المناطقية، وها هو مسلسل تقسيم السودان ما زال مستمرا حتى هذه الساعة وفي خضم الصراع الحالي، إذ لاحت في الأفق مؤشرات على احتمال انفصال إقليم دارفور عن السودان إثر قيام قوات الدعم السريع بإيقاف الصادرات المتجهة إلى مصر من المناطق التي تسيطر عليها من إقليم دارفور، هذا وقد صرح مستشار قائد قوات الدعم السريع، الباشا محمد طبيق إلى حاجة قوات الدعم لتشكيل حكومة في مناطق سيطرتها باعتبارها ضرورة قصوى، وأن هذه الخطوة يجب أن تلقى الترحيب والاعتراف الفوري من المجتمع الدولي للحفاظ على بقاء الدولة السودانية موحدة.

 

هذا بالإضافة إلى أن الأحداث الميدانية المتسارعة في السودان تسير باتجاه واحد، وهو إعادة سيطرة الجيش على معظم المناطق في السودان وترك المنطقة الغربية، دارفور خاصةً، لقوات الدعم السريع، وإذا ما اكتمل هذا التوجه فإن البلاد تتجه للتقسيم الفعلي.

 

ومما يبدو فإن مصلحة أمريكا اقتربت من التسارع لفصل دارفور كما فعلت في جنوب السودان، إذ كانت سابقا تغض الطرف عن الحديث حول حلول سياسية لمشكلة دارفور، لأنها لا تريد انشغالها بملف الجنوب وملف دارفور في آن واحد، فتركت ملف دارفور مشتعلاً إلى حينه. وكانت تتناول فقط الملفات الإنسانية والأمنية وموضوع النازحين دون جدية في حلها، وتحاول في كل مرة تبريد الأجواء المسخّنة من جانب أوروبا، وتطمين المجتمع الدولي بهدوء الأحوال في المنطقة مع علمها التام بسخونة ملف دارفور، فكما هو معلوم فإن الصراع في دارفور أصلاً كان مجرد مشاكل تقليدية بسيطة تحدث عادة بين القبائل، تتعلق بمناطق الزراعة والري والرعي وتجمعات المياه، وكانت هذه المشاكل سرعان ما تجد لها حلاً من خلال زعماء القبائل. ومعلوم أن هذا النوع من المشاكل يعتبر شيئاً عادياً في جميع المناطق القبلية، وهي من نوع الخلافات الطبيعية التي تنشأ في المجتمعات القبلية المتحركة، إلا أن أوروبا ونتيجة انفراد أمريكا بجنوب السودان دون إعطائها - وبخاصة بريطانيا وفرنسا - دوراً فيه، أي في جنوب السودان، أشعلت نار الفتنة في دارفور بين القبائل العربية من جهة وبين القبائل الأفريقية من جهة أخرى، وجميعها من المسلمين. فركزت أوروبا على إثارة مشكلة دارفور عسكرياً وسياسياً وإعلامياً لإحراج أمريكا وخلخلة وضع حكم البشير الموالي لأمريكا آنذاك، حتى لا تهنأ أمريكا بصيدها الثمين في الجنوب، وحتى تجد أوروبا موطئ قدم لها في السودان.

 

وها قد حان موعد الإمساك بالملف، وها هي أمريكا تفعل. وهكذا صار السودان ألعوبة في يد أمريكا تفعل به ما تشاء، وسيكون الحل الأمريكي للصراع الدائر في السودان والحل لدارفور، سيكون بالسيناريوهات ذاتها التي لعبتها أمريكا لفصل الجنوب، وبذلك يتحقق لها ما أرادت من تمزيق السودان وتفتيته ولكن بأيدي أبنائه المشاركين والمنفذين والمتواطئين أو الساكتين!

 

إن الموقف الذي يجب أن يتخذه أهل السودان من هذه المؤامرات والصراعات وإيقاف تساقط أقاليم السودان هو عدم التمادي في الباطل والاستمرار في سياسة الخضوع والقبول بأن نكون أحجار شطرنج يضعنا أعداؤنا في أي خندق يريدون، وأيضا علينا أن لا نعتمد على أمريكا المجرمة في معالجة قضايا البلاد، وأن لا نجعل بلادنا ميدان صراع بين أعداء الأمة فهذا أمر لا يقبله الإسلام، ويجر البلاد إلى مصيبة كبرى؛ من الذل والضعف، والفرقة والتفكك والخراب، وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين. فالكفار يقتلون النفوس، وينهبون الثروات، ويغتصبون الحقوق ويصولون ويجولون في بلاد المسلمين، لا فرق عندهم بين فلسطين والعراق ولا بين إندونيسيا وأفغانستان والسودان وغيرها من بلاد المسلمين.

 

فمتى تفيق الأمة وتعرف من هم أعداؤها، فتتصرف حيالهم استناداً إلى هذا الفهم، وتعرف أدواتهم فتلفظهم لفظ النواة، وتعمل لعزتها وكرامتها باتخاذها الإسلام وحده طريقها للنهضة والنجاة، وذلك بتحكيم شرع الله واتباع نبيّ الهدى محمد ﷺ في كل أمور حياتها السياسية وغيرها، ما دقّ منها وما جلّ؟ يقول المولى عز وجل: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾، ويقول سبحانه: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾، ففي ذلك الفوز العظيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾، فهل أنتم مستجيبون؟

 

#أزمة_السودان           #SudanCrisis

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رنا مصطفى

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم
 

حمل الدعوة وأمانة التغيير

 

 

تعيش أمة الإسلام في واقع أليم، تمزقها الأزمات من كل جانب، وتثقلها التبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية للغرب المستعمر. بلادها مقسمة، ثرواتها منهوبة، دماؤها مستباحة، مقدساتها مدنسة، وشعوبها رازحة تحت حكم أنظمة جائرة خائنة، تحكم بالكفر، وتحرس مصالح الاستعمار وتطبق مشاريعه. وفي خضم هذا الواقع، ينهض حملة الدعوة بأمانة عظيمة، إذ لا يكفي أن يشخصوا الداء، بل الواجب أن يقدموا للأمة الدواء، وأن يدلوها على طريق الخلاص الحق، وهو طريق الإسلام ومشروعه الحضاري السياسي الكامل المتمثل في الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

حامل الدعوة ليس مصلحاً فردياً فحسب، ولا واعظاً دينياً يكتفي بتذكير الناس بمكارم الأخلاق أو الطاعات الفردية، وإنما هو رجل دولة يحمل مشروعا سياسيا عمليا، يرى في الإسلام نظام حياة ودولة ومجتمع، ويستشعر ثقل قوله تعالى ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾. إن الخير الذي يأمر الله بحمله هنا هو الإسلام كله، عقيدةً ونظاماً ومنهجاً للحياة. فلا يقبل من حامل الدعوة أن يحصر دعوته في الإصلاح الجزئي أو التخفيف من وطأة الواقع، وإنما يجب أن تكون دعوته لإيجاد النهضة الحقيقية على أساس العقيدة الإسلامية، بإقامة دولة تطبق الإسلام وتحمله رسالةً إلى العالم.

 

ومن هنا، فإن المسؤولية الكبرى على حامل الدعوة في هذا الزمن تتجلى في:

 

1- كشف مؤامرات الاستعمار وأدواته من الحكام والأنظمة والمنظمات الدولية التي تحكم قبضتها على الأمة، وتعريتها أمام الجماهير.

 

2- ربط الأمة بدينها وربط وعيها بالإسلام وعقيدته السياسية العملية، بحيث تدرك أن الخلاص لا يكون إلا بتحكيم الإسلام كله بكل أنظمته وأحكامه ومعالجاته في الحكم والسياسة والاقتصاد والاجتماع.

 

3- حمل الأمة على الثقة بنفسها وبقدرتها على التغيير، وتخليصها من عقدة النقص أمام حضارة الغرب المادية الزائفة.

 

4- تثبيت معاني الولاء والبراء في قلوب المسلمين، بأن ولاءهم لله ورسوله والمؤمنين، وعداءهم لأعداء الإسلام مهما تلونوا بشعارات الديمقراطية أو الإنسانية.

 

5- إعداد الأمة لحمل مشروع الإسلام عبر التثقيف المكثف والوعي الحقيقي، حتى تصبح قادرة على تبني هذا المشروع والانخراط في الصراع السياسي لإيجاده.

 

إن الصراع اليوم ليس صراعاً على الحدود أو الموارد فحسب، بل هو صراع حضاري عقدي في جوهره، بين الإسلام بوصفه رسالة ربانية وبين الحضارة الغربية القائمة على فصل الدين عن الحياة، وما تفرع عنها من أنظمة الديمقراطية والرأسمالية والليبرالية، وهذه الأزمات التي تعاني منها الأمة؛ من فقر وبطالة وديون خانقة، ومن قمع وظلم واستبداد، ومن غزو ثقافي وتشويه للإسلام، كلها ليست سوى أعراض لمرض واحد، هو غياب حكم الإسلام من واقع المسلمين، وإقصاء الإسلام عن أنظمة الحكم. فالأنظمة الحاكمة اليوم في بلاد المسلمين، على اختلاف أشكالها وشعاراتها، تحكم بالقوانين الوضعية، ولا تتحرك إلا بتوجيهات الغرب، ولا ترى في الإسلام إلا شعارات للاستهلاك المحلي وخداع الناس كما يفعل الجولاني في سوريا وأردوغان في تركيا.

 

ومن هنا، فإن واجب حمل الدعوة أن يركز الأمة على جذر المشكلة، وألا يشتتها في البحث عن حلول ترقيعية أو إصلاحات جزئية. فما لم تعد السيادة للشرع، وتقام الدولة التي تحكم بما أنزل الله، سيظل الغرب ممسكاً برقاب الأمة.

 

إن على حامل الدعوة في هذا العصر أن يعي أنه يقوم بمقام عظيم يشبه مقام الأنبياء في دعوتهم إلى التغيير الجذري، قال تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا﴾، فلا بد أن يتحلى حامل الدعوة بالصفات التالية:

 

الثبات على الحق مهما واجه من تضييق أو سجون أو تشويه إعلامي.

 

الصبر على البلاء مع اليقين بأن النصر بيد الله عز وجل، وأنه سبحانه وعد بالاستخلاف والتمكين لعباده المؤمنين العاملين.

 

الوعي الحقيقي بأحكام الإسلام السياسية، بحيث لا ينخدع بمشاريع الغرب ولا ينزلق في حلول وسطية.

 

القدرة على قيادة الأمة بالفكر، لا بالعاطفة وحدها، وذلك بتقديم مشروع عملي واضح هو مشروع الخلافة الراشدة.

 

الإخلاص لله عز وجل، فلا يطلب منصباً ولا جاهاً ولا مدحاً، وإنما يعمل لإرضاء الله وإقامة دينه في الأرض.

 

إن الأمة ليست جمهوراً سلبياً يتلقى الأفكار فقط، بل هي المخاطب الأول بالعمل لإقامة دولة الإسلام التي تطبق أحكامه وتحمله إلى العالم، وحامل الدعوة لا يعمل بديلاً عن الأمة، بل يعمل في صفوفها وبين أبنائها ليحملهم على تبني المشروع الإسلامي. وهذا يقتضي:

 

1- إيجاد الرأي العام الواعي على الإسلام، أي أن تصبح لدى الأمة قناعة فكرية وشعورية بأن الإسلام وحده هو الحل.

 

2- تحريك الأمة لإسقاط الأنظمة، وفضح خيانتها، وبيان أنها العقبة الكبرى أمام نهضة الأمة.

 

3- نشر الثقافة الإسلامية الصحيحة التي تربي الأمة على الانضباط بأحكام الشرع، وعلى رفض كل فكر دخيل.

 

4- بناء جسور الثقة بين الأمة وحملة الدعوة، حتى تتبنى الأمة مشروعهم وتلتف حولهم.

 

إن حمل الدعوة لا يكتمل إلا بتفاعل الأمة مع حامل الدعوة، فالأمة هي صاحبة القوة والقدرة العددية، وهي التي ستحتضن الدولة عند قيامها، وهي التي ستدافع عنها وتبسط سلطانها.

 

لقد بين الشرع أن طريق التمكين لا يكون عبر صناديق الديمقراطية ولا عبر الاستجداء من القوى الكبرى، بل يكون باتباع طريقة الرسول ﷺ في التغيير، بدءا بالتثقيف العميق للأفراد لتكوين كتلة تجسد فيها الإسلام وصار قضيتها المصيرية، والتفاعل مع الأمة لإيجاد رأي عام واعٍ على الإسلام ومشروعه، تزامنا مع طلب النصرة من أهل القوة والمنعة في الأمة، حتى يسلموا الحكم للمخلصين من أبناء الأمة الواعين على مشروع الإسلام الحضاري والقادرين على تطبيقه وإقامة دولته. هذه هي الطريقة التي سار عليها الرسول ﷺ حتى أقام دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة، وهي نفسها الطريقة الواجب اتباعها اليوم.

 

أيها المخلصون في جيوش الأمة عامة، وفي جيش الكنانة خاصة: إنكم أنتم أهل القوة والمنعة الذين خاطبكم الشرع لتكونوا أنصار الحق وحماة الدين. وإن أعظم خيانة ترتكب بحق الله ورسوله ودينه والأمة، هي أن تبقوا سلاحكم مسخراً لحماية أنظمة خائنة، تسلم البلاد والعباد إلى عدو الأمة، وتحرس حدود سايكس بيكو، وتحاصر غزة، وتمنع النصرة عن فلسطين، وتستعبد شعوبكم في خدمة المستعمر.

 

أما آن لكم أن تنحازوا إلى أمتكم وتتبرؤوا من الحكام الذين باعوا دينهم وبلادهم وأمتهم؟ أما آن لكم أن ترفعوا أسلحتكم نصرة لدين الله، فتنصروا العاملين المخلصين لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وتعيدوا للأمة عزتها وكرامتها؟ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ﴾.

 

إن الأمة اليوم تناديكم، والمسجد الأقصى يستغيث بكم، ودماء الشهداء تصرخ في وجوهكم، فلا تكونوا عوناً للظالمين، بل كونوا كما كان الأنصار حين لبوا نداء رسول الله ﷺ، فأقام بهم دولة الإسلام الأولى.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمود الليثي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هجوم كيان يهود على قطرلا تجوز قراءته بمعزل

عن سياسة أمريكا بالمنطقة

 

هجوم الكيان على قطر لا تجوز قراءته بمعزل عن سياسة أمريكا واستراتيجياتها الاستعمارية بالمنطقة، فأمريكا هي من يحتل مركز الصدارة على مستوى الموقف الدولي، وعليه فهي صاحبة السطوة والهيمنة السياسية عالميا، فهي صاحبة النظام الدولي أنظمة ومؤسسات وأجهزة، فهي من صممته ووضعت أسسه بعد الحرب العالمية الثانية، والعالم اليوم يسير بحسب قانونها، فأمريكا حتى الساعة هي الدولة الأولى في رسم السياسة الدولية والموقف الدولي، وهي المسيطرة دوليا على الأحداث السياسية الكبرى، فلا تقع ولا تنفذ إلا وفق مشاريعها أو تُجَيِّرُها لمصلحتها.

