اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

مقالات من المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير - متجدد


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

السّودان: مثال آخر على فشل القومية

(مترجم)

 

وفقاً للقوانين التي تحكم النظام الحالي، لكل أمة الحقّ في اختيار القوانين التي تحكمها، وبالتالي، لكلّ أمة الحق في دولة. أدى هذا المفهوم إلى موجة من الدول الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث انقسمت الدول القائمة، وبالتالي، حدثت الفوضى التي نشهدها اليوم.

 

منذ عام ١٩٤٥، كان هناك ما لا يقلّ عن ٣٤ دولة جديدة اعترفت بها الأمم المتحدة. نتج هذا عن موجة القومية التي اجتاحت العالم في العقود التي تلت منتصف القرن العشرين. رُسمت حدود وهمية لمنح الفصائل المختلفة الاستقلال والحقّ في الحكم، حيث سقطت دول مثل السودان الموحد سابقاً في صراعات واضطرابات.

 

لكن الانقسامات الجديدة لم تحلّ المشاكل القائمة، بل عقّدتها. في حالة السودان، إحدى طرق فهم هذا التعقيد هي النّظر إلى صناعته وقطاعه النفطي. كان قطاع النفط محورياً في الدولة الموحدة، وأصبح العمود الفقري للاقتصادين حديثي التكوين. تكمن المشكلة في أنّ الحدود فكّكت صناعة النفط السودانية المركزية سابقاً. في الدول حديثة التكوين، سيطر الجنوب على معظم حقول النفط، بينما سيطر الشمال على البنية التحتية للتصدير، بما في ذلك خطوط الأنابيب والمصافي. لذا، اعتمد جنوب السودان، الذي أصبح حديثاً غير ساحلي، على خطوط أنابيب السودان المؤدية إلى البحر الأحمر. أدى هذا الانقسام إلى نزاعات حول رسوم العبور، ما أدّى إلى تعطيل صادرات النفط مراراً وتكراراً - وهي صادرات لا تزال كلا الدولتين تعتمدان عليها في اقتصادهما. على سبيل المثال، في عام 2012، أوقفت جنوب السودان إنتاج النفط بسبب هذه الخلافات، وهي خطوة أثّرت بشكل كبير على عائدات كلا الدولتين. وبينما تم التوصل إلى اتفاقيات لاستئناف الصادرات، لا تزال التوترات والصعوبات الاقتصادية قائمة.

 

لذا، منذ عام 2011، ما لدينا هو دولتان منفصلتان تعتمدان بشكل كبير على بعضهما. لديهما الموارد، لكنهما تفتقران إلى التنمية اللازمة لاستغلالها. وهكذا، وعلى الرّغم من وجود حوالي 8 مليارات برميل من النفط فيهما، فإنّهما يعانيان من فقر مدقع.

 

يمكن أن يتغير هذا إذا اتحدت الدولتان واستقرتا. لن يحدث هذا في ظلّ النظام الرأسمالي الحالي. لقد أدى هذا النظام إلى تفاقم الصراعات بين الناس، ثم أعطاهم نظام حكم شجع أفكاراً مثل "البقاء للأصلح"، ما أدى إلى تأجيج التوترات داخلهما وبينهما.

 

لتغيير الوضع في السودان، وضمان استقراره السياسي وقدرته على التنمية الاقتصادية، لا بدّ من إعادته إلى لواء الإسلام. عندها، يُمكن استغلال قطاعه النفطي على النحو الأمثل، وتطوير قطاعه الزراعي، وتوسيع قطاعيه التعديني والصناعي، وتعزيز بنيته التحتية التجارية. وسيتمّ ذلك بتوجيه من الخليفة ومعاونيه الذين يدركون واجبهم في ضمان تنمية المناطق داخل الدولة الإسلامية، واستغلال الموارد، لصالح الأمة الإسلامية. وأنهم سيأثمون إذا تجاهلوا هذه المسؤولية.

 

من الممكن تنمية مساحة السودان، فلديه القدرة على أن يصبح منتجاً ومصدراً رئيسياً للغذاء بفضل أراضيه الزراعية الشاسعة، حوالي 84 مليون هكتار، 20% منها مزروع فقط. ويزرع محاصيل رئيسية، تشمل القطن والفول السوداني وبذور السمسم والذرة الرفيعة والقمح وقصب السكر. كما أنها غنية بالموارد المعدنية مثل الذهب والأسبستوس والكروم والميكا والكاولين والنحاس. ولديها البنية التحتية للعديد من الصناعات الخفيفة مثل المعالجة الزراعية وتجميع الإلكترونيات والبلاستيك وصناعة الأثاث وإنتاج المنسوجات.

 

لديها القدرة على توفير الموارد لبقية البلاد الإسلامية، مع الاستفادة مما تقدمه، نظراً لموقعها الاستراتيجي بين دول الخليج وغرب أفريقيا، ولديها إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر.

 

الميناء البحري الرئيسي في السودان هو بورتسودان، وهو ميناء طبيعي عميق المياه قادر على التعامل مع السفن الكبيرة. كما يدعم أيضاً بضائع متنوعة بما في ذلك الحاويات والبضائع السائبة والنفط. هذا، إلى جانب الموانئ السودانية الأخرى، يوفر للبلاد اتصالاً مباشراً بممرات الشحن الدولية عبر البحر الأحمر. هذا لا يربط السودان بجيرانه الأفارقة فحسب، بل يربطه أيضاً بأسواق الشرق الأوسط بما في ذلك مدينة جدة الساحلية في المملكة العربية السعودية. وهذا مهم لأن جيرانها غير ساحليين وسيحتاجون إلى وصول السودان إلى البحر من أجل التجارة مع بقية البلاد الإسلامية. لا تقتصر هذه الإمكانيات على أفريقيا والشرق الأوسط، بل تمتدّ أيضاً، وربما إلى آسيا وأوروبا والخليج العربي، بفضل موقع السودان الاستراتيجي على البحر الأحمر وقربه من قناة السويس.

 

على الرغم من الاضطرابات الحالية، لا تزال البنية التحتية للبلاد تعمل بكفاية، حيث يُصدر السودان حالياً نفطه الخام إلى الإمارات وماليزيا عبر محطتي بشاير وPLOC البحريتين. تُرسل هذه الصادرات عبر البنية التحتية لموانئ السودان على البحر الأحمر، وتتكون في معظمها من النفط الخام المُنتَج في جنوب السودان.

 

لذا، ثمة إمكانية لأن تصبح المنطقة جزءاً مزدهراً من الدولة الإسلامية. بمجرد إعادة توحيد البلاد الإسلامية، سيتمكن السودان من ممارسة التجارة مع بقية الأمة الإسلامية. وهذا مهم لأن السودان ليس الدولة الوحيدة التي تتمتع بموارد طبيعية تكفي لتلبية العديد من الاحتياجات العالمية اليوم - فقد حظيت أفريقيا بأكملها بهذه الموارد؛ إذ تحتوي القارة على ما يقرب من 30% من احتياطيات المعادن في العالم، بما في ذلك الكوبالت والذهب والبلاتين والنحاس. كما تمتلك ما يقرب من 8% من احتياطيات النفط العالمية وحوالي 12% من احتياطيات الغاز الطبيعي العالمية.

 

إذا نظرنا إلى جيران السودان، فلدينا مصر، الغنية بالغاز الطبيعي والنفط. كما تتمتع بإمكانية الوصول إلى نهر النيل، وهو مورد مائي حيوي. وهناك إريتريا التي تتمتع بموارد معدنية كبيرة، بما في ذلك الذهب والنحاس والبوتاس، وإثيوبيا بإمكانياتها في مجال الطاقة الكهرومائية والأراضي الزراعية والمعادن. ثم هناك جمهورية أفريقيا الوسطى التي تتمتع بالماس والذهب واليورانيوم، وكل من تشاد وليبيا بمواردهما النفطية الكبيرة. على الرغم من كل هذه الثروة والإمكانات، تُعدّ أفريقيا موطناً لبعض أفقر دول العالم. فإلى جانب السودان وجنوب السودان، تعاني بقية الدول من الصراع والموت، وتُنهب مواردها وتُستغل.

 

في ظلّ دولة الخلافة، سيتغير هذا الوضع. ستستأنف الدولة الإسلامية التزامها بتنمية موارد الأرض، حتى نصبح (كأمة) مكتفين ذاتياً، لا نعتمد على الدول المعادية أو نستغلها. هذا أمرٌ أساسي، إذ لا يجوز منح أعداء الإسلام أي ميزة علينا. وكما نرى، من الممكن أيضاً، إذا كان لدينا قائدٌ قادرٌ على توحيد المسلمين في السودان وإخماد حالة عدم الاستقرار والاضطراب الحالية.

 

#أزمة_السودان           #SudanCrisis

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

فاطمة مصعب

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

رابط هذا التعليق
شارك

  • الردود 314
  • Created
  • اخر رد

Top Posters In This Topic

  • صوت الخلافة

    315

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الرد مرة أخرى

على افتراءات الكاتب إبراهيم مليك على حزب التحرير

 

بعد الحملة الضخمة التي قادها حزب التحرير/ ولاية السودان لإفشال مخطط فصل دارفور التزاماً بالحكم الشرعي، الذي يحرم تمزيق بلاد المسلمين، بل حرم الإسلام أن يكون على المسلمين خليفتان، دلالة على وجوب وحدة الأمة، وعظيم الإثم في تفرقها، كما قال النبي ﷺ: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الآخِرَ مِنْهُمَا» أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري، وأخرج مسلم كذلك عن عرفجة بن أسعد عن النبي ﷺ قال: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ»، فقد كان حرياً بالعلماء والأئمة الوقوف بقوة ضد هذا المخطط وتأييد هذه الحملة التي يقودها حزب التحرير ضد انفصال دارفور، وليس السكوت والرضا بالتمزيق والانفصال.

 

ولكن في هذه الأجواء التي في الأصل تدعو إلى وحدة الأمة، وتوحيد مقدراتها يأبى الأخ إبراهيم مليك، إلا أن يكيل الاتهامات لحزب التحرير، وحملته المباركة لإفشال مخطط دارفور بمقالتين؛ الأولى بتاريخ 4/9/2025م، والأخرى بتاريخ 8/9/2025م. وأغلب ما تضمنتاه هو افتراءات لن نرد عليها ولكن نكتفي بما يستحق الإجابة عليه.

 

في البدء إن حزب التحرير هو حزب سياسي مبدؤه الإسلام يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وحمل دعوة الإسلام إلى العالم لإخراج البشرية من ضلالات الكفر إلى نور الإسلام العظيم. ويتبنى حزب التحرير من الثقافة الإسلامية ثروة فكرية راقية في شتى مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، كما يتبنى دستوراً لدولة الخلافة من 191 مادة، تشكل كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها.

 

كما أن للحزب إصدارات تقريبا في كل قضية من قضايا الأمة يبين فيها معالجة الإسلام بالأدلة الشرعية.

 

أما قول الكاتب: (حزب التحرير لا يعترف بأي حكومة قائمة الآن في الدول الإسلامية ويعتبرها أنظمة عميلة للغرب يجب مناهضتها ومحاربتها ليحل مكانها الخلافة الراشدة وهذا يخدم خط الغرب في تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم!)

