اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

Recommended Posts

تأملات في كتاب "من مقومات النفسية الإسلامية"  - الحلقة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تأملات في كتاب "من مقومات النفسية الإسلامية"

 

الحلقة الأولى

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى إمامِ المتقين, وسيِّدِ المرسلين, المبعوثِ رحمةً للعالمين, سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ أجمعين,واجعلنا مَعَهم, واحشرنا في زُمرتهم برَحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.

 

أيها المسلمون: 

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه, وبعد: سنكون معكم على مدار حلقاتٍ عدة, بقدر ما يفتح الله به علينا, نتأمل وإياكم فيها كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل توضيح المقصود بمصطلح "الشخصية الإسلامية" نقول وبالله التوفيق: 

 

الشخصية في كل إنسان تتألف من عقليته ونفسيته، ولا دخل لشكله ولا جسمه ولا هندامه ولا غير ذلك، فكلها قشور، ومن السطحية أن يظن أحد أنها عامل من عوامل الشخصية أو تؤثر في الشخصية.

 

لقد شاع بين الناس كلما رأوا شخصاً يعتني بمظهره وشكله وجسمه وهندامه, أن يطلقوا عليه عبارة: "إنه ذو شخصية", وكثيراً ما يركز أصحاب الأعمال, والمديرون للشركات على هذه النواحي أثناء مقابلاتهم الشخصية لدى اختيارهم وانتقائهم موظفيهم, فيهتمون بالقشور والأمور السطحية, ويغفلون الجانب الأهم في الشخصية ألا وهو العقلية والنفسية, مما يؤدي بالتالي إلى سوء الاختيار, والإخفاق في الأعمال.

 

والصواب ما قلناه في افتتاحية هذه الحلقة, وهو أن الشخصية في كل إنسان تتألف من عقليته ونفسيته، ولا دخل لشكله ولا جسمه ولا هندامه ولا غير ذلك، فكلها قشور، ومن السطحية أن يظن أحد أنها عامل من عوامل الشخصية أو تؤثر في الشخصية. ويؤكد هذا الرأي الذي ذهبنا إليه شواهد كثيرة منها قول الشاعر:

 

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده           فلم يبق إلاَّ صورةُ اللحمِ  والدَّمِ

 

وتؤكده مقولة: "إنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه" فحينما ولي     الخلافة عمر بن عبد العزيز، وفدت الوفود من كل بلد لبيان حاجاتها وللتهنئة، فوفد عليه الحجازيون، فتقدم غلام هاشمي للكلام، وكان حديث السن، فقال عمر لينطق من هو أسن منك فقال الغلام: أصلح الله أمير المؤمنين، إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا منح الله عبداً لساناً لافظاً، وقلباً حافظاً، فقد استحق الكلام وعرف فضله من سمع خطابه، ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق بمجلسك هذا منك, فقال عمر صدقت، قل ما بدا لك، فقال الغلام: أصلح الله أمير المؤمنين، نحن وفد تهنئة لا وفد مرزئة، وقد أتيناك لمنَّ الله الذي منَّ علينا بك، ولم يقدمنا إليك إلاَّ رغبةٌ ورهبةٌ، أما الرغبة فقد أتيناك من بلادنا، وأما الرهبة فقد أمنا جورك بعدلك, فقال عمر: عظني يا غلام، فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، إن ناساً من الناس غرهم حلم الله عنهم وطول أملهم وكثرة ثناء الناس عليهم فزلت بهم الأقدام فهووا في النار، فلا يغرنك حلم الله عنك وطول أملك وكثرة ثناء الناس عليك، فـتزل قدمك، فتلحق بالقوم، فلا جعلك الله منهم، وألحقك بصالحي هذه الأمة، ثم سكت. فقال عمر: كم عمر الغلام، فقيل له: ابن إحدى عشرة سنة، ثم سأل عنه فإذا هو من ولد سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه، فأثنى عليه خيراً، ودعا له، وتمثَّل قائلاً:

 

تعلم فليس  المرء يولـد عالمـاً           وليس أخو علم كمن هو جاهلُ 

فإن كبير القوم  لا علم عنـده           صغيـر إذ التفت عليه المحافـلُ

 

فما سوى العقلية والنفسية قشور, تؤكد ذلك أيضاً مقولة:     "آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه". فقد كان الإمام أبو حنيفة رحمه الله مجتمعاً مع تلاميذه في المسجد، وكان منهمكاً في شرح مسألةٍ فقهيةٍ، وفي تلك الأثناء دخل إلى المسجد رجلٌ حسنُ المنظرِ, فاخرُ الثيابِ, يبدو في ظاهره أنَّه من أهل اللغة والعلم والأدب. 

 

عندما رأى أبو حنيفة هيئة ذلك الرجل وهندامه ظن أنه من أهلِ العلمِ والفصاحةِ، والأدبِ والبلاغةِ، والحنكةِ والفراسةِ، وعلى الفور احترم أبو حنيفة وجوده, ثم وازن جِلستَه, ورفع عمامته, وكفَّ قدميهِ, وقد كان رحمه الله -كما روي عنه- يعاني من ألم في ركبته, لكنه في تلك الجلسة لم يمد رجليه, فتحمل الألم وأبقى رجله مثنية احتراماً لهذا الرجل. وقطع شرحه عن تلاميذه, ثم استقبل ذلك الرجل كما يُستَقْبلُ العلماء والأدباء والأمراء؛ لأن أهل العلم لهم شرفٌ عالٍ وقدرٌ وافٍ، يتحقق فيهم قول الشاعر: 

 

العلمُ يَبـني بُيوتاً لا عِمَـادَ لهـا       والجهلُ يَهدِمُ بَيتَ العِـزِّ  والكَرَمِ 

 

كلُّ من في المسجد شاهد هيئة ذلك الرجل فعظُمَ أمرُه في نفوسهم نظراً لما فيه من جمال الظاهر والحُسْن الباهر. جلسَ الرجلُ في بداية الأمر, ولم يَنْبِسْ ببنتِ شَفة, فتحقق في حاله المثل القائل: "الرِّجال أسوار ما لم تتكلم". ومعنى هذا المثل أن الإنسان كالسُّور لا يُعْرَف ما وراءه حتى يَنْطِق، فإن نطق انكشف ما كان السور يخفيه، فأسوارٌ تخفي وراءها حدائق غناء مليئة بالزهور البيضاء، وأسوار تخفي مُدُناً جميلة ذات أنهار كثيرة, وأخرى أخفت وراءها من سقط المتاع ما يجلب الكآبة للرَّائي. 

 

بعد برهة من الزمن سأل ذلك الرجلُ أبا حنيفة قائلاً: يا أبا حنيفة إني سائلك فأجبني إن كنت عالما يُـتَّكل عليه في الفتوى! في بداية الأمر شعر أبو حنيفة أنه مسئول من قِبَلِ عالمٍ ربانيٍ لا يشق له غبار فقال له: تفضل. الرجل: متى يفطر الصائم؟ بعد سؤال الرجل لأبي حنيفة شعر بأنه صاحب غرض عميق من هذا السؤال فسؤاله سهل ويسير، من الممكن أن يجيب عليه الغلمان, فظن أبو حنيفة أن الرجل يريد أن يختبر صبره على تفاهة أسئلة البسطاء, فزاد عِظَمُ أمرِ ذلك الرجل في نفس أبي حنيفة. 

 

ردَّ أبو حنيفة قائلاً: إذا غَرَبَتِ الشمسُ أفطر الصائمُ. فقال الرجل بعد إجابة أبي حنيفة, ووجهُهُ ينطق بالجدِّ والحزم والعجلة, وكأنه وجد على أبي حنيفة ما يلومه عليه. الرجل: وإذا لم تغرب شمس ذلك اليوم يا أبا حنيفة؟ وبعد سؤاله الثاني بان وظهر لأبي حنيفة ما يخفيه سور ذلك الرجل، فسوره مُتْقَنُ البناء, مُحَسَّنُ الطِّلاء, مُزركَشُ البُروز, مُثبَّتُ الغُرُوز. ولكنه مع الأسف سُورُ مَقبرةٍ أيُّ مقبرة! ليست مقبرةَ آدميين, بل مقبرةَ الجهلِ. ابتسم أبو حنيفةَ بوجهِ ذلكَ الرجلِ ابتسامةً عريضةً, ثم قالَ مقولَتهُ المشهورَةَ التي كُتِبَتْ في طياتِ مُجلَّداتِ السِّـيَرِ بماءِ الذهبِ فَصارت مثلاً يورِّثه السلفُ للخلفِ وهي: "آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه"وهذا المثل ينطبق على كل من هو عازم على تقديم شيء, فهو عاقد النية على البذل والجهد, ولكنه يفاجأ بمستوى ما هو أمامه أو من هو أمامه. حينها يرى أنه لا مكان لجهده وعمله, وأن الراحة أفضل وأولى, وأن عليه أن يمد رجليه كما مدها أبو حنيفة؛ لذا على كل من يريد العمل أن يتأكد من توافر البيئة السليمة, حتى لا يضطر في لحظة معينة إلى أن يقول كما قال الإمام أبو حنيفة .

 

 وعليه فكل ما سوى العقلية والنفسية بالنسبة للشخصية قشور, تؤكد ذلك أيضاً مقولة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقد قال: "تكلموا تُعْرَفوا, فإن المرء مخبوء تحت لسانه". وتؤكد ذلك أيضاً مقولةُ عُمَرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه, فهو يَرى أنَّ صَاحِبَ الشخصيَّةِ الإسلاميَّةِ حتى يُوصَفَ بهذا الوصف لا بدَّ أن يكونَ ذا نفعٍ وفائدةٍ لنفسه, ولأمةِ الإسلامِ, ولدينِ الإسلام, ولا يُحكَمُ علَيهِ مِن خِلالِ مَظهرِه فقط؛ لِذلكَ قال: "إني لأرى الرجلَ فيُعجبُني, فأقول: أله مهنة؟ فإن قيلَ: "لا" سَقطَ مِن عَيني!   

 

مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, عَلَى أنْ نُكمِلَ تأمُّلاتنا في الحَلْقاتِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعالى, فإلى ذَلكَ الحِينِ وَإلى أنْ نَلقاكُم, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه. 

رابط هذا التعليق
شارك

تأملات في كتاب "من مقومات النفسية الإسلامية" - الحلقة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة الثانية

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى إمامِ المتقين, وسيِّدِ المرسلين, المبعوثِ رحمةً للعالمين, سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ أجمعين, واجعلنا مَعَهم, واحشرنا في زُمرتهم برَحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.

 

أيها المسلمون: 

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب"من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل توضيح المقصود بمصطلح "العقلية الإسلامية" ومصطلح "النفسية الإسلامية", وتوضيح الهدف من هذه الحلقات نقول وبالله التوفيق:  

 

شخصية كل إنسان تتألف من عقليته ونفسيته، والعقلية هي الكيفية التي يجري عليها عقل الأشياء, أي إصدار الحكم عليها وفق القاعدة التي يؤمن بها, ويطمئن إليها. فإذا كان عقله للأشياء بإصدار الأحكام عليها بناء على العقيدة الإسلامية كانت عقليته إسلامية، وإن كان إصداره للأحكام بناءً على العقيدة الرأسمالية كانت عقليته رأسمالية.