 

ولتكريس سيطرتها على الموقف الدولي وتأمين استمرار هيمنتها الجيوستراتيجية تعتمد أمريكا بشكل رئيسي على القوة الصلبة؛ قوتها العسكرية، عبر قياداتها العسكرية التي تغطي جغرافية العالم (شمال أمريكا، جنوب أمريكا، أوروبا، أفريقيا، الشرق الأوسط "البلاد الإسلامية"، آسيا المحيط الهندي-المحيط الهادي). وغاية هذه القيادات العسكرية هي تأمين وتحقيق مصالح أمريكا وتنفيذ مشاريعها الجيوستراتيجية الاستعمارية عبر العالم.

 

ومن هذه القيادات القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى، وتعرف أيضا باسم القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم"، وهي إحدى أهم القيادات العسكرية الموحدة التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون).

 

تأسست عام 1983 ويقع مقرها في قاعدة ماكديل الجوية بولاية فلوريدا، ومجال فعلها هي الجغرافية الإسلامية (من مصر غرباً إلى باكستان شرقاً، ومن كازاخستان شمالاً حتى اليمن جنوباً)، وتنتشر قواعدها ووحداتها في عدد من دول المنطقة. ووفقا للبنتاغون تغطي منطقة عمليات سنتكوم نحو 6.5 ملايين كيلومتر مربع، يسكنها أكثر من 560 مليون نسمة (من أبناء الإسلام)، وتغطي سنتكوم الجغرافية الإسلامية التي تتقاطع فيها 3 قارات وممرات بحرية تجارية حيوية عالمية، إضافة إلى ممرات طيران وخطوط أنابيب وطرق برية، وفيها أكثر من 70% من احتياطيات النفط في العالم. فالحديث هنا عن بلادنا الإسلامية كأخطر منطقة حيوية جيوستراتيجية بالنسبة لأمريكا الاستعمارية.

 

وتعد القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في دول الخليج من أهم القواعد التابعة لسنتكوم، أبرزها قاعدة العديد الجوية في قطر، التي تعد مقرا للمجموعة 319 الاستكشافية الجوية التي تضم قاذفات ومقاتلات وطائرات استطلاعية، إضافة لعدد من الدبابات ووحدات الدعم العسكري.

 

والذي طرأ واستجد جيوستراتيجيا هو ضم أمريكا لكيان يهود للدول التابعة للقيادة العسكرية الوسطى الأمريكية، ففي عام 2021 أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية نقل الكيان من نطاق القيادة الأوروبية إلى القيادة الوسطى وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية دخول الكيان رسميا ضمن نطاق سنتكوم، وأكدت أن "إسرائيل شريك استراتيجي رائد بالنسبة للولايات المتحدة"، وقالت وزارة الدفاع الأمريكية إن "الانفراج بين إسرائيل وجيرانها العرب في أعقاب اتفاقيات أبراهام وفّر فرصة استراتيجية للبلاد لتوحيد الشركاء الأساسيين في مواجهة الأخطار المشتركة في الشرق الأوسط". وهذا التغيير جاء بعد اتفاقيات أبراهام والتطبيع بين الكيان وعدد من دويلات المنطقة لدمجه في المنطقة.

 

هذه هي الساحة الجيوستراتيجية وهذا هو الوضع الاستراتيجي الذي يتحرك ضمنه كيان يهود، وهذه الساحة والوضع رهن وقيد لمشاريع ومصالح أمريكا، فالكيان كان وما زال خاضعا للقيادة العسكرية الأمريكية، بالأمس كانت قيادتها الموجهة لأوروبا واليوم هي القيادة الوسطى الموجهة للجغرافية الإسلامية.

 

ما يعني أن كل حركة يهود سواء في غزة أو لبنان أو إيران أو اليمن أو البحر الأحمر أو سوريا أو قطر هي تحت الإشراف الفعلي للقيادة الوسطى الأمريكية خدمة لمشاريع أمريكا ومصالحها، ومن تلك المصالح تأمين الكيان القاعدة أداة أمريكا الجيوستراتيجية في قلب الجغرافية الإسلامية، وإعادة تأهيله بعد أن زلزلته عملية طوفان الأقصى.

 

فانتفى جيوستراتيجيا وعمليا أن يكون الكيان الحقير خاضعا للقيادة الوسطى الأمريكية، عطفا على كون شريان حياته اقتصاديا وعسكريا وأمنيا بيد أمريكا، ثم يتحرك كذئب منفرد، بل هو حقيقة جرذ من قطيع جرذان الإقليم مع أنظمة الوظيفة الاستعمارية رهن لإشارة من أمريكا.

 

فترامب هو من يريد اقتطاع غزة وجعلها ريفيرا لمصلحة الرأسمالية الأمريكية الموالية له، يكون هو المستثمر الأكبر في عقاراتها ومشاريعها، ولم يطرح ترامب ضم غزة لكيان يهود الحقير علما أنه هو من صرح سابقا أن مساحة الكيان صغيرة. فحرب غزة وإبادة أهلها الهدف الذي ما انفك ترامب يكرره هو طرد أو قتل أهلها وامتلاكها كغنيمة حرب أمريكية وليست كغنيمة ليهود، بمعنى أن كيان يهود أداة عسكرية في مشاريع أمريكا لتحقيق مصالحها الاستراتيجية. فحرب غزة هدفها النهائي من تصميم أمريكي وأداة تحقيقها كيان يهود وكيانات الوظيفة الاستعمارية.

 

وكذلك ضرب دويلة قطر، تلاها مباشرة إرسال ترامب لمبعوثه الخاص ستيف ويتكوف إلى قطر، ومن أهداف الزيارة تعزيز التعاون الأمني بين قطر وأمريكا، أي توظيف الضربة لمزيد من النفوذ الاستعماري الأمريكي بقطر والإقليم. عطفا على خلط الأوراق للتعمية على إبادة غزة الدائرة وتشتيت الأنظار، وكذلك تمديد عمر فخ المفاوضات التي لا تنتهي (تعثرت، توقفت، استؤنفت...) لشراء الوقت لاستمرار إبادة غزة، فهدن أمريكا السامة ومفاوضاتها التي لا تنتهي هي سياسة أمريكا في تدوير إبادة غزة وشراء الوقت لاستمرارها، فأمريكا هي من قوضت كل المشاريع لوقف إبادة غزة واستخدمت الفيتو مرارا في مجلس أمنها الدولي للاعتراض على وقفها.

 

وكذلك ينظر للهجمات التي يقوم بها كيان يهود على الشام، فهدفها توفير الغطاء لتحريك مفاوضات إدارة أحمد الشرع للانخراط في اتفاقيات أبراهام الأمريكية الرامية لدمج الكيان في المنطقة عبر التطبيع الشامل، ثم تحطيم قوة الشام العسكرية مغبة أن تسقط في أيدٍ أمينة، ثم ارتماء إدارة الشرع في أحضان أمريكا طلبا لحل أزمتها مع يهود وفي ذلك إبقاء الشام تحت الاستعمار الأمريكي. فما يجري في الشام هو سياسة أمريكية يديرها المبعوث الخاص الأمريكي توم باراك، وكيان يهود هو أداة من أدوات التنفيذ المتعددة.

 

وكذلك اليمن والضربات والضربات المضادة، هي جزء من الفوضى الخلاقة الأمريكية في البحر الأحمر الممر المائي الجيوستراتيجي للتجارة العالمية، فالحوثيون وكيان يهود أدوات لإيجاد تلك الحالة من التوتر الحرج التي تضمن لأمريكا تكثيف وجودها العسكري للتحكم في هذا الممر، كجزء من الاستراتيجية الكبرى في مواجهة الصين (التحكم في الطرق الجيوستراتيجية للتجارة العالمية ومنها الممرات المائية)، وكيان يهود هنا كذلك مجرد أداة تنفيذ في المشروع والاستراتيجية الأمريكية.

 

وما جرى ويجري في لبنان من تصفية لحزب إيران هو كذلك هدف أمريكي، بعدما قضت أمريكا حاجتها منه، بعدما أصبحت الرئاسة والحكومة والعساكر في لبنان في قبضتها، فأمريكا هي من تملي على لبنان اليوم نزع ما تبقى من سلاح في يد حزب إيران بعدما تمت تصفية قيادته السياسية والعسكرية، وكيان يهود كذلك في هذه هو أداة تنفيذ لمشروع وسياسة أمريكية خاصة بلبنان.

 

فكيان يهود الحقير انتفى وامتنع أن يتحرك بمعزل عن الاستراتيجية الأمريكية وأهدافها ومصالحها في المنطقة، فهو قاعدة أمريكا في قلب الجغرافية الإسلامية، تُقَوِيه وتُنَمِّيه كقاعدة لخدمة مشاريعها ومصالحها، وتفرض اتفاقيات أبراهام للتطبيع على المجموع لدمج الكيان الحقير دمجا تاما في الإقليم، خدمة للاستراتيجية الأمريكية الكبرى في حربها الحضارية الصليبية الوجودية ضد الإسلام وأمته، كجبهة عسكرية متقدمة في الحرب الصليبية الدامية الدائرة وغزة اليوم ساحتها عطفا على سوريا ولبنان واليمن...، وفي حربها الباردة ضد الصين بوصف الكيان معبرها الرئيسي لتجارتها من الهند (معمل أمريكا البديل) صوب أوروبا وباقي العالم.

 

فكيان يهود حاجة، وسياسة، وقاعدة، وأداة لأمريكا لخدمة مشاريعها وتحقيق أهدافها واستراتيجيتها.

 

فكيان يهود وكيانات الوظيفة الاستعمارية المستباحة صنوان في خدمة المستعمر الأمريكي، في حربه للإسلام وأمته، فشغل أنظمة الاستعمار هو حماية وتأمين كيان الاستعمار كيان يهود لتحقيق الغلبة للاستعمار.

 

يا أبناء الإسلام: لا تلفتنكم الأداة "كيان يهود" عن حقيق الفاعل صاحب الأداة "أمريكا" وأهدافها الاستعمارية الخبيثة السامة! ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم 

وقفة مع آية

﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً﴾

 

 

 

القرآن لم ينزل دفعة واحدة، وإنما نزل شيئاً فشيئاً، مع الأحداث والمواقف. لماذا؟ حتى يثبت المؤمنين، ويعلمهم كيف يسيرون خطوة خطوة في طريق الدعوة. الرسول ﷺ لم يستعجل، ولم يطلب النتائج بسرعة، بل تلا القرآن على الناس ﴿عَلَى مُكْثٍ﴾ أي نزل منجماً مع الوقائع والأحداث، ليُبنى به الإنسان المؤمن بناءً متيناً، وينشأ به المجتمع على بصيرة. وهذا النهج في نزول الوحي لم يكن عبثاً، بل لحكمة عظيمة؛ ليثبّت القلوب، ويهدي العقول، ويربي حملة الإسلام على القيادة وحمل الأمانة.

 

الرسول ﷺ لم يكن يبحث عن نتائج عاجلة، بل سلك طريق البلاغ الواضح والعمل المستمر، والتطبيق الملموس وكان يتلو القرآن على الناس في توقيتٍ دقيق، يعالج قضاياهم، يربطهم بالله، ويرفعهم على الجاهلية، حتى صاروا رجالاً قادوا العالم.

 

إن هذه الآية تضع بين أيدينا قاعدة عظيمة في التغيير الحقيقي، الذي لا يكون بالصراخ الموسمي، ولا بالهياج العاطفي، ولا بانتظار المعجزات، وإنما يكون بالثبات على الفكرة، والتفاعل الواعي مع الأمة، والصبر على طريق الدعوة، والعمل ضمن مشروع سياسي رباني واضح المعالم.

 

اليوم، والأمة تتخبط بين نظم الكفر، والحلول الترقيعية، والاستجداء من النظام الدولي، فإن أول ما يجب أن نعود إليه هو القرآن والسنة وما انبثق منهما من إجماع الصحابة والقياس المبني على علة شرعية؛ نعود للقرآن لا كألفاظ تُتلى في المحاريب فقط، أو آيات تتلى عند الموت، بل كمنهج يوجه خطواتنا، وكدستور يحكم حياتنا، وكقاعدة نبني عليها دولتنا.

 

إن بناء الأمة يكون بإيجاد الشخصية الإسلامية عقلية ونفسية، وتوجيهها نحو العمل الجاد لإقامة دولة الإسلام، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي بها وحدها تُرفع المظالم، ويُطبق شرع الله، ويُعاد العدل، ويُنصر المظلومون في الأرض.

 

فكما صبر رسول الله ﷺ على حمل الدعوة في مكة، وثبّت أصحابه على الحق، وواجه الكفر والباطل بثقة، حتى مكّنه الله في المدينة، فإن علينا أن نسير على الخطا ذاتها؛ نحمل الإسلام رسالةً ونظاماً للحياة، ونعمل لإقامته في الواقع، مهما طال الطريق أو كثرت التضحيات، فهذا المنهج يعلمنا أن التغيير لا يكون بالعجلة ولا بالارتجال، وإنما بالثبات على الحق، وبالتربية على معاني القرآن، وبالعمل المنظم حتى يهيئ الله النصر.

 

واليوم نحن أيضاً بحاجة أن نسير على هذا الطريق: نقرأ القرآن بتأمل، ونفهم معانيه، ونحمله للناس بوعي، ونصبر كما صبر الرسول ﷺ، حتى يأتي وعد الله بالاستخلاف والتمكين، ويعود الإسلام ليقود البشرية بدولة الخلافة الراشدة.

 

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَعْدَ اللَّهِ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ...﴾ فالوعد لا يتحقق بالأماني، بل بالعمل الصادق الذي سار عليه الأنبياء، وبه وحده تعود الأمة إلى موقعها الصحيح؛ قائدة لا تابعة، عزيزة لا ذليلة، عابدة لربها لا لأعدائها.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤيد الراجحي – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

السودان... خيرات غزيرة وأطماع مستمرة

 

 

الحمد لله، الذي وهب السودان من الخيرات ما جعله من أغنى بلدان أفريقيا، طبيعةً وثروةً. فالسودان بلد غني بما حباه الله من موارد طبيعية قلّ أن تجتمع في بقعة واحدة؛ من الذهب والمعادن النادرة، إلى المياه العذبة، والأراضي الزراعية المسطحة الواسعة، إلى جانب ثروة حيوانية ضخمة، وبترول يُعد من أجود أنواع النفط على مستوى العالم.

 

لكن، ورغم هذا الثراء، فإن واقع السودان لا يعكس هذه النِعَم. بل إن هذه الخيرات نفسها تحوّلت إلى مصدر بلاء ومعاناة، بسبب الأطماع الدولية والصراعات الداخلية.

 

ثروات الجنوب بوابة للتقسيم

 

لم يكن انفصال جنوب السودان عام 2011 وليد صدفة، بل كان نتيجة مباشرة لاكتشاف ثروات ضخمة في تلك المناطق. فمنذ أن ظهرت مؤشرات وجود النفط والذهب والمعادن هناك، بدأت القوى الكبرى - وعلى رأسها الدول الاستعمارية القديمة - تُخطط لكيفية الاستفادة من هذه الموارد البكر.

 

فدُفِعت البلاد إلى حروب أهلية طويلة، ثم صُدّرت إليها النزاعات الطائفية والعرقية، تحت شعارات "الحرية والاستقلال"، بينما الهدف الحقيقي كان السيطرة على الثروات وتمزيق وحدة البلاد.

 

وفقاً لتقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية (International Crisis Group)، فإن اكتشاف النفط في الجنوب خلال الثمانينات والتسعينات ساهم بشكل مباشر في تعميق الصراع بين الشمال والجنوب، والذي انتهى بانفصال الجنوب عام 2011.

