اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

Recommended Posts

تلخيص كتاب الأجهزة مدقق - 01-

بسم الله الرحمن الرحيم

تلخيص كتاب الأجهزة مدقق - 01-

 

 

 

إن نظام الحكم في الإسلام هو نظام الخلافة، الذي ينصّب فيه خليفة بالبيعة على كتاب الله وسنة رسوله؛ للحكم بما أنزل الله، قال تعالى: (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ)، وقد أجمع الصحابة على نصب خليفة وقد تأكد إجماعهم من تأخيرهم لدفن الرسول صلى الله عليه وسلم عقب وفاته ليلتين واشتغالهم بنصب خليفة له مع أن دفن الميت عقب وفاته فرض، فدل ذلك على أن نصب الخليفة أوجب من دفن الميت.

 

إنّ نظام الحكم في الإسلام ليس ملكيا، فهو لا يورث الحكم، بل إن بيعة الأمة هي الطريقة لنصب الخليفة، كما أن النظام الملكي يخص الملك بامتيازات خاصة ويجعله فوق القانون، يملك ولا يحكم في بعض الأنظمة الملكية، ويملك ويحكم متصرفا في البلاد على هواه كما في أنظمة أخرى. أما في نظام الخلافة فإن الخليفة لا يختص بأيّة امتيازات خاصة، وهو مقيد في جميع تصرفاته بالأحكام الشرعية.

 

ونظام الحكم في الإسلام ليس إمبراطوريا؛ لأن هذا النظام وإن كان يتبعه عدة أقاليم، إلا أنه يجعل الميزة للمركز في الحكم والمال والاقتصاد. أما نظام الإسلام فإنه يجعل كل الأفراد متساوين، حتى أهل الذمة لهم ما للمسلمين من الإنصاف وعليهم ما على المسلمين من الانتصاف. كما أن نظام الحكم في الإسلام لا يجعل الأقاليم مستعمرات ومواطن استغلال كما هو الحال في النظام الإمبراطوري، بل يعتبر كل الأقاليم جزءاً من الدولة، وكلها متساوية في الحقوق.

 

ونظام الحكم في الإسلام ليس اتحادياً بل هو نظام وحدة، إذ أن النظام الاتحادي يجعل كل إقليم مستقل بذاته، ولكنها تتحد في الحكم العام، ولكن نظام الإسلام نظام وحدة، يعتبر مالية الأقاليم كلها واحدة، فلو لم تف واردات إحدى الولايات لمصاريفها، يُنفق عليها بقدر حاجاتها لا بقدر وارداتها.

 

ونظام الحكم في الإسلام ليس جمهوريا، فالنظام الجمهوري كان ردة فعل على طغيان النظام الملكي، حيث كانت السيادة والسلطان بيد الملك، فجاء هذا النظام ونقل السيادة والسلطان إلى الشعب، فيما سُمّي بالديمقراطية، فصار الشعب هو الذي يشرّع ويحسن ويقبح، وبقي الحكم بيد رئيس الجمهورية ووزرائه في النظام الجمهوري الرئاسي، وبيد مجلس الوزراء في النظام الجمهوري البرلماني. أما في الإسلام، فالتشريع ليس للشعب بل لله وحده، كما أن مصالح الناس كلها تكون في جهاز إداري واحد، لا عن طريق وزارات تملك صلاحيات منفصلة وميزانيات منفصلة، بحيث لا ينقل الفائض من ميزانية إلى أخرى إلا بإجراءات طويلة مما يسبب تعقيدات في حل مصالح الناس لتداخل عدة وزارات في المصلحة الواحدة. كما أنه لا يوجد في نظام الحكم في الإسلام مجلس وزراء للحكم، بل الأمة تبايع الخليفة على الحكم، وهو يقوم بتعيين معاونين له في تحمل أعباء الخلافة.

 

ونظام الحكم في الإسلام ليس ديمقراطيا -بالمعنى الحقيقي للديمقراطية- من حيث أن التشريع للشعب، والغرب يعلم أنه لن يستطيع تسويق الديمقراطية بهذا المعنى، فحاول أن يدخلها من باب أنها آلية انتخاب الحاكم، ونظرا للقمع الحاصل في البلاد الإسلامية فقد سهل على الكافر تسويق الديمقراطية في بلادنا، وتحايل على الجزء الأساس فيها، وهو أن التشريع بيد الشعب، وهو ما لا يقوله ولا يرضى به أي مؤمن.

 

وأما اختيار الحاكم في الإسلام فهو أمر منصوص عليه، فالمتتبع لكيفية اختيار الخلفاء الراشدين يرى أنه كانت تتم للواحد بيعة أهل الحل والعقد وممثلي الأمة حتى يصبح خليفة تجب له الطاعة، فالبيعة من الناس للخليفة شرطٌ أساس حتى يصبح خليفة. كما أن النظام الجمهوري يقرّ الحريات، بحيث يفعل الرجل والمرأة ما يشاءون، دون مبالاة بالحلال والحرام، فلهم الحرية الدينية، من ردة وتبديل الدين دون قيد، وحرية التملك، وحرية الرأي.

 

إن أجهزة دولة الخلافة تؤخذ من الأجهزة التي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، وهي: الخليفة، المعاونون (وزراء التفويض)، وزراء التنفيذ، الولاة، أمير الجهاد (الجيش)، الأمن الداخلي، الخارجية، الصناعة، القضاء، مصالح الناس، بيت المال، الإعلام، مجلس الأمة (الشورى والمحاسبة).

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تلخيص كتاب الأجهزة  -2

 

 

 

إنّ الخليفة ينوب عن الأمة في الحكم والسلطان وتنفيذ أحكام الشرع، فالسلطان للأمة، وهي تنيب من يقوم به نيابة عنها، فالخليفة لا يكون خليفة إلا إذا بايعته الأمة، ويصبح عندها واجب الطاعة، ولا يكون من يلي أمر المسلمين خليفة إلا إذا بايعه أهل الحل والعقد بيعة انعقاد شرعية بالرضى والاختيار، وكان مستوفياً لشروط الانعقاد، وباشر بعدها بتطبيق أحكام الشرع. أما اللقب الذي يطلق عليه فهو لقب الخليفة أو الإمام أو أمير المؤمنين، وهي قد وردت في الأحاديث الصحيحة وإجماع الصحابة، كما قد لُقب بها الخلفاء الراشدون.

 

يجب أن تتوافر في الخليفة سبعة شروط، هي شروط انعقاد، فإذا نقص شرط لم تنعقد الخلافة له. وهذه الشروط هي أن يكون مسلما، ذكرا، بالغا، عاقلا، حرا، عدلا، قادرا من أهل الكفاية إذ أن العاجز لا يقدر على القيام بشئون الرعية بالكتاب والسنة اللذين بويع عليهما. ومحكمة المظالم هي التي تقرر صنوف العجز التي يجب ألا تكون في الخليفة حتى يكون قادرا من أهل الكفاية.

 

إن أي شرط غير هذه الشروط السبعة لا يصلح لأن يكون شرط انعقاد، وإن كان يمكن أن يكون شرط أفضلية إذا صحّت النصوص فيه؛ لأن شرط الانعقاد يجب أن يكون الدليل على اشتراطه قد تضمن طلبا جازما، وإلا كان شرط أفضلية، ولم يرد شرط عليه دليل فيه طلب جازم إلا هذه الشروط السبعة.

 

إن طريقة نصب الخليفة هي البيعة، فيجري نصب الخليفة ببيعة المسلمين له على العمل بكتاب الله وسنة رسوله، والمقصود بالمسلمين هم الرعايا المسلمون للخليفة السابق إن كانت الخلافة قائمة، أو مسلمو أهل القطر الذي تقام الخلافة فيه إن لم تكن الخلافة قائمة.

 

أما إجراءات العملية لتنصيب الخليفة وبيعته، فيجوز أن تأخذ أشكالا مختلفة كما حصل مع الخلفاء الراشدين.