 

أقول: إن كل متابع لما يدور في بلاد المسلمين، بل كل المسلمين يعلمون علم اليقين أن الأنظمة القائمة في بلادهم لا تطبق الإسلام ولا تقيم أحكامه ولا تراعي حدود الشرع، بل الحكام يتجرؤون صباح مساء بالدعوة إلى العلمانية والديمقراطية وينفذون سياسات أمريكا ويلتقون بقادة يـهود عيانا جهارا نهارا ويتواطؤون معهم ضد الأمة بلا خفاء ولا استحياء. فلا يغفل عن ذلك إلا صاحب غرض أو فاقد البصيرة، فاتباع الحكام للغرب وتنفيذ سياساته بات واضحا لا غشاوة فيه. وكذلك فليعلم الكاتب أن أمة الإسلام أمة واحدة، وليست أمماً، لها قبلة واحدة، وكانت لها دولة واحدة، وراية واحدة، ونظام واحد، فلم يعرف المسلمون مصطلح دول إسلامية إلا في هذا العصر الذي تغيرت فيه مفاهيمهم وأفكارهم.

 

أما الدعوة إلى الخلافة فهي من أوجب واجبات الدين كما سماها العلماء تاج الفروض، ولا قيام للدين إلا بها.

 

فقد جاءت الأدلة الشرعية من القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وإجماع الصحابة، وأقوال أئمة الأمة وعلمائها، تؤكد وجوب الخلافة والحكم بما أنزل الله تعالى، وتحرم إقامة أي حكم بغير الإسلام، قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾ [النساء: 105] وقال سبحانه: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [المائدة: 49]. وجاءت الآيات تؤكد نفي الإيمان عمن لم يحكم بالإسلام، قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [النساء: 65] وجعلت الآيات من لم يحكم بشريعة الله ظالماً أو كافراً أو فاسقاً. قال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: 45].

 

وقد وصف النبي ﷺ نظام الحكم في الإسلام بعده بأنه خلافة، فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي حازم قال: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ، عَنِ النبيِّ ﷺ، قالَ: «كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأنْبِيَاءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وإنَّه لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ، قالوا: فَما تَأْمُرُنَا؟ قالَ: فُوا ببَيْعَةِ الأوَّلِ، فَالأوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فإنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ». بل وصف النبي ﷺ الذي لا يعمل لبيعة شرعية لخليفة بأنه آثم، فما بالك بمن يصد الناس عن دعوة الخلافة؟! يقول النبي ﷺ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

 

أما الصحابة فإنهم اتفقوا جميعا على وجوب الخلافة، وأكبر دليل هو تركهم جثمان النبي ﷺ الطاهر يومين حتى بيعة الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

 

أما أقوال العلماء والأئمة فهي كثيرة منها:

 

قول الإمام القرطبي في تفسيره قول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30] قال: هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع، لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخليفة. ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة إلا ما روي عن الأصم حيث كان عن الشريعة أصم، وكذلك كل من قال بقوله واتبعه على رأيه ومذهبه.

 

ونقل عن الإمام الغزالي قوله: (الديـن أس، والسـلطـان حـارس، ومـا لا أس لـه فمهـدوم، ومـا لا حـارس لـه فـضائـع).

 

وقال الماوردي: إنه (ليس دين زال سلطانه إلا بدلت أحكامه، وطمست أعلامه).

 

وجاء في كتاب السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية لابن تيمية قوله: (يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين؛ بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها)... وهذا على سبيل المثال لا الحصر. فكان حرياً بالكاتب أن يلتزم بالدعوة إلى الخلافة باعتباره مسلماً وباعتبارها واجباً كوجوب الصلاة والصوم، وآثم من لم يعمل لها، فكيف بك أخي الكريم تساوي بين شريعة الله وحكمه وتطلب من حزب التحرير التنازل عنها، ثم تقبل بشريعة الديمقراطية وفصل الدين عن الحياة؟! وكيف تساوي بين خلفاء الأمة الأطهار الأتقياء الأنقياء، بحكام رفضوا شريعة الله وحكمه؟!

 

أما قول الكاتب: (ظهرت تناقضات خطيرة من حزب التحرير ولاية السودان بعد إعلان ما يسمى بحكومة تأسيس الوهمية بإصداره بيان اعترف فيه بحكومة تأسيس واعتبرها أمر واقع وساوى بينها وبين حكومة السودان..) هذا الكلام محض كذب وافتراء وفيه تناقض، فالكاتب أعلاه يقول (الحزب لا يعترف بالحكومات ويعتبرها عميلة) ثم ها هو الآن يقول إن الحزب اعترف بحكومة تأسيس؟! فكأنّ في الأمر محاولة للتجريم والاتهام دون دليل. فيا أخي الكريم تأسيس وقوات الدعم السريع هما صنيعة أمريكية لتنفيذ مخطط فصل دارفور كما فُصل الجنوب، وما أوردناه من بيانات وإصدارات كافية للبيان والتبيان. يعرف ذلك القاصي والداني.

 

أما موقف الحزب من قوات الدعم السريع فهو واضح سطرته البيانات والمواقف والندوات والمنتديات والخطب، فلا يغفل عن ذلك إلا صاحب غرض! فقوات الدعم السريع مليشيا مجرمة تنفذ خطط أمريكا لتقسيم السودان وتمزيقه وتمكين لنفوذ أمريكا وكيان يهود كما اعترف بذلك البشير ووزراء خارجيته وكشفه قادة يهود. وكما اعترف مدير أمن يهود آفي ديختر وذكر في محاضرته أن ما حققوه في الجنوب سيحققونه في دارفور.

 

أما قول الكاتب: (أزمتنا اليوم ليست في بناء خلافة راشدة تعلم جماعة حزب التحرير استحالة تحقيقها في ظل تفرّق الأمة إلى دويلات يكيد بعضها لبعض كما تفعل دولة الإمارات..)

 

ألا يعلم الكاتب أن الخلافة حكم شرعي فرضه تعالى وأوجبه؟ ألا يعلم أن الخلافة وعد من الله تعالى وبشرى رسوله ﷺ؟ فكيف يكون وعد الله مستحيلاً؟! هل هناك مسلم يؤمن بالله رباً وبمحمد ﷺ نبياً ورسولاً يصف وعد الله باستحالة التحقق؟! هل هناك مؤمن يكذّب بشرى النبي ﷺ؟!

 

أما سمع الكاتب حديث البشارة الذي بشر فيه النبي ﷺ الأمة بالخلافة مرة أخرى وأنها راشدة على منهاج النبوة؟ قال النبي ﷺ: «تكونُ النُّبُوَّةُ فيكم ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ خلافةٌ على مِنهاجِ النُّبُوَّةِ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ مُلْكاً عاضّاً، فتكونُ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فيكونُ ما شاء اللهُ أن يكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ خلافةً على مِنهاجِ نُبُوَّةٍ. ثم سكت» رواه النعمان بن بشير، وأخرجه أحمد، والبزار في مسنده، واللفظ لهما، والبيهقي في دلائل النبوة.

 

وقد وعدنا الله تعالى وهو لا يخلف وعده: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾ [النور: 55]

 

وهل الكاتب يعتبر الخلافة دولة الإسلام والمسلمين ووعد الله تعالى (بعيدة عن تطلعات المواطن السوداني الذي يحتاج إلى أمن ومسكن وعلاج وتعليم قبل بناء خلافة راشدة!)؟!

 

والله إنه لأمر عجيب؟!

 

أما قول الكاتب: (حزب التحرير الذى يحارب الأنظمة القائمة)! فهذا محض كذب وافتراء يورد قائله نار جهنم، فحزب التحرير حزب سياسي وليس حركة مسلحة، ولا يتبنى الأعمال المسلحة، وليس لنا فصيل مسلح. وإنما نتبع نهج النبي ﷺ قبل إقامة الدولة في مكة فإنه لم يحمل سلاحاً ولا عصاة لحمل دعوة الإسلام حتى طلب النصرة من أهل القوة والمنعة فنصره الأنصار لإقامة الدولة في المدينة المنورة.

 

أما قوله: (ولا يعترف بحدود جغرافية) فلعلنا نسأل الكاتب إن كان يعلم من الذي صنع هذه الحدود الجغرافية؟ هل هي وحي مقدس؟ أم سنة نبوية؟! أليست هذه الحدود صنعها الكافر المستعمر بعد اتفاقية سايكس بيكو عام 1916م لتمزيق بلاد المسلمين وتفرق وحدتهم؟؟ فكيف تريد منا أن نقدس إرث الاستعمار وجرائمه في الأمة وتمزيقها؟!

 

ومع الأسف أخي الكريم إنها آفة الوسط الإعلامي والسياسي في بلادنا؛ تقديس قوانين ومفاهيم المستعمر وجعلها ديناً، ورفض أحكام الإسلام ومحاربة الخلافة حكم الله سبحانه وبشرى رسوله ﷺ.

 

أما قول الكاتب: (ولو كان الإسلام يبني الأوطان قبل الإنسان لما ترك النبي ﷺ مكة المكرمة أحبّ البقاع إلى نفسه وهاجر إلى المدينة وقد سبقه بالهجرة غيره من الأنبياء...).

 

بهذه الفقرة يعضد الكاتب كفاح ونضال حزب التحرير ضد هذه الحظائر الوطنية التي صنعها الاستعمار باسم الوطن وجعل لها دساتير وأعلاماً غير شرع الله تعالى وغير راية النبي ﷺ حتى تفترق الأمة، فالأصل هو الدين وليس الوطن؛ فأرض الله كلها متاحة ومباحة للإسلام وأهله حسب أحكام الإسلام.

 

أما قولك أخي الكريم: (حزب التحرير ولاية السودان الذي ينشط في الجوانب السياسية بغطاء ديني يعمل على تفريق أهل السودان بدعوى إقامة خلافة راشدة من حيث يدري أو لا يدري)، فهل الدعوة إلى تحكيم الشرع وإقامة الدين بإقامة دولة الخلافة التي أثبتنا أعلاه أنها دين وفرض ووعد من الله سبحانه وبشرى من رسوله ﷺ تفرق المسلمين أم تجمعهم؟!

 

ثم يقول: (حزب التحرير بحاجة إلى مراجعة منهجه وأولوياته ووسائله والاعتراف بالواقع المُعَقّد الذي تمرّ به الدولة السودانية التي ما زال كثير من شعبها يعيش عصر الجاهلية الأولى من عصبيات قبلية وعرقية وجهوية...)، فهل يدعونا الكاتب لترك دعوة الإسلام ودعوة إقامة الخلافة حكم الله وفرضه لنتقزم في دعوة وطنية دنيئة صنعها لنا وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا سايكس وبيكو؟! والآن تخطط أمريكا لتمزيق الممزق عبر مخطط جديد دموي باسم حدود الدم، كما حدث في الجنوب والآن يحدث في دارفور!!

 

ثم يقول الكاتب: (نحن في السودان أولوياتنا في تثبيت أركان وطننا ومعالجة خلافاتنا الداخلية وليس توحيد الأمة الإسلامية بأكملها تحت راية واحدة...). أحسب أن هذا الكلام فيه مخالفة شرعية لا تليق بمسلم؛ أن يترك الحكم الشرعي ويقطع رابط الدين والعقيدة الذي قال الله تعالى فيه: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103]، فحبل الله يا مليك هو الإسلام وليس الوطن... فاتق الله عز وجل أخي الكريم، وارجع إلى رشدك واعمل للحق، ولا يكون الحق إلا بإقامة الدين وتطبيق شرعه، ولا يكون ذلك في دول وطنية صنعها المستعمرون أعداء الإسلام الذين يريدون صد المسلمين عن دينهم وتمزيق بلادهم، وإنما بدولة الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، والآن مخطط دارفور يمضي على قدم وساق فهلا تركتم هذه الدعوى الضيقة ووضعتم أيديكم في أيدينا لنعمل جميعا لإقامتها خلافة راشدة على منهاج النبوة، تفشل مخططات الكافرين وتقيم أحكام رب العالمين وتنتصر للمستضعفين وتوحد أمة النبي ﷺ؟ وإن ذلك لكائن قريبا بإذن الله رب العالمين.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمد جامع أبو أيمن)

مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الجامعة الهادمة

 

في زمن تتفجّر فيه المآسي، واستُبيحت فيه الدماءُ والأعراضُ والمقدَّساتُ، كان المنتظر من جامعة الدول العربية أن تكون ناصراً لقضايا الأمة، وسنداً للمظلوم، وصوتاً يعكس عمق الانتماء للعقيدة والدين والتاريخ المشترك. لكن مع الأسف لم نرَ منها إلا ما يجعلها جديرةً بلقب "الجامعة الهادمة"؛ هادمة المروءة، هادمة الدين، هادمة الكرامة...