 

الموقع الجغرافي نعمة ونقمة

 

السودان لا يتميز فقط بثرواته، بل أيضاً بموقعه الجغرافي الاستراتيجي، حيث يربط بين الدول العربية وأفريقيا، ويشرف على البحر الأحمر، ويجاور تسع دول. هذا الموقع جعله محط أنظار القوى الإقليمية والدولية، التي ترى فيه بوابة عبور لمصالحها، أو ساحة صراع لتصفية الحسابات.

 

وهكذا أصبح السودان محاصراً بالأطماع من كل جهة، فيما شعبه يدفع ثمن هذه الصراعات المتكررة.

 

في تقرير لـمركز الدراسات الاستراتيجية الأفريقية (Africa Center for Strategic Studies)، وُصف السودان بأنه "نقطة محورية في التوازن الجيوسياسي لمنطقة القرن الأفريقي"، ما يجعله عرضة لصراعات النفوذ الإقليمي والدولي.

 

أمة مستهدفة وصمت مؤسف

 

ما يحدث في السودان ليس حالة استثنائية، بل هو جزء من مشهد أوسع يستهدف الأمة الإسلامية كلها؛ فالعراق، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، واليمن، وليبيا... كلها دول غنية بثرواتها، لكنها ممزقة بسبب التدخلات الخارجية والصراعات الداخلية.

 

وقد نبّهنا الله تعالى إلى هذه الحقيقة في قوله سبحانه: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾.

 

لكن المؤلم في المشهد كله، أن كل هذا يحدث في ظل صمتٍ عربي وإسلامي، بل أحياناً بمشاركة أو تواطؤ من بعض الأنظمة المحلية، التي فقدت البوصلة، وانشغلت بالمصالح الضيقة عن قضايا الأمة الكبرى.

 

وفي الختام، فإن السودان بلد عظيم بإمكاناته وثرواته، لكنه يمر بمحنة تستوجب وقفة صادقة من أبنائه أولاً، ثم من الأمة كلها. فحماية هذه الخيرات ليست فقط مسؤولية سياسية أو اقتصادية، بل هي واجب شرعي وأخلاقي.

 

وها هو السودان يتعرض الآن لمؤامرة فصل دارفور وهي تمثل الخطوة الثانية لتمزيق السودان إلى دويلات.

 

وإنه لا خلاص إلا بالوعي على هذه المخططات والوقوف صفا واحد والتخلص من التبعية التي لم تجلب للأمة إلا التمزق والتراجع. وذلك بالرجوع إلى حبل الله المتين، الذي يوحد الأمة كلها تحت مظلة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وما ذلك على الله بعزيز.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

هويدا عثمان (أم معاذ) – ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السودان: ظلمات الاتفاق الإطاري

أم نور الدستور المنبثق من كتاب الله وسنة رسوله؟

 

ليس غريبا أن يعلم كل متابع للمشهد السياسي في السودان أن هذه الحرب كانت بترتيب وإشراف أمريكي قذر وخبيث لتحقيق أجندتها وكسر شوكة منافسيها الأوروبيين، خاصة عملاء بريطانيا المدنيين، فهذه الحرب ترعاها أمريكا فهي لعبتها اللعينة. وأكبر شاهد أن تصريح إطالة أمد الحرب كان على لسان وزير الخارجية الأمريكي بلينكن. وإطالة هذه الحرب ليست للحسم ولا حفظ الدماء وإيقاف الخراب الذي أهلك البلاد والعباد، وإنما هو كرٌّ وفرّ، ومحاولات لفرض الرؤية السياسية التي تضمن وتحفظ مصالح أمريكا في البلد.

 

وتصريحات أمريكا الأخيرة لفرض السلام وإنهاء الحرب ليست لحفظ الدماء ولا وقف سفكها أو خوفاً على السودان وكرامة أهله وأعراضهم، فهذا آخر ما يفكر فيه المستعمر، إنما هو من باب إحلال السلام بالقوة لتحقيق أمرين: الأول فرض هيبة أمريكا وإثبات نفسها كدولة أولى في العالم، فتوقف الحرب متى شاءت وتأذن باستمرار الحرب حين تريد. والثاني: الحفاظ أيضاً على مصالح أمريكا في كل العالم ومنه السودان، فالحرب التي أشعلتها لإقصاء نفوذ الأوروبيين، ستوقفها حين تضمن حفظ هذه المصالح بالرؤية السياسية التي تفرضها هي. وفي جميع الحالات: دمار للسودان وضنك لأهله، سفك دماء واستباحة كرامات ونهب خيرات.

 

وهذا الواقع ليس غريباً ولا مستهجناً، بل هو الأمر الطبيعي في ظل النظام الرأسمالي. فأيُّ دولة في العالم اليوم في ظل هذا المبدأ الفاسد يهنأ أهلها برغد العيش؟ أي دولة يعيش فيها الإنسان مكرماً آمناً على نفسه وماله وعرضه ودينه وكرامته دون أن تنهب أمريكا أو غيرها ثرواته وتحاصصه فيها وتضيق عليه عيشه؟ لكن المضحك المبكي أن تأتي لتنفيذ سياسات أمريكا حكومة باسم حكومة الأمل، رئيس الوزراء فيها هو مسؤول سابق في الأمم المتحدة!

 

أي أمل وهذه الحكومة ورسالتها "تحقيق الأمن والعيش الرغيد والرفاه للشعب" تنوي تحقيق هذه الأهداف بنظام الحكم العلماني الديمقراطي نفسه، الذي ظل يطبق، منذ دخول قوات الكافر المستعمر كتشنر إلى السودان سنة 1898م وحتى اليوم، وقد فشل فشلاً ذريعاً فلا أمناً حقق، ولا عيشاً رغيداً ضمن ولا رفاه للشعب جلب، بل هي ظلمات بعضها فوق بعض من ضنك إلى ضنك، من فصل الجنوب والحرب الدامية التي استمرت سنوات أيام البشير إلى الحرب بين البرهان وحميدتي ومحاولات فصل دارفور وبينهما عشرات آلاف المظلومين ونهب لخيرات البلد وتدمير للبنية التحتية.

 

تخرج التصريحات السياسية بين أطراف الصراع تتناوش على حصص في حكومة هجينة، تكنوقراط أو سواها، على منصب أو مقعد في حكومة لا تملك إلا تنفيذ إملاءات أمريكا، واختلافات على حقوق المهمشين أو الاستحقاقات الوزارية.. شعارات شتى وتسمع جعجعة ولا ترى طحناً. فكل هؤلاء الوزراء وكل الساعين للتصدر للمشهد السياسي الذي تصوغه أمريكا إنما يسعون لمطامح شخصية وجاه دنيوي، يصدرون للشعب المكلوم شعارات براقة عن الأمل والعيش الرغيد وغيرها، ولا تجد فيهم واحداً يملك خطة واضحة ومشروعاً مفصلا للنهوض بالسودان وتعميره وحفظ دماء أهله وكراماتهم.

 

لا تجد من الأحزاب السياسية غير الصادق الذي لا يكذب أمته؛ حزب التحرير، من يملك مشروعاً مفصلاً واضحاً ينبثق من عقيدة أهل هذا البلد الطيبين، مشروع كفيل بإنهاء الصراعات الدموية وإنقاذ السودان من صراع الدول الطامعة السياسي؛ لأن حزب التحرير حزب سياسي غايته استئناف الحياة الإسلامية، فهو بكل وضوح يقدم فكره ومشروعه للساحة، ويخاطب الأمة وقواها الحية لتتبنى هذا المشروع وتنصره فيطبق ويكون فيه عز الإسلام وأهله.

 

مشروع معروض للأمة وأعد له رجاله الذي يحملون الإسلام فكرة وطريقة، وهو معلوم ليس مجهولا، وقابل للمناقشة بالحجة والدليل الشرعي، والحزب يضمن للأمة بتطبيق مشروعه المستنبط من كتاب الله وسنة رسوله أن تنتهي مآسيها وتنعتق من استبداد أمريكا وأوروبا وغيرهما. وله رجال يحملون همَّ نهضة أمتهم لا همَّ مناصبهم، ويعلمون أن رعايتهم للأمة وتطبيق شرع الله هو فرض سيُحاسبون عليه أمام الله، لا تشريف في مجالس الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

 

الفرق بين حكومة الأمل ومشروع الاتفاق الإطاري أو غيره مما تعده أمريكا للسودان، وبين مشروع الدستور الذي أعدَّه حزب التحرير للأمة، كالفرق بين الظلمات والنور.

 

أهل السودان يريدون حكومة تعالج مشكلاتهم، وترتقي بحياتهم إلى مستوى عيش الإنسان، من خلال ضمان إشباع حاجاتهم الأساسية للفرد (المأكل والملبس والمسكن)، وضمان إشباع حاجات الجماعة الأساسية (الأمن، التعليم، والعلاج)، وما يقتضيه ذلك من توفير المياه النقية والكهرباء والبنية التحتية؛ من شبكات اتصالات وطرق وجسور وغيرها، وما يقتضيه كل ذلك من إيقاف نهب ثروات البلاد، ورد أموال الملكيات العامة إلى أصحابها، وعمدة ذلك كله إنما هو اقتلاع نفوذ الكافر المستعمر من بلادنا. هذا هو الذي يوجد الأمل عند أهل السودان، وهو ما لا تستطيع حكومة كامل إدريس تحقيقه. لأنها بكل بساطة تطبق العلمانية التي أثبتت فشلها في كل أنحاء العالم وعلى كافة الصعد. مبدأ يتبنى عقيدة فصل الدين عن الحياة والتنكر لحق الخالق في التشريع، فيجعل إشباع الفرد لملذاته وحاجاته هي الغاية وهي الهدف وهي سبيل السعادة، ويجعل البقاء للأقوى، ومعيار النجاح فيه هو زيادة المكتسبات الفردية بأي طريق ولو كان يضر الآخرين، فإن القانون لا يحمي المغفلين، ويكدس الثروات بيد قلة قليلة تستحق امتلاكها لأنها الأذكى والأقدر على تملكها دون أن يعبأ بالمستضعفين أو الفئات الأقل حظاً.. همُّ الدولة فيه هي الحفاظ على مستوى إنتاج مناسب ومستوى اقتصادي مرتفع يضمن هيبتها وهيمنة ذوي المصالح فيها. مبدأ لا قيمة للفرد فيه إلا بقدر ما يحقق من مصالح للطبقة العليا. مبدأ يبيح انتهاك حرمات الشعوب ونهب خيراتهم ويبيح تبرير هذه الجريمة باسم حقوق الإنسان ونشر الحريات!

 

فالأنظمة الديمقراطية تفرِّخ المجرمين، بل تصنع الإجرام، وترعى الفساد، بسبب ضعف العقوبات عندهم، فهم يظنون أنهم أرحم بالناس من خالقهم، وليس بعد الكفر ذنب.

 

أما الأمل الحقيقي للسودان فلن يكون إلا في ظل الإسلام الذي يعتنقه أهل السودان، عقيدة وأنظمة حياة كاملة إلى قيام الساعة، يقول سبحانه وتعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسلام دِيناً﴾، هذا الإسلام هو الحق، والأمل لا يولد إلا في ظل الحق. وعندما يصبح نظام الخلافة قائما، فيولد الأمل في حياة كريمة في ظل الإسلام، للآتي:

 

 أولاً: فور إعلان قيام دولة الخلافة يعلن الخليفة إبطال العمل بالدستور الوضعي، والبدء مباشرة بتطبيق الدستور الإسلامي المستنبط من الكتاب والسنة، وسيقطع بذلك يد الغرب الكافر ويرفض أي تدخل خارجي.

 

ثانياً: سيبدأ الخليفة فوراً في تعيين المعاونين والولاة، ويشرع فورا في علاج مشكلات الرعية، بعيداً عن أية محاصصات، فالسلطان شرعاً للأمة، وليس لمن يحمل السلاح ويتخابر مع الخارج. وسيقوم بتقريب أهل العلم والتقوى والخير، وهو بذلك يرسم هوية الأمة الحقيقية.

 

ثالثاً: ستنهي الخلافة أي اتفاقيات باطلة اقتصادية أو سياسية مع الخارج، وينهي نهب الغرب لثروات البلد فيتخذ من ثروة الأمة الفكرية والمادية، سلماً ترتقي به لتكون الدولة الأولى في العالم كما كانت من قبل.

 

رابعاً: سينهي الخليفة أي وجود لأي أوكار تجسس من الخارج، فعمل السفارات والبعثات الدبلوماسية يقتصر على نقل الرسائل بين الخليفة ودول الخارج فقط، لا التدخل في الشأن السياسي للبلد ولا التجول فيه ونهب ثرواته. وسيعمل على ضمان رعاية حقوق أهل الذمة أياً كان اعتقادهم أو عرقهم حسب أحكام الشرع، فينهي بذلك ملفات المهمشين والتمييز العنصري والطائفية. فالإسلام كفيل بإعطاء كل ذي حق حقه.

 

خامساً: سيجعل خليفة المسلمين القوة المسلحة في الدولة قوة واحدة، يرأسها هو، ويوقف عبث صناعة مليشيات جديدة مع كل صباح جديد، بل والأنكى والأمر، أن بعضها يتم تدريبها في دول خارجية! ثم ننشد أملا وحياة كريمة، تحت ظلال هذه القوى المسلحة المتعددة!

 

سادساً: ستوظف الخلافة كل طاقاتها الإعلامية لنشر رسالة الإسلام وعدله وصدقه للناس، وتنشر الثقافة الإسلامية في الدولة فترعى العلم والعلماء وتحرص على إنهاء أي مظهر لا يرضي الله من فكر أو ثقافة دخيلة، فيبقى المجتمع الإسلامي مجتمع إخاء ورحمة وتعاون على البر والتقوى، وإلى جانب ذلك فهي بتوفير الحاجات الأساسية للفرد والمجتمع وإعادة الملكيات العامة وملكية الدولة كلٌّ لأصحابه، وإنفاق المال في مستحقه الذي أوجبه الله، ومع تطبيق الحدود والعقوبات الشرعية تضمن مجتمعاً آمناً ينعم أهله بالأمن والأمان وينشغل فيه أهله بالبناء والرقي الفكري والسياسي وحمل الإسلام، لا بتجميع قوتهم أو قتل بعضهم بعضا ونشر الفساد والفوضى.

 

هذا غيض من فيض أحكام الإسلام، عندما نقدمها مشروعاً للأمة يمكنها أن تبعث الأمل في حياة كريمة، ويوم توضع موضع التطبيق والتنفيذ، ستنقلب حياتنا رأساً على عقب فيتبع الأمل عملاً ينقلنا إلى اقتعاد ذرى المجد كما كنا من قبل، وما ذلك على الله بعزيز.

 

يقول سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.

 

#أزمة_السودان           #SudanCrisis

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي في حزب التحرير

بيان جمال

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نتنياهو مشروعٌ إجراميٌّ مدعوم بالصمت العربي

 

منذ عقودٍ والاحتلال يفتك بشعب فلسطين، لكن ما نشهده اليوم هو مرحلةٌ أشد قسوة، يقودها نتنياهو دون مواربة، بغطاءٍ أمريكي، متحدياً بآلته العسكرية التي لا تفرّق بين طفلٍ ومقاوم، ولا بين مستشفى ومركز لجوء.

