صوت الخلافة قام بنشر July 1 ارسل تقرير Share قام بنشر July 1 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة الأولى: توطئة بسم الله الرحمن الرحيم اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ ﷺ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وبعد.. الحَمْدُ للهِ ﷻ الَّذِي شَرَحَ صُدُورَ أَهْلِ الإِسْلامِ بِالْهُدَى، وَنَكَتَ فِيْ قُلُوبِ أَهْلِ الْطُّغْيَانِ فَلا تَعِيْ الْحِكْمَةَ أَبَدَاً، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ إِلَهاً أَحَداً، فَرْدَاً صَمَداً، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ مَا أَكْرَمَهُ عَبْداً وَسَيِّداً، وَأَعْظَمَهُ أَصْلاً ومَحْتِداً، وَأَطْهَرَهُ مَضْجِعَاً وَمَوْلِداً، وَأَبْهَرَهُ صَدْراً وَمَوْرِداً، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ غُيُوْثِ الْنَّدَىْ، وَلُيُوْثِ الْعِدَا، صَلَاةً وَسَلاماً دَائِمَيْنِ مِنْ الْيَوْمِ إِلَى أَنْ يُبْعَثَ الْنَّاسُ غَدَاً، وبعد... المقدمة ليس المراد من عنوان البحث إجراء مفاضلة بين الفروض، ولكن المراد هو إبرازُ مكانةِ ورُتْبَةِ الخلافة من الدين، والتأكيد على أنها فرضٌ من رب العالمين، ثابتٌ بالقطعِ، فتمعَّن في توقُّفِ غالبيَّة الواجبات وجوداً وعدماً على وجود الخلافة وعدمها! والقاعدة الأصولية أنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فكيف بفرضٍ (واجبٍ) لا يقوم أي فرض من فروض النظام الاقتصادي، أو الاجتماعي أو القضائي أو العقوبات أو السياسة الخارجية أو الداخلية في إدارة شئون الأمة وحراستها، أو الفروض المتعلقة بالسياسة المالية أو الحربية أو جل فروض الإسلام إلا بقيامه، فلا شك أن فرض وجوبه قائم، ورتبته في الأهمية بالغة! حين نقول: إن إقامة الخلافة من أهم وأخطر وَأَوْلى الواجبات، فإنما لا نقصد التفاضل بين الفرائض في الدرجة، إنما وجدنا الخلافة من الإسلام أشبه ما تكون بنظام التشغيل من الكمبيوتر، فمهما كانت البرامج التي صممت للعمل بالغة الدقة، فإنها لا تعمل بكفاءة إلا إن كان في الكمبيوتر نظامُ تشغيلٍ، وقد وجدنا جل أحكام الإسلام مرتبطة ومعتمدة على دولة لتقام في الأرض كما سيتبين لك من البحث بعد قليل إن شاء الله تعالى، فلا شك أن رتبة إقامة الخلافة التي بقيامها تقام سائر الفرائض الأخرى أوَّلِيَّة1. على أن القول بأنه أهم الواجبات ليس بدعا من القول، فقد نقلنا في هذا الكتاب كلاما لجملة من علماء أمة الإسلام الراسخين في العلم وصفوا الخلافة بأنها أهم الواجبات، إذ فاضلوها مع فروض غاية في الأهمية!. نعم، إن إقامة الخلافة، أي: تطبيق الشريعة الإسلامية هي الفرض الحافظ للفروض! أوليس ذلك من البديهيات؟ بَلْهَ إنه مما تواتر2 وقطع به؟ فلنتأمل: 1- والصلاة فرض موسع، يسع المكلف أداؤها في أول وقتها أو آخره، فإن كان في أول وقتها ولم يغلب على ظنه أنه يموت، فإن له أن يقدم عليها الزكاة مثلا، ولكن حين لا يتبقى إلا القليل لفوات صلاة العصر، فإن فرض صلاتها مقدم على أي فرض يتعارض معه، لإبراء الذمة ولعدم تفويت الفرض واستحقاق العقوبة، وهكذا فإن الأهمية تتعلق بإبراء الذمة لأداء الفرض، وإبراء الذمة قد يكون متعلقا بالفرد كسائر الفروض العينية، فلا بد له من إبراء ذمته بأداء الفرض، وقد يتعلق بالجماعة كالفروض الكفائية، وحين يتعارض فرض عيني مع كفائي بحيث لا يتأتى إلا أداء أحدهما في تلك الفسحة من الوقت، فإن العلماء اختلفوا أيهما يقدم؟ ورأى بعضهم أن في إقامة الفرض الكفائي إبراء لذمة الجماعة وسقوطا للإثم عن الجماعة، فيقدم على إبراء ذمة الفرد، وبالمثل فإن تزاحم تبعات غياب سلطان الإسلام، وتراكم الفروض التي لا يمكن إقامتها في الأرض جراء غياب الخلافة، والذي أفضى إلى تعطيل كل تلك الأحكام، وتكاثر تبعات غياب الخلافة على الأمة من القتل والاغتصاب وإمرة السفهاء، والخضوع لسلطان الكفر، يجعل أهمية قيام الخلافة أولية. 2- راجع فصل: التواتر المعنوي على وجوب الخلافة اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 2 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 2 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة الثانية: هل الخلافة من الأصول أم من الفروع؟ يتساءل كثيرون في هذا العصر عن الخلافة، فمن سائل عنها أهي من أصول الدين؟ أمن العقيدة هي؟ أم من الفروع؟ وهل هي من صنع الصحابة أم أنها من الأحكام الشرعية؟ وأين نجد خبرها والأمر بإقامتها في القرآن والسنة؟ وهل أدلة وجوبها قطعية أم ظنية؟ وهكذا تمضي الأسئلة، وكأن الخلافة لم تكن حاضرة الأمة الإسلامية، وحامية بيضتها، ومطبقة أحكام الإسلام فيها، وحاملة عقيدتها وناشرة دعوتها، وكأنها لم تكن الكيان الذي فتح جل الدنيا المعروفة وقتها لعدل الإسلام ورحمته، وكأنها لم تكن حظيرة الإسلام ومحيط دائرته ومربع رعاياه ومرتع سائمته! وكأن الرسول ﷺ وصحابته الكرام لم يلاقوا الويلات والعذاب الشديد، وقد صُلوا بمكروه هذا الأمر، عذابا لا تطيق مثله الجبال الراسيات، حتى حفرت في الظهور منهم الأخاديد، جراء صَلْيـها بالحديد المحمى بالنار، ومن جلدها بالأسواط بلا رحمة، واحترقت من طول التعذيب فوق رملٍ شديد الالتهاب في صُيوفٍ شديدة الحرِّ، واستشهد من استشهد، وهاجر من هاجر مغتربا عن أرضه وأهله، مُخَلِّفاً وراءه بيته وماله نهبا لأعدائه، وكأنهم لم يكتحلوا السهر يصلون الليل بالنهار، بأعمال منقطعة النظير بُغية إقامة دولتها! فكان من تلك الأعمال أن أَغرى سفهاءُ الطائفِ صبيانَها بنبي الرحمة ﷺ يرمونه بالحجارة ويشتمونه، ومنها أن قذفوا على ظهره الشريفة سَلَى جَزُورٍ وهو ساجدٌ بين يدي ربه! ومنها أن وُطِئ أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه بالأرجل، وضُرب ضرباً شديداً، حتى أخذ عُتْبة بن ربيعة يضرب أبا بكر بنعلين مخصوفتين ويحرفهما إلى وجهه حتى صار لا يُعْرَفُ أنفه من وجهه، فأمسى ما بين الموت والحياة! وكأن الرسول ﷺ لم يربط بين قيام ووجود الجماعة وبيعة السلطان والدولة ربطا محكما في جملة من الأحاديث، فالخروج من السلطان خروجٌ من الجماعة، والخروج عن الدولة أو السلطان أو الطاعة أو الجماعة أو عليها خلعٌ لربقة الإسلام من الأعناق! ومؤذنٌ بالقتل، فالخليفة الثاني إذا بويع قُتل، والخارج عن الجماعة1 (الدولة/ السلطان) ميتتُهُ جاهليةٌ! فلهؤلاء السائلين كلهم نجيب بأن إقامتها حكم شرعي نزل به الوحي، وهي فرض، بل فرض الفروض، وواجب، بل ومن أهم الواجبات وأخطرها شأنا، وقضية مصيرية للأمة يتوقف عليها موتها وحياتها، ووجودها وفناؤها2، ونهضتها وارتكاستها، وخيريتها ونزع هذه الخيرية منها3! ولذلك ينبغي اتخاذ إجراء الحياة أو الموت حيال قضية إقامتها! قال الأستاذ أحمد القصص: "من أخبث أساليب التلبيس على المسلمين: هل الخلافة من العقيدة؟ لا، يقولون: إذن فهي غير إلزامية وغير مهمة!! إن وجوب الخلافة هو من أعظم أحكام الشريعة، فهل يشترط أن تكون الخلافة من أمور العقيدة حتى تكون واجبة وفريضة شرعية، بل من أعظم واجبات هذا الدين؟!! هل الحدود من العقيدة؟ لا. هل الجهاد من العقيدة؟ لا. هل الصلاة، هل الصيام، هل الحج من العقيدة؟ لا بل من الفروع! إذن لماذا التمسك بها؟! وكأن الدين هو العقيدة وحسب! ما قيمة العقيدة إن لم تُفضِ إلى التزام الشريعة وإعلائها وجعل السيادة لها في الأرض؟! إن فصل العقيدة عن الشريعة أخطر دسيسة يروج لها في هذا الزمان! هؤلاء الذين يروّجون لهذا المنهج مجندون ضد الإسلام، وفِي خدمة أعدائه، دروا أو لم يدروا، تعمدوا أو لم يتعمدوا4". وسنرتب إجابتنا على هذا السؤال على الصعد الخمسة التالية: أولا: صعيد أن الخلافة من مقاصد الشريعة الكبرى ثانيا: صعيد دراسة نظام الخلافة واستنباط أنها الاستمرار الشرعي لإقامة نظام العدل في السموات والأرض. ثالثا: صعيد دور الخلافة في حياة الأمة ووجودها، (السيف والدرع، تطبيق الأحكام ونشرها) رابعا: صعيد توقف إقامة وتطبيق جل أحكام الشريعة الغراء (الأمر) عليها، وتولي (ولي الأمر) ذلك التطبيق خامسا: صعيد الاستنباط، استنباط حكمها الشرعي في القرآن والسنة والإجماع، وأدلتها القطعية، والقرائن التي حفها الشارع بها لإظهارها على أنها من أخطر الواجبات وجوبا! وجعلوه أوجب الواجبات إن إقامة الخلافة، أي: تطبيق الشريعة في هذا العصر، وكل عصر من أوجب الواجبات، كيف لا، وقد جعله صحابة رسول الله ﷺ كذلك وقد قارنوه بدفن أحب الخلق إلى الله تعالى، وقارنوه بإمضاء بعث أسامة (الجهاد)، فلم يجدوا أهم من المبادرة بإقامة الخليفة، فجعلوه أوجب الواجبات، 1- عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال «من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية». رواه البخاري برقم 7053و7054 و 7143 ومسلم 1849، »من فَارق الْجَمَاعَة قدر شبر [شبراً] فقد خلع ربقة الإسلام من عُنُقه« حديث صحيح رواه أبو داود برقم 4758، لاحظ ألفاظ الحديث تزاوج بين الخروج من الجماعة، والخروج من السلطان، وهما شيء واحد، فالسلطان في الإسلام للأمة، تمنحه بعقد البيعة للخليفة ليكون صاحب السلطان؛ أي رعاية الشؤون وفق أحكام الإسلام، لذلك كان من الطبيعي أن يكون الخروج على السلطان خروجاً على الجماعة، فالميتة جاهلية، وربقة الإسلام من الأعناق مخلوعة! 2- راجع في هذا الكتاب شرح حديث: «توشك أن تداعى عليكم الأمم»، وحديث: «إنما الأمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به»، فالأمة من غير الخلافة بلا درع واقية، وتكون نهبا لكل طامع، فالأمة بحاجة لسيف (الجهاد) ودرع (الخلافة) لتبقى سيدة الأمم وحاملة مشعل الخير للبشرية. 3- راجع كتابنا: مفاهيم على طريق استئناف الحياة الإسلامية، تجد ربطا بين خيرية الأمة وإقامتها في نفسها بأحكام المعروف ونهيها عن المنكر، ثم بشهادتها على الأمم، أي حمل الدعوة للناس كافية، وهكذا فإن وجود الخلافة كفيل بتحقيق هذه الخيرية. 4- الأستاذ أحمد القصص، صفحته الرسمية على الفيسبوك. اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 3 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 3 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة الثالثة: إقامة الخلافة من مقاصد الشريعة الكبرى ج1 والخلافة فوق ذلك تحقق مقاصد الشريعة الكبرى من إقامة القسط، وإنصاف المظلومين، وتطبيق أحكام الله، يقول الجزيري رحمه الله "(اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على أن الإمامة فرض وأنه لا بُدَّ للمسلمين من إمام يقيم شعائر الدين وينصف المظلومين من الظالمين وعلى أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان، لا متفقان ولا مفترقان1)"، وقال الجرجاني: (نصب الإمام من أتم مصالح المسلمين وأعظم مقاصد الدين2)، قال العلامة ابن تيمية رحمه الله تعالى3: "يجب أن يُعرَفَ أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها".. وقال د. ضِيَاءُ الْدِّينِ الْرَّيِّسُ4: "فالخلافة أهم منصب ديني وَتَهُمُّ المسلمين جميعاً، وقد نصت الشريعة الإسلامية على أنّ إقامة الخلافـــة فرضٌ أساسي من فروض الدين بل هو الفرض الأعظم لأنه يتوقف عليه تنفيذ سائر الفروض". إ. هـ. فإذا وضعنا نصب العين أن معنى الخلافة هو: وضع الأحكام الشرعية موضع التطبيق، وحراسة ذلك التطبيق، إذ أن الشرع قد حف كل شأن من شئون الإنسان والأمة والدولة بأحكام شرعية، وجعل تطبيقها في الحياة من أعظم مقاصد الدين، ولأجله أنزل الكتاب وأرسل الرسول، ومن ثم فإن الشارع قد جعل سلطان تنفيذ هذه الأحكام الشرعية للأمة، وأمرها بأن تبايع خليفة يقيم فيها تلك الأحكام، وبذلك تقوم الخلافة؛ فكيف لا تكون الخلافة من أعظم مقاصد الدين إذن؟ وأن وظيفتها هي رعاية مصالح وشئون الأمة بأحكام الإسلام، وتبليغ الدعوة الإسلامية، وحراسة الأمة. إن أصل الدين: عقيدة نعتقدها، وأوامر ونواه منبثقة من العقيدة تسوس حياتنا، وإنما أنزل الله تعالى الأوامر والنواهي ليقوم الناس بالقسط، ولتكون أفعالهم ومقاييسهم وقناعاتهم وقضاؤهم وفق النظام الإلهي، ولم يُترك الناس سُدى في أي أمر من أمور حياتهم، ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدىً﴾ [القيامة: 36]، والسُّدَى أي الذي لا يُؤْمَرُ ولا يُنْهى، بل أنزل الله في كل أمر حكما لا يقوم الناس بالقسط ولا يقضون بالحق ولا يفعلون الصواب الذي عليهم فعله إلا بالتزام ذلك الأمر من الله: قال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ [يونس: 47]، ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25]، وقوله،﴿لَقَدْ﴾: اللام واقعة في جواب قسم محذوف، واللام في قوله ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ هي لام التعليل، فأحد أهم المقاصد الكلية من إنزال البينات مع الرسل هي أن يقوم الناس بالقسط وفق الأحكام التي نزلت مع هؤلاء الرسل والأنبياء، إعلم أنه لا توجد ولا آية في القرآن في صيغتها التعليل لتشريع الشريعة، وإنما تبين الآيات المقاصد والغايات والنتيجة التي تحصل من إرسال الرسل، وإنزال الكتب، والحكمة من تشريع الشريعة، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾،﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25]، ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾ [البقرة: 213]، إذ أن العلة تدور مع المعلول وجودا وعدما، فكون الرسول ﷺ رحمة، وكون القرآن شفاءً ورحمة، كل ذلك يدل على أن الشريعة جاءت رحمة للعباد، إلا أن كون الشريعة جاءت رحمة هو النتيجة التي تترتب على الشريعة، وليس الباعث (العلة) على تشريعها، أي إن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أن حكمته من تشريع الشريعة هو أن ينتج عنها أن تكون رحمة للعباد، لا أن الذي حمل على تشريعها هو كونها رحمة وعلى ذلك فإن كون الشريعة رحمة للناس هو غاية الشارع التي يهدف إليها من تشريع الشريعة، وليس السبب الذي من أجله شرعت، أنظر الشخصية الإسلامية الجزء الثالث، تقي الدين النبهاني، باب: مقاصد الشريعة. لذلك فهذه الآيات التي تبين لنا مقاصد الشريعة وغاياتها من أن يسود العدل والقسط، وأن يحكم الكتاب في حياة الناس، تبين لنا غاية إنزال الشريعة، ومقصودها، ولنا أن نقول: بأن هذه هي مقاصد الشريعة الكلية العظمى: إقامة العدل، ومنع الظلم، وتحكيم الشريعة، والرحمة، والعبادة، والهداية، وبيان الأحكام،... 1- الفقه على المذاهب الأربعة " عبد الرحمن الجزيري ج5/ص416: 2- شرح المواقف للجرجاني 3- مجموع الفتاوى: 28ص 390 4- في كتابه الإسلام و الخلافــة ص99 اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 4 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 4 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة الرابعة: إقامة الخلافة من مقاصد الشريعة الكبرى ج2 وقد استنبط العلماء مقاصد ثمانية1 ضرورية للإنسان وهي: حفظ النفس والمال والدين والعقل والنسل، وحفظ الدولة، وحفظ الأمن، وحفظ الكرامة الإنسانية، وقد نستطيع أن نضيف إليها المقاصد الكبرى المستنبطة من هذه الآيات: إقامة العدل، وتحكيم الشريعة، والرحمة، والعبادة، والهداية، وبيان الأحكام. فالدين إذن: نزل ليكون نظام حياة يحكّم الناس أحكامه في حياتهم وجوبا2، ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾ [البقرة: 213]، واللام في قوله ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ﴾ هي لام التعليل، فأحد أهم المقاصد الكلية من بعث النبيين ومعهم البشارة والنذارة أن يحكم الكتاب بين الناس ليصلح معاشهم ويسود الحق والعدل في كل شأن من شؤون حياتهم!، وبالتالي فإن تطبيق هذه الأحكام في واقع الحياة إنما هو مقصد الشريعة الأعظم، ومقصد إرسال الرسول ﷺ، ومقصد إنزال الكتاب! وأساس الدين المتين، وإقامته في حياة الناس إنما هو من أوجب الواجبات، فإقامة الدولة الإسلامية، أي دولة الخلافة هي الطريقة التي يتم من خلالها تحقيق االمقاصد التي لأجلها بعث الله الرسول ﷺ، والتي لأجلها أنزل الكتاب! وإلا فإن الإسلام ليس فلسفة خيالية، وإنما نزل ليطبق وليحكم، وقد تقرر أن هذه الأحكام إنما تقام في حياة المسلمين من خلال دولة تسوسهم3، تنقاد لنظامِ حكمٍ مقرر شرعا أسماها رسول الله ﷺ دولة الخلافة4، وأقامها واقعا، وأقام أجهزتها، وقوانينها، فوجدت دولة فعلياً، ولم يكن من أمر الصحابة تجاهها إلا أن يستمروا بما بدأه سيد الخلق ﷺ بشأنها، فهي دولة مستندة الأركان إلى فعل الرسول ﷺ، وإلى الأحكام التي تمثل جل القرآن والسنة والتي نزلت لتطبق من خلالها، والتي أطبق على فرضيتها الصحابة بإجماعهم، وتواترت فرضيتها تواترا معنويا، ولا يجهل مثل تلك الدولة وجودا وحكما وأجهزة، أو يقول بأنها نظامٌ بشريٌ غيرُ لازمٍ إلا جاهلٌ! 