اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

مقالات من المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير - متجدد


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وقفة مع آية ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾

 

نزل هذا النداء العظيم في سورة آل عمران يأمر الأمة كلها أن تتوحد، لكن على أساس واحد، وهو حبل الله، أي الإسلام، أي القرآن والسنة وما أرشدا إليه من نظام حياة.

 

﴿وَاعْتَصِمُوا﴾: أمرٌ جامعٌ بشدّ التمسك، لا بمجرد اللقاء الظاهري. ﴿بِحَبْلِ اللهِ﴾ لا بأحزاب ديمقراطية، ولا بهويات قومية، بل بما أنزله الله. ﴿جَمِيعاً﴾ لا جماعة دون جماعة، بل الأمة كلها على قلب رجلٍ واحد. ﴿وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ لأن التفرّق هو سبب الضعف، وهو أداة المستعمر الأولى.

 

لكن ما الذي حدث اليوم؟ مع الأسف نُزع حبل الله من الحكم، وصار الحكم بغير ما أنزل الله، ونحن متفرقون بسياسة سايكس بيكو وأعلامها الوطنية والاستقلال المزعوم، وتجزأت بلادنا إلى أكثر من خمسين كياناً، كل كيان يدّعي السيادة، وهو لا يملك من أمره شيئاً!

 

هذه الآية توجب على المسلمين الحفاظ على وحدتهم، وهي تمثل منهجاً يجب أن يسيروا عليه. لكن علماء السلطان لعبوا دوراً مهماً في تأويل الآية بما يتماشى مع واقع حكامهم حتى لا يتسنى للمسلمين العودة إلى هذا المنهج أو حتى معرفتهم لواجبهم الحقيقي. وأصبح تقسيم الأمة ووضع أنظمة الغرب الكافر أمراً مقبولاً لديها، بمن فيهم أصحاب الشهادات العليا. فصارت الديمقراطية من الإسلام بفتوى مشايخ وترويج لبعض الفئات دون أن يكون لهم أي مرجع شرعي! وهذا كذب وزور لأجل مصالحهم الشخصية. وهناك من يفتون بفتاوى تدوي في الأرض والسماء دون أن يشعروا بما يقولون، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾!

 

نعم لقد تم تدمير مقومات الأمة الفكرية والمادية في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليم وغيرها... وحتى في الجانب العسكري والثروات وكل شيء، وفي الحقيقة إن الوحدة الحقيقية لا تكون إلا بالاعتصام بحبل الله: بوحدة الدين، ووحدة الدولة، ووحدة الحاكم (الخليفة). حينها فقط تستعيد الأمة قوتها، وتنهض كما نهضت من قبل، وتفتح الأرض بدين الله.

 

فلنعتصم بحبل الله كما أمرنا، ولنخلع كل الحبال البشرية، فطريق النهضة واحد، وهي الخلافة الراشدة التي تجمع الأمة كلها تحت راية العقاب. فالخلافة هي فرض ربكم سبحانه وبشرى نبيكم ﷺ ومبعث عزكم وقاهرة عدوكم وهي ناشرة الحق والعدل في العالم، فكونوا من العاملين المخلصين لإقامتها. ألا تشتاق أنفسكم للاعتصام بحبل الله والجهاد في سبيله؟! أين منكم "وا معتصماه" في ظل تخاذل حكامكم، بل وخيانتهم لكم؟!

 

إن الدعوة إلى إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي يعمل لها حزب التحرير تتجاوز الحدود الزائفة التي رسمها الاستعمار بين بلاد المسلمين بعد هدمه الخلافة العثمانية، فهي دعوة عالمية لكل المسلمين في الأرض؛ بل والاعتصام بحبل الله المتين فهي رئاسة عامة لهم، وقد أعد لها الحزب مشروع دستور مستنبط من الكتاب والسنة، يتضمن مواد في الاقتصاد والسياسة الخارجية والحرب والاجتماع والتعليم والصحة والمالية وكل ما يلزم للتطبيق العملي من اليوم الأول لإقامتها بإذن الله، والذي باتت بشائره ظاهرة وتتوق لها جموع المسلمين.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤيد الراجحي – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

  • الردود 284
  • Created
  • اخر رد

Top Posters In This Topic

  • صوت الخلافة

    285

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الهجرة نقلت المسلمين من حالة الضعف إلى مركز القوة والمنعة

 

يمر علينا عام هجري جديد، يذكرنا بالهجرة النبوية الشريفة، ذاك الحدث الذي غير موازين القوى، ونقل المسلمين من حالة الاستضعاف والمطاردة والمحاصرة إلى مرحلة الدولة والتمكين.

 

فالهجرة سبقتها أعمال عظيمة وخطوات مهدت لها ولإقامة الدولة، وهذه الأعمال هي:

 

1- مرحلة التثقيف والإعداد للرجال وإيجاد الشخصية الإسلامية في عقليتها ونفسيتها، وتكتلهم على أساس عقيدة الإسلام، والخروج بهم، بعد ثلاث سنوات، في صفين في الحرم بتنظيم لم يعهده العرب من قبل، استجابة لأمر الله ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾.

 

2- مرحلة التفاعل مع المجتمع، وذلك بخوض الصراع الفكري، والكفاح السياسي، وهذه المرحلة اشتد فيها الابتلاء وكثرت المصائب على الرسول ﷺ، والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، حيث كان التكذيب والتعذيب والاستهزاء والدعاوة المضادة والقتل والحصار، فكان الصبر والثبات والسير المستقيم والالتزام بالدعوة والتضحية، هي البارزة في مواقف المسلمين.

 

3- مرحلة طلب النصرة والمنعة، حيث كان النبي ﷺ يغشى القبائل مع أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب، ويطلب منهم الإيمان به ونصرته ليقيم دين الله، فكان منهم من يصده بشكل عنيف، ومنهم من يبدي طمعه في السلطة والنفوذ، فرد عليهم النبي ﷺ «الْأَمْرُ إِلَى اللهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ»، إلى أن قيض الله له الأوس والخزرج فآمنوا به وبايعوه بيعة العقبة الأولى والثانية.

 

وبعد بيعة العقبة الثانية التي تسمى بيعة الحرب والنصرة أمر النبي ﷺ صحابته بالهجرة إلى المدينة. ثم هاجر هو وصاحبه أبو بكر الصديق، وعندما وصلا إلى المدينة استقبله خمسمائة فارس من الأنصار بالسلاح والحماية، ومنذ أن وصل النبي ﷺ المدينة مارس سلطان الحكم، فبنى المسجد الذي كان مركز وإدارة الحكم، وفصل الخصومات، وأرسل الرسائل إلى ملوك الفرس والروم والعرب، يدعوهم للإسلام، وعقد الرايات للسرايا والجيوش، ووضع وثيقة المدينة التي كانت بمثابة الدستور المنظم لعلاقات المجتمع. فتغير وضع المسلمين من حالة الضعف والاضطهاد إلى السيادة والقوة والسلطان.

 

ففي مرحلة مكة كان يمر النبي ﷺ على صحابته وهم يضطهدون ويعذبون ويقتلون وكان يقول لهم «صَبْراً آلَ يَاسِرٍ فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ»، «فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً»، ولكن بعد إقامة الدولة والسلطان تغير تعامل النبي مع اعتداءات قريش على حلفائه من قبيلة خزاعة عندما تحالف مع بني بكر على قتل وحرب خزاعة ومجيء عمرو بن سالم الخزاعي مستنصرا ﷺ، قال له ﷺ «نُصِرْتَ يَا عَمْرَو بْنَ سَالِمٍ». فقام ﷺ بتسيير الجيش وكان فتح مكة وإزالة كيانهم الآثم الذي طالما آذى المسلمين واضطهدهم، وقضى على الشرك والكفر وأصبحت الجزيرة العربية كلها دار إسلام، فكان فتحا عظيما.

 

واليوم ونحن نتنسم عبق الهجرة مع بداية شهر محرم ١٤٤٧هـ، والأمة الإسلامية تعيش حالة الضعف والذلة والمهانة والقتل بالجملة والقطاعي، والفقر والمرض، وانتهاك العرض وتدنيس المقدسات، وبلغت غطرسة أمريكا والغرب وكيان يهود مبلغا عظيما في العدوان وانتهاك سيادة بلاد المسلمين، وصراع الدول الاستعمارية على النفوذ والسيطرة على بلادنا، أن أشعلوا الصراعات وأوجدوا الحروب بين مكونات البلد الواحد بسبب اختلاف الولاءات، وأصبح حال بلاد المسلمين أشبه (بعش القبرة في درب الفيلة)! ذلك العصفور الصغير، الذي يكاد يكون العصفور الوحيد الذي يبني عشه على الأرض وبين المحاصيل الزراعية في حقول القمح، وحينما تنتشر الحيوانات في الحقول بحثاً عن الغذاء تدوس أعشاشه بأقدامها، ولا تملك العصفورة المستضعفة الدفاع عن عشها ولا تملك سوى إرسال زقزقات الاستغاثة ولا مغيث، أما إذا صادف مرور الفيلة في منطقة الأعشاش فإن المصيبة تصبح أكبر فتدفن الأعشاش في التراب وتنتظر القبرة للعام القادم لتبني عشها من جديد على درب الفيلة!

 

فهذا هو حال الأمة الإسلامية بعد أن هدم الغرب خلافتها، ومزقها إلى دويلات كرتونية ضعيفة محققا سياسة فرق تسد، بل أصبحوا يتصارعون في بلادنا من أجل النفوذ والسيطرة ونهب الثروات، فأدى ذلك إلى إشعال الحروب بدفع أهل البلاد إلى الصراع الذي نتيجته الهدم والتخريب والتهجير كما يجري الآن في السودان وفي غيرها من بلاد المسلمين الصراع.

 

إن المخرج من هذه الحال يكون بالاستجابة لأمر الله سبحانه ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾، والسعي الجاد لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، الجامعة للأمة، والتي ستنقلها من الضعف إلى القوة ومن الذل إلى العزة والشموخ.

 

وها هو ذا حزب التحرير يسير على طريق النبي ﷺ مقتديا به في نقل المسلمين من حالة الضعف إلى القوة بالسير على هذه الخطوات:

 

1- مرحلة التثقيف

2- مرحلة التفاعل مع المجتمع

3- مرحلة تسلم زمام الحكم

 

إن الحزب يسير بهذه الخطوات مستبشرا ومتيقنا بنصر الله، راجيا من الله أن يسوق إليه أهل نصرة، فيلتحم أهل المشروع مع أهل النصرة فيتحقق حدث جديد مثل هجرة النبي محمد ﷺ، فتقوم دولة الخلافة الثانية التي توحد بلاد المسلمين وتقضي على نفوذ الغرب وتقطع يده التي طالما امتدت بالأذى والعدوان، وتزيل كيان يهود فتتحقق البشرى، وستكون دولة عالمية تفتح بلاد الكفر وتدك مدنه وتحقق بشرى فتح روما إن شاء الله وبقية مدن وعواصم الغرب، فتحولها من دار كفر إلى دار إسلام. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد الله حسين (أبو محمد الفاتح)

منسق لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مجزرة جديدة في غزة فمتى تتحرك نخوة الأمة؟!

 

رغم تصاعد الأصوات الداعية لوقف حرب يهود على غزة، ما زال جيش يهود يسفك دماء الأبرياء في مخيمات النازحين في خانيونس جنوب قطاع غزة، حيث ارتكب مجزرة جديدة تضاف إلى سجله الأسود.

 

هذا الاعتداء الوحشي الذي وقع في 4 تموز/يوليو 2025، ليس هو الأول، ولن يكون الأخير، فالنظام الدولي وأمريكا تحديداً، يعرفون جيداً أن كيان يهود لا يلتزم باتفاقات، ولا يعير لها أي وزن. ومع ذلك، فإن أمريكا - الداعم الأول للكيان الغاصب - تواصل لعب دور الوسيط الكاذب، والمحتال السياسي، الذي يذرف دموع التماسيح، ويمدّ الاحتلال بالسلاح والمعلومات ليواصل مجازره.

 

أيها المسلمون، يا من وحّدكم الله على كتابه وسنة نبيه عليه وآله الصلاة والسلام، هل تعتقدون أن صمتكم على هذه المجازر سيبقيكم في مأمن من الحساب؟ هل تظنون أن دماء الأطفال، وصراخ الثكالى، ودموع الأمهات تمرّ دون أن تُسجَّل في صحف أعمالكم؟ يقول تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ...﴾، ويقول سبحانه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.

 

أين الجيوش الجرّارة؟ أين الطائرات والصواريخ التي تتفاخر بها الأنظمة العربية؟ أين العلماء الذين صدّعوا رؤوسنا بالحديث عن الحكمة والموعظة، فلم نرَ لهم مواقف إلا في تأييد ولاة الأمر الخونة؟! أين التجار وأصحاب الثروات؟ هل بذلوا شيئاً في سبيل الله كما يبذلون في حمايات المال والسلطان؟!

 

إن شرف الأمة لا يزال حياً في صدور الأحرار، لكن النصر الكامل لن يُنال إلا بتحرك الأمة كلها؛ بتحرك جيوشها في مصر وتركيا وباكستان وغيرها.. بهدم عروش الخيانة والتطبيع التي باعت فلسطين في سوق العمالة، بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي توحد الأمة في كيان واحد، وتحمل الإسلام للعالم بالدعوة والجهاد، وتردّ الصائل وتقطع يد المعتدي.

 

الحل ليس في المؤتمرات ولا في المبادرات، بل في إقامة سلطان الإسلام، وإن كل مبادرة سياسية، بوساطة أمريكية أو غربية، ليست إلا غطاءً لاستمرار الجرائم. ولن يُرفع عن الأمة ذلُّها، ولن يُسترد المسجد الأقصى، ولن تتوقف دماء أهل غزة وفلسطين، إلا بتحرك الأمة على بصيرة، تحت قيادة واعية مخلصة، تتبنى مشروعاً ربانياً لا يهادن الكفر، ولا يقبل أنصاف الحلول. قال رسول الله ﷺ: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» (رواه أحمد).

 

يا أمة الإسلام: أما آن لك أن تستفيقي؟ أما آن لصوت المعتصم وصلاح الدين أن يُسمع من جديد؟ أما آن لك أن تُطهّري أرضك من رجس يهود والعملاء؟ فوالله إنك ستُسألين، وإن التاريخ لن يرحم، وإن الله سائلك عن كل تقصير وخذلان. ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

بهاء الحسيني – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

دعم التفاهة، طوق نجاةٍ للأنظمة، أم الحجر

الذي سيهوي بها إلى القاع؟

 

 


لم يعد يخفى على أحدٍ أن هذه التفاهة المتسارعة التي أصبحنا نلاحظها في كل مكان (تمجيد لاعبي كرة القدم، المغنين، الراقصين، التافهين، الفُجّار،... وإغداق الأموال الطائلة عليهم، وجعلهم النجوم والقدوة والمثل الأعلى)، ليست وليدة الصُّدف، وليست قدراً مقدوراً، ولا نتيجةً طبيعيةً في عالم غول التواصل الإلكتروني، بل هي نتيجة تخطيطٍ ومكرٍ لشياطين الإنس بالليل والنهار، وقد ظهرت كتاباتٌ عديدة في هذا المجال تؤكد هذا الأمر، بل وتُنظِّر له، وتضع أسس وآليات السيطرة على الناس وإغوائهم وإشغالهم و...


وهذا الأمر (نشر وصناعة التفاهة) ليس مقصوراً على العالم الثالث، وإنما هو ظاهرةٌ عالمية، لم تَخْلُ منها بلاد، ما يدل دلالةً واضحةً أن المخطط ليس محلياً وإنما هو عالمي، وأن يداً واحدة هي التي تدبر الأمر ويسير خلفها الباقون سواءً عن قناعةٍ أو عن إجبار.


مما لا خلاف فيها أيضاً أن المقصود من هذا الإغواء أمران أساسيان:


1. إبعاد الناس عن السياسة وانتقاد الحكام والأنظمة، وكل الأمور الجدية، أو كل الأمور الكفيلة بإيجاد تغييرٍ حقيقي، وبالتالي الحفاظ على استقرار الأنظمة، واستقرار الحكام والدول العميقة على عروشهم،
2. دفع الناس إلى مزيد من الاستهلاك الأهوج غير المقنن ولا المبرر، لمزيد من إثراء الشركات الكبرى المتحكمة في دواليب الاقتصاد العالمي،


والسؤال هل يحقق نشر التفاهة بهذا الشكل الغرض المطلوب؟


أما النقطة الثانية، فالأغلب أن الجواب نعم، فيكفي أن مؤثراً أو مؤثرة ما تضع إعلاناً لمنتج معين حتى تتقاطر الطلبات نحوه سواء أكان المنتج مفيداً فعلاً أو لا، وسواء أكان ما قاله فيه المؤثر صحيحاً أم لا، فمن الواضح أن هناك تسابقاً محموماً بين الناس نحو الشكليات وبالظهور بمظهر معين يوافق ما عليه "الترند" أو ما عليه "علية" القوم! فالتفاهة من هذه الناحية شلّت قدرة الناس على التفكير والتمييز، وشلت قدرتهم على اتخاذ القرار، وأحلّت محله ما يسمى روح القطيع، فأنا أشتري ما يشتريه الناس ليس لحاجةٍ عندي وإنما لأن الناس يفعلون أو لأن المؤثر الذي يعجبني فعل، أو لأن امتلاكي لهذا الشيء يجعلني أنتمي لطبقة اجتماعية معينة، وقس على هذا اللباس والأحذية والحقائب، والمطاعم والأسفار والماركات، فالحاجة العملية ليست هي التي تحرك قرار الشراء أو الصرف، بل حتى إذا كان لها أثر، فهو أثر بسيط، ولكن الذي يجعل الشخص يتخذ القرار هو بالأساس ضغط "التفاهة".


فماذا عن النقطة الأولى؟


من المؤكد أن "التتفيه" يوجد عند الناس نفوراً من السياسة وأمور الحكم، فالانشغال بهذه الأمور لا شك يقتضي قدراً كبيراً من الجدية والتفكير والنضال، فضلاً عن أن له تكاليف، فقد يؤدي بصاحبه إلى التضييق في الرزق أو الاعتقال أو... وهذه الأمور لا يمكن أن ينشغل بها من همُّه الأساسي بل والوحيد هو الغرائز والضحك واللهو. لكن الإشكال هو أن إنتاج هذه العينات "التافهة" من الناس بشكل مكثف، يحرم المجتمع من الطاقات التي يحتاج إليها للاستمرار فضلاً عن الرقي والتوسع. فالمجتمعات كي تنهض تحتاج إلى العلماء والمفكرين والأطباء والمهندسين والباحثين، وتحتاج إلى الرجال الأشداء في الجيوش لقتال الأعداء ورسم الخطط والتصدي للمؤامرات، الرجال المستعدين للتضحية بالغالي والنفيس لحماية أوطانهم وأهاليهم. فإذا تم تتفيه الناس، فمن يقوم بهذه المهام؟


أضف إلى ذلك أن التتفيه كما يوجد أناساً خانعين، لا في العير ولا في النفير، فإنه يوجد أناساً ذوي عدوانيةٍ عالية، وهذا ملاحظٌ مشهود، فالمجتمعات حيث تنتشر التفاهة تنتشر فيها الجريمة والشراسة المجتمعية جنباً إلى جنب، فالتافه مستعدٌّ للقتال بضراوةٍ لأتفه الأسباب، ومستعدٌّ للانجرار في صراعٍ دموي والتدمير والتخريب تحت أي راية، طمعاً في المال، أو لمجرد نصرة فريقه في الكرة، أو انتصاراً لابن حارته، أو لأن أحدهم لم يُكلمه كما ينبغي لمقامه الكريم،... وهذا يضيف عبئاً إضافياً على المجتمعات، من حيث وجوب زيادة عديد وإمكانيات الأجهزة الأمنية، الخسائر والأضرار التي تلحق بالممتلكات نتيجة أعمال الشغب، ومصاريف بناء السجون والنفقة على المساجين.


قد يقال، إن قيام المجتمعات ونهضتها لا يقتضي بالضرورة أن يكون كلُّ أفرادها واعين مثقفين وجديين، فيكفي أن يكون فيها نخبةٌ تنطبق عليها تلك الأوصاف وأن تكون هذه النخبة هي التي تتولى الحكم كي تستقيم أمورها. ولكن ما ينبغي الانتباه إليه، أن التفاهة مُغريةٌ مُعديةٌ، فلا توجد ضمانةٌ ألا تتسرّب هذه التفاهة والدّعة في شتى طبقات المجتمع بما فيها النخبة المُعوَّل عليها في نهضة المجتمع، فيستنزف مخزون الصالحين المصلحين مع الزمن، وهذا كذلك ملاحظٌ مشهودٌ، فالأصل في الدول التي تعاني من مشاكل، أن يكون انخراط الناس فيها في العمل السياسي مرتفعاً لأن كل الناس معنيون بالتغيير، إلا أن الواقع يظهر العكس، فالمنخرطون في الأحزاب والنقابات وهيئات العمل السياسي في تناقصٍ مستمر.


قد يقول قائلٌ إن الأمر ليس أبيض وأسود، فليس كل مبتلىً بالتفاهة بالضرورة ميئوساً منه كلياً، فقد يكون الشخص تافهاً لاهياً في الليل، في وقته الشخصي، جاداً مثابراً في النهار في وقت عمله، وهذا كذلك ملاحظ خصوصاً في الغرب، حيث يبيت الناس في لهوهم وفجورهم في الليل أو في عطلهم، فإذا أصبح الصباح أو انتهت عُطلهم وجدتهم في أعمالهم بكل جدية، فهذه تفاهةٌ لا ضرر منها.


وأقول، نعم قد يبدو الأمر صحيحاً، ولكن المُطَّلع على أحوال الغرب يعلم أن بقعة زيت التفاهة في اتساع، وأن قطاعاتٍ واسعةً من الشباب في الغرب التي جرفها تيار التفاهة أصبحت عالةً على مجتمعاتها، عازفةً عن التحصيل العلمي العالي، بل عازفةً عن مجرد العمل، منشغلة باستهلاك المخدرات خصوصاً مع اتساع تقنين استهلاك المخدرات بما فيها ذات التأثير القوي، أو قضاء الساعات الطويلة في الألعاب الإلكترونية أو ما يسمى الفن، وأعدادٌ كبيرة منهم انخرطت في عصابات الأحياء التي تمتهن الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات. ويعلم المطلع كذلك أن نسبةً كبيرةً من حملة الشهادات العليا في الغرب والذين يقوم عليهم صرح النهضة العلمية اليوم عندهم، هم قادمون من دول العالم الثالث، وأن الغرب يستقطبهم للتغطية على النقص الذي يعاني منه، وأنه لولا هذا الاستقطاب لتراجعت الدول الغربية في الناحية العلمية لصالح الدول الصاعدة.


وقد يقول قائلٌ، إن ما يسمى التفاهة هو في جوهره حرية شخصية، ولا يملك أحدٌ أن يمنع الناس أن يصنعوا ما يشاؤون بأموالهم أو أوقات فراغهم، وأن استنكار التفاهة هو تخصُّص ذوي المرجعية الإسلامية الذين يريدون أن يحجروا على الناس ويقولبوا المجتمع وفق تصورهم.