 

ومع كل مجزرةٍ لا نسمع إلا إداناتٍ ناعمة، ومواقف مترددة، وبياناتٍ جوفاء لا توقف قصفاً ولا تنقذ روحاً!

 

أيها الحكام، اعلموا أن التطبيع لا يوقف الموت، وأن الذي هرولتم إليه لم يجلب لكم سوى الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة. لم يحفظ كرامتكم، بل زاد يهود استهانةً بكم، وأوغل في دمائكم. وإن أصواتكم وشجبكم لن تنفعكم، فمن يصافح القاتل لا يملك أن يتحدث عن الكرامة واستباحة الدار.

 

السكوت اليوم خيانة، والتبرير مشاركة في الجريمة، ومساهمة في دماء الأبرياء، تلك الدماء التي لا يغفرها التاريخ، ولا تغسلها بيانات الاستنكار والشجب المعيب.

 

رسالةٌ واضحة يوجّهها نتنياهو: لا فيتو لأحد!

 

وربما يظن حكامُ الخزي والعار أن التطبيع حماية، وأنهم خارج اللعبة. لكن عليهم أن يفهموا أن الدور سيأتي على الجميع إذا بقي الحال كما هو عليه. وإن سكوتكم على جرائم يهود خيانةٌ لله ورسوله ولشعوبكم.

 

نعم، ليس هناك استثناء. ليست قطر وحدها في مرمى الاستهداف، بل كل من يظن أن دوره لن يأتي فهو واهم. فالمشروع الأمريكي-الصهيوني لا يتوقف عند حدود غزة.

 

أيتها الشعوب، إن الحق لا يُستجدى من أنظمةٍ متخاذلة عميلة، بل يُنتزع بصوتكم وقوة وعيكم المتمسك بالحق. فالشعوب الحرة لا تموت، ولا تُشترى.

 

سيبتلعنا الصمت إن بقينا على هذا الجمود. فلتكن كلماتنا خناجرَ في وجه الخيانة، وصرخاتٍ في وجه التواطؤ. ولتكن القضية في القلوب قبل أن تكون في بيانات الشجب والاستنكار.

 

أيها المسلمون، يا أحفاد خالدٍ وصلاح الدين، يا أبناء الفاتحين، فمن بقايا الأجداد تنهض الأمم، لا تزال في قلوبكم جذوةٌ من أولئك الذين لم يبدّلوا ولم يساوموا. هؤلاء لم يكونوا أساطير، بل كانوا رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فامتلكوا الصدق مع الله، فأزاحوا الباطل وانتصروا.

 

إن صمت الأحرار مهما طال، لا بد أن يمزّق جدار الصمت.

 

وفي ظل هذه الوقائع، يبقى السبيل الوحيد لخلاص الأمة من عذاباتها هو استعادة مجدها وعزها، لتخرج من براثن العبودية الغربية وعفونتها، بالعودة إلى شريعة الله التي فيها عزنا، وذلك هو طوق النجاة.

 

ويحدّثنا التاريخ أن وحدة المسلمين كانت سرَّ قوتهم يوم كانوا صفاً واحداً تحت رايةٍ واحدة، يقودهم شرع الله، في ظل خلافةٍ بلغ الإسلام فيها مشارق الأرض ومغاربها. لكن حين تمزّقت وحدتهم، تكالب عليهم أعداؤهم، فصدق فيهم قول رسول الله ﷺ: «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا» فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ» فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ».

 

فالعودة إلى طريق العزّة ليست شعاراتٍ تُردّد، بل مشروعُ خلاصٍ للأمة، لأنها منظومةٌ من العدل والقيم والكرامة والأخلاق.

 

لقد آن للمسلمين أن يدركوا أن خلاصهم وعزهم في عودة دولتهم الحامية، وأن هذا الرائد الذي لا يكذب أهله قد نذر نفسه، وافترش الطريق ليلبّي النداء. فهلمّ أيها المسلمون خلف هذا الرائد الذي لا يكذب أهله، من أجل الهدف العظيم الذي فيه عزّكم وخلاصكم من عفونة الغرب وحضارته المزيّفة.

 

أنتَ أيها المسلم، لا تعش أسير الأوهام، جَرِّد نفسك وارتقِ في طريق العزّة، طريق مَن سادوا، ليُرتَسَم في خطواتك الحائرون، ويهتدي بضوء نارك الضالون، منارٌ ينضوي تحت لوائه من ضلّ وارتدّ، وغرق في متاهات الرأسمالية الرعناء.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم 

هناك حبل إنقاذ للسودان فخذوه!

(مترجم)

 

 

لأكثر من مئة عام، يُوهَم العالم بأنّ الحروب في البلاد الإسلامية، وخاصةً في الدول الأفريقية، ناجمة عن تخلّفها الفكري والسياسي والاقتصادي. ويُصوَّرون للعالم على أنهم عاجزون عن إدارة وجودهم دون ما يُسمى بمساعدة وتدخّل الغرب. في الواقع، لم تُصبح هذه الكذبة صحيحة إلا بعد أن بدأ الغرب في استعمار الدول الأفريقية، حيث سلبوا هذه الأراضي من ثرواتها، وجردوها من إنسانيتها، ولم يحجبوا عنها جميع الفرص للتقدم الحقيقي فحسب، بل دفعوا ظروف معيشتهم إلى العصر الذي سبق التقويم الحالي. لقد ذبحوا قبائل وحضارات بأكملها، واستعبدوا الناجين المتبقين، وحملوا الآلاف من شعبها إلى قارات بعيدة، بل وعرضوهم في حدائق الحيوان البشرية، مستغلين حياتهم وكرامتهم وثقافاتهم وليس فقط مواردهم... وبعد بضع مئات من السنين، عندما أصبحت العبودية مكلفة للغاية مقارنةً بالتصنيع، منحوا هذه المناطق حريّةً وهمية واستقلالية غير موجودة بحكم الأمر الواقع داخل حدود اصطناعية رسموها حرفياً مع حاكم وألبسوها هياكل الدولة الوطنية. ولضمان كفاية هذه "المصانع الجديدة" المُربحة، بنوا شبكة أمان من القوانين والاتفاقيات وأنظمة التمويل الدولية، وما إلى ذلك، بحيث كلما طرأت تغييرات على ملكية تلك المصانع، أو برزت أرباح جديدة، كان الغرب المستعمر عديم الضمير يُطلق العنان لخيوله. وكان هذا العنان القوي، ولا يزال، هو أنظمتهم الحاكمة الفاسدة المفروضة، التي يسنّها حكامهم العملاء عديمو الروح، سهْلو الاستبدال، والذين لا يهمهم سوى نجاح شعوبهم وتقدمها. كانت سفاراتهم ومنظماتهم الإنسانية، وما شابهها، هي اليدُ الطولى على هؤلاء العملاء، المستعدة لإثارة الثورات والانقلابات، بل وحتى الإبادة الجماعية، مُؤججةً القبلية والعنصرية والطائفية - أياً كان ومتى رأت المصالح الغربية ذلك مناسباً. كل هذا، بينما يُخدّر العالم أجمع - انتبهوا، ليس فقط المستعمرات - بدواء مُخدّر ومُهلوس يُسمى "الديمقراطية والعلمانية".

 

لم يُعر الغرب الرأسمالي اهتماماً لقيمة الإنسان، فالمكسب المادي هو الخير الأسمى في مبدئه. وبالتالي، فإنّ الاستعمار هو الوسيلة التي يضمن بها المبدأ الرأسمالي وجوده، ويحمي نفسه، وينتشر إلى الآخرين. لذلك، فإنّ فرض الهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية على الشعوب الأخرى أمرٌ حيوي لتحقيق أهدافه ورغباته. خلاصة عقود من النفوذ الاستعماري هي أن كل نظام من الأنظمة العميلة في بلادنا قد قاد بلاده إلى بؤس آخر وأكثر إيلاماً من أجل نزوات السياسة الغربية الأنانية المليئة بالتنافس. لقد شهدنا ذلك مراراً وتكراراً في رواندا، وتونس، ومصر، وليبيا، وباكستان، وبنغلادش، وتركيا، والعديد من البلاد الإسلامية الأخرى. ولم يكن السودان استثناءً. ويمكن متابعة قائمة الإخفاقات القاتلة، والرشاوى الاقتصادية والتعليمية والثقافية وغيرها من الرشاوى النظامية للأنظمة العلمانية والديمقراطية المتعاقبة لصفحات... وهكذا؛ الحرب في السودان، وما رافقها من كوارث سياسية واقتصادية، هي نتاج هذا الاستعمار، حيث وضع المستعمر البريطاني أدواته داخل الهياكل السياسية والحركات المسلحة، كما وضع المستعمر الأمريكي أدواته داخل قوات الدعم السريع وغيرها. وهكذا، تتغذى هذه الحرب من تنافس مستعمرين على الهيمنة على البلاد، كل منهما يسعى لطرد الآخر... وبالتركيز على السودان اليوم، نرى كيف أنّ البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) قد عميت بصيرتهما في تبعيتهما للغرب... لدرجة أنهما لا يكترثان بحرمة دماء المسلمين، بل يتنافسان في الوحشية والطغيان في هذه الحرب العبثية، التي شردت أكثر من 12 مليون إنسان في أرضهم، ودفعتهم إلى الجوع والعطش، مستخدمين التعذيب والإعدام، وحتى العنف الجنسي ضد النساء والفتيات.

 

فمن سينهي حرب العمالقة هذه وينقذ الأرض وأهلها؟

 

علينا أن نتذكر أننا مسلمون، وأنّ الله سبحانه وتعالى هو القوة العظمى على هذا العالم. لذا، فإن الخطوة الأولى هي الاعتماد على الله وحده، وعدم الاعتماد إطلاقاً على المستعمرين، كما قال تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾. لذلك، فإن الحلّ والعلاج لجميع الأزمات في السودان والبلاد الإسلامية جميعها هو عقيدة الإسلام العظيمة، فهي عقيدة ومنهج حياة، وهو ما يؤسس لدولة مستقلة ذات سيادة حقيقية، وليس مصنعاً للعبودية أُقيم داخل حدود سايكس بيكو الاستعمارية. لقد أثار المستعمرون الانقسامات المناطقية والقبلية، وهو مرضٌ لا يمكن علاجه إلا عن طريق الإسلام ولا شيء غيره. على مر التاريخ، كان الإسلام هو القوة الوحيدة التي تمكنت من توحيد الناس المختلفين في أمة واحدة. ﴿وَأَلَّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ الله أَلَّف بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

 

وذلك لأن الإسلام ليس مجرد دين، بل هو عقيدة ذات نظام حياة وقوانين، وهو شامل وكامل وسلس ومثالي. ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً﴾.

 

إنّ سلطة حكم الشعب ليست لكبار المجرمين والقتلة وسفاحي الدماء، الذين غايتهم النهائية تحقيق منافع دنيوية لإرضاء أسيادهم المستعمرين. إنّ الحكم في الإسلام هو فقط للناس الصالحين العادلين والطاهرين الذين يحمون ويحافظون على أرواح وأموال وأعراض المسلمين وغير المسلمين الذين هم تحت حمايتهم، لأنهم يدركون أن الحكم مسؤولية وأمانة، وأن الشريعة تتطلب منهم أن يكونوا قادرين على القيام بواجبات الحكم. ولأنهم يتبعون أوامر الله سبحانه وتعالى فقط، وليس أهواء أصحاب رؤوس الأموال كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية العلمانية، الذين يحصرون رب العالمين في عبادة الشعائر: ﴿إنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾. وقوله: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

 

وسينهي الإسلام كل حروب القومية والقبلية والطائفية التي أجّجها المستعمرون لتحقيق أهدافهم الاستعمارية الاستغلالية، لأنّ المسلمين أمة واحدة وجسد واحد! كل الحروب الحالية في بلادنا، وخاصة في السودان، هي فقط لمصلحة الغرب الكافر، رغم تحذير رسول الله ﷺ، روى الأحنف بن قيس، قال: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يقُولُ: «إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: «إِنَّهُ كَان حَرِيصاً عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ». (رواه البخاري)

 

وختاماً، فإنّ إحياء الحياة الإسلامية، كما جسّدها رسول الله ﷺ، وكما ثبت عبر التاريخ الإسلامي، هو حبل النجاة الوحيد للسودان والبلاد الإسلامية جميعا. الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة وحدها هي التي ستكسر جميع قيود الاستعمار الغربي وتقتلع أدواته من بلادنا. إنّ تطبيق الإسلام ونشره في العالم هو حبل النجاة الذي يقدمه لكم حزب التحرير دون مقابل. ستجدون جميع الحلول لجميع الأزمات والمشاكل التي نشأت نتيجة عقود من العيش تحت سيطرة الحضارة الغربية، في دستور دولة الخلافة الذي أعده حزب التحرير.

 

فخذوا حبل النجاة هذا كما هو من عند الله رب العالمين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْييكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.

 

#أزمة_السودان         #SudanCrisis

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

زهرة مالك

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم 

لا خلاص لكم أهلنا في السودان

ولا أمن ولا أمان إلا في ظل نظام الإسلام

 

 

على مدار التاريخ لم يكن تعدد القبائل في السودان هو الداعي للنزاع والاحتراب وإنما الذي كان سبباً لذلك هو الصراع السياسي والعسكري المحتدم بين الدول الاستعمارية وعملائها، والذي أهلك الحرث والنسل لا سيما بعد أن مزقوا البلاد وبذروا بذور الفتن والاقتتال القبلي والعصبي كما هو حاصل اليوم وتماما كما كان يحدث أيام الجاهلية الأولى، فمنذ غياب الإسلام وهدم دولته رجع الناس إلى أحكام الجاهلية يتقاتلون على أساس القبلية التي نهى الرسول ﷺ عنها وشدد في ذلك حيث قال: «مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَدْعُو إِلَى عَصَبِيَّةٍ أَوْ يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ».

 

لذلك لا بد أن يعي أهل السودان أن الوسط السياسي الموجود، والذي يفتقر إلى الفكرة السياسية الواعية والمرتبط بالغرب الكافر هو سبب الأزمات والمشاكل، نتيجةً للاستقطاب السياسي القائم على الأساس القبلي البغيض حيث استخدمت الحكومات المتعاقبة القبائل وقودا لصراعاتها، فسارت على نهج الأحزاب في الاستقطاب القبلي، وما جرى في دارفور ويجري أبلغ مثال على ذلك، وذلك عندما انحازت بعض القبائل للحركات المسلحة المتمردة ما جعل الحكومة في المقابل تسلح القبائل الموالية لها وتستخدمها في قتال المتمردين، وقس على هذا النهج تعامل الحكومات المتعاقبة في كل الأقاليم في السودان، والذي أوجد حالة من التوتر والتوجس في المناطق كافة حتى باتت البلاد كلها عبارة عن برميل بارود قابل للاشتعال في أية لحظة، بينما الخاسر الوحيد في هذا الصراع والاقتتال القبلي الهمجي هم أهل البلد، فما زالوا يدفعون الثمن غاليا من دمائهم وأرواحهم، فهم وللأسف ليسوا سوى أدوات رخيصة يتم استخدامهم لقتل بعضهم بعضا!