 

كيف لمؤسسة يفترضُ فيها أن تمثّل الأُمّةَ أن تُصمّتَ أو تتواطأ، أو تكتفي ببياناتٍ باردةٍ، بينما تتكرّرُ الإبادات وتُرفع راياتُ الصليب والصهيونية فوق أجساد أطفالنا؟! ما يجري اليوم لم يعد مجرد إخفاق سياسي، بل هو خيانةٌ صريحةٌ لأمانة الدين. قال الله تعالى: ﴿وَإِنِ استَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾، فأين النُّصرة؟ وأين قطع العلاقات؟ وأين المقاطعة؟

 

بل على العكس، نشهد تطبيعاً ومواقفَ مخزيةً مع أعداءِ الله، ثم يُطلب منا انتظارُ بيانٍ موحّدٍ من هؤلاء الأنامِ! بيانُهم لا يُسمن ولا يغني من جوع؛ لأنه لا ينبع من عقيدةٍ ولا من خوفٍ من الله، بل من حسابات العروش، ورضا المستعمر، وحماية المصالح.

 

مَن يخذل دينَه يخذله الله. وحين يتخلّى الحكّام عن شرع الله ونصرة المستضعفين، فلا خيرَ يُرتجى منهم، ولا عِزَّةَ تُنتظرُ على أيديهم. فالهادمون لا يقيمون بناءً؛ فالجامعة باتت اليوم تُغطّي على خيانة الأنظمة، وتمنح الشرعية للصمت والخذلان. لقد جعلونا شعوباً متفرّقةً وأنظمةً متصارعةً على الخضوع والاستسلام.

 

أيها المسلمون، لا تعولوا على الجامعة الهادمة؛ فالموقف اليوم هو موقفُ شعوبٍ حيةٍ وقلوبٍ مؤمنةٍ تُدركُ أن الله هو الناصر والمعين، لا مجلسَ الأمن ولا الجامعةَ العربية. لا بدّ لهذا الليل أن ينجلي، وسيحاسب التاريخ، بل قبل ذلك الله سبحانه، كل من يقف متفرّجاً على دماء المسلمين وهي تُراق وهو يملك القرار ولم يتخذه: صوتاً يرفعه أو سيفاً يضرب به.

 

التاريخ لا يرحم، والدين لا يسكت، والله لا يغفل. سكوتُ الجامعة الهادمة عن الحقّ وتخاذلُ حكّامها عن نصرة إخوتنا المستضعفين سيُكتب في صحائفهم: إنهم باعوا القدس، وتخلّوا عن غزة، وصمتوا على المجازر، وساهموا في وأدِ الأمة تحت ستار الشرعية والمصالح الوطنية.

 

لكننا أبناء هذه الأمة، أبناء "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"؛ من خان سيُحاكم غداً وإن طال الزمان. الأمة وإن مرضت فهي لا تموت: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.

 

لتسقط بياناتُهم، ولتُكسر قممُهم، ليُكتب على جدرانِ الأمة بحروفٍ من نار: إنْ خَذَلَنا الحكّامُ فلنُخَذِلْ الخذلانَ، ولنقم بواجبنا نحن المسلمين؛ لا نُساوم على دمٍ ولا على عقيدةٍ ولا على كرامةٍ.

 

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

خدعة مبادرة ترامب: الخروج من ورطة غزة بسحق النظام الإيراني

إعادة ترتيب الأولويات مع المحافظة على الأهداف

 

 

دعا الرئيس الأمريكي ترامب ثمانية من حكام المسلمين إلى اجتماع في 23 أيلول 2025 في قاعة الاجتماعات الخاصة به في مقر الأمم المتحدة لبحث وقف الحرب في غزة. وصدر عن الاجتماع بيان ختامي من 7 بنود أهمها وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح أسرى يهود، وإدخال المساعدات، والإعمار، ورفض التهجير القسري، ودعم السلطة الفلسطينية، وأن لا يكون أي دور لحماس في غزة. ووصف ترامب هذا الاجتماع بقوله: "كان اجتماعي مع قادة عرب ومسلمين بشأن غزة عظيماً، هذا أهم اجتماع أعقده لأننا سننهي شيئاً كان من المفترض ألا يحدث".

 

إن مثل هذا الخبر، على إيجازه، مليءٌ بالطامات التي يعسُرُ تعدادها، لكثرة مخازيها، سواء لما فيها من ضلال عقول وسفاهة أفهام، أو من انحطاط نفوس واستمراء ذل. اختار ترامب حكام تركيا ومصر وباكستان وإندونيسيا والسعودية والأردن وقطر والإمارات ودعاهم للاجتماع فامتثلوا. ولماذا دعاهم؟ لبحث وقف الحرب على غزة! وكأنه حَكَمٌ عَدْلٌ يريد السلام فعلاً! وقد تبجح بأنه رجل سلام ورجل إيقاف الحروب، وأنه يريد إيقاف الحرب على غزة، وأن حماس هي التي ترفض ذلك، وسبق أن رفضت كل مبادراته لوقفها. وهم ينصتون إنصات مُقِرٍّ ذليل، مع أن العالم كله يعرف أنه هو وإدارته ودولته يقفون خلف كل المجازر في غزة، ويُسقطون كل مبادرات ومشاريع وقف الحرب في مجلس الأمن وغيره.

 

لم يعد خافياً أن الحرب على غزة هي حرب أمريكا، فهي تدعمها بكل ما تستطيع. وهي تقف خلف كيان يهود في كل اعتداءاته على اليمن ولبنان وإيران وسوريا وقطر. وكل ما تدعيه خلافَ ذلك كذب وخداع. ومن الطامات أنها تكرر خداعها بالأكاذيب نفسها وبالوعود ذاتها، ويستجيب هؤلاء وأضرابهم، فيركعون أمام ترامب ومبعوثيه خوفاً وطمعاً، يستجدون تدخله للضغط على نتنياهو والحد من تجاوزاته. وهما في الواقع على أتم انسجام وتوافق على ما يسمونه الشرق الأوسط الجديد.

 

ومن جهة أخرى، يظهر سؤال هنا: لماذا هذا التحول عند ترامب لوقف الحرب على غزة، والتقدم بمبادرة خالية من بند القضاء على حماس، بخلاف كل المبادرات السابقة من بداية الحرب إلى اليوم؟

 

ومهما تعددت الآراء في هذا التحول، فهو لا يخلو من المخادعة. وأقرب المداخل لفهم هذا التحول، أن هذا الاجتماع جاء على هامش مؤتمر الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي جاءت كلمات معظم الدول فيها ضد كيان يهود ومجازره وداعميه في غزة والمنطقة، أي على الولايات المتحدة وترامب. وقد تولت أوروبا هذا التوجه منذ أكثر من سنة، وتجلت قيادة فرنسا له، وبادرت مع السعودية إلى عقد هذا المؤتمر في 22 أيلول 2025، بهدف تكريس حل الدولتين ومقتضياته. فشكّل هذا المؤتمر والمواقف الدولية والشعبية في العالم ضد مجازر يهود ضغطاً على أمريكا، دفَعَها لإعادة النظر في خططه. ولكن هل كانت هذه الضغوط كافية لتعدِّل أمريكا سياستها في غزة؟ في الواقع هي لا تكفي. فالاعتراضات على مجازر يهود ومواقف أمريكا، ومحاولات وقف الحرب ليست مستجِدَّة، ولكنها لم تكن لتؤثر لولا عوامل أخرى.

 

من هذه العوامل اجتماع كلمة أوروبا تقريباً وبدء اتخاذها إجراءات متتابعة ضد كيان يهود، ووقوفها في مواجهة سياسة أمريكا في غزة والضفة الغربية. ومنها أيضاً الأسطول الضخم المتوجه لفك الحصار على غزة، والمدعوم من دول أوروبا.

 

ومنها استياء الدول العربية وغيرها في المنطقة، وخوفها من سياسة أمريكا بعدما ترجح أنها غير جادة في موضوع حل الدولتين، وأن استراتيجيتها للمنطقة (الشرق الأوسط الجديد) ليس فيها اعتبار لهذا الحل، وفيها بدل ذلك إطلاق يد كيان يهود ليكون شرطي المنطقة والحاكم فيها بأمر أمريكا، الأمر الذي تأكد عملياً بعد ضربة يهود للدوحة، وأرعب كل حكام المنطقة من أمريكا وهذا الكيان الفاجر. وقد كان لهذه الضربة تداعيات واسعة دولياً، منها القمة العربية الإسلامية في الدوحة في 15 أيلول 2025، والتي نبَّهت أمريكا إلى أن سياستها متسرعة، وتدفع المنطقة، عاجلاً أو آجلاً، إلى البحث عن خيارات بديلة، وإن كان بالخفاء وعلى وَجَل.

 

ومن العوامل المهمة والتي قد تكون حاسمة فشلُ أمريكا وكيان يهود في غزة. فقد مضى على هذا الهجوم سنتان من غير طائل، بل ازداد جيش يهود بسببه ضعفاً وعجزاً. وهو لا يحقق على الأرض سوى الفظائع التي تثير العالم ضد كيانهم وضد أمريكا.

 

فهذه العوامل كفيلة بأن تدفع الولايات المتحدة لإعادة النظر في استراتيجيتها وتعديل ما لا يناسب منها. ويمكن القول إن موقف أوروبا المتصاعد في معارضة سياسة أمريكا في غزة، إضافة إلى الصدمة التي أصابت دول المنطقة والبلاد الإسلامية، سرَّعت الذهاب إلى هذا التحول.

 

أما ما هو التحوُّل، فيتبيّن من تتبع مبادرات أمريكا السابقة، والتي يقول الأمريكيون إنها بلغت 27 مبادرة، فقد كانت كلها تنص على القضاء على حماس، ما يعني موت المبادرة قبل ولادتها، وهو مراد أمريكا ويهود. أما المبادرة المذكورة الآن، فهي خالية من هذا البند. وهذا يعني احتمال جدية أمريكا، وليس ضمان نجاحها.

 

وهنا ينشأ تساؤل، هل فعلاً تريد أمريكا إنهاء الحرب في غزة، مع أن هذا إعلان فشل لها ولكيان يهود، وتخلٍّ عن خطتهما لغزة، ومآله الذهاب إلى حل الدولتين؟ والجواب: كلا، ليس في هذا التحول والتوجه دلالة على ذلك، والأمر الطبيعي أن ما تريده هو تعديل في الخطط بسبب التعثر، مع المحافظة على الأهداف المُقرَّرة.