والجواب: إن انتشار التفاهة كما أسلفنا ليس من باب ممارسة الناس لحرياتهم الشخصية فقط، بل هو كما قلنا عمل مدروس مخطط، لإشغال الناس وإلهائهم، والعقلاء من المفكرين حتى من غير المسلمين، يستنكرونه ويحذرون من مخاطره، ومن بين المفكرين الذين استنكروا الترويج للتفاهة وانتقدوا انتشارها في المجتمعات الحديثة، نجد عدداً من الأسماء البارزة التي تطرقت لهذا الموضوع من زوايا فلسفية، اجتماعية، إعلامية أو تربوية. نذكر منهم:


1. تيودور أدورنو (1903-1969)، الذي ألف مع ماكس هوركهايمر (1895-1973) كتاب "جدل التنوير"، حيث حذرا من أن الثقافة الجماهيرية ليست حيادية بل "مُبرمَجة" وتخدم مصالح رأس المال والسيطرة السياسية وأنها أصبحت أداة للهيمنة، فهي ترفّه عن الناس وتخدر وعيهم، وتحولهم إلى مستهلكين سلبيين، وانتقدا "الصناعة الثقافية" التي تنتج محتوى تافهاً يخدر الجماهير ويمنعهم من التفكير النقدي. "تجعل الناس يتقبلون الواقع كما هو، دون رغبة في تغييره".


2. نيل بوستمان (1931-2003) في كتابه "تسلية أنفسنا حتى الموت" (Amusing Ourselves to Death)، انتقد كيف تحولت وسائل الإعلام إلى أدوات للترفيه السطحي على حساب المعرفة الجادة، فالسياسة، والتعليم، والدين، والثقافة لم يعودوا محل نقاش جدي، بل تُعرض وكأنها "عروض مسرحية" ترفيهية، ويقول: "لن نموت من القمع، بل من الضحك"، "الخطر الأكبر ليس في من يمنعنا من القراءة، بل في من يجعلنا لا نريد القراءة".


3. بيير بورديو (1930-2002): في كتابه "التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول" اعتبر أن التلفزيون يكرّس "التفاهة الرمزية" ويُقصي النخب الفكرية الجادة لصالح الوجوه السطحية والجاذبة جماهيرياً، ويقول: "التلفزيون لا يقول ما لا يُقال، بل يمنع قول ما يجب أن يُقال".


4. آلان دونو (1970) صاحب كتاب "نظام التفاهة" (La Médiocratie)، تحدث فيه عن صعود (الرداءة/التفاهة) كمعيارٍ للنجاح في مجالات السياسة، والاقتصاد، والإعلام والتعليم، بدل الكفاءة أو الأخلاق، يقول في كتابه: نحن نعيش في عصر تحوّلت فيه الرداءة (التفاهة) إلى نظام متكامل، لا مجرد ظاهرة هامشية، وأن الكفاءة لم تعد مقياس النجاح، بل أصبح المعيار هو القدرة على الطاعة، عدم التفكير النقدي، والاندماج في "اللعبة"، وأنه أصبح يهيمن على المجتمع أشخاص تافهون، يرتقون لأنهم لا يُهددون النظام، بل يكرسونه، وأن التفاهة أصبحت "شرطاً للنجاح"، في السياسة، والاقتصاد، والإعلام، وحتى في التعليم والبحث العلمي.


5. جورج أورويل (1903-1950) في رواية "1984" حيث أدان الاستبداد الناعم وقال: لا حاجة للبطش الجسدي حين يمكنك إعادة تشكيل وعي الناس لغوياً وثقافياً.


6. ألدوس هكسلي (1894-1963) في رواية "عالم جديد شجاع" (Brave New World) الصادرة سنة 1932، ونسختها المعدلة سنة 1958 حيث يرى أن الخطر الأكبر لم يعد من "الديكتاتورية الصلبة"، بل من الديكتاتورية الناعمة القائمة على سطوة الاستهلاك، ووسائل الإعلام، والإدمان على المتعة والتفاهة المنظمة، يقول فيها: "الطغاة سيُسيطرون لا بالعنف، بل بإلهائنا حتى نضحك ونحن نُساق إلى القيود".


إذن فاستنكار هذه الدعوة المحمومة إلى التفاهة ليست من تخصُّص الإسلاميين، ولكن كل ذي عقلٍ وغيرةٍ لا يمكن إلا أن ينكر هذا، ويدق ناقوس الخطر للتحذير منه. وإذا كان هؤلاء الغربيون يستنكرون هذا مع أن دولهم متقدمة، ومع أنهم يؤمنون بفكرة الحريات الشخصية، وأن معظم هذه الممارسات لا تعارض معتقداتهم، فماذا عنا نحن؟


بالنسبة لبلادنا الإسلامية، المصيبة مضاعفةٌ، لعدة أسبابٍ:

 

1. دولنا متخلفةٌ علمياً وصناعياً وفي مؤخرة الترتيب، ومن كان هذا حالُه فالأصل فيه أن يُشمِّر عن ساعد الجدِّ للعمل، لا أن ينشغل بالتوافه،


2. دولنا مستضعفةٌ مستباحةٌ، يهاجمها العدو فلا يكاد يجد من يصدُّه نتيجة فارق التقدم التقني الهائل في الصناعة الحربية، ومن كان هذا حالُه، فالأصل فيه أيضاً أن يشمر عن ساعد الجد، لا أن ينشغل بسفساف الأمور ويترك الأمر للغرب يفعل فينا ما يشاء،


3. معظم هذه التوافه التي ينشغل بها الناس هي من المحرمات وليست من اللهو المباح، فالانشغال بها حرامٌ يعرض صاحبه للعقوبة يوم القيامة، فيكون صاحبها قد جمع على نفسه ذلَّ الدنيا وصغارها ثم الخزي في الآخرة.


إن نشر التفاهة لتثبيت أركان حكم هذه الأنظمة هو جريمةٌ وأيُّ جريمة، فهؤلاء الظلمة لم يكتفوا بظلم الناس ونهب مقدراتهم، بل يعملون على إفساد المجتمعات ككل، وإغوائها وإلهائها، ويغدقون على ذلك أنفس الأموال، ما الناس أحوج إليه في ظل الفقر والعوز الذي يعانون منه، وكل هذا حتى يستتب لهم الأمر ويستديم، ولا يعكر صفو الحكم عليهم أحد، ولو كانوا يعقلون لعلموا أنهم لو أحسنوا رعاية الناس، لحماهم الناس بصدورهم، وثبّتوهم على كراسيهم، ولعمّ الخير عليهم وعلى رعيتهم، ولنالوا منه ما يكفي حاجياتهم وزيادةً، بل وفوق الزيادة، وما احتاجوا لأن يظلموا ويُفسدوا ويُغووا خلق الله.


إن الظلم حين يطال فرداً يمكن تداركه بالتوبة والاعتذار من المظلوم، ولكنه حين يطال مجموعاتٍ كبيرة، بل وأجيالاً متعاقبة، فإن أثره يكون مدمراً. فهذا التافه إذا تزوج تافهةً مثله، كلاهما لم ينل تحصيلاً علمياً كافياً وكلاهما يقضي سحابة يومه فيما لا يفيد، فماذا يُنتظر من ذريتهم؟ أي قيمٍ سيغرسونها فيهم؟ وماذا سيستفيد المجتمع منهم؟ وأي كلفةٍ سيكون على المجتمع تحمُّلها لإصلاح ذرياتهم؟


قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: ١٩]، وقال ﷺ: «إنَّ اللهَ يُحِبُّ مَعاليَ الأخلاقِ، ويَكرَهُ سَفْسَافَها» أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق سهل بن سعد الساعدي، وصححه الألباني في صحيح الجامع، ومما أُثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: "إنِّي لأكرَهُ أنْ أرَى أحدَكم فارغاً سبَهلَلاً، لا في عملِ دُنيا ولا في عملِ آخرةٍ".


إن التفاهة ليست طوق نجاةٍ للحكام، وإن بدا لهم الأمر كذلك، وإن النظر إليها على أنها منجاة دليلٌ على قصر نظرٍ فظيع، فقد تصرف التفاهة فعلاً أنظار الناس عنهم لوهلة، ولكنها بموازاة ذلك تنخر أركان حكمهم وتضرب نقاط قوتهم نقطة بعد نقطة، حتى ينهار فوق رؤوسهم، أو حتى لا يبقى فيه أي مَنَعَةٍ إذا دهمه داهمٌ، فيسلم لعدوه دون مقاومة، وحينها لات حين مناص.

 


كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد عبد الله

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

هُوِيّةٌ لدولة؟ أم دولة بلا هُوِيّة؟!

 

 

 

في السنة الثالثة عشرة للبعثة النبوية بايع ممثّلو الأوس والخزرج الوافدون من يثرب إلى مكّة الرسولَ ﷺ بيعةَ حُكمٍ وحرب وطاعة. فهاجر النبيّ ﷺ إليهم ليتسلّم بموجبها الحكم منهم. وبوصوله ﷺ إلى المدينة ومباشرته تدابير الحكم والسلطان قامت الدولة الإسلامية الأولى، على أساس جديد هو العقيدة الإسلامية، وشرَعَ ﷺ في رعاية شؤون رعيته بشريعة الله التي بدأت تتنزّل مع قيام هذه الدولة، بعد أن لم يكن قد نزل منها من قبل إلّا النزر اليسير. فبدأ العالم يتعرّف على دولة جديدة، ذات هُويّة حضارية جديدة، ومجتمع ذي طريقة عيش جديدة. وكانت أنظار العالم تزداد انشدادا إلى هذه الدولة كلّما ازداد توسّعها الذي بلغ في عهود دولة الخلافة الهند وتخوم الصين شرقا وضفاف الأطلسي غربا وتخوم فرنسا من جهة الأندلس. وكان من قوّة الإسلام الحضارية أن تمكّن من استقطاب ذلك العدد الهائل من الشعوب. كانت شعوبا ذات ديانات كثيرة، وثقافات مختلفة، ولغات شتّى، وتشريعات متباينة، وألوان وأعراق متعدّدة، وكانت لها طرائق عيش قدد. وبالتالي كان هؤلاء الناس متفرّقين بين "هُويّات" لا تكاد تحصى. ومع ذلك استطاع الإسلام بموافقته للفطرة الإنسانية وإقناعه للعقل أن يصهرهم جميعا في بوتقة واحدة. فهم بعد إيمانهم واعتناقهم الإسلام هجروا دياناتهم وثقافاتهم وتشريعاتهم وطرائق عيشهم السابقة، بل هجر كثير منهم لغاتهم الأصلية، وطوت حضارة الإسلام صحائف حضاراتهم السالفة، فغَدَوا أمّة واحدة، وجسّدوا حضارة واحدة، واندمجوا في طريقة عيش واحدة، واعتمدوا منظومة تشريعية واحدة هي الشريعة الإسلامية، دون أن يشكّل تعدّد أعراقهم وماضيهم التاريخي المختلف وبيئاتهم الجغرافية والمناخية المتفاوتة أيّ عائق. فكانت الأمّة الإسلامية على امتدادها الهائل هذا تُعَرَّف بهُويّة واحدة هي الإسلام. فالإسلام وحده هو هُويّة هؤلاء الناس جميعا بعد أن أصبحوا أمّة واحدة هي الأمّة الإسلامية.

 

فالإسلام هو الذي أعطاهم الفكرة الكلّية عن الحياة الدنيا وما قبلها وما بعدها وعن علاقتها بما قبلها وما بعدها، وهو الذي أعطاهم معنى وجودهم في هذه الحياة، وهو الذي صوّر لهم معنى العيش والغاية منه، وهو الذي عرّفهم بمفهوم السعادة، وهو الذي زوّدهم بمفاهيم الخير والشرّ ومقياس الحسن والقبح في الأفعال، وهو الذي جعلهم على شريعة من الأمر فاستغنوا بها عن شرائع المشرّعين، وهو الذي أحلّ بينهم رابطة الأخوّة الإسلامية محلّ الروابط القومية والعرقية واللغوية والوطنية والقبلية وسائر العصبيات، وكانوا بنعمة الله إخوانا. فلم يترك الإسلام مكانا بعد هذا كلّه لهُويّة أخرى غير هُويّته، فكان القرشي والأوسي والخزرجي، والأسود والأبيض، والعربي والعجمي، إذا سئل أيّ منهم عن هُويّته قال أنا مسلم.

 

هذه الهُويّة التي حملها المسلمون وعَرّفوا أنفسهم بها طوال مئات السنين، إلى أن اخترقت رؤوسَهم لوثةُ الحضارة الغربية. فتلوّث فريق من المسلمين بلوثة القومية الطورانية، ثمّ تلوّث آخرون بلوثة القومية العربية، فانقسم كثير منهم مع مطلع القرن العشرين إلى فريق يُعلي "الهُويّة القومية التركية" وآخر يعلي "الهُويّة القومية العربية". وبعد انهيار الدولة الإسلامية ووقوع معظم بلاد المسلمين تحت احتلال الكافر المستعمر عمَد وفق قاعدته الاستعمارية "فرّق تسد" إلى تفتيت البلاد الإسلامية، وبخاصّة بلاد العرب، إلى دويلات صغيرة. وترسيخا لهذه الدويلات المصطنعة على الأرض، وتعزيزا لشرعيتها داخل الرؤوس والنفوس، عمد إلى تأسيس "هُوِيّات" جديدة لكلّ منها تُفرّق الأمّة ذات "الهُويّة" الواحدة إلى "هُويّات" شتّى. فبعد ابتذال "الهُويّتين التركية والعربية" أتبعوها بـ"الهويّة الكردية"، و"الهويّة الفارسية"، ثم نبشوا للمصريين "الهويّة الفرعونية"، وللسوريين "الهويّة الآرامية"، وللعراقيين "الهويّة البابلية"، وللّبنانيين "الهويّة الفينيقية"، وللأكراد "الهويّة الكردية"، وللتونسيين "الهويّة القرطاجية الفينيقية"، ثمّ استفزّوا في البربر ما سمّوه بـ"الهويّة الأمازيغية". وجعل الكافر المستعمر من أعلام تلك الدويلات وما تحويه من شعارات ورموز "هُويّاتٍ بصرية" لكلّ منها، بل وزاد عليها "هُويّات سمعية" هي الأناشيد الوطنية، و"هُويّات تاريخية" إذ أنشأ لكلّ دولة تاريخا خاصا بها يَفصلها عن "هُويّتها التاريخية" الإسلامية، فنسبَ كُلّا منها إلى حضارات بائدة عبرت بلادها قبل تاريخها الإسلامي. وهكذا جعل الأمّةَ ذات "الهُويّة الواحدة" أمماً ذات "هُويّات شتّى"، وبات سجناء هذه السجون المسمّاة دولاً يعرفّ كلّ منهم نفسه بأنّه سوري أو عراقي أو لبناني أو مصري أو فلسطيني أو أردنّي، بعدما كانوا جميعا يعرّفون أنفسهم بأنّهم مسلمون "هُويّتهم الإسلام"، وبأنّهم ينتمون إلى حضارة واحدة هي الحضارة الإسلامية.

 

حين انطلقت ثورة الشام منذ أربعة عشر عاما رفع ثوّارها المنطلقون من المساجد شعارات إسلامية تعبّر عن "هُويّتهم" الحقيقية، وانقاد لها سائر أهل سوريا ومَن ناصرهم، وضحّوا بأرواحهم ودمائهم وأموالهم من أجلها: "هي لله هي لله"، "لا شرقية ولا غربية إسلامية إسلامية"، "قائدنا للأبد سيّدنا محمّد"، "الشعب يريد تحكيم شرع الله". وسرعان ما توارت الفصائل التي حملت عناوين وطنية وعلمانية لينقاد الثوّار للفصائل التي تعلن "إسلامية هُويّتها" وتعلن أنّ غايتها إقامة نظام إسلامي على أنقاض نظام الكفر البعثي الأسدي، وتحتضن المجاهدين من أرجاء البلاد الإسلامية الذين وفدوا مستبشرين ككثير من المسلمين في أرجاء الدنيا بقرب قيام دولة الإسلام في عقر دار المؤمنين بالشام. والفصيل نفسه الذي تولّى السلطة في دمشق عقب سقوط الطاغية كان أوّل نشأته ولسنوات عدّة أكثر الفصائل المقاتلة إعلانا للمشروع السياسي الإسلامي، بل لطالما هاجم بعض الفصائل الثورية وقاتلها تحت ذريعة انحرافها عن المشروع الإسلامي وولائها للأنظمة الإقليمية أو تعاملها مع دول كبرى. ولكنّ الصدمة كانت أنّه حين تسلّم الحكم نقض غزله من بعد قوّة أنكاثا، وانقلب على وعوده وشعاراته، وكرّس النظام العلماني، ووالى أشدّ الدول والأنظمة عداوة للأمّة، في الوقت نفسه الذي ترتكب فيه هذه الدول أبشع المجازر بحقّ المسلمين في غزّة. ومنذ أيّام أتحفنا بإعلان ما سمّاه زورا بـ"الهُويّة البصرية" لسوريا الجديدة. فما دلالة هذا الإعلان؟

 

لقد كان أهونَ وأخفّ وطأةً لو أنّ إعلان هذا الشعار الجديد خلا من مصطلح "الهُوِيّة". فاعتماد مصطلح "الهُويّة" لم يأت عبثا، وإنّما جاء يحمل دلالات غاية في الخطورة. إذ إنّه جاء ليقطع الطريق على إعلان "الهُويّة" الحقيقية الوحيدة لأهل سوريا وسائر المسلمين في العالم كلّه، فضلا عن أنّه مُرّر اتّكاءً على عدم إدراك عامّة أهل سوريا وعامّة المسلمين في العالم لدلالة هذا المصطلح: "الهُويّة".

 

إنّ "الهُويّة" مصطلح معاصر، بموجبه عُرّفت بأنّها "الخصائص والسمات والمعتقدات والقيم المميّزة التي تُعَرِّف الشخص أو المجموعة، وتشكّل تفرّدهم وإحساسهم بالذات". وعرّفها الشريف الجرجاني في كتابه التعريفات بأنّها "الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة". وعليه فإنّ "هُويّة الدولة" إنّما تتكوّن من: العقيدة التي قامت على أساسها، ووجهة نظرها في الحياة، والحضارة التي تنتمي إليها، والأمّة التي تمثّلها، ونظامها التشريعي الذي ينظم علاقات الناس فيها، والرسالة التي تحملها إلى البشرية. وإنّ هذه "الهُويّة" لا يُعبَّر عنها بصورة طائر من الطيور. وأنكى من ذلك أن تُشرح الرموز التي تضمّنتها هذه الصورة شرحا يصرف الأذهان عن "الهُويّة الإسلامية". فالنجوم الثلاث هي نجوم العلم السوري الوطني القُطري الذي أقرّه المفوّض السامي للاحتلال الفرنسي هنري بونسو سنة ١٩٣٢م. وسائر رموز الشعار ترمز إلى الجهات الجغرافية لهذه الدولة القُطرية، وإلى تقسيماتها الإدارية، أي محافظاتها! وإنّه لأمر سخيف جدّا أن يُعدّ التقسيم الإداري لدولة ما جزءا من "هُويّتها"! والأخطر في توصيف هذا الشعار هو ما صرّح به حاكم الدولة في خطابه في حفل إعلان هذه "الهُويّة" المزوّرة.

 

أهمّ ما ورد في خطاب حاكم سوريا الجديد وأخطره هو عَزْو "هُويّة" أهل سوريا إلى حضارات ما قبل الإسلام بآلاف السنين! وعليه فحضارتهم ليست الحضارة الإسلامية، و"هُويّتهم" ليس منطلقها الإسلام، وإنّما "هُويّتهم" نتاج حضارات شتّى تعاقبت على أرض الشام منذ آلاف السنين، دونما التفاتٍ إلى "هُوِيّات" هذه الحضارات الدينية والعقدية والثقافية والتشريعية... فالهُوِيّة في نظره "هُويّة جغرافية تاريخية"، حصّة الإسلام وثقافته وتشريعه فيها أنّها إحدى حلقاتها وبعضٌ من مكوّناتها لا أكثر ولا أقلّ، وما يؤكّد هذا المعنى تعابيره المختارة بعناية عن "سوريا عبر التاريخ"، و"تنوّعها الثقافي"، و"شخصيّة سوريا"، بدلا من أن يكون الإسلام هو "هُويّتها وثقافتها وحضارتها وشخصيّتها". ثمّ إن تكرار تعابير من مثل "الشعب السوري" وأن "الهُويّة الجديدة" هي "هُويّة هذا الشعب" تأكيد آخر على "هُويّة خاصّة" بأهل سوريا من دون الناس، مع أنّ الله تعالى قضى ونبيُّه ﷺ أنّ المسلمين جميعا أمّة من دون الناس. فـ"هُويّتهم" واحدة هي "الهُويّة الإسلامية"، و"شخصيّتهم" واحدة هي "الشخصيّة الإسلامية"، وإذا قامت لهم دولة في قطر من الأقطار وجب العمل على إلحاق سائر الأقطار بها ليكون المسلمون جميعا أمّة واحدة، في دولة واحدة وتحت راية واحدة.

 

ومن أخطر المصطلحات التي وردت في خطاب حاكم سوريا تعبير "الإنسان السوري"! فهذا تعبير من أخطر التعابير التي يأباها حتّى كثير من المثقّفين والسياسيين العلمانيين والغربيين. فهذا النوع من التعابير إنّما يعتمده العنصريون العِرقيون والقوميون الذين يصنّفون الناس وفق انتماءاتهم العنصرية. فهو تعبير النازيين الذين تكلّموا عن "الإنسان الآري الأرقى"، وتعبير الصهاينة الذين يتكلّمون عن العبرانيين شعب الله المختار! فهل خلق الله سبحانه إنسانا سوريا وآخر لبنانيا وآخر فلسطينيا وآخر أردنّيا وآخر عراقيا...؟! أين حاكم سوريا من قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، ومن قول النبي ﷺ: «يا أيُّها النَّاسُ، ألَا إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكم واحدٌ، ألَا لا فَضْلَ لِعَربيٍّ على أعجَميٍّ، ولا لعَجَميٍّ على عرَبيٍّ، ولا أحمَرَ على أسوَدَ، ولا أسوَدَ على أحمَرَ إلَّا بالتَّقْوى...»؟!

 

الحقيقة أنّ حاكم سوريا حين قال إنّ "هُويّة دولته" تَستمدّ سماتها من الطائر الجارح كان صريحا بأنّه أراد لدولته أن تكون "بلا هُويّة". فلم تُعرِّف دولةٌ يوماً "هُويّتها" ولا "هُويّة شعبها" بتعريفات من مثل: القوّة، والعزم، والسرعة، والإتقان، والبصر الحادّ، والقنص الذكيّ، والابتكار في الأداء، والمناورة البارعة، والسباحة في الفضاء، والتحليق في العلياء، والمهارة في الصيد، واحتراف الانقضاض، وحماية الأهل، والمعدن النقي الصافي! بل بمنتهى الصراحة؛ لو قرأ جاهليٌّ كعنترة بن شدّاد وحاتم الطائي وسيف بن ذي يزن هذه الصفات لوجدها أصدق تعبير عن صفاته وصفات كلّ عربي شهم ذي مروءة من عرب الجاهلية قبل نزول الوحي على خاتم النبيّين ﷺ. فإذا كانت هذه هي "الهُويّة" فمن أجل ماذا بعث الله تعالى نبيّه ﷺ؟ ومن أجل ماذا أقام ﷺ دولة ذات "هُويّة" أجلّ وأعزّ وقاتل بها عرباً حَوَوا في معدنهم عناصر "هويّتكم" الفارغة هذه، ثمّ قاتل دولا ذات "هُويّات" شتّى لإعلاء "هُويّة" واحدة في أرض الله، هي "الهُويّة الإسلامية"؟! أم تراكم نسيتم قول الله تعالى: ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ﴾؟! إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أحمد القصص

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

من ولاية تكساس وتهديدها بالانفصال

إلى كاليفورنيا المضطربة ونذر الحرب الأهلية

 

 

 

إن الدول الكبرى عندما تشيخ وتهرم تظهر فيها الأمراض، وأول تلك الأمراض هو التراجع الفكري المتعلق بالمبدأ، والذي بدوره يؤدي إلى حالة من الاضطراب عند الساسة فلا يقدمون أي خدمة للدولة، من الناحية الفكرية، وتظهر حالة التناقض الفكري والاتهامات المتبادلة، والطعن والتشكيك في المبدأ، بل الانحراف، وعدم القدرة على حل القضايا العالقة، فتهتز الثقة عند من بيدهم الأمور، وتتدحرج كرة الثلج إلى العامة، ويُرى ذلك في انعكاس وتدهور في الخدمات، والترهل في كل شيء، والسبب بأن مستوى القناعات الفكرية في الإطار العام والهيكلي للدولة قد تراجع، بحيث أصبحت المفاهيم عندهم لا تشكل قناعات قوية حتى يدافعوا عنها.