 

لقد أعظم الإسلام حرمة دم المسلم فقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ومَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾ وقال ﷺ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» وقال أيضا: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» فأين نحن من اتباع الرسول ﷺ؟ وأين نحن من الاحتكام إلى كتاب الله عز وجل القائل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾؟ لذلك كان لزاماً علينا أن نجتهد لإيقاف النزف المستمر لدمائنا وإيقاف مخطط الغرب الكافر باتباع أوامر الله ورسوله أي بتحكيم الإسلام، فلن يوقف الاقتتال القبلي ولن تستقر الأوضاع ولن يتوقف العبث بأرواح الأبرياء إلا بالعودة إلى الإسلام ونقض كل ما يخالفه.

 

إلا أن الإسلام لا يكون إلا بسلطان، أي بدولة تطبقه وتحمله إلى العالم بالدعوة والجهاد، وهي دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فيكون الحكم فيها مسؤولية وليس مغنما، فتقوم بواجب الرعاية من صحة وتعليم وأمن وتمكين الناس من الزراعة والصناعة وفتح مسارات الرعي حتى لا يحدث احتكاك بين المزارعين والرعاة، فتقطع أيدي العابثين دون هوادة، وتنهي كل مظاهر القتل والحرق والنهب، بتطبيق الحدود على الخارجين عن القانون.

 

إن دولة الخلافة هي وحدها القادرة على صهر الناس بوصفهم أمة واحدة على أساس الإسلام العظيم لا على أساس العنصرية، ولا القبلية، ولا الوطنية، إذ تسير بأحكام الإسلام وسلطانه، هذا السلطان الذي جمع المسلمين فجعلهم إخوة متحابين في الله، فجمع بين أبي بكر العربي وبلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي وحمزة القرشي، ومعاذ الأنصاري...

 

إن الإسلام العظيم هو وحده على مدار التاريخ الإنساني الذي صهر الشعوب والأعراق والقبائل المختلفة في أمة واحدة، فلم يكن حبيساً في المدينة المنورة بل انتشر في كل الجزيرة وتمت الفتوحات الإسلامية لنشر الإسلام ففتح المسلمون العراق، وكان يسكنه النصارى والمزدكية والزرادشتية من العرب والفرس، وفتحوا فارس وكان يسكنها العجم واليهود والرومانيون، وفتحوا الشام وكان إقليماً رومانياً يسكنه السوريون والأرمن والرومان والعرب، وفتحوا شمال أفريقيا حيث البربر، وفتحوا السند وخوارزم وسمرقند والأندلس، وصهروا كل تلك الشعوب في أمة واحدة، لا تمايز بينها، فعم نور الإسلام أركان الدنيا في فترة وجيزة؛ ذلك لأن أوامر الإسلام تقضي بالنظر إلى الرعية نظرة إنسانية، لا نظرة عنصرية، أو طائفية، أو مذهبية، إذ طبقت أحكام الإسلام على الجميع، فصار الناس كلهم رعايا للدولة الإسلامية لا فرق بين المسلم وغير المسلم ولا يظلم أحد الآخر وإذا حدث فإن الإسلام زاجره ورادعه، قال تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾، ويتساوى في الحكم أمام القضاء جميع الناس، ويقضي نظام الحكم بالوحدة بين أجزاء الدولة، كما يقضي بضمان حاجات كل ولاية بغض النظر عن وارداتها لبيت المال، ما يجعل الانصهار حتمياً بين أبناء جميع ولايات الدولة.

 

لذلك كان واجباً على كل مسلم ومسلمة العمل لإقامة هذا الفرض العظيم الغائب، صرح الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.

 

 

#أزمة_السودان         #SudanCrisis

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رنا مصطفى

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الماء بين التفريط والتآمر

سد النهضة سلاح أمريكي يخنق مصر ويهدد وجودها

 

ارتبط وجود مصر بنهر النيل منذ القدم، فهو شريان حياتها ومصدر بقاء أهلها. فمصر تعتمد على النيل بنسبة تقارب 97% من احتياجاتها المائية، إذ يبلغ إجمالي مواردها المائية السنوية نحو 60 مليار متر مكعب، منها 55.5 مليار من النيل، بينما الاحتياجات الفعلية تتجاوز 114 مليار متر مكعب. أي أن هناك فجوة تقارب 54 مليار متر مكعب تُسدّ عبر إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والمياه الجوفية. ومع هذا العجز الكبير، فإن أي نقص إضافي، ولو بضعة مليارات، يعني كارثة وجودية.

 

هذه الحقيقة تجعل من قضية سد النهضة الإثيوبي أخطر تهديد واجهته مصر في تاريخها الحديث. فهو ليس مجرد مشروع تنموي كما يزعمون، بل هو سلاح استراتيجي في يد أمريكا، يهدد حياة أكثر من 110 مليون مصري، ويضع مستقبلهم رهينة لقرارات الخارج.

 

منذ انطلاق المشروع عام 2011، كان بإمكان مصر - وهي الدولة الأكثر تضرراً - أن توقفه في مهده عبر الضغط السياسي أو التحرك العسكري، لكنها لم تفعل! بل سار النظام وراء وهم الحلول الدبلوماسية، حتى وقّع في آذار/مارس 2015 على اتفاق إعلان المبادئ في الخرطوم، الذي اعترف لأول مرة بشرعية بناء السد، وأعطى إثيوبيا الغطاء القانوني والدولي اللازم.

 

هذا الاتفاق لم يتضمن أي التزام صريح بحصة مصر التاريخية، بل ألغى عملياً ما نصّت عليه اتفاقية 1959 التي ضمنت لمصر والسودان حصصهما. والأدهى أن الاتفاق ألزم مصر بالتعاون مع إثيوبيا، بدلاً من أن يلزم إثيوبيا بعدم الإضرار بدول المصب!

 

بعد ذلك، توالت جولات التفاوض العبثية تحت رعاية أمريكية وأوروبية وأفريقية. ومع كل جولة جديدة، كانت إثيوبيا تُكمل مرحلة من بناء السد أو الملء. واليوم، وبعد عدة عمليات ملء وتشغيل جزئي، لم يبق لمصر إلا بيانات إنشائية من نوع "الماء قضية وجودية"، "لن نسمح بالمساس بأمننا القومي"؛ بينما الواقع أن السد أصبح أمراً واقعاً يهدد حياة المصريين.

 

من الخطأ النظر إلى إثيوبيا باعتبارها صاحبة القرار في هذه القضية. فالولايات المتحدة هي الراعي الحقيقي للمشروع، والمستفيد الأكبر منه، فمن ناحية التمويل والدعم الدولي، شركات أمريكية وغربية شاركت في الدراسات والتمويل والدعم الفني، بينما وُفِّر الغطاء السياسي عبر المؤسسات الدولية. كما أن أمريكا تعلم أن الماء بالنسبة لمصر أخطر من النفط بالنسبة للدول الأخرى. وبالتالي، فإنها جعلت السد ورقة ضغط على النظام الحالي ليبقى خاضعاً لإملاءاتها، وورقة احتياطية تستخدمها ضد أي تغيير سياسي أو ثورة مستقبلية، هذا بخلاف التهديد المباشر لمصر من وجود السد أو انهياره فتخفيض تدفق المياه ولو بنسبة 10% (5.5 مليار متر مكعب) يعني خروج مليون فدان من الرقعة الزراعية. وإذا قلّت المياه بنسبة 20% فستتأثر حياة 20 مليون إنسان مباشرة. هذا وحده يكفي لشلّ الاقتصاد المصري وإغراق البلاد في الفوضى، بخلاف ما يمكن أن يحل بالسودان ومصر من كوارث حال انهيار السد الذي لن يؤثر على إثيوبيا.

 

إذن، السد ليس مشروعاً إثيوبياً فحسب، بل هو سلاح استراتيجي أمريكي مصوَّب إلى قلب مصر.

 

ينظر الإسلام إلى الماء على أنه ملكية عامة للأمة، لا يجوز أن يُحتكر أو يُسلَّم لعدو. قال ﷺ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ». وبذلك فإن أي تفريط في مياه النيل هو خيانة عظمى، لأنه تفريط في حق الأمة جمعاء. والواجب على الدولة أن تحمي منابع المياه وتضمن وصولها، ولو تطلّب ذلك استخدام القوة.

 

كما أن الشرع يقرر قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، وحفظ حياة الناس، وبالتالي فإن السيطرة على منابع النيل وتأمينها واجب شرعي. فلا يجوز بحال أن تُترك إثيوبيا أو أية قوة أجنبية تمتلك قرار حياة مصر وأهلها.

 

ماذا لو كان لنا دولة وخليفة؟

 

لو كان للمسلمين دولة حقيقية تحكمهم بالإسلام، لما تُرك سد النهضة يُبنى يوماً واحداً، بل كانت الدولة ستتحرك منذ اللحظة الأولى بكل الطرق، لمنع أي تهديد لمياهها، وكانت ستسيطر على منابع النيل لتأمين حق الأمة في الماء، ولو أصرت قوة معادية على بناء سد يهدد حياة المسلمين، لمنعته بالقوة. قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ. لكن ما يحدث اليوم هو أن النظام المصري يربط مصير البلاد بـالقانون الدولي الذي وضعه المستعمر، ويتنازل عن السلاح الوحيد الذي كان يمكن أن يردع إثيوبيا؛ القوة.

 

التقارير الدولية والمحلية تؤكد أن مصر على أعتاب كارثة حقيقية

 

نصيب الفرد من المياه: تراجع إلى نحو 550 مترا مكعباً في السنة (أقل من خط الفقر المائي البالغ 1000 متر مكعب)، ومن المتوقع أن ينخفض إلى 330 مترا مكعباً بحلول 2050.

 

الزراعة: أكثر من 8 ملايين فدان تعتمد على مياه النيل، وأي نقص في المياه سيؤدي إلى بوار مساحات شاسعة، وتراجع إنتاج القمح والأرز والذرة، ما يزيد الاعتماد على الاستيراد.

 

الغذاء: تستورد مصر بالفعل أكثر من 12 مليون طن من القمح سنوياً، ومع أي نقص إضافي في المياه ستصبح أكثر تبعية للخارج.

 

الطاقة: السد الإثيوبي ينتج أكثر من 6 آلاف ميجاوات، بينما مصر تتحمل خطر العجز المائي دون مقابل، ما يزيد الفجوة الاقتصادية.

 

الصحة والبيئة: انخفاض تدفق النيل يزيد ملوحة المياه في الدلتا، ويهدد حياة الملايين بمشاكل صحية وزراعية.

 

لم يقف النظام المصري عاجزاً فحسب أمام السد وتهديداته، بل تجاوز ذلك إلى سياسات عبثية تمس حياة الناس وصحتهم، إذ اتجه إلى استغلال مياه الصرف الصحي المعالجة، بل وأحياناً غير المعالجة جيداً، لتعويض العجز المائي. فبدلاً من أن يسعى لتحرير منابع النيل أو تأمين حصص مصر الشرعية، لجأ إلى إعادة تدوير مياه المجاري وضخها في الاستخدام الزراعي بل وأحياناً في الاستخدامات التي تتصل بحياة الناس اليومية!

 

هذا السلوك ليس مجرد فشل إداري أو قصور تقني، بل هو جريمة سياسية ممنهجة، إذ يجعل الشعب يعيش وسط الأمراض والأوبئة، ويحمّله ثمن أزمة افتعلها النظام نفسه حين شرعن السد ووقّع اتفاق المبادئ، ثم قَبِل بالارتهان لمفاوضات عبثية. والأدهى أن الإعلام الرسمي يقدّم هذا التوجه كـ"حل ذكي" أو "إبداع وطني"، بينما هو في الحقيقة عقوبة جماعية للشعب، وإمعان في تحميله تكلفة جريمة النظام وتفريطه.

 

وقد أظهرت تقارير طبية ودراسات بيئية أن الاعتماد على مياه الصرف الصحي في الزراعة يؤدي إلى انتقال أمراض خطيرة مثل الفشل الكلوي، وأمراض الكبد (التهاب كبدي فيروسي)، والسرطانات الناتجة عن التلوث الكيميائي. كما أن تلوث التربة والمياه الجوفية بهذا الاستخدام يورث آثاراً طويلة الأمد تصعب معالجتها. وكأن النظام يقول للشعب: "لن نحارب لاستعادة حقكم في الماء، بل سنسقيكم ما يهدد حياتكم"!

 

وهذا السلوك ينسجم تماماً مع الدور المرسوم للنظام في مصر وهو: ترويض الشعب وإشغاله بالأزمات الداخلية، وتحويل كل حق طبيعي إلى منّة يمنّ بها الحاكم على الناس. فالماء الذي هو حياة الناس وحقهم الشرعي، صار مادة للابتزاز: "احمدوا الله أننا نجد لكم بديلاً"، بينما البديل هو السمّ البطيء.

 

في المقابل، يوضح الإسلام أن الماء من الموارد العامة التي جعلها الشرع ملكية مشتركة بين المسلمين، لا يجوز التلاعب بها أو احتكارها أو تركها تحت رحمة عدو، فكيف يُترك ماء النيل رهينة بيد إثيوبيا بإدارة أمريكية، بينما يُسقى الشعب بمياه الصرف الصحي الملوثة؟!

 

إن هذه السياسة تكشف أن النظام لا يسعى لحل الأزمة، بل إلى إدارتها بما يضمن استدامة الخضوع والتبعية، ويحوّل الماء من مصدر حياة إلى وسيلة إذلال. وبهذا يصبح السد والماء سلاحاً مزدوجاً: سلاحاً خارجياً تمسك به أمريكا وأداتها إثيوبيا، وسلاحاً داخلياً يستخدمه النظام لمعاقبة الشعب وتأديبه.

 

إن الحلول الجزئية - كتحلية المياه أو تطوير الري - قد تخفف من الأزمة، لكنها لا تحمي مصر وأهلها من الخطر الوجودي، والسبيل الوحيد هو التحرر من التبعية الأمريكية، وتوحيد مصر والسودان وسائر بلاد المسلمين في دولة واحدة قوية، ومن ثم السيطرة على منابع النيل، وتأمين تدفق المياه كحق شرعي للأمة.

 

هذه الرؤية لا تتحقق إلا في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تجعل السيادة للشرع والسلطان للأمة، وتتعامل مع الماء كسلاح حياة لا كسلاح في أسواق السياسة.

 

يا أهل مصر الكنانة: إن الماء حياة، والتفريط فيه خيانة. وإن السد الذي يُسوّق لكم كرمز تنمية في إثيوبيا هو في الحقيقة سلاح أمريكي مسلّط على رقابكم. والنظام الذي يزعم حماية أمنكم القومي هو ذاته الذي وقّع على التفريط به. إن الواجب اليوم أن تدركوا أن خلاصكم ليس في استمرار هذا النظام، ولا في انتظار النظام الدولي، بل في الانحياز إلى مشروع الإسلام الذي يحفظ حياتكم وأمنكم وكرامتكم. ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ. فلتنهضوا لحمل هذا المشروع العظيم، ولتكونوا جزءاً من أمة واحدة، ودولة واحدة، تحمي ماءها وأرضها ووجودها.

 

اللهم أعد لنا دولة الإسلام وسلطانه وشرعه لنستظل بظلها من جديد؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سعيد فضل

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم 

الخلافة وحدها من ترعى مصالح الناس بصدق

وتكون وصيّة على حقوقهم واحتياجاتهم

 

 

لا يخفى على أحد اليوم الوضع المريع الذي وصلت إليه السودان عقب الحرب الغاشمة التي بدأت منذ سنتين بين القوات المسلّحة وقوات الدعم السريع. وللأسف فإنّ أهل السودان الأبرياء هم من دفعوا وما زالوا يدفعون ثمن هذا الصراع الدولي المقيت الدائر ببنادق محليّة تهدف إلى تمزيق البلاد ورعاية مصالح أمريكا وأوروبا وغيرهما!!