 

والنفسية هي الكيفية التي يجري عليها إشباع الإنسان لغرائزه وحاجاته العضوية, أي القيام بعملية الإشباع وفق القاعدة التي يؤمن بها ويطمئن إليها، فإذا كان إشباع غرائزه وحاجاته العضوية يتم بناء على العقيدة الإسلامية كانت نفسيته إسلامية، وإن كان الإشباع يتم بناء على العقيدة الرأسمالية كانت نفسيته رأسمالية.

 

وإذا كانت القاعدة للعقلية والنفسية واحدة، كانت شخصية الإنسان متميزة منضبطة. فإذا كانت العقيدة الإسلامية هي الأساس لعقليته ونفسيته كانت شخصيتُه شخصيةً إسلامية. وإن كانت العقيدة الرأسمالية هي الأساس لعقليته ونفسيته كانت شخصيتُه شخصيةً رأسمالية.

 

وعليه فلا يكفي أن تكون العقلية إسلامية، بل ينبغي أن تكون النفسية إسلامية كذلك. لا يكفي أن تكون العقلية إسلامية يُصدر صاحبها الأحكام على الأشياء والأفعال إصداراً صحيحاً حسب أحكام الشرع، فيستنبط الأحكام, ويعرف الحلال والحرام، ويكون ناضجاً في وعيه وفكره، لا يكفي ذلك إلا أن تكون النفسية نفسية إسلامية, فيشبع صاحبها غرائزه وحاجاته العضوية إشباعاً على أساس الإسلام، يصلي ويصوم ويزكي ويحج، ويأتي الحلال, ويجتنب الحرام، ويكون حيث يحب الله له أن يكون، ويتقرب إليه سبحانه بما افترضه عليه, ويحرص على فعل النوافل فيزداد قرباً من الله سبحانه, ويتخذ تجاه الأحداث مواقف صادقة مخلصة، يأمر بالمعروف, وينهى عن المنكر، يحب في الله, ويبغض في الله، ويخالق الناس بخلق حسن.

 

أيها المسلمون: 

 

وكذلك لا يكفي أن تكون نفسية المرء إسلامية, وعقليته ليست كذلك، فعبادة الله على جهل قد ينحرف بها صاحبها عن الخط المستقيم، فقد يصوم في يوم حرام، ويصلي حيث تكره الصلاة، ويحوقل أمام مرتكب منكر يراه، بدل أن ينكر عليه وينهاه. أي أنه قد يسيء وهو يظن أنه يحسن، فيكون إشباعه لغرائزه وحاجاته العضوية على غير ما أمر به الله ورسوله. وهذا ينطبق عليه قول الله جل في علاه: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.

 

إن الأمر لا يستقيم إلا إذا كانت عقلية المرء إسلامية، عالماً بما يلزمه من أحكام، وفي الوقت نفسه تكون نفسيته إسلامية فيكون قائماً بأحكام الشرع، لا أن يعلمها فقط، بل يطبقها في كل أمره، مع خالقه، ومع نفسه، ومع غيره، على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه.

 

فإذا انضبطت عقليته ونفسيته بالإسلام كان شخصية إسلامية تشق طريقها إلى الخير وسط الزحام، لا تخشى في الله لومة لائم.

 

وهذا لا يعني عدم وجود ثغرات في السلوك، وذلك لأن الإنسان ليس ملاكاً بل هو يخطئ فيستغفر ويتوب، ويصيب فيحمد الله على مَنِّهِ وهداه. وكلما استزاد المسلم من الثقافة الإسلامية نمت عقليته، وكلما استزاد من الطاعات قويت نفسيته, وسار نحو المرتقى السامي, وثبت على هذا المرتقى, بل اعتلى من عليّ إلى أعلى. 

 

وفي هذه الحالة يستولي على الحياة بحقها، وينال الآخرة بسعيه لها وهو مؤمن، ويكون حليف محراب وفي الوقت نفسه بطل جهاد، أسمى صفة من صفاته أنه عبد الله تعالى، خالقِه وبارئه.

 

أيها المسلمون: 

 

ونحن هنا في هذه الحلقات نقدم للمسلمين بعامة، ولحملة الدعوة بخاصة، مقوماتٍ للنفسية الإسلامية ليكون لسان حامل الدعوة، وهو يعمل لإقامة الخلافة، رطباً بذكر الله، وقلبه عامراً بتقوى الله، وجوارحه تسارع للخيرات، يتلو القرآن ويعمل به، ويحب الله ورسوله، ويحب في الله ويبغض في الله، يرجو رحمة الله ويخشى عذابه، صابراً محتسباً مخلصاً لله متوكلاً عليه، ثابتاً على الحق كالطود الأشم، ليناً هيِّناً رحيماً بالمؤمنين، صلباً عزيزاً على الكافرين، لا تأخذه في الله لومة لائم، حسن الخلق، حلو الحديث، قوي الحجة، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، يسير في الدنيا ويعمل فيها وعيناه ترنوان إلى هناك، إلى جنة عرضها السموات والأرض، أعدت للمتقين.

 

ولا يفـوتنا أن نذكِّـر حملة الدعوة، العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية في الأرض بإقامة دولة الخلافة الراشدة، نذكِّرهم بالواقع الذي يعملون فيه، فإن أمواجاً متلاطمة من أعداء الله ورسوله تحيط بهم،  وهم إن لم يكونوا مع الله آناء الليل وأطراف النهار، فكيف سيشقّون طريقهم وسط الزحام؟ كيف يصلون إلى ما يرجون؟ كيف يرتقون من شاهق إلى شاهق؟ كيف؟ وكيف؟ هذا ما سنعرفه في الحلقات القادمة فكونوا معنا.

مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, عَلَى أنْ نُكمِلَ تأمُّلاتنا في الحَلْقاتِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعالى, فإلى ذَلكَ الحِينِ وَإلى أنْ نَلقاكُم, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه. 

رابط هذا التعليق
شارك

من مقومات النفسية الإسلامية - الحلقة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم

من مقومات النفسية الإسلامية

الحلقة الثالثة

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى إمامِ المتقين, وسيِّدِ المرسلين, المبعوثِ رحمةً للعالمين, سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ أجمعين, واجعلنا مَعَهم, واحشرنا في زُمرتهم برَحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.

 

أيها المسلمون: 

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب"من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل إعطاء نماذج حية للشخصية الإسلامية, مع التركيز على العقلية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: قلنا في الحلقة السابقة: "إن العقلية هي الكيفية التي يجري عليها عقل الأشياء, أي إصدار الحكم عليها وفق القاعدة التي يؤمن بها, ويطمئن إليها". هكذا ينبغي أن يكون المسلم وقافاً عند حدود الله, يقيس الأمور بمقياس الله, ويزنها بميزان الله وهو الحلال والحرام, يأتمر بما أمر به الله ورسوله, وينتهي عما نهى عنه الله ورسوله, يفعل ذلك حتى لو تعارض مع أهوائه ومصالحه ابتغاء رضوان الله, ولسان حاله يقول ما قال الشاعر: 

 

فليتكَ تحلُـو والحياةُ مَريـرَةٌ                وليتكَ تَرضَى والأنامُ  غِضابُ

وليتَ الذي بَيني وَبينَكَ  عَامِرٌ               وبيني وبَيـنَ العالمينَ خَـرَابُ

إذا صحَّ مِنكَ الوُدُّ فالكُلُّ هَيِّنٌ                وكُلُّ الذي فَوقَ التُرابِ تُرابُ

 

أيها المسلمون: 

 

المؤمنُ صاحب العقلية الإسلامية «هَـيِّنٌ لَـيِّنٌ كَـيِّسٌ فَطِنٌ». كما أخبر حبيبنا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه, فالمؤمن يتصف بالفطنة والذكاء, وهو سريع البديهة, بمعنى أنه في المواقف الصعبة والحرجة يتصرف تصرف الحكيم, فيجيب الإجابة المسكتة لخصمه, والتي تنجيه وترفع عنه الضيق والحرج, وتخرجه من المأزق الذي أوقعه فيه خصمه, ونضرب لذلك مثالاً حياً من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم: جاء في سيرة ابن هشام قال ابن إسحق:"ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر رضي الله عنه، حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم, فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أخبرتنا أخبرناك» قال: أذاك بذاك؟ قال: «نعم» قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمداً وأصحابَه خرجوا يوم كذا وكذا, فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبلغني أن قريشاً خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان الذي أخبرني صدقني, فهم اليوم بمكان كذا وكذا, للمكان الذي فيه قريش فلما فرغ من خبره قال: ممن أنتما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن من ماء». ثم انصرف عنه قال: يقول الشيخ: ما من ماء؟ أمن ماء العراق؟ 

 

أيها المسلمون: 

 

هكذا ينبغي أن تكون عقلية المؤمن عقلية إسلامية. يعقل الأشياء, أي يصدر الحكم عليها وفق القاعدة التي يؤمن بها, ويطمئن إليها. ويتصف بالفطنة والذكاء, وهو سريع البديهة, يتصرف تصرف الحكيم, فيجيب الإجابة المسكتة لخصمه, وليس النبي صلى الله عليه وسلم وحده صاحب هذه العقلية الإسلامية, بل إنَّ الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وعلى رأسهم الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه لهم مثل هذه العقلية, كيف لا وقد تربوا بمدرسة النبوة؟

 

فالصديق رضي الله عنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته من مكة إلى المدينة. وهو يعلم أن معنى هذه الصحبة، أنه سيكون وحده برفقة رسول رب العالمين بضعة عشرة يوماً على الأقل, وهو الذي سيقدم حياته لسيده وقائده وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، فأي فوز في هذا الوجود يفوق هذا الفوز؟ أن يتفرد الصديق وحده من دون أهل الأرض، ومن دون الصحب جميعاً برفقة سيد الخلق وصحبته كل هذه المدة؟ وتظهر معاني الحب في الله في خوف أبي بكر وهو في الغار من أن يراهما المشركون، ليكون الصديق مثالاً لما ينبغي أن يكون عليه جندي الدعوة الصادق، مع قائده الأمين، حين يحدق به الخطر من خوف وإشفاق على حياته، فما كان أبو بكر ساعتئذ بالذي يخشى على نفسه الموت، ولو كان كذلك لما رافق رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الهجرة الخطيرة، وهو يعلم أن أقلَّ جزائه القتلُ إن أمسكه المشركون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان يخشى على حياةِ الرَّسولِ الكريم صلى الله عليه وسلم، وعلى مُستقبل الإسلام إن وقع الرسول صلى الله عليه وسلم في قبضة المشركين، ويَظهرُ الحسُّ الأمنيُّ الرفيعُ للصديق في هجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم في مَواقِفَ كَثيرةٍ منها، حِينَ أجابَ السائلَ: مَن هَذا الرجلُ الذي بَينَ يَديك؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: هذا هادٍ يهديني السبيل، فظن السائل بأن الصِّديقَ يقصدُ الطريق، وإنما كان يقصد سبيل الخير، وهذا يدل على حُسنِ استخدامِ أبي بكرٍ للمعاريض، فراراً من الحرج أو الكذب, ويدلُّ دلالةً واضحةً على العقلية الإسلامية التي يتمتعُ بها.

