اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

مقالات من المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير - متجدد


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المطالبة بإصدار الجنيه الذهبي

محاولة فاشلة في نظام رأسمالي فاسد

 

 

 

طالب المحلل الأكاديمي الدكتور لؤي عبد المنعم بضرورة اتخاذ خطوات حاسمة لتعزيز الاقتصاد السوداني، من خلال إدخال "الجنيه الذهبي الادخاري" كأداة مصرفية تهدف إلى الحد من تهريب الذهب ومضاربات الدولار.

 

وأكد عبد المنعم في تصريحات خاصة لصحيفة السوداني بتاريخ 8 أيلول/سبتمبر 2025 أن هذا المنتج المصرفي ينبغي أن يقتصر تداوله داخل البنوك في المرحلة الأولى بهدف تعزيز السيولة المصرفية، لتمويل مشاريع التنمية الاقتصادية. وأوضح أن هذه الخطوة ستسهم في تقليل الاعتماد على الدولار في السوق الموازي، ما يعزز القيمة النقدية في الجنية السوداني ويزيد من احتياطيات الذهب في البنك المركزي.

 

وأشار عبد المنعم إلى أهمية دخول الدولة في الإنتاج المباشر بدل الاكتفاء بجبايات محدودة، موضحا أن هذا التوجه سيحقق استفادة أكبر من الموارد الطبيعية، خاصة في قطاع الذهب، وفي هذا السياق دعا إلى الاعتماد على نظام "البوت" في عقود الامتياز مع تقليص مدتها 8 إلى 10 سنوات وتخفيض عدد الشركات المسجلة من خلال تحديد حد أدنى للاستثمار يتراوح ما بين 150 و200 مليون دولار حسب موقع ومساحة الامتياز.

 

وخلص عبد المنعم إلى أن هذه الإجراءات، إذا تم تنفيذها بشكل متكامل، فستسهم في استقرار العملة الوطنية وتعزيز الاحتياطيات النقدية وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في ظل التحديات الراهنة التي تواجه السودان.

 

هكذا يفكر الاقتصاديون الذين درسوا النظام الرأسمالي في الجامعات والمعاهد العليا ويبنون طموحاتهم وطموحات الأمة على أساس رأسمالي أكل السوس بنيانه الهش، ويخلطون بعض أحكام الإسلام في النظام الاقتصادي الإسلامي، ظنا منهم أنهم يحسنون صنعا!

 

إن ما طرحه الدكتور من رؤية خلط فيها نظام النقود في النظام الرأسمالي "الجنيه" بأن جعل قاعدته ذهبا، وبين نظام مصرفي قائم على نظام الشركات الرأسمالية التي قوامها الربا والدولار غير المغطى بالذهب ولا بالفضة، فإن هذه الوصفة التي فكر فيها الدكتور لا تتناسب مع النظام الرأسمالي، الذي ألغى الرئيس الأمريكي نيكسون نظام قاعدة الذهب والفضة سنة 1971 فيما سمي باتفاقية بريتون وودز، وفك الارتباط بين قاعدتي الذهب والفضة والدولار معلنا عهدا جديدا قوامه الدولار مسنودا بقيمة قانونية لا بقيمة حقيقة متمثلة في معدني الذهب والفضة، فأصبح الدولار هو المهيمن على كل المعاملات المالية العالمية وتقاس كل العملات العالمية على أساس الدولار، فأي تفكير خارج صندوق النظام الاقتصادي الرأسمالي في ظل وجود دول وطنية كرتونية هشة لتكوين نظام اقتصادي مخنث مخلوط، لا ينجح ولا يستقيم تحت الهيمنة الأمريكية على نظام اقتصادي عالمي مبني على الرأسمالية.