1- استنبط الإمام الشاطبي خمسة مقاصد ضرورية: هي حفظ النفس والمال والدين والعقل والنسل، وأضاف لها الإمام تقي الدين النبهاني مقصد حفظ الأمن، ومقصد حفظ الدولة، ومقصد حفظ الكرامة الإنسانية، باستنباطها من خلال تشديد العقوبة على مقترف جريمة تمس بها شرعا، فالخارج على الدولة بالسلاح يقاتل، ومن يشق عصا الطاعة ويبايع خليفة ثانيا يقتل، وغيرها من الأحكام والتفصيلات يراجع فيها كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث، فأضحت المقاصد الضرورية ثمانية. 2- إن فرض الصلاة، وفرض الزكاة من أعظم فروض الإسلام، ولكن الفرض من غير تطبيق، يوجب العقوبة المغلظة، لأن الفروض وسائر الأحكام إنما نزلت لتطبق وليُعمَلَ بها، فالإسلام ليس فلسفة خيالية، ولا جمهوريات فاضلة، إنما هو أحكام نزلت للتنفيذ، وإنما قامت الدولة في الإسلام، وفرضت الخلافة من الشارع، لأن بها تطبيق وتنفيذ سائر الفروض والواجبات والأحكام، بل أكثر من 90% من أحكام الإسلام! وقد فهم أبو بكر رضي الله عنه ذلك حق الفهم إذ قال: والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه. فقاتل بصفته خليفة للمسلمين من منع الزكاة، فالزكاة تؤدى إليه أي إلى السلطان! 3- راجع كتابنا: هل حدد الرسول ﷺ طريقة لإقامة الدولة الإسلامية، ففيه تفصيل وتدليل متين على أن الرسول ﷺ كان يعمل على إيجاد الدولة، ويقول ابن تيمية في كتاب السياسة الشرعية ص114 ومجموع الفتاوى ج 28/ ص390: يجب أن يعرف أن ولاة أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين إلا بها فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ولا بد لهم عند الاجتماع من الحاجة إلى رأس. وقال د. ضياء الدين الريس في كتابه الإسلام والخلافــة ص99: "فالخلافة أهم منصب ديني وتهم المسلمين جميعاً، و قد نصت الشريعة الإسلامية على أنّ إقامة الخلافـــة فرض أساسي من فروض الدين بل هو الفرض الأعظم لأنه يتوقف عليه تنفيذ سائر الفروض" أنظر: تنبيه الغافلين وإعلام الحائرين بأن إعادة الخلافة من أعظم واجبات هذا الدين للشيخ علي بن حاج. 4- في سنن أبي داوود وصححه الألباني «حدثنا أحمد بن صالح حدثنا أسد بن موسى حدثنا معاوية بن صالح حدثني ضمرة أن ابن زغب الإيادي حدثه قال نزل علي عبد الله بن حوالة الأزدي فقال لي بعثنا رسول الله ﷺ لنغنم على أقدامنا فرجعنا فلم نغنم شيئا وعرف الجهد في وجوهنا فقام فينا فقال اللهم لا تكلهم إلي فأضعف عنهم ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم ثم وضع يده على رأسي أو قال على هامتي ثم قال يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت أرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك قال أبو داود عبد الله بن حوالة حمصي»؛ وقال مسلم «حدثنا هداب بن خالد الأزدي حدثنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب قال سمعت جابر بن سمرة يقول سمعت رسول الله ﷺ يقول لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثنى عشر خليفة »؛ عن العرباض بن سارية قال «ثم وعظنا رسول الله ﷺ يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله قال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ»؛ وروى مسلم «عن فرات القزاز عن أبي حازم قال قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي ﷺ قال "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء تكثر قالوا فما تأمرنا قال فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم»؛ «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم يكون ملكاً جبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت». وهذا الحديث حسن أخرجه أحمد (30/355 حديث 18406)، والبزار والطبراني في الأوسط (6577) وسند أحمد حسن فيه داود بن إبراهيم الواسطي روى عنه الطيالسي ووثقه وذكره ابن حبان في الثقات. وروى الحديث أيضاً الطيالسي والبيهقي في منهاج النبوة، والطبري، والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، وحسنه الأرناؤوط، وللحديث شاهد عن سَفِينَة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «الْخِلاَفَةُ فِي أُمّتِي ثَلاَثُونَ سَنَةً، ثُمّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ». ثُمّ قَالَ سَفِينَةُ: امْسِكْ عَلَيْكَ خِلاَفَةَ أَبي بَكْرٍ، ثُمّ قَالَ: وَخِلاَفةَ عُمَرَ وَخِلاَفَةَ عُثْمانَ، ثُمّ قَالَ لي: امسِكْ خِلاَفَةَ عَلِيّ قال: فَوَجَدْنَاهَا ثَلاَثِينَ سَنَةً. رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط. وروى الإمام أحمد عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: "ذهبت النبوة فكانت الخلافة على منهاج النبوة". وصححه الأرناؤوط. اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 5 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 5 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة الخامسة: نظام الخلافة الاستمرار الشرعي لإقامة العدل في السموات والأرض إن الله تعالى قد أقام السموات والأرض على ميزان الحق، وحرم على نفسه الظلم وجعله بين الناس محرما، وأنزل الشريعة الميزان القسط ليقوم الناس بالحق، ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25]، وفرضَ طاعةَ أولي الأمرِ، ما أقاموا الشريعة - أحكام الإسلام - في الناس، ليستقيم المنسم، فيعم الأرضَ العدلُ ويمَّحي منها الظلمُ، وقد قال طاووس اليماني: "أتعلمون من أبغضُ الخلقِ إلى اللهِ؟ قلنا: لا، فقال: إن أبغضَ الخلقِ إلى اللهِ تعالى عَبْدٌ أشْرَكَهُ اللهُ في سُلطانِهِ، فَعَمِلَ فِيْهِ بِمَعَاصِيْهِ"، لقد حفظ هذا عن طاووس اليماني رضي الله عنه ابنُه عبد الله بن طاووس فقد جاء في شذرات الذهب، وفي كثير من كتب التاريخ والسير، روى زياد عن مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه قال: لما بعث أبو جعفر في عام 142هـ إلى مالك بن أنس وابن طاوس قال: دخلنا عليه وهو جالس على فرش، وبين يديه أنطاع قد بسطت، وجلادون بأيديهم السيوف يضربون الأعناق، فأومأ إلينا أن اجلسا فجلسنا، فأطرق زماناً طويلاً ثم رفع رأسه والتفت إلى ابن طاوس وقال: حدثني عن أبيك. قال: سمعت أبي يقول: قال رسول الله: ﷺ "إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل أشركه الله تعالى في سلطانه، فأدخل عليه الجور في حكمه1". إن الناس إن احتكموا إلى شرع الله ساد العدل وقامت السموات والأرض بالحق، فيتنزل فضل الله تعالى على البرية مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا﴾ [الجن: 16]. فإذ أدخل عليهم حكامهم الجور وطغوا وبغوا، أبعدوا الناس عن الاستقامة، وإذ لم يأخذ الناس على أيدي حكامهم ليأطروهم على الحق أطرا، ضاع الحق، ففسدت الأرض، فدخل الجور في الأرض، فاستبيحت الحرمات، وانتهكت الحقوق، وفسدت الأحكام، فدخل الجور إلى ملكوت الأرض؛ لقد فرض الله تعالى على الخلق حكاما ومحكومين أن يقوموا بالقسط، فأبى من أبى، ونكص على عقبيه من نكص، فدخل الجور، لذا يشتد سخط الله ويشتد عذابه، لذلك يكون هذا الذي أشركه الله في سلطانه قد أدخل الجور في ذلك السلطان وعمل فيه بمعاصيه!. إن قضية الحكم بما أنزل الله بهذا الحجم من الخطورة، لا يكاد يضاهيها في الخطر قضية مثلها، فإما أن يسود حكم الله الأرض فيسود العدل، ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25]، وإما يدخل على ملكوت الله الجور من قِبَلِ حُكَّامٍ الأصل أنهم يحكمون خلفاء في الأرض ليقوم الناس بالقسط، أو من قِبَلِ مَحْكُومِيْنَ ارتضوا أن يُحْكَمُوا بغير شرع الله فارتضوا أن يسود الأرض غير عدل الله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة. في الحديث القدسي عن أبي ذرٍ جندب بن جنادة، رضي الله عنه، عن النبي ﷺ فيما يروي عن الله تبارك وتعالى أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا». فقد حرم الله الظلم على نفسه، وحرمه على العباد وأنزل الشرع الذي يضمن أن لا يدخل الجور في ملكوت السموات والأرض، فالويل والثبور لمن أدخل الظلم في هذا الملكوت، فكيف بمن يحكم بغير العدل مما أنزل الله متبعا هواه، وكيف بمن يحكم بغير ما أنزل الله فيقضي بالظلم ولا يكتفي بأن يدخل على الله تعالى في سلطانه الجور في الحكم ولا يكتفي بأن يمنع الناس من العدل الذي شرعه لهم رب العزة سبحانه ليقوموا بالقسط، بل إنه يرد على الله تعالى أحكامه ويتخذ نفسه ربا من دون الله. ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِم فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: 71]. 1- فأمسك أبو جعفر ساعة حتى اسود ما بيننا وبينه، قال مالك: فضممت ثيابي خوفا من أن يصيبني دمه، ظنا منه أن المنصور لابد قاتله، ثم قال المنصور لعبد الله: ناولني تلك الدواة، ثلاث مرات، فلم يفعل، فقال له: لم لم تناولني الدواة؟ فقال: أخاف أن تكتب بها معصية فأكون قد شاركتك فيها. فلما سمع ذلك قال لهما: قوما عني، فقال عبد الله: هذا ما كنا نبغي، قال مالك: فما زلت أعرف لابن طاووس فضله من يومئذ. اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 6 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 6 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة السادسة: نبي الله داود عليه سلام الله خليفة1 لو كان أي حاكم شديد الالتزام بأوامر الله ونواهيه في نفسه، في سلوكياته الشخصية ولكنه في الحكم لا يحكم بالشرع فإنما يتوعد الله أمثاله شديد العذاب يوم الحساب، فتأمل ما أولاه الله تعالى للحاكم من مسؤوليات وما توعده إن فَرَّطَ فيها من حساب: فنبي الله داوود عليه صلاة الله وسلامه، على الرغم من أنه نبي.. والنبي خير العابدين لله صياما وقياما وذكرا وعملا صالحا ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ [ص: 18]. وداود عليه صلاة الله وسلامه قال فيه نبينا محمد ﷺ «أحب الصلاة إلى الله صلاة داوود، وأحب الصيام إلى الله صيام داوود». ورغم أنه النبي داوود المجاهد المقاتل المجهز للمجاهدين ﴿وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ﴾ ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾.. ورغم أنه صاحب الصوت الرخيم في التسبيح حيث تقف الطير في السماء من جمال صوته.. حيث قال النبي محمد ﷺ لصاحب الصوت الشجي في قراءة القرآن «لقد أوتيت مزمارا من مزامير داوود»... رغم كل هذه الأمور العظيمة في شخص النبي داوود عليه صلاة الله وسلامه.. لكن لما جعلَهُ اللهُ خليفةً حاكماً، وولاه الحكم وسدة الحكم ومنصب الرئيس... هدده الله وتوعده..إن لم يحكم بالحق (بالشرع) فسوف يعذبه عذابا شديدا ولا قيمة لكل سلوكياته الشخصية الصالحة، وأنه إن لم يحكم بالحق فإنه سيكون ضل عن سبيل الله، ونسي يوم الحساب! فقال سبحانه له.. ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ [ص: 17 - 20]. إلى أن قال تعالى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾. [ص: 26]، فبمجرد أن لا يحكم بالحق الذي أنزل، يكون اتبع الهوى، ويكون ضل عن سبيل الله، فله عذاب شديد، ويكون قد نسي يوم الحساب، فهذه طامة تحل بمن لا يحكم بالحق الذي أنزل، وإن كان في الأخلاق والورع على مستوى شخصه ما كان! 1- جزى الله من نقلنا عنه هذه الفقرة خير الجزاء. اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 7 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 7 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة السابعة: الخلافة درع واقية للأمة الإسلامية، وسيف مهند يردع عدوها، وقضية المسلمين المصيرية فكيف كيف لا تكون إقامة الخلافة، أي: تطبيق الشريعة، أوجب الواجبات، وقد نزلت بالأرض كلها طوام الأحكام الوضعية، ودَهَتْهَا دَاهِيِةُ الجَاهِلِيِّةِ، وأُقْصِيَتْ عنها جُلُّ الأحكامِ الشَّرْعِيَّةِ، وهُدِمَتْ دولةُ الحَقِّ، واقْتَحَمَتْ دَوْلَةُ البَاطِلِ العَقَبَةَ، وغَشِيَت الأَرْضَ سنينٌ ذَاتُ مَسْغَبَةٍ، فَرَتَعَ الظَّالِـمُونَ، وأفْسَدَ الـمُفْسِدونَ، وَأَرْجَفَ الـمُرْجِفُونَ، وارْتَقَى الظُّلمُ مُرْتَقًا صعباً، وغُيِّبَ الحقُّ، وغِيْضَ الخَيْرُ، وعَمَّ الشَّرُّ، وَسَالَتِ الدِّمَاءُ أًنْهَارَاً، وَانْتُهِكَتِ الأَعْرَاضُ جهَاراً نَهَاراً، وَأَقْلَعَتِ السَّمَاءُ، وانْتَفَشَ الباطلُ وانْتَفَخَتْ أوْدَاجُهُ، واسْتَنْسَرَ البُغَاثُ بأرضِنا، واشْرَأَبَّ النفاقُ، وفسدت الأخلاقُ. فكيف كيف لا تكون إقامة الخلافة، أي: تطبيق الشريعة أوجب الواجبات، وقد تَكَالَبَتْ عَليْنَا الأُمَمُ تَكَالُبَ الأَكَلَةِ إِلى قَصْعَتِها، من كل حدب وصوب، فأعملوا سيوفهم، وراجمات حقدهم، وحمم نيرانهم في جسد الأمة، ونصَّبوا على الأمة شرارها حكاماً، وفُجَّارَها وزراءَ، وأكابر مجرميها جباة وقضاة ومخابرات، فكتموا الأنفاس، ونهبوا الخيرات، وَأَضْحَتْ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وأُحِيْطَ بِها، كَالْـمُنْبَتِّ لا أرْضَاً قَطَعَ ولا ظَهْرَاً أَبْقَى! فكيف كيف لا تكون إقامة الخلافة، أي: تطبيق الشريعة أوجب الواجبات، ولم يبقوا لخيار الناس إلا فتات الموائد، وضنك العيش، وحاربوا الأمة في طريقة عيشها، وعقائدها، ورموها بقذائف باطلهم ليخمدوا أنفاس الحق في صدورها، فكيف كيف لا تكون إقامة الخلافة، أي: تطبيق الشريعة أوجب الواجبات، وقد أضحت خيرات الأمة نهبا لأعدائها، فلا تسل عن النفط المنهوب ولا عن المال المسلوب، ولا عن الحق المغصوب، كيف ودماء الأطفال أضحت وقودا لانتقام أعدائها منها، فهدمت المساجد نسفا، وسيمت البيوت خسفا، وفلذات الأكباد قتلا وحرقا، وشردت العائلات في أصقاع الأرض يستجدون لقمة ومأوى، وهم خير أمة أخرجت للناس! فكيف كيف لا تكون إقامة الخلافة، أي: تطبيق الشريعة أوجب الواجبات، وقد أضحت جيوش الأمة بأمر حكامها مسلطة على رقابها، سلما لأعدائها حربا على أوليائها، فاغتصبت المقدسات، واغتصبت العفيفات، وانتشرت الرذيلة لا تجد من يجرؤ على الإنكار، واضمحلت الفضيلة، أولا يكون الكلام عن محاربة هذا كله بغير جعل قضية إقامة سلطان الله في الأرض قضية المسلمين المصيرية الأولى، خيانة للإسلام، اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 8 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 8 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة الثامنة: احذر أن تخون الله ورسوله وأمة الإسلام من حيث لا تدري! هب أن خاطبا شديد الفسق أتى يخطب ابنة لجيرانك، وأنت تعلم فسقه وهم لا يعلمون، أفلا يكون سكوتك على أخلاقه وعدم مبادرتك بإعلامهم بما تعلم جريمة في حق المخطوبة وأهلها وخيانة لهم1؟ ومع ذلك فإن الخيانة أعظم لو علمت يقينا أن مجرما يخطط للاعتداء على عرضهم بالقوة، ولم تعلمهم بذلك ليحتاطوا!، فإن فعل ووقعت الجريمة فلا شك أن لك في إثمها نصيب لمجرد سكوتك وعدم تحركك2! فلا يكفي حتى توصف بالخيانة بأن تكون نيتك طيبة وأنك لم تقصد إيذاء الناس، وغيرك قام بهذا الأذى، بل إن الواجب عليك أن تبادر بالأعمال، وإلا كنت خائنا من حيث لا تدري! قال العز بن عبد السلام رحمه الله رحمة واسعة "ﻣﻦ ﻧﺰﻝ ﺑﺄﺭﺽ ﺗﻔﺸﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺰﻧﻰ ﻓﺤﺪﺙ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻦ ﺣﺮﻣﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎ ﻓﻘﺪ ﺧﺎﻥ" أولا يكون إهمال الكلام عن تطبيق أحكام الله في الأرض خيانة لله الذي لم يرتضِ حكما معه، فلا بد أن يصب العمل إلى القضاء على خبث حكم عتاة المجرمين وتحكيم حكم الله لنبرأ من خيانة لله، أولا يكون إهمال الكلام والعمل على تطبيق أحكام الله في الأرض خيانة لرسوله الذي وصل الليل بالنهار عملا وكفاحا وصدعا بالحق وقابل الأذى والعذاب والمؤامرات، وقاتل وصارع الباطل ما عاش حتى استتبت دولة الحق في الأرض أركانا، وأقيم العدل ومحي الظلم، وهو القائل « إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ (أي دِرْعٌ وَاقِيَةٌ للمسلمين) يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ»، فكيف وقد كسرت هذه الدرع، ألا يكون العمل على إعادتها وِجاءً ووِقاءً لصدور الأمة هو أوجب الواجبات؟ أولا يكون إهمال الكلام والعمل على تطبيق أحكام الله في الأرض خيانة لقرآنه الذي لم ينزل إلا ليوضع موضع التطبيق، نزل ليحل الحلال ويحرم الحرام، نزل ليكون شرعةً ومنهاجاً، طريقةَ عيشٍ وحَكَماً في كل خُصُومَةٍ، نزل ليقيم الميزان القسط بين الناس فلا ظُلمَ مع تحكيمه، نزل حقا قذفه الله على الباطل قذفا فأزهقه، أفلا يكون العمل على قذف الباطل به ليدمغه فإذا هو زاهق، فيحكم القرآن ويزهق الباطل أوجب الواجبات؟ إنّ ما نشاهده من حروب ضد العالم الإسلامي يأخذ بعضها برقاب بعض، إنما هي حرب عالمية ثالثة، لكنها حربٌ ضِدَّ أمَّةٍ وليست حرباً بين أمم، حربٌ ضد إرادة أمة أرادت الانعتاق، حربُ إبادةٍ ضد العالم الإسلامي، فهل من سبب جَرَّأَ روسيا الحقد رأس الضلالة والإرهاب، والعالم الغربي الجشع الكافر الذي ما زال يعيش بعقلية القرون الوسطى الظلامية على العالم الإسلامي بهذا الشكل الفج القذر، وبكل أشكال الإبادة الممنهجة إلا لعلم الغرب بغياب الحامي والدرع الواقية للأمة الإسلامية؟ الخلافة، وإلا بسبب تفرقها شذر مذر، وتحول حكامها إلى رعاة لمصالح الغرب الكافر، مقابل ثمنٍ بخسٍ كراسيَّ مهترئةٍ، وذلك نتيجةٌ حتميةٌ لغيابِ الإمامِ أو الخليفةِ! وما من يوم يمر عليهم بعد هدم خلافتهم، إلا وهو قاتِمُ الأعماق أسودُ النَّواحي، مظلمٌ شديدُ الحُلْكَةِ، مُخَضَّبٌ بدماء المسلمين، وأعراضهم، ونهب خيراتهم، وتسلط رعاعهم، وطواغيتهم عليهم، واستباحة بيضتهم، وتسلط عدوهم، لا تسمع فيه إلا صراخ اليتامى، ونوح الثكالى، وقهر المقهورين، وأنين المظلومين، وقرقرة بطون الجائعين، فهل أوصل خير أمة أخرجت للناس إلى هذا المكان المنكود بين الناس إلا بُعدُها عن تطبيق شرع ربها؟ ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾!... لقد أعمل أعداء الأمة في جسدها، وأعملت الأمة في إعراضها عن شرع ربها في جسدها الأمراض والبلايا، فانتشر السرطان فيها انتشار النار في الهشيم، فأي كلام في أعراض المرض دون معالجة أصل الداء جريمةٌ في حق المريض، لا تزيد السرطان إلا استفحالا، وأي عمل لا يصب في معالجة أصل البلاء، لا تقرب الأمة من حل مصائبها شبرا بل تباعدها عنه أميالا! فاشتغلوا بإقامة أخطر الواجبات أيها المسلمون، أقيموا الفرض الحافظ للفروض، تفوزوا. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾. 1- المسلم مأمور بستر عيوب أخيه، والاحتراز عن ذكرها للناس، لما روي عن عَبْدَ اللَّهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كان في حَاجَةِ أَخِيهِ كان الله في حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ الله عنه كُرْبَةً من كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله يوم الْقِيَامَةِ« أخرجه البخاري في صحيحه. لكن قد يَرِدُ على هذا الحكم العام من الأحوال ما يجعله مباحاً، بل قد يكون واجباً، ولا يعد ذلك من الغيبة المحرمة، ومن ذلك إبداء العيوب المؤثرة للخاطب أو المخطوبة، لأن ذلك من النصح في الدين الذي أمر به الرسول ﷺ، عن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النبي ﷺ قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ " قُلْنَا لِمَنْ؟ قال: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ ولأئمة الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» أخرجه مسلم في صحيحه، وتجب النصيحة أيضا بذكر المساوي إذا علم إرادة اجتماعه به وإن لم يستشره، وليس هذا من الغيبة المحرمة، السراج الوهاج ج1، ص 362، بدليل ماروى عن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، قالت: فلما حَلَلْتُ ذَكَرْتُ له أَنَاّ مُعَاوِيَةَ بن أبي سُفْيَانَ، وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فقال رسول اللَّهِ ﷺ: «أَمَّا أبو جَهْمٍ فلا يَضَعُ عَصَاهُ عن عَاتِقِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ له، أنكحي أُسَامَةَ بن زَيْدٍ، فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قال: أنْكِحِي أُسَامَةَ» فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ الله فيه خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ. أخرجه مسلم في صحيحه. 2- «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه»، رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة، فمجرد سكوتهم عليه وعدم القيام بالأخذ على يد الظالم يجعلهم شركاء في الإثم يستحقون العقوبة! وقد قال الله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ النساء / 140. اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 9 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 9 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" - للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك - ح9 سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة التاسعة: تعريف الخلافة أولا: تعريف الخلافة: واقعها: الخلافة هي الإمامة الكبرى، وهي أصلٌ استقرت عليه قواعد الملة، وهي رئاسة تامة، وزعامة عامة، وخلافة للنبوة لحراسة الدين وإقامته، وسياسة الدنيا بتطبيق الشريعة، وسياسة الرعية ورعاية شئونها، والقيام على مصالحها، وإظهار شرائع الدين، وإقامة حدوده، والائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه، وتَبَنّي والتزام أحكامه، وإقامة المعروف وإظهاره وكف المنكر وطمس آثاره، وحفظ الحَوزَة، وبسط الأمن، والدفاع عن الدولة في مواجهة الأعداء الخارجيين، ومن ذلك يتفرع إقامة الصناعات الثقيلة، ومراكز الأبحاث، وإقامة الصناعات التي تتعلق بأعيان الملكية العامة كمصانع استخراج المعادن وتنقيتها وصهرها، وكمصانع استخراج النفط وتنقيته، والخلافة تقوم بتطبيق أحكام الشريعة، فتقوم بإقامة الحق، والقضاء بالعدل، ورفع الظلم، والقضاء في الخصومات، وإقامة الميزان بالقسط، وحمل الدعوة، وإقامة مؤسسات الدولة، وأجهزتها، ودواوينها، وأسواقها، وتعيين المعاونين والولاة والموظفين من ذوي القوة والكفاية والأمانة، وتطبيق أنظمة الإسلام في الحكم والسياسة الداخلية والسياسة الخارجية، والقضاء والإدارة، والاقتصاد والمال، والتعليم والاجتماع، والإعلام والعقوبات، وإدارة مصالحها في شئون العمل والطرق والتطبيب والتعليم والزراعة وما إلى ذلك، وإحاطة الرأي بسياج الشورى، والقيام على تهيئة العمل لكل فرد من أفراد الرعية، إن كان قادراً عليه، وضمان الحاجات الأساسية له، من مأكل ومسكن وملبس، والعمل لتوفير الأقل منها ضرورة، الزواج وما يركب لقضاء مصالحه البعيدة وضمانة الحقين الطبيعيين التطبيب والتعليم وتمكينه من تحقيق الرفاهية له ومن يعوله [2] رحمه الله تعالى: فإن الله جَلَّتْ قدرته ندب للأمة زعيمًا خلف به النبوة، وحاط به الملة، وفوض إليه السياسة، ليصدر التدبير عن دين مشروع، وتجتمع الكلمة على رأي متبوع، فكانت الإمامة أصلا عليه استقرت قواعد الملة، منه ما يصلح لسياسة الدنيا، وانتظمت به مصالح الأمة حتى استثبتت بها الأمور العامة، وصدرت عنها الولايات الخاصة. ثم عرف الماوردي الإمامة فقال: الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع وإن شذ عنهم الأصم.[4] في مفرداته: " الخلافة: النيابة عن الغير، إما لغيبة المنوب عنه، وإما لموته، وإما لعجزه، وإما لتشريف المُسْتَخْلَفِ. وعلى هذا الوجه الأخير استخلف الله أولياءه في الأرض، قال تعالى: ﴿هُو الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ﴾ [فاطر: 39] وقال: ﴿وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ﴾[6]. أما إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني[8]. وقال الإيجي: الإمامة خلافة الرسول في إقامة الدين، بحيث يجب اتباعه على كافة الأمّة[10]. وعرف التفتازاني الإمامة بقوله: "نيابة عن الرسول ﷺ في إقامة الدين بحيث يجب على كافة الأمم الاتباع"[12] وقد وصف القلقشندي[14]. مما سبق يتبين أن الخلافة في الاصطلاح الإسلامي تعني القيادة الإسلامية أو الإمامة، ومن هنا يُعلم أن مصطلح الإمامة يرادف مصطلح الخلافة.[16]. ويفسر الشيخ العلامة محمد أبو زهرة الترادف بين اللفظين بقوله: "إن المذاهب السياسية كلها تدور حول الخلافة، وهي الإمامة الكبرى، وسمّيت خلافة لأن الذي يتولاها، ويكون الحاكم الأعظم للمسلمين، يخلف النبيَّ في إدارة شؤونهم، وتسمّى الإمامة لأن الخليفة كان يسمى إماماً، ولأن طاعته واجبة، ولأن الناس كانوا يسيرون وراءه، كما يصلون وراء من يؤمهم في الصلاة " [2] الماوردي: هو الإمام العلامة أقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي الشافعي. حدث عنه أبو بكر الخطيب ووثقه. وقال: مات في ربيع الأول سنة خمسين وأربع مائة. وولي القضاء ببلدان شتى. بلغ ستاً وَثمانينَ سنة. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي - تحقيق: شعيب الأرناؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي - مؤسسة الرسالة - 1413هـ - ط 9 - 18 / 64 [4] الرَّاغِب الأَصْفَهَاني هو الحسين بن محمد بن المفضل، أبو القاسم الأصفهاني (أو الأصبهاني) المعروف بالراغب (توفي 502 هـ / 1108 م) هو أديب وعالم، أصله من أصفهان، وعاش ببغداد. قال الزركلي عنه:«اشتهر، حتى كان يقرن بالإمام الغزّالي». [6] المصدر السابق: ص: 294. [8] غياث الأمم في التياث الظلم – الجويني – تحقيق ودراسة وفهرسة د. عبد العظيم الديب – كلية الشريعة – جامعة قطر – ط 1 – 1400هـ - ص 22. [10] كشاف اصطلاحات الفنون - محمد أعلى بن علي التهانوي - خياط – بيروت – بدون سنة طباعة – 1/92. [12] الصنعاني، التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار في فقه الأئمة الأطهار 4/ 404. [14] مآثر الإنافة في معالم الخلافة الجزء الأول ص 2. [16] مقدمة ابن خلدون – ص 191. [17] تاريخ المذاهب الإسلامية – محمد أبو زهرة – دار الفكر العربي – القاهرة – ص 20. اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 10 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 10 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة العاشرة: توقف إقامة وتطبيق جل أحكام الشريعة الغراء (الأمر) عليها، وتولي (ولي الأمر) ذلك التطبيق الخلافة: الإمامة الكبرى، والرئاسة التامة وإذا تأملنا في واقع الخلافة نرى أنها التجسيد العملي لولاية الأمر، أي أمر تنفيذ الأحكام، كل الأحكام والتي جمعها الشارع تحت مسمى "الأمر" ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الجاثية: 18]، وسمى المتصرف بها "ولي الأمر"، ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء: 59]، وجعله مسئولا عن تنفيذ تلك الأحكام، ببيعة الأمة له على ذلك التنفيذ، وطاعتها له، فالخليفة هو الإمام الأكبر، وولي الأمر، والخلافة هي الإمامة الكبرى1، والرئاسة التامة الكاملة العامة، فإن هذا يبين لماذا نقول بأنها الفرض الحافظ للفروض، أو تاج الفروض! فجل الواجبات متوقف عليها لا يوجد إلا بوجودها! فإذا كان الخليفة هو الإمام الأكبر، والخلافة هي الإمامة الكبرى فإن فرض إيجادها هو من أعظم الفروض! وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ: قال في القاموس المحيط: الأَمْرُ: ضِدُّ النَّهْيِ، وآمَرَه فَأْتَمَرَ، وـ: الحادِثَةُ، ج: أُمورٌ، ومَصْدَرُ أمَرَ علينا، مُثَلَّثَة: إذا وَلِيَ، الإمْرَةُ، بالكسر. وقولُ الجوهريِّ: مَصْدَرٌ، وهَمٌ. وله عَليَّ أَمْرَةٌ مُطاعةٌ، بالفتح للمَرَّةِ منه، أي: له عَلَيَّ أَمْرَةٌ أُطيعُهُ فيها. والأميرُ: المَلِكُ، وهي بِهاءٍ، بَيِّنُ الإمارَةِ، ويفتحُ، ج: أُمَراءُ، والمُؤمَّرُ، كمُعَظَّمٍ: المُمَلَّكُ، والمُحَدَّدُ،.. وأُولُو الأَمْرِ: الرُّؤَساءُ، والعلماءُ. إ.هـ. قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وقال الراعي (النميري) يخاطب عبد الملك بن مروان2: أَوَليَّ أمرِ اللَّه إنا مَعشر حُنفاء نسجد بكرة وأصيلاً إ.هـ. يؤلف الشرع مجموع الأوامر والنواهي التي نزلت على الأمة لتسوس حياتها بها، وقد أطلق الشارع عليها اسم: الأمر، من باب وجوب الطاعة والانقياد لها، من هنا أمر الرعية بطاعة أولي الأمر والانقياد لهم، وقد يكون الأمر بمعنى الحوادث، فأولو الأمر يستنبطون الأحكام المتعلقة بالحوادث، ويرعون الشؤون بناء على هذه الأوامر والنواهي، فارتباط كلمة أولي الأمر بالسياسة جد وثيق، وأمتن منه عروة، أن السياسة هذه إنما تكون بإنزال أحكام الله على الوقائع والحوادث، ليسوس الناس حياتهم وفق نظام الإسلام، من هنا كان الارتباط بين الدين أي الشرع والسياسة ارتباطا عضويا لا ينفصم إلا عند من جهل. وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي رواه أحمد: «ثلاثٌ لا يغلُّ عَلَيْهِنَّ صَدْرُ مُسْلِمٍ: إخلاصُ العَمَلِ لله عَزَّ وَجَلَّ، وَمُناصَحَةُ أولي الأمْرِ، وَلُزُومُ جماعَةِ المُسْلِمِينَ، فإنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ» قال ابن حجر في فتح الباري: قوله: (باب ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ ذوي الأمر، كذا لأبي ذر ولغيره ﴿أُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ ذوي الأمر، وهو تفسير أبي عبيدة قال ذلك في هذه الآية وزاد: والدليل على ذلك أن واحدها ذو أي واحدُ أولي لأنها لا واحد لها من لفظها. إ.هـ. قال ابن منظور في اللسان: قال ابن سيده: ومن خفـيف هذا الباب أُولو بمعنى ذَوو لا يُفْرد له واحد ولا يتكلـم به إِلا مضافاً، كقولك أُولو بأْس شـديـد وأُولو كرم، كأَنَّ واحده أُل، والواو للـجمع، أَلا ترى أَنها تكون فـي الرفع واواً فـي النصب والـجر ياء؟ وقوله عز وجل: ﴿وَأُوْلِي﴾ ﴿الأَمْرِ مِنكُمْ﴾؛... وجملة أُولـي الأَمر من الـمسلمين من يقوم بشأْنهم فـي أَمر دينهم وجميع ما أَدّى إِلـى صلاحهم. إ.هـ. وقال الماوردي في الأحكام السلطانية: وفي أولي الأمر تأويلان: أحدهما أنهم الأمراء، وهذا قول ابن عباس رضوان الله عليهما. والثاني أنهم العلماء، وهذا قول جابر بن عبد الله والحسن وعطاء؛ وروى أبو صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني». إ.هـ. قال ابن حجر: ورجح الشافعي الأول (أي أنهم الحكام) واحتج له بأن قريشا كانوا لا يعرفون الإمارة ولا ينقادون إلى أمير، فأمروا بالطاعة لمن ولي الأمر، ولذلك قال ﷺ «من أطاع أميري فقد أطاعني» متفق عليه، إ.هـ. فترتيب الطاعة لأمرهم الذي يصدر عنهم ينبيك أن الأرجح فيها أنهم الحكام، وإن كان اللفظ جاء على الجمع فقال: وأولي الأمر، ولم يقل وولي الأمر، فإن الأمر يليه الخليفة ومن تحته جهاز حكم لكل فيه اختصاصه من الأمر، ومنهم الولاة على الأمصار لهم الطاعة، ومنهم الخلفاء على مر الزمان يتعاقبون، والرسول ﷺ حين أرسل حذيفة على سرية أمرهم بطاعته، على أن آيات أخرى تكلمت في أولي الأمر، والراجح أنهم العلماء في تلك الآية، ولم تقرنها بالطاعة، كقوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰۤ أُوْلِى ٱلأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنِبطُونَهُ مِنْهُمْۗ وَلَوْلا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُۥ لاتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِلا قَلِيلا﴾. 1- والخليفة يأخذ الزكاة ليضعها في مصارفها، ويحفظ الأمن ويكون جُنَّةً للأمة، ويقيم الأنظمة السياسية التي ترعى شئون الأمة، الاجتماعية والاقتصادية والقضاء والعقوبات والسياسات التعليمية والمالية والإعلامية والحربية وما إلى ذلك، 2- وقال في قصيدته: "أوَليَّ أمْرِ اللـهِ إنَّ عَشِيرَتِي أمْسَى سَوَامُهُمُ عِزِينَ فُلُولاَ." اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 11 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 11 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة الحادية عشرة: مسئولية ولي الأمر عن الحكم بالأمر المهم هنا أن نتأمل في جمعه سبحانه وتعالى للأمر ليضعه في يد ذي الأمر، يحكم بناء عليه، أي بناء على مجموعة الأوامر والنواهي التي نزل بها الوحي، أو يستنبطها أولو الأمر أي العلماء مما نزل به الوحي، ففي كلٍّ جمع الأحكام التي يساس بها الناس، سواء من حيث استنباطها، أو من حيث القيام على تطبيقها، أو من حيث خطورتها على المجتمع وردها إلى من يعلمون استنباطها كأي أمر من الأمن أو الخوف، فقد جمعها في مسمى الأمر، وجعل عليه مسؤولين مختصين لم يترك الأمر بحالٍ فوضى، فالحدود والقصاص والتعزير، وعقد المعاهدات، وإقامة السياسة الداخلية لرعاية الشؤون وفق أحكام الإسلام، وفض النزاعات وإرجاع الحقوق إلى أهلها، والسياسة الخارجية لحمل الدعوة الإسلامية والجهاد، وما إلى ذلك كله وضعه بيد وليِّ الأمر، ومن ينيبه عنه من ولاة وقضاة وغيرهم، يوجد بوجوده، فبعضه لا يطبق تطبيقا كاملا إلا من خلال هذا الولي أو من ينيبه، وبعضه لا يطبق أصلا إن لم يوجد هذا الولي، فالأمر المنوط بهذا الخليفة، إنما يشكل العمود الفقري لقيام الإسلام في الأرض، وما تبقى من الإسلام مما يمكن تطبيقه على مستوى الأفراد، لا يتعدى النزر اليسير من الإسلام، فلا وجود للإسلام في الأرض إلا من خلال دولة تقيم أحكامه وتحمل رسالته وتدافع عن بيضته، دولة يكون الأمر فيها لولي الأمر يطاع ما أقامه فينا، وإن أراد أن يظهر نقيضه حمل السيف في وجهه. قال ابن سعيد الغرناطي في المغرب في ترتيب المعرب: وَيُقَالُ (وَلِيَ ) الأَمْرَ (وَتَوَلاهُ) إذَا فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي بَابِ الشَّهِيدِ لُوا أَخَاكُمْ أَيْ تَوَلَّوْا أَمْرَهُ مَنْ التَّجْهِيزِ (وَوَلِيُّ الْيَتِيمِ) أَوْ الْقَتِيلِ وَوَالِي الْبَلَدِ أَيْ مَالِكُ أَمْرِهِمَا وَمَصْدَرُهُمَا الْوِلايَةُ بِالْكَسْرِ. إ.