 

إنّ كل مخلص في هذه الأمّة ليتساءل كيف رضي الطرفان المتقاتلان أن يلطخوا أيديهم بدماء إخوانهم وكيف قبلوا أن تسيّرهم مصلحتهم ومصلحة أسيادهم؟! فلو كانوا يتقون الله لما رضوا بما يحدث! ولو كان الإسلام مطبقا لما استطاعت الدول الغربية أن تسرح وتمرح في البلاد وتنفذ أجنداتها بتأليب الأطراف المتصارعة ومدّها بالعدّة والعتاد!

 

إنّ الحكم في الإسلام يقوم بالأساس على رعاية شؤون الناس وضمان مصالحهم وحاجاتهم فهو بالأساس يسهر على تحقيق الأمن والأمان لكل رعيتّه، والخليفة يكون مدركا أنّه سيُسأل أمام الله عمّا استرعاه، ولذلك يبذل وسعه لسلامة النّاس وتأمين حياتهم حيث إنه يعي أنّ قتل نفس واحدة أعظم عند الله من هدم الكعبة! ولذلك كان الإمام جنّة يتقى به فهو يحمي ويرد العدوان ويحفظ الأرواح والأموال والممتلكات أيضا، ولذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله يدهن إبل الصدقة بنفسه بالقطران مخافة أن تهلك ويقول: "لو أن جملا هلك ضياعا بشط الفرات لخشيت أن يسأل الله آل الخطاب".

 

وإلى الله المشتكى من حال إخواننا في السودان حيث تزهق أرواحهم بالباطل وتغتصب النساء وتسرق الممتلكات، كل ذلك على مرأى ومسمع من هم في السلطة ومن يحاربونهم فلا يخشون الله فيهم لأنّ همّهم ليس شؤون الناس وحياتهم وممتلكاتهم بل همّهم الكرسيّ ومصلحتهم هم فقط!!

 

أيضا في ظلّ حكم الخلافة الإسلامية لا يسمح أبداً بسرقة ثروات الأمة الإسلامية وخيراتها وتسليمها على طبق من ذهب للغرب الكافر، ولذلك فالخليفة يحفظها ويصرفها في المصارف التي أوجبها الشرع ويضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه الطمع والسعي لافتكاكها!

 

كذلك في ظلّ الحكم الإسلامي تحفظ الدولة وحدة البلاد وتمنع تفكيكه وتقسيمه وتعلن الجهاد إذا لزم لحفظ بيضة المسلمين وسلامتها من كل انشقاق. ووحدها الخلافة على مرّ العصور من استطاعت صهر الفرس والعرب والبرابرة والترك والعجم وغيرهم من الشعوب دون أن يكون لهذا التنوع العرقي والديني أي أثر سلبي في تعايش هذه الشعوب، بل كلها انصهرت في بوتقة الإسلام العظيم.

 

وضمنت الخلافة للجميع احتياجاتهم الأساسية بل والكمالية أيضا قدر المستطاع؛ إذ يصرف الخليفة الموارد في رعاية شؤون الأمة وقضاء مصالحها، ليعيش الناس في سعة ورخاء وبركة وهناء. وقد ذكر ابن خلدون في مقدمته أن ما حمل إلى بيت مال المسلمين ببغداد أيام الخليفة العباسي المأمون ما يعادل اليوم 70 مليار دولار و1700 طن من الذهب!! ورحم الله الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز الذي لم يجدوا في دار خلافته فقيراً واحداً يستحق الزكاة!

ومن منّا ينسى أنّ السودان التي يعاني سكانها اليوم المجاعة كانت في ظلّ الإسلام سلة طعام المسلمين جميعا!!

 

إنّ أحكام الإسلام جميعها هي الخير وبتطبيقها التطبيق الصحيح يضمن العيش الكريم؛

 

فمثلا بتطبيق أحكام النظام الاقتصادي الإسلامي سيختفي الربا والاحتكار والبطالة والمحسوبية والغشّ ويأخذ كل ذي حق حقه في العمل والمناصب.

 

وبتطبيق النظام التعليمي الإسلامي سيعود التعليم بكل درجاته متاحا للجميع وليس مقتصرا على الأثرياء وأصحاب السلطة، وسيكون للدولة تفوقها العلمي والتكنولوجي اللازمان للصناعات الثقيلة وأدوات الحرب الحديثة وغير ذلك، بل ستعود الريادة لدولة الإسلام في التكنولوجيا والعلوم كالماضي حين كان الملوك الأوروبيون يرسلون أبناءهم للدراسة في الجامعات الإسلامية لتطورها وازدهارها!!

 

وبتطبيق أحكام النظام الاجتماعي سيمنع السفور والفجور وستحفظ أعراض المسلمات ولو تكلّف الأمر تحريك الجيوش مثلما فعل المعتصم حين نادت مسلمة وا معتصماه!!

 

وخلاصة الأمر إنّ الخلافة ترعى مصالح الناس بصدق وتكون وصية على حقوقهم واحتياجاتهم، ولذلك قال ابن القيّم الجوزية رحمه الله: "إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة.. فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه". (إعلام الموقعين عن رب العالمين).

 

ومن المتواتر أن المسلمين جميعا يوم أخذوا بنهج الإسلام دولة وأفرادا كانوا أسبق الناس حضارة وتقدما ورقيا وعلما، فعاشوا العيش الرغيد وكانوا مشعل نور وعدل للعالمين، ولذلك فإنّ السودان وكل البلاد الإسلامية لن يصلح حالها إلا بما صلح به حالها في السابق، ولن يتغيّر الوضع المأساوي فيها إلا بإقامة شرع الله الذي يكفّ الحيف وينتصف للمظلومين من الظالمين ويستوفي الحقوق من الممتنعين ويوفيها على المستحقين.

 

#أزمة_السودان         #SudanCrisis

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

منة الله طاهر

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

خواطر لا تنسى من العم أحمد بكر (أبو أسامة) رحمه الله

 

 

رحل العم أحمد بكر (أبو أسامة) رحمه الله تعالى قبل أيام، وترك في نفسي بصمات خالدة ودروساً غالية. وددت أن أشارككم ثلاثا منها، علّ نفعها يعمّ فتكون له صدقة جارية تضاف إلى ميزان حسناته:

 

أولاً: كان رحمه الله يحث على الاهتمام بالعمل وطلب العلم الذي يقود إلى العمل الذي يزحزح المسلم عن نار جهنم ويدخل به الجنة، لا العلم النظري الذي يكون فيه تحصيل المعلومات لذاتها دون أن تؤثر في السلوك.

 

ثانياً: كان رحمه الله يذكر أن الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله كان يحث على قراءة كتاب العواصم من القواصم كلما اشتدّت التحديات والمشاكل، سواء أكانت تتعلق بحزب التحرير خاصة أو بالأمة الإسلامية عامة.

 

ثالثاً: كان رحمه الله يكثر من قيام الليل، ويحث عليه، وخاصة في فصل الشتاء، حيث قيل "نِعم زمان المؤمن الشتاء، ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه"، وقيل إن قيام الليل يُثبت القلب على حمل الدعوة ويهيئ النفس لتحمل الأعباء الثقيلة، كما جاء في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾.

 

رحم الله العم أحمد بكر (أبو أسامة)، وجمعنا به في الفردوس الأعلى على سرر متقابلين، بصحبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

 

﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

جميل عبد الله

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بالإسلام يُصهر أهل السودان في بوتقة واحدة

ويحيون حياة كريمة عادلة في ظل دولته

 

يبلغ عدد سكان السودان 49.4 مليون نسمة، بحسب مؤشرات صندوق الأمم المتحدة‏ للسكان عام 2024،  96% منهم مسلمون، وتضم السودان جالية نصرانية صغيرة وأفرادا يتبعون ديانات وثنية. ويتشكل المجتمع في السودان من قبائل تنحدر من أصول عربية وأفريقية ونوبية ترجع إلى أكثر من 500 مجموعة عرقية، ويعد العرب العرق السائد بنسبة 70%، إضافة إلى عرقيات أخرى منها البجة والنوبة والفلاتة والجبرتة والفور والمساليت وغيرها‏. وقد استغل المستعمرون هذا التنوع والاختلاف في إشعال الصراعات والحروب الأهلية وسخروه لتنفيذ مخططاتهم وعلى رأسها تمزيق السودان إلى دويلات بالعزف على وتر الحكم الذاتي وحق تقرير المصير وحقوق العرقيات الصغيرة، فَفُصِلَ الشمال عن الجنوب، والآن يجري الحديث عن فصل دارفور، ولسنا هنا بصدد التأصيل والتفصيل حول مكونات المجتمع في السودان، ولا بصدد الحديث عن آلية ومراحل تمزيق السودان، وإنما ما نحن بصدده هنا هو بيان أن الإسلام وحده القادر على صهر هذه المكونات المختلفة في بوتقة واحدة، وبيان أن دولة الخلافة وحدها الكفيلة بأن تتعامل معها من منطلق الرعاية والتابعية وتحقق لها العدل والمساواة والحياة الكريمة.

 

لقد جمعت أحكام الإسلام الشعوب والقبائل المختلفة بل والمتناحرة، ووحدت كلمتهم وساوت صفوفهم، فصنعت منهم أمة راقية؛ يعبدون رباً واحداً ويتجهون لقبلة واحدة ويسعى بذمتهم أدناهم ويفدي أحدهم أخاه بدمه بعد أن كان يسفك دمه، فالإسلام وحده المبدأ القادر على صهر الناس في بوتقة واحدة، فهو الذي صهر العرب والقبط والبربر والأتراك والنوبة وغيرهم وجعلهم أمة واحدة قبل أن تمتد يد المستعمر لتحيي هذه العصبيات والصراعات خدمة لمخططاته، فالإسلام لم يفرق بين الناس بناء على العرق أو اللون أو الجنس بل جعل محط نظره الإنسان من حيث هو إنسان، فالناس في نظره سواسية والتفاضل بينهم مبني على أعمالهم لا على أشكالهم وأجناسهم وأعراقهم، ومعيار التفاضل بينهم هو التقوى ومدى التزامهم بأوامر الله ونواهيه في حياتهم، وأما الأمور المختلفة بين الناس من عرق ولون وجنس فهي أمور طبيعية وهي من آيات الله وعلامات قدرته فلا ينظر إليها نظرة سلبية ولا تفضيلية، يقول سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى. أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ. قَالَ: لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ».

 

وقد جعل الإسلام الرابطة الصحيحة التي تصلح لأن تربط الإنسان بالإنسان هي الرابطة العقائدية التي ينبثق عنها نظام يعالج مشاكل الإنسان في حياته كلها وينظم علاقات الأفراد في المجتمع الواحد، ألا وهي رابطة العقيدة الإسلامية، لا الرابطة الوطنية أو القومية أو القبلية والعصبية الجاهلية حيث قال عنها ﷺ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»، فأصبح بهذه الرابطة صهيب الرومي وبلال الحبشي وسلمان الفارسي وأبو بكر العربي القرشي إخوة، وبهذه الرابطة ألّف الإسلام بين الأوس والخزرج بعد أن كانوا متناحرين ويحملون لبعضهم العداوة والبغضاء فتحولوا لإخوة متحابين وصاروا أنصار الدين وكان لهم فضل نصرة رسوله ﷺ وإقامة الدولة الإسلامية، قال تعالى: ﴿لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

 

إن هذه الأحكام التي جاء بها الإسلام بالتشريع، قد ضمنتها دولة الخلافة بالتنفيذ، فلا يوجد في دولة الخلافة وصف الأقلية والأكثرية كما هو معمول به اليوم، فالإسلام يعتبر الجماعة التي تحكم بموجب نظامه وحدة إنسانية، بغض النظر عن طائفتها وجنسها ولا يُشترط فيها إلا التابعية أي الإقامة فيها والولاء للدولة، فتنظر لجميع الناس باعتبار إنساني فقط وتعتبرهم رعاياها، ما داموا يحملون التابعية، والسياسة الداخلية للدولة الإسلامية هي تنفيذ الشرع الإسلامي على جميع الذين يحملون التابعية سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، فكل من يحمل التابعية هو من رعايا الدولة الإسلامية سواء أكان مسلماً أم غير مسلم وله على الدولة من الحقوق وعليه لها من الواجبات ما يستحقه حسب الشرع، والدولة مسؤولة عنه، وعن كفالته، وحمايته وحماية أمواله وعرضه، وتوفير الأمن والعيش والرفاهية والعدل والطمأنينة له، بدون أي فرق بين مسلم وغير مسلم، فالكل أمام الدولة سواسية كأسنان المشط.

 

وقد جاء الإسلام بأحكام عدة لأهل الذمة، منها أنهم لا يفتنون عن دينهم ولا يكرهون على الدخول في الإسلام، بل يُتركون وما يعتقدون وما يعبدون وما يطعمون، وتفصل أمور الزواج والطلاق بينهم حسب أديانهم، ولا يكلفون بشيء من التكاليف التي يكلف بها المسلمون كالجهاد والزكاة، فلا يُكرهون على القتال، ولكن يجوز لمن شاء منهم أن يقاتل في جيش المسلمين باختيار منه، ويؤدي هؤلاء الذميون الجزية فقط، وهي مبلغ من المال يؤخذ من البالغين الذكور القادرين عليها لقوله تعالى ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ﴾، فاليد كناية عن القدرة، ولا تؤخذ من النساء والأطفال، وإذا صار الذمي فقيرا سقطت عنه الجزية وتتولى الدولة الإنفاق عليه من بيت المال. ويُعامل أهل الذمة معاملة حسنة، ويُنظر لهم أمام الحاكم وأمام القاضي وعند رعاية الشؤون وحين تطبيق المعاملات والعقوبات كما يُنظر للمسلمين دون أي تمييز، ويخضعون لأحكام الإسلام كما يخضع لها المسلمون، فهم رعايا للدولة الإسلامية كسائر الرعية لهم حق الرعوية وحق الحماية وحق ضمان العيش وحق المعاملة بالحسنى وحق الرفق واللين، ولهم ما للمسلمين من الإنصاف وعليهم ما على المسلمين من الانتصاف، فواجب العدل معهم كما هو واجب مع المسلمين. ولكل من يحمل التابعية، وتتوفر فيه الكفاية رجلاً كان أو امرأة، مسلماً كان أو غير مسلم أن يعين مديراً لأية مصلحة من المصالح، أو أية إدارة، وأن يكون موظفاً فيها، ولأهل الذمة أن يكونوا في مجلس الأمة من أجل الشكوى من ظلم الحكام، أو من إساءة تطبيق أحكام الإسلام.