 

وقد ظهر ما يشير إلى الخطة البديلة المحتملة، في مقابلة المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس برّاك في قناة سكاي نيوز في 22 أيلول 2025، youtube.com/watch؟v=Yppp_DKa0sw. فقد قال فيها إنّ حكومة لبنان فشلت في سحب سلاح حزب الله، ولم يبقَ إلا أن يتكفل كيان يهود بهذا الأمر، والوضع في لبنان وغزة معقد، ولا سبيل للحل في المنطقة العربية والإسلامية إلا بالقوة، لأنه لا قابلية في المنطقة لتقبل الخضوع لهيمنة أمريكا أو التسليم لإرادتها. وقد بالغ بشكل دل على نكد بسبب فشله، وقال إنه لا يوجد في قاموسهم تعبير (خضوع)، لذلك يجب إخضاعهم بالقوة، وذلك بقطع رأس الأفعى، أي إيران. فقال: "حزب الله هو عدونا، وإيران هي عدونا، ونحن بحاجة إلى قطع رؤوس هؤلاء الثعابين، وقطع تدفق الأموال، وهذه هي الطريقة الوحيدة لإيقاف حزب الله". ورداً على سؤال إن كانت هناك حاجة لضربة حاسمة أخرى ضد إيران لقطع رأس الأفعى؟ قال: "هذا النظام بارع جداً في تأجيل الأمور والانتظار، لأنه يظن أن أوباما سيعود... يبدو أن إسرائيل تسير نحو حل المشكلة بأكملها، والمشكلة هي غزة. أتصور أن السيطرة على غزة، والسيطرة على حزب الله، والسيطرة على الحوثيين لن تكون مجدية إذا لم تتم السيطرة على النظام الإيراني".

 

وقد يفسِّر كلام توم برّاك هذا، التنازلات التي يقدمها ترامب بشأن غزة، بأنها مؤقتة لجمع الإمكانات وتوجيهها نحو رأس الأفعى. وبعد ذلك يرجعون لنقض الاتفاقات وتحقيق الأهداف في غزة ولبنان واليمن وغيرها، وفرض مشروع الشرق الأوسط الجديد. ومع أن هذا الأمر دونه خرط القتاد، فيبدو أنه صار حاجةً ملحة لأمريكا، بسبب صعود المنافسين وتكاثر المآزق واستمرار الفشل وانسداد المخارج، وقبل كل ما تقدّم استعصاء الإسلام السياسي.

 

﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمود عبد الهادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

"ثورة 21 سبتمبر" في اليمن

عندما يُغطى الظلم بشعارات زائفة!

 

ثورة 21 سبتمبر ليست فتحاً ولا تحريراً، بل إعادة إنتاجٍ لحلقة جديدة من التبعية، ومعاناة جديدة للرعية، تحت شعارات براقة تخفي واقعاً من المخالفات الشرعية والانتهاكات الظاهرة، والضيق المستمر على الناس في دينهم ومعاشهم.

 

لم تكن هذه الثورة التي ملأت شوارع صنعاء صراخاً، ثورةً تردّ الحق إلى أهله، ولا قيادةً تُقيم العدل، ولا سلطةً تطبّق شرع الله. بل كانت انتقالاً من يد استعمار إلى يد استعمار آخر، ومن ظلمٍ معلن إلى ظلمٍ باسم الدين والمذهب، حتى خنقوا الناس بأثقال لم يحمّلهم الله سبحانه إياها.

 

أي ثورة هذه؟ لقد صدعوا رؤوسنا عن هذه الثورة، وفي الحقيقة هي ثورة قطعت الرواتب، ونهبت الأموال، وفرضت الجبايات، وأكلت الزكاة في غير مصارفها، وصادرت حقوق الضعفاء، وأطلقت يد الجهلة على رقاب الناس. قال رسول الله ﷺ: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ».

 

فهل من شقّ على الأمة غير هؤلاء؟ هل من ضيّق على الناس معيشتهم أكثر ممن جعل سعر الوقود، والدقيق، والكهرباء، والتعليم، والدواء، كل ذلك تجارة باسم "الصمود"؟! وفرضوا الضرائب والجمارك...

 

لقد استبدلوا بواجبات الدولة واجبات الناس، فلا دولة تُعطي، ولا حاكمٌ يرعى، ولا سلطانٌ يحكم بما أنزل الله. فالزكاة أكلوها؛ زكاة الفطر والمال والحبوب والأنعام، أصبحت في صناديقهم، تُصرف في بطون جماعتهم، وتُمنع عن الفقراء الحقيقيين، ويُحاسب عليها الناس حساب المُدان، ويُطارد بها المساكين وكأنهم يسرقون من الدولة، بينما الشريعة تقول: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ...﴾، ولم تقل توزع على قيادة الدولة الذين يتحولون لسوط يجلد الناس.

 

الصمت على الجوع خيانة، لا صبر!

 

يريدون من الناس أن يُصفقوا للضيق، أن يتعبدوا بمدح الفقر، أن يعتبروا الذل بطولة!! ولكن الإسلام لم يجعل الفقر فضيلة، بل جعل الغنى وسيلة للعطاء، وجعل الدولة مسؤولة عن حاجات الرعية، لا ترفع عنهم يدها وتضعها في جيوبهم!

 

حكم بغير ما أنزل الله وتديّن مغشوش

 

يتكلمون عن المولد، ويخنقون من ينادي بالخلافة! يرفعون شعار "الصرخة"، ويصمتون عن حدود الله المعطلة! يملؤون الجدران بالآيات، ويتركونها بلا تطبيق! قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ فبأي شرعٍ يحكمون؟ وفي أي دينٍ يرضى الناس بالبطش والجوع والتمييز الطبقي باسم آل البيت؟

 

الثورة الحقيقية هي على الطغاة لا بهم

 

الثورة الحقيقية هي الثورة على أنظمة الكفر، على الحدود التي مزّقها سايكس وبيكو، على العملاء الذين باعوا الأمة شرقاً وغرباً. أما ما نراه اليوم فهو إعادة إنتاج لهيمنة أمريكية عبر وسطاء إيرانيين ظاهرين ومن آل سعود متسترين، وسلطات تسلطت باسم الدين، وهي منه براء.

 

وفي الأخير أقول: يا أهل اليمن، يا أهل الإيمان والحكمة: إن ما نعيشه اليوم ليس قدراً مقدوراً، ولا عدواً خارجياً فقط، بل هو خيانة داخلية باسم الثورة والدين.

 

والحل ليس في تغيير الشعارات، بل هو في إقامة دولة الخلافة الراشدة التي تطبق الإسلام حقاً، وتعطي كل ذي حقٍ حقه، وتحكم بشرع الله، لا بشرع السلالة والولاء الإقليمي، فكل الثورات التي قامت في بلاد المسلمين ومنها اليمن سواء 26 سبتمبر أو 21 منه أو غيرهما لم تنهض الأمة ولم تحمل مشروعا صافيا نقيا مستمدا من كتاب الله وسنة رسوله بل حكمت بالعلمانية، ساء ما يفعلون!

 

إن نهضة الأمة الحقيقية لم تأتِ بعد، وستكون بإذن الله على منهاج النبوة، لا على خطا الغرب الكافر فاحذروا أن تُخدعوا مرّتين!

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد المحمود العامري – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

انكشاف الكذبة الكبرى

الرأسمالية بين الوهم والحقيقة

 

الحقيقة الدامغة أن العالم كله يكتشف الآن قضية الكذب عند حكام الغرب، وعلى رأسهم أمريكا. فهل اكتشافهم الآن لهذه الحقيقة دلالة على الغباء؟ أم أن ما عاشوه من كذبة في مفهومهم الديمقراطي وحرياته كان هو السبب لعدم فهم مبدئهم؟ هل حقيقة أن ترامب يكذب أم يتوهم أنه يكذب؟ وما هو المقياس والميزان الذي يجب أن يُحدَّد به الكذب من الصدق؟ وهل كانت أمريكا وأوروبا وزعماء العالم صادقين مع أنفسهم وشعوبهم والعالم منذ نشأة المبدأ الرأسمالي وتسيُّده على الكرة الأرضية؟

 

حول هذه التساؤلات يجب أن تدور الاستفسارات والبحوث والطروحات والإجابات؛ لأن الزعماء في العالم محكومون لأنظمتهم وقوانينهم ومبادئهم التي تُشرِّعها مجالسهم التشريعية وحكوماتهم على مدى العقود التي مضت، والبقية من عمر المبدأ الذي بقي. وما هو الحل إذا كانت هناك معضلة الكذب المشار إليها؟ وهل الكذب مُباح أو مشروع في مبدئهم؟

 

منذ بداية القرن الثامن عشر، استولى المبدأ الرأسمالي على أجزاء كبيرة من الكرة الأرضية. وعقيدة هذا المبدأ هي: "دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر"، ما يعني أن من أراد الإيمان بالله فعليه حصر ذلك في ذاته، فهو يخص المؤمن بوجود الله وعظمته وهويته وملكوته، ولا يجوز التصرف في الحياة والعمل بها بناءً على هذا الفهم. والتصرف بالحياة عملاً وممارسةً مرده إلى آلهة الأرض (قيصر) ومجالسه التشريعية.

 

إذاً، مفهوم العقيدة الرأسمالية وعلمانيتها هو فصل الدين عن الحياة، فالدين محصور بذات الشخص والكنيسة، ولا علاقة له بتصرفات الأفراد والمجتمعات والدول، حتى وإن تمّت الإشارة للدين في النصوص التشريعية، فهو لذر الرماد في العيون والضحك على الذقون، واستخفاف بالعقول. وهذه القاعدة ترسِّخ مفهوم الكذب والنفاق عند الخاصة والعامة؛ لأن سياسة هذا المبدأ بالمجمل معنىً ومفهوماً أن السياسة هي "فن الكذب".

 

هذا التضليل الإعلامي جعل الأكاديميين والسياسيين والمفكرين والعوام يعيشون الكذبة الكبرى وهو المبدأ، دون التفكر بمعناه ومبناه ومفهومه، وأن هذا المبدأ بتدليسه على الشعوب وما يطرحه من قيم (الحريات، الطفل، المرأة، الحيوان، الشذوذ، والديمقراطية...) وإنشاء منظمات ومؤسسات لها وإنفاق المليارات لترويجها وشراء الذمم من خلالها، ما هو إلا للطمس على العقول ومنعها من التوقف والتأمل والتفكير ولو لبرهة صغيرة بالمبدأ ومخرجاته. ولذلك، كل من سلط الضوء أو حاول التفكير كان إما أن يُطمس أو يُهمَّش أو يُسجن أو يُقتل أو يُشرَّد في أصقاع الأرض.

 

إن المبدأ الرأسمالي بأكذوبته الكبرى استكبر وافترى وتمدد وساح في الأرض، وأصبح هو الإله الذي يُعبد من دون الله، فهو المُشرِّع وبيده صولجان الحكم وسيف القهر، والناس تبع لملوكهم وأديان ملوكهم بذلك.

 

إن المدقق في تصريحات الحكام والأنظمة والأكاديميين والسياسيين على مدار القرنين الماضيين سيجد أنها كلها كانت قائمة على كذبة: الحربين العالميتين الأولى والثانية، وإلقاء قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، واحتلال فيتنام وأفغانستان والعراق، وضرب ليبيا وإيران، واحتلال فلسطين وإقامة الكيان المسخ عليها، وما صاحب ذلك من تصريحات ومؤتمرات واجتماعات في الأمم المتحدة التي قامت وما زالت قائمة على أكبر أكذوبة في التاريخ (تحرر الشعوب وتقرير المصير وعدم التدخل في شؤون الدول وعدم الاعتداء فيما بينها أو من قوى أكبر منها)، ومشروع "الحرب على الإرهاب". أكذوبة كبرى وأكاذيب لا حصر لها تفوق الخيال والتصور.

 

كشف هذه الأكذوبة عن عقول الشعوب والأكاديميين والسياسيين والمفكرين لا بد أن يكون بحجمها، فكانت عملية طوفان الأقصى. هم يمكرون ومكرهم عظيم ولكن مكر الله أعظم من مكرهم لأن مكرهم عند الله، وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، قال تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾. فهذا الحدث كشف للناس مفهوم المبدأ والكذبة الكبرى أن العالم الغربي بُني على كذبة تم تسويقها بالحديد والنار والصراع والاستعمار على أنها الحقيقة.