 

وتبعا لكل هذا تظهر عند الأمة العنعنات، فيطلقون بالونات اختبار، في شكل مظاهرات، وحالات تمرد وعصيان من حين لآخر، معبرين عن عدم رضاهم عن سير الدولة، فإذا نجحت الدولة وقويت فكريا تزول هذه الأعراض، وتعود كما كانت، أما إذا ظلت حالة المرض الفكري الناتج عن فساد المبدأ من أساسه، واستنفدت كل أشكال الترقيع الذي عاش به منذ قرون، فتتدهور حالة الدولة، إلى أن تصل مرحلة الانهيار الكلي، كما جرى للاتحاد السوفيتي سابقاً. أما إذا كان المبدأ صحيحا، منبثقا من عقيدة عقلية، ومعالجا للعقدة الكبرى؛ من أين جئنا؟ وإلى أين نذهب؟ ولماذا جئنا؟ ليصل الإنسان إلى وجوب وجود خالق لهذا الكون، وأن الله أرسل الرسل، فتصبح مثل هذه العقيدة مبدأ صحيحا، قادرا على معالجة قضايا الإنسان، بوصفه إنسانا. فالإسلام مبدأ للحياة بدولته الخلافة، قد حل هذه العقدة الكبرى. فإن غاب هذا المبدأ، فهو قادر على العودة إلى الحياة من جديد.

 

واليوم تعيش أمريكا نموذج المبدأ الفاسد، الذي استنفد ترقيعاته، وهو المبدأ الرأسمالي، وبدت الأمراض تظهر فيه من حين لآخر، معلنة بداية ونهاية السقوط المدوي لهذا المبدأ، وحالة الترنح التي بدأت منذ فترة.

 

فلنقف على حجم تلك التحديات الكبيرة، التي ظهرت في أمريكا من اضطرابات فكرية، واضطرابات تعبر عن سوء الرعاية. فعلى سبيل المثال، اندلعت احتجاجات واسعة النطاق في لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا، يوم السبت 10 حزيران/يونيو 2025 بعد أن نفذت دائرة الهجرة والجمارك، عدة مداهمات في أنحاء المدينة، وتصاعد الموقف بسرعة، بعد أن نشرت إدارة ترامب الحرس الوطني، بالرغم من اعتراضات حاكم ولاية كاليفورنيا نيوسوم ومسؤولين آخرين في الولاية. وقال ترامب إنه سيرسل المزيد من قوات الحرس الوطني إلى كاليفورنيا إذا لزم الأمر، وشدد أنه لا يريد حربا أهلية، مضيفا "أشعر أنه لم يكن لدي خيار بشأن نشر الحرس الوطني في لوس أنجلوس، وأعتقد أني فعلت الشيء الصحيح".

 

وفي تطور لافت نقلت وكالة نوفا نيوز بتاريخ 10/6/2025 اتساع رقعة الاحتجاجات ضد سياسة ترامب بشأن الهجرة، واعتقال ثمانية متظاهرين في سياتل. وفي ولاية تكساس، تم حشد الحرس الوطني في مواقع عدة تحسبا لمظاهرات جديدة. ووفقا لما نقلته وكالة نوفا نيوز، قال وزير الدفاع بيت هيغسيث للكونغرس، إن الأمر الذي وقعه ترامب السبت، يدل على إرساء سابقة لتدخلات مماثلة، في ولايات أخرى. وأضاف أن الأمر يتعلق بالوقاية. إذا وقعت أعمال شغب أو تهديدات لسلطات إنفاذ القانون في أي أماكن أخرى فسنتمكن من التدخل بسرعة، منتقدا حاكم كاليفورنيا غافن نيوسوم بسبب تحفظه المزعوم، حتى النائب العام بام بوندي، وأكد أن الإدارة لا تخشى أن تذهب أبعد من ذلك، ما يعني استخدام قانون التمرد. ونقلت العربية الثلاثاء 10/6/2025 عن غافن نيوسوم، حاكم كاليفورنيا على اقتراح ترامب باعتقاله، على خلفية الاحتجاجات التي تشهدها الولاية، ومدن أخرى رفضا لسياسة إدارة ترامب بشأن الهجرة، واصفا الدعوة بأنها خطوة لا لبس فيها نحو الاستبداد. وقال نيوسوم في منشور على حسابه الرسمي عبر منصة إكس "دعا رئيس الولايات المتحدة للتو إلى اعتقال حاكم ولاية وهو في منصبه. هذا يوم تمنيت أن لا أراه أبدا في أمريكا". وقد اندلعت احتجاجات أخرى وفق وكالة نوفا نيوز، في سان فرانسسكو وشيكاغو ودالاس وفيلادلفيا وإنديانا بوليس وميلووكي وبوسطن وأتلانتا وواشنطن.

 

وفي العام الماضي، نقلت الشرق نيوز في شهر كانون الثاني/يناير 2024 أعلنت المحكمة العليا الأمريكية بأغلبية تصويت، بقطع وإزالة الأسلاك الشائكة التي أقامتها ولاية تكساس على طول الحدود مع المكسيك لمنع المهاجرين من العبور إلى أراضيها. وبعد تصويت أغلبية 5 مقابل 4 في المحكمة العليا، تزايدت دعوات ولاية تكساس لإعلان الاستقلال عن الولايات المتحدة، حيث أثار قرار المحكمة غضب سكان تكساس، الذين يؤيدون الإجراءات التي اتخذها الحاكم الجمهوري جريرج أبوت في أيار/مايو 2021 بأمر تركيب الأسلاك الشائكة، على الحدود الجنوبية للولاية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، والتي شهدت تدفقا للأشخاص الذين يعبرون الحدود من المكسيك. ونقلت الشرق نيوز كذلك في تشرين الأول/أكتوبر 2021 خبر قيام المدعي العام في تكساس كين باكستون، برفع دعوى قضائية ضد إدارة بايدن، بسبب إزالة العملاء الفيدراليين للأسلاك الشائكة. وظهرت مئات المشاركات على موقع إكس، تحت هاشتاج "تكساس" الذي يشير إلى انفصال تكساس عن أمريكا. وكتبت إحدى مستخدمات إكس التي تطلق على نفسها، الجيل التاسع من تكساس، "باعتباري من تكساس أعتقد اعتقادا راسخا، أن الخيار الوحيد القابل للتطبيق في تكساس، للمضي قدما هو التصويت على الانفصال". وأصدرت حركة تكساس القومية بيانا يدين حكم المحكمة العليا قائلة "إنها تعتقد أن المحكمة الفيدرالية خذلت تكساس مرة أخرى". ويشار إلى أن قرار المحكمة العليا بإرسال عناصر من حرس الحدود الفيدراليين لإزالة الأسلاك الشائكة التي أقامتها حكومة ولاية تكساس قد أعاد القلق من حدوث فوضى محتملة وشبح الحرب الأهلية.

 

هذا هو الواقع الذي جرى في العام الماضي، وأحداث منتصف شهر حزيران/يونيو من العام الجاري، وما حمل من تحديات جسام، ومظاهر لا تنتهي فصولها بإذن الله تعالى، إلا بموت أمريكا من الداخل وفق مبدئها الفاسد. وهذا ما نقلته صحيفة رأي اليوم الإلكترونية بتاريخ 12/6/2025 حيث قالت "باحث تنبأ بانهيار أمريكا يقول: التفكك بدأ للتو"، حذر الأستاذ بيتر تورتشين أستاذ في جامعة كونيتيكت، من أن الولايات المتحدة، تتجه نحو عقد يتسم بعدم الاستقرار السياسي، بشكل متزايد. أجرت مجلة نيوزويك الأمريكية مقابلة مع تورتشين عالم البيئة الذي تحول إلى مؤرخ، في أعقاب الاحتجاجات المتصاعدة، ونشر قوات الحرس الوطني في لوس أنجلوس، في حملة ترامب على المهاجرين، وذكرت المجلة أن تنبؤات تورتشين، بشأن ما يحدث قد صدقت بدقة غريبة على ما يبدو. ففي تحليل نشرته مجلة "نيتشر" عام 2010 حدد تورتشين عدة علامات تحذيرية مثل ركود الأجور ووجود فجوة متزايدة في الثروة وفائض في النخب المتعلمة لا يقابلها وظائف تناسب مؤهلاتها وعجز مالي متسارع، وقال إن كل هذه الظواهر وصلت إلى نقطة تحول في السبعينات، واستند تورتشين في تنبؤاته إلى إطار عمل يعرف باسم النظرية الهيكلية الديمغرافية التي تضع نموذجا لكيفية تفاعل القوى التاريخية التي تتجلى في عدم المساواة الاقتصادية وتنافس النخبة، وسلطة الدولة لدفع دورات عدم الاستقرار السياسي، وفي المقابلة قال تورتشين الذي يعمل حاليا أستاذا فخريا في جامعة يوكون إن كل واحد من تلك المؤشرات ازدادت حدة. مشيرا إلى الركود الفعلي في الأجور وتأثيرات الذكاء الاصطناعي على الطبقة المهنية، والمالية العامة التي لا يمكن التحكم فيها بشكل متزايد. ويجادل المؤرخ أن العنف في الولايات المتحدة يميل إلى التكرار كل 50 عاما تقريبا لافتا إلى نوبات من الاضطرابات حدثت في الأعوام 1870 و1920 و1970 و2020. ويضيف أن أحد أوجه الشبه التاريخية عما يحدث الآن هو عقد السبعينات. فقد شهد ذلك العقد ظهور حركات راديكالية من حرم الجامعات وجيوب الطبقة الوسطى، ليس فقط في الولايات المتحدة ولكن في جميع أنحاء الغرب، وقال لمجلة نيوزويك إنه كان قد توقع في عام 2010 أن تشهد الولايات المتحدة فترة من عدم الاستقرار السياسي ثلاثية الأبعاد مع بداية القرن الواحد والعشرين مدفوعة بتفاقم الفقر الشعبي والإفراط في إنتاج النخب، والضعف في قدرات الدولة. ووفقا لنموذجه فإن صعود ترامب لم يكن سببا للأزمة السياسية في أمريكا، بل كان أحد الأعراض التي انبثقت من مجتمع متوتر بالفعل، بسبب اتساع نطاق عدم المساواة، وتشبع الدولة من أعداد النخب، وقال لقد ازدادت المنافسة بين النخب بشكل أكبر مدفوعة الآن في الغالب بتقلص المعروض من المناصب بالنسبة لهم.

 

وقد ردد هذه النظرية عالم الاجتماع في جامعة واين ستيت، جوكا سافولاينن، الذي جادل في مقال رأي نشر مؤخرا في صحيفة وول ستريت جورنال بأن الولايات المتحدة تخاطر بخلق طبقة فكرية راديكالية قوامها أفراد تلقوا تعليما عاليا جدا، وأُقصوا من مؤسسات الدولة. وحذر سافولاينن من أن سياسات عهد ترامب مثل تفكيك برنامج التنوع والمساواة والاندماج والبحوث الأكاديمية وتقليص المؤسسات العامة قد تؤدى إلى تسريع وتيرة الاضطرابات، التي حدثت في السبعينات، وأشار إلى أن سياسات الرئيس ترامب يمكن أن تزيد من حدة هذه الديناميكية. وبدوره يعتقد تورتشين المؤرخ أن النظام الأمريكي دخل ما يسميها الحالة "الثورية" وهي مرحلة تاريخية لم يعد من الممكن لمؤسسات الدولة، من خلال آلياتها ونظمها احتواء الظروف المزعزعة للاستقرار. وختم بالقول إن كل هذه المؤشرات تكتسب لسوء الحظ زخما متزايدا.

 

لعل الشاهد في واقع أمريكا، وما بدا فيها من حالات الانحدار الداخلي، تبعه انحدار في سياستها الخارجية التي أسقطت قيمها التي تنادي بها منذ دخولها حلبة الصراع الدولي، من حقوق إنسان وديمقراطية وغيرها، بما تتشدق به، وخدعت العالم به منذ سنوات تطاولت على الناس، فهي بعيدة كل البعد عن أي قيمة تنادي بها، فعندما نادت بحقوق الإنسان، كانت هي أول من قتلت الإنسان بدم بارد، بدءا بالهنود الحمر، وهضم حقوق الزنوج، وترحيلهم بطريقة قاسية تشبه معاملة الحيوان وليس الإنسان. وهي أول من استخدم القنبلة الذرية في اليابان، وما زالت آثارها باقية، وأخيرا وليس آخرا جرائمها ضد الإنسان والإنسانية، وتضامنها الفج ودعمها غير المحدود لكيان يهود في حربه على أهل غزة، وقد شهد أمريكان ومنهم طلاب الجامعات بسقوط قيمها عندما خرجوا منددين بجرائم دولتهم ضد أهل غزة، وتدمير المستشفيات ودور الإيواء وسياسة التجويع. فسقوط أمريكا وما تنادي به من قيم فهي قد سقطت منذ فترة، وما بقي لها إلا التشييع الأخير الذي ينتظره العالم كله بما أذاقت به العالم من جرائمها وويلاتها، وأسلوبها القذر، في استعمار العالم بأبشع الصور من افتعال للحروب وتجويع العالم وجعله في حافة الجوع والمسغبة، وصناعتها للأزمات المتلاحقة. فما يحتاجه العالم اليوم هو بروز مبدأ جديد يحل محل المبدأ الرأسمالي، الذي تدير به أمريكا العالم، وقد فشلت فشلا مدويا، والمبدأ الصحيح اليوم متوفر عند المسلمين، وهو مبدأ الإسلام العظيم. ولا يحتاج إلا لدولة تطبقه وتحمله إلى العالم بالدعوة والجهاد، وهي دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة القائمة قريبا بإذن الله تعالى.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الشيخ محمد السماني - ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وقفة مع آية

﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ

 

 

تكشف هذه الآية أن طريق الأنبياء لم يكن طريق المهادنة والسكوت، بل كان طريق الصراع والثبات، طريق مواجهة الطغاة، ونشر الحق لا دفنه تحت موائد المفاوضات، وأن الأنبياء لم يكونوا وحدهم، بل قاتل معهم ربانيون، أي أهل تقوى ووعي وعقيدة، يقاتلون بعقيدتهم لا لمصالحهم، ويثبتون بثقة لا بخوف.

 

فالربانيون الذين قاتلوا مع الأنبياء لم يقاتلوا طمعاً في دنيا، بل ثبّتتهم العقيدة، لم يهنوا، لم يضعفوا، لم يستكينوا؛ فأحبهم الله. فما وهنوا أمام الدماء، ولا ضعفوا حين اشتدت الأزمات، ولا استكانوا حين دعاهم العدو إلى المهادنة، بل صبروا وثبتوا وربطوا مصيرهم بنصر الله لا بإرادة المستعمر أو الحاكم.

 

واليوم، وفي ظل الهجوم العالمي على الإسلام، والعدوان على غزة، والتآمر على الأمة، تتكرر السنن؛ أنظمة مستسلمة، شعوب مخدّرة، وإعلام يروّج للسلام مع أعداء الله!

 

لكنّ وعد الله ما زال قائماً، وشرطه ما زال هو ذاته؛ أن نكون ربانيين، أهل وعي وعقيدة، صبر وثبات (أي رجال سياسيين) نجمع بين الحكمة والقيادة، لا نهادن الباطل، بل نقف لقلعه.

 

نعم إنّ هذه الآية العظيمة ترسم للمؤمنين طريقاً واضحاً ومضاءً بثبات الصادقين، وصبر الربانيين، الذين ما وهنوا في سبيل الله، وما ضعفوا، وما استكانوا، رغم شدّة الابتلاء، وعِظم المواجهة لأن مراحل سقوط الإنسان تبدأ بالوهن ثم بالضعف ثم بالاستكانة. فلا يدع الإنسان مكاناً للشيطان في حياته ليضعفه ثم يصل به الأمر إلى ترك ما يحمل وبعدها الخوض مع أهل الضلال والعياذ بالله.

 

إنها آية تُحيي في النفوس عِزّة الإيمان، وتُعلّمنا أن التمكين لا يُنال إلا بالصبر والثبات، وأن طريق الأنبياء ليس طريق تسويات ولا تنازلات، بل طريق صراع وجهاد، فيه تضحيات عظيمة لكنه يقود إلى مرضاة الله وإعلاء كلمته في الأرض.

 

فليكن المؤمنون ربانيين بحق، يحملون همّ الدعوة، ويجاهدون مع الدعاة الصادقين، كما جاهد الربانيون الأوائل مع الأنبياء، لا تعنيهم منافع الدنيا، ولا تُغريهم كراسي الحكم ولا زخارف النفوذ، بل يثبتون على الحق ويصبرون على الأذى في سبيله، يواجهون الطغاة، ويكسرون حاجز الخوف، ويصدعون بكلمة الحق ويثبتون على مشروع الخلافة الراشدة، صابرين محتسبين، لا يهنون ولا يضعفون ولا يستكينون، وليعلموا أن الله يحب الصابرين، وأن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وأن العاقبة للمتقين. حيث ونحن في زمنٍ كثر فيه الدعاة إلى الاستسلام، وتراجعت فيه همم الشعوب خلف رايات الديمقراطية والتطبيع، فهذه الآية نداء من السماء لتذكّرنا أن طريق النصر لا يكون بالركون إلى أعداء الله، بل بالمواجهة والصبر والثقة بنصر الله. فالصراع اليوم صراعٌ بين من يثق بوعد الله، ومن يظن بالله الظنونا. ومن كان ربانياً حقاً، فلن يساوم، ولن يهادن، ولن ييأس فضلا عن أن يستسلم بل سيقول كما قال أولئك الربانيون: ﴿حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.

 

فليكن درب الخلافة هو مشروعنا، إلى إقامة دين الله في الأرض، لا إلى موائد التفاوض ولا إلى مجالس الاستسلام. فلتكن الأمة ربانية، ولتنهض على وعي وثبات، كما كان مشروع الأنبياء والربانيين من قبل، ولنجعل من إعلاء كلمة الله قضيتنا المصيرية.

 

فيا من تحملون دعوة الإسلام، اثبتوا كما ثبت الربانيون، ولا تهنوا ولا تستكينوا، فإن الله وعدكم بالنصر، فاصبروا، فإن وعد الله حق، وها هي الأمة تقترب من ساعة الخلاص، والتمكين في الأرض لعباد الله الصادقين.

 

اللهم اجعلنا من الربانيين، واملأ قلوبنا ثباتاً، واجعلنا من جندك الذين تقيم بهم دينك في الأرض.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤيد الراجحي – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حريق سنترال رمسيس دليل على الفساد


في 7/7/2025م بدأ موسم الحرائق السنوي في مصر متأخراً، فقد اعتاد أهل الكنانة في حزيران/يونيو من كل عام على سلسلة من الحرائق "مجهولة المصدر" عادة في مبان حكومية، ولكن ما من أحد يجهل أنها مجرد تستر على الفساد والسرقة قبل بداية موسم المراجعة والجرد السنوي، فقد أصبح الفساد أمرا لا يخفى في ظل منظومة بعيدة عن الإسلام، لكن هذه السنة كان افتتاح الموسم بحريق سنترال رمسيس وهو أهم مركز للبنية التحتية للاتصالات في مصر، حيث اشتعلت النار في الطابق السابع من المبنى الذي يضم غرف معدات الاتصالات ثم انتقل إلى الطوابق الأخرى، وقد أدى ذلك إلى وفاة 4 موظفين وإصابة 27 آخرين. وإلى جانب تقديرات أولية للخسائر بملايين الجنيهات، فإن الخسائر لا تقتصر على أجهزة الاتصالات فقط بل شملت:


• انخفاض مستوى الاتصال في مصر إلى نحو 62% من المعدل الطبيعي
• تعطل خدمات الإنترنت والهواتف الأرضية والمحمولة في القاهرة ومحافظات عدة
• تأثر الخدمات المصرفية الرقمية بما في ذلك بطاقات الائتمان وأجهزة الصراف الآلي والمعاملات الإلكترونية
• تعطل خدمات الأرقام الهاتفية الطارئة مثل الإسعاف والرعاية العاجلة بشكل مؤقت تكرر
• تعليق التداول في البورصة المصرية يوم الثلاثاء بسبب الصعوبات التقنية
• تأثر بعض الرحلات الجوية في مطار القاهرة الدولي بسبب العطل في شبكات الاتصالات


وقد بين هذا الحادث مدى سوء الإدارة في مصر حيث اتضح أن سنترال رمسيس يعالج 40% من حركة الاتصالات المحلية والدولية ما يجعل المنظومة معتمدة على نقطة فشل واحدة، وقد رأينا نتيجة ذلك، بالإضافة إلى أن الخطر الناتج من تركيز البنية التحتية يبقى حتى في حالة اتخاذ الإجراءات المناسبة لحفظ المبنى، فما بالكم ونحن نتحدث عن مبنى متهالك بني سنة 1927 واستمرت الدولة بالاعتماد عليه حتى هذه اللحظة! بل إنهم لم يكلفوا أنفسهم إعادة تأهيل المبنى، فقد اتضح أن من أكبر أسباب توسع الحريق هو غياب تحديثات كافية في أنظمة الإطفاء وتبريد الكابلات. ونتيجة كل هذا الإهمال فإن أي شعلة في هذا المبنى تؤدي إلى حريق يحصد الأرواح ويرجع مستوى الاتصالات عقودا إلى الوراء، وقد حدث ذلك بالرغم من وجود بدائل، فبحسب الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات فإن مصر لديها شبكة من 1676 سنترالاً ولكن الدولة لم تضع أي جهد في إعادة هيكلة المنظومة وهذا ليس بغريب، فمن عادة النظام تجاهل المشكلات حتى تقع الخسائر في المال والأرواح وكأنهم ليسوا بمسئولين عنهم أمام الله متجاهلين قول رسول الله ﷺ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».


وأما جهود الدولة في التعامل مع الأزمة فهي مسألة أخرى وباب آخر للتقصير في رعاية شؤون الناس؛ فقد استغرقت استعادة الخدمات الأساسية مثل الإسعاف أو البنوك أكثر من 24 ساعة، مشيرا إلى غياب أي خطة طوارئ، وبالرغم من جهود رجال الإطفاء إلا أن طبيعة المبنى وسوء التخطيط تسببا في تجدد الحريق يوم الخميس 10 تموز/يوليو، ثم تجدد مجددا في الجانب الخلفي للمبنى ولكن لم تذكر التقارير تاريخا محددا ولكن وضحت أن السبب:


• بقاء "نار تحت الرماد" في أجزاء من المبنى لم يتم تبريدها بالكامل
• تسريبات كهربائية نتيجة وصول مياه الإطفاء إلى مكونات حساسة
• إضعاف الحريق الأول لعوازل الكابلات الداخلية ما جعلها عرضة لشرر كهربائي
• صعوبة تبريد الكابلات المدفونة داخل الجدران والتي يصعب الوصول إليها
ما يؤكد عدم استعداد المبنى لأي حالة طوارئ.