 

للخليفة عند الشعور بدنو أجله أن يعين أميرا مؤقتا يتولى أمر المسلمين خلال فترة إجراءات تنصيب الخليفة الجديد، ويكون عمله الأساسي هو الفراغ من تنصيب الخليفة الجديد خلال ثلاثة أيام، ولا يجوز للأمير المؤقت أن يتبنّى الأحكام؛ لأن هذا من صلاحيات الخليفة، وليس له أن يُرَشَّح للخلافة. وتنتهي ولاية الأمير المؤقت بتنصيب الخليفة الجديد, ويجوز للخليفة خلال حياته أن يتبنى مادة يحدّد فيها من يكون أميرا مؤقتا إذا توفي ولم يعينه. ونحن نتبنّى أن يكون الأمير المؤقت - إذا لم يعينه الخليفة في مرض موته - أن يكون أكبر معاوني التفويض سناً، إلا إذا ترشح فيكون التالي له عمرا، وهكذا... ثم يتلوهم وزراء التنفيذ بالكيفية السابقة، فإن أرادوا الترشح كلهم يُلزم وزير التنفيذ الأصغر. وينطبق هذا الأمر على عزل الخليفة، وكذلك في حالة وقوع الخليفة في الأسر، مع بعض التفصيلات المتعلقة بصلاحياته في حال كونه مأمول الخلاص وعند كونه غير مأمول الخلاص. وهذا الأمير يختلف عمّن ينيبه الخليفة مكانه عند خروجه للجهاد، فهو يكون عندها بالصلاحيات التي يحددها الخليفة له في رعاية الشئون التي تقتضيها تلك الإنابة.

 

ومن تتبع كيفية تنصيب الخلفاء الراشدين نجد أنه كان يتم هناك حصر للمرشحين، ومن تتبع كيفية تنصيب عثمان رضي الله عنه خاصة، نجد أنه يجب العمل على موضوع الترشيح ليلا ونهارا طيلة أيام المهلة، وهي ثلاثة أيام بلياليها، ولا بد من حصر المرشحين من حيث توفر شروط الانعقاد أم لا، وهذه مهمة محكمة المظالم، كذلك لا بد من حصر المرشحين مرتين، المرة الأولى بستة، والثانية باثنين، والذي يقوم بهذه المهمة هو مجلس الأمة، باعتباره ممثلا للأمة.

هذا إذا مات الخليفة أو عُزل، أما إذا لم يوجد خليفة مطلقا كما هو الحال الآن، فإن كل قطر أهلٌ لأن يبايع خليفة وتنعقد به خلافة، ويجب على باقي المسلمين في باقي الأقطار مبايعته بيعة طاعة، بشرط أن يكون سلطان القطر بيد المسلمين فقط، وأمانه وحمايته من الداخل والخارج بيد المسلمين فقط وبقوة إسلامية بحتة، وأن يطبق الإسلام بشكل انقلابي، وأن يكون الخليفة متلبساً بالدعوة الإسلامية، ومستوفيا لشروط الانعقاد، ومع استيفاء هذه الشروط توجد الخلافة بمبايعة ذلك القطر وحده، ويصبح الخليفة الذي يبايعوه هو الخليفة الشرعي، وإذا بويع لخليفة آخر في قطر آخر فإن بيعته باطلة لا تصحّ.

 

البيعة يمكن أن تكون بالكتابة أو بالمصافحة أو بأية وسيلة من الوسائل، غير أنها تشترط أن تكون من البالغ. وأما ألفاظها فلا يشترط فيها شيئا إلا أن تشمل العمل بكتاب الله وسنة نبيه للخليفة، والسمع والطاعة في المنشط والمكره للمبايع. وهي (أي البيعة) حق للمسلم، ومتى أعطاها المسلم ألزم بها، ولا يجوز أن يرجع عنها، أما إن بايع خليفة ابتداء ثم لم تنعقد البيعة له فإن له أن يتحلل منها.

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تلخيص كتاب الأجهزة - 3

 

 

يجب أن يكون للمسلمين خليفة واحد ودولة واحدة، والأحاديث في ذلك كثيرة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم "إذا بُويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما"، فهذا الحديث يدل على أنه إذا بويع لشخصين يجب قتل الآخر منهما، ويكون الخليفة هو الأول، وفي هذا كناية عن منع تقسيم الدولة، وتحريم جعل الدولة دولا، كما أن نظام الحكم في الإسلام يجب أن يكون نظام وحدة لا نظاما اتحاديا.

 

يملك الخليفة الصلاحيات التالية:

 

1- تبنّي الأحكام الشرعية، التي تصبح بعدها قوانين نافذة.

 

2- المسؤول عن السياسة الخارجية والداخلية، وقائد الجيش، وله حق إعلان الحرب والهدنة وعقد المعاهدات.

 

3- يعين السفراء ويعزلهم، ويقبل السفراء الأجانب ويرفضهم.

 

4- يعين الولاة والمعاونين، وهم مسئولون أمامه وأمام مجلس الأمة.

 

5- تعيين قاضي القضاة والقضاة، وله تعيين قاضي المظالم، ولكن عزله عليه قيود، وله أن يعين ويعزل مديري الدوائر، وقائد الجيش، ورؤساء أركانه وألويته، وهم مسئولون أمامه وليس أمام مجلس الأمة.

 

6- وضع القوانين التي تحدد فصول الميزانية، والمبالغ التي تلزم سواء للنفقات أم للواردات.

 

أما دليل الأمر الأول فهو ما حصل بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في تقسيم الأموال، فقد اختلفا في تقسيمها على التفاضل أم بالتساوي، فكان أبو بكر الصديق يرى توزيعها بالتساوي، وعمر بن الخطاب كان يرى توزيعها بالتفاضل، ولكن عمر أثناء خلافة أبي بكر ترك اجتهاده واتبع اجتهاد أبي بكر، أي الخليفة، وعندما تولى عمر الخلافة عمل برأيه هو، فكان هذا إجماعا على أن للخليفة أن يأمر بأحكام شرعية معينة، ويأمر بالعمل بها وطاعتها ولو خالفت اجتهاد المسلمين، على أن المسلمين يتبعون الأحكام الشرعية لا أوامر السلطان، ولكن تختلف الاجتهادات. وهناك أمور تقتضي بأن يكون جميع المسلمين على رأي واحد كما حصل في الحادثة السابقة من أجل رعاية شئونهم.

 

وأما الأمر الثاني فدليله فعل النبي عليه الصلاة والسلام، فهو الذي كان يتولى الشئون الداخلية والخارجية، فيعين القضاة، ويمنع الغش، ويخاطب الملوك، ويتولى قيادة الجيش فعلا، ويعقد المعاهدات مع اليهود.

 

وأما دليل الأمر الثالث فهو أنه عليه الصلاة والسلام كان هو من يعين السفراء ويرسلهم إلى الملوك، ويتلقى الرسل من الملوك والقبائل.

 

وأما دليل الأمر الرابع فهو أنه عليه الصلاة والسلام كان هو الذي يعين الولاة ويعزلهم، كعزله للعلاء بن الحضرمي عندما شكا منه أهل ولايته، مما يدل على أن الولاة مسئولون أمام أهل الولاية وأمام مجلس الأمة الذي يمثل الولايات، وقد عين عليه الصلاة والسلام معاونين له هما عمر بن الخطاب، وأبا بكر الصديق.

 

ودليل الأمر الخامس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعين القضاة، كتعيينه لعلي رضي الله عنه، وكما أنه عين مديرين للدوائر وقوادا للجيش، وكانوا مسئولين أمامه وليس أمام أحدٍ آخر. وأما كون الخليفة هو الذي يحدّد فصول الميزانية والواردات فدليله أن النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي كان يقبض الأموال ويصرفها، فأمر الأموال يرجع إلى الخليفة أو من ينيبه عنه.

 

إن الخليفة مقيد بتبنّي الأحكام الشرعية المستنبطة استنباطا صحيحا من الأدلة الشرعية، وهو أيضا ملزم بما تبنّاه من أحكام وما التزم من طريقة استنباط، فلا يجوز أن يأمر بما يخالف اجتهاده، أو يتبنّى حكماً استنبط حسب طريقة تخالف الطريقة التي تبنّاها.

 

 والدليل على ذلك أن الإسلام قد أمر المؤمنين جميعاً أن يحكموا بما أنزل الله، فيجب عليهم أن يتبنّوا حكما معينا عندما يتعدد خطاب الشارع، فصار التبنّي في هذه الحالة واجباً على الكل بمن فيهم الخليفة عندما يقوم بعمله وهو الحكم. وكذلك فإن بيعة الخليفة هي على العمل بكتاب الله وسنة نبيه، فلا يصح الخروج عليهما، ويكون قد كفر إن هو اعتقد ذلك، وفاسقاً وظالما إن كان عن غير اعتقاد. وكذلك إن الخليفة ينصّب لتنفيذ أحكام الشرع، وقد وردت أدلة تنفي الإيمان عمّن يحكم بغير الإسلام، ففي هذا قرينة على الجزم.

 

وكذلك فإن الخليفة عندما يتبنّى حكما شرعيا فإنه يصبح حكم الله في حقه، ولا يحلّ أن يتبنّى خلافه؛ لأنه لا يعتبر حكم الله في حقه، فلا يكون حينها حكما شرعيا بالنسبة له ولا بالنسبة للمسلمين، وكذلك فإنه مثلاً إن اعتبر المصالح المرسلة ليست دليلا شرعيا ثم تبنّى حكما يقوم على المصالح المرسلة فإن هذا لا يصحّ؛ لأن هذا الحكم لا يعتبر شرعياً في حقه أو بالنسبة للمسلمين، فيكون كأنه تبنّى حكما من غير الأحكام الشرعية.