 

أيها المسلمون: 

 

هل عقمت النساء عن إنجاب أمثال هؤلاء الرجال أصحاب العقول الإسلامية الراجحة؟ للإجابة نقول: إن الأمهات اللواتي أنجبن هؤلاء الرجال أصحاب العقول الإسلامية المستنيرة, لا زلن قادرات على إنجاب أمثال هؤلاء القادة العظماء الذين لا أبالغ إن قلت: إنهم أمثال الصحابة رضي الله عنهم! ونضرب لذلك مثالاً حياً من عصرنا الحاضر الذي نعيش فيه, وقد كنت شاهد عيان, أرويه بأمانة كما عشته واقعاً محسوساً: فحين شرفني الله بحمل الدعوة مع شباب حزب التحرير, وتم اعتقالي عام ثلاثة وثمانين, من قبل أجهزة المخابرات في ولاية الأردن, وقد كنت حديث العهد بالدعوة, فتعرفت على كثير من شباب الحزب, وتعلمت منهم ومن مواقفهم الجريئة والشجاعة الشيء الكثير. ومن أبرز هؤلاء الشباب الذين تعلمت منهم, واستفدت منهم فائدة عظيمة أميرنا الحالي, أمير حزب التحرير عطاء بن خليل أبي الرشتة حفظه الله ورعاه. فهو بحقٍّ رجُلٌ وأيُّ رجُل! نسيجٌ وَحدَه, ذو شخصيةٍ إسلاميةٍ راقيةٍ, وذو عقليةٍ إسلاميةٍ مُستنيرة, وذو نفسيةٍ إسلاميةٍ من أرقى النفسيات. وهذهِ شهادةُ حَقٍّ أسألُ عَنها يومَ القيامةِ, أؤدِّيها خالصة لوجه اللهِ ربِّ العالمين, وهي شهادةٌ أسوقُها وأقدمُها لأمةِ الإسلام, لعلَّها تهتدي إلى أرشد أمرها, وهي تتلمَّسُ طريقَها نحو العزة, وتبحثُ عن قائدٍ يقودُها إلى برِّ الأمان! ويحكمُها بشرع ربها الرحمن! ويُطبقُ فيها هَديَ القُرآن, ويَعملُ فيها بِسُنةِ النَّبي العدنان صلى الله عليه وسلم. 

 

أيها المسلمون: 

 

سأذكر لكم موقفاً واحداً من المواقف الكثيرة التي تبرز العقلية الإسلامية الراقية التي يتمتع بها أميرُنا أميرُ حزب التحرير, لقد ألقى وهو في عمان محاضرة عن ظهر قلب, وكان وهو يلقيها كأنه يقرأ عن كتاب. وكانت هذه المحاضرة بعنوان: "الأزمات الاقتصادية: واقعها ومعالجاتها من وجهة نظر الإسلام" وبعد أن أنهاها, فسح المجال لطرح الأسئلة من قبل الحضور. غير أن أجهزة المخابرات كانت قد دسَّت أحد المتعاونين معهم ليعكر صفو المحاضرة, فبادر وطرح السؤال الآتي: لقد تأسس حزب التحرير في مطلع الخمسينات, فما الذي فعله حتى الآن؟ فماذا أجابه أبو ياسين يا ترى؟  افتحوا قلوبكم وعقولكم أيها المؤمنون وأصيخوا السمع, لتسمعوا هذه الإجابة التي تُظهر سرعة البديهة لديه, قال أبو ياسين حفظه الله ورعاه: "لقد أديت ما كلفت به وشكراً". فما إن سمع الحاضرون تلك الإجابة حتى ضج من في القاعة كلهم أجمعون بالتصفيق إعجاباً بها.

 

 مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, عَلَى أنْ نُكمِلَ تأمُّلاتنا في الحَلْقاتِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعالى, فإلى ذَلكَ الحِينِ وَإلى أنْ نَلقاكُم, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه. 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

من مقومات النفسية الإسلامية

الحلقة الرابعة

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى إمامِ المتقين, وسيِّدِ المرسلين, المبعوثِ رحمةً للعالمين, سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ أجمعين, واجعلنا مَعَهم, واحشرنا في زُمرتهم برَحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.

 

أيها المسلمون: 

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل إعطاء نماذج حية للشخصية الإسلامية, مع التركيز على النفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق:

 

نحن في هذه الحلقات نقدم للمسلمين بعامة، ولحملة الدعوة بخاصة، مقوماتٍ للنفسية الإسلامية, لنكون جميعاً كما أرادنا الله تعالى, وكما يحب ربنا ويرضى, كي نستحق نصره وتأييده لنا, فيرضى عنا ويغير حالنا كما وعدنا, فيستخلفنا في الأرض كما استخلف الذين من قبلنا, ويمكِّن لنا ديننا, دين الإسلام الذي ارتضاه لنا, وليبدِّلنا من بعد خوفنا أمناً, نعبده لا نشرك به شيئاً. 

 

أيها المسلمون: 

 

قلنا في الحلقة السابقة: "فإذا انضبطت عقلية المرء ونفسيته بالإسلام, كان شخصية إسلامية تشق طريقها إلى الخير وسط الزحام، لا تخشى في الله لومة لائم". ونضرب لذلك مثالاً حياً من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم: 

 

لما نزل قول الله تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}. (المائدة ٦٧). 

 

مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبلغ ما أنزل إليه من ربه, دون أن يخشى في الله لومة لائم, غير آبهٍ ولا مكترث بما يصيبه من أذى في سبيل الله, بالغةً ما بلغت درجة الأذى, حتى لو كان فيها موته وهلاكه صلى الله عليه وسلم. 

 

اسمعوا له وهو يخاطب عمه أبا طالب حين جاءه وفد من زعماء قريش: فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا طَالِبٍ إنّ لَك سِنّا وَشَرَفاً وَمَنْزِلَةً فِينَا، وَإِنّا قَدْ اسْتَنْهَيْنَاكَ مِنْ ابْنِ أَخِيك فَلَمْ تَنْهَهُ عَنّا، وَإِنّا وَاَللّهِ لَا نَصْبِرُ عَلَى هَذَا مِنْ شَتْمِ آبَائِنَا، وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِنَا، وَعَيْبِ آلِهَتِنَا، حَتّى تَكُفّهُ عَنّا، أَوْ نُنَازِلَهُ وَإِيّاكَ فِي ذَلِكَ حَتّى يَهْلَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ.

 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: إنّ قُرَيْشاً حِينَ قَالُوا لِأَبِي طَالِبٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ أَخِي، إنّ قَوْمَك قَدْ جَاءُونِي، فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، لِلّذِي كَانُوا قَالُوا لَهُ فَأَبْقِ عَلَيّ وَعَلَى نَفْسِك، وَلَا تُحَمّلْنِي مِنْ الْأَمْرِ مَا لَا أُطِيقُ فَظَنّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَدْ بَدَا لِعَمّهِ فِيهِ أَنّهُ خَاذِلُهُ وَمُسْلِمُهُ وَأَنّهُ قَدْ ضَعُفَ عَنْ نُصْرَتِهِ وَالْقِيَامِ مَعَهُ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَمّ وَاَللّهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْته».

 

أيها المسلمون: 

 

هكذا ينبغي أن تكون نفسية المؤمن. أن يكون مستعداً ليفدي الإسلام بنفسه. هذا الموقف من مواقف التضحية بالنفس من أجل نصرة الإسلام ليس هو الموقف الوحيد, وقفه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفى, فمواقف التضحية في تاريخ الإسلام أكثر من أن تحصى؛ لأن الصحابة وعلى رأسهم الخليفة الأول أبو بكر الصديق تأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف, وقد رأينا موقفه الصارم والحازم والشجاع, الذي اتخذه في حرب المرتدين, وحين اعترض عليه عمر بن الخطاب, قال عبارته المشهورة والمستفيضة: "أينقص الدين وأنا حي؟" لقد أبدى أبو بكر الصديق رضي الله عنه استعداده للموت في سبيل إقامة وإعادة تطبيق حكم واحد من أحكام الإسلام ألا وهو الزكاة, وليس هذا ضرباً من ضروب الخيال, بل هو واقع امتلأت به كتب التاريخ! 

 

وإن الأمهات اللواتي أنجبن هؤلاء المضحين, لا زلن قادرات على إنجاب أمثال هؤلاء القادة العظماء الذين لا أبالغ إن قلت: إنهم أمثال الصحابة y! ونضرب لذلك مثالاً حياً من عصرنا الحاضر الذي نعيش فيه, وقد كنت شاهد عيان, أرويه بأمانة كما عشته واقعاً محسوساً:

 

حين كنا في أحد سجون الظالمين في ولاية الأردن, بلغ عددنا عام أربعة وثمانين وتسعمائة وألف ميلادية, اثنان وأربعون شاباً من شباب حزب التحرير, وقد رأيت وسمعت من تضحياتهم ومواقفهم الجريئة الشيء الكثير, وكان الشباب يأتون إلينا لزيارتنا في السجن للتخفيف عنا.

 

وكان معنا في السجن أميرنا الحالي عطاء بن خليل أبو الرشتة, حفظه الله ورعاه, وجعل النصر على يديه, وجعلنا ممن يبايعونه على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ليطبق فينا شرع الله, وليحكمنا بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, في دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة. آمين.

 

وفي أحد الأيام, حضر عدد من الشباب لزيارتنا في صباح ذلك اليوم, وأحضروا معهم قائمة بأسماء الشباب الثلاثة عشر الذين أعدمهم طاغية ليبيا, وما هي إلا برهة حتى وصلت القائمة إلى يد أميرنا أبي ياسين, حفظه الله ورعاه, وجعل الفردوس الأعلى مأوانا ومأواه. آمين.

 

وما إن وصلت القائمة إلى يدي أبي ياسين وأتم قراءتها, حتى اغرورقت عيناه بالدموع, وما زالت عيناه تدمعان حتى انقضى النهار, ولما رأى الشباب تأثر أبي ياسين البالغ, واستمرار عينيه تذرفان الدموع, صاروا يتوافدون عليه زرافات ووحدانا, يواسونه ويخففون من آلامه, قائلين له: "يا أبا ياسين, اصبر واحتسب, هؤلاء الشباب الذين أعدموا نحسبهم شهداء, وهم عند الله أحياء يرزقون, لذلك ينبغي لنا أن نفرح بدل أن نبكي! 