 

وإذا ما نظرنا في تاريخ الدولة الإسلامية منذ أقامها النبي ﷺ نرى أن غير المسلمين عاشوا معززين مكرمين في ظل حكم الإسلام، وأنه كان ينظر لهم من منظور التابعية والرعاية، وأنه لم يكن في ظل دولة الإسلام تابعي درجة أولى وتابعي درجة ثانية، فقد ساد التنوع في الدولة الإسلامية الأولى التي أقامها النبي ﷺ في المدينة المنورة لحظة قيامها فقد وجد فيها المهاجرون والأنصار وكان من رعاياها العربي وغير العربي والمسلم وغير المسلم، ثم توسعت لتشمل جزيرة العرب كلها في حياة النبي ﷺ واستمر توسعها في عهد الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم في زمن الدولة الأموية والعباسية والعثمانية فازدادوا بذلك التنوع حيث دخل الناس في الإسلام أرسالاً من قبائل وشعوب شتى وخضع لسلطانها أصحاب أديان كثيرة لم تكن معروفة في جزيرة العرب، على ما في جميع هؤلاء من اختلاف في العرق واللون واللغة والثقافة والدين، وكان الغالب في العلاقة فيما بينهم وفي علاقتهم مع الدولة الانسجام والتوافق وحسن المعاشرة، والشواهد على إحسان الدولة الإسلامية للذميين كثيرة تشهد بها كتب التاريخ كقصة ابن عمرو بن العاص مع القبطي، ونتيجة لهذا الإحسان فضلوا العيش فيها ولجأوا إليها، بل إنهم انحازوا إلى صفها ضد بني جلدتهم، ففي الحروب الصليبية انحاز نصارى الشرق إلى المسلمين وقاتلوا معهم ضد الصليبين على الرغم من محاولة الصليبيين استمالتهم وإثارتهم ضد الدولة الإسلامية، إلى درجة أنهم أفقدوا الصليبيين إحدى الأوراق التي كانوا يعولون عليها في هزيمة المسلمين.

 

من هذا يتبين أن الإسلام وحده القادرة على صهر أهل السودان على اختلاف أعراقهم وأديانهم في بوتقة واحدة كما صهرهم من قبل. يقول الدكتور صلاح إبراهيم عيسى في كتابه "دخول الإسلام السودان وأثره في تصحيح العقائد": (لم يكن السودان المعروف اليوم بجغرافيته يمثل كياناً سياسياً أو ثقافياً أو دينياً موحداً قبل دخول المسلمين، فقد كانت تتوزع فيه أعراف وقوميات ومعتقدات مختلفة. ففي الشمال حيث النوبيون؛ كانت تنتشر المسيحية الأرثوذكسية كعقيدة، واللغة النوبية بلهجاتها المختلفة لغة للسياسة والثقافة والتخاطب. أما في الشرق، فتعيش قبائل البجة، وهي من القبائل الحامية، لها لغة خاصة، وثقافة منفصلة، وعقيدة مغايرة كتلك التي في الشمال. وإذا ما اتجهنا جنوباً نجد القبائل الزنجية بسحناتها المميزة، ولغاتها الخاصة، ومعتقداتها الوثنية. وكذلك الحال في الغرب، وقد أحدث دخول المسلمين السودان انقلاباً هائلاً في هوية هذه المنطقة، غير ملامحها دينياً وثقافياً، حيث أصبح الإسلام هو الدين الغالب لدى معظم شعوب المنطقة. وأصبحت لغة القرآن هي القاسم المشترك بينهم. فتكونت بذلك وحدة بينهم على الصعيد الديني والسياسي والاجتماعي، فبعد اتفاقية البقط بين المسلمين والنوبة عام 652 للهجرة، بدأ المسلمون يتسربون إلى السودان جماعات وأفراداً، حاملين معهم الإسلام واللغة العربية، ساعين وراء المرعى والتجارة واختلطوا بسكان البلاد الأصليين فظهر أثرهم واضحاً في تغيير ملامح المنطقة، وانتقل أهلها من النصرانية أو الوثنية إلى الإسلام، ومن المعتقدات الفاسدة إلى عقيدة التوحيد، ومن العجمة إلى العربية بفضل المسلمين)، ويتبين أن الخلافة هي النظام السياسي الكفيل بأن يحقق لهم الحياة الكريمة والعدل والاستقرار باعتبارهم رعايا للدولة دون أي تمييز أو تفرقة.

 

#أزمة_السودان           #SudanCrisis

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

براءة مناصرة

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

من ينتصر: صراع النفوذ أم صراع العقيدة؟

 

في عالم مضطرب تتصارع فيه القوى على مناطق النفوذ، وتُرسَم فيه خرائط الولاء وفق الحسابات، تبرز غزة باعتبارها استثناءً صارخاً؛ ليس لأنها محاصَرة منذ سنوات، ولا لأنها تتلقى الضربات العسكرية فحسب، بل لأنها تخوض صراعاً يتجاوز السياسة والنفوذ ليصل إلى القتال العقائدي بين الحق والباطل.

 

لطالما كانت فلسطين - وغزة على نحو خاص - ساحةً لصراعات النفوذ بين أطراف إقليمية ودولية، تتنازعها مشاريع متعارضة، ولربما متناقضة. وفي هذا السياق تُدار معارك تفاوضية باسم غزة، وتُبرم صفقات على حسابها، وتُستثمَر معاناتها في أروقة العواصم. وكل ذلك يدخل فيما نسمّيه صراع النفوذ أو صراع المصالح بأدوات السياسة.

 

لكن المتأمل في طبيعة المواجهة في غزة يدرك أن ما يجري ليس مجرد صراع على النفوذ، بل هو صراع عقيدة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فعقيدة المقاومة في غزة ليست خياراً تكتيكياً، بل هي نابعة من إيمان راسخ بأن فلسطين وقف إسلامي لا يُقسَّم ولا يُساوَم عليه، وأن الاحتلال ليس طرفاً سياسياً، بل عدوٌّ وجودي. فالمقاومة ليست ورقة ضغط، وإنما فريضة شرعية، ورؤية ثقافية متجذّرة في وعي الأمة. بهذا الفهم وبهذه الحقيقة يُفسَّر سرّ صمود غزة وعُسر انكسارها، رغم فداحة الثمن وقسوة المعركة.

 

إن صراع النفوذ، مهما اشتد، يظل قابلاً للتسوية، لأنه يقوم على حسابات مصالح يمكن أن تُضبط باتفاقات أو تفاهمات مرحلية. أما صراع العقيدة فغير قابل للمساومة، لأنه متجذّر في وجدان الأمة، ومرتبط بهويتها ورسالتها، ويتجاوز حدود الزمان والمكان. وهذا هو المحرّك الحقيقي للصمود والتضحية في غزة؛ إنها العقيدة التي يُبذَل في سبيلها الغالي والنفيس.

 

ليست قوة غزة في ترسانتها العسكرية، بل في العقيدة التي تحرك أبناءها، وتجعل من الأمهات صانعات مجد، ومن الأطفال مشاريع أبطال. ويهود يدركون هذا البُعد؛ لذلك فهم لا يشنّون عدوانهم على الحجر فحسب، بل على العقيدة والفكرة، وعلى رمزية غزة كحاضنة للوعي والمقاومة.

 

غزة لا تقاتل فقط من أجل نفسها، بل من أجل هوية الأمة. لذا فإن صمودها ليس مجرد بطولة محلية، بل هو تذكير دائم للأمة بأن الصراع في فلسطين ليس خلافاً على أرض أو معابر، وإنما هو معركة وجودية بين مشروع استعماري مدعوم دولياً، وبين أمة تمتلك من الإيمان ما يجعلها تتجاوز حدود سايكس بيكو المصطنعة.

 

إن صراع العقيدة هو صراع مع الزمن نفسه، لا تُطفئه هدنة ولا تُنهيه معاهدة. وغزة في هذا السياق ليست جغرافيا صغيرة تقاتل، بل شاهد حضاري على أن العقيدة إذا سكنت القلوب صنعت المعجزات وتفوّقت على الحسابات. وصراعها يراهن على وعد الله تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.

 

فغزة اليوم لا تقاتل وحيدة، بل تتقدّم في معركة الحق مع الباطل، متمسكةً بوعد السماء، ثابتةً على درب الأنبياء، وستبقى بإذن الله قلعة الإيمان في وجه الباطل، حتى النصر أو الشهادة.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم 

الخلافة على منهاج النبوة: عدل ورحمة للعالمين

 

 

عَنْ عَمَّارِ بن أَبِي عَمَّارٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾ وَعِنْدَهُ يهودِيٌّ، فَقَالَ لَوْ أُنْزِلَتْ عَلَيْنَا هَذِهِ الآيَةُ لاتَّخَذْنَا يَوْمَهَا عِيداً. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدَيْنِ اثْنَيْنِ: جُمُعَةٍ وَيَوْمِ عَرَفَةَ. رواه الطبراني في معجمه الكبير. فالحمد لله على هذه النعمة: نعمة الهداية ونعمة اكتمال الدين. دين كلُّه هدى ورحمة ونور، من يعتصم به هُدِيَ إلى صراط مستقيم.


فالإسلام دين الله الحق، والرسالة الخاتمة لوحي السماء والحق الواحد فكلُّ ما على الأرض اليوم من تشريعات عداه ومذاهب باطل وضلال. هذا الدين كامل في تشريعاته يضمن كمال العدل، وكمال الرحمة وكمال الهداية وتمام التكريم وتمام العبودية لله، لأنه من عند الله وحده.


ولهذا فإننا لا نجانب الحق حين نقول إنه لا عدل ولا كرامة ولا ضامن لتحقيقهما في الأرض بغير الإسلام. وما تشهده البشرية اليوم من ظلم وجور وفساد هو أكبر دليل على معنى الضنك الذي يسببه الإعراض عن تطبيق وحي السماء. الإنسان الذي تملؤه الغرائز ويندفع بحب التملك كيف سيرحم عوز غيره ويمتنع عن أكل مالهم وقوت يومهم بغير الترهيب بعذاب جهنم لآكل حق غيره والترغيب بعظيم الثواب لمن أعطى واتقى؟ من يملؤه حب الشهوات كيف يكف عن محارم الناس ويحفظ حرماتهم ويستر عوراتهم بغير ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾؟


والإسلام حين جاء كشريعة من رب العالمين لتنظيم شؤون الإنسان بوصفه فردا وجماعة وأمة وعالما كاملا، كان تشريعه مفصلاً دقيقاً منضبطاً يضمن حين تنفيذه كاملاً بلا أي إشراك مع غيره من التشريعات حصول العدل والرحمة للمجتمع. فلن تجد في المجتمع الإسلامي ظلماً حصل دون أن يكون هناك حساب للظالم ورد حق للمظلوم، ولا مظلمة لم يستوفها صاحبها. فإن الإسلام جاء بالأساس لحفظ دماء الناس وأعراضهم وأموالهم وكراماتهم. عن أَبي بكْرةَ أنَّ رسُول الله ﷺ قَالَ في خُطْبتِهِ يوْم النَّحر بِمنىً في حجَّةِ الودَاعِ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بلَّغْتُ». وعن أَبي هُريْرة رضي الله عنه أنَّه ﷺ قَالَ: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وعِرْضُهُ وَمَالُهُ».


يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً فَلَا تَظَالَمُوا». وسنورد هنا أهم ما يتعلق بتحريم الظلم، وما فصّله الله تعالى من أحكام كفيلة حين تطبق بمنع وقوع الظلم، بل ومنع وجود الظلمة وأطرهم على الحق إن وُجدوا.


 إن أعظم ميزة لهذا الدين أنه، كما قلنا في البداية، هو الحق وما سواه باطل، فهو من لدن حكيم خبير. وهذه الميزة وحفظ الله لدينه من التحريف والتبديل، تعني مما تعنيه أنَّ كل تشريعات الإسلام حق وعدل، فلا مجال لمناقشتها أو عقد جلسات حوارية للتأكد من صلاحيتها، ولا يلزم تحديث ولا تجديد لأي بند من بنود الدستور الإسلامي الذي يُستنبط بالأدلة التفصيلية من مصادر التشريع الأربعة: القرآن والسنة وإجماع الصحابة والقياس الشرعي. وهذه الميزة بحد ذاتها كافية لأن تبث الطمأنينة في قلوب طالبيها. كما أن هذا كفيل بوضع حد لتمرد الحكام وغطرستهم ويقطع على من تسول له نفسه سبيل شرعنة فساده أو تحليل ما يشاء وتحريم ما يكره. فالحلال بيِّن والحرام بيِّن. ولا مناطق رمادية في التشريعات المتعلقة بحقوق العباد ومقاصد الشريعة الخمسة.


 والثاني أن الإسلام يوجب على كل من يدين به، وكل من يحمل التابعية لدولته، أن يجعل السيادة لهذا الدين. فلا سيادة لغير دين الله. ببساطة: هذا هو الحق الذي لا يحابي أحداً وهذا دين عزيز يوجب عليك أن لا تقدم عليه سواه. لا سلطة فوق تشريع الله. في القوانين الوضعية تنتشر عبارة من قبيل: القانون فوق الجميع، لكن الواقع يخبرنا أن ما يحصل هو خلاف ذلك، قديماً وحديثاً. كانت بنو إسرائيل إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإن سرق الضعيف أقاموا عليه الحد. لكن الإسلام بكل عزة وعدل يقول: «وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا». وسيدنا عمر بن الخطاب قد جلد ابن أمير مصر عمرو بن العاص لأنه جلد قبطياً بغير حق. أرأيتم كيف يجعل الله السيادة لدينه لا لأحد سواه؟ حتى لو كنت ابن نبي أو ابن الخليفة أو ابن الأمير.


 الحاكم في الإسلام ليس ملكاً ولا رئيساً، هو أميرٌ لجماعة يحمل مسؤوليتهم وبينه وبينهم عقد وبيعة يعطونه فيها الطاعة وحسن الالتزام بالإسلام على أن يُحسن رعايتهم بهذا الدين ويطبقه عليهم كما أمر ربهم. فالخليفة في الإسلام مثله مثل غيره سواسية كأسنان المشط، وهذه هي إحدى أبجديات الإسلام العظيم. لا تفاوت ولا فضل إلا بطاعة، وطاعتك هذه لا منّة لك على أحد بها، بل تظل تترقب حتى تموت القبول من عدمه. هكذا يربط الإسلام الإنسان بآخرته ويجعله يركز على الهدف الحقيقي من وجوده؛ الاستخلاف في الأرض. فالحاكم والمحكوم كلاهما على ثغر عظيم، إقامة دين الله حين استعملهم الله. والخلافة مسؤولية عظيمة والإمارة فتنة كان يفر منها الأقوياء الأتقياء خشية أن يسألهم الله سبحانه عنها. وسيدنا عمر الفاروق مات وهو يقول: يا ليتني خرجت منها كفافاً لا لي ولا علي. هذا وهو من فرَّت منه الشياطين!


 هذه الأفكار والأبجديات ليست محل تنظير ولا مجرد أفكار أفلاطونية عن مدينة فاضلة لا وجود لها. فالإسلام أيضا يتميز بأنه جاء لبشر يصيبون ويخطئون، وهو قابل للتطبيق في كل عصر وعلى أي جماعة. فجاء بطريقة مفصلة لكل هذه الأحكام، وبيان لكيفية تنفيذها.


الإسلام بهذه الميزات، ومع عظيم فتنة الإمارة وكون السلطة مدخلا عظيما للظلم والزلل، فقد جعل أحكامه على قسمين: الأول متعلق بالحاكم نفسه من ترغيبه في ثواب حسن الرعاية وحثه على الرحمة بالعباد وقضاء شؤونهم ورعايتهم بالعدل والحكمة وترهيبه من العاقبة الوخيمة للظالمين في الدنيا والآخرة. والثاني متعلق بالمحكومين فجاء بأحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة الحكام والنصح لهم، وضرورة الصدع بالحق وأطر الحاكم على الحق أطراً. وجعل خشية الله سبحانه هي المحرك للعباد وعظيم أجر الصادعين بالحق.