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تلخيص كتاب الأجهزة - 4

 

 

إن الخلافة هي رئاسة المسلمين جميعا في الدنيا، وهي لتطبيق أحكام الإسلام، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، فهي لتطبيق أحكام الإسلام على البشر ولنشره بين البشر. يبايع فيها المسلمون من يشاءون، ويقيمون عليهم من يريدون خليفة لهم، وهي منصب بشري، وهي غير النبوة مطلقا، فالنبوة منصب إلهي يعطيها الله لمن يريد ليتلقى شريعته بواسطة الوحي، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم كان حاكما يطبق الشريعة التي جاء بها، فكان يتولى الحكم والنبوة، وقد أمره الله بالحكم كما أمره بتبليغ الرسالة، فقال تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ)، وقال: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتولى منصبان هما النبوة ورئاسة المسلمين جميعا في الدنيا. وأما الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن يتولونها بشر، وهم ليسوا أنبياء، فيجوز عليهم ما يجوز على البشر من الخطأ، وقد أخبرنا بذلك رسول الله في قوله: "إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَدَلَ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ، وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ"، فهذا الحديث يدل على أنه يجوز على الإمام الخطأ والنسيان والمعصية، والناس ملزمون بطاعته ما دام يحكم بالإسلام، ولم يحصل منه كفر بواح، وما لم يأمر بمعصية.

 

ليست هناك مدة محدّدة لرئاسة الخليفة، فما دام محافظا على الشرع، قادرا على القيام بشئون الدولة يبقى خليفة، إذ أن الأحاديث التي ذكرت البيعة ذكرتها على إطلاقها ولم تقيدها بمدة معينة، كما أن خلافة الصحابة استمرت حتى وفاتهم، فكان ذلك إجماعا من الصحابة. أما إذا حصل وطرأ على الخليفة ما يستوجب عزله أو يجعله معزولا فإن مدة خلافته تنتهي، وذلك ليس تحديداً لمدة البيعة، بل بسبب حدوث خلل في شروطها؛ لأن البيعة محددة بقيام الخليفة بما بويع عليه، وهو العمل بالكتاب والسنة. 

 

إذا فقد الخليفة أيّ شرط من شروط الانعقاد السبعة فإنه لا يجوز له شرعاً الاستمرار في الخلافة، ويكون مستحق العزل، والذي يملك قرار عزله هو محكمة المظالم، فهي تقرر إن كان الخليفة قد فقد أي شرط من شروط الانعقاد، ذلك أن حصول ما يستوجب عزل الخليفة هو مظلمة بحاجة إلى إزالة، ومن الأمور التي بحاجة إلى إثبات، فلا بدّ من إثباتها أمام قاضي، والذي يحكم بإزالة المظالم هو محكمة المظالم، وقاضيها هو صاحب الصلاحية في إثبات المظلمة والحكم بها، فإذا حصل وتنازع المسلمون وأولو الأمر فيجب ردّ أمرهم إلى الله ورسوله أي ردّه إلى القضاء، هذا إن حصل ورأى المسلمون أنه يجب أن يعزل لفقدانه إحدى شروط الانعقاد ولكن هو نازعهم في ذلك، أما إن خلع نفسه بنفسه فقد انتهى الأمر.

 

يجب الاشتغال بنصب الخليفة منذ اللحظة الأولى لخلو منصب الخلافة، كما حدث عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث اشتغل المسلمون عقب وفاته في نصب خليفة له، وأقصى مدة لنصب خليفة هي ثلاثة أيام، والدليل هو أن عمر بن الخطاب عندما حدد ستة من أهل الشورى لمنصب الخلافة حدّد لهم ثلاثة أيام، وحدد خمسون شخصاً لقتل المخالف منهم إذا لم يتفقوا على خليفة في تلك المدة، مع أنهم من أهل الشورى، ومن كبار الصحابة، ولم يعارضه أحد من الصحابة، فكان ذلك إجماعا. فيجب على المسلمين الانشغال بنصب خليفة بعد شغور مركز الخلافة، ولا بد من نصبه خلال ثلاثة أيام، أما إن حصل وقضي على الخلافة وقعدوا عن ذلك، فإنهم آثمون، إلا من تلبس بالعمل الجادّ من أجل إقامتها مع جماعة مخلصة، فإنه ينجو من الإثم، وهو إثم عظيم كما بينّه عليه الصلاة والسلام "ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية".

 

المعاونون هم الوزراء الذين يعينهم الخليفة ليعاونوه في تحمل أعباء الخلافة، ولا يصحّ تسميتهم وزراء دون تقييد، حتى لا يلتبس مدلول الوزير في الإسلام مع مدلول الوزير في الأنظمة الديمقراطية العلمانية. ووزير التفويض يفوّض إليه الخليفة تدبير الأمور برأيه وإمضائها حسب اجتهاده وفق أحكام الشرع.

 

للخليفة أن يقلد معاون التفويض في النيابة عنه في كل أرجاء الدولة مع عموم النظر في كل الأعمال، وله أن يكلّفه بعمل معين، أو لمكان معين، مثلا لولايات المشرق أو المغرب، وحيث أن الخليفة سيحتاج لأكثر من وزير خاصة مع اتساع حجم الدولة، فإن هذا سيوجد مشاكل في قيام الوزراء بعملهم لاحتمال التداخل ما دام لكل منهم عموم النظر والنيابة، لذلك فنحن نتبنّى ما يلي: من حيث التقليد يقلد المعاون عموم النظر والنيابة في كافّة أرجاء الدولة، ومن حيث العمل يكلّف المعاون بعمل في جزء من الدولة، أي أن الولايات تقسم بين المعاونين، وأما من حيث النقل فينقل المعاون من مكان إلى آخر ومن عمل إلى آخر دون الحاجة إلى تقليد جديد؛ لأن أصل تقليده معاونا يشمل كل عمل، وهو بذلك يختلف عن الوالي، لأن الوالي مقلدٌ لعموم النظر في مكان ما، فلا يُنقل إلى غيره، بل يحتاج إلى تقليد جديد، لأن المكان الجديد ليس داخلا في التقليد الأول، أما المعاون فإنه يُقلد عموم النظر والنيابة، فيجوز نقله من مكان إلى آخر دون الحاجة إلى تقليد جديد. ويُشترط في معاون التفويض ما يشترط في الخليفة، وهو أن يكون رجلا مسلما حرا بالغا عاقلا عدلا وقادرا من أهل الكفاية.

 

يجب على معاون التفويض أن يرفع ما يعتزمه من تدبير إلى الخليفة، ثم مطالعته لما أمضاه من تدبير، وينفذ هذه المطالعة ما لم يوقفه الخليفة عن ذلك، وذلك ليس أخذاً للإذن، فمطالعته تعني أن يذاكره في الأمر، وتكون هذه المطالعة كافية لأن يقوم بكل ما ورد فيها من تفصيلات من غير حاجة إلى صدور الإذن بالعمل، ويجب على الخليفة تصفح أعمال المعاون؛ لأنه هو المسئول عن الرعية ولاستدراك ما قد يقع خطأ من المعاون. إذا طالع المعاون الخليفة في أمر فأقرّه ثم بعد تنفيذه عارضه الخليفة فإنه ينظر، فإن كان مما يجوز للخليفة أن يستدركه من فعل نفسه جاز أن يستدركه من فعل نائبه، كوضع خطة عسكرية؛ لأنه وإن كان يقوم بكافّة صلاحيات الخليفة إلا أنه لا يقوم بها على وجه الاستقلال بل على وجه النيابة، وإذا كان الفعل مما لا يجوز للخليفة أن يستدركه من فعل نفسه فلا يجوز أن يستدركه من فعل نائبه، كوضع مال في حقه، أو حكم نفّذه على وجهه. إن معاون التفويض لا يخصص بالجهاز الإداري؛ لأن الذين يباشرون الجهاز الإداري هم أجراء وليسوا حكاما، ولكن هذا لا يعني أنه ممنوع من القيام بأي عمل إداري، ولكن معناه أنه لا يختص بأعمال الإدارة بل له عموم النظر.

 

إن الذي يعين معاوني التفويض ويعزلهم هو الخليفة، وولايتهم تنتهي عند وفاته، ولا تستمر إلا طيلة فترة الأمير المؤقت، ولا يحتاجون قراراً بالعزل عندها.