 

غير أن أبا ياسين لم يستجب لهم, ولم يكف عن البكاء طيلة ذلك اليوم, ولما أن أغلق علينا العسكر باب المهجع في السجن, أحاط الشباب بأبي ياسين يواسونه, وقد كان طيلة نهاره منذ أن تسلم القائمة التي فيها أسماء الشباب الذين أعدموا, لم ينطق بكلمة واحدة, وفجأة فتح أبو ياسين فمه ليقول كلمته التي هزت كيان جميع الحاضرين, تلك الكلمة التي تدل على النفسية الإسلامية الراقية التي تتمتع بها شخصية أبي ياسين الفذة! فماذا قال يا ترى؟ 

 

أيها المسلمون: 

 

افتحوا قلوبكم وعقولكم وأصيخوا السمع, لتسمعوا هذه الكلمات التي تكتب بأحرف من نور, لتضيء الطريق أمام السالكين لدرب الدعوة إلى الله! اسمعي أيتها الأمة الكريمة, وليسمع العالم كله, فالرائد لا يكذب أهله! قالوا له: لماذا لم تكُفَّ يا أبا ياسين عن البكاء طيلة هذا اليوم؟ فقال حفظه الله: هل تحسبون أنني أبكي حزناً عليهم؟ فقالوا له: فعلام نحيبك إذن؟ قال: أنا لم أبك ولن أبكيَ حزنا عليهم, وإنما بكيت وأبكي لأنني حرمت الشهادة معهم!! 

 

وقد علمت بعد خروجي من السجن, من أحد رفقاء أبي ياسين من حملة الدعوة الذين كانوا معه, أن أبا ياسين حفظه الله ورعاه كان معتقلاً في ليبيا مع الشباب الذين استشهدوا ويعرفهم واحداً واحداً!  

 

لله درك يا أبا ياسين, ما أشد تقواك! وما أرقى نفسيتك, وما أكثر إخلاصك! وهذه شهادة حق أؤديها على وجهها, واللهُ على ما أقول شهيد, شهادة أسوقها وأقدمها لأمة الإسلام, وهي تتلمس طريقها نحو العزة, وتبحث عن قائد يقودها إلى بر الأمان, ويحكمها بشرع ربها الرحمن! يطبق فيها القرآن, وسنة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم لعلها تهتدي إلى أرشد أمرها. فلتسارعوا أيها الإخوة إلى رضوان الله، إلى مغفرته، إلى جنته، إلى نصره، إلى الفوز في الدارين. {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}. 

 

مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, عَلَى أنْ نُكمِلَ تأمُّلاتنا في الحَلْقاتِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعالى, فإلى ذَلكَ الحِينِ وَإلى أنْ نَلقاكُم, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه. 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة الخامسة

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى إمامِ المتقين, وسيِّدِ المرسلين, المبعوثِ رحمةً للعالمين, سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ أجمعين, واجعلنا مَعَهم, واحشرنا في زُمرتهم برَحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.

 

أيها لمسلمون: 

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق:

 

رَوَى مُسلمٌ في صَحيحِه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَبَقَيْتُ لأرَى كَيْفَ يُصَلِّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَقَامَ فَبَالَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الْقِرْبَةِ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا – أي فتح فوهتها- ثُمَّ صَبَّ فِى الْجَفْنَةِ أَوِ الْقَصْعَةِ فَأَكَبَّهُ بِيَدِهِ عَلَيْهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءاً حَسَناً بَيْنَ الْوُضُوءَيْنِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّى فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ, قَالَ: فَأَخَذَنِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَتَكَامَلَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ نَامَ حَتَّى نَفَخَ وَكُنَّا نَعْرِفُهُ إِذَا نَامَ بِنَفْخِهِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى فَجَعَلَ يَقُولُ فِي صَلاَتِهِ أَوْ فِي سُجُودِهِ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُوراً, وَفِي سَمْعِي نُوراً, وَفِى بَصَرِي نُوراً, وَعَنْ يَمِينِي نُوراً, وَعَنْ شِمَالِي نُوراً, وَأَمَامِي نُوراً, وَخَلْفِي نُوراً, وَفَوْقِي نُوراً, وَتَحْتِي نُوراً, وَاجْعَلْ لِي نُوراً, أَوْ قَالَ: وَاجْعَلْنِي نُوراً».

 

أيها المسلمون: 

 

لنتدبرْ معاً حديثينِ مُضيئينِ يُنيرانِ لنَا الطريقَ لِنصلَ إلى أهدافِنا ونُورُنا يَسعى بَينَ أيدينا وبأيماننا: 

 

أما الحديث الأول: رَوَى الطبرانيُّ في المعجَمِ الكَبيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: « إِنَّ اللَّهَ سُبحَانَهُ قَالَ: مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيّاً فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْعَدَاوَةِ، ابْنَ آدَمَ لَنْ تُدْرِكَ مَا عِنْدِي إِلا بِأَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْكَ، وَلا يَزَالُ عَبْدِي يَتَحَبَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَأَكُونَ قَلْبَهُ الَّذِي يَعْقِلُ بِهِ، وَلِسَانَهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، فَإِذَا دَعَانِي أَجَبْتُهُ، وَإِذَا سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَرَنِي نَصَرْتُهُ وَأَحَبُّ عِبَادَةِ عَبْدِي إِلَيَّ النَّصِيحَةُ".

 

وفي هذا الحديث بيانُ السبيلِ لِنصرِ اللهِ وعَونِه، ومَدِدٍ مِن عندِه، بالتقرُّبِ إليه, والاستعانة به سبحانه، فهو القويُّ العزيزُ، مَن يَنصُرْهُ لَن يُخذَل، وَمَن يَخذلْهُ لن يُنصَر، قال الله تعالى: {إِن يَنصُرْ‌كُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُ‌كُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}. (آل عمران160)

 

وهو سُبحانَهُ قريبٌ من عَبدِه إذا دَعاه، مُجيبٌ له إذا استجابَ لَه، قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِ‌يبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْ‌شُدُونَ}. (البقرة 186) وهو سُبحانَهُ القاهرُ فوقَ عِبادِه, وهو اللطيف بهم, وهو الحكيمُ الخبيرُ, والقويُّ العزيز. قَالَ تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ‌ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ‌}. (الأنعام 18). وقال جلَّ من قائل: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْ‌زُقُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}. (الشورى 19) فلتسارعوا أيها الإخوة الأعزاء إلى رضوان الله، إلى مغفرته، إلى جنته، إلى نصره، إلى الفوز في الدارين. قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}. (المطففين 26)

 

أيها المسلمون: 

 

وأما الحديث الثاني: رَوَى الإمامُ أحمدُ في مُسندِهِ عَن حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ ثُمَّ سَكَتَ.

 

ففي هذا الحديث بشرى بأن الخلافة عائدة بإذن الله, ولكنها عائدة مثلَ الخلافةِ الأولى، خلافةِ الراشدين، أصحابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فمن كانَ حريصاً على عودتها، مُشتاقاً لرؤيتها، فليسعَ لها سَعيها وهو مؤمن ليكونَ مِثلَ أصحابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أو نحوَهم.

 

مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, عَلَى أنْ نُكمِلَ تأمُّلاتنا في الحَلْقاتِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعالى, فإلى ذَلكَ الحِينِ وَإلى أنْ نَلقاكُم, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه. 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة السادسة

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى إمامِ المتقين, وسيِّدِ المرسلين, المبعوثِ رحمةً للعالمين, سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ أجمعين, واجعلنا مَعَهم, واحشرنا في زُمرتهم برَحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق:

 

أيها المسلمون: 

 

رَوَى الدَّارميُّ في مُسنده قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: «رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي تُحِبُّونَ أَنْ تَقُولُوا فَيُحْتَمَلَ لَكُمْ, وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ مِثْلُ الَّذِي قُلْتُمْ غَضِبْتُمْ». 

 

وَوَرَدَ في "أمثالِ الحدِيثِ" لأبي الشيخ الأصبهاني: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ مَرْآةُ الْمُؤْمِنِ».  

 

وَفي "أمثال الحديث" لأبي الشيخ الأصبهاني: عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَحَدَكُمْ مَرْآةُ أَخِيهِ، فَإِذَا رَأَى بِهِ شَيْئاً فَلْيُمِطْهُ عَنهُ».

 

أيها المسلمون: 

 

انطلاقاً من هذه الأحاديث, وامتثالاً للهديِّ النَّبويِّ جَمَعتُ طائفةً من الأحاديث النبوية الشريفة لأذكِّرَ بها نَفسي وأذكِّرَكُم, عَسى أن نهتدِيَ بها في حَياتِنا, وَنفُوزَ برضَا ربِّنا جَلَّ في عُلاه. 

 

روى البيهقي في سننه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلاَ تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ اللَّهِ، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لاَ أَرْضاً قَطَعَ، وَلاَ ظَهْراً أَبْقَى». 

 

جاء في المعجم الوسيط: "الْمُنْبَتَّ" المنقطع, وانْبَتَّ الرجلُ في السَّير جَهَدَ دَابتَهُ حتَّى أعيتْ وهلكت, فهو في هذه الحالة لم يقطع المسافة التي يريد قطعها, ولم يبق على دابته ليمتطيها وقت الحاجة, ورد في الحديث: «فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لاَ أَرْضاً قَطَعَ، وَلاَ ظَهْراً أَبْقَى». يقال لمن يبالغُ في طَلَبِ الشَّيءِ ويُفرطُ حتَّى رُبما يُفَوتهُ علَى نَفسه.

 

روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ».

 

وروى البخاري في صحيحه أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ». 

 

جاء في المعجم الوسيط: "الدلجة": السير من أول الليل, وسير الليل كله, وفي الحديث: «عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل».

 

وروى الطبراني في المعجم الكبير عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي ثَلاثٌ: زَلَّةُ عَالِمٍ، وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ، وَدُنْيَا تُفْتَحُ عَلَيْكُمْ».

 

كما رَوَى الطَّبرانيُّ في المعجَمِ الكَبيرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ، وَثَلاثٌ مُنَجِّيَاتٍ، وَثَلاثٌ كَفَّارَاتٌ، وَثَلاثٌ دَرَجَاتٌ. فَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ: فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بنفْسِهِ. وَأَمَّا الْمُنَجِّيَاتُ: فَالْعَدْلُ فِي الْغَضَبِ، وَالرِّضَى، وَالْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ. وَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ: فَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي السَّبَرَاتِ، وَنَقْلُ الأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ. وَأَمَّا الدَّرَجَاتُ: فَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلامِ، وَصَلاةٌ بِاللَّيْلِ، وَالنَّاسُ نِيَامٌ». والسَبْرَةُ: الغَداةُ البارِدَةُ، قال أبو عُبيد: السَّبْرة: شِدّة البَرْد. وفي الحديث: «إسباغ الوضُوء في السَبَرات». 

 

وروى البخاري عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: «جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَداً وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ، وَلاَ أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَداً فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». ورَوَى الطَّبرانيُّ في المعجَمِ الكَبيرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ، وَمَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، وَمَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ، فَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ». 

 

ورد في نهج البلاغة المنسوب للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: "مَن كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ خَطَؤه، وَمَن كَثُرَ خَطَؤهُ قلَّ حَياؤه، وَمَن قَلَّ حَياؤه قَلَّ وَرَعُه، وَمَن قَلَّ وَرَعُه مَاتَ قَلبُه، وَمَن مَاتَ قَلبُه دَخَلَ النَّار". 