 

فالدكتور يريد أن يأتي بتوليفة اقتصادية بعيدة عن أحكام الإسلام وفي الوقت نفسه يريد أن يتمرد على النظام العالمي ذي الهيمنة الأمريكية، ليعمل على تجفيف الدولار من المنطقة! فمثل هذه العقلية بعيدة عن الوعي السياسي وعن البعد الخفي لهيمنة الدولار والتحكم المطلق لأمريكا. فلن تنجح مثل هذه الوصفات، بل هي أماني وأحلام ودغدغة للمشاعر، ومجرد تصريحات وتحليلات ينتهي أمرها بذر الرماد في العيون.

 

ثم إن نظام البوت هو الناسف لوصفة الدكتور، وهي ذات أبعاد خطيرة تؤدى إلى إضعاف مقدرات الدولة في إدارة شؤون الناس، والبوت يعني بالعربية "التحويل والتشغيل والبناء"، أي نقل الملكية العامة إلى ملكية خاصة، بحيث يتم قيام مستثمر من القطاع الخاص بعد إعطائه ترخيصاً من جهة حكومية مختصة من أجل تشييد أو بناء مشروع، بنية أساسية مثل إنشاء محطة لتوليد الكهرباء أو إنشاء مطار، وذلك على أن يقوم بتشغيله وإدارته بعد عملية الانتهاء منه، وذلك بامتياز معين قد تكون مدته من 30 إلى 40 سنة، وخلال هذه المدة يقوم بتشغيل المشروع ويحصل على التكاليف والأرباح من خلال الرسوم والعوائد التي يقوم بدفعها مستخدمو المشروع. وبعد الانتهاء من مدة الامتياز، ينقل المشروع بكل عناصره إلى الجهة الحكومية أو الدولة.

 

هذا هو نظام البوت، فهو عينه الخصخصة التي انتظمت البلاد في بداية الألفية، وأدت إلى تسريح الآلاف من الموظفين والعمال، كما أدت إلى إضعاف هيكل الدولة والتنصل من مسؤولياتها الأساسية، وما أمر سكك حديد السودان إلا شاهد على خطورة هذه الفكرة، فقد تدهور هذا القطاع النقلي المهم بعد أن تم تطبيق نظام البوت فيه، وغيره من المشاريع مثل النقل النهري والبحري والمطارات والكهرباء في السودان سواء أكانت ملكية عامة أم ملكية دولة، فانهارت الدولة وترهلت واكتظت بالمستثمر الذي لا ينظر إلا في أرباحه بعيدا عن رعاية شؤون الناس. بل الأخطر من ذلك أن فكرة البوت تفتح الباب على مصراعيه لدخول الشركات الكبرى العابرة للقارات لتنهب البلد باسم الارتقاء بالبنية التحتية فتتضاعف الضرائب والأتاوات على الناس ويفقدون الخدمة الواجبة على الدولة. كل ذلك باسم النظام الرأسمالي الذي أزكمت رائحته الأنوف.

 

لقد ظل كبار الأكاديميين وخريجي الجامعات والمعاهد العليا يلجؤون إلى هذا النظام دون فهم واقعه ومفاسده الكبيرة، فالتفكير السليم المؤدي إلى نتائج طيبة ويسعد الناس ويخرجهم من طمع حيتان المال العالمي إنما هو الإسلام العظيم بأحكامه في الاقتصاد، فإلى رحاب أحكام رب العالمين في النظام الاقتصادي في الإسلام الذي وضع العلاج الشافي الكافي لكل مشكلة اقتصادية تؤرق الباحثين بعيدا عن النظام الرأسمالي الفاسد الذي أسس على المنفعة والأنانية والاستعمار وصنف الناس إلى بشر وحثالة بشر! ومن هنا أدعو كل الخبراء الاقتصاديين، والأكاديميين أن يقرأوا كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام لمؤلفه العلامة الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله. وهو متاح في المكتبة الإلكترونية، وهناك أضواء طيبة من هذا الكتاب ألخص شيئا بسيطا منها:

 