رابط هذا التعليق
شارك

تلخيص كتاب الأجهزة - 5

بسم الله الرحمن الرحيم

تلخيص كتاب الأجهزة - 5

 

 

وزير التنفيذ هو الوزير الذي يعينه الخليفة ليكون معاونا له في التنفيذ والملاحقة والأداء وهو وسيط بين الخليفة وبين غيره 

 

الخليفة يقوم بالحكم والتنفيذ، وعمله يتضمن أعمالا إدارية، ويحتاج إلى إيجاد جهاز يقوم بهذه الأعمال، فلا بدّ من معاون للتنفيذ يعاون الخليفة، ووزير التنفيذ ينفّذ أعمال الحكم والإدارة الصادرة عن الخليفة.

 

 ولا يجوز أن يكون معاون التنفيذ امرأة؛ لأن عمل معاون التنفيذ يقتضي منه الاجتماع بالخليفة منفرداً في أي وقت من الليل أو النهار، وهذا لا يتناسب مع ظروف المرأة وفق أحكام الشرع. ولا يجوز أن يكون كافراً لأنه من بطانة الخليفة. ووزير التنفيذ يكون وسيطا بين الخليفة من جهة والأمة والعلاقات الدولية وأجهزة الحكم والجيش من جهة أخرى، فيقوم بمتابعة أجهزة الحكم إلا إذا طلب الخليفة منه أن يكفّ عن المتابعة، أما العلاقات الدولية والجيش فيغلب عليها السرية، لذلك لا يلاحقها إلا إذا طلب الخليفة منه ذلك، وأما العلاقات مع الأمة فإن رعايتها هو شأن الخليفة، فلا يقوم بالملاحقة إلا إذا طلب الخليفة ذلك منه.

 

تقسم الدولة إلى وحدات، تُسمّى ولايات يتولاها الوالي، والولايات تُقسم إلى عمالات يتولاها عامل، وتقسم العمالة إلى وحدات إدارية تُسمّى كل منها قصبة، وتقسم كل قصبة إلى وحدات إدارية أصغر تسمى كل منها الحي، وصاحب القصبة والحي يسمى كل منهما مديرا، وعمله من الإدارة. وهؤلاء (الوالي والعامل) يوليهم الخليفة ويقلدهم، ويشترط فيهم ما يشترط في الخليفة، أي أن يكون رجلا مسلما حرا بالغا عاقلا عدلا من أهل الكفاية، وقد كان عليه الصلاة والسلام يتخير الولاة من أهل الصلاح وأولي العلم المعروفين بالتقوى، وممن يحسنون العمل فيما يتولون، وممن يشربون قلوب الرعية بالإيمان ومهابة الدولة.

 

يعزل الوالي إذا رأى الخليفة ذلك، أو إذا شكا منه أهل ولايته أو من ينوب عنهم، لذلك نحن نتبنّى أن ينتخب مجلس ولاية لكل ولاية لمساعدة الوالي في تبصيره واقع ولايته، ولأخذ رأيهم في حكم الوالي إذا لزم الأمر. ويجوز عزل الوالي بسبب أو بدون سبب، كما كان يفعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فالخليفة له أن يعزل الوالي متى شاء، وعليه أن يعزله إذا شكا أهل ولايته منه.

 

وقد كان الولاة في العصور الأولى يقسمون إلى ولاة صلاة أي ولاة حكم، وولاة خراج، وإذا ولّي أحدهم على الصلاة أي الحكم وحده أو ولي على الخراج وحده كانت ولايته خاصة، وأما إن ولّي أحدهم على الحكم والخراج فإن ولايته تكون عامة. فتقليد الوالي إما أن يكون عاما في كل شئون الحكم، أو خاصا مثل أن يولّى على المال أو القضاء، وهذا ظاهر من فعل النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا الأمر يرجع إلى رأي الخليفة.

 

لقد ظهر أيام الدولة العباسية ضعف بسبب الولاية العامة للولاة، إذ كانوا يستقلون في الحكم ولا يتبعون الخليفة إلا بالدعاء له على المنابر وسك النقود باسمه، ولذلك فإن ولاية الوالي يجب أن تخصص بما يجعله لا يستقل، أي أنه يُولّى في كل شيء إلا المال والجيش والقضاء، بل يخصص لكل من هذه الثلاثة جهاز منفصل يتبع الخليفة كأي جهاز آخر من أجهزة الدولة.

 

 وكذلك فإن الوالي لا يُنقل من مكان لمكان ولكن يعفى ويولّى ثانية؛ لأن توليته عقد من العقود التي تتم بلفظ صريح، وفي عقد الولاية يحدّد المكان الذي يحكم فيه الوالي وتظل له صلاحية الحكم في ذلك المكان ما لم يعزله الخليفة، فإذا نُقل إلى مكان آخر فإنه لا يعزل عن مكانه الأول بهذا النقل؛ لأن فصله عن المكان الأول يحتاج إلى لفظ صريح بالعزل وتوليته على المكان الذي نقل إليه يحتاج إلى عقد تولية جديد خاص بذلك المكان.

 

يجب على الخليفة أن يتتبع أحوال الولاة يسألهم عن أعمالهم، ويسأل الرعية عن شكواهم على الولاة، وأن يجمعهم - أو قسما منهم - بين الحين والآخر، ويجب على الخليفة أن يكون شديد المراقبة لهم سواء أكان ذلك مباشرة أم بتعيين من ينوب عنه للكشف عن أحوالهم. ولكن مع شدّته يجب أن يحافظ على هيبتهم في الحكم، ويجب عليه أن يسمع منهم ويسمع حججهم، فإذا أقنعته لا يخفي اقتناعه بها. 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تلخيص كتاب الأجهزة - 6

 

 

 إن العمل الأساسي للدولة بعد تطبيق أحكام الإسلام في الداخل هو حمل الدعوة الإسلامية للخارج، والطريقة الأساسية التي وضعها الإسلام لحمل الدعوة للخارج هي الجهاد، والجهاد لا بد له من جيش، والجيش يحتاج إلى سلاح، والسلاح يحتاج إلى صناعة، وهذا يوجب أن تكون الصناعة في الدولة مبنية على أساس الصناعة الحربية. والأمن الداخلي ضروري للجيش حتى يتفرغ للقتال ولا ينشغل باستقرار الوضع الداخلي، وكذلك فإن العلاقات الخارجية محورها الأساسي هو حمل الدعوة، ولذلك فإن هذه الدوائر الأربع: الجيش والأمن الداخلي والصناعة والخارجية يمكن أن تكون دائرة واحدة، يعين لها الخليفة أميراً؛ لأنها ذات صلة بالجهاد، كما يمكن أن تكون كل دائرة منها دائرة منفصلة، فيعين لكل دائرة مدير، ويعين للجيش أمير، وقد ثبت في السنّة انفصال كل دائرة من هذه الدوائر بمسئول لكل منها.

 

فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يعين الأمراء على الجيوش، أما في موضوع الأمن الداخلي فقد كان قيس بن سعد بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير، وفي الصناعة كان النبي عليه السلام يأمر بصناعة المنجنيق والدبابة، فيُفهم من هذا أن الصناعة العسكرية هي مسؤولية الخليفة، ويوضع عليها مدير يديرها. وإقامة المصانع العسكرية فرض لأن إرهاب العدو بحاجة إلى إعداد والإعداد بحاجة إلى مصانع، على أن المصانع التي يجب على الدولة إقامتها تبعا لوجوب رعايتها للناس هي نوعان: الأول هو مصانع الملكيات العامة فهذا النوع من المصانع أن يكون مملوكا ملكية عامة لجميع المسلمين تبعا للمادة التي يصنعها، وتقوم الدولة بإقامتها نيابة عن المسلمين. والنوع الثاني من المصانع هو مصانع الأسلحة. وأما موضوع العلاقات الدولية فيجوز للخليفة أن يعين لها مديراً كأي جهاز آخر من أجهزة الدولة. وعلى ذلك فإن هذه الدوائر الأربع يمكن أن تكون دائرة واحدة هي دائرة الجهاد، ويمكن أن تكون هذه الدوائر منفصلة، ولكن نحن نتبنّى أن تكون منفصلة بسبب اتساع مجال هذه الدوائر وحتى لا تتسع صلاحيات أمير الجهاد فيصبح مركز قوة في الدولة ويلحق ضررا إذا ضعفت تقواه.

 

إن دائرة الحربية هي جهاز من أجهزة الدولة ورئيسها يسمى أمير الجهاد، ودائرة الحربية تتولى جميع الشئون المتعلقة بالقوات المسلحة من أسلحة وعتاد وبعثات عسكرية وبث العيون على الكفار المحاربين وغيرها.