وبعد أن ظهر قدر الإهمال في مجال لا يُستغنى عنه مثل خدمة الاتصالات، فيجب أن تكون استجابة الحكومة هي الاعتذار والتحقيق مع المسئولين والوعود بالإصلاح، ولكن ليس هذا حال النظام في أرض الكنانة، فقد خرج المسئولون بتصريحات اعتبرها أهل مصر أنها استفزازية مثل تصريح وزير الاتصالات عمرو طلعت "كفاية الإنترنت زادت بعد الحريق"! ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي "لو هبيعه أحرقه ليه؟"، متحدثا عن إشاعة بيع المبنى بدون ذكر تفاصيل عن إصلاحات هيكلية أو مستقبل المبنى، فأثارت هذه التصريحات غضب المصريين، وبهذا يكون الفشل في التعامل السياسي مع الموقف هو التتويج لسلسلة من الإهمال والفساد، فلا أحد في مصر يخاف من حساب، وهم أصلا جزء من نظام عميل صنعه الغرب ليستبدله بنظام الحكم في الإسلام وهو الخلافة، فلم يحدث أبدا في ظل الخلافة أن يتكرر سنويا مشهد إتلاف أجهزة الدولة ليتستر على الفساد، في مشهد يدرك الجميع حقيقته ولا يملك أحد إيقافه إلا باقتلاع هذا النظام الفاسد من جذوره وإعادة الإسلام إلى الحكم، ولا أحد يعمل على ذلك في عصرنا إلا حزب التحرير الذي يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية من جديد بعدلها ورعايتها وحفظها لأمن الناس وأمانهم وممتلكاتهم في ظل الإسلام ودولته التي تقضي على الفساد وتنظف أجواء البلاد؛ دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الرحمن شاكر – ولاية مصر

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وقفة مع آية

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾

 

هذه الآية تلخص منهج النبي ﷺ ومن سار على دربه؛ سبيلٌ واحدٌ لا غموض فيه؛ دعوة إلى الله قائمة على علم ويقين، لا على العاطفة أو التهوّر. فالدعوة التي أمر الله بها نبيَّه، هي دعوة لإقامة دينه، وتحكيم شرعه، وحمل رسالته إلى العالم.

 

وليست الدعوة عملاً فردياً ولا عشوائياً، بل هي طريق جماعي يسلكه المؤمنون الواعون، على بصيرة تامة بحقيقة الإسلام وطريق التغيير. إنها دعوة تحمل مشروعاً، وتستند إلى وعي سياسي شرعي، هدفه إقامة دولة الإسلام التي تطبق أحكام الله وتنشر العدل في الأرض.

 

وحاليا نحن في زمن التزييف والتشويش على الإسلام، فتبقى هذه الآية نوراً يرسم طريق الحق بوضوح.

 

هذا هو منهج النبي ﷺ ومن تبعه بصدق؛ دعوة إلى الله، لكن ليست عامة ضبابية، بل دعوة على بصيرة، تحمل مشروعاً واضحاً؛ إقامة الدين، وتحكيم الشرع، وتحرير الأمة من هيمنة الكفر والظلم.

 

فاليوم نحن بحاجة إلى تلبس هذا الطريق القويم بالقيام بحمل دعوة الإسلام بترسم خطا نبينا الكريم ﷺ بعيداً عن الدعوة المشاعرية البحتة أو الفردية الأنانية، بل دعوة واعية يقودها حملة دعوة، يفهمون الإسلام فهماً سياسياً شرعياً، يقومون بعملٍ جماعيٍّ منضبطٍ، ولهم غاية وطريقة وقيادة واعية وتبنٍّ ورابطة صحيحة تربطهم، وكل هذا يكون منبثقا من الإسلام. فأي جماعة لم تحدد هذه النقاط السابقة فهي تدور في حلقة مفرغة أو لا تلبث أن تموت وتنتهي وتضمحل، ويدركون أن تغيير الواقع اليوم لا يكون إلا بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

فكن من أتباع هذا السبيل، فنحن في حزب التحرير قد حددنا الغاية والطريقة، قيادتنا موجودة تثبت الأيام حنكتها ودرايتها وإخلاصها ووعيها، والتبني بين أيدينا ومطروح للأمة، والرابطة التي تربطنا هي رابطة العقيدة الإسلامية لا غير، فيا أخي المسلم: لا ترضَ أن تُختزل دعوتك في وعظ فردي أو نشاط موسمي، بل اجعل دعوتك عملاً جاداً لتغيير حال الأمة معنا، والتحق بالركب لتحقيق وعد الله سبحانه وتعالى بالاستخلاف والتمكين والأمن، كما فعل النبي ﷺ وصحابته الكرام رضوان الله عليهم.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤيد الراجحي – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

صرخة من غزة هاشم... "أنتم خصومنا يوم القيامة"

 

 

 

خرج أبو عبيدة، لا كما خرج بالأمس مقاتلاً مرابطاً، بل خرج هذه المرة مكلوماً، نحيف الجسد، عظيم الوجع، يحمل في صوته نبرة قهر لم تأتِ من ضعفٍ في مقاومة العدو، ولا من قلة في السلاح، بل من طعنة في القلب اسمها "خيانة الأمة"، قالها كالصاعقة: "أنتم خصومنا يوم القيامة"! نعم قالها متأخراً "أنتم خصومنا يوم القيامة"، ولكنها وصلت الآن وجابت الأرض، وقالها قبله كثيراً شباب غزة ورجالها وأطفالها الذين لم يظهرهم إعلام الدول بل ظهروا في وسائل التواصل يناشدون الأمة وجيوشها وعلماءها ولا من مجيب، لم تلامس نداءاتهم نخوة المعتصم لأننا بلا دولة بلا خليفة، بلا خلافة!

 

نعم، خصوم أهل غزة ليسوا جنرالات الاحتلال، بل أولئك الذين لبسوا النياشين والرتب من أبناء جلدتنا وأنفقت الأمة من دمها لتدريبهم وتعليمهم ولكنهم خذلوها وانبطحوا لحكام خونة. خصوم أهل غزة من لبسوا زي العلماء وسكتوا عن نصرة الحق، الذين انشغلوا بالتنظير وتركوا ميادين الجهاد، الذين صمتوا صمتاً ملغوماً، بينما كانت غزة تحترق وأطفالها يجوعون!

 

وهنا نتوجه لفئتين من أبناء هذه الأمة؛ الأولى العلماء:

 

يا علماء الأمة: هل نسيتم أنكم ورثة الأنبياء؟ هل علمتكم المدارس كيف تفتون في فقه الطهارة، ونسيتم فقه النصرة؟ هل خشيتم سيف السلطان، ولم تخشوا غضب الجبار؟! أما علمتم أن التخلي عن المظلوم، خذلانٌ يوم العرض، وأن الصمت عن الحق جريمة لن تسقط بالتقادم؟ فلا عذر لكم لا بفتوى ولا بصمت.

 

أما الفئة الثانية فهي جيوش الأمة:

 

يا جيوش المسلمين، يا من تظنون أن بإمكانكم التهرب من مسؤولية النكسة، القضية ليست طعاماً ودواء، بل هي عودة سلطان الإسلام على الأرض، القضية ليست إنسانية، بل شرعية، فإن الإسلام لا يُنصر إلا بدولة، ولا تُحرر فلسطين إلا بجيوش تُسيرها عقيدة، لا أوامر الأمم المتحدة!

 

أهل غزة تقتلهم خيانة أهل القوة والمنعة، يؤلمهم غياب النصرة الشرعية التي نادى بها رسول الله ﷺ حين ذهب إلى الطائف ولم يبحث عن دواء بل عن نصرة.

 

وأما الصامتون فنقول لهم: أنتم شركاء في دموع الأمهات، وجوع الأطفال، وخراب البيوت. أنتم من تركتم المجاهدين وحدهم في الخنادق، وفضلتم المواقف الرمادية في زمنٍ لا يقبل إلا الأبيض أو الأسود.

 

وغداً عند الميزان سيقف أطفال غزة وشيوخها ونساؤها ورجالها، وستُعرض خيانات الصامتين، وسيدوي السؤال الذي لن يردّ عليه أحد، فكيف سيكون الرد؟ فبمَ اعتذرتم لسكوتكم؟

 

فيا من بقي في قلبه خوف من الله، الحق لا ينتظر، انصروا دينكم ولو بكلمة، ولا تكونوا من الخصوم يوم الوقوف بين يدي الله. فكلمات أبي عبيدة ليست كلمات عاطفية، بل هي صرخة مدوية كشفت العورة السياسية والعقدية لأمة تخلّت عن مشروعها الحضاري، وعن قضيتها المصيرية، وعن واجبها الشرعي الأصيل: إقامة الخلافة وتحريك الجيوش لتحرير الأرض والمقدسات.

 

حين خرج أبو عبيدة مكلوماً لا يشتكي قلة الذخيرة بل خيانة الأمة، فقد نطق بما يعجز عن قوله كثير من القادة، وقال كلمة الحق في زمنٍ استقر فيه الباطل على عروشٍ زائفة، قالها مدوية "أنتم خصومنا يوم القيامة" يقصد بها من تخاذلوا عن النصرة، من ارتضوا أن تبقى قضية فلسطين صراعاً حدودياً، لا قضية أمةٍ بلا إمام ولا خلافة.

 

يا أبناء الأمة: "أنتم خصومنا يوم القيامة" ليست دعوة عاطفية، بل هي حكم شرعي على واقع الأمة التي أعرضت عن العمل لإقامة الخلافة، وركنت إلى أنظمة الضرار، ورضيت بالموت البطيء لأرض الإسراء والمعراج.

 

لا تتعلقوا بالأبطال وتنسوا الفكرة؛ فغزة تحتاج دولة، والمسلمون يحتاجون خليفة، وهذه الدماء لا تردها التبرعات ولا الدعوات، بل يردها أزيز الرصاص وحمم الطائرات وتكبيرات الجند. إن كيان يهود كافر غاصب، لا ينفع معه إلا قوة عقائدية تقودها دولة الخلافة الراشدة، وهذه القوة لن تُولد من موائد المفاوضات، ولا من مؤتمرات التطبيع، بل من معسكرات الجيوش، ومآذن الجوامع، وعزائم المؤمنين الصادقين.

 

"أنتم خصومنا يوم القيامة" ليست زفرة عتاب، بل هي صفعة حق في وجه من ارتضى الذل، وسكت عن خيانة الحكام، وغفل عن فرض إقامة الخلافة، فترك الأمة نهباً لمجرمي الأرض وأعداء الدين.

 

التخاذل جريمة، والصمت خيانة، والركون للأنظمة القائمة اشتراك مباشر في الجريمة. فليعلم المسلم أن نصرة الدين لا تكون إلا من خلال عمل واعٍ لإقامة الخلافة التي بها تُنصر الثغور وتُذاد الحرمات.

 

فيا جيوش المسلمين، إن الواجب الشرعي لا يحتمل التأجيل، وأي تأخير في أداء النصرة هو خيانة لله ولرسوله ولدماء المسلمين.

 

فيا أمة محمد، كفاك سباتاً، وكفى لجيوشك الارتهان لأعداء الله. آن الأوان أن يتحرك أهل القوة ليمنحوا النصرة لمن يحمل مشروع الأمة: الخلافة الراشدة، ويحققوا قول الله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾. اللهم عجل بقيام دولة الخلافة، وحقق وعدك، واكسر بها شوكة الكفر، واقصم بها ظهر العملاء، وأقم رايتك، وانصر جندك.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزي التحرير

عبد المحمود العامري – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كيان يهود في الفكر الغربي الرأسمالي

 

ما هي لازمة وجود كيان يهود في الفكر الغربي الرأسمالي؟ ولماذا تم اختيار فلسطين وطناً قومياً لهم؟ ولماذا تأخر بناء هذا الكيان حتى عام 19٤٨؟

 

هناك ثلاثة أسباب لوجود هذا المشروع الحيوي للفكر الغربي الذي تحكمه المصالح والمصالح فقط، وهي:

 

السبب الأول: الكراهية المطلقة لليهود وتنامي الكراهية لهم؛ ذلك أنهم يمتازون بمكرهم وخبثهم ودهائهم ولؤمهم وكراهيتهم لكل المجتمعات التي يعيشون فيها بسبب سردية أنهم شعب الله المختار وباقي شعوب الأرض (الغويم) كلهم حيوانات أحسن الله من خلقتهم حتى تماهي خلقة البشر لكي يقبلوا منهم خدمتهم لهم.

 

السبب الثاني: المكر والخديعة والمؤامرات هي ديدن يهود، ولذا لا يتناهون عن التآمر على الدول والشعوب التي تحتضنهم كما فعلوا مع الدولة العثمانية وألمانيا، فهم دائماً وأبداً يثيرون القلاقل في البلاد التي يعيشون فيها، فهم يمتازون بالإفساد ومنها عمليات الربا التي برعوا فيها وأنشأوا لها المراكز المالية الكبرى والصغرى.

 

لذا التقت مصالح الغرب مع هذا المرض العضال فقرروا:

 

أولاً: التخلص منهم ببناء كنتون منعزل لهم عن الغرب وتهجير ما يمكن تهجيره منهم إليه حتى يُخلِّصوا مجتمعاتهم من هذا السرطان.

 

ثانياً: اختيار فلسطين وهي قلب البلاد الإسلامية ومهوى أفئدتهم ومسرى نبيهم ﷺ وفيها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، وهي أرض لها قدسيتها عند نحو ٢ مليار مسلم في العالم، وفيها من النصوص القرآنية وسنة النبي الكريم ﷺ ما يجعلها من القضايا المركزية لديهم، وفوق ذلك وهو الأهم أن موعود الخلافة الراشدة ومقر عودتها هي هذه الأرض التي بارك الله فيها وحولها لقوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾.

 

وحتى ينجح الغرب في كيفية التخلص من هذه الشرذمة المجرمة والفاسدة والمفسدة وصناعة كنتون يتم عزلهم وتجميعهم فيه، أنشأوا تاريخاً وسردية مزيفة وهي أن فلسطين هي أرض الميعاد، وأسبغوا عليها من الصفات ما يغري هذه الشرذمة المعزولة والمكروهة عالمياً بأن تجد أرض الميعاد الموعودة والموهومة والتي سيجدون فيها اللبن والعسل بلا عمل أو عناء.

 

السبب الثالث: المصلحة التي يحقق بها الغرب مبتغاه من هذا المشروع الاستيطاني هو جعل هؤلاء الشراذم في حلق المسلمين كي يكونوا مانعاً صاداً قيام دولة الخلافة؛ لذلك أسس الغرب وخطط مشروعه لحصول هذه النتيجة.

 

وحتى تنجح وتحقق أهدافها تم هدم دولة الخلافة العثمانية، وبالتالي تقسيم البلاد الإسلامية من الخليج شرقاً إلى الأطلسي غرباً، إلى أكثر من ٢٥ دويلة وشعباً، ووضعت أسس التناحر في طيات هذا المشروع؛ منها التقسيم المدروس بحيث تكون بؤر الصراع موجودة، ومنها مشروع العرقيات الصغيرة والجغرافيا غير المتناسبة مع عدد السكان لتلك الكنتونات الجديدة، فالمقدرات المتوفرة بكثرة في رقعة عدد سكانها قليل، وجغرافيا مكتظة فيها شح الموارد، وهذا التناقض سيدفع هذه الشعوب وهذه الكنتونات إلى الصراع للتمايز والفوارق الموجودة، ومن ثم الاعتماد على الغرب إما لطلب الحماية أو الاعتماد عليه في الاحتياجات وكلف التشغيل، ثم لحماية الكنتون الوليد المركزي في المنطقة وهو كيان يهود الذي صدر بحقه وعد بلفور بعد قرار التقسيم سايكس بيكو.

 

إذاً تمت صناعة هذه الكنتونات، وبعد ذلك صنع كيان يهود لتحقيق هدف واحد وهو منع وحدة الأمة ومنع قيام دولة على أساس الإسلام وجعل هذه الكنتونات في حالة صراع دائم لتحقيق هذه الغاية العظمى، وهكذا يدرأ الغرب عن نفسه خطرا وجوديا بوجود اليهود بين أظهرهم فيصبح الصراع الدائم والمستمر والذي لا يتوقف أبداً بين المسلمين التواقين لعودة خلافتهم الموعودة والمأمور بها شرعاً وبين تلك الأنظمة المصطنعة وكيان يهود مع تعهد رسمي من الغرب وعلى رأسه أمريكا والمنظومات العربية بحماية كيان يهود ومدِّه بسبل الحياة والبقاء والقوة.

 

وهنا نجد في هذه المعادلة أن إرادة الغرب التقت مع يهود والكيانات العربية لتحقيق مصلحة مشتركة وهي منع الإسلام من العودة إلى سدة الحكم، وذلك برسم سياسة تعاونية مشتركة بينها تقوم على التعاون الأمني. وكل هذه الجموع في صف والأمة في صف لا تتماهى معهم في مشروعهم وتعمل على إجهاضه والقضاء عليه توطيناً لمشروعها الكبير وهو الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سالم أبو سبيتان

 
  •  
رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الثبات على الحق في وجه الطغاة

 

في خضمّ الفتن والمحن، وفي أزمنةٍ يسود فيها الظلم، ويُكتم صوت الحق، يبرز أصحاب المبادئ وهم يحملون أسمى صورة من صور الإيمان وأشدّها إشراقاً.

 

إنّ الثبات على الحق لا يكون في أوقات الراحة، بل حين يصبح التمسّك به ثمنه النفس أو العذاب؛ هناك يُمتحن الصادقون، وتُفرَز الصفوف، ويُعرَف أهل العزيمة من أهل الهوى.

 

إنّ الحق ليس رأياً يُناقَش أو صفقةً تُبرم، بل هو نورٌ من عند الله، لا يتغيّر بتغيّر الزمان، ولا يتبدّل تحت ضغط السلطان، والذين ثبتوا على الحق إنما فعلوا ذلك لأنهم يعلمون أنّ هذه الحياة زائلة، وأنّ الله تعالى أحقّ أن يُطاع.

 

ولنا في كتاب الله عبرٌ وعظات؛ فهذا سيدُنا إبراهيمُ عليه السلام واجه نمرودَ الطاغيةَ الذي ادّعى الألوهية، فلم يتردّد في محاججته، ولم يخَفْ من إعلان عقيدته، رغم تهديده بالنار، لكنه قال: (حسبي الله ونعم الوكيل)، فلم يرَ في النار عذاباً، بل امتحاناً، فجعلها الله تعالى برداً وسلاماً عليه.

 

وكذلك أصحاب الأخدود، أمةٌ كاملةٌ رفضت الانحناء، وواجهت بطش ملك أراد منهم أن يعودوا إلى الكفر أو يُحرَقوا بالنار؛ فاختاروا الإيمان والموت على الذلّ والخنوع، نساءٌ وأطفالٌ ورجالٌ وشيوخٌ آثروا نار الدنيا على نار الآخرة، لم يكونوا أنبياء، بل مؤمنين عاديين، لكنّ ثباتهم جعلهم خالدين في كتاب الله.

 

إنّ الحياة ليست عناداً، بل وعيٌ وثباتٌ على الحق عن إدراكٍ عميقٍ بأنّ ما يعتقده الإنسان هو الحق الذي يرضاه الله سبحانه وتعالى؛ فلا يُساوِم عليه ولو اجتمعت عليه الدنيا، هو موقفٌ يخلقه القلب والعقل معاً، لا مجرد تمرد، بل رفضٌ للخضوع لما يخالف الفطرة.

 

وفي زماننا هذا، ما أكثر الطغيان، وما أكثر محاولات تزييف الوعي وتمييع الحق وتشويه الصادقين، فما أحوجنا اليوم إلى الثبات واتخاذ الموقف في وجه الطغاة!

 

ربما يكون الثبات في قول كلمة الحق أمام مسؤولٍ ظالم، أو في الدفاع عن مظلوم، أو في الصبر على الأذى، لأنك لا تريد أن تبيع مبادئك.

 

إنّ الحقّ في وجه الطغيان هو ميراث الأنبياء، وشعار المؤمنين، وسرّ بقاء الأمم الحرّة، ومن يثبت على الحق، يكتب تاريخه بدمه، أو بصبره، أو بكلمته. ومهما بدا الظلم قويّاً، فإنّ الحق وحده هو الذي يبقى، لأنّ الله معه: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾.

 

إنّ أصحاب المبادئ هم الذين يُكمِلون الطريق، ليس لأنّ الطريق سهل، بل لأنّهم يحملون في قلوبهم يقيناً، وفي أعماقهم ثباتاً، وفي عقولهم وعياً. وما يُبنى على الحق لا يمكن أن يهدمه ظلم، أو تزعزعه عواصف الباطل.

 

وعندما نقول إنّ أصحاب المبادئ هم الذين يُكمِلون الطريق، فإنّ غزة هي المعنى الحيّ لهذه الجملة؛

 

غزة، حيث تتجسّد معركة الحق مع الطغيان... غزة ليست فقط قطاعاً محاصرا، بل جرحٌ مفتوح في وجه عالمٍ مغلق... لا يُقاس فيها الإنسان بعدد أنفاسه، بل بعدد المرّات التي قال فيها "لا" في وجه أعتى جبابرة الشر.

 

في غزة، لا يملك الناس ما يخسرونه سوى مبادئهم، ولقد قرّروا ألا يُفرّطوا فيها، حتى ولو خسروا كل شيء.

 

في كل بيت مهدوم، وفي كل نظرة طفل يرى السماء من بيته المدمر، معنىً يتجدد: أن المبدأ أغلى من الجسد، وأن الكرامة لا تُقايَض بالرغيف.

 

إنّ غزة ليست فقط تحت القصف، بل تحت امتحانٍ إيمانيٍّ عظيم. يشاهدون أجساد أحبّتهم تُنتشل من تحت الركام، وهم صابرون محتسبون، ثابتون على عقيدتهم، مؤمنون بأن وعد الله حق، وأن وعده لا يُخلَف: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ﴾.

 

غزة هي صورة هذه الأمة... ليست بحاجة لمن يبكي عليها، بل لمن يفهم سرّها: أنها لا تموت، لأن قضيتها عقيدتها، متصلةٌ بمعنى إلهيٍّ عميق.

 

في غزة، لا أبطال خارقين، بل أمهات يكفّنّ أبناءهن بأيديهن، ثم يرفعن رؤوسهن ويقلن: اللهم تقبّل!

 

أيّ يقينٍ هذا؟! إنها العقيدة التي تكون أغلى من الروح، والتي يُبذل من أجلها الغالي والنفيس.

 

كل بيت مهدوم في غزة هو درس للعالم، بأن الطغيان - مهما بلغ - لا يستطيع أن ينتصر على من امتلأ قلبه بالإيمان، مهما بدا ضعيفاً. قد تُثقِلها الهزائم، وتُربكها الفتن، وتتسلّط عليها قوى الطغيان؛ لكنها لا تموت، لأن في جوهرها وعداً ربانيّاً لا يُكسَر: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

 

إنّ الأمة الإسلامية تمرض حين تبتعد عن الحق، حين تنسى رسالتها، وحين تغفل عن واجبها، لكنها سرعان ما تستعيد عافيتها حين تبصر الطريق؛ طريق الخلاص، الذي توّجها الله به، بهذه الأمانة التي بها خلاص البشرية وإنقاذها من عفونة الحضارة الغربية المتعفنة؛ لتعود من جديد خيرَ أمةٍ أُخرجت للناس، لتعتلي ذرى المجد، وتنهض من جديد، وعداً وعده الله تعالى لها بالاستخلاف والتمكين: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾.