 

أيها المسلمون: 

 

ترشدنا الأحاديث النبوية السابقة إلى الآداب الآتية التي ينبغي أن يتحلى بها المؤمن لتكون عقليتُه عقليةً إسلاميةً, ونفسيتُه نفسيةً إسلاميةً, وبالتالي تكونُ شخصيتُه شخصيةً إسلاميةً:  

 

1.    المؤمنُ يتقبلُ الانتقادَ من أخيهِ, ويَعُدُّ ذلكَ هديةً يُسديها إليه. «رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي». و «الْمُؤْمِنُ مَرْآةُ الْمُؤْمِنِ».  

 

2.    الدخول في الدين, والأخذ منه برفق. «فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ».

 

3.    تجنب كثرة السؤال, والابتعاد عن مواطن الاختلاف المؤدية إلى الفرقة. «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ».

 

4.    تجنب التشدد والمغالاة في الدين. «وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ».

 

5.    عدم تكليف النفس فوق طاقتها واستطاعتها. «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ».

 

6.    عدم المبالغة في طَلَبِ الشَّيءِ أو التفريط فيه أو المطالبة به قبل أوانه؛ حتى لا يعاقب بحرمانه. «فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لاَ أَرْضاً قَطَعَ، وَلاَ ظَهْراً أَبْقَى». 

 

7.    تجنب الأخطاء, وترك الجدال. «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي زَلَّةُ عَالِمٍ، وَجِدَالُ مُنَافِقٍ».

 

8.    تجنب المهلكات وهي: البخل, وهوى النفس, والإعجاب بالنفس. «فَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ: فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بنفْسِهِ».

 

9.    التمسك بسنة النبي وبالأحكام الشرعية كما وردت عنه من غير إفراط ولا تفريط. «فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». 

 

10.    عدم الإكثار من الكلام فيما لا فائدة فيه. «مَنْ كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ».

 

11.    عدم القياس الشمولي, وعدم التسرع في إصدار الأحكام على الناس. فلا نحكم على الإنسان حكماً عاماً من خلال تصرف واحد. 

 

مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, عَلَى أنْ نُكمِلَ تأمُّلاتنا في الحَلْقاتِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعالى, فإلى ذَلكَ الحِينِ وَإلى أنْ نَلقاكُم, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه. 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة السابعة

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى إمامِ المتقين, وسيِّدِ المرسلين, المبعوثِ رحمةً للعالمين, سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ أجمعين, واجعلنا مَعَهم, واحشرنا في زُمرتهم برَحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه, وبعد: 

 

في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق:

 

قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}.  (آل عمران 133).

 

          وقال: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}. (النور 51-52).

 

          وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}.  (الأحزاب 36).

 

          وقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. (النساء 65).

 

          وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }. (التحريم 6).

 

       وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا» رواه مسلم عن أبي هريرة.

 

أيها المسلمون: 

 

       إن الذين يسارعون إلى المغفرة والجنة ويبادرون إلى الأعمال الصالحات وُجدوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي العصور التي تلت، وما زالت الأمة تنجب هؤلاء المسارعين الذين يستجيبون لربهم ويشرون أنفسهم ابتغاء رضوانه، ومن ذلك: 

 

في حديث جابر المتفق عليه قال: «قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد: أرأيت إن قتلت فأين أنا؟ قال: في الجنة فألقى تمرات في يده ثم قاتل حتى قتل». وحديث أنس عند مسلم وفيه: «فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: نعم، قال بخ بخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على قول بخ بخ؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها، قال فإنك من أهلها، فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل».

 

وفي حديث أنس المتفق عليه قال: «غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين، ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد، وانكشف المسلمون، قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني الصحابة، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعدَ بنَ مُعاذ الجنةُ وربِّ النضر, إني أجدُ ريحَها مِن دُون أحُد، قال سعد فما استطعتُ يا رسول الله ما صنع؟ قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل، وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه» قال أنس كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}. (الأحزاب 23) إلى آخر الآية. 

 

أيها المسلمون: 

 

روى البخاريُّ عن أبي سروعة قال: «صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر فسلم، ثم قام مسرعاً، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم، فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته فقال: ذكرت شيئاً من تبر عندنا، فكرهت أن يحبسني، فأمرت بقسمته» وفي رواية له: «كنت خلفت في البيت تبراً من الصدقة، فكرهت أن أبيته». وهذا يرشد المسلمين إلى المبادرة والإسراع في تنفيذ ما أوجب الله عليهم. وروى البخاري عَن البَرَاءِ قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ وَصَلَّى مَعَهُ رَجُلٌ الْعَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الأَنصارِ فَقَالَ هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ قَدْ وُجِّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلاةِ الْعَصْرِ».

 

وروى البخاري عن ابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: «أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ فَانْتَحَرْنَاهَا فَلَمَّا غَلَتِ الْقُدُورُ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكْفِئُوا الْقُدُورَ فَلا تَطْعَمُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَقُلْنَا إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأنَّها لَمْ تُخَمَّسْ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ وَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ».

 

وروى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كُنْتُ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ الأنْصَارِيَّ وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ شَرَاباً مِنْ فَضِيخٍ وَهُوَ تَمْرٌ، فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أَنَسُ، قُمْ إِلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا، قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى انْكَسَرَتْ».

 

وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها  قالت: «وَبَلَغْنَا أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَرُدُّوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ مَا أَنْفَقُوا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ وَحَكَمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ لا يُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ أَنَّ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ». وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: «يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل، لمّا أنزل الله {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}. شَقَقْن مروطهنّ فاختمرن بها».

 

أيها المسلمون: 

 

إذا أردنا أن يكرمنا الله تعالى بنصره, ويغير أحوالنا إلى ما نحبُّ ونرضى, وأن يعزَّنا بالإسلام, ويعزَّ الإسلام بنا, كما أكرم نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم, وصحابته الكرام رضي الله عنهم, ونصرهم على أعدائهم الكفار, فما علينا إلَّا أن نقتدي بنبينا, ونحذو حذو الصحابة في سرعة استجابتهم لأمر الله جلَّ في علاه. 

 

مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, عَلَى أنْ نُكمِلَ تأمُّلاتنا في الحَلْقاتِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعالى, فإلى ذَلكَ الحِينِ وَإلى أنْ نَلقاكُم, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.  

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة الثامنة

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى إمامِ المتقين, وسيِّدِ المرسلين, المبعوثِ رحمةً للعالمين, سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ أجمعين, واجعلنا مَعَهم, واحشرنا في زُمرتهم برَحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.

 

أيها المسلمون: 

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب"من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: أخرج أبو داود عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها «أنها ذكرت نساء الأنصار فأثنت عليهن وقالت لهن معروفاً، وقالت: لمّا نزلت سورة النور عَمِدْنَ إلى حجورٍ فشققنهن فاتخذنه خُمُراً». قال ابن إسحق: ... وقَدِمَ على رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الأشعثُ بنُ قَيس في وَفدِ كِنْدة. فحدَّثني الزُّهريُّ أنَّه قَدِمَ في ثمانينَ رَاكباً مِن كِندَة، فَدَخلُوا على رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَسجدَه، قد رجَّلوا جُمَمَهم, والجُمَمُ جمع جُمَّة وهي شعر الرأس الكثيف, وتكحَّلوا, عليهم جُبَبُ الحِبَرَة قد كفَّفوها بالحرير. فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: «ألم تُسلِمُوا؟ » قالوا: بلى. قال: «فما بالُ هَذا الحرير في أعناقكم؟» قال: فشَـقُّوه مِنها فألقَوْه.

 

وروى ابن جرير عن أبي بريدة عن أبيه قال: "بينا نحنُ قُعودٌ على شَرابٍ لنا, ونحنُ على رَملةٍ, ونحنُ ثلاثةٌ أو أربعةٌ، وعندنا باطيةٌ لنا, ونحنُ نَشربُ الخمرَ حِلاًّ, إذ قمتُ حتى آتيَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فأسلِّمَ عليه, إذ نزلَ تحريمُ الخمر في قَولِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ‌ وَالْمَيْسِرُ‌ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِ‌جْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِ‌يدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ‌ وَالْمَيْسِرِ‌ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ‌ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}. (المائدة 90) إلى آخر الآيتين {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}. فجئتُ إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}. قال: وبعضُ القومِ شُربتُه في يَدِه قَد شَرِبَ بعضَها وبقِيَ بعضٌ في الإناء، فقالَ بالإناءِ تحتَ شَفتِه العُليا، كما يَفعلُ الحجَّامُ، ثمَّ صبُّوا ما في باطيتهم فقالُوا: انتهينا ربَّنا".

 

أيها المسلمون: 

 

حنظلةُ بنُ أبي عَامر، غَسيلُ الملائِكَةِ رضيَ اللهُ عنهُ، سَمِعَ النَّداءَ إلى مَعركةِ أُحُد، فلبَّى النِّداءَ مُسرعاً. وقد استُشهدَ يَومَ أُحُد. قال ابن إسحق: فقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ صَاحِبَكُم لِتَغسِلَهُ الملائكةُ فاسألُوا أهلَهُ مَا شأنُه؟». فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ، وَكانَت عَروساً عَلَيهِ تِلكَ الليلة. فقالَت: خَرَجَ وهُو جُنُب حِينَ سَمِعَ الهاتِفَةَ. فقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَذلِكَ غَسَّلَتهُ الملائكة». وَأخرَجَ الإمامُ أحمدُ عَن رَافعٍ بنِ خَدِيجٍ قالَ: «كُنَّا نُحَاقِلُ بِالأَرْضِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنُكْرِيهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالطَّعَامِ الْمُسَمَّى فَجَاءَنَا ذَاتَ يَوْمٍ رَجُلٌ مِنْ عُمُومَتِي فَقَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَمْرٍ كَانَ لَنَا نَافِعًا، وَطَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْفَعُ لَنَا نَهَانَا أَنْ نُحَاقِلَ بِالْأَرْضِ فَنُكْرِيَهَا عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالطَّعَامِ الْمُسَمَّى وَأَمَرَ رَبَّ الْأَرْضِ أَنْ يَزْرَعَهَا أَوْ يُزْرِعَهَا وَكَرِهَ كِرَاءَهَا وَمَا سِوَى ذَلِكَ». أرأيتُم إخوةَ الإيمانِ كَيفَ كَانَتْ سُرعَةُ الاستجابةِ للهِ وَرَسُولِه عِندَ الصَّحَابَةِ y أجمعين؟ 

 

فتشبَّهوا إن لم تكونُوا مثلَهمْ      إنَّ التشبُّـهَ بالكـرامِ فلاحُ

 

مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, عَلَى أنْ نُكمِلَ تأمُّلاتنا في الحَلْقاتِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعالى, فإلى ذَلكَ الحِينِ وَإلى أنْ نَلقاكُم, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه. 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة التاسعة

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى إمامِ المتقين, وسيِّدِ المرسلين, المبعوثِ رحمةً للعالمين, سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ أجمعين, واجعلنا مَعَهم, واحشرنا في زُمرتهم برَحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: 

 

أيها المسلمون: 

 

القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه، أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بوساطة الوحي، جبريل عليه السلام، لفظاً ومعنى، المتعبد بتلاوته، المعجز، المنقول لنا نقلاً متواتراً. قال تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}. (فصلت 42) محفوظ بحفظ الله تعالى حيث قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. (الحجر 9) 

 

والقرآنُ أيها المسلمون:  تحيا به النُّفوسُ، وتطمئنُّ به القلوبُ، ويَخرُجُ الناسُ مِنَ الظُّلماتِ إلى النورِ بإذنِ ربهم إلى صراطِ العزيزِ الحمِيد. القرآنُ هُوَ الزَّادُ للمُسلِم وأيُّ زَاد، وهُو لحامِلِ الدَّعوَةِ آكَدُ وآكَد، تَعمُرُ بهِ القُلُوب، وتَشتدُّ به السَّواعد، ويُصبحُ حامِلُهُ كالجبالِ الرَّاسيات، تهونُ عندَهُ الدنيا في سبيل الله، يقولُ الحقَّ ولا يخشى في الله لومة لائم. به يُصبحُ المؤمنُ الذي تُحركُهُ الريحُ لخفَّةِ وزنه، أثقلَ عِندَ اللهِ مِن جبلِ أحُد، لأنه قارئٌ للقرآن، رَطبٌ بهِ لِسانُه، شاهِدٌ به بَنانُه. 