 

إن طريقة الدعوة هي الجهاد وهو فرض، فالله سبحانه وتعالى قد فرض الجهاد على كل مسلم، والتدريب على الجندية، فأي شخص يبلغ الخامسة عشر وجب عليه التدرب على الجندية، وذلك لأن القتال يتطلب التدريب عليه، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كذلك فإن هذا التدريب والخبرة القتالية العالية هو من إعداد الجيش للإرهاب. إن التجنيد وهو وجود جنود بشكل دائم في الجيش فرضٌ على الكفاية، ويجب أن يكون هناك مجاهدون يقومون فعلا بالجهاد وبما يتطلبه؛ لأن فرض الجهاد فرض دائم مستمر.

 

والجيش قسمان: قسم دائم، وقسم احتياطي، ويجب أن يكون جميع المسلمين جيشاً احتياطيا؛ لأن الجهاد فرض على كل مسلم وأما القسم الدائم فيجب وجوده لأنه لا يمكن القيام بالجهاد باستمرار وحماية المسلمين إلا بوجوده، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وهذا الجيش الدائم موظفوه يـخذون رواتب، فغير المسلمين منهم يتم استئجارهم للقتال، والإجارة عقد على المنفعة فيجوز استئجار الشخص للجندية، وأما المسلم فإنه يجوز أن يتم استئجاره  للقيام بالعبادة إن كانت مما يتعدى نفعها فاعلها، قال عليه الصلاة والسلام: "إنّ أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله"، وقوله عليه الصلاة والسلام: "للغازي أجره وللجاعل أجره وأجر الغازي"، والغازي هو الذي يغزو بنفسه، والجاعل هو الذي يغزو عنه غيره بأجر، فالحديث يدل على جواز أن يدفع الرجل لآخر أجرة ليغزوا عنه، والأجر هنا معناه الأجرة، فهم بجانب أجرهم عند الله في جهادهم يُجعل لهم رواتب كالموظفين.

 

ويجعل الجيش جيشا واحدا مؤلفا من عدة جيوش، ويوضع لكل منها رقم، ويقسم الجيش إلى معسكرات، منها ما يكون في مختلف الولايات، ومنها ما يكون في قواعد عسكرية وبعضها في معسكرات متنقلة، هذه الترتيبات منها ما هو مباح يترك لرأي الخليفة كتسمية الجيوش، ومنها ما هو من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كأن يكون لا بدّ منه لحماية البلاد، كترتيب الجيش في الثغور.

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تلخيص كتاب الأجهزة – 7

 

الخليفة هو قائد الجيش، وهو الذي يعيّن رئيس الأركان وأمراء الألوية وقواد الفرق، أما باقي الرتب فيعيّنها غيره، فيقوم رئيس الأركان بتعيين الأشخاص في الأركان حسب ثقافته الحربية. والخليفة هو قائد الجيش لأن عقد الخلافة وقع على شخصه، فالجهاد وإن كان فرضا على كل مسلم، إلا أن توليه هو على الإمام، ولكن يجوز أن ينيب الخليفة عنه من يقوم بذلك، ولكن ليس على وجه الاستقلال بل يجب أن يشرف الخليفة عليه، والإمام ليس قائدا شكلا كما هو الحال في الدول حاليا فيوضع قائد للجيش يستقل به، فهذا ليس من الإسلام، وهذا أيضا ظاهر من فعله عليه الصلاة والسلام. أما الأمور الفنية والإدارية فإن للخليفة أن يعين لها من ينوب عنه، ولا يلزم أن تكون تحت نظره الفعلي. أما رئيس الأركان فهو المسؤول عن الأمور الفنية، فهو يقوم بعمله دون تولي الخليفة المباشر له. 

 

تتولى الأمن الداخلي دائرة الأمن الداخلي، ويكون لهذه الدائرة في كل ولاية فرع يسمى إدارة الأمن الداخلي يرأسها صاحب الشرطة، يكون تابعا للوالي من حيث التنفيذ، وتابعا لدائرة الأمن الداخلي من حيث الإدارة، ودائرة الأمن الداخلي تتولى إدارة كل ما له مساس بالأمن، وتستخدم الشرطة في ذلك، وأمرها نافذ، وإذا دعتها الحاجة إلى الاستعانة بالجيش فإن عليها أن ترفع الأمر إلى الخليفة، وله أن يأمر الجيش بإعانة دائرة الأمن الداخلي، وله أن يرفض ويأمر بالاكتفاء بالشرطة. ويتكون الجيش من الرجال البالغين الذين يحملون التابعية، ويجوز أن تكون النساء في الشرطة للقيام بمتطلبات النساء ذات العلاقة بمهام هذه الدائرة.

 

والشرطة قسمان: الأول شرطة الجيش التي تتقدم الجيش لضبط أموره وتتبع أمير الجهاد، والثاني الشرطة التي بين يدي الحاكم، وهذه تكون بلباس خاص وتتبع دائرة الأمن الداخلي. ويجوز للخليفة أن يجعل الشرطة التي تحفظ الأمن الداخلي قسما من الجيش، ويجوز له أن يجعلها مستقلة، ولكننا نتبنّى أن تكون جهازاً مستقلا يتبع الخليفة مباشرة.

 

إن عمل دائرة الأمن الداخلي هو حفظ الأمن الداخلي للدولة. ومن الأعمال التي تهدد الأمن الداخلي: 

 

1- الردة، فمن يرتد ويحكم عليه بالقتل إن لم يرجع بعد أن يُستتاب تقوم هذه الدائرة بتنفيذ القتل فيه، أما لو أن جماعة ارتدت فلا بد من مكاتبتهم، فإن تابوا سكت عنهم، وإن أصرّوا على الردة يقاتلون.

 

 2- الخروج على الدولة، فإن كانت أعمالهم غير مسلحة فإنه يُقتصر على استخدام الشرطة لإيقاف هذه الأعمال الهدامة، وإن لم تتمكن الشرطة من ذلك تطُلب من الخليفة أن يمدّها بقوات عسكرية، أما إن كانوا مسلحين واتّخذوا مكانا بحيث لا يمكن أن تتمكن الشرطة وحدها من إرجاعهم، فإنها ترفع إلى الخليفة أن يمدها بقوات عسكرية أو بقوة من الجيش حسب الحاجة، وقبل ذلك يطلب منهم الرجوع، فإن أصرّوا يقاتلون قتال تأديب لا قتال إفناء، كما قاتل علي بن أبي طالب الخوارج.

 

3- قطّاع الطرق، تقاتلهم الشرطة قتال صلب وقتل وليس قتال تأديب كالبغاة، حيث يعاملون حسب الآية، فمن قتل وسرق قُتل وصُلب، ومن قتل ولم يسرق قُتل ولم يصلب، وإن أخاف الناس فقط نُفي إلى بلد آخر داخل الدولة، ومن أخذ المال ولم يقتل تقطع يده ورجله من خلاف ولا يقتل.

 

4- التعدي على الأنفس والأموال والأعراض، فإن دائرة الأمن الداخلي تقوم بمنعه ثم تنفيذ أحكام القضاة على من يقومون بالتعدي، وهذا لا يحتاج إلا إلى الشرطة. 

 

وتتولى الشرطة حفظ النظام في جميع النواحي التنفيذية، والعسس، وهو الطواف بالليل لتتبع اللصوص وطلب أهل الفساد، لذلك فإن حماية الحوانيت مهمة العسس، ومن الخطأ أن يقام بالعسس على حساب الناس، أو أن يقوم صاحب الحانوت بإقامة حراس على نفقته لحراسة بيته، لأنهم من العسس وهو على الدولة فلا يكلف الناس به.

 

أما التعامل مع أهل الريب، وهم الذين يُخشى منهم ضرر وخطر على كيان الدولة فيجب على الدولة تتبعهم، ومن اطّلع على شيء منهم وجب عليه التبليغ عنه. ويجب التعامل بكل دقة مع هذا الموضوع حتى لا يختلط بالتجسس على الرعية الذي هو محرّم، فيقتصر هنا فقط على أهل الريب، وأهل الريب هم الذين يترددون على الكفار الحربيين فعلا أو حكما، لأن التجسس على الكفار الحربيين فعلا واجب لمعرفة خططه، وأما المحاربين حكما فيجوز التجسس عليهم لأن الحرب متوقعة معهم، ويكون واجبا على الدولة في حالة الضرر مثل أن يخشى مساعدتهم للمحاربين فعلا، فكل من يتردد على هؤلاء واقع تحت الريبة لاتصاله بالذين يجوز التجسس عليهم، ولأنه يُخشى منهم ضرر على الدولة إن تجسسوا للكفار.