 

كلُّ ألمٍ تعيشه الأمة اليوم، وكلُّ قطرة دمٍ تسيل في سبيل الله، هو جزءٌ من مخاضِ أمةٍ عائدةٍ بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

دلالات وعلامات لما جرى في السويداء

 

ما جرى من أحداث مؤلمة ومروعة في السويداء يندى لها الجبين وتقشعر منها الأبدان ولا يسكت عنها إلا خائن رعديد جبان أو عميل واضح في عمالته لا تشوب عمالته شائبة.

 

يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿وأنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا۠ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾، لقد ارتكب الغِر الهجري وعصابته أعمالاً يندى لها الجبين، وأعلن عصيانه جهاراً نهاراً موثقاً بالصوت والصورة، استقواءً بكيان يهود واستنصاراً بألد أعداء الأمة، وهو بذلك يخلع نفسه ومن ناصره أو سكت على إعلانه أو أعانه أو هادنه من أهل السويداء من عهد ذمة المسلمين، وبذلك ليس أمامه من خيار إلا السيف أو الخروج من أرض الإسلام والمسلمين إن لم يصاحب ذلك جرائم كالتي فعلها هو وعصابته المجرمة المارقة والموثقة بالأدلة والقرائن والتي لا تحتاج إلى ادعاء أو تجريم، وهذه الجرائم لا بد من المحاسبة عليها والقصاص منها.

 

إن الصورة المصغرة لجرائم الهجري وعصابته (القتل على الهوية واغتصاب الحرائر بالجملة والتشنيع والتشويه والسحل والتعذيب وشتم الإسلام وأهله، وشتم محمد عليه الصلاة والسلام، وهدم المساجد وتقطيع الأطفال وفصل الرؤوس عن الأجساد، والاستيلاء على الممتلكات وإجبار أبناء عشائر السويداء العرب المسلمين بالتوقيع على عرائض والتبصيم عليها بالتنازل عن ممتلكاتهم مقابل السماح لهم بالمغادرة من المحافظة، وحتى دون أن يسمح لهم بأخذ أمتعتهم وأموالهم وهو ما يقوم به يهود بحق أهلنا في فلسطين صورة طبق الأصل بل نسخةٌ أصلية)، كما قام يهود بالمساعدة في أفعالهم بالإغارة على دمشق وتدمير ١٦٠ هدفاً لحكومة دمشق منها وزارة الدفاع والقصر الرئاسي ما دفع أحمد الشرع لسحب القوات السورية والأمن العام من السويداء وإخلائها تماماً وترك المحافظة بيد الهجري يديرها هو وعصابته، أليس هذا الفعل وتخليه عن جزء من أرض الشام إقراراً بانتصاره؟ هذا الفعل يدلل بلا مواربة أو رتوش سقوط شرعية القيادة السورية بدمشق، ويدلل على خذلانها لدماء أهلنا وتضحياتهم، ويدلل أنها لا تصلح للبقاء في السلطة، فكان الواجب عليه أن يغادر السلطة ويسلمها لأهلها الذين هم أهل لذلك، ولكنه فعل أشنع من ذلك.

 

عندما أدرك أهل الثورة هذا الخذلان توجهوا بجموع الشموخ والعزة والإباء لنصرة أهلنا وعشائرنا، وأمام هذا الزحف الهائل والتنادي لنصرة أهلنا من العشائر في العراق والأردن والجزيرة العربية، أدركت أمريكا خطورة الأمر على كيان يهود، وأمريكا لا يهمها الدروز ولا العلويون ولا النصارى في بلاد المسلمين فهم أوراق تستخدمهم لتحقيق مصالحها، فإذا شعرت بثقلهم ووزنهم الزائد وعدم جدوى التمسك بهم ألقت بهم في أتون النار التي لم يحسب لها زعماؤهم المأجورون حسابا، ويا ليت ما يسمى بـ(الأقليات) يدركون ذلك ويفهمون أنهم ورقة يستخدمها اليهود وأمريكا والغرب لتحقيق مآربهم ومصالحهم وليس خوفاً عليهم ولا حباً بهم ولا غيرة عليهم ولا نصرة لهم، بل هم أوراق ومشاريع بيد الغرب يحركها كما يشاء ووقتما يشاء لتحقيق مصلحة فإذا حققها تخلى عنهم وألقاهم في أتون النار التي لا تبقي ولا تذر.

 

لقد أدركت أمريكا خطورة الأمر على كيان يهود، فطلبت من أحمد الشرع التدخل وفض الاشتباك وإنقاذ الموقف ووقف زحف العشائر بعدما تقدمت بعمق السويداء واقتربت من تحقيق نصرٍ ساحق حُق له أن يتدثر ويفتخر به، ويُعين هذه العشائر في تقدمها، ولو فعل ذلك لكانت أعظم رسالة يوجهها لكيان يهود بأن القوة هنا، والعزة هنا، ولا قِبل لكم بما هو هنا، هذه أعظم ورقة وهي الأمة التي هي الحاضنة لأي نظام مهما كانت عقيدته ودينه إن تدثر بها انتصر وكان النصر حليفه، فكيف بمن يتدثر بأمة الجهاد والتوحيد ويضع نصب عينيه رضا ربه؟

 

ومن أهم دلالات هذه الهبة العشائرية، وحدة الأمة ووحدة المشاعر ووحدة المصير، وكذلك ما أطلقته هذه العشائر من شعارات الإسلام والثناء والحمد والمجد لله سبحانه وتعالى، وكذلك الغيرة على الأعراض والأرض والدماء، ثم التئام عشائر بلاد الشام والعراق وجزيرة العرب وبالنَّفَس والهمة والتنادي نفسها ما هز عروش الأنظمة القائمة وأرعب كيان يهود ومن ورائه أمريكا التي أدركت أن الأمور بدأت بالانفلات من يدها إن استمر هذا الزخم وإن لم يتدخل الزعماء الخونة المأجورون لكي ينفسوا من هذا الهبة النارية المشتعلة.

 

أما آن للأمة أن تدرك حجمها الحقيقي وقوتها الذاتية؟ وأن أي حركة لها ستقلب موازين القوى وستفشل كل مشاريع الغرب الكافر في بلادنا؟ أما آن لهذه الأمة العظيمة أن تدرك عمالة حكامها وأنظمتهم التي صنعت لخدمة مشاريع الغرب الكافر وتضع على رأس أهدافها من هم أهلاً لذلك؟ قال الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام: «إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ» ولا بد للأمة أن تدرك من هذه الهبة الصغرى مدى عظمتها وعظمة تاريخها وأنها صاحبة الأرض وصاحبة التاريخ وصاحبة القرار ولا يعلو قرارها قرار.

 

﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سليمان عبد الله

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

إشعال الحرب في السويداء: دماء المسلمين ثمناً لولاء العملاء

 

 

 

إن هذا الاقتتال بين الدروز والمسلمين، هو نتاجٌ لمخططات الغرب الكافر وبالأساس أمريكا وربيبها كيان يهود، الذي لا ينفكُّ يزرع بذور الفرقة والتفكك في جسد الأمة. فقد زرعوا الفتنة بإثارة النعرات الطائفية والقومية، وأشعلوا نيران العداوة بين المسلمين، حتى سالت دماء الأبرياء، وذُبِح الأطفال والشيوخ بلا رحمة.

 

وفي خضم هذه الحرب في السويداء، يؤدي أحمد الشرع الدور الموكول له من أمريكا فيرسل جيشا مكشوفا لتقصفه طائرات يهود، ثم بعد التضحيات يسحبه ويسلم الأرض للدروز المتحالفين معهم، ومن بعد يقف متفرجا كأن الأمر لا يعنيه، ثم يخرج علينا بخطاب ماكر ليبرر به خيانته ودون أن ينبس ببنت شفة تعزيةً لأهل الشهداء الأبرياء! موقف يري بالصورة التي لا غبش فيها حضيض الخيانة التي وصل إليها والتي أعلنها علانية.

 

إن الغرب اليوم يعمل جاهداً على تفريغ سوريا من المخلصين، ليُؤَمِّنَ كيان يهود من أي خطر. فأرسلوا من صدقوا عهدهم مع الله في الجيوش إلى حتفهم على يد يهود، ومن ناحية أخرى يشعلون نار الحرب والفوضى بين أبناء المنطقة.

يا أهل سوريا، قلب الأمة النابض: لقد رأيتم بأعينكم دناءة هذا الذي تَسَلَّطَ عليكم، وسرق ثورتكم المجيدة التي دامت أربعة عشر عاماً، والتي ضحى فيها الشهداء لإسقاط نظامٍ حكمكم بالحديد والنار خمسين عاماً. فما كان منه إلا أن قدَّم دماءكم وثورتكم هديةً لمن نصَّبه حاكما، فانقلب عليكم، وأظهر ولاءه لترامب وكيان يهود، بل صار لهم حليفاً وخادماً.

 

فانتبهوا يا إخواننا، واستفيقوا من غفلتكم! فإنَّ ما يُراق من دماء الأبرياء لَيفطر القلب ألماً وحزناً. لا تيأسوا، فأنتم الذين صمدتم طوال هذه السنين، وقاومتم بأعنف ما يكون الظلم. فوالله، ما عجزتم من قبل، ولن تعجزوا اليوم بإذن الله عن استكمال مسيركم.

 

فلا تهنوا، فإن نصر الله قريبٌ، واعلموا أن الغرب وأذنابه لن ينتصروا، لأن الأمة الإسلامية أمةٌ عزيزةٌ بإيمانها. فانهضوا، ووحّدوا الصفوف، وارجعوا إلى دينكم، فهو عزكم ونصركم وضعوا نصب أعينكم قوله تعالى: ﴿ولَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.

 

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

خديجة صالح

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحقوق الشرعية المضيعة في ظل أنظمة الجور

وكيف تكفلها دولة الخلافة الراشدة

 

في ظل الأنظمة الوضعية والقوانين المستوردة، تُهدر العديد من الحقوق الشرعية التي كفلها الإسلام، ولا يُمكن استعادتها وتحقيق العدالة الكاملة إلا في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تطبق الشريعة الإسلامية بكل تفاصيلها. وفيما يلي بيان لأهم هذه الحقوق المفقودة وكيف تكفلها الخلافة:

 

1- الحقوق السياسية والعدل في الحكم

 

في الأنظمة الوضعية:

 

تسيطر النخب الحاكمة على السلطة، ويُحرم الناس من اختيار حكامهم بالشورى الشرعية، تنتشر الديكتاتورية والفساد، ويُظلم الناس في القضاء والمحاكم.

 

في دولة الخلافة:

 

الحاكم يُختار بالبيعة الشرعية على الحكم بالكتاب والسنة، ويخضع للمحاسبة، ويُحكم بالعدل دون محاباة، كما قال عمر بن الخطاب: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟"

 

2- الحقوق الاقتصادية والمالية:

 

في الأنظمة الوضعية: ينتشر الربا والاحتكار، ويُظلم العمال والفلاحون، تُنهب ثروات الأمة لصالح فئة قليلة، بينما يعيش معظم الناس في فقر.

 

في دولة الخلافة: تحريم الربا والاحتكار، وتطبيق أحد أسباب التملك وكيف، وبين كيف يتصرف بالمال، وكيف ينمى وتقسم الملكيات إلى ثلاث ملكية عامة وملكية دولة وملكية خاصة، وضح الزكاة والغنائم والفيء لضمان التوزيع العادل للثروة، حرم الضرائب الدائمية والتي تؤخذ بغير وجه حق وحرم الجمارك التي تؤخذ من رعايا دولة الخلافة.

 

3- حقوق المرأة والأسرة

 

في الأنظمة الوضعية: تُنتهك حقوق الزوجات في النفقة والسكنى، وتُضيع حقوق المطلقات والأطفال، تنتشر "الزواجات السياحية" التي تُستغل فيها النساء، كما في حالة الزواج غير الموثق الذي يُحرم المرأة من حقوقها وتعامل المرأة كسلعة.

 

في دولة الخلافة: تعتبر المرأة أم وأخت وربة بيت وعرض يجب أن يُصان، وحفظ حقوق المرأة في العدة والميراث.

 

الحياة الزوجية حياة اطمئنان، وعشرة الزوجين عشرة صحبة. وقوامة الزوج على الزوجة قوامة رعاية لا قوامة حكم وقد فرضت عليها الطاعة، وفرض عليه نفقتها حسب المعروف لمثلها.

 

4- الحقوق الأمنية:

 

في الأنظمة الوضعية: تنتشر الاعتقالات التعسفية والتعذيب، كما في سجون الأنظمة القمعية في بلاد المسلمين وتكمم الأفواه، يُحاكم الناس بقوانين وضعية غير عادلة بل ويسجن الناس بدون محاكمات ومخالف حتى لقوانينهم الوضعية.

 

في دولة الخلافة: الأصل براءة الذمة، ولا يعاقب أحد إلا بحكم محكمة، ولا يجوز تعذيب أحد مطلقاً، وكل من يفعل ذلك يعاقب.

 

5- الحقوق التعليمية:

 

في الأنظمة الوضعية: يُهمل التعليم الشرعي، وتُفرض المناهج العلمانية التي تُبعد الشباب عن دينهم، تنتشر الفتن الأخلاقية والإعلام الفاسد، مناهج تجعل شخصية الغرب الكافر هي القدوة

 

في دولة الخلافة: يكون الأساس الذي يقوم عليه منهج التعليم هو العقيدة الإسلامية، فتوضع مواد الدراسة وطرق التدريس جميعها على الوجه الذي لا يحدث أي خروج في التعليم عن هذا الأساس.

 

سياسة التعليم في دولة الخلافة تكوين العقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، فتوضع جميع مواد الدراسة التي يراد تدريسها على أساس هذه السياسة.

 

الغاية من التعليم في دولة الخلافة هي إيجاد الشخصية الإسلامية وتزويد الناس بالعلوم والمعارف المتعلقة بشؤون الحياة. فتجعل طرق التعليم على الوجه الذي يحقق هذه الغاية وتمنع كل طريقة تؤدي لغير هذه الغاية.

 

الخلاصة: لماذا لا تتحقق هذه الحقوق إلا في الخلافة؟ لأن الأنظمة الوضعية:

 

تُقدِّم مصالح الحكام ومصالح الدول الكبرى التي يدين لها الحكام العملاء في بلاد المسلمين بالولاء وتقدم على مصالح الأمة، وتتبع قوانين مستوردة تخالف الشريعة وتفتقد العدل الذي يُطبقه الحكام الراشدون.

 

أما دولة الخلافة، فهي: تحكم بالكتاب والسنة، تُعيد الحقوق إلى أصحابها، تحقق العدل الذي وعد الله به المؤمنين: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾.

 

فاللهم أرنا الحق حقّاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وثبتنا على الحق وأقر أعيننا بدولة الحق والعدل دولة الخلافة الراشدة.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

فادي السلمي – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

حماية الدروز ذريعة لتفكيك سوريا

وإجهاض أي محاولة لنهضة الأمة

 

 

 

إن اعتداء يهود على الجيش السوري الذي أرسل لفض النزاع، تحت ذريعة حماية الدروز، ليس إلا حلقة في سلسلة مخططات الغرب التي يبتغي منها استمرار تمزيق أوصال الأمة الإسلامية وإدامة حالة الفوضى فيها. فكيان يهود لا يسعى لحماية طائفة أو نصرة مظلوم، بل يهدف إلى تفكيك سوريا كدولة مركزية، وإضعافها لضمان هيمنته على المنطقة وتحقيق أطماعه.

 

إن يهود أذل وأقل من أن يفعلوا شيئا بالمنطقة وهم الذين وصفهم الله سبحانه ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ﴾ ولكنهم متحالفون مع أمريكا لتنفيذ خطط تتناسب مع أطماعهم ألا وهي إبقاء سوريا غارقة في الصراعات الداخلية، خالية من أية قوة موحدة قادرة على إحباط مخططات الغرب الكافر. وما تصريح سموتريتش بأن "تنتهي الحرب بسوريا مفككة وإيران بلا تهديد نووي"، إلا برهان ساطع على هذه النوايا الخبيثة.

 

إن هذه الأفعال تندرج ضمن الاستراتيجية الاستعمارية التي رسمها الغرب الكافر وتبناها ابنه المدلل كيان يهود، والتي تقوم على إشعال الفتن الطائفية والعرقية لإضعاف الأمة الإسلامية وإبقائها تحت وطأة التبعية فلا تستطيع الوقوف على قدميها من جديد وإعادة عزها. وإن أحمد الشرع هذا ما إن أُلبس بدلة وأجلس على كرسي الحكم وأجروا معه لقاءات ظن أن له حتى القليل من الأهمية عندهم، إلا أنهم ينظرون له ولسائر البشرية دائما على أنهم عبيد ليخدموا بهم مصالحهم! وإن الذي يلتجئ لحبل غير حبل الله عز وجل لن يرث إلا الذل والإهانة والصغار. فكيان يهود المقيت قصف الجند والقصر الرئاسي ووزارة الدفاع، وهذه الأفعال طبعا لا تقابل حتى بتعزية لعائلات الشهداء ولا يرد عليها بل يكتفى بالجلوس محل المتفرج! فوالله إنه لهوان ما بعده هوان، فبئس ما يفعل أتباع الكافرين.

 

وكما قال عمر رضي الله عنه "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بدونه أذلنا الله"، فدين الله هو وحده القادر على إعادة عزنا وكرامتنا ورد كيد الأعداء وتحرير المقدسات وإعادة حقوق الناس بتطبيقه على يد خليفة شهم، يذود عن الأعراض ويتقي الله في الأمانة التي اؤتمن عليها، وما دون ذلك وَهمٌ وسراب من صنع أولياء الشيطان.

 

إن الإسلام هو الحل الوحيد لتوحيد المسلمين على اختلاف أعراقهم، تحت راية دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. فلا دولة سواها قادرة على جمع شمل الأمة، ورد كيد الأعداء، وإعادة الكرامة للشام وأهله. أما الدول القومية وعملاء الغرب، فهي أدوات لخدمة المصالح الاستعمارية. فلنعمل، نحن شباب الأمة، على فضح هذه المؤامرات، ونسعى لإقامة الخلافة التي ستجمعنا، عرباً وعجما، في ظل الإسلام قريبا بإذن الله.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

خديجة صالح

 
رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

الحقوق الشرعية المضيعة في ظل أنظمة الجور

وكيف تكفلها دولة الخلافة الراشدة

 

 

 

في ظل الأنظمة الوضعية والقوانين المستوردة، تُهدر العديد من الحقوق الشرعية التي كفلها الإسلام، ولا يُمكن استعادتها وتحقيق العدالة الكاملة إلا في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تطبق الشريعة الإسلامية بكل تفاصيلها. وفيما يلي بيان لأهم هذه الحقوق المفقودة وكيف تكفلها الخلافة:

 

1- الحقوق السياسية والعدل في الحكم

 

في الأنظمة الوضعية:

 

تسيطر النخب الحاكمة على السلطة، ويُحرم الناس من اختيار حكامهم بالشورى الشرعية، تنتشر الديكتاتورية والفساد، ويُظلم الناس في القضاء والمحاكم.

 

في دولة الخلافة:

 

الحاكم يُختار بالبيعة الشرعية على الحكم بالكتاب والسنة، ويخضع للمحاسبة، ويُحكم بالعدل دون محاباة، كما قال عمر بن الخطاب: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟"

 

2- الحقوق الاقتصادية والمالية:

 

 

في الأنظمة الوضعية: ينتشر الربا والاحتكار، ويُظلم العمال والفلاحون، تُنهب ثروات الأمة لصالح فئة قليلة، بينما يعيش معظم الناس في فقر.

 

في دولة الخلافة: تحريم الربا والاحتكار، وتطبيق أحد أسباب التملك وكيف، وبين كيف يتصرف بالمال، وكيف ينمى وتقسم الملكيات إلى ثلاث ملكية عامة وملكية دولة وملكية خاصة، وضح الزكاة والغنائم والفيء لضمان التوزيع العادل للثروة، حرم الضرائب الدائمية والتي تؤخذ بغير وجه حق وحرم الجمارك التي تؤخذ من رعايا دولة الخلافة.

 

3- حقوق المرأة والأسرة

 

في الأنظمة الوضعية: تُنتهك حقوق الزوجات في النفقة والسكنى، وتُضيع حقوق المطلقات والأطفال، تنتشر "الزواجات السياحية" التي تُستغل فيها النساء، كما في حالة الزواج غير الموثق الذي يُحرم المرأة من حقوقها وتعامل المرأة كسلعة.

 

في دولة الخلافة: تعتبر المرأة أم وأخت وربة بيت وعرض يجب أن يُصان، وحفظ حقوق المرأة في العدة والميراث.

 

الحياة الزوجية حياة اطمئنان، وعشرة الزوجين عشرة صحبة. وقوامة الزوج على الزوجة قوامة رعاية لا قوامة حكم وقد فرضت عليها الطاعة، وفرض عليه نفقتها حسب المعروف لمثلها.

 

4- الحقوق الأمنية:

 

في الأنظمة الوضعية: تنتشر الاعتقالات التعسفية والتعذيب، كما في سجون الأنظمة القمعية في بلاد المسلمين وتكمم الأفواه، يُحاكم الناس بقوانين وضعية غير عادلة بل ويسجن الناس بدون محاكمات ومخالف حتى لقوانينهم الوضعية.

 

في دولة الخلافة: الأصل براءة الذمة، ولا يعاقب أحد إلا بحكم محكمة، ولا يجوز تعذيب أحد مطلقاً، وكل من يفعل ذلك يعاقب.

 

5- الحقوق التعليمية:

 

في الأنظمة الوضعية: يُهمل التعليم الشرعي، وتُفرض المناهج العلمانية التي تُبعد الشباب عن دينهم، تنتشر الفتن الأخلاقية والإعلام الفاسد، مناهج تجعل شخصية الغرب الكافر هي القدوة

 

في دولة الخلافة: يكون الأساس الذي يقوم عليه منهج التعليم هو العقيدة الإسلامية، فتوضع مواد الدراسة وطرق التدريس جميعها على الوجه الذي لا يحدث أي خروج في التعليم عن هذا الأساس.

 

سياسة التعليم في دولة الخلافة تكوين العقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، فتوضع جميع مواد الدراسة التي يراد تدريسها على أساس هذه السياسة.

 

الغاية من التعليم في دولة الخلافة هي إيجاد الشخصية الإسلامية وتزويد الناس بالعلوم والمعارف المتعلقة بشؤون الحياة. فتجعل طرق التعليم على الوجه الذي يحقق هذه الغاية وتمنع كل طريقة تؤدي لغير هذه الغاية.

 

الخلاصة: لماذا لا تتحقق هذه الحقوق إلا في الخلافة؟ لأن الأنظمة الوضعية:

 

تُقدِّم مصالح الحكام ومصالح الدول الكبرى التي يدين لها الحكام العملاء في بلاد المسلمين بالولاء وتقدم على مصالح الأمة، وتتبع قوانين مستوردة تخالف الشريعة وتفتقد العدل الذي يُطبقه الحكام الراشدون.

 

أما دولة الخلافة، فهي: تحكم بالكتاب والسنة، تُعيد الحقوق إلى أصحابها، تحقق العدل الذي وعد الله به المؤمنين: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾.