وسأذكر هنا مواد من دستور دولة الخلافة الذي أعدَّه حزب التحرير، تتعلق بالحكم ورعاية الشؤون وضمان منع الظلم وإزالته حين يحصل، مع تعليق عليها بما يناسب سياق المقال.


 المادة 4: "لا يتبنى الخليفة أي حكم شرعي معين في العبادات ما عدا الزكاة والجهاد، وما يلزم لحفظ وحدة المسلمين، ولا يتبنى أي فكر من الأفكار المتعلقة بالعقيدة الإسلامية". وهذا كفيل بحد التغول التشريعي الذي يصيب الحكام، وينهي يد الطغاة الطولى قبل أن تولد. فالدستور واضح والتشريعات معلومة لكل مسلم، ولا مجال للتلاعب أو إيجاد مواد مستحدثة. وهذا كفيل أيضاً بإنهاء الفتن والبدع وما يخرب على الأمة في عقيدتها، فيحفظ لها دينها كما نزل على محمد عليه الصلاة والسلام.


 المادة 5: "جميع الذين يحملون التابعية الإسلامية يتمتعون بالحقوق ويلتزمون بالواجبات الشرعية". فلا تمييز على أساس طائفي أو عنصرية، وحادثة ضرب ابن عمرو بن العاص للقبطي ثم اقتصاص خليفة المسلمين للقبطي من الأمير توضح كيفية رعاية الشؤون ومنع الظلم على أي فرد من الرعية.


 المادة 13: "الأصل براءة الذمة، ولا يُعاقب أحد إلا بحكم محكمة، ولا يجوز تعذيب أحد مطلقاً وكل من يفعل ذلك يُعاقب". وهذا ينهي حالات التغول الأمني والأخذ بالظن واختطاف الناس والتشبيح عليهم الذي ينتشر في كل بلاد المسلمين، حتى صارت السجون أكثر من المدارس، وصار المسلم يخشى أن ينطق كلمة الحق خوفاً من أن يذهب وراء الشمس. هذه المادة كفيلة بإنهاء الصيدنايات في بلاد المسلمين وما أكثرها! وهذه المادة كفيلة بتحقيق المقصد الذي جاءت به الشريعة: حفظ نفس الإنسان وكرامته.


 المادة 20: "محاسبة الحكام من قبل المسلمين حق من حقوقهم وفرض كفاية عليهم. ولغير المسلمين من أفراد الرعية الحق في إظهار الشكوى من ظلم الحاكم لهم، أو إساءة تطبيق الإسلام عليهم". فالمجتمع الإسلامي مجتمع حر بامتياز: حر في تعبيد الجميع لله، وحر في قدرة الفرد على ممارسة حقه في التعبير في غير ما يخالف الشرع، وانتقاد الحاكم بل ومحاسبته بكل قوة، والإنكار على الدولة والصدع بالحق دون أن يخشى في الله لومة لائم. أجل، الإسلام يبني مجتمعات حرة قوية، الكل فيها يخشى الله وحده. فالحاكم فرد يخطئ ويصيب، وشعار الخليفة هو صنو شعار أبي بكر الصديق رضي الله عنه: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم".


 المادة 24: "الخليفة هو الذي ينوب عن الأمة في السلطان وفي تنفيذ الشرع "، والمادة 28: "لا يكون أحد خليفةً إلا إذا ولاه المسلمون، ولا يملك أحد صلاحيات الخليفة إلا إذا عقدها له المسلمون على الوجه الشرعي كأي عقد من العقود". وهاتان المادتان من أهم ما يضمن حق الناس في اختيار حاكمهم، ومنع توريث الحكام أو تنصيب الغرب لحكام على غير ما تهوى الأمة وتريد.


 المادتان 33 و34 بفروعهما فيهما تفصيل لكيفية تنصيب الخليفة، وبيان دقيق لحالة شغور منصب الخليفة ومن يستلم مؤقتاً مكانه لتسيير الشؤون. فالإسلام لم يترك المجال لأي خلل ولا تيه. كل تفصيل واضح ومبين.


 المادة 37: "الخليفة مقيد في التبني بالأحكام الشرعية، فيحرم عليه أن يتبنى حكماً لم يُستنبط استنباطاً صحيحاً من الأدلة الشرعية وهو مقيد بما تبناه من أحكام، وبما التزمه من طريقة استنباط، فلا يجوز له أن يتبنى حكما استنبطه بطريقة تخالف الطريقة التي تبناها، ولا أن يعطي أمراً يناقض الأحكام التي تبناها". وهذا مما يجعل الحاكم يقف أمام مسؤوليته في رعاية الشؤون ويثبته في الفتن على الحق، ويعزز قوة الأمة في المحاسبة ومواجهة أي طارئ يعصف بالدولة أو ضغوط خارجية قد يتعرض لها الخليفة، فتكون الدولة ملزمة بالشرع والأمة سند وعضد يثبت الحاكم ومعاونيه على الحق ويحاسبهم بكل قوة وجرأة من الدستور الذي ألزموا أنفسهم والأمة به.


 المادة 40 وفروعها في تفصيل عظيم لما يُمكن أن يتعرض له الخليفة مما يفقده أهليته كحاكم للأمة، وتوضيح لكل حالة وكيفية التصرف الواجب على الأمة والدولة اتخاذها. ففسق الحاكم لا توجب طاعته كولي أمر كما يُشيع علماء السلطان بل توجب محاسبته وتصل لحد عزله عن منصب الخلافة، وعجز الخليفة عن القيام بمهامه بحال تسلط أحد عليه أو أسره عدو، يرجع فيه إلى حاله أيستطيع الخلاص أم لا، فإن كان مأمول الخلاص يُنذر وإلا يُخلع وينصب سواه. فالخلافة


ليست منصب تشريف، وكما قلنا السيادة للشرع والسلطان للأمة لا لشخص الحاكم ولقبه.


 محكمة المظالم وحدها مسؤولة عن متابعة قدرة الخليفة على القيام بمهامه، والتدقيق في حاله وما يصدر عنه، ولها الحق في عزله أو خلعه. وقاضي المظالم لا يعينه الخليفة، وهذا يحمي الأمة والدولة، من الفساد الإداري وتضييع الحقوق ويئد أي ظلم أو سلب لسلطان الأمة في مهده.


 معاونو التفويض الذين يعينهم الخليفة، ينتهي عملهم بانتهاء عمل الخليفة بموته أو عزله، وهذا يضمن تجدد الطاقات ومنع أن تكون دولة داخل الدولة، أو سيطرة أحزاب وجماعات على الحكم وسلب السلطان من الأمة.


 المادتان 45 و46 معاون التفويض يجب عليه أن يطلع الخليفة بما يمضيه من أعمال، والخليفة واجب عليه أن يتابع ما يقوم به معاونوه، فالأمر الأول والأخير للخليفة، وهو المسؤول الأول والأخير في الدولة. فأي ظلم يقع يُحاسب عليه الخليفة ولا مجال للتملص وإلقاء الأخطاء على صغار العمال أو التملص من المحاسبة. كما أن هذا يحمي الدولة من تطاول الوزراء وحاشية الخليفة وتفردهم بشؤون الدولة من دونه. هكذا يضع الإسلام كل فرد أمام مسؤولياته ويحمّله واجباته لأنه بكل وضوح سيُسأل عنها أمام الله سبحانه، ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً﴾. يقول رسول الله ﷺ «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». فالمسؤول حين يوقن أن وراءه حساباً سيعد لكل سؤال جواباً ولكل ما تخطه الملائكة تفصيلاً. نسأل الله عفوه.


ودون أن نطيل في الكلام: إن الدولة الإسلامية هي تنفيذ عملي لما قاله الله سبحانه وتعالى عن سيدنا محمد ﷺ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾. وأحكامه كفيلة أن تتجلى هذه الرحمة واقعاً تحياه الأمة كما نعم به المسلمون الأوائل في ظل الخلافة الراشدة الأولى. نسأل الله أن يكرمنا بالثانية قريباً ويجعلنا أهلها ومن العاملين المخلصين لها.
 

 

 

#أزمة_السودان         #SudanCrisis

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

بيان جمال

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

نموذجنا من الوحي لا من حضيض الغرب

 

 

اليوم ينشغل كثير من المسلمين بمتابعة صعود الصين وتراجع أمريكا، ويتجادلون: من الأقوى؟ من سيتفوق؟ هل الصين قادرة على الحلول مكان أمريكا كقوة عظمى؟ هل أمريكا لا منافس لها؟ لكن السؤال الحقيقي: لماذا ننشغل نحن المسلمين بهذا الصراع؟ لماذا لا نسأل: أين نحن؟ وما هو مشروعنا؟ وما موقعنا في هذا العالم؟

 

حين كانت بريطانيا وفرنسا قوى عالمية، سحقوا الشعوب ودمروا الحضارات. واليوم أمريكا تفعل الأمر ذاته، وتفرض هيمنتها بالقوة والبطش، وتستعبد شعوب الأرض باسم النظام العالمي. فهل نريد من الصين أن تكون البديل؟ وهل إذا تغيّر الجلاد يتغيّر واقع الأمة؟! المشكلة أن بعض المسلمين، بدلاً من أن يستنهضوا الأمة لإقامة كيانها السياسي ودولتها الإسلامية، يُطاردون وَهْمَ القوى الدولية، ويتغنون بتجارب الآخرين، ويغفلون عن أن لنا نموذجاً ربانياً مصدره الوحي.

 

البعض يبرر تخلفنا بأنه ضعف في العقل العربي، أو القدرة على مواكبة النظريات الحديثة، فيوهم الناس أن الغرب تفوق لأنه كان صاحب فلسفات ومفكرين كبار، لكن الحقيقة أن الغرب لم يَسُدِ العالم بعظمة فلسفاته، بل بقوته العسكرية وسطوته الاقتصادية سيطر على أمريكا اللاتينية عام 1492 بالحديد والنار، لا بالحكمة والعقل والقناعة. كانوا يرون أن غير الأوروبيين ليسوا بشراً أصلاً، والمُفكّر نيتشه أعلن أن "الإله قد مات"، فهل هذه حضارة يُقتدى بها؟!

فالغرب لم يقدم حلاً حقيقياً للبشرية بل هو سبب أزماتها، أما نحن، فأمتنا تملك مشروعاً عظيماً ربانياً، لم يُؤخذ من بشر، بل من خالق البشر.

 

إن نموذجنا ليس في الصين ولا أمريكا بل هو في الإسلام، في دولة الخلافة التي تُقيم العدل، وتفك الحصار، وتحرر الإنسان من عبودية الطغاة.

 

قال تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ فكيف ننكر نموذج رسولنا ﷺ، ونبحث في قمامة الغرب عن بديل؟! كيف نبحث عن بديل والأصيل لدينا حكم العالم قرابة 13 قرنا من الزمان من خير إلى خير؟!

 

حان وقت النهوض، لا التبعية، حان وقت استعادة النموذج الرباني، لا التغني بسحق الظالمين بعضهم بعضاً.

 

فنحن أمة عرفت حقيقة الوجود، وعرفت الغاية من الحياة، وعرفت المعاد، ومن أين جئنا، ولماذا نحن هنا، وإلى أين المصير. لم نكن يوماً أمة تائهة تبحث عن معنى، بل هي من أخرج البشرية من ظلمات الجهل إلى نور الوحي، الذي أنزل على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وأرشدنا وأرشد الناس لعبادة خالقهم، لا عبادة البشر أو المادة.

 

فمن وحي السماء بنينا حضارة، لا على جماجم الشعوب ولا بسلب الثروات، بل على أساس العدل والخير والرعاية والنظرة إلى الإنسان بصفته إنسانا مخلوقا لخالق، أقمنا حضارة مصدر مفاهيمها الوحي، وأنتجنا علوماً نفعية في الطب والفلك والكيمياء والرياضيات، وكنا منارة للبشرية لأكثر من 13 قرناً حتى ضعفنا؟ نعم، مررنا بضعف حين توالت الحروب على جسد الأمة من تتار وصليبيين، لكننا لم نسقط؛ فنهض المماليك، ثم حمل الراية العثمانيون، وظلت راية الإسلام خفاقة حتى تسلل إهمال الناحية الفكرية في حمل الإسلام وزاد البون بين اللغة العربية وهي لغة القرآن وبين القائمين على الحكم وبدأ الانهزام الفكري يطغى على الأمة، وكانت في هذه الأثناء الحملات الصليبية تنخر في جسد الأمة، فأثاروا النعرات النتنة من وطنية وقومية، واستمر الغدر الأوروبي وظهر جلياً في سايكس بيكو، فقسم جسد الأمة، وزرع فينا حكاماً خونة، وتحوّلنا من قادة إلى تابعين، نستجدي من الغرب الذي لا يعرف حتى معنى الوجود، ولا قيمة يحملها في أعماله إلا القيمة المادية.

 

واليوم البعض يجهل تاريخه، فيحتقر نفسه، ويظن العزة في التبعية، والنهضة على موائد الاستعمار بينما عزّنا لا يكون إلا بالإسلام، ومجدنا لا يعود إلا بالخلافة على منهاج النبوة.

 

وعد الله آتٍ، فلا نكن كالمنافقين الذين قالوا: ﴿مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً﴾ بل نقول كما قال الصادقون: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ فاستيقظي يا أمة الإسلام، فأنت أمة العز لا الذل، وأمة الريادة لا التبعية.

نعم نحن أمة عرفت حقيقة الوجود، نحن الأمة التي عرفت لماذا خُلقت، وعرفت إلى أين المصير، فحملت النور إلى العالمين، وأخرجت البشرية من ظلمات الجهل إلى نور التوحيد، نحن الأمة التي أقامت حضارة الإسلام على أساس الوحي، لا على الهوى وفلسفات البشر.

 

كنا قادة الدنيا قروناً، ننشر الحق والعدل والعلم، ثم جاء يوم تفرّق فيه الجمع، وضعفت فيه الهمم، وسُلب سلطاننا بفعل الاستعمار وأدواته، فغابت شمس عزّنا.

 

ولكن، من قرأ التاريخ بإنصاف، يعلم أن هذا الدين لا يموت، وأن هذه الأمة وإن مرضت فإنها لا تموت. فلا تنظر إلى واقع الذل وتظن أنه دائم، ولا تتوهم أن الباطل باقٍ إلى الأبد، بل أمة تربتها تنبت الرجال، الناحية الرعوية ومسؤوليتها تجاه البشر تسري في دمها، قرآنها حي يستنهض هممها ويوجه بوصلتها، فيجب أن تتجه البوصلة اليوم نحو هدف واحد هو استعادة دولة الإسلام دولة الخلافة لاستئناف الحياة الإسلامية لنقوم بالدور المنوط بنا كمسلمين وهو تطبيق رسالة الإسلام في الداخل وحملها للعالم بالدعوة والجهاد قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمؤْمِنِينَ﴾.

 

فهذا وعد الله سبحانه، وصدق الله ورسوله، فاستيقظي يا أمة الإسلام، عودي إلى منهج ربك، واستعيدي قيادتك للعالم، بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مياس المكردي – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل

×
×
  • اضف...