 

إن ما يجري في غزة والضفة في هذا الوقت ومنذ سنتين ليس حدثاً طبيعياً ولا بشرياً، والبشر الذين بدأوه كانوا أسباباً وظيفتهم تفجير الصاعق، أما شدة الانفجار ومدى وصوله وأثره، فهي للمدبر الحكيم العليم.

 

وبالنظر إلى الافتراق العالمي بين مؤيد ومعارض لما يجري، نجد أن كفة التأييد في تصاعد صاروخي ومُدَوٍّ، وأن اصطفاف العالم إلى فرقتين، فرقة تنحاز للحق والحقيقة، وفرقة تنحاز للباطل وكَذِبِهِ، يُشير إلى أن الله سبحانه وتعالى أراد من ذلك التمايز بين الحق والباطل، ثم إن معسكر الباطل سيبدأ بالتفسخ شيئاً فشيئاً، ﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سالم أبو سبيتان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾

 

 

لقد بلغت وقاحة الجولاني المدى!! فما عاد يستحي من الله ولا من رسوله ولا من المؤمنين، بل يتفاخر بظلم وسجن أصحاب كلمة الحق، ويقدم ذلك هدية على أعتاب أمريكا وسيدها المتغطرس!

 

يستأسد على أصحاب كلمة الحق، لا لشيء إلا أن يقولوا ربنا الله، ويدافعوا عن ثورتهم المجيدة التي انطلقت باسم الله، فكان شعارها (هي لله، هي لله).

 

ولطالما حذر هؤلاء المخلصون للواء الله، الأمة من الالتفاف على ثورتها المجيدة وإجهاضها، فكانوا خنجراً في وجه المشاريع الغربية الخبيثة التي أرادت حرف مسار ثورتهم، فكانوا صوتاً صادحا بالحق، لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يلتفت إلى منصب أو جاه، أو مال سياسي قذر، أو أي تهديد أو إغراء.

 

واليوم يحاكم هؤلاء الأشراف الصادعون بالحق، بأحكام جائرة وظالمة، وحبس يتراوح بين ثماني إلى عشر سنوات، لا لذنب ارتكبوه، بل لأنهم طالبوا بإسقاط نظام بشار وبفتح الجبهات لمحاربته، وطالبوا بعدم الصلح معه، وقالوا كلمة حق فضحت مؤامرة الجولاني وزبانيته، وأيقظت الوعي في نفوس الناس، فما كان من الجولاني وزبانيته الظلمة الجائرين، إلا إصدار أحكام جائرة بمحكمة ظالمة، فيها القاضي ملثم، ومحامي الدفاع ملثم، يخافون أن يفتضح أمرهم بين الناس، ولا يخافون الله الواحد الديان!

 

أيعفى عن الشبيحة والمجرمين، ويبقى الصادحون بالحق وراء قضبان سجون الظالمين؟! وعند الله تجتمع الخصوم!

 

يا أهل الشام الكرام، يا من قدمتم دماء أكثر من مليون شـهيد في سبيل تحكيم شرع ربكم، إياكم أن تجعلوا دماء أبنائكم الزكية، ممرا لمشاريع أمريكا ويهود الخيانية.

 

إننا ندعوكم ونشد على أيديكم للوقوف في وجه الجولاني ومشاريعه التطبيعية المذلة، وندعوكم للصدع بالحق، وأن ترفعوا صوتكم لرفع الظلم عن إخوانكم، والوقوف وقفة عز وشرف تسجل لكم عند بارئكم في رفض المشاريع الخيانية العلمانية، وإكمال ثورتكم المجيدة حتى يحكم شرع الله وحده، بعيدا عن التدخلات الأجنبية التي لا تضمر إلا الشر والبلية للإسلام والمسلمين.

 

وللجولاني وزبانيته، إنا لنبشركم بعذاب الله وغضبه وسخطه في الدنيا والآخرة، ونذكركم بقول النبي الكريم ﷺ: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ».

 

فأذنوا بحرب من الله ومن أولياء الله، فظلمكم لن يزيد شباب حزب التحرير إلا جرأة وصدعا بالحق، حتى يظهر دين الله على الدين كله وهم على ذلك.

 

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

منال حسين – الأرض المباركة (فلسطين)

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الهيمنة الناعمة ومعاناة الشعوب من السودان إلى ليبيا

 

في زحمة الأحداث المتسارعة التي تعصف بمنطقتنا العربية، يبرز مشهد مؤلم من التدخلات الخارجية والقرارات الدولية التي تُفرض من وراء البحار، من دون اعتبار لإرادة الشعوب أو لحقها المشروع في تقرير مصيرها، لتكون دماء أبنائها ثمناً لصراعات دولية وإقليمية.

 

السودان وليبيا ليسا سوى مثالين صارخين على هذا الواقع المختل، الذي تحوّلت فيه الدول إلى ساحات نفوذ، وأدوات ضغط، وصناديق بريد لتبادل الرسائل بين القوى الكبرى.

 

فهذا السودان بلد منهك، تُصنع قراراته في الخارج منذ اندلاع الأزمة فيه. لم تكن أمريكا بعيدة عن المشهد، بل كانت حاضرة بكل أدواتها: من التصريحات النارية، إلى العقوبات الانتقائية، إلى محاولات تشكيل خارطة السياسة وفق رؤاها ومصالحها. وها هي اليوم تلوّح بعقوبات على شخصيات سياسية سودانية بحجة عرقلة التحوّل الديمقراطي، بينما تغضّ الطرف عن أطراف أخرى متورطة في الصراع ذاته، لكن مواقفها أقرب إلى خدمة المصالح الأمريكية. فهل هي حقّاً جادّة في تحقيق حياة نزيهة في السودان؟ أم أنها تختار مَن تُعاقب ومَن تُسامح بحسب ما يوافق مصالحها، تحت شعار مساعدة الشعب السوداني من أجل الاستقرار؟

 

وفي ليبيا يتكرّر المشهد بصورة أخرى. فمنذ سنوات يعاني الشعب الليبي من انقسام سياسي وتدخلات دولية مزمنة، ومع ذلك تُصرّ أمريكا على دعم حكومة الدبيبة، رغم انعدام القبول الشعبي الحقيقي لها. وهكذا تتحوّل الشرعية إلى مفهوم يُمنح أو يُسحب بحسب الموقف الأمريكي.

 

مع الأسف، ما نشهده اليوم هو "هيمنة ناعمة" تمارسها القوى الكبرى عبر أدوات متعددة من خلال العقوبات الاقتصادية، أو الضغوط السياسية. إنها أدوات حديثة للاستعمار، أشدّ وجعاً مما تفعله الجيوش، لأنها تضرب العمق في السيادة والكرامة والقرار.

 

وفي خضم هذا التدافع الدولي، تقف الشعوب في السودان وليبيا وتونس واليمن وسوريا، في طابور طويل من المعاناة؛ جوع، نزوح، وغياب أفق، بينما القوى الكبرى تتصارع على النفوذ، وتوزّع الولاءات، وتبرم الصفقات.

 

لكن يبقى السؤال الأهم: ما هو الخلاص من هذه الهيمنة؟

 

أقول: ليس أمام هذه الشعوب خيار سوى استعادة زمام أمرها، وعليها أن ترفض أن تكون مجرد أدوات على رقعة شطرنج الكبار. لذلك فإن طريق الخلاص يبدأ حين تستعيد الأمة وعيها، وتحيي في وجدانها قيم العزة والسيادة والكرامة. والتاريخ يعلّمنا أن الأمم التي أرادت الحياة انتصرت رغم جبروت المحتل. فهل آن الأوان أن نقول: كفى؟ هل آن الأوان أن نكتب مصيرنا بأيدينا لا بأقلام غيرنا؟

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

شرف الصحبة مع أبي أسامة، أحمد بكر (هزيم) رحمه الله

 

 

في صبيحة الثاني والعشرين من ربيع الأول 1447 هجرية الموافق الرابع عشر من أيلول 2025م، وعن عمر ناهز سبعة وثمانين عاما، انتقل إلى جوار ربه أحمد بكر (هزيم)، من الرعيل الأول في حزب التحرير. حمل الدعوة سنوات طويلة وتحمل في سبيلها السجن الطويل والتعذيب الشديد فما لان ولا ضعف ولا غيّر ولا بدّل بفضل الله وعونه.

 

أمضى في سوريا في الثمانينات أيام حكم المقبور حافظ سنوات طويلة متخفيا حتى اعتقل مع ثلة من شباب حزب التحرير على يد المخابرات الجوية سنة 1991م، ليلاقي أشد أنواع التعذيب بإشراف المجرمين علي مملوك وجميل حسن، حيث أخبرني من دخل غرفة التحقيق بعد جولة من التحقيق مع أبي أسامة وبعض رفاقه أنه شاهد بعض قطع اللحم المتطايرة والدماء على جدران غرفة التحقيق.

 

وبعد أكثر من سنة في زنازين فرع المخابرات الجوية في المزة، تمّ تحويله مع بقية زملائه إلى سجن صيدنايا ليحكم عليه بعدها بعشر سنوات، قضى منها سبع سنوات صابرا محتسبا ثم منّ الله عليه بالفرج.

 

بعد خروجه من السجن واصل حمل الدعوة مباشرة واستمر حتى بدأت اعتقالات شباب الحزب التي شملت المئات في سوريا في منتصف شهر 12 عام 1999م، حيث دوهم بيته في بيروت واختطف لينقل إلى فرع المخابرات الجوية في مطار المزة، لتبدأ مرحلة جديدة من التعذيب الرهيب. وكان رغم كبر سنه بعون الله صابرا ثابتا محتسبا.

 

انتقل بعد ما يقرب السنة إلى سجن صيدنايا من جديد، ليحاكم في محكمة أمن الدولة، ويحكم فيما بعد مدة عشر سنوات كتب الله له أن يمضي منها ما يقرب من ثماني سنوات ثم منّ الله عليه بالفرج.

 

قضيت معه عام 2001م سنة كاملة في سجن صيدنايا بل كنت فيها إلى جانبه تماما في المهجع الخامس (أ) يسار الطابق الثالث، كنت أناديه عمي العزيز.

كنا نأكل معا وننام إلى جانب بعض ونتدارس الثقافة والأفكار. منه اكتسبنا الثقافة ومنه كنا نتعلم الصبر والثبات.

 

كان سمحا محبا للناس حريصا على الشباب يزرع فيهم الثقة بالنصر وبقرب تحقق وعد الله.

 

كان حافظا لكتاب الله وكان يقرأه كل يوم وليلة وكان يقوم أغلب الليل فإذا اقترب الفجر هزني ليوقظني لصلاة القيام ثم لصلاة الفجر.

 

خرجت من السجن ثم عدت إليه سنة 2004م، ونقلنا إلى سجن صيدنايا من جديد بدايات 2005م، لنلتقي من جديد بمن بقوا في السجن عند خروجنا للمرة الأولى نهاية 2001م، وكان منهم العم العزيز أبو أسامة أحمد بكر (هزيم) رحمه الله.

 

كنا نتمشى لفترات طويلة أمام المهاجع لننسى معه جدران السجن وقضبان الحديد وفراق الأهل والأحبة، كيف لا وهو الذي أمضى سنوات طوالاً في السجن ولاقى ما لاقى!

 

ورغم قربي منه وصحبتي له فترات طويلة لم أره يتذمر أو يشتكي أبدا وكأنه ليس في سجن بل يحلق خارج أسوار السجن؛ يحلّق مع القرآن الذي يتلوه في معظم أوقاته، يحلّق بجناحي الثقة بوعد الله وبشرى رسوله ﷺ بالنصر والتمكين.