لقد بنى الإسلام العظيم نظامه الاقتصادي على أساس متين من لدن حكيم عليم حول أحوال الناس ومعاشهم في إشباع حاجاتهم الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن، وحدد المشكلة الاقتصادية من زاوية عميقة حيث قال إن الفقر فقر الأفراد وليس فقر الدولة، وأن المشكلة الاقتصادية تكمن في توزيع الثروة وليس في جمعها وإنتاجها، وأن الإنسان لديه حاجات أساسية تجب معرفتها وإشباعها لكل فرد في المجتمع؛ ففصل النظام الاقتصادي في الإسلام بين الحاجات الكمالية والحاجات الأساسية، ثم فصل الإسلام في الملكيات وحددها وقال إن هناك ملكية عامة وملكية دولة وملكية فردية. ثم جعل الإسلام الضابط لحركة التبادل في السلع والخدمات ولضبط قيمها جعل الإسلام لها قاعدة الذهب والفضة نقودا وليس الذهب والفضة سلعة.

 

لقد أدرك الدكتور بناء على تفكير بعيد عن الرؤية الإسلامية بأن الأصل في الذهب أن يكون نقدا وهذه زاوية طيبة في البحث، لكن الخطورة هي في ربط الذهب بالجنيه وبالنظام الرأسمالي، وهذه مخالفة شرعية فإن الذهب يربط شرعا بالدينار كما فعل النبي ﷺ، فقد جعل الذهب قاعدة أساسية في بناء الاقتصاد وهو حجر الزاوية في الإسلام، فالإسلام عندما جعل الذهب قاعدة أساسية في عملية التبادل ومقياسا لقيم الأشياء والخدمات، لأن الله هو الذي جعل هذا المعدن النفيس نقدا ولم يجعله سلعة بدليل الآية الكريمة ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، فالكنز في النقود وليس في السلع لأن السلع يتعلق أمرها بالتخزين وليس بالكنز. ثم إن رسول الله ﷺ جعل العملة الرسمية في دولته الذهب والفضة. وبهذه القاعدة العظيمة أرسى الإسلام نظام قاعدة صلبة حارب بها ظاهرة التضخم وثبت الأسعار بحيث جعلها تتراوح بين سعر طفيف بدل حالة الانفلات في الأسعار وحالة الجموح التي هي ظاهرة في النظام الاقتصادي الرأسمالي، وكذلك عالج بها الإسلام الركود في عملية ضعف القوة الشرائية للفرد، بحيث نظر الإسلام لتمكين الفرد والجماعة من القدرة على إشباع حاجاتهم الأساسية وذلك بتحمل الدولة العبء الأكبر في توفير الخدمات من كهرباء وماء وتطبيب وتعليم مجاني لأفراد الرعية، الأمر الذي يرفع من مقدرة الأفراد على إشباع حاجاتهم الأساسية لأن الدولة مزقت عنده جملة من الفواتير التي تثقل ظهره فما يجمعه من نقود ينفقه في مأكله ومشربه ومسكنه وحاجاته الكمالية الأخرى.

 

هذه شذرات هنا وهناك من فلسفة النظام الاقتصادي في الإسلام، فالإسلام لم يترك شاردة ولا واردة من خطوط عريضة وفيها من التفاصيل الدقيقة التي تعين من يريد أن ينقذ هذه الأمة والعالم من هلاك النظام الرأسمالي الذي يضع السم في الدسم، ومن نفق خلط مفاهيم النظام الاقتصادي الرأسمالي الفاسد بنظام الاقتصاد في الإسلام، فلا يؤدي مثل هذا الطرح إلا لزيادة عمر الباطل ولا يدمره، وفي الوقت نفسه يؤدي إلى تشويش الحق ويفسد على الناس سجيتهم السمحة لفهم الإسلام العظيم.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الشيخ محمد السماني - ولاية السودان

رابط هذا التعليق
شارك

  • الردود 350
  • Created
  • اخر رد

Top Posters In This Topic

  • صوت الخلافة

    351

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل

×
×
  • اضف...