 

فاللهم أرنا الحق حقّاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وثبتنا على الحق وأقر أعيننا بدولة الحق والعدل دولة الخلافة الراشدة.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

فادي السلمي – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ماذا أفعل لأجل غزة؟

 

صحيح أن الكثير والكثير يقولون: ماذا أفعل لأجل غزة وأنا شخص واحد؟ وما الجهد الذي يمكنني فعله لأجل من يموتون جوعاً هناك؟

 

نعم سؤال يردده الكثيرون، يتألمون، يتوجعون، يبكون أمام صور الجوع والمجازر في غزة، ثم يختمون بعبارة "لكنني لا أملك شيئاً... أنا فردٌ واحد"!

 

نقول إن من يسأل هذا السؤال هو إنسان قلبه حي يحس ويتألم لما يحدث للأمة عموماً، ولما يحدث لإخواننا في غزة خصوصاً، فنقول له جزاك الله خيراً على غيرتك وألمك، وهذا دليل حياة القلب.

 

وهنا تكون الإجابة الحقيقية:

 

إنك لست عاجزاً، بل موجَّهٌ إلى الطريق الخاطئ.

 

كل صرخة تنطلق من قلبك لأجل غزة يجب أن تُترجم إلى عمل سياسي شرعي منضبط، لأن ما تعانيه غزة ليس من قلة المساعدات، بل من غياب الراعي، غياب الدولة، غياب الإمام الجُنّة الذي تُقاتل من ورائه وتتقي به.

 

استجداء العروبة؟ ضياع.

 

استدعاء الإنسانية؟ سراب.

 

مناشدة الضمير العالمي؟ عبث.

 

كل هذه روابط باطلة، لم ولن تحرك جندياً واحداً، ولا تفتح معبراً، ولا تردّ صاروخاً.

 

الرابطة الوحيدة التي تحرك الجيوش وتوحد الأمة هي رابطة العقيدة الإسلامية لأن الذي جمع البشر وآخاهم هي عقيدة الإسلام فقط.

 

فما يحصل اليوم من مجازر وجوع، ليس بسبب قلة التبرعات، بل بسبب الأنظمة العميلة التي تحاصر غزة وتمنع الجيوش من التحرك لتحريرها من يهود.

 

إن ما يمكنك فعله، وما يجب أن تفعله:

 

1- أن ترفض الحلول الترقيعية، وتكشف فشل من يلتزمون بها.

 

2- العمل الجاد لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فهي وحدها التي تقود الجيوش وتحطم الحدود وتحرر الأرض وتنصر المظلومين، ولم يحدث للمسلمين ما حدث إلا بعد هدمها.

 

3-كشف خيانة الحكام الذين يمنعون النصرة، وفضح تآمرهم على الأمة، وأن تكون لساناً ناطقاً بالحق، وعقلاً واعياً، وساعداً في حمل الدعوة، لا صدى لعواطف عاجزة.

 

فغزة لا تحتاج مشاعر، بل تحتاج دولة، ودورك أن تكون جزءاً من مشروع هذه الدولة.

 

4- نشر الوعي السياسي الشرعي بين الناس بأن الحل لا يكون إلا بتحكيم شرع الله، لا بالتوسل للأنظمة ولا التعلق بالمساعدات. فلا تقل أنا لا أستطيع، بل قل سأغير الاتجاه... وسأبدأ بخطوتي نحو التغيير الحقيقي.

 

5- بعد الأخذ بالأسباب والعمل مع العاملين لإقامة الخلافة، نرفع يد التضرع والدعاء إلى الله لرفع ما يحدث لإخواننا في غزة وفي كل مكان. ولنا في رسول الله إسوة حسنة في غزوة بدر بعدما رص الصفوف في ساحة المعركة رفع يديه وتضرع لله.

 

أخي المسلم تألمك لا يكفي، فهذا زمن الاصطفاف... فمن أين تكون؟

 

اليوم، كل مسلم بَلغته أخبارُ غزة، ورأى الجوع في أعين الأطفال، والدم في أزقة البيوت المهدمة، والأعراض تنتهك، مُطالب أن يحدد موقعه بوضوح؛ هل سيكون في صف العاملين لنصرة الدين؟ أم في صف الصامتين والمتخاذلين؟

 

ما يجري في غزة هو ابتلاء لنا:

 

- هل نغار كما يغار ربنا؟

- هل نتحرك كما أمرنا؟

 

- هل نقدم النصرة الحقيقية كما فُرضت علينا؟

 

إن الله قد جعل ثلاثة فروض في أعناقنا الآن لا يعذر فيها أحد:

 

1. الجهاد فرض عين لتحرير الأرض ورد العدوان.

 

2. إقامة الخلافة لتكون القائد الشرعي للأمة.

 

3. إسقاط الأنظمة العميلة التي تحرس حدود يهود وتخنق غزة وتمنع الجيوش من التحرك.

 

فمن يُكرمه الله في هذه المرحلة هو من يحمل هذه الفروض على كتفيه، ويسعى لها ليل نهار. ومن يُهينه الله هو من يُقنع نفسه بأن الدعاء وحده كافٍ، أو أن المساعدات تُغني عن إقامة الدولة، أو أن الأنظمة القائمة قد تصلح يوماً! فها هي آلاف الشاحنات تقف على أبواب غزة، لا يمنعها عجز لوجستي، ولا نقص تمويل، بل يمنعها تحالف مجرم بين يهود وحكامٍ خانوا الله ورسوله، وعلى رأسهم السيسي، صهيوني الهوى والولاء.

 

إن استمرار هذا الحصار برعاية نظام السيسي وغيره من حكام الضرار، يُظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن هؤلاء الحكام هم العدو الداخلي الأخطر من العدو الخارجي.

 

ولذلك فالحل ليس فتح المعبر مؤقتاً ولا إرسال تبرعات تُحاصر، بل اجتثاث أصل البلاء وإسقاط الأنظمة التي تحمي يهود وتحاصر غزة وتحريك الجيوش لنصرة المسلمين لا لحماية حدود سايكس بيكو. فكل قطرة دم في غزة اليوم، وكل صرخة طفل، وكل أم مفجوعة، لا يقف خلفها فقط العدو المحتل، بل من وفر له الغطاء وأغلق عنه الأبواب، فالسيسي وأمثاله من الحكام لا يحمون حدوداً ولا سيادة، بل يحمون كيان يهود من غضبة الأمة، ويمنعون عن غزة مقومات الحياة.

 

فهذا الواقع المرير الذي نعيشه، حيث أصبحت صرخات المسلمين كأنها همسات الأموات، لا يسمعها أحد، ولا يتحرك لها قلب ولا جيش، هو نتيجة مباشرة لكسر ظهر الأمة عبر أنظمة عميلة، وجيوش مقيدة.

 

الصراخ الفردي في وجه الظلم - كصرخة الشاب المصري في صحن الحرم - وإن كان نابعاً من صدق وألم، لا يكفي فهو لا يصنع تغييراً في واقع تآمر عليه الحكام والطغاة، وغُيّبت فيه الأمة عن واجبها الشرعي بالتغيير.

 

وقد فهم هشام بن عمرو هذا الأمر قبل الإسلام، حين أدرك أن الصوت الفردي لا يكفي أمام الباطل، فبادر إلى تكوين جماعة تشاركه الموقف، حتى صاروا خمسة أقاموا تحالفاً نقض مقاطعة بني هاشم الجائرة ووقفوا ضد أبا جهل وأخرسوه. فكيف ونحن نعيش واقعاً أسوأ من حصار بني هاشم في شعاب مكة؟ إن الحل لا يكون بالانفعالات الفردية ولا بالعاطفة المجردة، ولا بالمساعدات العاجزة، بل يكون بالعمل مع جماعة مبدئية واعية تحمل مشروع الأمة، وتعمل على هدم الأنظمة التي تحرس كيان يهود، وتعيد الخلافة الراشدة التي تجمع المسلمين وتوحد الجهود.

 

فلا تقل: أنا فردٌ لا أقدر، بل اسعَ أن تكون جزءاً من هذه الكتلة السياسية المبدئية لتعيد للأمة صوتها وكرامتها وسيفها. فخلع الحكام العملاء ليس خياراً بل هو أوجب الواجبات لأن بقاءهم هو بقاء للاستعمار السياسي، والحصار العسكري، والذل الاقتصادي، والتمكين لكيان يهود الغاصب.

 

فالصواب أن تُوجَّه الناس إلى قصور الحكام العملاء، تُزلزل عروشهم، وتقتلعهم من جذورهم، فلقد ثبت بالدليل القاطع أن هؤلاء الحكام:

 

- يحاصرون غزة بأمر أسيادهم في الغرب

 

- يمنعون الجيوش من التحرك وهم يمتلكون السلاح والعدة

 

- يمنعون المساعدات أو يسرقونها أو يوظفونها سياسياً

 

- ويخدّرون الشعوب بشعارات التبرع والمظاهرات والدعاء، بينما يتركون المجازر تستمر!

 

أيها المسلمون: الواجب أن تكونوا صفاً واحداً مع من يعمل لإقامة الخلافة وإسقاط أنظمة الضرار، لا مع الوسطاء ولا مع المتاجرين بدماء غزة. أما أولئك الذين يرفعون شعار التبرعات فقط، وهم يتجاهلون أصل البلاء وهو النظام السياسي القائم فهم إما:

 

 - مغفلون مخدوعون.

 

- أو تجار فتنة ودماء يتكسبون من دموع المظلومين.

 

الحل سياسي شرعي جذري لا إنسانيات فارغة، ولا حلولاً ترقيعية. فخلع الحكام العملاء أوجب من التبرع، ومقدم على الدعاء، وأقرب إلى نصر غزة من كل الحلول السطحية. فإن الحكام اليوم هم أخطر من اليهود لأنهم الحاجز الحقيقي بين جيوش الأمة وبين ساحات الجهاد.

 

فعليك أنت، وعلينا نحن، وعلى الأمة جميعاً:

 

- أن نفضح الأنظمة القائمة التي تحاصر غزة وتدوس على كرامة الشعوب.

 

- أن نخاطب الجيوش، ونحمّلهم المسؤولية أمام الله والتاريخ، فهم من بيدهم السلاح والمواقع والثكنات.

 

- أن نكشف زيف أولئك الذين يخدرون الناس بشعارات التبرع والإنسانية، ويُبعدونهم عن الفرض العظيم: إسقاط الحكام وإقامة الخلافة.

 

فالواجب عليك إما أن تكون ممن يعمل مع حزب مبدئي لإعادة سلطان الإسلام، وإما أن تكون متفرجاً يُحاسب على تقصيره. فالخيار لك، لكن انضمامك لحَمَلَة التغيير هو الفعل الذي يرضي الله ويغير الواقع.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد المحمود العامري – ولاية اليمن

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الدنيا وزخرفها والآخرة ونعيمها

 

يقول سبحانه وتعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾، وقال تعالى في الآخرة: ﴿إنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ﴾.

 

معادلة عجيبة شطرها مشهود ومعلوم ومرئي وموصوف فيه خلق الإنسان، يعايشه ليل نهار يعافسه وتعافسه وهو في حالة صراع دائم.

 

 قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾، يكابد فيها ابن آدم ليل نهار حتى يأتيه اليقين، وهو في سيره في الحياة الدنيا يرى هذا اليقين (الموت) يأتي غيره في سيره، يرى هذا اليقين ولكن عينه على الزينة والتفاخر والتكاثر، قال تعالى: ﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً﴾، يعايش اليقين في غيره ولكنه لا يستشعره في نفسه قبل أن يأتيه اليقين فيغلبه على هواه ويصدمه قبل أن يلقاه، ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾... هذه غيبة البصيرة تصيب البصر بغشاوة عن إدراك حقيقة مرئية محسوسة ملموسة ليست خيالاً متصوراً ولا حقيقة مغيبة، وإنما واقع ملموس محسوس. ولو أدركها هذا الإنسان لعاش في دنياه بشظفها وبؤسها، وشقائها ولؤمها، وضيقها وسعادتها، لأنه أدرك معناها وعاش مغزاها فأعد لها ما يعتد من زاد لا يزول ولا يحول، سهلٌ حمله ثقيل ميزانه، ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾.

 

هذه معادلة الدنيا تكشف عن قانون فيزيائي طبيعي؛ أن الثمين والمتين والقوي والمثمر والمُغْنِي هو ما يكون ثابتاً لا يتزحزح ولا يتغير ولا يتحول ولا تذروه الرياح، ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾. ولذلك تكشف هذه الحقيقة الفيزيائية عن قاعدة أن الثمين لا يكون مكشوفا ولا يكون سطحيا ولا تذروه الرياح، وهو عصي عن الاكتشاف والانكشاف لأنه ضارب في جوف الأرض، حتى تصل إليه تحتاج إلى جهد وعناء وبذل وعطاء وتزاحم على كتب الأنبياء والعلماء، ففي جوف البحار تسكن الكنوز والأحجار الكريمة وعلى سطح الماء تطفو الجيف والزبد ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ﴾.

 

هذه تكشف عن قواعد الفهم السليم والفهم السقيم؛ الفهم السليم هو القائم على العقيدة السليمة والعقل النظيف غير الملوث، والذي يقرأ الواقع فيحلله ثم ينزل حكم الله عليه فإما يجيزه أو ينفيه. وأما الفهم السقيم فهو الفهم السطحي المتلون المتغير الذي تأخذه رياح الهوى يمنةً ويسرة فلا ثابت له ولا حقيقة يستقيها، يميل حيث يميل الناس، فهو كزبد البحر تذروه الرياح ويطفو على السطح ولكنه لا يفيد إن لم يكن فاسداً مفسداً.

 

وفي الواقع السياسي الذي نراه ونرى صورته حقيقة مصورة لا تشوبها شائبة أن الذين تسيّدوا المحراب والكراسي وسادوا فدانت لهم الرقاب هم زبد البحر وزوان الحبوب الذي لا يصمد لمناظرة ولا ساحة جدال. فهم جفاء تذروه الرياح لا جذر لهم ولا رواسي ثابتات. وهؤلاء هم الذين حذرنا منهم رسول ﷺ لِما يحملونه من بلاء عظيم وشر مستطير لا يثمرون ويقومون مفسدين أينما حلوا وارتحلوا، وقال تعالى عنهم: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾، وقال ﷺ محذراً ومتوعداً من هذا الشر السطحي البارز الواضح ومتوعداً من بلائه الذي سيطال الشجر والحجر والبشر: «إذَا وُسِّدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» أي انتظروا شراً مستطيراً وبلاءً ليس له نظير، تتعوذ منه الجبال الراسيات والكنوز في مخابئها وتستعيذ من شره حيتان البحر وبه قال الله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ وقال ﷺ: «صِنفانِ مِنَ النَّاسِ إذا صَلَحا صَلَحَ النَّاسُ، وإذا فسَدا فسَدَ النَّاسُ: العُلَماءُ والأُمَراءُ» والناس هنا ليس كل الناس بل الناس في الروايتين هم الصنفان اللذان حددهما الرسول الكريم ﷺ.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سالم أبو سبيتان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تأنفُ الإنسانيةُ أن نَنعمَ وقومُنا يموتونَ جوعاً!

 

في زمن الجاهلية، حيث لم يكن نور النبوة قد عمَّ، قالها رجلٌ من قريش قولاً خَلَّدته الإنسانية، قبل أن تهذبه النبوة "تأنف الإنسانية أن ننعم وقومنا يموتون جوعاً". قالها وهو يرى بني هاشم رجالاً ونساءً وأطفالاً يتضوَّرون جوعاً في شِعب بني طالب، محاصرين بلا طعامٍ ولا شراب، بينما هو وأهل مكة يَنعَمون بالرخاء. لم ينتظر هذا الرجل ورفاقه إذناً من أحد، بل تحرّكت مشاعرهم، فمزَّقوا صحيفة الظلم، وكسروا الحصار، ووقفوا مع المظلوم، ليس مدفوعين بعقيدة، بل بدافعٍ إنساني.

 

فأين نحن من أولئك؟! ونحن اليوم نرى إخواننا في العقيدة والدين يتعرضون لأبشع مأساة عرفها التاريخ ونتفرج، لا نُحرِّك ساكناً!

 

اليوم تتكرّر المأساة، ولكن بثوبٍ ربما يكون أشد قسوةً وظلماً؛ حيث يموت الأطفال جوعاً، وتُنتزع لقمة الخبز من أفواه الجياع تحت حصارٍ خانق. شعبٌ بأكمله يُباد تحت أعيننا، ونحن بين متفرّجٍ وعاجزٍ وصامت!

 

لم تعد الكارثة خفية، ولم تعد الصور تُنكَر، فالمشاهد من غزة تُبثّ على الهواء مباشرة: طفلٌ يبحث عن كسرة خبزٍ مغموسة بالدم، وأمٌّ ترثي أبناءها، ومستشفياتٌ عاجزة عن تقديم الدواء، وبيوتٌ مهدّمةٌ على ساكنيها. فأين ذهبت نخوتُنا؟!

 

ما أشدَّ المفارقة! أن يتحرك رجلٌ من أهل الجاهلية بدافع الرحمة، بينما اليوم، في عصر الحضارة الغربية وحقوق الإنسان، وفي ظل الضمير العالميّ المسخ، يُترك أهل غزة وحدهم يواجهون الموت والجوع والدمار.

 

إننا نملك القوة لكسر الحصار ووقف المجازر، لكننا قابعون، أتخمتنا الحضارة. فالصمت في مثل هذه اللحظات خيانةٌ وخذلانٌ لأشرفِ وأنبلِ قضية.

 

إن الإنسانية تأنف أن ننعم وإخواننا يموتون جوعاً. فلْتكن فينا بقية من تلك النخوة الجاهلية؛ لعلّها تكون أقرب إلى النور من حضارةٍ بلا قلب.

 

أين تلكم الجيوش العربية من غزة؟ حين ننظر إلى الجيوش العربية، نرى جيوشاً ضخمة، وميزانيات تسليحٍ هائلة، ولكن حين تستغيث غزة، ليس من مجيب! إن هذه الجيوش التي أعدت للدفاع عن الأمة، تقف اليوم متفرجة على ما يحصل لإخواننا في غزة. سيحاسبها الله تعالى على كل صرخة أمٍّ، وعلى كل صيحةِ طفلٍ رضيعٍ يتلوى من شدة الجوع. سيسألكم الله، يا مَن خذلتم إخوانكم في الدين والعقيدة.

 

يا جيوشَ الأمة الإسلامية، فلْتكن فيكم بقية من حس رجلٍ في الجاهلية، عرف أن النعمة لا تكتمل إن كان الجار جائعاً. ولعلّكم ترتقون!

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

غزة بين الحصار الخانق والتجويع الممنهج

والواجب الشرعي على الأمة وجيوشها

 

منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، تعيش غزة واحدة من أشد الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، حيث أُحكم الحصار على أكثر من مليوني إنسان، تُركوا فريسة للجوع والعطش والمرض والدمار. تقارير الأمم المتحدة ومنظمة أطباء بلا حدود وغيرها من المنظمات الإنسانية تؤكد أن سكان غزة يواجهون مجاعة جماعية، مع تسجيل وفيات لأطفال بسبب سوء التغذية والجفاف، ونفاد الدواء والغذاء.

 

وقد تراكمت آلاف الشاحنات على الجانب المصري في سيناء، تحمل مساعدات إنسانية وغذائية، دون السماح لها بالعبور، ما أدى إلى تعفن الطعام وفقدان الأدوية صلاحيتها، بسبب إغلاق معبر رفح من الجانب الفلسطيني الذي تحتله قوات الاحتلال منذ أيار/مايو 2024، وتواطؤ النظام المصري الذي أبقى على غلقه.

 

منذ عام 2007، تتحمل مصر مسؤولية شراكة مباشرة في حصار غزة عبر إغلاق معبر رفح أو التحكم المشروط بفتحه. وقد سيطرت دولة الاحتلال على الجانب الفلسطيني من المعبر، لكن الجانب المصري لا يزال تحت سيطرة النظام المصري الذي يرفض فتحه إلا بشروط سياسية تتعلق بالسلطة الفلسطينية وحركة حماس. وهذا ما يجعل النظام المصري، شرعاً وسياسة، شريكاً في الجريمة.

 

وقد صرّح مسؤولون مصريون بأنهم ينتظرون إذناً من الكيان الغاصب لإدخال الجرحى والمساعدات، ما يُظهر التبعية المهينة لعدو غاصب، ويكشف أن السيادة المصرية مفرّط فيها بإرادة النظام نفسه.

 

لم يقف المسلمون في مصر مكتوفي الأيدي، بل خرجت مسيرات ووقفات عند معبر رفح تندد بالحصار وتطالب بفتح المعبر، إلا أن النظام المصري واجهها بالقمع والاعتقال والترحيل، كما حدث مع نشطاء "المسيرة العالمية نحو غزة"، الذين منعهم من الوصول إلى العريش واحتجز بعضهم وتعرض آخرون للاعتداء والطرد. وقد أفادت وكالة رويترز في تقريرها المنشور بتاريخ 17 حزيران/يونيو 2025 أن نشطاء مشاركين في المسيرة أكدوا تعرضهم للضرب على يد رجال أمن بملابس مدنية في القاهرة، وأن بعضهم احتُجز لأيام دون تمكينهم من التواصل مع سفاراتهم، وتم ترحيلهم قسرياً، فيما تم منع العشرات من الوصول إلى سيناء وتمت إعادتهم إلى بلدانهم.

 

إن النظام الذي يغلق المعبر، ويتعاون مع الاحتلال، ويمنع الإغاثة، ويقمع المحتجين، هو نظام خائن لله ورسوله والمؤمنين. وهو نظام لا شرعية له، بل يجب على الأمة العمل لإزالته وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تنصر المسلمين وترعى شؤونهم وتحمي أرضهم ومقدساتهم.

 

كما تداولت وسائل الإعلام أخباراً عن بيان صادر من الأزهر يندد بالحصار، لكنه حُذف لاحقاً من المواقع الرسمية، دون توضيح أو تعقيب، ما يدل على ضغوط سياسية مورست على الأزهر لإسكاته. ثم خرجت تصريحات صفيقة، تدعو للسلام ووقف العدوان دون توجيه اتهام واضح للنظام أو تحميله المسؤولية. وهذا يُظهر التخاذل المؤسسي والارتهان الكامل لإرادة النظام، وهم من يجب عليهم قيادة الناس وتوعيتهم حول ما يجب عليهم تجاه أهل الأرض المباركة وتحريض الجيوش على التحرك لنصرتهم وبيان ما أوجبه الله عليهم.

 

إن إنقاذ غزة من المجاعة ومن الحصار، لا يكون عبر المؤتمرات والبيانات، بل بالجهاد في سبيل الله لاقتلاع كيان يهود من جذوره.

 

إن فلسطين هي أرض إسلامية مباركة، وهي أرض خراجية ملك لكل الأمة لا يجوز التنازل عن شبر منها، وإن تحريرها واجب شرعي على كل مسلم. وأي حل لا يشمل تحريرها كاملة، وإزالة الكيان الغاصب، هو حل مرفوض شرعاً. وكل أرض إسلامية كأرض فلسطين إذا اعتدي عليها صار الجهاد فرض عين على أهل تلك الأرض حتى تحصل بهم الكفاية ويرد العدو عنها، فإن لم تحصل بهم الكفاية وتغلب العدو عليهم وصارت تلك الأرض تحت سلطانه وصارت رعاية شؤونها بيده وصار واقع أهل تلك الأرض واقع الأسرى سقط عنهم فرض الجهاد وقتال العدو وانتقل عنهم فرض العين هذا إلى من يلونهم ثم من يلونهم حتى تحصل الكفاية ويرد العدو الصائل وإن بلغ فرض العين الأرض كلها. يقول الكاساني في بدائع الصنائع: (وإن ضعف أهل ثغر عن مقاومة الكفرة، وخيف عليهم من العدو، فعلى من وراءهم من المسلمين الأقرب فالأقرب أن ينفروا إليهم، وأن يمدوهم بالسلاح والكراع والمال؛ لما ذكرنا أنه فرض على الناس كلهم ممن هو من أهل الجهاد، لكن الفرض يسقط عنهم بحصول الكفاية بالبعض، فما لم يحصل لا يسقط).