كنا في أحلك الظروف وأشدها قسوة نتطلع إلى يوم النصر الكبير يوم تتحقق بشرى رسولنا ﷺ «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ». كنا نتشوق إلى الاجتماع تحت ظل الخلافة وراية العقاب خفاقة. ولكن قضى الله أن ترحل من دار الشقاء إلى دار الخلد والبقاء.

 

نسأل الله أن تكون في الفردوس الأعلى ولا نزكي على الله أحدا.

 

عمنا العزيز أبا أسامة:

 

نسأل الله أن يتغمدك بواسع رحمته وأن يسكنك فسيح جناته وأن يجعلك مع الصديقين والشهداء، وأن يجزيك عما لاقيت من أذى وعذاب الدرجات العلا في الجنة، ونسأله عز وجل أن يجمعنا بك على الحوض مع رسولنا ﷺ وفي مستقر رحمته.

 

عزاؤنا أنك تفد على أرحم الرحمين ولا نقول إلا ما يرضي الله، إنا لله وإنا إليه راجعون.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أبو صطيف جيجو

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مسرحيةُ الاعترافِ بدولةِ فلسطين

 

ها هوَ العالمُ ينهض، أو هكذا يظن، ويصفق بحرارةٍ لقرارِ الاعترافِ بدولةِ فلسطين وفقَ حلٍّ للدولتين.

 

إنها الطبخةُ الأمريكيّةُ التي نضجت على نارٍ هادئة، قُدّمت للعالمِ كوجهِ سلامٍ؛ أبطالُها حكامُ السعودية، بينما الواقعُ لم يكن سوى علبةِ مسكّناتٍ "ماركة واشنطن".

 

السعوديةُ، بوقارها الرسمي، أدّت دورَ الميسّر لتقولَ للعالم ها نحن نقدّم المبادرةَ ونُتيحُها.

 

أما الإنجليزُ فقد سبقهم التاريخ حين أتى بهذا الكيانُ المشوَّهُ، مدعوماً بمشروعِ دولةٍ واحدةٍ، فلم ينجحوا في تمريرِه.

 

وبِدهاءِ واشنطن وخبثِها المعروفِ، أخرجت من جعبتها مشروعَ الدولتينِ وجعلت العالمَ يصوّت؛ أما الضميرُ العالميّ فقد "استيقظ" فجأةً من سباته العميق.

 

في الحقيقةِ، إنّ هذا الضميرَ المشوَّهَ لم يستيقظ؛ بل ما زال يتثاءبُ مستسلماً لخطا أمريكا ووعودها الخادعة. وها هوَ العالمُ يصفق للمشهد، بينما فلسطينُ غارقةٌ في دمائها تحتَ قصفِ قواتِ الاحتلال وطائراتِه التي لا تفرّق بين طفلٍ وشيخٍ وامرأةٍ، ليبقى المشهدُ مادةً في نشراتِ الأخبارِ وخطاباتِ الأممِ المجرمة.

 

إنها، باختصارٍ يا سادة، لعبةُ شطرنجٍ أمريكيةٌ تحرّكُ فيها واشنطنُ القطعَ، وتُوهمُ البقيةَ أنّهم أصحابُ قرارٍ.

 

النتيجةُ، للأسفِ، بقاءٌ وتمدّدٌ للكيانِ، والفلسطينيّون ينتظرون سرابَ الدولةِ الموعودة.

 

إنها مسرحيّةٌ كتبت فصولَها واشنطنُ ومُثِّلت على خشبةِ الأممِ المتحدةِ، بينما يجلس حكّامُ المسلمينَ في مقاعدِ المتفرّجينَ، حتى يظهر الوجهُ الحقيقيُّ للصفقةِ (ضياعُ الحقوقِ وتثبيتُ الاحتلال).

 

ليبقى العملاءُ الذين باعوا القضيةَ بثمنٍ بخسٍ على الكراسيِ الوفيرةِ والابتساماتِ العريضةِ في ممرّاتِ البيتِ الأبيضِ، يتزيّنُون بزِيٍّ عربيٍّ ويتحدّثون عن "السلام"؛ وهم في الحقيقةِ حملةُ مفاتيحِ السجونِ التي حُشرَت فيها شعوبُهم. يظنّون أنّهم رجالُ دولةٍ، وما هم في الحقيقةِ إلا صدى لأوامرِ أمريكا.

 

أيّها المسلمونَ، إنّ هؤلاء الخونةَ لا يفاوضون باسمِكم ولا يتحدّثون بلسانِكم؛ إنّما يتاجرون بدمائِكم على موائدِ الغرب. لقد جعلوا من القضيةِ الفلسطينيةِ سلعةً في سوقِ المساوماتِ، يبيعونها بأبخسِ الأثمانِ؛ فلا تخدَعْنَكُم شعاراتُهم ولا خطاباتُهم.

 

فالأرضُ لا تتحرّرُ بقراراتِ الأممِ المتحدةِ ولا بتصفيرِ العالمِ أو تصفيقِه؛ إنّما تتحرّرُ حين تنهضُ الأمةُ وتدركُ أنّ وعدَها قد حان. وعلى الأمةِ أن تدركَ أنّ الخلاصَ الحقيقيَّ لا يكون على أيدي هؤلاء الرويبِضاتِ، بل عليها أن تُعيدَ مجدَ أجدادِها التليدَ، وأن تتذكّرَ أنّ وعدَ اللهِ آتٍ لا محالةَ بإذنِ الله.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أحلام التوسع الصهيوني

أسطورة تتبدد على صخرة غزة والضفة

 


إذا كان كيان يهود لم يستطع السيطرة على الضفة الغربية، التي لا تتجاوز مساحتها 5.800 كلم2 ويسكنها أكثر من 3 ملايين نسمة، إلا بمساعدة منظمة التحرير الفلسطينية، فكيف له أن يتخيل السيطرة على مساحة 3.000.000 كلم2؟


وإذا كانت غزة، التي لا تتجاوز مساحتها 365 كلم2، قد صمدت لأكثر من سنتين، رغم أن الكيان زجّ بكل ما يملك من قوة واستخدم كل ما تملكه الدول الغربية من سلاح وذخائر محرمة ومجرّمة، وفقد الآلاف من جنود جيشه الأقوى والأكثر عنفاً وديناميكية ودموية في العالم بين قتيل وجريح ومعاقين ومرضى نفسيين و...، وهو يملك من التكنولوجيا ما لا تملكه جيوش حلف شمال الأطلسي، وفقد كل المزايا التي كانت لديه من التفوق الاستخباراتي والردع والذراع الأطول والقدرة على الوصول إلى أي بقعة يريدها، ورغم كل القتل الممنهج والتدمير المخطط في غزة، وفشل في تحقيق أهدافه، والتي أُعطي المهلة تلو الأخرى من أجل تحقيقها... فهل بقي لشعار التوسع هذا من معنى أو مفهوم؟


كيف لكيان يهود أن يصرح بالتوسع على أرض يقطن بها أكثر من مائة مليون نسمة، جلّهم مدرب على السلاح ويملكون من الأسلحة ما لا يملكه الكيان؟


هل هذا التصريح التوسعي لبث الرعب والصدمة للأنظمة والشعوب حتى تستسلم لإرادته وتعطيه الولاء والطاعة العمياء، فتصبح المنطقة مسرح عملياته كما يفعل في الضفة الغربية، وليس المقصود هو السيطرة والاحتلال العسكري؟


لْنُحَلّل ولْنَفْهَم ونجيب على هذه التساؤلات ومدى إمكانيات كيان يهود في التوسع من النيل إلى الفرات وواقع ذلك على الأرض:


أولاً: لماذا يبني الكيان جدار الفصل العنصري إذا كان يريد التوسع من النيل إلى الفرات؟


الإجابة على هذا السؤال تكشف تناقضاً بين الشعارات الأيديولوجية والواقع السياسي والأمني.


الشعار التوسعي "من النيل إلى الفرات" هو شعار توراتي/صهيوني قديم استُخدم لتعبئة الحركات الصهيونية المبكرة، وغايته إعطاء صبغة دينية و"قدرية" للمشروع الاستيطاني ودفع اليهود للهجرة إلى أرض فلسطين لتحقيق (الوعد الإلهي)! أما جدار الفصل، فقد بُني عام 2002 في عهد شارون بعد تصاعد العمليات الفدائية خلال انتفاضة الأقصى، وهو إقرار عملي بالعجز الأمني عن السيطرة الكاملة حتى على الضفة الغربية، ناهيك عن أراضٍ أبعد.


فالجدار هو تحصين دفاعي، لا يعكس قوة، بل خوفاً من الاختراق حتى من شعب محاصر أعزل نسبياً في مناطق كجنين ونابلس والخليل.


والجدار يفضح حقيقة أن الكيان لا يملك القدرة حتى على "الضم الكامل" للضفة، رغم قربها الجغرافي وتفوقه العسكري، فما بالك بتوسعات هائلة من النيل إلى الفرات؟


ثانياً: هل يستقيم حلم التوسع مع العجز عن إخضاع الضفة الغربية؟


الضفة الغربية التي لا تتجاوز مساحتها 5.800 كلم2، وسكانها قرابة 3 ملايين فلسطيني، ورغم ذلك يعجز كيان يهود عن فرض السيطرة الكاملة عليها وحتى بمساعدة سلطة أوسلو دون مواجهات شبه يومية.


ففي كل مدينة هناك خلايا مقاومة مسلحة، وبنية تحتية أمنية للفصائل، رغم القمع والتنسيق الأمني.


وهذا الفشل يُظهر أن فكرة التوسع إلى مناطق شاسعة فيها شعوب ودول كالعراق وسوريا ومصر هي وهم غير قابل للتحقيق عملياً.


ثالثاً: هل من يعجز عن غزة قادر على حكم 3 ملايين كلم2؟


غزة فضحت كيان يهود على مستويات متعددة:


• مساحة غزة: 365 كلم2 فقط.


• ومع ذلك، منذ 2007 وحتى اليوم، فشلت كل محاولات الكيان في إخضاعها.


• الحرب الأخيرة (2023-2025) كشفت انهيار أسطورة الردع والذراع الطويلة والضربة الاستباقية التي كان يتميز بها، وأكدت أن القوة العسكرية وحدها لا تحسم معارك مع شعوب مؤمنة بالتحرر والمقاومة.


• خسائر كيان يهود البشرية والمادية والنفسية فاقت كل التقديرات، وأحرجت حتى داعميه في الغرب.


فإذا كانت غزة كفيلة بإذلال جيش نووي، فكيف ستكون الأمور في حال دخل في مواجهة مباشرة في مناطق أكبر كالعراق أو سوريا؟


رابعاً: (من النيل إلى الفرات) شعار أم مشروع؟


من الناحية الواقعية: كيان يهود يعلم أن هذا المشروع غير قابل للتحقق عسكرياً أو سياسياً، لكنه يُستخدم:


• أداة دعائية أيديولوجية داخلية (لليمين المتطرف).


• مبرراً للاستيطان الزاحف، خاصة في الضفة.


• حجة لتفكيك الدول العربية المحيطة من خلال دعم الفوضى والانقسامات (كما حدث في العراق وسوريا).


لكن المشروع الفعلي اليوم لكيان يهود هو:


دولة يهودية نقية قدر الإمكان، على أكبر مساحة ممكنة، مع أقل عدد من الفلسطينيين.


وهذا يفسر:


• استمرار الطرد والتهجير في القدس والضفة.

• محاولات فصل غزة نهائياً واستمرارية حربها هناك والدعوة لاحتلالها وجعلها منطقة استثمارية بمشاركة أمريكية.

• تمرير مشاريع الترانسفير والسكان البديلين (خصوصاً في النقب والضفة).