 

المحاربون فعلا تتولى دائرة الحربية التجسس على الرعية الذين يترددون عليهم وعلى المحاربين حكما الذين هم في بلادهم، أما الذين في بلادنا كالسفراء فتتولى التجسس عليهم دائرة الأمن الداخلي، وكذلك أهل الريب فهم في بلادنا، وإن كانوا في بلاد المحاربين فتتولى التجسس عليهم دائرة الحربية، ولكن هذا الأمر يكون بشرطين، أولهما أن تُظهر نتيجة مراقبة دائرة الحربية والأمن الداخلي أن هذا التردد أمر غير عادي، والشرط الثاني أن يعرض ما يظهر للدائرتين على قاضي الحسبة، ويقرر القاضي إن كان فيه ضرر متوقع على الإسلام.

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تلخيص كتاب الأجهزة – 8

 

 

تتولى دائرة الخارجية جميع الشئون التي تتعلق بعلاقة دولة الخلافة بالدول الأجنبية، سواء أكانت تتعلق بالنواحي السياسية مثل إقامة السفارات، أم كانت تتعلق بالنواحي الاقتصادية أو الزراعية أو التجارية أو المواصلات وغيرها، ولتعقيدات الحياة السياسية واتساعها فنحن نتبنّى أن ينيب الخليفة عنه جهازاً خاصا بالعلاقات الخارجية يتابعه كما يتابع أي جهاز آخر.

 

أما دائرة الصناعة فهي تتولى جميع شئون الصناعة، سواء تلك المتعلقة بالملكية العامة أم بالملكية الفردية ولها علاقة بالصناعات الحربية، وسواء أكانت من الصناعات الثقيلة أم من الصناعات الخفيفة، فإنها كلها يجب أن تقوم على أساس السياسة الحربية.

 

 إن الدولة يجب أن تكون مالكة لأمرها، تقوم بصناعة سلاحها وتطويره بنفسها لإرهاب كل عدو ظاهر ومحتمل، ولهذا يجب أن تقوم الدولة بصناعة أسلحتها بنفسها دون الاعتماد على أية دولة أخرى؛ حتى لا تتحكم تلك الدولة بها.

 

 وبما أن طريقة حمل الدعوة الإسلامية هي الجهاد يجب أن تكون الدولة دائما مستعدة، فيجب أن تكون الصناعة عندها مبنية على أساس حربي حتى إذا ما احتاجت إلى تحويلها إلى مصانع تنتج الصناعة الحربية سهل عليها ذلك.

 

القضاء هو الإخبار بالحكم على سبيل الإلزام، فهو إما أن يفصل الخصومات بين الناس ويتولاه القاضي، أو يمنع ما يضر حق الجماعة وهي الحسبة ويتولاها المحتسب، أو يرفع النزاع الواقع بين الناس (سواء أكانوا من الرعايا أم لا) وبين أي شخص من جهاز الحكم أو الموظفين وهي المظالم ويتولاها قاضي المظالم.

 

يشترط في القاضي أن يكون مسلما حرا بالغا عاقلا عدلا فقيها مدركا لتنزيل الأحكام على الوقائع، ويشترط في قاضي المظالم زيادة على هذا أن يكون رجلا ومجتهدا، كقاضي القضاة، لأنه يقوم بالحكم على الخليفة وتنفيذ الشرع عليه، فعمله من القضاء والحكم، فيجب أن يكون رجلا، ولأنه ينظر في المظالم التي يكون فيها الخليفة قد حكم بغير ما أنزل الله، أو أن الدليل الذي استدل به لا ينطبق على الحادثة، فيجب أن يكون مجتهدا وإلا كان قاضيا عن جهل.

 

يجوز أن يُقلد القضاة - وهم القضاة العاديون - والمحتسب وقاضي المظالم تقليدا عاما في كافّة القضايا، أو تقليدا خاصا في مكان معين أو في أنواع معينة من القضاء.

 

القضاء مما يجوز أخذ الرزق عليه من بيت المال؛ لأن كل عمل لمصالح المسلمين تستأجر الدولة من يقوم به على وجهه الشرعي، بدليل أن الله سبحانه قد جعل للعاملين على الصدقات سهما فيها.

 

والقاضي في المحكمة يكون واحدا ويجوز أن يكون معه غيره ولكن للمشورة فقط، ورأيه غير ملزم، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعين للقضية الواحدة قاضيين. ولكن إذا كان في محكمتين منفصلتين فإنه يجوز أن يكون في كل منها قاضي مختلف، وأن يكونا في نفس البلد؛ لأن القضاء استنابة من الخليفة، فهو كالوكالة يجوز فيها التعدد، فإذا اختلف المتخاصمان في أية محكمة يريدان، رجح جانب المدعي لأنه هو الذي طالب بالحق.

 

ولا يجوز أن يقضي القاضي إلا في مجلس القضاء، ولا تعتبر البينة ولا اليمين إلا في مجلس القضاء؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا جلس إليك الخصمان"، فهذا الحديث يبين هيئة مخصوصة يحصل فيها القضاء، وهي أن يجلس الخصمان بين يدي الحاكم وهو مجلس القضاء، فمجلس القضاء شرط لصحة القضاء وشرط لاعتبار اليمين.

 

يجوز تعدد درجات المحاكم بالنسبة لأنواع القضايا، فيخصص القاضي في مسألة معينة أو في أقضية معينة ويمنع من غيرها، لأن القضاء كالوكالة، والوكالة تجوز أن تكون عامة أو خاصة.

 

لا يوجد محاكم استئناف أو محاكم تمييز؛ لأن القاضي إذا نطق بالحكم فحكمه نافذ لا يبطله حكم قاضٍ آخر، إلا إذا خالف نصّا قطعيا من الكتاب أو السنة أو إجماع الصحابة، أو حكم حكما مخالفا لحقيقة الواقع، فإنه في هذه الحالات ينقض حكم القاضي، والذي له صلاحية النقض هو قاضي المظالم.

 

المحتسب ينظر في القضايا التي هي حقوق عامة وليس فيها مدعي، على ألا تكون داخلة في الحدود والجنايات، ويوضع تحت يده عدد من الشرطة للتنفيذ وينفذ حكمه في الحال، ويحكم في المخالفة فور العلم بها في أي مكان دون الحاجة لمجلس قضاء، لأن اشتراط المجلس جاء من الحديث "إذا جلس إليك الخصمان"، وفي الحسبة لا يكون هناك مدعي ومُدعى عليه، بل حق عام. ويجوز للمحتسب أن ينيب عنه من يقوم بعمله، ولكن بشرط أن يكون تعيين المحتسب قد اشتمل على إعطائه حق تعيين نواب عنه.

 

المظالم تُرفع للخليفة أو لمن ينيبه عنه ليقضي فيها، ويكون تعيين قاضي المظالم من قبل الخليفة أو قاضي القضاة إذا جعل له الخليفة ذلك، بدليل فعله عليه الصلاة والسلام. ويجوز أن يقتصر عمل محكمة المظالم الرئيسة على النظر في المظلمة من الخليفة ووزرائه وقاضي قضائه، وأن تنظر فروع محكمة المظالم في المظالم من الولاة والعمال وموظفي الدولة الآخرين، وللخليفة أن يعطي محكمة المظالم المركزية صلاحية تعيين وعزل قضاة المظالم في الفروع. إن الأصل أن يكون للخليفة عزل قاضي المظالم، ولكن إذا كانت هناك قضية مرفوعة على الخليفة أو وزرائه أو قاضي قضائه – إذا جعل له الخليفة صلاحية تعيين وعزل قاضي المظالم- فإن صلاحية العزل في أثناء ذلك لا تترك بيد الخليفة؛ لأنها تؤدي إلى الحرام، إذ أن بقاءها بيد الخليفة سيؤثر في حكم القاضي.

 

إن محكمة المظالم هي التي تنظر في كافة المظالم، سواء أكانت متعلقة بأشخاص في جهاز الدولة أم مخالفة الخليفة لأحكام الشرع، أم كانت متعلقة بمعنى نص من نصوص التشريع في الدستور ضمن تبنّي الخليفة، أم متعلقة بفرض ضريبة من الضرائب، أم تعدي الدولة على الرعية، أم إنقاصها لرواتب الموظفين، أم تأخير صرفها لهم... ولا يشترط في هذه المظالم وأمثالها مجلس قضاء، ولا دعوة المدعي عليه، ولا وجود مدّعٍ، بل لها حق النظر في المظلمة ولو لم يدّعِ بها أحد من غير التقيد بشيء مطلقا لا في مكان ولا زمان ومجلس قضاء، فلها النظر في المظلمة بمجرد حدوثها؛ وذلك لعدم وجود مدّعٍ ولعدم ضرورة حضور المُدعى عليه، وعليه لا ينطبق عليها دليل اشتراط مجلس القضاء الوارد في الحديث: "إذا جلس إليك الخصمان"، ولا بأس من أن تكون دار محكمة المظالم مهيبة فخمة من أجل إبراز عظمة العدل.