 

فالواجب الآن على جيوش مصر وتركيا وباكستان والأردن وسائر بلاد المسلمين أن تنطلق لتحرير فلسطين كلها، وليس فقط إدخال بعض الشاحنات! ففلسطين ليست ملفاً إنسانياً، بل قضية عقدية، أرض إسلامية مغتصبة، لا تحرر إلا بالجهاد. قال ﷺ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» (رواه أبو داود).

 

أيها المخلصون في جيش الكنانة: إن حكامكم يشاركون فعليا وعمليا في إبقاء كيان يهود، وهذا ليس غريبا عليهم، فهم الذين ساعدوا في إيجاد هذا الكيان المسخ في قلب الأمة الإسلامية. أما الغريب حقا فهو موقفكم يا أبناء الجيوش! لماذا لا تزالون مصرين على ضبط النفس وإخوانكم يذبحون كما تذبح الشاة؟! لماذا لا تزالون متمسكين بحدود سايكس بيكو التي فرقت ومزقت أبناء الأمة الواحدة؟! يا أجناد الكنانة! أين مفاهيم الإسلام التي تجعل الحرب على أي مسلم حربا على كل المسلمين؟! فاعلموا أن حرب المسلمين واحدة وسلمهم واحد، وأن الله سبحانه يفرض عليكم أن تنفروا خفافا وثقالا لنصرة إخوانكم في غزة وغيرها، فإلى متى تتحركون في كل مكان إلا في سبيل الله ونصرة الإسلام والمسلمين؟! فاخلعوا عنكم طوق الحكام العملاء وكونوا مع المخلصين العاملين لتطبيق الإسلام من جديد أنصارا وعونا وسندا ليصل الإسلام بكم إلى الحكم كما أراد الله ويرضى لكم، وأعلنوها معهم خالصة من جديد خلافة راشدة على منهاج النبوة تكونون أنتم أنصارها كأنصار الأمس وتتحركون بها ومعها نحو تحرير كامل فلسطين وكل أرض الإسلام المحتلة وتحوزون فضل الأنصار وشرفهم، فاللهم هيئ للأمة وحزبها الرائد ومشروع دولتها الحضاري أنصارا يبايعون على اقتلاع تلك الأنظمة واستعادة سلطان الأمة ودولتها من جديد؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة.

 

اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويحكم فيه بكتابك وتقام فيه دولتك، ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر، وتُحرر فيه فلسطين وسائر بلاد المسلمين.

 

﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً﴾

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سعيد فضل

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

حُكم المشاركة في الانتخابات الديمقراطية

 

 

 

أعلن رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات يوم الثلاثاء الموافق الأول من تموز/يوليو 2025 بأنه استناداً لأحكام الدستور والقانون، تم تنظيم الاستحقاق الانتخابي لاختيار أعضاء مجلس الشيوخ للفصل التشريعي الثاني 2025-2030، ولتطبيق هذا النظام جارٍ البدء في إجراءات انتخابات مجلس الشيوخ المقرر عقدها أوائل شهر آب/أغسطس 2025.

 

من المعلوم أن النظام الديمقراطي يقوم على أساس فصل الدين عن الدولة، وجعل التشريع للشعب عن طريق مجالس النواب التي تضع الدستور والقوانين.

 

أيها المسلمون في أرض الكنانة، إنه من الواضح أن هذا النظام ماضٍ في تطبيق الديمقراطية التي شرّعها لنا الغرب الكافر، والتي جرّت علينا الويلات من قتل وتدمير القرى وترويج الفاحشة، وخلق فجوة بين فئات المجتمع حيث جعل فئة قليلة من المجتمع تستحوذ على الجزء الأكبر من ثروات البلاد.

 

إن النظام الديمقراطي تكريس للدولة المدنية العلمانية، التي يتم خداع الناس بأنها دولة مؤسسات يتساوى فيها الناس أمام القانون، وتكفل الحريات للجميع، وهذا في حد ذاته باطل، لما رأيناه على مدى العقود السابقة من وسائل القمع التي يمارسها النظام.

 

وأيضاً بخداع المسلمين بأن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع، وهذا يجعل مصادرَ أخرى للتشريع غير الوحي.

 

أيها المسلمون: إن الغرب الكافر قد فرض هذا النظام عليكم عن طريق النظام الحاكم وعملائه، حتى يمنعوا وصول الإسلام إلى الحكم، لكي يستمروا في نهب ثرواتكم. قال تعالى:﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً.

 

إن الديمقراطية التي سوّقها لنا الغرب هي نظام كفر، لا يجوز أخذها ولا العمل بها والدعوة إليها، ولا علاقة لها بالإسلام، فهي نظام حكم من وضع البشر، لا علاقة له بوحي أو دين.

 

فقيام الشعب بانتخاب وكلاء عنه، والمتمثلين بالمجالس النيابية التي تختار رئيس الدولة والحكومة، تنتج عنه فكرتان أساسيتان في النظام الديمقراطي، وهما: السيادة للشعب والشعب مصدر السلطات.

 

ويتم التصويت على القوانين الوضعية بأغلبية الأصوات، وهو حكم الأكثرية، وهو قول مخالف للحقيقة؛ فقد رأينا كثيراً من القوانين يُصدّق عليها الحاكم بدون علم المجالس التشريعية، وتكون تلك القوانين في خدمة أصحاب رؤوس الأموال والمنتفعين من وراء النظام، حتى لو كانت أحكاما إسلامية وخضعت للتصويت واختارتها الأغلبية، فاختيارها والعمل بها والحال كذلك فقط لكونها رأي الأغلبية وليس لكونها حكما شرعيا واجب التطبيق. قال تعالى ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً﴾ فلا يليق بل لا يجوز لمؤمن أو مؤمنة، إذا حكم الله ورسوله في مسألة من المسائل أن يختاروا لأنفسهم رأياً أو حُكماً يخالف ما جاء من الله ورسوله. ومن يخالف أمر الله ورسوله أي التشريع الذي أتى به الوحي فقد انحرف عن الطريق المستقيم انحرافاً واضحاً بيّناً.

 

والديمقراطية أساسها وعملها حماية الحريات، كحرية التملك التي ترتب عليها وجود الرأسمالية الجشعة، التي تمتص ثروات الفقراء لتدخل في خزائن الأغنياء، وفكرة الحرية الشخصية التي أدت لانحطاط المجتمعات، وأوصلت البلاد إلى مستوى من الإباحية، كما نراه في وسائل الإعلام التي ترعاها الدولة، وقد أدى ذلك إلى تفسخ الأسرة في هذه المجتمعات.

 

ومن وسائل خداع الغرب الكافر، أنه اعتمد أسلوب التضليل بإفهام المسلمين أن الديمقراطية لا تتعارض مع الإسلام لأنها هي الشورى، وقد أثّر ذلك على جمهرة المسلمين.

 

فالشورى ليست الديمقراطية ولا يجوز الخلط بينهما لأنها تختلف عنها في المفهوم الذي وضعه أصحابها، فالديمقراطية نظام حكم ويعني فصل الدين عن الحياة أو حكم الشعب، والشعب فيها هو المشرع فهو الذي يضع نظامه ودستوره وقوانينه، أما الشورى فإنها ليست نظام حكم وإن كانت من نظام الحكم، وهي وسيلة تُتّبع في التحري عن الرأي الصائب، حيث إن الشورى هي أخذ الرأي في مسألة ما، فالحاكم يرجع إلى مستشاريه، وهم من لهم خبرة بشؤون الحكم إن أراد، والقاضي يرجع إلى الفقهاء والمجتهدين لمعرفة رأيهم في مسألة قضائية، وهكذا، فهل يصح لمجتهد أن يسأل مهندساً في قضية شرعية التبس عليه فهمها دون أن يكون لهذا المهندس اطلاع على الفقه والتشريع؟

 

رجال السياسة أخلصوا للغرب ونظامه، وجعلوه قبلة أنظارهم، يستعينون به ويتكلون عليه، وجعلوا من أنفسهم حراساً لقوانينه، وخُدّاماً لمصالحه، وناصبوا الله ورسوله العداء، فوقفوا في وجه المخلصين الذين يدعون إلى إقامة النظام الإسلامي.

 

أما في الإسلام، ونظام حكمه الخلافة الراشدة على منهاج النبوة الذي يقابل الديمقراطية والرأسمالية حقيقة فتكون السيادة للشرع والسلطان للأمة.

 

ومعنى السيادة للشرع: أن الله وحده هو المشرّع، ولا تملك الأمة أن تشرّع حكماً واحداً. فالحضارة الإسلامية تقوم على العقيدة الإسلامية، وتوجب تسيير الحياة والدولة بأوامر الله ونواهيه، أي بالأحكام الشرعية، ولا يوجد مفهوم الحريات في الإسلام، فالمسلم مقيّد في جميع أفعاله وأقواله بما جاءت به النصوص الشرعية. قال تعالى ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماًوقال سبحانه: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ.

 

أيها المسلمون: الانتخابات ليست محرّمة لذاتها، بل هي مباحة وهي وسيلة تُستخدم لاختيار الخليفة، أو لمبايعة من يحق له الحكم، أو لاختيار ممثلي الأمة (مثل أعضاء مجلس الأمة). أما الانتخابات التي تُجرى في ظل الأنظمة غير الإسلامية والتي تكون جزءاً من نظام حكم ديمقراطي - كأن يُنتخب برلمان يشرّع من دون الله - فهي محرّمة شرعاً لأنها تقرّ بمبدأ السيادة للشعب وتشريع غير ما أنزل الله. لذلك، فإن المشاركة في هذه الانتخابات - ترشحاً أو تصويتاً - لا تجوز شرعاً، لأن فيها إقراراً بنظام كفر، ومساهمة في إنتاج مؤسسات تحكم بغير ما أنزل الله.

 

فالانتخابات ليست مرفوضة مطلقاً، لكنها تُرفض إذا كانت جزءاً من نظام علماني ديمقراطي يقوم على سيادة الشعب وتشريع البشر. أما إذا كانت وسيلة ضمن نظام الإسلام (الخلافة) لاختيار الحاكم أو من يساعده، فهي جائزة شرعاً ووسيلة مشروعة لتنظيم الحكم.

 

الانتخابات التي تُجرى ضمن دولة الخلافة، أي الدولة التي تطبّق الإسلام كاملاً في الحكم والسياسة والاقتصاد والاجتماع، فهي جائزة بل ومندوبة أحياناً. لأنها تكون في ظل دولة العدل التي تحكم بوحي الله وشرعه والتي بشّرنا بها الرسول ﷺ: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضّاً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ. ثُمَّ سَكَتَ».

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سعد معاذ – ولاية مصر

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أمة مكلومة بحكامها فكيف تنهض لتقود العالم؟

 

في زمن تتكالب فيه الأمم على أمة الإسلام، وتتسابق القوى الدولية لتقاسم نفوذها في بلاد المسلمين وثرواتهم، يبقى السؤال الجوهري الذي لا بد أن يُطرح: كيف تنهض هذه الأمة من كبوتها؟ كيف تعود لتقود العالم من جديد، وتنقذه من شقاء الرأسمالية، وظلم القومية، وعبث الديمقراطية، ودمار الاشتراكية؟ كيف تنتقل من حال التبعية والضعف إلى السيادة والقوة؟ هذا السؤال ليس ترفاً فكريّاً ولا رفاهية تحليلية، بل هو سؤال مصيري، يرتبط بوجود الأمة وكرامتها، بل وبعقيدتها التي حمّلتها مسؤولية قيادة البشرية.

 

إن النهوض بالأمة لا يمكن أن يتحقق إلا بإعادة تشكيل وعيها، وإعادة بناء شخصيتها، وقطع علاقتها بكل المفاهيم الدخيلة التي زُرعت فيها على مدى قرون من الغزو الفكري والسياسي. فالنهوض يبدأ من الداخل، من تغيير مفاهيم الناس، وليس فقط من خلال الشعارات أو المطالبات بالإصلاحات الشكلية.

 

الفكرة التي تنهض بها أي أمة لا بد أن تكون فكرة كلية، تعالج مشاكل الإنسان بوصفه إنساناً، وتبيّن العلاقة بينه وبين خالقه، وبينه وبين نفسه، وبينه وبين غيره. لا بد أن تكون الفكرة متجذّرة في عقيدة عقلية يقينية، تفسر الوجود وما قبله وما بعده، وتبني على أساسها نظاماً شاملاً للحياة. هذه الفكرة ليست نظريات نسبية، ولا فلسفات متبدلة، ولا عقائد روحية مبتورة، بل فكرة حية تولّد نظاماً ربانيّاً ينظّم حياة الإنسان في كل جوانبها، من العبادة إلى السياسة، ومن الاقتصاد إلى القضاء، ومن الحكم إلى العلاقات الدولية.

 

إن الإسلام - بوصفه وحياً من عند الله - يحمل هذه الفكرة. فهو ليس ديناً كنسيّاً محصوراً في الشعائر، بل دينٌ ومنه دولة، عقيدةٌ ونظام، فكرٌ وسلوك. لذلك كانت أولى خطوات النهوض أن تستعيد الأمة ثقتها بعقيدتها كنظام حياة، لا كموروث ثقافي أو هوية حضارية.

 

هل هناك نهضة بلا وعي سياسي؟

 

إن ما تمر به الأمة من تفتيت وتمزق ليس قضاءً محتوماً، بل هو نتاج سياسات استعمارية خبيثة، نُفّذت بأيدٍ محلية تابعة. لقد تم هدم الخلافة، وتقسيم بلاد المسلمين إلى كيانات هزيلة، وأقيمت أنظمة وظيفية تحرس حدود سايكس بيكو أكثر مما تحرس عقيدة الأمة وثقافتها. وتمت صناعة نُخب سياسية وفكرية تعيد إنتاج التبعية، وتزيّن للمسلمين نظم الغرب ومفاهيمه. فأصبحت الديمقراطية صنماً، والعلمانية قدَراً، والرأسمالية حلماً، وصار تطبيق الإسلام وصفة للتطرف أو الرجعية!

 

لذا، لا نهضة بدون كشف هذه الحقائق، ولا تحرر دون فضح هذه التبعية، ولا عودة لمكانة الأمة إلا بإزالة هذه الأنظمة العميلة واستبدال قيادة مخلصة واعية بها، تقود الناس على أساس الإسلام، لا على أساس المصالح الشخصية ولا الإملاءات الخارجية.

 

هل يمكن أن توجد نهضة بدون نظام تطبقه دولة؟

 

الإسلام لا يُفهم نظرياً فقط، بل يُطبق عملياً من خلال دولة تنفذ أحكامه وتحمل رسالته. فكما لا تُفهم الصلاة إلا بأدائها، لا يُفهم الإسلام إلا بتطبيقه الكامل في الواقع. وهذا التطبيق لا يكون إلا من خلال دولة تقيم العدل، وتحمل الإسلام للعالم دعوةً وجهاداً، وتحفظ الأمن، وتحمي الثغور، وتُحسن رعاية شؤون الناس في الصحة والتعليم والاقتصاد والقضاء والإعلام.

 

النظام الإسلامي في الحكم ليس ملكيّاً ولا جمهورياً ولا عسكرياً، بل هو نظام الخلافة، تُبنى على أساس البيعة، وتُقيم العدل، وتُحاسب الحاكم، وتضمن حقوق الرعية من مسلمين وغير مسلمين، على حد سواء، ضمن قواعد الإسلام العادلة.

 

النهوض لا يتم جماعيّاً دون طليعة تقود الأمة نحو التغيير الحقيقي، على أساس الإسلام. فلا تكفي العاطفة ولا الحماسة، بل لا بد من الوعي السياسي العميق على الواقع المحلي والدولي، والوعي الشرعي الدقيق على الأحكام المرتبطة بتغيير الواقع. هذه الطليعة لا تساوم، ولا ترضى بأنصاف الحلول، ولا تنخرط في أنظمة الكفر بحجة التدرج أو الإصلاح من الداخل، بل تسير بخطا ثابتة نحو إعادة الإسلام إلى مركز الحياة، من خلال إقامة دولته الجامعة المانعة، دولة الخلافة الراشدة الثانية.

 

الأمة هي التي ستنهض، وهي التي ستغيّر واقعها بيدها، ولا بد من إعادة الثقة لها بنفسها، بعد أن زُرع فيها الوهم بأنها قاصرة لا تصلح للحكم، وأنها متطرفة إذا تمسكت بدينها، وأنها لا تستطيع العيش دون وصاية الغرب. لا بد أن تُستنهض عزيمتها، وأن تُكسر القيود التي كبّلت إرادتها، وأن يُزال عنها الخوف المصطنع من التغيير.

 

إن الأمة الإسلامية حين تتحرك بوعي، وتنهض على أساس الإسلام، وتتبنّى مشروعاً سياسيّاً ربانيّاً متكاملاً، فإنها حتماً ستنتصر، وحتماً ستعود لتقود العالم من جديد، وهذه ليست أمنية، بل وعدٌ من الله سبحانه وبشرى من رسوله ﷺ، ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾.

 

كثيرٌ من محاولات النهضة في بلاد المسلمين فشلت لأنها سارت على خطا الغرب، وظنت أن النهضة تعني إقامة المصانع، أو التوسع في البنية التحتية، أو الانفتاح الاقتصادي، دون النظر إلى البنية الفكرية والنظامية التي تحكم هذه الجهود. إن الحضارة الغربية قائمة على فصل الدين عن الحياة، وعلى الاستعمار والهيمنة، وعلى الأنانية والربح المادي، وهي اليوم تعاني من الانهيار الأخلاقي والتفكك الاجتماعي والظلم الاقتصادي. فهل يعقل أن نقتدي بحضارة تلفظ أنفاسها الأخيرة؟!

 

النهضة الإسلامية لا تعني أن نكون نسخة عربية من أوروبا، ولا أن نستورد "التقدم" معبّأ في سياسات ومنظمات، بل أن نعيد تشكيل حياتنا على أساس عقيدتنا، ونصوغ مفاهيم الحياة والسياسة والاقتصاد والتعليم من خلال الإسلام، لا من خلال ما يُملى علينا من المؤسسات الدولية.

 

الطريق واضح والمهمة عظيمة

 

إن الطريق إلى النهضة ليس سراباً، ولا مجهول المعالم، بل هو طريق واضحٌ مستقيم، رسمه الوحي، وسار عليه رسول الله ﷺ، وسلكه الصحابة من بعده، فأقاموا دولة عظمى غيرت وجه التاريخ. وكل تأخير في سلوك هذا الطريق إنما يزيد الأمة ضعفاً، ويطيل معاناتها، ويتركها لقمة سائغة في فم أعدائها.

 

فليكن شعارنا: لا إصلاح بدون تغيير جذري، ولا تغيير إلا بالإسلام، ولا تطبيق للإسلام إلا بدولة، ولا دولة إلا بخلافة راشدة، ولا خلافة إلا بوعي الأمة وإرادتها الصلبة.

 

هذه هي المهمة العظيمة، وهذه هي بشائر النصر... فمن لها؟

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمود الليثي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الجرائم في الدولة يُقضى عليها بتطبيق العقوبات الشرعية

 

 

تتجدد أحداث جرائم النهب والسلب والسرقات (تسعة طويلة)؛ وهم من يقومون بتهديد المارة في الطرقات العامة بالسلاح وسلبهم أموالهم والاعتداء عليهم، وتتكرر صباح مساء بمنطقة الكلاكلة الوحدة جنوب الخرطوم العاصمة، وفي كثير من مدن السودان، ففي الأسبوع الماضي اعتدي على رجل، وهددوه بالسلاح، وسلبوا هاتفه، وسط دهشة الجميع، ثم فروا هاربين على موتورسكل، ثم ذهبوا إلى شارع آخر وسلبوا واعتدوا على شخص ثان، وثالث، وهذا كله خلال ساعات، وفي منطقة واحدة، مع تكرر وقوع مثل هذه الأحداث في الأيام الماضية بضواحي الخرطوم، منطقة جبل أولياء وأم درمان وبورتسودان وغيرها.

 

إزاء هذه الأحداث المتكررة تبرز حقيقة أن هؤلاء المجرمين قد أمنوا العقاب، فتمادوا في جرائمهم دون أن يجدوا رادعا من الدولة، هذا لأن الدولة لا تقوم على أساس عقيدة الأمة، ولا تطبق أحكامها الزاجرة والرادعة.

 

إن الإسلام قد أوجب على الدولة توفير الأمن، بأن تكون لها شرطة مجهزة بالوسائل والأساليب التي تمكنها من حفظ الأمن الداخلي، باقتدار واحترافية، وتنفيذ العقوبات الشرعية الحدية الزاجرة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾. وعن عبد الله بن عمر رضي اللهُ عنهما «أَنَّ النَّبِي ﷺ قَطَع فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ - وَفِي لَفْظٍ: ثَمَنُهُ - ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ».

 

فإذا طبقت هذه العقوبات الشرعية والحدية والزجرية فإنها حتماً ستردع المجرمين، وتقضي على هذه الظاهرة التي تفشت بشكل كبير ومزعج في مناطق سيطرة الجيش (الدولة) ومناطق سيطرة قوات الدعم السريع.

في زمن الخلافة العثمانية بفضل قيامها على الإسلام، وبتطبيق الأحكام الشرعية في السياسة والحكم والاقتصاد، والاجتماع والقضاء وغيرها كانت الرعية تتمتع بالأمن والسلام والطمأنينة، وكانت مثل هذه الجرائم نادرة الحدوث.

يقول الرحالة موتراي: (لقد بقيت في الدولة العثمانية أربع عشرة سنة، كانت حوادث السرقة فيها نادرة الحدوث مثل سائر الحوادث، أما في إسطنبول فمن النادر جداً حدوث سرقات، وكان عقاب من يقومون بقطع الطريق في الدولة العثمانية هو الموت على الخازوق، وخلال أربع عشر سنة عشت في إسطنبول ولم تقم تلك العقوبة إلا ست مرات فقط، وكلهم كانوا من الجنس الرومي، وليس معلوماً عن الأتراك قطع الطريق، ولهذا ليس هناك خوف على الجيوب من خفة اليد).

 

أما السير جيمس بورتر الذي كان سفيراً في إسطنبول، فقد قال عن ذلك بالرغم من عدائه للأتراك وللإسلام: (إن الحوادث مثل قطع الطريق ونهب البيوت كانت وكأنها غير معروفة في المجتمع العثماني، ففي الحرب أو السلم كانت الطريق آمنة مثل البيوت ويمكن لأي شخص أن يسير بمفرده في الطرق الرئيسية في كل البلدان العثمانية، ومن المثير للعجب قلة الحوادث بشكل كبير، بالرغم من كثرة عدد الرحلات والمسافرين، ففي عدة سنوات يمكن مصادفة بعض الحوادث النادرة الحدوث).

 

ويذكر أبو جيني: (في تلك العاصمة العظيمة، يتركون حوانيتهم مفتوحة كل يوم، في الأوقات المعلومة يذهبون للصلاة، وفي الليل يغلقون أبواب بيوتهم على العادة بقفل خشبي، وبالرغم من ذلك لا تحدث السرقة في العام إلا ثلاث أو أربع مرات فقط. أما غلطة وبك أوغلو المشهور بأن معظم سكانها من النصارى فلا يمضي يوم إلا وتحدث فيها سرقات وجنايات).