خامساً: الواقع الجيوسياسي لا يسمح لكيان يهود بمشروع إمبراطوري


لم تستطع أمريكا (أقوى دولة في التاريخ) فرض سيطرتها على العراق أو أفغانستان رغم فارق ميزان القوة. كيان يهود كيان صغير:


• المساحة 22.000 كلم2.
• السكان: 9 ملايين (نصفهم تقريباً غير يهود).
• هشاشة داخلية (تمزق مجتمعي، أزمات سياسية، مقاومة من الداخل).


فهو عملياً غير مؤهل جغرافياً ولا ديموغرافياً ولا عسكرياً للقيام بأي مشروع توسعي بهذا الحجم.


خلاصة القول: ما يُسمى بـ"مشروع التوسع من النيل إلى الفرات" هو:


1. أسطورة أيديولوجية أكثر منه خطة قابلة للتنفيذ.
2. أداة دعائية لتبرير الاستيطان والعدوان والتمييز العنصري.
3. غير قابل للتحقيق واقعياً، لا من حيث القوة ولا الإمكانيات ولا الظروف الدولية.


والسؤال الحقيقي الآن: هل يستطيع هذا الكيان حتى البقاء في حدود 1948؟


بناءً على معطيات الواقع، فإن التحدي القادم ليس التوسع، بل الصمود أمام عوامل الانهيار الداخلي والمقاومة المتصاعدة.

 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سالم أبو سبيتان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أحلام التوسع الصهيوني

أسطورة تتبدد على صخرة غزة والضفة

 


إذا كان كيان يهود لم يستطع السيطرة على الضفة الغربية، التي لا تتجاوز مساحتها 5.800 كلم2 ويسكنها أكثر من 3 ملايين نسمة، إلا بمساعدة منظمة التحرير الفلسطينية، فكيف له أن يتخيل السيطرة على مساحة 3.000.000 كلم2؟


وإذا كانت غزة، التي لا تتجاوز مساحتها 365 كلم2، قد صمدت لأكثر من سنتين، رغم أن الكيان زجّ بكل ما يملك من قوة واستخدم كل ما تملكه الدول الغربية من سلاح وذخائر محرمة ومجرّمة، وفقد الآلاف من جنود جيشه الأقوى والأكثر عنفاً وديناميكية ودموية في العالم بين قتيل وجريح ومعاقين ومرضى نفسيين و...، وهو يملك من التكنولوجيا ما لا تملكه جيوش حلف شمال الأطلسي، وفقد كل المزايا التي كانت لديه من التفوق الاستخباراتي والردع والذراع الأطول والقدرة على الوصول إلى أي بقعة يريدها، ورغم كل القتل الممنهج والتدمير المخطط في غزة، وفشل في تحقيق أهدافه، والتي أُعطي المهلة تلو الأخرى من أجل تحقيقها... فهل بقي لشعار التوسع هذا من معنى أو مفهوم؟


كيف لكيان يهود أن يصرح بالتوسع على أرض يقطن بها أكثر من مائة مليون نسمة، جلّهم مدرب على السلاح ويملكون من الأسلحة ما لا يملكه الكيان؟


هل هذا التصريح التوسعي لبث الرعب والصدمة للأنظمة والشعوب حتى تستسلم لإرادته وتعطيه الولاء والطاعة العمياء، فتصبح المنطقة مسرح عملياته كما يفعل في الضفة الغربية، وليس المقصود هو السيطرة والاحتلال العسكري؟


لْنُحَلّل ولْنَفْهَم ونجيب على هذه التساؤلات ومدى إمكانيات كيان يهود في التوسع من النيل إلى الفرات وواقع ذلك على الأرض:


أولاً: لماذا يبني الكيان جدار الفصل العنصري إذا كان يريد التوسع من النيل إلى الفرات؟


الإجابة على هذا السؤال تكشف تناقضاً بين الشعارات الأيديولوجية والواقع السياسي والأمني.


الشعار التوسعي "من النيل إلى الفرات" هو شعار توراتي/صهيوني قديم استُخدم لتعبئة الحركات الصهيونية المبكرة، وغايته إعطاء صبغة دينية و"قدرية" للمشروع الاستيطاني ودفع اليهود للهجرة إلى أرض فلسطين لتحقيق (الوعد الإلهي)! أما جدار الفصل، فقد بُني عام 2002 في عهد شارون بعد تصاعد العمليات الفدائية خلال انتفاضة الأقصى، وهو إقرار عملي بالعجز الأمني عن السيطرة الكاملة حتى على الضفة الغربية، ناهيك عن أراضٍ أبعد.


فالجدار هو تحصين دفاعي، لا يعكس قوة، بل خوفاً من الاختراق حتى من شعب محاصر أعزل نسبياً في مناطق كجنين ونابلس والخليل.


والجدار يفضح حقيقة أن الكيان لا يملك القدرة حتى على "الضم الكامل" للضفة، رغم قربها الجغرافي وتفوقه العسكري، فما بالك بتوسعات هائلة من النيل إلى الفرات؟


ثانياً: هل يستقيم حلم التوسع مع العجز عن إخضاع الضفة الغربية؟


الضفة الغربية التي لا تتجاوز مساحتها 5.800 كلم2، وسكانها قرابة 3 ملايين فلسطيني، ورغم ذلك يعجز كيان يهود عن فرض السيطرة الكاملة عليها وحتى بمساعدة سلطة أوسلو دون مواجهات شبه يومية.


ففي كل مدينة هناك خلايا مقاومة مسلحة، وبنية تحتية أمنية للفصائل، رغم القمع والتنسيق الأمني.


وهذا الفشل يُظهر أن فكرة التوسع إلى مناطق شاسعة فيها شعوب ودول كالعراق وسوريا ومصر هي وهم غير قابل للتحقيق عملياً.


ثالثاً: هل من يعجز عن غزة قادر على حكم 3 ملايين كلم2؟


غزة فضحت كيان يهود على مستويات متعددة:


• مساحة غزة: 365 كلم2 فقط.


• ومع ذلك، منذ 2007 وحتى اليوم، فشلت كل محاولات الكيان في إخضاعها.


• الحرب الأخيرة (2023-2025) كشفت انهيار أسطورة الردع والذراع الطويلة والضربة الاستباقية التي كان يتميز بها، وأكدت أن القوة العسكرية وحدها لا تحسم معارك مع شعوب مؤمنة بالتحرر والمقاومة.


• خسائر كيان يهود البشرية والمادية والنفسية فاقت كل التقديرات، وأحرجت حتى داعميه في الغرب.


فإذا كانت غزة كفيلة بإذلال جيش نووي، فكيف ستكون الأمور في حال دخل في مواجهة مباشرة في مناطق أكبر كالعراق أو سوريا؟


رابعاً: (من النيل إلى الفرات) شعار أم مشروع؟


من الناحية الواقعية: كيان يهود يعلم أن هذا المشروع غير قابل للتحقق عسكرياً أو سياسياً، لكنه يُستخدم:


• أداة دعائية أيديولوجية داخلية (لليمين المتطرف).


• مبرراً للاستيطان الزاحف، خاصة في الضفة.


• حجة لتفكيك الدول العربية المحيطة من خلال دعم الفوضى والانقسامات (كما حدث في العراق وسوريا).


لكن المشروع الفعلي اليوم لكيان يهود هو:


دولة يهودية نقية قدر الإمكان، على أكبر مساحة ممكنة، مع أقل عدد من الفلسطينيين.


وهذا يفسر:


• استمرار الطرد والتهجير في القدس والضفة.

• محاولات فصل غزة نهائياً واستمرارية حربها هناك والدعوة لاحتلالها وجعلها منطقة استثمارية بمشاركة أمريكية.

• تمرير مشاريع الترانسفير والسكان البديلين (خصوصاً في النقب والضفة).


خامساً: الواقع الجيوسياسي لا يسمح لكيان يهود بمشروع إمبراطوري


لم تستطع أمريكا (أقوى دولة في التاريخ) فرض سيطرتها على العراق أو أفغانستان رغم فارق ميزان القوة. كيان يهود كيان صغير:


• المساحة 22.000 كلم2.
• السكان: 9 ملايين (نصفهم تقريباً غير يهود).
• هشاشة داخلية (تمزق مجتمعي، أزمات سياسية، مقاومة من الداخل).


فهو عملياً غير مؤهل جغرافياً ولا ديموغرافياً ولا عسكرياً للقيام بأي مشروع توسعي بهذا الحجم.


خلاصة القول: ما يُسمى بـ"مشروع التوسع من النيل إلى الفرات" هو:


1. أسطورة أيديولوجية أكثر منه خطة قابلة للتنفيذ.
2. أداة دعائية لتبرير الاستيطان والعدوان والتمييز العنصري.
3. غير قابل للتحقيق واقعياً، لا من حيث القوة ولا الإمكانيات ولا الظروف الدولية.


والسؤال الحقيقي الآن: هل يستطيع هذا الكيان حتى البقاء في حدود 1948؟


بناءً على معطيات الواقع، فإن التحدي القادم ليس التوسع، بل الصمود أمام عوامل الانهيار الداخلي والمقاومة المتصاعدة.

 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سالم أبو سبيتان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 غياب دور الدولة في مواجهة الكارثة الصحية حمى الضنك والملاريا

 

 

في ظل الانتشار الواسع لحمى الضنك والملاريا في السودان، تتكشف ملامح أزمة صحية حادة، تكشف عن غياب الدور الفاعل لوزارة الصحة وعجز الدولة عن التصدي لوباء يفتك بالأرواح يوماً بعد يوم. ورغم التقدم العلمي والتكنولوجيا في علم الأمراض تتكشف الحقائق ويظهر الفساد.

 

غياب خطة واضحة:

 

رغم تجاوز عدد الإصابات الآلاف، وتسجيل وفيات بالجملة وفقاً لبعض المصادر الإعلامية، لم تُعلن وزارة الصحة عن خطة واضحة لمكافحة الوباء. ويُلاحظ غياب التنسيق بين الجهات الصحية، وانعدام الرؤية الاستباقية في التعامل مع الأزمات الوبائية.

 

انهيار سلاسل الإمداد الطبي

 

حتى أبسط الأدوية مثل "البندول" أصبحت نادرة في بعض المناطق، ما يعكس انهياراً في سلاسل الإمداد، وغياباً للرقابة على توزيع الأدوية، في وقت يحتاج فيه المرء إلى أبسط أدوات التسكين والدعم.

 

غياب التوعية المجتمعية

 

لا توجد حملات إعلامية فعالة لتثقيف الناس حول طرق الوقاية من البعوض، أو التعرف على أعراض المرض، ما يزيد من تفشي العدوى، ويضعف قدرة المجتمع على حماية نفسه.

 

ضعف البنية التحتية الصحية

 

المستشفيات تعاني من نقص حاد في الكوادر الطبية والمعدات، بل حتى أدوات التشخيص الأساسية، ما يجعل الاستجابة للوباء بطيئة وعشوائية، ويُعرض حياة الآلاف للخطر.

 

كيف تعاملت دول أخرى مع الأوبئة؟

 

 البرازيل:

 

- أطلقت حملات رش أرضية وجوية باستخدام المبيدات الحديثة.

- وزعت الناموسيات، وفعّلت حملات توعية مجتمعية.

- وفرت الأدوية بشكل عاجل في المناطق الموبوءة.

 

بنغلادش:

 

- أنشأت مراكز طوارئ مؤقتة في الأحياء الفقيرة.

- وفرت خطوطاً ساخنة للبلاغات، وفرق استجابة متنقلة.

 

فرنسا:

 

- فعّلت أنظمة الإنذار المبكر.

- كثّفت الرقابة على البعوض الناقل، وبدأت حملات توعية محلية.