هـ. قال أبو السعود العمادي: ﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلأمْرِ مِنكُمْۖ﴾، وهم أمراءُ الحقِّ وولاةُ العدلِ كالخلفاء الراشدين ومَنْ يقتدي بهم من المهتدين، وأما أمراءُ الجَوْرِ فبمعزل من استحقاق العطفِ على الله تعالى والرسولِ ﷺ في وجوب الطاعةِ لهم.1 إ.هـ. وقد قال ﷺ: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع أميري فقد أطاعني ومن يعص أميري فقد عصاني»، قال البغوي في تفسيره: وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: حقٌ على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ويؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك فحق على الرعية أن يسمعوا ويُطيعوا. إ.هـ. وقال الزمخشري: فإن اختلفتم أنتم وأولوا الأمر منكم في شيء من أمور الدين، فردّوه إلى الله ورسوله، أي: ارجعوا فيه إلى الكتاب والسنة. وكيف تلزم طاعة أمراء الجور وقد جنح الله الأمر بطاعة أولي الأمر بما لا يبقى معه شك، وهو أن أمرهم أولاً بأداء الأمانات وبالعدل في الحكم وأمرهم آخراً بالرجوع إلى الكتاب والسنة فيما أشكل، وأمراء الجور لا يؤدّون أمانة ولا يحكمون بعدل، ولا يردون شيئاً إلى كتاب ولا إلى سنة، إنما يتبعون شهواتهم حيث ذهبت بهم، فهم منسلخون عن صفات الذين هم أولو الأمر عند الله ورسوله، وأحق أسمائهم: اللصوص المتغلبة إ.هـ. إن أمره سبحانه وتعالى بالرد إلى الله وإلى الرسول في كل شاردة وورادة يعني أن تتنزل الأحكام على الحوادث، من أجل أن تطبق في الواقع، وهذا هو عينه تعريف السياسة، فالسياسة رعاية الشؤون صغيرها وكبيرها، حقيرها وخطيرها وفق الأوامر والنواهي التي نزل بها الوحي، لضمان حسن تطبيق نظام الإسلام في الواقع ليحيا الناس حياة إسلامية، ومرد هذه الأحكام إلى العلماء يستنبطونها، وإلى الدولة تطبقها، فالدولة كيان تنفيذي لمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات التي تحملها الأمة، وفي الإسلام هذه المفاهيم والمقاييس والقناعات إنما تؤخذ من الوحي، من هنا كان الوحي سائسا لشؤون الناس بالدين الذي نزل على قلب محمد ﷺ بالحق، ليقوم الناس بالقسط. وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى2: "ولهذا أمر النبي ﷺ أمته بتولية ولاة أمور عليهم، وأمر ولاة الأمور أن يردوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل، وأمرهم بطاعة ولاة الأمور في طاعة الله تعالى-ففي سنن أبي داوود- عن أبي سعيد أن رسول الله ﷺ قال: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم». وفي سننه أيضاً عن أبي هريرة مثله، وفي مسند الإمام أحمد وعن عبد الله بن عمر أن النبي ﷺ قال: «لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا أحدهم». فإذا كان قد أوجب في أقل الجماعات وأقصر الجماعات أن يولي أحدهم، كان هذا تنبيهاً على وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك، ولهذا كانت الولاية لمن يتخذها ديناً يتقرب به إلى الله ويفعل فيها الواجب بحسب الإمكان من أفضل الأعمال الصالحة، حتى قد روى الإمام أحمد في مسنده عن النبي ﷺ أنه قال: «إنّ أحب الخلق إلى الله إمام عادل وأبغض الخلق إلى الله إمام جائر». 1- وقيل: هم علماءُ الشرعِ لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰۤ أُوْلِى ٱلأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنِبطُونَهُ مِنْهُمْۗ وَلَوْلا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُۥ لاتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِلا قَلِيلا﴾، ويأباه قوله تعالى: ﴿فَإِن تَنَـٰزَعْتُمْ فِى شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ﴾، إذ ليس للمقلد أن ينازعَ المجتهدَ في حكمه، إلا أن يُجعلَ الخطابُ لأولي الأمر بطريق الالتفاتِ وفيه بُعدٌ، وتصديرُ (إن) الشرطية بالفاء لترتبها على ما قبلها فإن بـيانَ حكمِ طاعةِ أولي الأمرِ عند موافقتِها لطاعة الله تعالى وطاعةِ الرسولِ ﷺ يستدعي بـيانَ حكمِها عند المخالفةِ أي إن اختلفتم أنتم وأولوا الأمرِ منكم في أمر من أمور الدِّين فراجعوا فيه إلى كتاب الله ﴿وَٱلرَّسُولِ﴾ أي إلى سننه انتهى قول أبي السعود. وقال الجصاص في أحكام القرآن: ثم قال: ﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول﴾، فأمر أولي الأمر برد المتنازع فيه إلى كتاب الله وسنة نبيه ﷺ؛ إذ كانت العامة ومن ليس من أهل العلم ليست هذه منزلتهم؛ لأنهم لا يعرفون كيفية الرد إلى كتاب الله والسنة ووجوه دلائلهما على أحكام الحوادث فثبت أنه خطاب للعلماء. انتهى. 2- مجموع الفتاوى 28/ص64 اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 12 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 12 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة الثانية عشرة: نزول التشريعات بين مكة والمدينة! نعم لقد نزلت بعض التشريعات في مكة، وتأخر نزول أغلب التشريع إلى ما بعد إقامة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وإن كان في هذا من إشارة، فإنها إشارة بالغة الأهمية على أن جُلَّ تلك الأحكام لو كان نزلت في مكة لما كان من سبيل لإقامتها في الأرض، فاحتاجت إلى دولة لتقام، ولذلك نزلت في المدينة حيث بالإمكان إقامتها من خلال سلطان الدولة وأنظمتها. ويعضد هذا الفهم أن كثرة بالغة جدا من أحكام الإسلام لم يُخوَّل بإقامتها آحادُ الرعية، بل جعل الشرع أمرها للحاكم، وسيأتيك تفصيلها بحول الله تعالى. والأمر يتعدى كون تطبيق التشريعات متوقف على وجود الخلافة، بل الخلافةُ فوق ذلك حارسةٌ للدين، وناشرة له، وَوِجَاءٌ للأمة، (العقل، والسيف والدرع) يقول الماوردي في الأحكام السلطانية: "(ويجب إقامة إمام يكون سلطان الوقت وزعيم الأمة ليكون الدين محروساً بسلطانه جارياً على سنن الدين وأحكامه)1"، إقامة الدولة الإسلامية تتويج لانتصار الحق على الباطل، عبر صراع كل الرسل لأقوامهم إنما أنزل الله تعالى الشرائع لتطبق في حياة البشرية ليقوم الناس بالقسط، وكما رأينا أن كل نبي أو رسول أرسل إلى قومه، ليقيم فيهم منهج الله، وكل كتاب نزل، إنما نزل ليحكم، وليقيم القسط والعدل وفق منهج الله تعالى، وعلى هذا مضت سنة دعوات الرسل والأنبياء جميعا، واستمر الصراع بين الحق والباطل، بين منهج الله تعالى والمناهج الوضعية، حتى منَّ الله على البشرية بانتصار منهج الحق متمثلا بإقامة أحكامه في الدولة التي أقامها سيد المرسلين وإمام البشرية ﷺ، فكانت الدولة الإسلامية ونظامها هي ذروة انتصار الحق على الباطل، وعليه فإن عودتها وإعادة إقامتها هي في سياق إتمام مهمة الرسل جميعا، وإقامة للمنهج الخاتم الذي نزل به الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتب والمناهج والشرائع ومهيمنا عليها، وتحقيقا للغاية التي أرسلوا بها! اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 13 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 13 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة الثالثة عشرة: نصب الخليفة من أعظم واجبات الدين، إذ لا قيام للدين إلا به إذن، فقد علمنا أن الشارع أناط تطبيق بعض الأحكام الشرعية بالأفراد وبعضها بالأحزاب وجُلَّها بالدولة، فما تعلق بالأفراد بصفتهم الفردية أمثال العبادات، خوطب الفرد بالقيام به كالصلاة وأداء الزكاة، ولكن الشارع في الوقت نفسه خاطب الدولة بتنظيم الأحكام المتعلقة بالمجتمع والجماعة، إضافة إلى أحكامٍ متعلقةٍ بهذه الأحكام الفردية، لضمان أداء هذه الأحكام على الوجه المطلوب شرعا، فمن ذلك مثلا: الصلاة، فإن الفرد يقيم الصلاة، ولكن الدولة تعاقب تارك الصلاة، و قد قال الله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج: 39-41]. معلوم أن الصلاة كانت مفروضة عليهم قبل التمكين، وكانوا يصلون، والآيات تتحدث عن المهاجرين، قال الرازي في تفسيره، مفاتيح الغيب: "والمراد من هذا التمكن السلطنة ونفاذ القول على الخلق لأن المتبادر إلى الفهم من قوله: ﴿مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلأَرْضِ﴾ ليس إلا هذا، ولأنا لو حملناه على أصل القدرة لكان كل العباد كذلك وحينئذ يبطل ترتب الأمور الأربعة المذكورة عليه في معرض الجزاء، لأنه ليس كل من كان قادراً على الفعل أتى بهذه الأشياء. إذا ثبت هذا فنقول: المراد بذلك هم المهاجرون لأن قوله: ﴿ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّـٰهُمْ﴾ صفة لمن تقدم وهو قوله: ﴿ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِم﴾ والأنصار ما أخرجوا من ديارهم فيصير معنى الآية أن الله تعالى وصف المهاجرين بأنه إن مكنهم من الأرض وأعطاهم السلطنة، فإنهم أتوا بالأمور الأربعة، وهي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" انتهى. ولا معنى لإقامتهم الصلاة مترتبة على التمكين إلا أن يكون المعنى: حق إقامتها، فالصلاة من غير تمكين تقام مجزوءة، فمن ذلك أن المجتمع إن عاش حياة إسلامية سد ذرائع كثيرة تفسد علينا إحسان صلاتنا اليوم، من تفكير بالمعاش، ومن إعلامٍ يتسلط على عقولنا ونفوسنا فيفسد علينا طمأنينة الصلاة، ومن حرمات تظهر في الشوارع تفسد الخشوع والتأمل، وهكذا، فإن الارتباط وثيق بين حسن إقامة الصلاة وبين التمكين، ومن جهة أخرى، فإن الأفراد يستطيعون بناء المساجد وإقامة الخطباء، وإقامة صلوات الأعياد والجمع، ولكن الإقامة الصحيحة لهذه كلها من أعمال الدولة ومسئولياتها، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية تحت باب واجبات أولي الأمر: 10) تعيين القضاة وأمراء الحج، ورؤساء الجيش وولايتهم خاصة في الأعمال العامة،... وكذلك تعيين الأئمة للصلوات الخمس والجمعة، ولكل واحد من هؤلاء شروط تنعقد بها ولايته1. وقال: "والإمارة الخاصة من المصالح العامة للمسلمين والمنوطة بنظر الإمام... إمارة الاستكفاء: وهي أن يفوض الإمام (أي الخليفة) باختياره إلى شخص إمارة بلد أو إقليم أو ولاية... ويشتمل نظر الأمير في هذه الإمارة على أمور: 6) الإمامة في الجمع والجماعات، 7) تسيير الحجيج (إمارة الحج)2. فهذه أمثلة على توقف بعض أمور الصلاة على الدولة ووجودها، رغم أن الصلاة فرض منوط بالأعيان! ومن ذلك مثلا أن الزكاة تؤخذ من الغني وترد في مصارف الزكاة، يستطيع الفرد أداءها بنفسه لجاره الفقير مثلا، ولكن الشارع جعل الآلية الأحق لأدائها أن تُعطى للسلطان، وهو يقوم بتصريفها في مواردها، والآثار والأدلة في هذا كثيرة3، وإنما ضربناها مثالا على أن تنظيم أمور فعل العبادة احتاج لدولة. وعلى ذلك قاتل سيدنا أبو بكر مانعي الزكاة، لما توفي رسول الله ﷺ، واستُخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر: (كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله ﷺ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه، إلا بحقه وحسابهم على الله»؟ فقال: والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه. فقال عمر: فوالله ما هو إلا رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق). وقال الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ [التوبة: 103]، وهو خطاب للرسول ﷺ بصفته رئيسا للدولة، لذلك قاتل أبو بكر رضي الله عنه من منع رئيس الدولة عقالا! قال العلامة ابن تيمية رحمه الله تعالى4: "يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي ﷺ: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» رواه أبو داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمر أن النبي ﷺ قال: «لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم» فأوجب ﷺ تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماع، ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة ولهذا روي: "إن السلطان ظل الله في الأرض"... ولهذا كان السلف -كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون "لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان" انتهى. والأحكام المنوطة بالدولة نجد أن منها ما يمكن للأفراد أداؤه كإخراج الزكاة مباشرة للفقراء، ومنها ما لا يمكن للأفراد القيام به إلا من خلال دولة كالحدود، فلا يحق لأحد أن يعاقب بإقامة الحد إلا السلطان أو القاضي أو الوالي أو من أقاموه لينفذ ذلك، فبنظرة متفحصة على أحكام الشرع نجد الأحكام التالية منوطة بالدولة: 1- الموسوعة الفقهية الكويتية الجزء السادس، ص 192 2- الموسوعة الفقهية الكويتية الجزء السادس ص 197 3- حدثنا أبو بكر قال حدثنا بشر بن المفضل عن سهيل عن أبيه قال سألت سعيدا وابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد فقلت: إن لي مالا وأنا أريد أن أعطي زكاته ولا أجد له موضعا وهؤلاء يصنعون فيها ما ترون. فقال: كلهم أمروني أن أدفعها إليهم، حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون عن نافع قال: قال ابن عمر: ادفعوا زكاة أموالكم إلى من ولاه الله أمركم، فمن بر فلنفسه ومن أثم فعليها، حدثنا أبو أسامة عن هشام عن محمد قال: كانت الصدقة تدفع إلى النبي ﷺ ومن أمر به وإلى أبي بكر ومن أمر به وإلى عمر ومن أمر به وإلى عثمان ومن أمر به، فلما قتل عثمان اختلفوا فمنهم من رأى أن يدفعها إليهم ومنهم من رأى أن يقسمها هو، قال محمد: فليتق الله من اختار أن يقسمها هو ولا يكون يعيب عليهم شيئا يأتي مثل الذي يعيب عليهم. وبناء على هذا الحق للسلطان قاتل أبو بكر رضي الله عنه مانعي الزكاة. 4- مجموع الفتاوى: 28ص390 اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 14 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 14 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة الرابعة عشرة: ثلاثة مفاصل أساسية تحدد مفهوم الخلافة ولو أردنا إحاطة مفهوم الخلافة من الزوايا التي تُجَلّيه، لوجدنا مفاصله الأساسية ثلاثة مفاصل، أولها: مفصل حق التشريع لله وحده، (يمنع البشر من سن القوانين، ويمنع الاحتكام للقوانين الوضعية، ويمنع قيام أي أشكال للحكم غير الخلافة)، وقد جَلَّيْنَا في باب: القوة النظرية الكامنة وراء الإجماع، والتي تعطيه خاصية القطع، حدود هذا المفصل الستة التالية التي تحصر حق التشريع بالله وتمنع البشر من سن القوانين: 1- ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ﴾ 2- النذارة بالوحي، والأمر باتباع الوحي حصرا، ومنع اتباع الأهواء في التشريع. 3- قيام الحجة بالنذارة 4- اكتمال الدين وإتمام النعمة، والرضى بالإسلام دينا 5- لم يترك الناس سُدى في أي قضية 6- سيحاسب الناس على مثقال الذر من أعمالهم، وثانيها: ومفصل الأحكام التي نزلت في الكتاب لتحقق مقاصد معينة حين تطبق، (راجعها في باب: إقامة الخلافة من مقاصد الشريعة الكبرى)، تلك التي لأجلها نزل التشريع، (فلا يطبق المسلمون في حياتهم إلا الإسلام، ويرفضون كل شرعة غيره)، وثالثها: ومفْصل طريقة تطبيق هذه الأحكام، على ثلاثة أنواع: 1- أحكام منوطة بالفرد تنظم علاقته مع نفسه ومع خالقه، يطبقها بوجود أو بغياب الدولة، كالعقائد، والعبادات، والأخلاق، والمأكولات والملبوسات، والامتناع عن الحرام، وتغيير المنكر (وهو غير فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، والعمل في الأحزاب السياسية للتغيير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الأحكام واجبة (مع مراعاة العينية والكفائية في الوجوب) في ظل وجود الخلافة أو في عدم وجودها وإن كان وجود الخلافة ييسر أمر تطبيقها، فضلاً عن ارتباطها بالخلافة من ناحية الإلزام بما كان واجباً منها. وعلاقته بغيره وبالمجتمع، كفض الخصومات أمام القضاء، والتعاملات المالية وفق أحكام الإسلام تنظمها الدولة، وكجهاد الدفع، ودفع الصيال1 (وكلاهما في ظل وجود وعدم وجود الخلافة أيضا)، وجُلُّ هذه العلاقات بالغير لا يوجد إلا بوجود الدولة، وتأثير غياب الدولة واضح في كل العلاقات، (فمثلا: لاحظ أن العلاقات التجارية في غياب الدولة ستمر في دائرة النظام الاقتصادي غير الإسلامي، فتمر الحوالات والأرصدة بالمصارف الربوية، وعليها تعرفة جمركية، ويستدين التجار من البنوك أحيانا، ويجري فض الخصومات وفق النظام القضائي الوضعي، وهكذا، وعلى ذلك فقس كل معاملات الناس يدخلها باطل الأحكام الوضعية حتى لو كانت بين اثنين!). وعلاقته بالدولة لا توجد في الواقع إلا بوجود الدولة، وذلك كمحاسبة الحكام، والبيعة والسمع والطاعة لولي الأمر، وأمر الحاكم بالمعروف ونهيه عن المنكر، والنفير، ومنح الأمان للمستأمن، فهذه الأحكام يقوم بها الأفراد والجماعات بشروطها إذا كانت هناك دولة وما كان واجباً منها يدخل تحت قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب). 2- وأحكام منوطة بالأحزاب، كالدعوة إلى الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتغيير، ومحاسبة الحكام، والقوامة على فكر المجتمع. 