 

أيها المسلمون: 

 

هكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يَسيرُون في الدنيا، كأنهم قرآنٌ يتحركُ، يتدبَّرُون آياتِه, ويتلُونها حَقَّ تِلاوتها، يَعملُون بها ويَدعُونَ لها، تهزُّهم آياتُ العذَاب، وتَشرَحُ صُدورَهم آياتُ الرَّحمَة، تَفيضُ أعينُهم مِنَ الدَّمعِ خُشوعاً لإعجازِه وعظَمتِه، وَتَسليماً لأحكامِه وحِكمتِه، يتلقَّونَهُ مِن رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فتستقرَّ آياتُهُ في أعمَاقِ أعماقِ قلوبِهم، لِذلكَ عزُّوا وسَادُوا، وسَعِدُوا وفازُوا. فلمَّا فَارقَهُم رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى أعلَى علِّيين، استمرُّوا يتعاهدُونَ القرآنَ كمَا أوصاهُم بذلكَ الرَّسُولُ الأمينُ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ وعَلَى آلهِ وصَحبهِ أجمعين. فكانَ حفظةُ القرآنِ في أولِ الصُّفوفِ أمراً بالمعروفِ ونهياً عن المنكر، وكانَ حَاملُ القرآنِ الأولَ في كُلِّ خَير، والأولَ في اقتحامِ كُلِّ صَعبٍ في سَبيل الله. 

 

أيها المسلمون: 

 

إنَّه لحريٌّ بالمسلمينَ بعامَّة، وبحَمَلَةِ الدَّعوةِ بخاصَّة، أن يكونَ القرآنُ رَبيعَ قُلوبهم، ومُلازِمَ دَربهم، يَقودُهم إلى كُلِّ خَير، ويَرتَفِع بهم مِن شَاهقٍ إلى شَاهق، يتعاهدونَهُ آناءَ الليلِ وأطرافَ النهار، تلاوةً وحفظاً وعملاً فيكونُونَ بحقٍّ خيرَ خَلَفٍ لخَيرِ سَلَف.

 

وهذه آياتٌ كريمةٌ في نزولِ القرآنِ، وفي حِفظِه، وفي كَونِ الهُدَى به، والخيرِ العميمِ فيهِ ومِنهُ وحَولَه: قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ}. (الشعراء 194) وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. (الحجر 9). وقال تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}. (فصلت 42). وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}. (الإسراء 9) وقال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ, قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. (المائدة 16) وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}. (إبراهيم1) وقال تعالى:{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}. (الرعد 28) وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}. (النساء 82)

 

وبعدُ أيها المسلمون: فإنَّ ما سَبقَ من آياتٍ كريمةٍ، تبينُ المنـزلةَ العظيمةَ للقرآنِ الكريمِ، والمنـزلةَ العظيمةَ لحاملِ القرآنِ العظيمِ، الذي يحملُه ليتدبَّرَه ويعملَ به، ويتعاهدُهُ في حِلِّهِ وتَرحالِه, فيكونَ طاقةً هائلةً في كُلِّ سُبلِ الخير، لا أن يَضَعهُ على الرَّفِّ حتى يَعلُوَهُ الغُبارُ، أو يُزخرِفَهُ ويُغلِقَ علَيهِ خَزائِنَهُ حتى يطويهِ النِّسيانُ, فيكونَ والعياذُ باللهِ مِنَ الخاسرين. 

 

فتعاهدُوا القرآنَ الكريمَ أيُّها الإخوةُ الأعزاء، وسَارعُوا إلى تلاوتِهِ حقَّ تلاوتِه، وتدبَّروهُ حقَّ تدبُّره، واعملوا به حقَّ العمل، والتزمُوا به حقَّ الالتزام، ليكونَ طعمُكُم طيباً، وريحُكُم طيباً، ومن ثَمَّ تكونُونَ في الصفوفِ الأولى في حملِ الدَّعوةِ في الدنيا، كما تكونُونَ في الصفوفِ الأولى في الجنَّةِ في الآخرة عندما يُقالُ: اقرأ وارتق، بذلكَ تكونُونَ أهلاً للنَّصرِ العظيمِ والفوزِ الكبير، ورضوانٌ مِنَ اللهِ أكبر {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين}.

 

مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, عَلَى أنْ نُكمِلَ تأمُّلاتنا في الحَلْقاتِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعالى, فإلى ذَلكَ الحِينِ وَإلى أنْ نَلقاكُم, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه. 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة العاشرة

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى إمامِ المتقين, وسيِّدِ المرسلين, المبعوثِ رحمةً للعالمين, سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ أجمعين, واجعلنا مَعَهم, واحشرنا في زُمرتهم برَحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: 

 

أيها المسلمون: 

 

إنَّه لحريٌّ بالمسلمينَ بعامَّة، وبحَمَلَةِ الدَّعوةِ بخاصَّة، أن يكونَ القرآنُ رَبيعَ قُلوبهم، ومُلازِمَ دَربهم، يَقودُهم إلى كُلِّ خَير، ويَرتَفِع بهم مِن شَاهقٍ إلى شَاهق، يتعاهدونَهُ آناءَ الليلِ وأطرافَ النهار، تلاوةً وحفظاً وعملاً فيكونُونَ بحقٍّ خيرَ خَلَفٍ لخَيرِ سَلَف.

 

وهذه أحاديثُ شريفةٌ في فَضلِ تِلاوةِ القُرآنِ، والحثِّ علَى حِفظِه، وتعلُّمِه وتَعليمِه، والتمسك به والعمل به وتطبيقه في معترك الحياة:

 

رُويَ عَن عَليٍّ كرَّم اللهُ وجهَهُ مَرفوعاً إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «ستكونُ فِتنةٌ, قال علي رضي الله عنه: فمَا المَخرَجُ مِنها يَا رَسُولَ الله؟ قالَ: كتابُ الله, فيهِ نبأ مَن قبلَكُم, وخَبرُ مَا بعدَكُم, وحُكمُ مَا بينَكُم, وهُو الفصلُ ليسَ بالهزل, مَن تَركَهُ مِن جبَّارٍ قَصَمهُ اللهُ, ومَنِ ابتغَى الهُدى في غَيرهِ أضلَّهُ الله, وهُو حَبلُ اللهِ المتين, ونُورُه المُبين, والذكرُ الحكيم, وهو الصِّراطُ المُستقيم, والشفاءُ النافع, عِصمةٌ لمن تمسَّكَ به, ونجاةٌ لمنِ اتَّبعَه, لا يَعوجُّ فيُقوَّم, ولا يَزيغُ فيُستعتَب, وهُو الذي لا تَزيغُ بهِ الأهواءُ, ولا تَلتَبِسُ بهِ الألسُن, ولا تتشعبُ معَهُ الآراء, ولا يَشبعُ منهُ العلماء, ولا يملُّهُ الأتقياء, ولا يَخلَقُ علَى كثرةِ الرَّد, ولا تَنقضي عَجائبُه, وهُو الذي لم تَنتَهِ الجنُّ إذ سَمِعَته أن قالُوا: {إنَّا سَمعنا قرآناً عجباً}. مَن عَلِمَ عِلمَهُ سَبَق, ومَن قَالَ بهِ صَدَق, ومَن حَكَمَ به عَدَل, ومَن عَمِلَ بهِ أجِر, وَمَن دَعَا إليه هُدِي إلى صِراطٍ مُستقيم».

 

ورَوَى البخاريُّ عَن عُثمانَ بنِ عفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «خَيرُكُم مَن تَعلَّم القُرآنَ وَعلَّمه». 

 

ورَوَى التَّرمذيُّ عَن عبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن قَرأ حَرفاً مِن كِتَابِ اللهِ فلَهُ بهِ حَسَنة, والحسنةُ بعَشرِ أمثالِها, لا أقولُ "ألم" حَرفٌ، ولكِنْ ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرف». وهو حديث صحيح.

 

كما رَوَى مُسلمٌ عَن عَائِشةَ أمِّ المؤمنينَ رَضِيَ اللهُ عَنها قالت: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الماهِرُ بالقرآنِ مَعَ السَّفرةِ الكرامِ البررة، والذي يَقرأ القُرآنَ وهُو يَتَعتَعُ فيه وهُو عَلَيهِ شَاقٌ لَه أجرَان». 

 

وَرَوى التَّرمذيُّ في صَحيحِه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الذي ليسَ في جَوفِهِ شَيءٌ مِنَ القُرآنِ كالبيتِ الخَرِب». وهُو حَديثٌ صَحيح. 

 

وَرَوَى مُسلِمٌ في صَحيحِه عَن أبي أمامةَ الباهليُّ رَضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اقرءُوا القرآنَ فإنَّه يأتي يَومَ القِيامَةِ شَفيعاً لصاحِبه». 

 

وَرَوى ابنُ حِبَّانَ في صَحيحِه عَن جَابرٍ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما, والبيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ عَن جَابرٍ وَعَنِ ابنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُم قالُوا: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «القرآنُ شَافعٌ مُشفَّع، ومَاحلٌ مُصدَّق، مَن جَعلَه أمَامَه قادهُ إلى الجنة, ومن جعلَهُ خلفَهُ سَاقه إلى النار». وهو حديث صحيح. 

 

وَرَدَ في كِتَابِ "المخصَّص" لابنِ سِيدُه: وفي الحديث: "القُرآن ماحِلٌ مصَدَّق" يَمْحَل بصاحِبه إذا ضَيَّعه. فالقرآن إذا لم يتعهده صاحبه بدوام الحفظ والمراجعة, فإنَّهُ يَضيعُ ويَتفلَّتُ مِن صَاحِبه. رَوَى البخاريُّ ومُسلِمٌ في صَحيحَيهما عَن أبي مُوسَى الأشعري رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تعَاهَدُوا القُرآنَ فَوالذِي نَفسُ مُحمَّدٍ بِيدِه لَهُو أشدُّ تفلتاً من الإبل في عُقُلِها». 