 

الصحة من أهم الواجبات ومسؤولية الدولة مسؤولية كاملة

 

لا يزال السودان يفتقر إلى آليات فعالة للكشف والإبلاغ، ما يجعل الأرقام الحقيقية أعلى بكثير من المعلن، ويزيد من تعقيد الأزمة. إن الأزمة الصحية الراهنة هي نتيجة مباشرة لغياب دور الدولة الفاعل في الرعاية الصحية التي تضع حياة الإنسان في مقدمة أولوياتها، دولة تطبق الإسلام وتطبق مقولة عمر بن الخطاب رضي الله "لو عثرت بغلة في العراق فإن الله سائلني عنها يوم القيامة".

 

الحلول المقترحة

 

- إقامة نظام صحي يخشى الله أولا في حياة الإنسان وفعال، لا يخضع للمحاصصة أو الفساد.

- توفير الرعاية الصحية المجانية باعتبارها حقا أساسيا لكل الرعية. وإلغاء تراخيص المستشفيات الخاصة ومنع الاستثمار في مجال التطبيب.

 

- تفعيل دور الوقاية قبل العلاج، من خلال حملات توعية ومكافحة البعوض.

- إعادة هيكلة وزارة الصحة لتكون مسؤولة عن حياة الناس، لا مجرد جهة إدارية.

 

- تبني نظام سياسي يضع حياة الإنسان فوق المصالح الاقتصادية والسياسية.

- فك الارتباط بالمنظمات الإجرامية ومافيا الدواء.

 

في تاريخ المسلمين، كانت المستشفيات تُقام لخدمة الناس مجاناً، وتُدار بكفاية عالية، وتُمول من بيت المال، لا من جيوب الناس. فكانت الرعاية الصحية جزءاً من مسؤولية الدولة، لا منّة ولا تجارة.

 

إن ما يحدث اليوم في السودان من تفشي الأوبئة، وغياب الدولة عن المشهد، هو نذير خطر لا يُمكن تجاهله. المطلوب ليس فقط توفير بندول، بل إقامة دولة رعاية حقيقية تُعنى بحياة الإنسان، وتُعالج جذور الأزمة، لا أعراضها، دولة مدركة لقيمة الإنسان وحياته والغاية التي وجد من أجلها وهي عبادة الله وحده. والدولة الإسلامية هي الوحيدة القادرة على معالجة قضايا الرعاية الصحية عبر النظام الصحي الذي لا يمكن تنفيذه إلا في ظل دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة القائمة قريبا بإذن الله.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

حاتم العطار – ولاية مصر

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

صرخة لحملة الدعوة

"أين أنتم من زمان؟!"

 

في زحام الحياة وغفلة المجتمعات، تبقى كلمة واحدة قادرة على هزّ الجبال، تُفجّر الوجدان، وتبعث روح المساءلة في قلوب أمة الإسلام، إنها كلمة خرجت من أفواه أنهكها التعذيب، وأجساد طحنها الظلم في أقبية الطغاة "وينكم من زمان؟!" قالها أحد الخارجين من سجون الهارب بشار أسد، ممن ذاقوا الويلات، وانطفأت أعمارهم خلف القضبان، وعندما التقى ببعض من أفرج عنهم لم يسأله عن عدد سنوات السجن، بل صرخ في وجهه: "أين كنتم؟ أين أنتم من زمان؟ لماذا لم تفرجوا عنا ونحن نُدفن أحياء؟".

 

فهذه الكلمات أنّبتني كثيرا وأنا أستشعر القصور تجاه كل المظلومين في الأرض، فالإسلام جاء رحمة للناس ليخرجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، فهنا لا مفر من المحاسبة، لا مجال للاعتذار، ولا مخرج من اللوم، فأين تكمن المشكلة؟

 

وها أنا أكرر الكلمة نفسها في وجه حملة الدعوة الذين يحملون الحل الجذري لمشاكل الأمة وخاصة عندما عرفت تفاصيل ما يحملون من مشروع نهضوي، قلتها في وجه أحد حملة الدعوة "أين أنتم من زمان؟".

 

وها أنا حاليا نذرت نفسي لحمل همّ عودة الإسلام إلى واقع الحياة وللعمل مع العاملين في هذا الحمل العظيم، أقول هل بلّغنا الرسالة كما ينبغي؟ هل وصلنا إلى المظلومين؟ هل اجتهدنا في حمل الدعوة كما أمرنا الله سبحانه؟

 

نحن لا نحمل دعوة ترفيه، ولا مشروع إصلاح سطحي، نحن نحمل قضية حياة أو موت، نحمل رسالة الإسلام كاملة، نحمل علاج البشرية، نحمل وعد الله سبحانه بالاستخلاف، ونحمل خلاص الناس من جحيم الظلم والجهل والاستعباد.

 

فمن تقاعس عن التبليغ فرّط في الأمانة، ومن انتقى من يدعوهم وترك المستضعفين، فقد خان صفاء الرسالة.

 

تخيل أن المسجون لسنوات، سجناء الجهل، سجناء الإعلام المضلل، سجناء الثقافة الغربية، سجناء أنظمة الطغيان، سجناء الحاجات اليومية التي أرهقتهم حتى لم يعودوا يلتفتون لدينهم، سجناء اللهو ومتابعة الرياضة والمشاهير والشهوات...

 

لن يسأل عن شيء حين تصله الدعوة إلا: "لماذا لم تصلنا دعوتكم؟!" نعم، كثير من الناس اليوم مسجونون دون أن يكونوا خلف القضبان، وكلهم ينتظرون من يطرق أبوابهم ويوقظهم، يحمل إليهم الإسلام كما أنزله الله، لا الإسلام المختزل في العبادات فقط، الإسلام المنقذ، الإسلام الذي يُحرر الإنسان من كل صنوف الاستعباد ويوجد العدل ويرسي الخير وينير الطريق.

 

"وينكم من زمان؟!" ليست مجرد كلمة، بل صفعة لكل متكاسل، وجرس إنذار لكل حامل دعوة خارت عزيمته وسط هذا الواقع السيئ، لتدفعنا لنتحرك، لنوصل الحق، لنهدم الجدران بيننا وبين الناس، لنحمل النور إلى أعمق الزنازين في الأرض نصل الليل بالنهار فالساكت عن الدعوة، المتقاعس عن البلاغ، هو شريك في بقاء الناس في سجونهم.

 

ومن علم أن الإسلام فيه الخلاص، ثم لم يوصله، فعليه وزر كل من بقي في ظلامه.

 

يا حملة الدعوة، انهضوا، شدوا الهمة، لا تنتظروا اللحظة التي تُسألون فيها "أين كنتم؟"، بل كونوا الجواب قبل أن يُسأل، كونوا هناك؛ حيث الظلم، حيث الجهل، حيث المعاناة، فثمّ عبادٌ لله ينتظرون صوت الحق فهل نخذلهم؟ فذو الهمة العالية منكم يضاعف الجهد والبطيء السير يلحق بالركب. اللهم لا تجعلنا من المفرّطين.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

حسام الإدريسي – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

لا تبرروا لهم! دعوة لعودة الشريعة كمرجعية

 

 

رجالات الحكومة السورية أنفسهم لم يعودوا يبررون أفعالهم بالمصطلحات الشرعية (الرخصة، مقاصد الشريعة، الاضطرار، الاستضعاف...)، فما لك أنت تفرش لهم طريق تبريرٍ طويل بتلك المصطلحات نفسها؟!

 

ليس هذا التبرير المستمر لكل ما تفعله الحكومة السورية الجديدة من كثير من المشايخ والمحسوبين على الساحة الإسلامية نصرةً لشرع الله، بل هو تطويع له وهدمٌ لأصوله من حيث شعروا أو لم يشعروا، فليست نصرة شرع الله إلا بجعله المرجعية الحاكمة في جميع الأمور والعدسة التي يُقرأ من خلالها الواقع السوري لا العكس.

 

فينبغي فهم الواقع السوري فهماً مستنيراً عميقاً بكل ما فيه وما يتعلق به من عوامل خارجية وداخلية، بلا اتباع هوى أو إغماض عين عن أي جليّ أو خفيّ يؤثر فيه.

 

ثم بعد ذلك يجب الانطلاق من النصوص الشرعية للحكم على هذا الواقع بكليّته وجزئياته وفق قواعد الاجتهاد الشرعي بدافع إرضاء الله سبحانه في هذا الموقف الفاصل في تاريخ أمة الإسلام الحديث بعد سقوط المجرم بشار، وبعد تضحيات عظيمة قدمها أهل الشام في سبيل ذلك.

 

هذا وإننا نرى أن رجالات الحكومة السورية الجديدة قد استبدلوا بالمصطلحات الشرعية المصطلحات الحداثية العلمانية البحتة لتبرير مواقفهم وتوضيحها للناس على مستوى الداخل والخارج، وهذا انحرافٌ جللٌ يجب الوقوف منه الموقف الشرعي، ولا يجوز تبريره، فليس في ترك الشريعة ومصطلحاتها ومفاهيمها وأحكامها إلا المفاسد الكبرى التي تلحق بسوريا اليوم كما نرى على الأرض من تمكين أمريكا وكيان يهود من استباحة سوريا بالاحتلال العسكري والفكري، ونشر الفتن الطائفية، والارتباط بالنظام الرأسمالي العالمي الذي يرسخ الفقر وينشر الفساد ويتآمر على الإسلام والمسلمين، والانخراط في منظومة التطبيع العربي والإقليمي التي تحادّ الله ورسوله والمؤمنين.

 

إن ما نشاهده من اتخاذ من كانوا قادة هيئة تحرير الشام في إدلب من تركيا أردوغان أستاذاً لهم، وسيرهم بحسب مخططات المشروع الأمريكي على مستوى سوريا والإقليم والعالم، لهو منكر كبير لا ينبغي أن يخدعنا كما خُدِع كثيرون بأردوغان سابقاً، ولا يخفى على أحدٍ كم أجرم نظامه بحق ثورة الشام في احتواء أعداد كبيرة من المجاهدين والفصائل المسلحة ومنعها طويلاً من المواجهة المباشرة مع نظام بشار، وبحق فلسطين عندما طبع مع يهود وعندما ترك غزة وحدها بلا نصرة عسكرية كما هو الواجب، بل أشبعها جعجعات ونواحاً دجالاً!

 

وليعلم الذين يبررون الركون إلى الكفار خاصةً أن أعداءنا ليسوا حريصين على تثبيت الحكومة السورية الجديدة، إنما هم حريصون على تثبيت النفوذ الدولي الاستعماري في سوريا، فعلى المسلم الواعي الصادق الذي يؤثر في جماهير الأمة ويحمل همها أن يتذكر أن محاسبة حكام سوريا الجدد وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر من الفرائض على كل حال، فإن المحاسبة جزء لا يتجزأ من تحكيم الشريعة في الواقع السوري اليوم، ولا يجوز التهاون فيها؛ إذ لا يجوز تحييد الشريعة عن قراءة المشهد السوري، إنما لا عدسة لنا كمسلمين إلا الشريعة، ولا يجوز أيضاً التفكير السطحي المتعلق بأبعاد ومآلات ما تقوم به الحكومة السورية الجديدة من خضوع لإملاءات الخارج، فهذه الإملاءات ليست كأي علاقات خارجية، إنما هي تكريس لهيمنة الغرب على أراضي الإسلام.

 

والأولوية القصوى قبل تناول الكلام عن رجالات الحكومة السورية الجديدة بأشخاصهم هي دحر ومجابهة مشروع الكفر القديم الجديد في سوريا، وهذا بحاجة إلى مشروع إسلاميّ جذريّ عميق أرقى بكثير من مجرد رفع الشعارات التي لا برنامج فعليّ لها يجعلها تبصر النور في الواقع.

 

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً * وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً * فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [النساء: 60-65].

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

صبا علي

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل

×
×
  • اضف...