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تلخيص كتاب الأجهزة – 9

 

 

إن العقود والمعاملات والأقضية التي أُبرمت وانتهى تنفيذها قبل قيام الخلافة تعتبر صحيحة ولا ينقضها قيام الخلافة ولا تقبل الدعاوى حولها من جديد بعد قيام الخلافة، باستثناء ثلاث حالات: الأولى: إذا كان للقضية التي أُبرمت وانتهى تنفيذها أثرٌ مستمر مخالفٌ للإسلام، الثانية: إذا كانت القضية تتعلق بمن آذى الإسلام والمسلمين، الثالثة: إذا كانت القضية تتعلق بمال مغصوب قائم بيد غاصبه.

 

 والدليل على ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم ينقض معاملات الجاهلية وعقودها بعد الفتح، فهو لم يعد إلى داره التي هاجر منها، حيث كان عقيل بن أبي طالب قد ورث حسب قوانين قريش دور عصبته الذين أسلموا وهاجروا وباعها ومن ضمنها دار الرسول عليه الصلاة والسلام، وحين قيل للرسول صلى الله عليه وسلم: "في أي دورك تنزل؟"، قال عليه الصلاة والسلام: "وهل ترك لنا عقيل من رباع". ودليل الحالة الأولى هو أن النبي عليه الصلاة والسلام قد وضع الربا الباقي على الناس بعد أن أصبحوا في دولة الإسلام، ومن ذلك تفسخ الدولة عقد تزوج مسلمة من نصراني مثلاً. والدليل على الحالة الثانية هو إهدار النبي عليه الصلاة والسلام دم بضعة نفر كانوا يؤذون الإسلام، ولأنه عليه الصلاة والسلام قد عفا عن بعضهم فيما بعد فيدل على أنه يجوز للخليفة أن يحرك القضية على هؤلاء أو يعفو عنهم. وأما دليل الحالة الثالثة فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قبل دعوى رجل اغتُصبت أرض له في الجاهلية. وغير هذه الحالات فإن العقود التي أبرمت وانتهت فإنها لا تنقض، وأما مثلا لو أن رجلا حُكم عشر سنوات مضت منها سنتان، ثم قامت الخلافة فإن الخليفة ينظر فيها إما بإلغاء العقوبة أصلا أو بالاكتفاء بما مضى، أو يدرس الحكم الباقي ويراعى فيه الأحكام الشرعية.

 

إنّ الجهاز الإداري هو الذي يقوم بإدارة شئون الدولة، ويعين لكل مصلحة مدير عام، وتقسم كل مصلحة إلى دوائر يكون لكل منها مدير، وتقسم الدوائر إلى إدارات يعين عليها مدير، ويكون المدراء مسئولين أمام مدير الإدارة العليا من حيث عملهم، وأمام الوالي في التقيد بالأنظمة العامة. والجهاز الإداري أسلوب قد جاء دليل شرعي عام على أصله فيشمل كل ما تفرع عنه إلا إذا جاء دليل على فرع معين فإنه يتبع حسب الدليل، فمثلا الزكاة قد جاءت لها أحكام معينة، ولكن لم يأتِ دليلٌ على أن من يجبي الزكاة يذهب مشياً أم بسيارة فهي متفرعة عن الدليل العام، فالأساليب الإدارية يمكن أخذها من أي نظام إلا ما ورد فيه نص خاص يمنعه.

 

وأما الموظفون فهم أجراء للدولة مسئولون أمام رئيسهم في الدائرة، وهم رعايا مقيدون بأحكام الشرع والأنظمة الإدارية ومسئولون أمام الولاة.

 

وسياسة إدارة المصالح تقوم على البساطة (للتسهيل والتيسير)، والإسراع (للتسهيل) والكفاية (من باب الإحسان وإنجاز العمل)، وهذه من متطلبات الإحسان التي وردت في قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء". ويحق لكل من يحمل التابعية وتتوفر فيه الكفاية أن يكون مديراً لأية مصلحة من هذه المصالح أو موظفا فيها؛ وذلك لأنهم أجراء وأدلة الإجارة جاءت عامة ومطلقة ولم تخصص لا بامرأة ولا بغير المسلم. 

 

بيت المال هو الجهة التي تختص بقبض وإنفاق ما يستحقه المسلمون من مال، وهو جهاز مستقل يتبع الخليفة كما يتبعه أي جهاز آخر. والمتصرف بواردات بيت المال ونفقاته هو الخليفة، فقد كان عليه الصلاة والسلام يقوم بنفسه أحيانا بخزن المال وقبضه وتوزيعه أو يولي أحد أصحابه القسمة أو يستعمله على بعض شئون المال، وقد سار خلفاؤه الراشدون على ذلك، فكانوا يستعملون غيرهم على المال وشئونه. ويمكن تقسيم بيت المال إلى قسمين هما: قسم الواردات، وقسم النفقات. ويشمل قسم الواردات ثلاثة دواوين، هي: ديوان الفيء والخراج، وديوان الملكية العامة، وديوان الصدقات. ويشمل قسم النفقات ثمانية دواوين، هي: ديوان دار الخلافة، وديوان مصالح الدولة، وديوان العطاء، وديوان الجهاد، وديوان مصارف الصدقات، وديوان مصارف الملكية العامة، وديوان الطوارئ، وديوان الموازنة العامة والمحاسبة العامة والمراقبة العامة.

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تلخيص كتاب الأجهزة – 10

 

 

إن الإعلام من الأمور المهمة للدعوة والدولة، ووجود سياسة إعلامية متميزة تعرض الإسلام عرضا قويا مؤثرا يؤثر على إقبال الناس على الإسلام. وهناك أخبار يجب ربطها بالإمام ليقرر ما يجب كتمانه وما يجب بثه، خاصة الأمور العسكرية وأخبار المفاوضات والمناظرات، أما الأخبار اليومية الأخرى فهي تتداخل مع وجهة النظر في الحياة، فلزم إشراف الدولة عليها ولكن بشكل يختلف عن النوع الأول من الأخبار، فالنوع الأول من الأخبار له دائرة خاصة يكون عملها المراقبة المباشرة ولا تذاع إلا بعد عرضها على جهاز الإعلام، أما النوع الثاني فله دائرة خاصة تراقبه بشكل غير مباشر، ولا تحتاج وسائل الإعلام إلى إذن في عرضها.

 

لا تحتاج وسائل الإعلام إلى ترخيص بل تحتاج إلى "علم، وخبر" فيُعلم جهاز الإعلام عن وسيلة الإعلام التي أنشأها ويكون مسئولاً عن كل مادة إعلامية ينشرها. ويصدر قانون يبين الخطوط العريضة للسياسة الإعلامية للدولة وفق الأحكام الشرعية.

 

مجلس الأمة يتكون من أشخاص يمثلون المسلمين في الرأي ومحاسبة الحكام، ويجوز أن يخصص مجلس ينوب عن الأمة في الشورى والمحاسبة لأنه عليه الصلاة والسلام وصحابته كانوا يخصصون رجالا من المهاجرين والأنصار يرجعون إليهم لأخذ رأيهم إذا نزل بهم أمر، ويجوز أن يكون في هذا المجلس أعضاء غير مسلمين من أجل الشكوى من ظلم الحكام لهم أو من إساءة تطبيق الإسلام.

 

 الشورى حق للمسلمين، وقد كان عليه الصلاة والسلام يرجع للمسلمين ليستشيرهم، فقد استشارهم يوم أحد أن يكون القتال داخل المدينة أم خارجها، وكذلك يوم بدر عن مكان المعركة، وكذلك فعل عمر بن الخطاب في مسألة أرض العراق أيوزعها كغنائم أم يبقيها بيد أهلها يدفعون خراجها. وكما أن الشورى حق للمسلمين فإنه يجب عليهم محاسبة الحكام إن قصّروا أو أهملوا أو خالفوا أحكام الإسلام، قال عليه السلام: "ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا أفلا نقاتلهم؟ قال :لا ما صلّوا"، وقد أنكر الصحابة من بعده فعل الخليفة، وأُنكر عليهم، مثل مسألة المهر مع عمر بن الخطاب.

 

أعضاء مجلس الأمة ينتخبون انتخابا ولا يعينون تعيينا؛ لأنهم وكلاء عن الناس في الرأي والوكيل يختاره موكله، وأعضاء مجلس الأمة يمثلون الناس أفرادا وجماعات، والنبي عليه الصلاة والسلام قد اختار أعضاء المجلس على أساسين، الأول أنهم نقباء على جماعتهم، والثاني أنهم ممثلون عن المهاجرين والأنصار. فالأساس الذي يُختار بناء عليه أعضاء مجلس الأمة هو التمثيل للناس، فلذلك تعمد الاختيار من النقباء وكذلك التمثيل للجماعات فتعمد الاختيار عن المهاجرين والأنصار. وأما أنه عليه السلام هو الذي اختارهم فذلك لأن البقعة كانت ضيقة وهي المدينة وكان المسلمون معروفين لديه، بدليل أنه في بيعة العقبة الثانية لم يكن المسلمون معروفين فترك عليه أمر انتخاب النقباء لهم، وقال: "أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم"، فعلة وجود مجلس الأمة هي التمثيل للأفراد، وهذا لا يتحقق إلا بالانتخاب. 