 

وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللهَ يَرفَعُ بهذا الكتابِ أقواماً ويَضَعُ به آخَرين». وأخرَجَ أبو داود والتَّرمَذيُّ في الحديثِ الصَّحيحِ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: «يُقالُ لِصَاحِبِ القرآنِ: اقرأ وارتَقِ, ورتِّل كما كُنتَ تُرتلُ في الدنيا، فإنَّ مَنـزِلَتَكَ عِندَ آخرِ آيةٍ تَقرؤها».

 

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثلُ المؤمِنِ الذي يَقرأ القُرآنَ مَثَلُ الأترجَّة: طعمُها طَيِّبٌ وريحُها طيِّب، وَمَثَلُ المؤمِنِ الذي لا يَقرأ القُرآنَ مَثَلُ التَّمرة: طعمُها طيِّبٌ ولا رِيحَ لها، وَمَثَلُ المنافِقِ الذي يَقرأ القُرآنَ مَثَلُ الرَّيحانَة: ريحُها طَيِّبٌ وطعمُها مُر، وَمَثَلُ المنافِقِ الذي لا يَقرأ القُرآنَ كَمَثَلِ الحنظلَةِ: طعمُها مُرٌّ ولا رِيحَ لهَا». 

 

وبعد أيها المسلمون:

 

 فإنَّ ما سَبقَ من أحاديثَ شريفةٍ، تبينُ المنـزلةَ العظيمةَ للقرآنِ الكريمِ، والمنـزلةَ العظيمةَ لحاملِ القرآنِ العظيمِ، الذي يحملُه ليتدبَّرَه ويعملَ به، ويتعاهدُهُ في حِلِّهِ وتَرحالِه, فيكونَ طاقةً هائلةً في كُلِّ سُبلِ الخير، لا أن يَضَعهُ على الرَّفِّ حتى يَعلُوَهُ الغُبارُ، أو يُزخرِفَهُ ويُغلِقَ علَيهِ خَزائِنَهُ حتى يطويهِ النِّسيانُ, فيكونَ والعياذُ باللهِ مِنَ الخاسرين. 

 

فتعاهدُوا القرآنَ الكريمَ أيُّها الإخوةُ الأعزاء، وسَارعُوا إلى تلاوتِهِ حقَّ تلاوتِه، وتدبَّروهُ حقَّ تدبُّره، واعملوا به حقَّ العمل، والتزمُوا به حقَّ الالتزام، ليكونَ طعمُكُم طيباً، وريحُكُم طيباً، ومن ثَمَّ تكونُونَ في الصفوفِ الأولى في حملِ الدَّعوةِ في الدنيا، كما تكونُونَ في الصفوفِ الأولى في الجنَّةِ في الآخرة عندما يُقالُ: اقرأ وارتق، بذلكَ تكونُونَ أهلاً للنَّصرِ العظيمِ والفوزِ الكبير، ورضوانٌ مِنَ اللهِ أكبر {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين}.

 

مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, عَلَى أنْ نُكمِلَ تأمُّلاتنا في الحَلْقاتِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعالى, فإلى ذَلكَ الحِينِ وَإلى أنْ نَلقاكُم, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه. 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة الحادية عشرة

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى إمامِ المتقين, وسيِّدِ المرسلين, المبعوثِ رحمةً للعالمين, سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ أجمعين, واجعلنا مَعَهم, واحشرنا في زُمرتهم برَحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: 

 

قال تعالى في محكم كتابه وهو خير القائلين: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ‌ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ‌ رَّ‌حِيمٌ}. (آل عمران31) 

 

قال الأزهري: "محبةُ العبد لله ورسوله تعني طاعتُه لهما، واتباعه أمرهما". وقال البيضاوي: "المحبة إرادة الطاعة". وقال ابن عرفة: "المحبة، عند العرب، إرادة الشيء على قصد له". وقال الزجاج: "ومحبة الإنسان لله ورسوله طاعته لهما، ورضاه بما أمر الله سبحانه به، وأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وَرَحِم اللهُ الشاعِرَ حَيثُ قال:

 

تَعصِي الإلهَ وأنتَ تزعمُ حُبَّهُ                  هذا مُحالٌ في القياسِ شَنيـعُ

لَو كانَ حُبكَ صادقاً  لأطعتَهُ                  إنَّ المحبَّ لمن  يُحبُّ مُطيـعُ

 

وحبُّ اللهِ سبحانه للعبد يعني المغفرة والرضى والثواب، قال البيضاوي: "يحببكم الله: يغفر لكم، أي يرضى عنكم". وقال الأزهري: "ومحبة الله للعباد إنعامُه عَلَيهم بالغُفران"، قالَ اللهُ تعَالى: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}. (آل عمران32) أي لا يغفر لهم. وقال سفيان بن عيينة: "يحببكم الله" أي يُقرِّبكُم، والحبُّ هو القُربُ، والله لا يحبُّ الكافرين، لا يُقرِّبُ الكافرين". وقال البغوي: "وحب الله للمؤمنين ثناؤه عليهم، وثوابُه لهم، وعفوه عنهم". وقال الزجَّاجُ: "والمحبَّةُ مِنَ اللهِ لخلقِهِ، عفوُهُ عَنهُم، وإنعامُهُ عليهم برحمتِه وَمَغفرَتِه وحُسنِ الثناءِ عليهم".

 

أيها المسلمون: 

 

إن الذي يَعنينا هُنا هُو محبةُ العَبدِ للهِ وَرسُولِه، هَذِه المحبةُ بالمعنى المذكور فُرض، إذ المحبةُ مَيلٌ مِنَ الميول التي تُكوِّنُ نَفسيةَ الإنسانِ، وهذِه الميول قد تَكُونُ فِطريةً غريزيةً، لا عَلاقَة لها بأيِّ مَفهوم، كَميلِ الإنسانِ إلى التملُّك، وحُبِّ البقاء، وحُبِّ العَدل، وحُبِّ الأهلِ والوَلَد...، وقد تَكُونُ دَوافِعَ مَربوطةً بمفاهيم، وهذِه المفاهيمُ هي التي تحدِّد نَوع الميلِ، فالهنودُ الحمرُ لم يحبُّوا المهاجرينَ إليهم مِنَ الأوروبيين، بينما كانَ الأنصارُ يحبُّون من هَاجَرَ إليهم، ومحبَّةُ اللهِ ورَسولِهِ هي النَّوعُ الذي ربطَهُ الله سبحانه بمفهومٍ شَرعي جعلَه فرضاً، والأدلة على ذلك من الكتاب:

 

قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}. (البقرة 165) والمعنى أن الذين آمنوا أشد حباً لله، من حب المشركين للأنداد.

 

وقوله: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}. (التوبة 24)

 

أما الأدلة من السنة أيها المسلمون: 

 

 فكثيرة نذكر مِنهَا: عن أنسٍ رضي الله عنه «أنَّ رجلاً سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ السَّاعةِ، فقالَ: متى الساعة؟ قَالَ: وماذا أعدَدتَ لها؟ قال: لا شيء، إلاَّ أني أحِبُّ اللهَ ورَسُولَه، فَقالَ أنتَ مَعَ مَن أحبَبْتَ. قَالَ أنسٌ: فما فَرِحنا بشيءٍ فَرَحَنا بقَولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أنت مع من أحببت». قالَ أنسٌ: فأنا أحِبُّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعُمر وأرجُو أن أكُونَ مَعَهُم بحُبِّي إيَّاهُم، وإن لم أعمل بمثلِ أعمَالهم».

 

ومِنهَا: عَن أنسٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ، وَجَدَ بهنَّ حَلاوَةَ الإيمان: مَن كانَ اللهُ ورَسُولُهُ أحبَّ إليهِ ممَّا سِواهُما، وأنْ يُحِبَّ المرءَ لا يُحبُّهُ إلَّا للهِ، وأن يَكرَهَ أن يَعُودَ في الكُفر كَما يَكرهُ أن يُقذَفَ في النَّار». ومِنهَا: عَن أنسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤمنُ عَبدٌ حتى أكونَ أحَبَّ إليهِ مَن أهلِهِ ومَالِهِ والنَّاسِ أجمعين». 

 

ومِنهَا أيضاً: عَن أنسٍ رضي الله عنه قاَلَ: «لمَّا كانَ يَومُ أحُد، انهزمَ النَّاسُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأبُو طلحَةُ بَينَ يَدَيِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مُجَوِّبٌ بهِ علَيهِ بحُجفَةٍ لَه، وكان أبو طلحةَ رَجلاً رَامياً شَدِيدَ القِدِّ، يَكسِرُ يَومئذٍ قَوسينِ أو ثلاثاً، وكان الرَّجلُ يمرُّ، مَعَهُ الجُعبةُ مِنَ النَّبلِ، فيقول: انشُرهَا لأبي طَلحةَ. فأشرَفَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَنظُرُ إلى القَومِ، فيقُولُ أبُو طلحَةَ: يَا نبيَّ اللهِ بأبي أنتَ وأمِّي، لا تُشرِفْ يُصيبُكَ سَهمٌ مِن سِهَامِ القَوم، نَحرِي دُونَ نحرِك!». 

 

ومِنهَا كَذلِكَ: عَن قَيسٍ قَال: «رأيتُ يَدَ طَلحَةَ شلاء وَقَى بها النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَومَ أحُد». 

 

وقد كانَ أصحابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يحرصُونَ علَى تَطبيقِ هَذا الواجِب ألا وهُو حُبُّ اللهِ ورَسُولِه، ويتَسابقُون في نَيلِ هَذا الشَّرفِ طَمعاً في أن يَكُونوا ممَّن يُحبُّهُمُ اللهُ ورَسُولُه.

 

فتشبَّهوا إن لم تكونُوا مثلَهمْ      إنَّ التشبُّـهَ بالكـرامِ فلاحُ

 

مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, عَلَى أنْ نُكمِلَ تأمُّلاتنا في الحَلْقاتِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعالى, فإلى ذَلكَ الحِينِ وَإلى أنْ نَلقاكُم, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه. 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة الثانية عشرة

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى إمامِ المتقين, وسيِّدِ المرسلين, المبعوثِ رحمةً للعالمين, سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ أجمعين, واجعلنا مَعَهم, واحشرنا في زُمرتهم برَحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: 

 

أيها المسلمون: 

 

قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْ‌تَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِ‌ينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.  (المائدة 54)

 

في الآية الكريمة خطابٌ علَى وَجهِ التَّحذيرِ والوعيد، والمعنى: يا مَعشَر المؤمنينَ مَن يَرجِعُ مِنكُم عَن دِينِه الحقّ، ويُبدِّلُه بدينٍ آخَر، ويَرجِعُ عَنِ الإيمانِ إلى الكُفر, وفي الآيةِ إعلامٌ بارتِدادِ بَعضِ المسلمينَ, فهو إخبارٌ بالغيبِ قَبلَ وقُوعِهِ، وقَد ارتدَّ عَنِ الإسلامِ فِرَقٌ كثيرةٌ، مِنهُم من ارتدَّ في عَهدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ومِنهُم في عَهدِ أبي بَكر، وقَدِ ارتدَّ بنُو حنيفةَ قَومُ "مسيلمةَ الكذَّاب" وكَتَبَ مُسيلمةُ إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مِن مُسيلمةَ رَسُولِ اللهِ إلى محمَّدٍ رَسُولِ الله أما بعد: فإنَّ الأرضَ نِصفُها لي ونصفُها لَك". فأجابهُ عليهِ السَّلام: «مِن محمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إلى مُسيلمةَ الكذَّاب أما بعد: فإنَّ الأرضَ للهِ يُورثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِه والعاقبةُ للمُتَّقين». 