3- وأحكام منوطة بالخليفة أي بالدولة، لا توجد إلا بوجود الدولة، وهي جل الإسلام، وذلك كالجهاد لحمل الدعوة إلى العالم2، وإقامة الحدود، وقتال أهل البغي، وقتال المرتدين، وعقد المعاهدات، والإلزام بالتبني ظاهراً وباطناً، وإنزال الناس قهراً على أحكام الشرع، وإقامة النظام الاقتصادي والعقوبات والسياسة الداخلية والخارجية، والقضاء...الخ، وصلة الأفراد والجماعات بهذه الأحكام هي وجوب إيجاد الخليفة الذي يطبقها وفقاً لقاعدة: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) والأدلة مستفيضة في ذلك. وكما سنبين بإذن الله تعالى، فإن جل هذه الأحكام يتوقف على وجود الدولة، وبالتالي فإن مجموع هذا كله يشكل مفهوم الخلافة! 1- تروي كتب التاريخ أن الفترة التي أعقبت قتل الأمين بن هارون الرشيد، محرم 198هـ، وتنصيب المأمون، الذي بقي في خراسان يدير الدولة عن بعد من مركزها حتى سنة 204هـ، ثم قدم بغداد بعد ذلك، خلال تلك الفترة الطويلة ماجت البلاد بالفتن، واعتدى الصيال على الناس، فانتشر الفساد الشديد على يد فساق الجند والشطَّار، وأظهروا الفسق وقطعوا الطريق وأخذوا النساء والغلمان علانية وأخذوا يفرضون الإتاوات قهرًا، وقامت ثورة الحسن الهِرش، وأغار على التجار ونهب القرى، وثار ابن طباطبا في الكوفة، وأكمل الثورة أبو السرايا، وسار عبدوس بن محمد في أربعة ألاف مقاتل فهزمهم أبو السرايا، وهاج الطالبيون في الكوفة، فانتهبوا وأحرقوا بيوت بني العباس في الكوفة، وحج الناس بلا إمام في تلك السنة، وفي سنة 200 توجه هرثمة بن أعين إلى أبي السرايا فانتصر عليه، وأحرق زيد النار بيوت العباسيين في البصرة، ولكنه هزم، وخرج في اليمن إبراهيم بن موسى بن جعفر، وخرج في بغداد المطوّعة بزعامة خالد الدريوش ضد الفساق والشطار، وتحرك الخوارج بإمرة مهدي بن علوان، وهكذا ماجت الأرض بالفتن في ظل غياب المأمون في خراسان، فهذا مثال على غياب الدولة وأثره في استقرار المجتمع وحفظ الدماء والأموال والأعراض والدين! تلك الدولة التي كانت منذ قليل شديدة القوة في عهد الرشيد! راجع كتاب التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر الجزء الخامس، ص 185 فما بعدها. 2- بينما جهاد الدفع غير مرتبط بالخليفة، فهو فرض سواء وجد الخليفة أم لم يوجد اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 15 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 15 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة الخامسة عشرة: نماذج للأحكام المنوطة بالدولة للتدليل على أن جل الإسلام متوقف عليها من الأحكام المنوطة بالدولة، أحكام السياسة الداخلية للدولة: والسياسة الداخلية هي رعاية شؤون الأمة ورعايا الدولة، سواء في علاقاتهم بالدولة وعلاقة الدولة بهم، من محاسبة، ومجلس أمة، ومظالم، ودوائر مصالح الناس، وتعيين ولاة وموظفين ومعاونين ومحتسبين، أو بعلاقاتهم بعضهم مع بعض من نصح وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وحفاظ على العقيدة، وحفظ الدين بنشر العلم، ومحاربة الجهل والبدع، وسياسة إعلامية، وفض خصومات، وما يلزم ذلك من استنباط أحكام متعلقة بالمعاملات والقضاء، وتحقيق المساواة في التعامل والحقوق بحسب الشرع، وتمكين الرعايا مسلمين وذميين من كافة الحقوق ومن الانتفاع بالثروات، ومن مرافق الدولة العامة، وضمان حاجاتهم الأساسية، ومن إقامة المجتمع على أسس من التعاون والإخاء والتكافل والإيثار، ومن إقامة الأمن، وإقامة الأسواق والمساجد والمستشفيات ومراكز الأبحاث والمرافق، والسدود، وما إلى ذلك، وإظهار طريقة العيش الإسلامية بأرقى صورها لتكون مثالاً ناصعًا تسوده الفضيلة، وقيمةً عليا وأداةً أساسيةً لحمل الدعوة الإسلامية للغير، فهذه كلها تقوم بها الدولة، وبغياب الدولة قد يقوم شيء منها بشكل مجزوء، إلا أنه لا يحقق الغاية، ولا يتعدى أن يكون جهودا فردية، مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إن كانت المنكرات –كما هي اليوم- منكرات دولة، فلا تثمر الجهود الفردية في النهي عنها إلا في امتناع قلة عنها، أما أن تغيير المنكرات المحمية من قبل الدولة فإن ذلك لا يثمر من خلال الجهود الفردية إلا بأن تتحول تلك الجهود لرأي عام جارف! لذلك وجب إعطاء القوس باريها، بأن تجعل كل هذه الأحكام للدولة ترعاها وتطبقها، وتقيمها بين المسلمين في حياتهم، فتؤتي أُكُلها وتحقق غايتها، فيعيش المسلمون حياة إسلامية، وبعضها منوط بالأحزاب مثل تغيير منكرات الدولة. ومن الأحكام المنوطة بالدولة، أحكام السياسة الخارجية: من إقامة جهاز يقوم على صنع وتنفيذ السياسات والقرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية، سواء الجهاز الحكومي أو الجهاز غير الحكومي المتمثل بالأحزاب السياسية والوسط السياسي، ومن معاهدات، وحمل دعوة، وجهاد، وحربية، وما يتبع ذلك من إنشاء الصناعات الثقيلة وبناء المصانع واستخراج الثروات الطبيعية، والعلاقات الدولية مع الدول والأطراف الدولية الأخرى لتنفيذ أهداف الدولة الإسلامية على الساحة الدولية ونشر الإسلام واتخاذ القرارات التي تسير علاقات الدولة دولياً، والسهر على شؤون الدولة من خلال مواكبة الأحداث والتفاعلات التي يشهدها النظام العالمي على المستويات السياسية، والاستراتيجية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية ودراسة أثر ذلك على الأمة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لرعاية مصالح الأمة، ووضع الخطط اللازمة لحمل الدعوة ونشر الإسلام ورعاية مصالح الرعايا خارج الدولة، وما إلى ذلك. ومن الأحكام المنوطة بالدولة الأحكام المالية والنظام الاقتصادي وما فيه من ملكيات عامة وخاصة، وملكية دولة، والتحقق من إقامة الدولة اقتصاديا وتحقيق الغايات من ذلك النظام، والأحكام المتعلقة بكيفية تملك المال، وتنميته، وكيفية إنفاقه والتصرف فيه، وكيفية توزيع الثروة على أفراد المجتمع، وكيفية إيجاد التوازن فيه ومن أحكام الخراج والزكاة والأراضي، والنقود والسياسات النقدية، والتجارة الداخلية والخارجية، والصناعات وما إلى ذلك. ومن الأحكام المتعلقة بالدولة الأحكام المتعلقة بنظام العقوبات، من حدود وتعزير وقصاص، وجنايات وبينات وقضاء، ومخالفات، وإقامة القوة الحارسة لحسن تطبيق الأحكام، وما إلى ذلك، وحيثما قَلَّبْتَ النظر وَجَدْتَ جُلَّ أحكام الإسلام قائمة على أساس أن تطبق من خلال الدولة الإسلامية، وإنما حظ الأفراد من التطبيق: السهر على النصح للدولة ومحاسبتها، وتنفيذ أمر الله الذي أقام ولي الأمر ليقيمه، وأن الأمة بأفرادها هي صاحبة السلطان، توكّل عنها الحاكم بتنفيذ الأوامر والنواهي التي أمرها الله بها، بالإضافة إلى القيام بالأعمال المنوطة بالأفراد من صلاة وصوم وحج وأمر بمعروف ونهي عن منكر وصدقة وما شابه من أحكام. اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 16 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 16 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة السادسة عشرة: أجهزة دولة الخلافة في الحكم والإدارة ولأجل القيام بكل هذه الأحكام المنوطة بالدولة وتنظيم أدائها، قامت أجهزة الدولة الإسلامية على ثلاثة عشر جهازا هي: 1- الخليفة، 2- المعاونون (وزراء التفويض)، 3- وزراء التنفيذ، 4- الولاة، 5- أمير الجهاد (الجيش)، 6- الأمن الداخلي، 7- الخارجية، 8- الصناعة، 9- القضاء، 10- مصالح الناس، 11- بيت المال، 12- الإعلام، 13- مجلس الأمة (الشورى والمحاسبة)1. وبالتالي فإن نصيب الأحكام الشرعية المتعلقة بالأفراد من إجمالي الأحكام الشرعية التي أوجب الله على المسلمين تطبيقها بالكاد يصل إلى عشرة بالمائة من مجمل أحكام الإسلام، وبالتالي فإن في إقامة الدولة الإسلامية إقامة للإسلام، وفي ضياع الدولة ضياعٌ للإسلام، ويصدِّقُ ذلك أقوال السادة العلماء نذكر منها: يقول الجرجاني: (نصب الإمام من أتم مصالح المسلمين وأعظم مقاصد الدين). يقول ابن تيمية في كتاب السياسة الشرعية، ومجموع الفتاوى: يجب أن يعرف أن ولاة أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين إلا بها؛ فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من الحاجة إلى رأس حتى قال النبي ﷺ: «لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم» رواه أحمد من حديث عبد الله بن عمر. قال أبو بكر رضي الله عنه في خطبته حين مات رسول الله ﷺ وولي الخلافة من بعده: ألا إن محمدا قد مات، ولا بد لهذا الدين ممن يقوم به. وقال الدارمي في سننه: أخبرنا يزيدُ بنُ هارونَ، نا بقيةُ حدّثني صفوانُ بنُ رُسْتُمَ، عَنْ عبدِ الرحمنِ بنِ ميسرَةَ، عن تميمٍ الداريّ،، قالَ: تطاوَلَ الناسُ في البناءِ في زَمَنِ عُمَرَ، فقالَ عُمَرُ: يا مَعْشَرَ العريبِ الأرضَ الأرضَ إنه لا إسْلامَ إلاَّ بِجَمَاعَةٍ، ولا جماعَة إلاَّ بإِمارَة، ولا إِمَارَة إلاَّ بطاعةٍ، فمن سوَّدَهُ قَوْمُهُ على الفِقْهِ كانَ حياةً لَهُ ولَهُمْ، وَمَنْ سَوَّدَهُ قَوْمُهُ على غيرِ فِقْهٍ كان هلاكاً لَهُ وَلَهُمْ. ورواه ابن عبد البر القرطبي في جامع بيان العلم وفضله. وقال الشيخ الطاهر بن عاشور في (أصول النظام الاجتماعي في الإسلام): "فإقامة حكومة عامة وخاصة للمسلمين أصل من أصول التشريع الإسلامي ثبت ذلك بدلائل كثيرة من الكتاب والسنة بلغت مبلغ التواتر المعنوي. مما دعا الصحابة بعد وفاة النبي ﷺ إلى الإسراع بالتجمع والتفاوض لإقامة خلف عن الرسول في رعاية الأمة الإسلامية، فأجمع المهاجرون والأنصار يوم السقيفة على إقامة أبي بكر الصديق خليفة عن رسول الله للمسلمين. ولم يختلف المسلمون بعد ذلك في وجوب إقامة خليفة إلا شذوذا لا يُعبأ بهم من بعض الخوارج وبعض المعتزلة نقضوا الإجماع فلم تلتفت لهم الأبصار ولم تصغ لهم الأسماع. ولمكانة الخلافة في أصول الشريعة ألحقها علماء أصول الدين بمسائله، فكان من أبوابه الإمامة. قال إمام الحرمين [أبو المعالي الجويني] في الإرشاد: (الكلام في الإمامة ليس من أصول الاعتقاد، والخطر على من يزل فيه يربى على الخطر على من يجهل أصلا من أصول الدين)". انتهى قول ابن عاشور، ومعنى كلام الجويني أن الإمامية إذ جعلوا الأمامة من أصول الاعتقاد فإنها ليست منه، ولكن الخطأ في الزلل فيها يناهز الخطر في الزلل في أصول الدين لأهميتها. يقول الهيثمي في الصواعق المحرقة: "اعلم أيضاً أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على أن نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوة واجب بل جعلوه أهم الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن الرسول ﷺ." وقال أبو بكر الأنصاري في غاية الوصول في شرح لب الأصول: (ويجب على الناس نصب إمام) يقوم بمصالحهم كسدّ الثغور وتجهيز الجيوش وقهر المتغلبة والمتلصصة لإجماع الصحابة بعد وفاة النبي ﷺ على نصبه حتى جعلوه أهم الواجبات، وقدّموه على دفنه ﷺ ولم يزل الناس في كل عصر على ذلك. وقال محمد بن أحمد بن محمد بن هاشم المحلي المصري الشافعي جلال الدين المفسر الفقيه المتكلم الأصولي النحوي في كتابه شرح المحلي على جمع الجوامع: ويجبُ على النَّاسِ نَصْبُ إمامٍ يقوم بمصالحهم كسد الثغور وتجهيز الجيوش وقهر المتغلبة والمتلصصة وقطاع الطريق وغير ذلك لإجماع الصحابة بعد وفاة النبي على نصبه حتى جعلوه أهم الواجبات وقدموه على دفنه ولم يزل الناس في كل عصر على ذلك. جاء في كتاب «غاية البيان شرح زبد ابن رسلان» للفقيه الشافعي شمس الدين محمد بن أحمد الرملي الأنصاري الملقب بالشافعي الصغير (وهو من علماء القرن التاسع الهجري) ما يلي: (يجب على الناس نصب إمام يقوم بمصالحهم، كتنفيذ أحكامهم وإقامة حدودهم وسد ثغورهم وتجهيز جيوشهم وأخذ صدقاتهم أن دفعوها وقهر المتغلبة والمتلصصة وقطاع الطريق وقطع المنازعات الواقعة بين الخصوم وقسمة الغنائم وغير ذلك، لإجماع الصحابة بعد وفاته ﷺ على نصبه حتى جعلوه أهم الواجبات، وقدموه على دفنه ﷺ ولم تزل الناس في كل عصر على ذلك). قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، قال القرطبي محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فَرْح الأنصاري الخزرجي الأندلسي، أبو عبد الله، القرطبي: من كبار المفسرين، صالح متعبد. من أهل قرطبة. رحل إلىَ الشرق واستقرّ بمنية ابن خصيب (في شمالي أسيوط، بمصر) وتوفي فيها، قال في تفسيره: هذه الآية أصلٌ في نَصْب إمامٍ وخليفة يُسْمَع له ويطاع؛ لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخليفة. ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة إلا ما رُوي عن الأصَمّ حيث كان عن الشريعة أصَمَّ، وكذلك كل من قال بقوله واتبعه على رأيه ومذهبه2، قال: إنها غير واجبة في الدين بل يسوغ ذلك، وأن الأمة متى أقاموا حجهم وجهادهم، وتناصفوا فيما بينهم، وبذلوا الحق من أنفسهم، وقسموا الغنائم والفَيء والصدقات على أهلها، وأقاموا الحدود على مَن وجبت عليه، أجزأهم ذلك، ولا يجب عليهم أن ينصبوا إماماً يتولّى ذلك انتهى، فالإمام القرطبي يرى أن من يقول بجواز خلو منصب الخليفة فإنه عن الشريعة أصم، وأنه لا يمكن أن يحل محل الخلافة أن يقوم الناس بالتناصف فيما بينهم وأن يقيموا الحدود فيما بينهم، كيف لا وذلك الأمر للخليفة أو من يقيمه الخليفة من قاض أو وال كما سيأتي، ولا يحق لآحاد الرعية أن يقوموا بشيء من ذلك إذ لا سلطان لهم يخولهم بهذا3. وقال ابن حزم (في الفصل في الملل والأهواء والنحل): "اتفق جميع أهل السنة وجميع الشيعة، وجميع الخوارج (ماعدا النجدات منهم) على وجوب الإمامة" يقول الماوردي في الأحكام السلطانية ص3: (عقد الإمامة لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع ) ويقول أيضاً في نفس الكتاب ( ويجب إقامة إمام يكون سلطان الوقت وزعيم الأمة ليكون الدين محروساً بسلطانه جارياً على سنن الدين وأحكامه ). قال الكاساني في بدائع الصنائع: فنصب القاضي فرض لأنه ينصب لإقامة أمر مفروض وهو القضاء قال الله سبحانه وتعالى: ﴿يا دَاوُدُ إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ﴾، وقال تبارك وتعالى لنبينا المكرم عليه أفضل الصلاة والسلام: ﴿فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنْزَلَ الله﴾. والقضاء هو: الحكم بين الناس بالحق والحكم بما أنزل الله عز وجل، فكان نصب القاضي لإقامة الفرض فكان فرضاً ضرورة، ولأن نصب الإمام الأعظم فرض بلا خلاف بين أهل الحق، ولا عبرة بخلاف بعض القدرية لإجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك ولمساس الحاجة إليه لتقيد الأحكام وإنصاف المظلوم من الظالم وقطع المنازعات التي هي مادة الفساد، وغير ذلك من المصالح التي لا تقوم إلا بإمام لما علم في أصول الكلام. ومعلوم أنه لا يمكنه القيام بما نصب له بنفسه فيحتاج إلى نائب يقوم مقامه في ذلك وهو القاضي، ولهذا كان رسول الله: «يَبْعَثُ إلى الآفَاق قُضَاةً فبعث سيدنا معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن، وبعث عتاب بن أسيد إلى مكة» فكان نصب القاضي من ضرورات نصب الإمام فكان فرضاً، وقد سماه محمدُّ فريضة محكمة لأنه لا يحتمل النسخ لكونه من الأحكام التي عرف وجوبها بالعقل، والحكم العقلي لا يحتمل الانتساخ والله تعالى أعلم. والصحيح أن هذا الفرض علم من موجبات الأدلة السمعية، ولا يستدرك بموجبات العقول: قال إمام الحرمين أبو المعالي: "لا يستدرك بموجبات العقول نصب إمام ولكن يثبت بإجماع المسلمين وأدلة السمع وجوب نصب إمام في كل عصر يرجع إليه في الملمات وتفوض إليه المصالح العامة (والأمر بالمعروف)". وقال عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون أبو زيد، في مقدمته: "ثم إن نصب الإمام واجب قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين، لأن أصحاب رسول الله ﷺ عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه، وتسليم النظر إليه في أمورهم وكذا في كل عصر من بعد ذلك، ولم تترك الناس فوضى في عصر من الأعصار، واستقر ذلك إجماعا دالا على وجوب نصب الإمام". قال د. ضياء الدين الريّس في كتابه: الإسلام والخلافة ص 348: "والإجماع كما قرروه أصل عظيم من أصول الشريعة الإسلامية وأقوى إجماع أو أعلاه مرتبة هو إجماع الصحابة رضي الله عنهم لأنهم هم الصف والرعيل الأول من المسلمين، وهم الذين لازموا الرسول ﷺ واشتركوا معه في جهاده وأعماله وسمعوا أقواله فهم الذين يعرفون أحكام وأسرار الإسلام وكان عددهم محصوراً وإجماعهم مشهوراً وهم قد أجمعوا عقب أن لحق الرسول ﷺ بالرفيق الأعلى على أنه لا بد أن يقوم من يخلفه واجتمعوا ليختاروا خليفته ولم يقل أحد منهم أبداً أنه لا حاجة للمسلمين بإمام أو خليفة فثبت بهذا إجماعهم على وجوب وجود الخلافة وهذا هو أصل الإجماع الذي تستند إليه الخلافة". وقال د. ضياء الدين الريس في كتابه الإسلام والخلافة ص99: "فالخلافة أهم منصب ديني وتهم المسلمين جميعاً، وقد نصت الشريعة الإسلامية على أن إقامة الخلافة فرض أساسي من فروض الدين بل هو الفرض الأعظم لأنه يتوقف عليه تنفيذ سائر الفروض"، وقال أيضاً في ص 341: "إن علماء الإسلام قد أجمعوا كما عرفنا فيما تقدم ـ على أن الخلافة أو الإمامة فرض أساسي من فروض الدين بل هو الفرض الأول أو الأهم لأنه يتوقف عليه تنفيذ سائر الفروض وتحقيق المصالح العامة للمسلمين ولذا أسموا هذا المنصب «الإمامة العظمى» في مقابل إمامة الصلاة التي سميت «الإمامة الصغرى» وهذا هو رأي أهل السنة والجماعة وهم الكثرة العظمى للمسلمين وهو إذاً رأي كبار المجتهدين: الأئمة الأربعة والعلماء أمثال الماوردي والجويني والغزالي والرازي والتفتازاني وابن خلدون وغيرهم وهم الأئمة الذين يأخذ المسلمون عنهم الدين وقد عرفنا الأدلة والبراهين التي استدلوا بها على وجوب الخلافة". ثم نقل عن الشهرستاني قوله: "وما دار في قلبه (أي الصديق) ولا في قلب أحد أنه يجوز خلو الأرض عن إمام فدلّ ذلك كله على أن الصحابة وهم الصدر الأول كانوا على بكرة أبيهم متفقين على أنه لا بد من وجوب الإمامة". وقال الشيخ علي بلحاج في كراسته "إعادة الخلافة من أعظم واجبات الدين": "الخلافة على منهج النبوة" كيف لا وقد قرر علماء الإسلام وأعلامه أن الخلافة فرض أساسي من فروض هذا الدين العظيم بل هو "الفرض الأكبر" الذي يتوقف عليه تنفيذ سائر الفروض، وإن الزهد في إقامة هذه الفريضة من "كبائر الإثم"، وما الضياع والتيه والخلافات والنزاعات الناشبة بين المسلمين كأفراد وبين الشعوب الإسلامية كدول إلا لتفريط المسلمين في إقامة هذه الفريضة العظيمة،" 1- أجهزة دولة الخلافة في الحكم والإدارة، حزب التحرير، وهناك على سبيل المثال تفصيل لأجهزة الدولة في كتاب أحكام القرآن للقاضي ابن العربي أوردها في تفسير سورة ص، ونقل فيها آراء بعض الفقهاء، وغني عن القول تفصيلات كتب الماوردي وغيره في الأحكام السلطانية. 