 

أحد الرحالة الإنجليز نشر في جريدة ديلي نيوز عن الأمن والاستقامة في الدولة العثمانية حيث يقول: (ذات يوم قمت باستئجار عربة نقل من أحد القرويين لنقل أغراضي وأغراض ضابط مجري صديق لي، وكانت كل الصناديق والأغراض مفتوحة ومكشوفة، وفيها المعاطف والفراء والأوشحة، فأردت أن اشتري بعض الأعشاب الجافة، فطلب مني أحد الأتراك الذين يتميزون باللطف والذوق، أن يرافقني، بعدها أخرج الرجل الثيران من العربة وتركها في وسط الطريق مع أغراضنا، ولما رأيته يبتعد ناديت عليه قائلا: (يجب أن يبقى أحد هنا، فقال: لماذا؟ فقلت: لحراسة أغراضنا فقال التركي المسلم: ولم هذا؟ لا تهتم إن بقيت أغراضكم في هذا المكان أسبوعا كاملا ليلا ونهارا فلن يمسها أحد، ولم أصر أنا أيضا على طلبي وذهبت، ولما رجعت وجدت كل شيء في مكانه، فقد كان الجنود العثمانيون يمرون من المكان بشكل دائم. إن هذه الحقيقة التي تواجه العين يجب أن تعلن على كل النصارى من على كراسي الكنائس في لندن، فبعضهم سيظن أن هذا مجرد حلم ولكن يجب أن يفيقوا من سباتهم هذا).

 

هذا ما شهد به الأعداء والخصوم المستشرقون الرحالة الأوروبيون، عن حالة الأمن والأمان في الدولة الإسلامية بفضل قيامها على الإسلام، وتطبيق أحكامه. أما اليوم، وفي ظل الدويلات الوطنية الوظيفية التي هندسها الكافر المستعمر لتحقيق مصالحه وغاياته الاستعمارية الخبيثة، وأسسها على عقيدة فصل الدين عن الدولة، وفرض عليها تطبيق النظام الرأسمالي، فقد فسدت حياة المسلمين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وكثرت الجرائم من سلب الأموال والقتل وسفك الدماء وانتهاك الأعراض وغيرها.

 

ولن يوجد الأمان والطمأنينة إلا بإقامة الخلافة، وهذا واجب الوقت والزمان، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ».

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد الله حسين (أبو محمد الفاتح)

منسق لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

الأسباب والمسببات.. هل تحقيق النتائج بأيدينا؟

(النصر مثالاً)

 

إن بحث الأسباب والمُسبَّبات والعلاقة بين الأسباب والنتائج أو ما يُسمى قانون السببية، وهل هذه العلاقة ثابتة ولا تتخلف أو لا، هو موضوعٌ لطالما طرقه أهل النظر والأبحاث الفكرية والشرعية. والمُعتمد عملياً بين جميع الناس هو أن هذه العلاقة بدهية وقطعية. وهذا الترابط هو قدَرُ الله سبحانه وتعالى وسنته التي لا تتغير في الأشياء والناس.

 

ويُستعمل لفظ السبب في هذا الصدد بمعنيين؛ أحدهما المعنى المُراد في العقليات والمحسوسات، أي ما هو سبب لشيءٍ آخر ينتج عنه، كتحطم الزجاج عند ارتطامه بشيء صلب، أو سقوط شيء معلق بحبل إذا انقطع الحبل، أو كانفجار جسمٍ مغلقٍ إذا استمرَّ ازدياد الضغط داخله. فهذا الارتطام أو الانقطاع أو الضغط سبب عقلي لنتيجةٍ أو مسبَّبٍ هو التحطُّم أو السقوط أو الانفجار، وينتج المُسبّب حتماً عند حصوله، وبحصوله، أي عنده وبه. ويُستعمل لفظ السبب أيضاً بالمعنى الاصطلاحي الشرعي في أصول الفقه، وذلك كرؤية هلال رمضان أو هلال شوال لإثبات وجوب الصيام أو العيد، وكغياب الشمس لإثبات وجوب صلاة المغرب. فهذا سبب بمعنى أنه يثبت حكم الصوم أو العيد أو صلاة المغرب عنده وليس به. أي أن الحكم يثبت بدليله الشرعي وليس به، لأنه ليس سبباً عقلياً. ولذلك يُقال إن السبب في العقليات يثبت المسبَّب عنده وبه. أما في الشرعيات فالسبب يثبت الحكم عنده وليس به. والمراد في هذا البحث هو السبب في العقليات أو المحسوسات، وهو العمل أو الأعمال التي يراد التوصل بها إلى هدف، والهدف المُراد هو المُسَبَّب أو النتيجة.

 

وبحث الأسباب والمسببات عامٌّ في كل سبب ومسبَّب، أو ما هو مظنة سبب ونتيجة له. فتكون الدراسة مثلاً سبباً نتيجتها المقصودة والمرجوّة النجاح، وتكون الزراعة سبباً نتيجتها المقصودة والمرجوة الحصاد. ويكون الإعداد للحرب والقتالُ سبباً يُقصدُ به نتيجةٌ هي الانتصار وبسط النفوذ والسلطان وإرهاب العدو، وتكون العقوبات سبباً عقلياً ومادياً عملياً لمنع المخالفات، وتكون الطريقة الشرعية لإقامة الدولة الإسلامية سبباً مادياً عملياً لإقامتها التي هي النتيجة المستهدفة. فموضوع الأسباب والمسبَّبات عامٌ تندرج تحته كل هذه المسائل أو الأمثلة. ويندرج تحته أيضاً مدلول القول: "من جَدَّ وَجَدَ ومن زَرَعَ حصد" بكل عمومه.

 

ولما كان هذا البحث عامّاً في هذه المواضيع، فما ينطبق على أيٍّ منها لجهة كونه سبباً ومسبَّباً أو نتيجةً أو هدفاً، سينطبق على سائرها. وأكثرها ذكراً وتساؤلاً حوله هو موضوع النصر بوصفه نتيجةً لأعمال تحققه.

 

فإذا كانت العلاقة بين السبب ومسبَّبِه حتمية - وهي كذلك - فهذا يعني أن الأخذ بالأسباب سيؤدي حتماً إلى نتائجها. أي أن الأخذ بأسباب النصر سيؤدي حتماً إلى النصر، فهل هذا صحيح؟ وإذا كانت أسباب النصر بأيدي الذين يستهدفونه، فهذا يعني أن النتائج أيضاً بأيديهم، فهل هذا صحيح؟ هذه الأسئلة من مقتضيات البحث.

 

ومن مقتضياتِه أيضاً، بعد تقرير حتمية الترابط بين النصر وأسبابه، التوفيقُ بين هذه الحقيقة وبين النصوص الشرعية القطعية الثبوت، والقطعية الدلالة على أن النصر من عند الله وحده كقوله تعالى: ﴿وَمَا النَّصْرُ إلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ سورة آل عمران: 126، وقوله: ﴿إن يَنْصُركُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكم مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فِلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون﴾ سورة آل عمران: 160، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ سورة محمد: 7. الأمر الذي يرى فيه بعض الناظرين تعارضاً يبعث على التشكيك بتلك الحقيقة أو التشكُّك بشأنها. وبتعبير آخر، تنشأ تساؤلات: هل تحقيق النصر يعتمد على الأسباب فقط بناء على قانون السببية المادي، أم أنه من عند الله وحده سواء حصل الأخذ بالأسباب أو لم يحصل؟ وبتعبير آخر: هل هناك تعارض بين كون النصر له أسبابه المادية، وأنه نتيجة حتمية لها إذا أُخِذَ بها أخذاً صحيحاً، وبين كونه من عند الله فقط؟ هل القول إذا أُخِذَ بالأسباب يحصل النصر حتماً ودائماً، يتعارض مع النصوص التي تحصر النصر بأنه من عند الله؟ وهل القول إن النصر من عند الله يعطيه من يشاء بغض النظر عن الأخذ بالأسباب، يعني أن أمر الإعداد هو تكليف شرعي تعبدي فقط، ولا تأثير له على النصر لا سلباً ولا إيجاباً، ويتناقض مع قانون السببية؟ وبهذا يتَّضِح الإشكال الذي يتراءى ويُثير التساؤلات. والإشكال هو أنّ العلاقة بين السبب والمُسَبَّب حقيقة قطعية، ودلالة النصوص على أن النصر من عند الله هي أيضاً حقيقة قطعية، والحقائق لا تتعارض. فما التفسير؟ كيف يُحلُّ هذا الإشكال ويُرفع التعارضُ بين هاتين الحقيقتين ويتبيَّن توافقهما؟

 

والجواب بدايةً هو أن الحقائق لا تتناقض ولا تتعارض، سواءٌ الحقائق العقلية فيما بينها، والشرعية فيما بينها، والشرعية والعقلية معاً فيما بينها، فكلها حقائق. وإذا تراءى أي تعارض بينها، فهو غير حقيقي، وإنما هو اشتباه يزول بالعلم والتدقيق وإحسان النظر. لذلك يُسمى تعارضاً ظاهرياً وليس حقيقياً.

 

ولذلك، لا تعارض بين قانون السببية أو العلاقة الحتمية بين الأسباب ونتائجها وحقيقة أن النصر من عند الله وحده. فإذا وقع السبب بتمامه فحصول المسبب أو النتيجة حتمي، هكذا قدّر الله الأشياء وسننها. فإذا رأينا أن النتيجة لم تحصل فهذا لا يعني انخرام القانون، وإنما يعني أن السبب لم يحصل، أو لم يحصل بتمامه. فقد يكون هناك خطأ كأن يظن الفاعل أنّ ما يقوم به سببٌ وهو ليس كذلك. أو أن أحداثاً أجهضت السبب أو عرقلته وكانت بمثابة موانع وهذا كثير الوقوع. أو أن يكون الأخذ بالأسباب ناقصاً غير مكتمل وهذا يجعل النتيجة محتملة وليست أكيدة. وتكون قوة احتمالها بمقدار الأخذ بالأسباب. وهذا الأمر دائم، إذ لا يمكن لأحد مهما كان علمه وشأنه أن يأخذ بالأسباب بشكل كامل، لأنه لن يستطيع أن يعرفها بشكل كامل، ولن يستطيع أن يأخذ بكل ما عرف منها، فضلاً عن الجهل بما يطرأ من أحداث ومتغيرات، وهذا يجعل الأخذ بالأسباب ناقصاً، ومن المحال الأخذ بها بشكل كامل.

 

ولذلك، فإن الخطأ أو الخلل في تحقيق النتيجة لا يرجع إلى خلل في قانون ارتباط الأسباب بمسبباتها، بل هو يرجع إلى خطأ ونقص في الأخذ بالأسباب. وهذا النقص، إضافةً إلى وجود أسباب ليست ضمنَ المدرك أو المقدور، يجعل النتائج غير مضمونة. ولذلك كان من المقطوع به أن النتائج بيد الله سبحانه وليست بأيدي العامل مهما أُخِذ بالأسباب. فالإنسان يسعى للأخذ بالأسباب التي يعتقد أنها توصل إلى النتيجة، وهو حين يفعل لا يستطيع أن يأخذ إلا بما يدركه منها، وبما يستطيعه مما يدركه. ولما كان إدراكه محدوداً وناقصاً، وقدرته أيضاً محدودةً وناقصةً، فسيكون تحقيق النتيجة أو الهدف ليس بيده، بل في علم الله سبحانه، وبيده وحده.

 

وقد يُقال: ولكن يُلاحظ في كثير من الأعمال أن تحقيق النتائج يجري بلا تخلف، سواء أكان العمل بسيطاً كهدم جدار أو عملية قتل، أو معقداً كالأعمال ذات الخطوات والمراحل الكثيرة، كالصناعات الحديثة المتطورة مثلاً. والجواب هو أنه كلما كانت أسباب الهدف المطلوب أو أسباب النتيجة المراد التوصل إليها قريبة وغير معقدة، ومدركة ومقدوراً عليها، ازدادت إمكانية الأخذ بالأسباب أكثر، وازداد تحقيق النتيجة، ولكنها لن تبلغ الاكتمال. لأن هناك دائماً ما هو خارج عن إدراك الإنسان وقدرته. وهناك عراقيل تحصل أو موانع، تحول دون اكتمال الأخذ بالأسباب، كالنسيان أو الموت، أو حصول أعمال مضادة، أو طوارئ طبيعية كزلزال أو ريح أو أمراض تتفشى وما إلى ذلك. فالأخذ بالأسباب يؤدي إلى النتيجة قطعاً، ولكن لا يمكن للإنسان مهما أوتي من علمٍ وقدرة، ولو كان نبياً، أن يأخذ بالأسباب كاملةً مائة بالمائة.

 

ويزداد الأمر بياناً بقوله تعالى: ﴿إنّ اللهَ لَا يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ سورة الرعد: 11. فهذا النص يفيد أن الله سبحانه هو الذي يغير ما بالناس، ويفيد أيضاً أنه سبحانه لن يغير ما بهم حتى يغيروا هم ما بأنفسهم. وهذا أيضاً يبعث على النظر، وذلك أنه إذا غيروا هم ما بأنفسهم، فقد غيّروا وحصل التغيير، فلماذا يقول تعالى إنه بعد ذلك سيغير ما بهم؟ والجواب هو ما تقدم من أن هناك من أسباب التغيير ما هو بأيدي الناس، وهناك ما هو خارج عن إدراكاتهم وقدراتهم. فعليهم أن يقوموا بتغيير ما بهم مما هو بأيديهم، فإذا فعلوا يُغيِّر الله سبحانه وتعالى ما بهم مما ليس بأيديهم، ويتحقق التغيير المنشود.

 

وبأخذ النصر في الحرب مثالاً، يتبين ما تقدم بوضوح. فالنصر نتيجة مستهدَفة، يُتوصل إليها بأسبابها من إعداد وتخطيط وقتال وما إلى ذلك. والأخذ بأسباب النصر ضروري لتحقيقه. ولكن مهما أوتي الآخذون بالأسباب من قوىً فكرية ومادية وعسكرية، وقدرات على التحليل والتخطيط، لن يحيطوا بكل أسباب النصر، أو بسببه كاملا، وسيظل الإعداد ناقصاً. يضاف إلى ذلك أن العدو يخطط أيضاً ويأخذ بالأسباب. ويضاف أيضاً الطوارئ التي لا يعلمها إلا الله، كحصول اختراق أو خيانة، أو انقلاب أو اغتيالات، أو موت قادة، أو أن تدبّ أمراض، أو تحصل كوارث طبيعية وما إلى ذلك. وهذه أمثلة واقعية تبيّن أنه لا يمكن الإحاطة بأسباب النصر، وأن الأسباب التي يؤخذ بها قد تتعطل بأسباب بشرية أو طبيعية. وهذا يبين أن الوقائع المحسوسة أيضاً تدل على أن النتائج والأهداف ومنها النصر هي من عند الله وحده. وبهذا يرتفع التعارض المذكور، ويتبين أنه تعارض ظاهري وموهوم.

 

وثمة مسائل أخرى تتعلق بهذا الموضوع، منها مثلاً أن النصر من عند الله، فهل إذا انتصر الكفار على أمثالهم من الكافرين أو على المسلمين، يكون الله هو الذي نصرهم؟ ومنها أن الآيات دلت على أن نصر الله للمؤمنين مشروط بأن ينصروه، وأنهم إن نصروه نصرهم. ونصر المؤمنين لله سبحانه هو أن يعبدوه ويطيعوه. فهل هذا الشرط يعني أنهم إذا عصَوْه لا ينصرهم؟ ومنها هل القول إن النتائج بيد الله سبحانه وليست بأيدينا يعني أنّ الناس والمكلفين غير مسؤولين عن الهزائم أو عن فشلهم بتحقيق الأهداف؟

 

والجواب على السؤال الأول هو أن قوله تعالى ﴿وَمَا النَّصْرُ إلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ يحصر النصر بأنه من عند الله وحده، وهو عام في كل نصر، سواءٌ نصر المؤمنين أو نصر الكفار. وهذا يعني أن الله سبحانه وتعالى ينصر المؤمنين والملتزمين، وينصر غير المؤمنين أيضاً وغير العابدين والطائعين.

 

وهذا يدفع إلى السؤال التالي وهو إذا كان انتصار العاصين والكافرين وأضرابِهم هو من الله سبحانه، أفلا يتعارض هذا مع الآيات التي تدل على أن إيمان المؤمنين ونصرهم لله شرطٌ لنصرِه لهم، كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ سورة محمد: 7، وقولِه: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِه وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ سورة آل عمران: 160، وقوله: ﴿وَكَانَ حَقَّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ سورة الروم: 47؟ ومعلومُ أنّ الشرطَ يلزمُ من عدمه العدم. أفليسَ ثمَّ تعارضٌ بين القول إن الله ينصر العُصاة والكفار والقول إنّ الإيمان والطاعة شرطٌ لنيل نصر الله سبحانه؟

 

والجواب هو أنه لا تعارض البتّة بين هذه النصوص. فقوله تعالى ﴿وَمَا النَّصْرُ إلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾ عامٌ في كلِ نصر، سواءٌ للكافرين أو المؤمنين. وقد جاء إضافةً إلى هذا الدليل العام دليلٌ خاصٌ في الموضوع يؤكد عمومه. وهو نصر الله تعالى للروم على الفرس، حيث أخبر سبحانه وتعالى أن الروم سيغلِبون، وأن هذا سيكون بنصر الله لهم. قال تعالى: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُون * بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ سورة الروم: 4-5، ومعلومُ أن الروم كفار، أي أنّ شرط الإيمان والطاعة غير حاصل عندهم. فهذا القول ثابت. وقد دلت النصوص أيضاً على أن نصرَ المؤمنين لله شرطٌ لنصره لهم. فقوله تعالى: ﴿إنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ قطعي الدلالة على ذلك. ومع ذلك، فإنّ هذا لا يعني أن عدم الطاعة ينفي إمكانية نصر الله. وبيانُ ذلك أنّ هذا الشرط ليس شرطاً لحصول النصر، وإنما هو شرط لحتمية نصر الله لهم بسبب استحقاقهم لنصره. أي أن الله سبحانه وتعالى كتب على نفسه أن إيمان المؤمنين ونصرَهم له يوجبُ نصره لهم. فهو وعدٌ من الله أو عهدٌ كتبه على نفسه تفضلاً منه على المؤمنين. كما في قوله تعالى: ﴿وَعْدَاً عِلِيْهِ حَقَّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ﴾ سورة التوبة: 111، وكما قال: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ سورة الأنعام: 54. والأمر هو نفسه ههنا في مسألة النصر، ويؤكده قوله تعالى: ﴿وَكَانَ حَقَّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ سورة الروم: 47، فهو حقٌ على الله أي عهدٌ منه، أو وعدٌ كتبه سبحانه على نفسه، بأنكم إن فعلتم كذا نصرتكم. فالشرط في قوله تعالى ﴿إنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ﴾، ليس شرطاً لنصر الله لهم، بل هو شرط لحصول العهد والوعد من الله لهم بنصرهم، والله لا يخلف وعده ولا عهده. وعليه، فإذا انتفى الإيمان أو الطاعة لا ينتفي النصر من الله، ولكن ينتفي وعده بالنصر. وحينئذٍ يفعل ما يشاء، فينصر أو لا ينصر، ينصر هذا الفريق أو ذاك، ويخذلُ هذا الفريق أو ذاك. كما قال تعالى في سورة الروم: ﴿يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾. أما إذا حصل إيمانهم والتزامهم فقد وجب نصر الله سبحانه لهم.

 

وأما مسألة المسؤولية عن الفشل أو الهزائم أو عن عدم تحقق النصر، فالجواب عليها هو أن هذه كلها نتائج، وقد تقدم أن النتائج بيد الله وحده، وهي ليست في مقدور الناس. والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسَاً إِلّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ سورة البقرة: 286. لذلك، لا تصحُّ محاسبة القائمين بالأعمال على النتائج، ولكن يصح وينبغي أن يُسألوا عن أخذهم بالأسباب التي من شأنها أن تؤدّي إلى النتائج وأن يُحاسبوا عليها. فيُحاسبون على الإهمال والتقصير أو الخطأ في أخذهم بها. وذلك أنّ النتائج إنما يُتوصّل إليها بأسبابها. والتكليف يقع على الأسباب وليس على النتائج. ولذلك لا نجد في التكاليف مثلاً: "انتصروا"، ولكننا نجد ﴿وأعِدُّوا﴾، ﴿انْفِرُوا﴾،  ﴿قَاتِلُوا﴾، ﴿اقْتُلُوهُمْ﴾، ﴿فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾، ﴿فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾. وإذا جاء أمرٌ بشيءٍ هو نتيجة فيجب صرفه عن النتيجة إلى أسبابها. ومثالُ ذلك أن الشرع أمر المسلمين بالتحابب، ولكن الحب ليس عملاً مقدوراً يقوم به المرء، فهو ليس كالبيع مثلاً أو القتال أو الصلاة أو الكلام، وإنما هو نتيجة لا تحصل إلا بأسبابها. ولذلك أرشد ﷺ إلى أفعال مقدورة هي بمثابة أسباب تؤدي إلى التحابب، كإلقاء التحية وتبادل الهدايا. فقال ﷺ: «لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ»، رواه الشيخان واللفظ لمسلم. وروى عنه البخاري: «تهَادُوا تَحَابُّوا».

 

وأشير بإيجاز في مسألة المساءلة والمحاسبة، وأنها تكون على الأخذ بالأسباب وليس على النتائج، إلى حالات حصلت مع النبي ﷺ، وفي تدبُّرها تمامُ الدلالة على ما تقدم. وهي أن المسلمين خسروا في معركة أحد وهم بقيادة النبي ﷺ. ولا يمكن محاسبته على هذه النتيجة، ولا اتهامه بالتقصير بسببها، فهو المعصوم الموحى إليه. وكذلك لا يمكن أن يُقال إلا أنه أخذ بالأسباب على أكمل وجهٍ ممكن. ومثل ذلك يُقال في غزوة حنين، حيث خسر المسلمون في بداية المعركة قبل أن ينتصروا. أما في غزوة بدر فقد اتخذ النبي ﷺ موضعاً لمعسكره، وهذا أخذٌ بالأسباب، ولكن الحُباب بن المنذر رضي الله عنه جادله في أن هناك ما هو أفضل من هذا الموضع لتحقيق النصر، فأخذ برأيه وغيّر منزله. وهذا يدل على أن الأخذ بالأسباب يدخله النقص والخطأ، ويدخله الاجتهاد، ويلزم فيه النصح والمحاسبة. بعكس النتائج، حيث لم تحصل محاسبة على الخسارة في أُحُد، ولا على ما حصل في بداية معركة حنين. وكاد النبي ﷺ أن يقدم تنازلات في معركة الخندق مع أنه حفر الخندق وأعدّ ما يستطيع، وهذه التنازلات هي سببٌ بيده، أراد النبي ﷺ اتخاذه للحؤول به دون هزيمةٍ محتملة ليست بيده. ولكن الصحابة جادلوه في السبب فعدل عنه.

 

إن الأمثلة على ما تقدم كثيرة، وهي تدلُّ على أنّ أخذ الناس بالأسباب لا يكتمل ليحقق النتائج بشكل قطعي، وتدلُّ على أن النتائج بيد الله وحده، وأن المحاسبة تكون على الأخذ بالأسباب وليس على النتائج. ويتبين منها أنه لما كان الأخذ بالأسباب لا يكتمل، ويعتريه نقص المعرفة وخطأ التقدير، وتحول دونه موانع، ويحصل فيه الفشل، فينبغي إعادة النظر في الأسباب لمعالجة كل مانع أو خطأ أو نقص. والله الموفِّق والمستعان.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الدكتور محمود عبد الهادي

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل

×
×
  • اضف...