 

يتم انتخاب مجلس ولاية لكل ولاية لتقديم المعلومات للوالي عن الولاية واحتياجاتها؛ لمساعدة الوالي ولإظهار الرضى والشكوى من حكمه. وللتسهيل ينتخب الناس مباشرة مجالس الولايات، ثم يقوم الناجحون في مجالس الولايات بانتخاب أعضاء مجلس الأمة من بينهم، ويحل محلهم أصحاب أكثر الأصوات الذين أخفقوا في انتخابات مجلس تلك الولاية، وإن تساوى اثنان أو أكثر يقرع بينهم. وينتخب أهل الذمة ممثليهم في مجالس الولايات، وممثلوهم ينتخبون ممثليهم في مجلس الأمة.

 

أما عضوية مجلس الأمة فإن لكل من يحمل التابعية إذا كان بالغا عاقلا الحق في عضوية مجلس الأمة والانتخاب، سواء أكان رجلا أم امرأة، لأن مجلس الأمة ليس من الحكم، كما أنه عليه الصلاة والسلام في بيعة العقبة الثانية قد أمر الجميع بأن ينتخبوا من يمثلهم ولم يستثن النساء لا في الانتخاب ولا في أن يكون نقيبا، كما أن للمرأة أن توكل عنها في الرأي ويوكلها غيرها فالوكالة لا تشترط فيها الذكورة، وقد كان عمر بن الخطاب يدعوا النساء والرجال إلى المسجد إذا عرضت له نازله.

 

وكذلك فإن لغير المسلمين أن يتمثلوا في مجلس الأمة لإبداء الرأي في إساءة تطبيق أحكام الإسلام عليهم، وما يلحقه من ظلم من الحاكم. لا يحق لغير المسلمين أن يبدوا الرأي في الأحكام الشرعية؛ لأن عقيدتهم تتناقض مع العقيدة الإسلامية، وليس لهم انتخاب الخليفة ولا حصر المرشحين للخلافة؛ لأنه ليس لديهم الحق في الحكم، أما باقي الأمور التي من صلاحيات مجلس الأمة فلهم كما للمسلمين.

 

تُعين لمجلس الأمة مدة معينة؛ لأن عمر رضي الله عنه كان يرجع إلى أشخاص في أواخر حكمه غير الذين كان يرجع إليهم في أوائل حكمه، فلم يتقيد بالرجوع للأشخاص الذين كان يرجع إليهم أبو بكر، ونحن نتبنى أن تكون هذه المدة خمس سنوات.

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تلخيص كتاب الأجهزة – 11

 

 

صلاحيات مجلس الأمة:

 

1- استشارة الخليفة له فيما لا يحتاج إلى بحث وإمعان نظر، مثل توفير الخدمات وحفظ الأمن ودفع خطر العدو، ورأي المجلس ملزم، ودليله نزول النبي عليه الصلاة والسلام على رأي الأكثرية في الخروج من المدينة في أحد، مع أن رأيه ورأي كبار الصحابة كان هو البقاء في المدينة. أما ما يحتاج إلى بحث وإمعان نظر مثل قرار الحرب والأمور المالية والجيش والسياسة الخارجية فإن للخليفة أن يرجع له ورأيه غير ملزم، ودليله هو أن الأصل في الخليفة أن يأخذ رأي العلماء وأهل الاختصاص في أمور هذا القسم، كما حدث عند نزول النبي عليه الصلاة والسلام على رأي الحباب بن المنذر في اختيار موقع معركة بدر دون أن يستشير باقي أصحابه، لأنها من قبيل الرأي والحرب والمكيدة، إذ لا قيمة للكثرة هنا بل للعلم والخبرة.

 

2-لا يؤخذ رأي المجلس في التشريع، فهو لله وحده ويؤخذ من الكتاب والسنة وما أرشدا إليه باجتهاد صحيح، وللخليفة إحالة القوانين التي يريد أن يتبنّاها، وللمسلمين من أعضاء المجلس حق مناقشتها، فإن اختلفوا في صحة استنباطها أو دليلها من حيث مخالفته لطريقة التبني المتبناة في الدولة فيرجع إلى محكمة المظالم ورأي المحكمة ملزم.

 

3- محاسبة الخليفة على ما يقوم به، ورأي المجلس ملزم فيما كان رأي الأكثرية ملزم، أي فيما لا يحتاج إلى بحث وإمعان نظر،  وغير ملزم فيما كان رأي الأكثرية غير ملزم، أي فيما يتحاج إلى بحث وإمعان نظر. وإن اختلف مجلس الأمة مع الخليفة على أمر تمّ بالفعل أو أمر من الناحية الشرعية فيرجع فيه إلى محكمة المظالم ورأيها ملزم.

 

4- للمجلس إظهار عدم الرضا عن المعاونين والعمال والولاة ورأيه ملزم، وعلى الخليفة عزلهم في الحال. فإن تعارض رأي مجلس الولاية مع رأي مجلس الأمة في الرضى أو الشكوى فالأولوية لرأي مجلس الولاية.

 

5- للمسلمين في المجلس حصر المرشحين للخلافة الذين قررت محكمة المظالم توفر شروط الانعقاد فيهم، ورأيهم ملزم.

 

لكل عضو في مجلس الأمة حق التكلم وإبداء الرأي كما يشاء دون حرج في حدود ما حلّ الشرع له، وأن يحاسب الخليفة والمعاون والوالي وأي موظف في جهاز الدولة وعليهم أن يجيبوه ما دام ملتزما بأحكام الشرع في محاسبتهم، ولأعضاء مجلس الأمة من غير المسلمين حق إبداء رأيهم فيما يقع عليهم من ظلم الحكام دون أي منع أو حرج ما دام ذلك ضمن أحكام الشرع في إبداء الرأي.

 

يكون للدولة ألوية ورايات، وذلك استنباطا مما كان في زمن النبي عليه الصلاة والسلام. واللواء أبيض مكتوب عليه الشهادتان بالأسود، وهو يعقد لأمير الجيش أو قائد الجيش، ويدور حيث دار، وتسمّى "أم الحرب". والراية سوداء مكتوب عليها الشهادتان بخط أبيض، وتكون مع قواد الفرق. وفي حالة الحرب القائمة فإن اللواء يلازم مقر أمير الجيش ولا ينشر بل يبقى ملويا ويمكن نشره بعد دراسة الناحية الأمنية، وإذا كان الخليفة في الميدان فيجوز له حمل اللواء، أما الراية فيحملها قائد المعركة في الميدان. أما في حالة السلم فإن اللواء يعقد لقادة الجيوش ويلوى على الرمح، ويمكن نشره على مقرات قادة الجيوش، وتكون الرايات منتشرة مع الفرق، ويمكن أن تكون لكل فرقة راية خاصة تميزها ترفع مع الراية. يرفع اللواء على دار الخلافة ويجوز أن ترفع مع اللواء الراية؛ لأن دار الخلافة هي رأس مؤسسات الدولة، وباقي مؤسسات الدولة ترفع عليها الراية فقط، ويمكن للمؤسسات الخاصة والناس أن يحملوا الراية ويرفعوها على مؤسساتهم وبيوتهم خاصة في مناسبات الأعياد.

 

إن اتخاذ شعار يُهتف به لتمييز دولة من غيرها من المباحات، فيجوز للدولة أن تتخذ شعارا يهتف به تستعمله في علاقاتها مع الدول بحيث يكون مصاحبا للخليفة، وكذلك يستعمله الناس في مناسباتهم وتجمعاتهم العامة ومدارسهم. أما كيفية الهتاف بصوت عالٍ أم منخفض، بغنة أم بدون غنة فكل ذلك جائز، وقد روعي في هتاف دولة الخلافة ما يلي: أن يُذكر فيه تحقق بشرى الرسول عليه الصلاة والسلام بعودة الخلافة الراشدة وبشراه عليه الصلاة والسلام بأنه عندها ستخرج الأرض كنوزها وتمتلئ عدلاً، وأن يذكر فيه الفتح ونشر الخير في ربوع العالم، وأن يختم بعودة الأمة كما أراد الله لها أن تكون، خير أمة أُخرجت للناس، وأن يتكرر فيه التكبير.

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...