2- ( ) أي أن من يوافق الأصم في أن الخلافة غير واجبة، فهو مثله عن الشريعة أصم! 3- يقول الفيلسوف بسوت: Bossuet"حيث يملك الكل فعل ما يشاءون لا يملك أحد فعل ما يشاء، وحيث لا سيد، فالكل سيد، وحيث الكل سيد فالكل عبيد" انتهى، لذا كان لابد للمجتمع من دولة ونظام يحكم العلاقات بين الناس ويفرض الأمان في المجتمع. وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض﴾ قال: فجعل تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقا بين المؤمنين والمنافقين؛ فدل على أن أخص أوصاف المؤمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورأسها الدعاء إلى الإسلام والقتال عليه. ثم إن الأمر بالمعروف لا يليق بكل أحد، وإنما يقوم به السلطان إذْ كانت إقامة الحدود إليه، والتعْزيز إلى رأيه، والحبس والإطلاق له، والنفي والتغريب؛ فينصب في كل بلدة رجلا صالحا قويا عالما أمينا ويأمره بذلك، ويمضي الحدود على وجهها من غير زيادة. وقال ابن كثير في تفسيره: وقد استدل القرطبي وغيره بهذه الآية على وجوب نصب الخليفة ليفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه ويقطع تنازعهم وينتصر لمظلوهم من ظالمهم ويقيم الحدود ويزجر عن تعاطي الفواحش إلى غير ذلك من الأمور المهمة التي لا تمكن إقامتها إلا بالإمام وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 17 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 17 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة السابعة عشرة: حتى جعلوه أهم الواجبات! توفي النبي ﷺ حين اشتد الضحى من يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة في يومٍ لم يُر في تاريخ الإسلام أظلم منه، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: ما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله ﷺ، وما رأيت يوماً كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله ﷺ1. حين انتقل رسول الله ﷺ إلى الرفيق الأعلى، كانت الواجبات التالية أمام الصحابة: أولا: دفن الرسول ﷺ، روى الإمام أحمد في مسنده عن عليٍّ رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «ثلاثة يا علي لا تُؤَخِّرْهُنَّ: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفؤاً». وفي الصحيحين أن النبي ﷺ قال: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ». فالأمر بعدم تأخير الجنازة، والأصل أن بِرّ الصحابة برسول الله ﷺ بتقديم جنازته لتقديم الخير له ﷺ فيما سيلقاه عند ربه تبارك وتعالى، ومع ذلك قدّموا الخلافة على هذا الخير - على عظمه وعظم حبهم لرسول الله ﷺ وبرهم به - وما ذلك إلا عملا بسنته. قال ابن كثير [البداية (5/237)]: "والمشهور عن الجمهور ما أسلفناه من أنه ﷺ توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء". أي أن ما بين موته ودفنه طوال يومي الإثنين والثلاثاء، صحيح أن أهل بيته اشتغلوا بتكفينه وتغسيله، وصلى عليه المسلمون فرادى طوال هذين اليومين، إلا أن تكفين وتغسيل الميت لا يحتاج ليومين وليلة، مما يدل على أن الصحابة فعلا انشغلوا عن الدفن إلى حين فراغهم من أمر الخلافة!. ثانيا: إمضاء بعث أسامة (الجهاد)، وكان رسول الله ﷺ قد أمر في مرض موته بأن يُنْفِذَ المسلمون بعثه: قال ابن إسحاق: "وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير وغيره من العلماء، أن رسول الله ﷺ استبطأ الناس في بعث أسامة بن زيد، وهو في وجعه، فخرج عاصبًا رأسه حتى جلس على المنبر، وقد كان الناس قالوا في إمرة أسامة: أمَّرَ غُلامًا حَدَثاً على جُلّةِ المهاجرين والأنصار. «فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل، ثم قال: أيها الناس، أنفذوا بعث أسامة»، فهنا أمرٌ من الرسول ﷺ بسرعة إنفاذ بعث أسامة، ومع ذلك أخروه إلى أن بايعوا الخليفة، وطبيعة بعث أسامة خاصة، فهو جهاد من باب الحرب الوقائية، ومن جهاد المبادأة!. ثالثا: قتال المرتدين، وإعادة بعض أنحاء الدولة بعد أن تحولت إلى دار كفر، وذلك أن علامات الردة كانت أخبارها قد وصلت الصحابة، وذلك بادعاءِ بَعْضِ الكَذَبَةِ النُّبُوَّةَ قبل موت رسول الله ﷺ، فمثلا بنو حنيفة قوم مسيلمة الكذَّاب ارتدوا واتبعوه قبل وفاة الرسول ﷺ وكذلك ما كان من الأسود العنسي، وبالتالي فقد وجدت أرض إسلامية فتحها المسلمون ثم ارتدت من واقع دار الإسلام إلى دار الكفر وحُكمت بالطاغوت بعد أن كانت تحكم بالكتاب والسنة، قُبيل وفاة الرسول ﷺ، أي أنه كان من ضمن الأمور التي واجهها الصحابة رضي الله عنهم في الأمور التي عليهم أن يحسموها مما نذكر هنا، ولم يبادر المسلمون إلى جهادهم إلا بعد أن نصبوا الخليفة. فهم لا شك يدركون خطورة الموقف من لحظة موت الرسول ﷺ، والقبائل تنتظر موته لتفعل فعلها!! رابعا: اختيار خليفة لرسول الله ﷺ، لرعاية شئون المسلمين، وقد قدم الصحابة الكرام اختيار الخليفة على تلك الواجبات الخطيرة، وجعلوه أهم الواجبات. 1- رواه الدارمي والبغوي اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 18 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 18 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة الثامنة عشرة: التشريع حق لله وحده تعالى، وعلاقته بفرض الخلافة مفهوم الحاكمية يجادل أقوام بأن الاحتكام في الدولة لا بد أن يكون لأحكام من وضع الإنسان، وبما وضع من أنظمة علمانية ديمقراطية ليبرالية، ونجادلهم بأنه لا حكم إلا لله، وأن الإنسان لا يصلح أن يكون مشرعا، وإلا فإننا بذلك نكون قد فتحنا الأبواب على مصارعها لأهواء البشر، وتناقضاتهم، ومصالح فئاتهم، وما إلى ذلك، مما سيدخل الظلم والتعسف والفوضى التشريعية، فينعدم إحقاق الحق وإقامة القسط، واحتكام الناس للنظام الصحيح، لذلك كان هذا البحث في هذا الموضع من الكتاب! وسندرس المسألة من ناحيتين: من ناحية شرعية، وهو القسم الأول من هذا المبحث، ومن ناحية عقلية بمحاكمة قدرة الإنسان على التشريع، ونتائجها الكارثية على البشرية، وهو القسم الثاني من هذا المبحث، والله تعالى الموفق، فإلى القسم الأول: القسم الأول: الناحية الشرعية في البحث: سندرس هذه المسألة المهمة، الحاكمية والحاكم، وعلاقتها بالدولة من خلال ثلاثة مفاصل، أولها: مفصل من هو الحاكم، صاحب الحق بالتشريع، وثانيها: مفصل تطبيق هذه التشريعات من خلال دولة لتحقيق مقاصد التشريع، وثالثها: مفصل تحقق ذلك عمليا من خلال إقامة الرسول الأكرم ﷺ للدولة مبينا لنا مجمل القرآن ومُفَصِّلا في طريقة تطبيقه وتنزيله على الواقع. المفصل الأول: مفصل يتعلق بكون الله تعالى هو الدَّيَّان، الملك، المدبر، المشرع، الآمر الناهي، العالم بما يصلح للناس وما يُصلحهم، الذي سيحاسب الناس على اتباع أمره، والانتهاء عن نهيه، لذا كان له وحده حق التشريع: وباستقراء مفهوم الحاكم في الإسلام، (أي من يحق له حق التشريع) وجدنا أن الله تعالى في الكتاب الكريم: حصر حق التشريع به وحده، فهو مقصور عليه سبحانه بحكم ربوبيته، إذ الحاكمية من خصائص الربوبية باختصاص الله بالتشريع، ومن خصائص الألوهية بإفراده تعالى بالعبودية بالتزام ما شرع وعدم اتخاذ غيره أربابا يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله، أو يغيروا أحكامه ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 40]، جمع في هذه الآية بين حق الطاعة وحق العبادة، فحق على العباد أن يطيعوا الله فيما أمر، وأن يعبدوه، فالربوبية من خصائصها ومن مقتضاها الحاكمية التشريعية ومن يحكم بغير ما أنزل الله فإنه يرفض ربوبية الله وخصائصها في جانب، ويدّعي لنفسه هو حق الربوبية وخصائصها في جانب آخر. باستقراء القرآن الكريم والسنة المطهرة: سنجد أن الله تعالى حصر حق التشريع به وحده، والحكم في اللغة هو المنع ومنه قيل للقضاء حكم لأنه يمنع من غير المقضي، وعليه فلله وحده الحق في منع المحكومين من أن يتصرفوا إلا وفق شريعته1، فالتشريع يقيم معنى العبودية لله! فهو يحكم ما يريد، فهذا حق له بوصفه ربا، إلها، خالقا، ملكا، مالكا، مدبرا، حكيما، عليما، لطيفاً، خبيرا، ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلّهِ﴾ [الأنعام: 57]، [يوسف: 40]، [يوسف: 67]، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة: 1]، ﴿وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ﴾ [الرعد: 41]، ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50]، ﴿وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص: 70]. ﴿ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾ [الأنعام: 62]، ﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾ [الأعراف: 54]. فمن مجموع دلالات هذه الآيات- وغيرها كثير- يتبين مفهوم الحاكمية؛ فهي تعني: الحاكمية العليا لله في تسيير هذا الكون كله، ووضع سننه وتدبير شؤونه، وإمضاء أمره، فالله يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لحُكْمِهِ. وتعني: أن الله مالك يوم الدين هو الذي يفصل بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون ويحكم بينهم، ولا يظلم ربك أحدا. وتعني: أن الله هو الذي يشرع لعباده، وهو الذي يُبين لهم - سبحانه - الصواب من الخطأ، والحق من الباطل، الخير من الشر، الحسن من القبيح، والإيمان من الكفر، فلا حكم إلا له سبحانه2. فأنزل التشريع كتابا وسنة أوحى بهما إلى نبيه ﷺ، واعتبر غيره من الأحكام طاغوتا وجاهلية، ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50]، ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ [النساء: 60]. واحتكاما للهوى حرمه ونهى عنه أيما نهي! ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الجاثية: 18]. ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: 49]. وسنجد أن شرعه تعالى وحده يحق الحق، ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ [الأنفال: 8]، ﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [المؤمنون: 62]، ويصلح معيشة الناس، بما يصلح لهم في معاشهم وآخرتهم ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 2-3] ويصلح لكل زمان ومكان وحال ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: 165]. ويصلح أعمالهم، ﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 71]. وسنجد أن الله تعالى وحده العالم بطبيعة من خلق ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14]، وبما يصلح للناس وبما يصلحهم، ﴿وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216]، [البقرة: 232]، [آل عمران: 66]، [النور: 19]. وبما يطيق الخلق وما لا يطيقون، ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: 286] وما فيه رفع للحرجِ وللعُسْرِ عنهم ﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، ﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]. وسنجد أن الله تعالى أمر بالقسط، وحرم الظلم فحرم الظلم على نفسه، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46]. وأقام ملكوت السماوات والأرض على قاعدة العدل والقسط ومنع الظلم، ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 108] وأنزل الكتاب والنظام الذي يضمن تحقيق العدل، وقيام الناس بالقسط، ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25]، فشرعه وحده يحقق العدل. ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: 58]، ويمنع الظلم ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90]، وسنجد أن الله تعالى لم يترك للناس أن يشرعوا، ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: 10]. فأحكامهم التي تستند لقوانين وضعية اتباع للهوى، ﴿فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة: 48]. ومفسدة للسماوات والأرض، ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِم فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: 71]. وتكريس للظلم الذي أنزلت الشرائع لمحقه، واستعباد لبعضهم البعض، وهو يخالف أن الناس خلقوا أحرارا، ولكنهم خلقوا عبيدا لله! ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ﴾ [التوبة: 31]. واعتداء على حق الله تعالى بالتشريع والحكم ﴿وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص: 70]. وسنجد أن الله تعالى: أمر بالحكم بما أنزل، وإلا فالكفر أو الفسق أو الظلم! ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: 44]، ﴿الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: 45]، ﴿الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: 47]. وأمر برد الخصومات والنزاعات للكتاب والسنة، أي لشريعته، وإلا فالإيمان مجرد زعم! ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾ [النساء: 60]، ونفى تحقق الإيمان عند عدم الاحتكام، والرضا، والتسليم بما حكم القرآن والسنة: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65] وسنجد أن الشارع جعل السلطان للناس3: فأمر الناس بتطبيق الأحكام (فأما الأحكام المنوطة بالأفراد فيطبقونها، وأما غيرها فتطبيقها للدولة)، وأمرهم بأن يبايعوا خليفة يطبق هذه الأحكام عليهم «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا؟ قال: فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم» متفق عليه، وجعل الأمر لأولي الأمر، فهو مسئول عن رعيته، ومسئول عن تطبيق الأحكام عليهم «فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ وهُوَ مسؤولٌ عنهم» (البخاري). وجعل طاعة ولي الأمر (الخليفة) في ذلك من طاعة الله تبارك وتعالى ورسوله ﷺ. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [النساء: 59]. وحرم الخروج عليه إلا بأن يحكم بالكفر أو يحاول إظهاره في المجتمع «وأن لا ننازع الأمر أهله قال إلّا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان». البخاري. وسنجد أن الله تعالى سيحاسب الناس على التزام أوامره والانتهاء عن نواهيه، أي سيحاسبهم على مثقال الذر من أعمالهم، أي على حسن اتباعهم أو إساءة الاتباع لما أمر. ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7-8]. وسنجد أن الله تعالى جعل في الأرض خليفة، ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30. واستخلف بعض أنبيائه حكاما ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [ص: 26]، وجعل نظام الخلافة بعد النبوة امتدادا لها في مسؤولية تطبيق الأحكام، عن النبي ﷺ قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر، قالوا ما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم» [رواه مسلم والبخاري وابن حنبل وابن ماجه] 1- من هنا فإن تشريع العبيد بعضهم لبعض فيه اتخاذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله! 2- أنظر: الأمة بوست: الحاكمية عند سيد قطب، رد على مقال الحاكمية بين الغزالي وسيد قطب للدكتور محمد عمارة. 3- أدلة ذلك كله وردت في مواضعها من الكتاب فانظر تفاصيل استنباطها ونصوص أحاديثها اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 19 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 19 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة التاسعة عشرة: وجوب الاحتكام لشرعه الذي نزل في الكتب وأرسلت به الرسل ب- وجوب الاحتكام لشرعه الذي نزل في الكتب وأرسلت به الرسل: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: 213]، ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ﴾ [آل عمران: 23]، ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]، ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَاؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ [1] المراد من هذه الآية وما فيها من التخيير بين الحكم بينهم أو الإعراض عنهم بعدم الحكم بينهم هم فقط من جاء إلى الدولة الإسلامية من خارجها ليحتكم إلى المسلمين في خصومة مع كافر آخر أو كفار آخرين، فالمسلمون مخيَّرون بين أن يحكموا بينهم وبين أن يُعرضوا عنهم. فإن الآية نزلت فيمن وادَعَهم الرسول ﷺ من يهود المدينة، وعقد معهم معاهدات، وكانوا قبائل يُعتبرون دولاً أخرى، فلم يكونوا خاضعين لسلطان الإسلام، بل كانوا دولة أخرى، ولذلك كانت بينه وبينهم معاهدات. أمّا إن كانوا خاضعين لسلطان الإسلام، بأن كانوا ذميين، أو جاؤوا مستأمَنين، فلا يجوز أن يحكم بينهم إلّا بالإسلام، ومن امتنع منهم عن الرجوع إلى حكم الإسلام أجبره الحاكم على ذلك وأخذه به، أنظر: مقدمة الدستور أو الأسباب الموجبة له، لحزب التحرير شرح المادة الثالثة من الدستور. لذلك قال بعهدها: ﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ المائدة 43. اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 20 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 20 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة العشرون: المفصل الثاني والمفصل الثاني: أن الحق سبحانه وتعالى أرسل الرسول ﷺ، وأنزل الكتاب، أحكاما نزلت ليقوم الناس بالقسط، والله تعالى هو خير الحاكمين، ﴿فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [الأعراف: 87]، وهو أعلم بما يصلح للناس وبما يصلحهم، وأنزل الشريعة لتحكم في كل شأن من شؤون الحياة، بحيث يكون الرد في أي تنازع في أي شأن إلى هذه الأحكام، أي أنه شرع لنا نظام حياتنا، على مستوى الفرد، والمجتمع، والدولة، وألزمنا بتطبيق هذا النظام، والعيش به وله، فيصبح النظام منهج حياتنا، ونخضع له في علاقاتنا، الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والقضاء، والعقوبات...الخ، ورفَضَ الشارع أي منهج غيره، ومنع التحاكم إليه، وأمر بالكفر به! فقد وصف كل نظام لم يصدر عما شرعه سبحانه وتعالى بأنه طاغوت أو جاهلية، ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50] وقال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: 65]، ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ [النساء: 60]، وغيرها من الآيات الكثيرة في هذا الموضوع، هذا بالنسبة للحكم، فهذه الآيات تدل دلالة قاطعة على أن الحكم إنما يكون بما أنزل الله، وأن الرد لا يكون إلا لله وللرسول، أي لكتاب الله ولسنة رسوله ﷺ، وأن الحكم بغير ما أنزل الله حكم بالطاغوت والجاهلية، وأن الاحتكام إلى الطاغوت أو إلى الجاهلية محرم، وأن من لم يحكم بما أنزل الله إما كافر أو فاسق أو ظالم، وأن الاحتكام إلى منهج الله تعالى إنما يكون في كل أمر يشجر بين الناس، وأن من يتحاكم إلى الطاغوت فإنما إيمانه زعم لا يتحقق في الواقع. إن النهي عن نظم الحكم المخالفة لنظام الإسلام، واعتبارها جاهلية وطاغوتا، والأمر بالكفر بها، والنهي عن الاحتكام إليها لدليل قاطع1 على أن الإسلام يفرض على الناس نظاما معينا للحكم والسياسة، ويعتبر التزامه فرضا وفوق ذلك فإنه يبين أنه نظام فرضه الله ولم يترك للبشر أن يصنعوه أو يتواضعوا عليه! وقد نفت آيات من القرآن محكمة قطعية الدلالة، تعلقت بالحكم بما أنزل الله والتحاكم لشرعته، نفت الإيمان عمن فعل خلاف ذلك، وقد ورد في كتب التفسير أن من يحكم بغير ما أنزل الله إنكاراً له ولصلاحيته يكفر لأنه ينكر حكماً قطعيّ الثبوت قطعي الدلالة. ومن يحكم بغير ما أنزل الله مع اعترافه بأنه الحق ولكنه يتبع الهوى أو أوامر جهات أخرى فإنه بين ظالم وفاسق. وإذا طبقنا هذه الأوصاف على الخليفة فإنها لا تنطبق عليه لأن من شروط نصب الخليفة أن يكون مسلماً وليس كافراً، وعدلاً وليس فاسقاً، وعادلاً وليس ظالماً ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾، مما يدل على وجوب نصب خليفة يحكم بالعدل وبما أنزل الله، ومما يدل على نظام الخلافة الذي سيقيم العدل والحكم بما أنزل الله، ومما يدل دلالة قطعية على أن الأنظمة الوضعية حرام! وأما على صعيد المنهج، والأنظمة، فإنك تجد مئات الآيات قطعية الدلالة على تفاصيل هذا النظام الذي يشكل في مجموعه دستور الدولة وأنظمتها وأحكامها التفصيلية، من الآيات والأحاديث التي تتناول النظام الاقتصادي، والاجتماعي، والعلاقات بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول، والتشريع الحربي، والجنائي، وأنظمة المال والسياسة الداخلية، والخارجية، والمعاهدات، ومسئوليات الدولة عن تأمين حاجيات الناس الأساسية، وهكذا، وسنورد تفاصيل هذا إن شاء الله بعد قليل في باب منفصل يؤكد عليها ويربط بينها وبين النظام الذي يجمع كل هذه الأنظمة والأحكام تحت جناحيه، أي نظام الخلافة التي خلفت النبوة في منهاجها ومسئولياتها وأحكامها، فالخلافة هي الامتداد والاستمرار لنظام النبوة في الحكم، فهذه الآيات والأحاديث التي هي أكثر من أن تحصى نستفيد منها قطعية فرض النظام الذي يطبقها وينفذها أي نظام الدولة الإسلامية. وكما أمر الله تعالى رسوله ﷺ بالحكم بما أنزل، فإنه أمرنا وإلى قيام الساعة بالأمر نفسه، فخطاب الله تعالى لرسوله ﷺ هو خطاب لأمته بالحكم بما أنزل الله، فالأحكام التي أنزلها الله، مثل الأحكام المتعلقة بالنظام الاقتصادي أو الاجتماعي أو نظام الحكم والقضاء والعقوبات إنما نزلت ليتحاكم إليها الناس، والله تعالى فرض التحاكم إليها على الناس إلى قيام الساعة، فالحكم بما أنزل الله لا يكون إلا وفق ما شرع من تنظيمات وشكل أي عبر دولة الخلافة الإسلامية ولم يترك الناس هملا سدى بلا بيان يبين لهم كيف يحكمون بما أنزل الله! اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 21 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 21 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة الحادية والعشرون: المفصل الثالث والمفصل الثالث: أنه بين لنا الطريقة والآليات التي تضمن حسن تنفيذ وسير هذا التطبيق. تقوم أنظمة الحكم على تشريعات وقوانين تبين شكل الدولة وصفتها، وقواعدها وأركانها، والأساس الذي تقوم عليه، وتضبط العلاقات بين الراعي والرعية وبين الناس فيما بينهم، وتبين الأفكار والمفاهيم والمقاييس التي ترعى الشؤون بمقتضاها، وتحدد مفاهيم السلطان والسيادة والطاعة وما شابهها، وتحدد الدستور والقوانين التي تطبقها، وتفصل في أحكام الخروج على تلك الأحكام وعلى الدولة، وتفصل في طريقة اختيار الحاكم، وصلاحياته، وأجهزة الحكم والإدارة التي تكوّن الحكومة وتنظم عملها، وبالنظر في الإسلام نجده حدد مفاهيم دقيقة تفصيلية في كل هذا، فقد نزلت آيات تفصيلية في التشريع الحربي والجنائي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والمعاملات والقضاء وغيرها، وكلها أُنزلت للحكم بها ولتطبيقها وتنفيذها. وقد طُبقت بالفعل في الواقع العملي أيام الرسول ﷺ، وأيام الخلفاء الراشدين، ومن أتى بعدهم من حكام المسلمين. مما يدل دلالة واضحة على أن الإسلام نظامٌ محدد للحكم والدولة، وللمجتمع والحياة، وللأُمة والأفراد. كما يدل على أن الدولة لا تملك الحكم إلا إذا كانت تسير وفق نظام الإسلام. ولا يكون للإسلام وجود إلا إذا كان حياً في دولة تُنفذ أحكامه. فالإسلام دين ومبدأ والحكم والدولة جزء منه، والدولة هي الطريقة الشرعية الوحيدة التي وضعها الإسلام لتطبيق أحكامه وتنفيذها في الحياة العامة. ولا يوجد الإسلام وجوداً حياً إلا إذا كانت له دولة تطبقه في جميع الأحوال، كما يدل دلالة قاطعة على أن الإسلام حدد بالتفصيل شكل نظام الحكم وتفصيلاته، وطبقها واقعا عمليا في دولة النبوة الأولى في المدينة ومن ثم في دولة الخلافة من بعده، مما يسقط كل شبهة تقوم على أن الإسلام إنما ترك تحديد تلك التفصيلات لكل عصر وزمان ولعقول الناس وأهوائهم. فقد بين الشارع وفصل في أجهزة الدولة، ومسؤولياتها، وطريقة تنصيب الخليفة (البيعة)، وأحكام خلو الزمان من مستحق للبيعة، وأحكام الطاعة، والخروج على الحاكم حين إظهار نظام آخر غير نظام الإسلام (الكفر البواح)، وأحكام نصيحة الحكام وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وأحكام من يخرج على الدولة، وأحكام تعدد الخلفاء، وقتل الخليفة الثاني، وأحكام شق صف المسلمين بإيجاد كيان ثان لهم، وربط بين مفاهيم السلطان، والجماعة، والطاعة ربطا محكما، فالخروج عن الجماعة وعن السلطان خلع لربقة الإسلام من الأعناق، وثلم ثلمة في الإسلام لا يمكن رتقها، وميتة جاهلية، وقد وردت آيات تأمر بتنصيب ولي أمر يستحق الطاعة مقابل تطبيق الشريعة في الأمة، فالأمر بطاعة ولي الأمر أمر بتنصيب ولي الأمر، وقد رتبت الآيات والأحاديث الطاعة بالتزام ولي الأمر بتطبيق الشريعة، فهي طاعة لولي أمر مخصوص لا طاعة لأي حاكم يحكم بالطاغوت كما هم حكام اليوم نواطير الاستعمار أعداء الأمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾. إلى أن قال سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾. فهذه النصوص تبيّن أن الفكر السياسي الإسلامي يقوم على أساس أن السيادة للشرع وليست لجهاز الحكم، وبناء على ذلك فإن طاعة ولي الأمر وخليفة المسلمين مرتبطة بطاعته لشرع الله تعالى، وقد روى مسلم في كتاب الإمارة عَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ سَمِعْتُ جَدَّتِي تُحَدِّثُ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ ﷺ يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَقُولُ «وَلَوْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا» فاشترط للطاعة أن يقود بكتاب الله تعالى. وقد أقام الرسول ﷺ الدولة الإسلامية في المدينة وبين أجهزتها ونظامها، فعين الولاة، والقضاة، والمعاونين، وأقام نظام الشورى، وباشر الحكم فيها، وبايعه الصحابة بوصفه رئيسا للدولة، وحين انتقل للرفيق الأعلى، استمر النظام الذي أنشأه هو هو، وكما سماه ﷺ بالخلافة في جملة من الأحاديث التي سبق وذكرنا طرفا منها، مما يدل دلالة واضحة على أن شكل الدولة الإسلامية ونظامها تشريع رباني، وأن الأحكام نزلت ونزلت معها طريقة تطبيقها، ولم تترك الأمر لأهواء الناس وما تعارفوا عليه! وهكذا نجد من مجموع الآيات والأحاديث التي تعلقت بالمفاصل الثلاثة مادة زخمة قوية تكاد تبلغ جل القرآن، وقسما كبيرا من السنة العملية، كلها تتعلق بالدولة، ونظامها، وأجهزتها، وممارساتها، ومسئولياتها، وتفاصيل أحكامها، وهذه الأدلة بمجموعها تفيد التواتر المعنوي على فرض الخلافة، فهي فريضة قطعية لا يجهلها إلا جاهل! اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 22 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 22 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة الثانية والعشرون: التشريع حق لله تبارك وتعالى وحده ومفهوم التشريع، لمن الحق في التشريع، أي من هو الحاكم، من أول وأهم مباحث أصول الفقه، أي من أهم الأبحاث المتعلقة بالحكم، وأولاها، وألزمها بياناً، معرفة من الذي يرجع له إصدار الحكم، أي من هو الحاكم؛ لأن على معرفته تتوقف معرفة الحكم ونوعه. وليس المراد بالحاكم هنا صاحب السلطان المنفذ لكل شيء بما له من سلطان، بل المراد بالحاكم من يملك إصدار الحكم على الأفعال، وعلى الأشياء؛ لأن ما في الوجود من المحسوسات لا يخرج عن كونه أفعالاً للإنسان، أو أشياء غير أفعال الإنسان؛ ولما كان الإنسان، بوصفه يحيا في هذا الكون، هو موضع البحث، وكان إصدار الحكم إنما هو من أجله، ومتعلق به، فإنه لا بد من الحكم على أفعال الإنسان، وعلى الأشياء المتعلقة بها. فمن هو الذي له وحده أن يصدر الحكم على ذلك؟ هل هو الله، أم الإنسان نفسه؟ وبعبارة أخرى، هل هو الشرع، أم العقل؟ لأن الذي يعرفنا أن هذا هو حكم الله هو الشرع، والذي يجعل الإنسان يحكم هو العقل. فمن الذي يحكم، هل هو الشرع، أم العقل؟ أو قد يكون العقل، والشرعُ دليل عليه، أو الشرع، والعقلُ دليل عليه. [2]. وهذا غير بحث أكل لحم الخنزير، وغير بحث سرقة التفاح، وعصر الخمر ومجالسة شاربها، فهذه الأخيرة كلها أفعال تعلقت بالأشياء، فلها أحكامها، وهو بحث حكم الأفعال، فالبصل مباح، وأكله قبل الذهاب للمسجد مكروه، والتفاح مباح، وسرقته حرام، وشراء التفاح المسروق حرام! وهناك بحث عموم الأفعال، مثل مطلق السمع، ومطلق النظر، ومطلق المشي، ومطلق الجلوس، وبحث الأفعالِ الجِبِلَّيَّةِ، أي الأفعال التي جُبل الإنسان عليها، مثل أن يغمز الرجل وهو يتحدث، أو أن تكون طبيعة مشيه أنه يمشي مشيا سريعا، وهذه كلها تدخل تحت بحث عموم الأدلة، وحكمها في الشرع الإباحة[4]، وغاية الحكم ضبط سلوك الإنسان لتحقيق رضا الله تعالى بالتزام أوامره، وفقا لمفهوم مستنبط شرعا عن الفعل أو عن الشيء! ولكن قبل أن نصل لبحث حكم الأفعال، وحكم الأشياء، وحكم عموم الأفعال، وحكم الأفعال الجبلية، فإننا يحب أن نبحث فيمن يحق له أن يصدر الحكم على الأفعال والأشياء ابتداء! [2] أما بالنسبة للأشياء، وهي متعلقات الأفعال، فإن الأصـل فيها الإباحة ما لم يرد دليل التحريم، فالأصل في الشيء أن يكون مباحاً، ولا يحرم إلا إذا ورد دليل شرعي على تحريمه؛ وذلك لأن النصوص الشرعية قد أباحت جميع الأشياء، وجاءت هذه النصوص عامة تشمل كل شـيء، قـال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ﴾ الحج 65. ومعـنى تسخير الله للإنسان جميع ما في الأرض هو إباحته لكل ما في الأرض. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا﴾ البقرة 168، وقــال: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ﴾ الأعراف 31 وقـال: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾ الملك 15. وهكذا جميع الآيات التي جاءت في إباحة الأشياء جاءت عامة، فعمومها دل على إباحة جميع الأشياء، فتكون إباحة جميع الأشياء جاءت بخطاب الشارع العام. فدليل إباحتها النصوص الشرعية التي جاءت بإباحة كل شيء. فإذا حرم شيء فلا بد من نص مخصص لهذا العموم، يدل على استثناء هذا الشيء من عموم الإباحة؛ ومن هنا كان الأصل في الأشياء الإباحة. ولذلك نجد الشرع، حين حرم أشياء، قد نص على هذه الأشياء بعـيـنـها، استثناء من عموم النص، فقال تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ المائدة 3، ﴿وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ 119 الأنعام (الشخصية الإسلامية الجزء الثالث، فصل: لا حكم قبل ورود الشرع.) [4] الواضح في أصول الفقه، محمد حسين عبد الله ص 219 اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 23 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 23 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة الثالثة والعشرون: القسم الثاني من البحث "الناحية العقلية: محاكمة قدرة الإنسان على التشريع" من هو الحاكم؟ لمن الحق في التشريع؟ لله تعالى أم للبشر؟ نتيجة لوجود سر الحياة في كل إنسان، كما في الحيوانات، وجدنا خاصيات معينة لا يمكن محوها نهائيا من هذا الكائن الحي، تدفعه إلى الميل للقيام بأفعال أو الميل للإحجام عن أفعال، منها ما لا يمكنه إلا أن يشبعها، ومنها ما لو لم يشبعها بقي قلقا، فما كان جزءا من الماهية، لا يمكن محوه ولا كبته وصفناه بأنه خاصية، ويتمثل بالغرائز والحاجات العضوية، وما أمكن محوه أو كبته سميناه مظهرا من مظاهر هذه الطاقة الحيوية. وبالنظر إلى هذه الخاصيات والمظاهر رأينا أنها تفترق إلى طائفتين بحسب علاقتها بالاشباع، والمؤثر الذي يثيرها، فالحاجات العضوية تثار من الداخل عند جوعة الانسان إلى النوم أو إلى الطعام والشراب وما إلى ذلك مما لو لم يقم به وصل به الحال إلى الموت، فكان إشباعها حتميا، وإثارتها من الداخل. ومنها الغرائز وهي ما كان إشباعها ككل وإن كان حتميا، بمعنى أن الانسان لا بد وأن يشبع مظهرا من مظاهرها على حساب مظهر آخر، (مثلا الخوف والشجاعة مظهران لغريزة البقاء)، والغرائز توجد على هيئة مظاهر، يمكن تجميعها في مجموعات ثلاث، غريزة الحفاظ على النوع، وغريزة البقاء، وغريزة التقديس أو التدين، وإشباع هذه المظاهر (الخوف، الشجاعة، الميل للجنس الآخر، حنان الأم... الخ) ليس بحتمي ولا يفضي عدم إشباعها إلى الموت. ويتم إشباع الطاقة الحيوية بأحد الطرق الأربعة التالية: إما بالاشباع الصحيح، أو بالاشباع الخطأ أو بالاشباع الشاذ أو أن لا تشبع أبدا. وأوضح مثال يوضح ذلك مظهر الجنس من غريزة النوع، فهو إما أن يشبع من خلال الزواج وهو الإشباع الصحيح وفق الشرع الإسلامي، أو الإشباع الخطأ: من خلال الزنى، وفق حكم الشرع الإسلامي بأنه إشباع خطأ، أو الإشباع الشاذ، عن طريق زواج مثلي الجنس أو نكاح البهيمة، أو أن لا يتزوج الإنسان مطلقا ولا يقرب النساء وينصرف عن ذلك إلى الترهب أو العلم أو الاستعاضة عنه بحنان الأم. والذي يحدد أن الإشباع صحيح أو خطأ هو القاعدة الفكرية التي يحكم من خلالها الإنسان، وإلا فلو كان الحكم فقط للمفاهيم عن الأشياء بمعزل عن المفاهيم عن الحياة لاستوى أمر الزواج والزنى. أما الإشباع الشاذ، فيرجع لأن الإشباع يتم في جهة ليست محلا للإشباع، وهو ما يصرف عن النتيجة المرجوة في نهاية المطاف من مظهر الجنس في غريزة النوع، وهو الحفاظ على استمرار النوع، فهو شاذ لأنه لا يفضي إلى استمرار النوع عادة، فقد يحصل أن لا يفضي الزواج إلى أولاد، ولكن العادة أنه يفضي، لكن هذا لا يحصل في الإشباع الشاذ فتدبر. يقوم الإنسان في هذه الحياة بأفعال تجاه الأشياء التي سخرها الله تعالى له في الكون، من أجل إشباع غرائزه وحاجاته العضوية، فسلوك الإنسان وراؤه دافع من حاجةٍ عضويةٍ أو غريزةٍ تدفعُه لإشباعها، فعندما يأكل إنما يأكل ليشبع جوعة البطن، وعندما يكون متخما ويأكل المزيد فإنما يلبي رغبته في التملك النابعة من مظهر التملك، في غريزة البقاء، وعندما يتزوج فإنه يشبع غريزة النوع، وعندما يزني الزاني أيضا فإنه يشبع غريزة النوع إشباعا خاطئا، بالحكم عليه من خلال العقيدة الإسلامية، وهكذا، وغني عن القول بأن السلوك ينضبط بمفاهيم عند الإنسان توجهه، فتضبط عملية الإشباع تلك بسياج من الضوابط الفكرية التي تمنع وتسمح، فالإنسان أرقى من البهائم التي لا يضرها أن تشبع الغرائز والحاجات العضوية بأي شكل من الأشكال!. فكل تصرف في الحياة الدنيا إنما هو منطلق من دافع يرجع لإشباع مظهر غريزة أو حاجة عضوية تتطلب إشباعا. فالسلوك إذن هو أعمال الإنسان التي يقوم بها لإشباع غرائزه أو حاجاته العضوية. هذا السلوك إنما هو نتيجة مفاهيم تكونت عند الإنسان عن الأشياء، ومفاهيم تكونت لديه عن الكون والإنسان والحياة تضبط مفاهيمه عن الأشياء، وتضبط بالتالي عملية الإشباع وتحكم السلوك، أما المفاهيم عن الأشياء، فهي أن الفواكه والنوم، والشراب والتنفس وما إلى ذلك تشبع حاجة الجسم العضوية، وأن المرأة تشبع غريزة الرجل، وأن الخوف من مظاهر غريزة البقاء لدى الكائنات الحية، وأن الإنسان يميل إلى إنقاذ الغريق إشباعا لغريزة النوع، وما إلى ذلك، فهذه كلها تكاد تكون المفاهيم عنها واحدة عند البشر، ويشترك في وجود مثلها مع الإنسان ( أي الحاجات العضوية والغرائز) الكائنات الحية أيضا، ولا يقول عاقل أن إنسانا يتميز على غيره بأنه يحب الخضروات أو أن إنسانا أخفض من غيره لأنه لا يشرب كثيرا من الماء، ولكن الإنسان الذي يجعل تفكيره في الحياة مقصورا على مثل هذه المفاهيم، ويسير سلوكه في الحياة، أي أفعاله المنبثقة عن مفاهيمه عن الأشياء بناء على تلك الأفهام عن واقع تلك الأشياء فقط، فلا يربطها بأفكار أخرى عن الحياة لا شك أنه إنسان منخفض. لذلك ففهم واقع الشيء (ماهيته، حقيقته، خصائصه وصفاته)، يرجع للعقل، ويتم بالمشاهدة أو بإخضاع المادة للتجربة، ونتيجة هذه التجارب ظنية، تقارب في التوصل إلى الماهية ولكنها لا تصل اليقين [1] فكم من بحث أثبت ضرر القهوة، وكم من بحث أفاد فوائدها الجمة، وكم من بحث تبين بعد حين خطؤه، أو انطباقه على زيد وعدم انطباق نتائجه على عبيد، وهكذا! اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 24 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 24 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة الرابعة والعشرون: مقاصد وغايات للتشريع وسن القوانين لا بد من بيانها قبل الإجابة على السؤال: لمن الحق بالتشريع؟ الدولة كيان تنفيذي لمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات عند أمة من الأمم، أي القيم والمقاصد التشريعية للسلطان والحكم، ستجد تجلي فهم هذا التعريف في التحليل التالي بإذن الله تعالى: بدراسة المراجع الشرعية الإسلامية، والقانونية الوضعية، نجد أن المشرع يضع للقوانين أهدافاً مرادًة من ورائها، وحِكَما باعثة عليها، وأسبابا[2]، أي سيضع مقاييس للقوانين والتشريعات، وتشكل الإطار الذي تتحرك في نطاقه كافة القوانين في مختلف مجالات الحياة[4]، (أي المفاهيم والقناعات التي يقوم عليها السلطان أي الدولة)، كقيمة العدالة، (قيل: العدل أساس الملك)، وهذه القيم نفسها تختلف باختلاف العقائد التي تقوم عليها المجتمعات، وهنا مربط فرسٍ، فقد تكون القيم هذه مُضَلِّلَة، لا تعدو أن تكون شعارات لا واقع لها، فكان الأصل أن تقوم الدول على عقائد صحيحة قبل النظر في صحة تشريعاتها وقوانينها، لذلك فإن قيام الدولة على عقائد منقوضة فكريا كالعلمانية[6]، يضع المشرّعين في تلك الدول أمام عقبة كأداء، وهي استحالة قيام القيم التي تَدَّعِي الدولةُ تحقيقها، ومن ثم فالقانون الذي لا يخدم القيم ولا يساعد على حمايتها في المجتمع، يصبح بلا فاعلية ولا فعالية، فإن كانت القيم نفسها خطأ أو مستحيلة التحقيق كانت القوانين خطأ لبنائها على الخطأ، فكان لا بد من وجود معايير قابلة للتحقيق، وقيم يرجع إليها المجتمع لتنظيم السلوك الاجتماعي وفك التصادمات والحفاظ على الحقوق المشروعة لكل فرد. يمكننا أن نلخص بعض المقاصد والغايات التي يقوم التشريع بمراعاة تحقيقها بغية تنظيم علاقات الإنسان بنفسه وبغيره وبالمجتمع وبالدولة، وفق قواعد معيارية ملزمة تحقق التوازن والتناسق بين المصالح المختلفة لأفراد المجتمع، إذ أن غاية التشريع أو التقنين العامة في جميع القوانين وفي كل زمان ومكان: إيجاد تنظيم لمختلف العلاقات التشريعية أو القانونية بصفة دائمة ومستمرة، بغية حصول العدالة بين أفراد المجتمع الذين ما جاء ذلك القانون إِلَّا لتنظيم حياتهم وضبط سلوكهم بسلطة الدولة لضمان استقرار اجتماعهم، ويقوم الفقيه أو المجتهد أو القاضي أو القانوني بدراسة الواقع المراد الحكم عليه، ومن ثم يدرس النصوص الشرعية أو القانونية (الدستورية) المتعلقة بذلك الواقع، وينزل الحكم على الواقع، وخلال ذلك يقوم باستحضار تلك المقاصد وتذكر عللها ومناطاتها وحِكمها حين استنباط الحكم! فالغاية من هذا التشريع هو تحقيق مقاصد معينة[8] الضرورية للإنسان وهي: حفظ النفس والمال والدين والعقل والنسل، وحفظ الدولة، وحفظ الأمن، وحفظ الكرامة الإنسانية، وقد يضاف إليها (على خلاف[10]، وقد يضيف أصحاب القوانين الوضعية[12]!، (مثلا: الخصوصية- الأمن) وإمكانية مراعاتها حين سن قوانين كثيرة ينقض أعلاها أسفلها، وأولها آخرها، فهذه أول عقبة تكرس عدم قدرة الإنسان على التشريع الصحيح! فاحفظها! وكما ترى، فإن المشرع الغربي اصطدم بواقع دوام تطور المجتمع وتغير نظرته، وتغير ما يسمى بالمصالح العامة وفقا لذلك، ودور الإعلام في تكريس قيم معينة كانت ممنوعة زمنا ثم شاء من شاء من المتنفذين تغيير نظرة المجتمع لها (كمثال: نظرة المجتمع لحقوق الشواذ، وكمثال: نظرة المجتمع للمخدرات واستعمال القنب الهندي)، وهذا جعلهم لا يلقون بالا كثيرا إلى تكريس النظرة المقاصدية، وإلى وضع التعريفات الدقيقة لكل مقصد بعينه، وكيفية مراعاته، فالمقاصد نفسها عندهم قابلة للتغيير، (وأغلب مقاصدهم أخذوها من الشريعة الإسلامية[14]، فإذا كانت الغايات نفسها ملساء متقلبة متغيرة، فإن الخرق في استغلال القوانين سيتسع على الراتق حتما! [2] من العلوم القانونية الموازية لعلم مقاصد الشريعة الإسلامية علم فلسفة القانون الذي صار يحتل مكانة رائدة في الدراسات القانونية الغربية تحت مسمى: Legal philosophy، نظرا لطبيعة موضوعاته التي تركز على الاهتمام بدراسة الغايات والحكم التي تكمن وراء النظم القانونية والكشف عن العلاقة بين القانون والمجتمع، وهي عموما تدور حول: حماية حقوق الإنسان، وتحقيق العدالة والصالح العام؛ والاستقرار القانوني والأمن القانوني وكل هدف له أسس يقوم عليها ووسائل تؤدي إلى تحقيقه. أنظر: مقاصد القانون الوضعي في ضــوء مقاصد الشريعة الإسلامية، بقلم د. عليان بوزيان منشور في العدد 150 من مجلة المسلم المعاصر. [4] من أهم وأجل القيم الإسلامية قيمة تحقيق العبودية لله وحده دون غيره، بمفهوم العبودية الواسع، وبمفهومها الخاص بموضوع التشريع، واعتبار التشريع حقا له وحده، وأن اتباع الناس بعضهم بعضا في التشريع هو بمثابة اتخاذهم أربابا من دون الله! [6] من ضمن القيم التي تقوم عليها الديمقراطية وتتوقف الديمقراطية عليها وجودا وعدما: أولها: تحكيم رأي الأغلبية في المجتمع، ومنع تركز السلطات بيد الأقلية، أو استغلالها، وتمثيل السلطات لرأي الشعب، وهذه القيم الثلاث يستحيل تحقيقها في الواقع، والنظام الغربي كله قائم على تمازج وتداخل السلطات وتركيزها بيد الأحزاب الحاكمة، والتشريعات يقوم بها قلة من فقهاء القانون والقضاة، ولا يرجع إلى الشعب إلا في أقل القليل منها، وللموضوع تفاصيل كثيرة جدا يصعب حصرها هنا، ولكن الديمقراطية فلسفة خيالية مضللة، يستحيل أن توجد في أرض الواقع! [8] استنبط الإمام الشاطبي خمسة مقاصد ضرورية: هي حفظ النفس والمال والدين والعقل والنسل، وأضاف لها الإمام تقي الدين النبهاني مقصد حفظ الأمن، ومقصد حفظ الدولة، ومقصد حفظ الكرامة الإنسانية، باستنباطها من خلال تشديد العقوبة على مقترف جريمة تمس بها شرعا، فالخارج على الدولة بالسلاح يقاتل، ومن يشق عصا الطاعة ويبايع خليفة ثانيا يقتل، وغيرها من الأحكام والتفصيلات يراجع فيها كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث، فأضحت المقاصد الضرورية ثمانية. [10] وذلك لأنّ جلب المصالح ودرء المفاسد ليسا علة للأحكام الشرعية مطلقاً، فإنه لم يرد أي نص يدل على أن جلب المصالح ودرء المفاسد علة للأحكام الشرعية، ولا ورد أي نص يدل على أنّها علة لحكم معين، فلا تكون علة شرعية.خصوصا وأن المصالح والمفاسد على الحقيقة مجهولان للإنسان، فيظن في أمر مصلحة وفيه ضرر والعكس، وبالتالي فالحكم على تقدير المصالح عقلا يتفاوت، مما يجعل المصلحة بحد ذاتها تابعة للحكم الشرعي ولا يُجعل الحكم الشرعي تابعا لها. وقولنا هذا لا يعني أن الشرع جاء ليضر بالخلق، ولكن المصلحة الحقيقية والصلاح الذي هو مدار الشرع، لا يكون بما تقدره العقول مصلحة، ولكن بترك تقدير المصلحة إلى الله وحيثما شرعه فثم الصلاح والمصلحة. [12] وقد اصطدمت الدول الغربية الحديثة بهذه الثنائيات: الحرية – الأمن، الخصوصية – الأمن، تدخل الدولة في السوق – منع تدخلها، وهكذا، فأخذت تشرع قوانين تزيد من سلطة الدولة في مراقبة الأفراد والحد من حرياتهم وخصوصياتهم، مظنة إفسادهم في المجتمعات وتعديهم على الأمن العام والصالح العام، واحتج الناس على الدولة بأنها تتجسس عليهم، وهكذا تتعارض القيم التي يراد لها أن تكون مرجعية للقانون مع القوانين ومع أنظمة المجتمع! [14] أنظر: مقاصد القانون الوضعي في ضــوء مقاصد الشريعة الإسلامية، بقلم د. عليان بوزيان منشور في العدد 150 من مجلة المسلم المعاصر. اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
صوت الخلافة قام بنشر July 25 الكاتب ارسل تقرير Share قام بنشر July 25 بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي" للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك الحلقة الخامسة والعشرون: مقاييس لا بد منها قبل الإجابة على السؤال: لمن الحق بالتشريع؟ فما هي المقاييس التي ينبغي توفرها للحُكم على نتيجة التشريع بالصحة أو الخطأ؟ بالصلاح أو الفساد؟ لعل أكثر قيمة يمكن الاتفاق عليها أساسا للملك (أي الحكم) هي العدل، فلا بد للقوانين أن تضمن تحقيق العدل، لذلك سنناقش أمثلة تبحث في قدرة القوانين على تحقيق قيمة العدل أو عدم قدرتها كمقياس أساس (وسنختار من القوانين ما يتعلق بقيمة العدل ونرى انطباق القيمة على القانون، وسننظر أيضا حيث نحتاج إلى قيم أخرى متعلقة بالقانون وننظر في مراعاتها وتحقيقها): أولا: قدرة المشرع على ضمان تحقيق الغايات من التشريع صالحة لكل إنسان في كل زمان ومكان (الثبات في القوانين والمعالجات وقدرتها على حل المشاكل حلا صحيحا دقيقاً منطبقا على الواقع محققا المناط). وحين نقول: صالحة لكل زمان ومكان، فلو أخذنا مثلا أننا أمام تشريع ينظم العلاقة بين الذكر والأنثى، وقد سبق وقلنا أن إشباع هذا المظهر من غريزة حفظ النوع قد يكون بإحدى أربع طرق: إما بالإشباع الطبيعي (الزواج)، أو الإشباع الخطأ (الزنى) أو الإشباع الشاذ (الشذوذ الجنسي) أو عدم الإشباع بالمرة. وقد كانت الدول الغربية تحرم العلاقة المثلية وتنبذها حتى سنوات قليلة جدا مضت، وجل الشرائع والقوانين البشرية حاربت هذه العلاقة حربا لا هوادة فيها، والآن تراجعت كثير من تلك القوانين عن تجريم هذه العلاقة ومنع "الزواج" بناء عليها، فلنضع الفرض التالي: لو كان هذا الإشباع صحيحا، يحقق القيم والمقاصد القانونية المذكورة أعلاه، فيكون فقهاء القانون قد حرموا شطرا من الناس من ممارسة حقوقهم زمنا طويلا، ثم تبين لهم خطؤهم، ولا سبيل لتدارك خطئهم في حق من مات أو قاسى! ثم لو تبين بعد حين أنه سبب الأمراض الجنسية الخطيرة، وأن دوافعهم لتحليله كانت قائمة على أسس خاطئة علميا[2] مما شكَّل أحد أهم المشاكل التي تواجه العالم البشري من خلال حالة التصادم التي تعيشها المجتمعات في كيانها نتيجة الأنانية المفرطة، ونتيجة لتركز القوى القادرة على تشريع القوانين في يد متنفذين في تلك المجتمعات تخدمهم الطبقة السياسية من جهة، والقانونيون من جهة أخرى، ونتيجة للتناقضات والتباينات في المصالح والأفكار الموجِّهَة لقوانينها، وهذا نتيجة طبيعية لوضع التشريع في يد البشر! رابعا: أن يتمكن المشرع من معرفة المصلحة والمنفعة على الحقيقة ليضمن القانون تحقيقها، وقد نهضت منذ أيام اليونان، -واستمر رجعها في الفكر القانوني الغربي-، فكرة أن المنفعة والمصلحة هي أساس القانون وجوهره؛ فحيثما يحقق القانون المصلحة يكون قانونا عادلا، ولكن هذا يصطدم بحقيقة أن الإنسان قد يظن المصلحة والمنفعة في أمور ثم يتبين له خطأ تقديره بعد حين، ويعيد الكرة، فيصيب ويخطئ، وليس ثمة من قدرة حقيقية على إدراك المصلحة والمنفعة على وجه اليقين، وبالتالي فلا بد أن يخفق المشرع في تحقيق المصلحة والمنفعة الحقيقية، وسنلقي الضوء بالتفصيل على هذه النقطة لأهميتها في الباب التالي بإذن الله تعالى. وبما أن العقول تتفاوت قوة وضعفا، وبما أن الإنسان لا يفتأ يتقلب في الدنيا استكشافا وفهما، وبتقدمه في رحلته هذه في الحياة تتكشف له حقائق لم تكن قد تكشفت له من قبل، كان العقل ولا شك قاصرا عن أن يقطع بأن المصلحة هنا أو أن ما قيل له أنه مصلحة هناك، فعلا هو مصلحة! على أن التشريع الإسلامي لم يجعل تحقيق المصلحة مقصدا أو غاية يحققها، وذلك لأن منطلق التشريع الإسلامي يختلف عن منطلق التشريع الغربي الوضعي، فالإسلام أصدر الأحكام على أفعال العباد، فوضع المعالجات لأفعال العباد، فاتسمت الأحكام بالثبات، وصحة المعالجات في كل زمان ومكان، وسنلقي مزيدا من الضوء على ذلك بعد قليل، أما المشرع الغربي فقد اعتبر المصلحة لذلك حاججناهم بأنهم لا يستطيعون إدراك المصلحة أو المنفعة على وجه الحقيقة. [2] مثلا: تبغي القوانين الغربية تكريس مبدأ الحرية الشخصية، فلا يحق للدولة الاطلاع على خصوصيات الناس، فاصطدمت بمبدأ تحقيق الأمن الجماعي، الذي يدفعها للتجسس على طائفة من الناس في المجتمع مخافة قيامهم بأعمال تهدد الأمن، فأي القيمتين ترجح؟ وأين تتوقف القوانين؟، فقد تبدأ العملية بمراقبة بضعة أفراد، وتنتهي بامتلاك قواعد بيانات ضخمة عن الناس في معاشهم ورغباتهم التسوقية، ومن ينتخبون، وتستعمل هذه القواعد في عمليات تجارية، أمنية، تباع وتشترى، وقد يبلغ الأمر حده الأقصى بتشريع قوانين الأدلة السرية، فيودع المتهم السجن لا يدري ما تهمته، ولا يطلع القاضي عليها، ولا المحامي، بحجة أن عرض الأدلة في المحكمة يفضي إلى الإخلال بالأمن القومي، وهكذا القوانين ابتدأت بمراعاة قيم الحرية الشخصية، والخصوصية، وحمايتها، وانتهت بالقضاء على كل أشكالها وإهمالها، وهذه قوانين يعمل بها في أمريكا وكندا وغيرها من دول العالم "المتحضر"! اقتباس رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
Recommended Posts
Join the conversation
You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.