 

ثمَّ بيَّنتِ الآياتُ الكريمةُ صِفاتِ الذينَ يحبُّهمُ اللهُ سُبحانه. قَالَ تعالى: {فَسوفَ يأتي اللهُ بقومٍ يحبُّهمُ ويحبُّونه}. أي فَسوفَ يأتي اللهُ مَكانَ الذينَ ارتدُّوا بأناسٍ مُؤمنينَ يحبُّهم اللهُ ويحبُّون الله. {أذلةٍ علَى المؤمنينَ أعزةٍ علَى الكافرينَ}. أي رُحماءَ مُتواضعينَ للمؤمنين، أشداءَ متعزِّزينَ علَى الكافرين، قال ابنُ كثير: وهذهِ صِفاتُ المؤمنينَ الكمَّل، أن يكونَ أحدُهم متواضعاً لأخيهِ, مُتعزِّزاً علَى عَدُوِّه كقولِهِ تعالى: {أشداءُ علَى الكفَّارِ رُحماءُ بَينهُم}. ومِن عَلامةِ حُبِّ اللهِ تعالى للمُؤمنِ أن يَكونَ ليِّنَ الجانِبِ، متواضعاً لإخوانِهِ المؤمنينَ، مُتسربلاً بالعزةِ حِيالَ الكافرينَ والمنافقين. {يجاهدونَ في سَبيلِ اللهِ وَلا يخافُونَ لَومةَ لائم}. أي يجاهدُونَ لإعلاءِ كَلِمَةِ الله، وَلا يُبالونَ بمَن لامَهُم، فهُم صِلابٌ في دِينِ اللهِ لا يخافُونَ في ذَاتِ اللهِ أحداً. {ذلكَ فضلُ اللهِ يُؤتيهِ مَن يَشاء}. أي مَنِ اتَّصفَ بهذه الأوصاف الحميدَة, فإنما هُو مِن فَضلِ اللهِ علَيهِ وتوفيقِه لَه. {واللهُ واسعٌ علِيم}. أي واسِعُ الأفضالِ والإحسانِ، علِيمٌ بمن يَستحِقُّ ذلك.

 

أيها المسلمون: 

 

محبَّةُ اللهِ ورَسولِهِ مِنَ الأمُورِ التي ربطَهَا اللهُ سُبحانَهُ وتَعالى بمفهُومٍ شَرعيٍّ جَعلَهُ فَرضاً، والأدلَّةُ عَلى ذَلكَ مِنَ السُّنةِ مُستَفيضَةٌ مِنهَا حَدِيثُ كعبٍ بنِ مَالِكٍ الطَّويلُ في الثلاثَةِ الذينَ خُلِّفُوا عَن تَبوك، وَفيهِ يقُول كَعبٌ: «وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ, فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلاَةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ, وَآتِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهْوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ, فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ عَلَيَّ أَمْ لاَ؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ, فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاَتِي أَقْبَلَ إِلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي, حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ, مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ, وَهْوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ, فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ, فَقُلْتُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ, هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ, فَسَكَتَ فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ, فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, فَفَاضَتْ عَيْنَايَ, وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ...».

 

ومنها أيضاً حديثُ سَهلِ بنِ سَعدٍ رضي الله عنه: «حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ لأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقِيلَ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ قَالَ فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإسْلامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ فَوَاللَّهِ لأنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ». 

 

قُلنا أيها المسلمون: 

 

إنَّ محبَّةَ اللهِ ورَسولِهِ مِنَ الأمُورِ التي ربطَهَا اللهُ سُبحانَهُ وتَعالى بمفهُومٍ شَرعيٍّ جَعلَهُ فرضاً، فَهل أدَّينا هَذا الفَرضَ علَى وَجهِهِ المطلوبِ كَما أدَّاهُ صَحابةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَي يُكرمَنَا اللهُ بِنصرِهِ كَمَا أكرَمَهُم, ويُعزَّنا بدِينِنَا كَمَا أعزَّهُم؟ 

 

مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, عَلَى أنْ نُكمِلَ تأمُّلاتنا في الحَلْقاتِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعالى, فإلى ذَلكَ الحِينِ وَإلى أنْ نَلقاكُم, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه. 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

إعداد الأستاذ محمد أحمد النادي

الحلقة الثالثة عشرة

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: 

 

الحب في الله يعني أن تحب العبد لله، أي بسبب إيمانه وطاعته، والبغض فيه يعني أن تبغض العبد بسبب كفره أو معصيته، لأن الحرف "في" هنا في هذا السياق جاء للتعليل، وذلك كما في قوله تعالى: {فذلكن الذي لمتنني فيه}. (يوسف32) أي بسببه، ومثله قوله تعالى {لمسّكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم}. (النور 14) وأيضا كما في قوله صلى الله عليه وسلم "دخلت امرأة النار في هرة" أي بسببها. وحب المؤمنين الطائعين أجره عظيم، والأدلة على ذلك كثيرة نذكر منها:

 

ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه". 

 

ومن الأدلة على أن حب المؤمنين الطائعين أجره عظيم، حديث أبي هريرة عند مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي؟".

 

ومن الأدلة حديث أبي هريرة عند مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم" ووجه الاستدلال في قوله صلى الله عليه وسلم "ولا تؤمنوا حتى تحابوا" للدلالة على عظيم أجر التحاب في الله.

 

ومنها حديث أنس عند البخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله...".

 

ومنها حديث معاذ عند الترمذي، وقال حسن صحيح قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي، لهم منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء". وغبطة الأنبياء والشهداء لهم كناية عن حسن حالهم، أي أنهم يستحسنون أحوالهم، لا أنهم يتمنون مثل حالهم، لأنهم أفضل حالا وأرفع درجة.

 

ومنها حديث أنس عند أحمد بإسناد صحيح قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله، الرجل يحب الرجل، ولا يستطيع أن يعمل كعمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب". فقال أنس: فما رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحوا بشيء قط، إلا أن يكون الإسلام، ما فرحوا بهذا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أنس: فنحن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نستطيع أن نعمل بعمله، فإذا كنا معه فحسبنا".

 

ومنها حديث أبي ذر عند أحمد وأبي داود وابن حبان قال: "قلت يا رسول الله، الرجل يحب القوم لا يستطيع أن يعمل بأعمالهم، قال: أنت يا أبا ذر مع من أحببت. قال: قلت فإني أحب الله ورسوله يعيدها مرة أو مرتين".

 

ومنها حديث عبد الله بن مسعود المتفق عليه قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب".

 

ومنها حديث عبد الله بن مسعود الذي رواه الحاكم في المستدرك قال ابن مسعود رضي الله عنه: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله بن مسعود، فقلت: "لبيك يا رسول الله" ثلاث مرار. قال: هل تدري أي عرى الإيمان أوثق؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: أوثق الإيمان الولاية في الله بالحب فيه والبغض فيه".

 

ومنها الحديث الذي رواه أبو داود في سننه أن عمر بن الخطاب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى". قالوا يا رسول الله تخبرنا من هم. قال: "هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فوالله إن وجوههم لنور وإنهم على نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس". وقرأ هذه الآية {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}".

 

ومنها الحديث الذي رواه الترمذي في سننه عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أعطى لله ومنع لله وأحب لله وأبغض لله وأنكح لله فقد استكمل إيمانه". قال أبو عيسى هذا حديث حسن.

 

ويسن لمن أحب أخا له في الله، أن يخبره ويعلمه بحبه إياه، لما رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن عن المقداد بن معد يكرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه". وما رواه أبو داود بإسناد صحيح عن أنس: "أن رجلا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فمر به رجل فقال: يا رسول الله إني لأحب هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أعلمته؟ قال: لا، قال أعلمه، فلحقه، فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الذي أحببتني له". وما رواه البزار بإسناد حسن عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب رجلا لله، فقال: إني أحبك لله، فدخلا الجنة فكان الذي أحب أرفع منـزلة من الآخر ألحق بالذي أحب لله".

 

أيها المسلمون:

 

بعد أن سمعتم ما سمعتم، وعرفتم ما عرفتم، ورأيتم ما رأيتم، من حب الصحابة لله تبارك وتعالى ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحب الصحابة بعضهم بعضا في الله جل في علاه، فهلا كنا مثلهم في حبنا لله ولرسوله وللمؤمنين؛ ليكون الله معنا كما كان معهم، وليكرمنا بنصره كما أكرمهم، ولنكون يوم القيامة معهم في صحبة سيد المرسلين، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا؟! 

 

مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، على أن نكمل تأملاتنا في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه. نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

إعداد الأستاذ محمد احمد النادي

الحلقة الرابعة عشرة

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: 

 

قلنا في الحلقة الماضية: إن الحب في الله يعني أن تحب العبد لله، أي بسبب إيمانه وطاعته، وفي هذه الحلقة نقول: إن أفضل الصاحبين المتحابين هو أشدهما حبا لصاحبه، لما رواه ابن عبد البر في التمهيد، والحاكم في المستدرك، وابن حبان في صحيحه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تحاب رجلان في الله قط، إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه".

 

ويسن للمسلم أيضا أن يدعو لأخيه بظهر الغيب، لما رواه مسلم عن أم الدرداء، قالت: حدثني سيدي، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من دعا لأخيه بظهر الغيب، قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل" أي بمثل ما دعوت له به، وسيدها هو أبو الدرداء وهي تعني زوجها احتراما له. 

 

وروى مسلم عن صفوان - وهو ابن عبد الله بن صفوان - وكانت تحته الدرداء قال قدمت الشام فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده ووجدت أم الدرداء فقالت أتريد الحج العام فقلت نعم. قالت فادع الله لنا بخير فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل". قال: فخرجت إلى السوق، فلقيت أبا الدرداء، فقال لي مثل ذلك.

 

كما يسن أن يطلب من أخيه الدعاء له، لما رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح، عن عمر بن الخطاب قال: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة، فأذن لي وقال: "لا تنسنا يا أخي من دعائك" فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا. وفي رواية قال: "أشركنا يا أخي في دعائك".

 

ومن السنة أن يزوره ويجالسه ويواصله ويباذله في الله بعد أن يحبه. روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أنى أحببته في الله عز وجل. قال فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه".

 

وأخرج أحمد بإسناد حسن والحاكم، وصححه عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم يرفعه إلى الرب عز وجل قال: "حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في، وحقت محبتي للمتواصلين في".

 

وأخرج مالك في الموطأ بإسناد صحيح عن معاذ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في". 

 

وأخرج البخاري عن عائشة قالت: "لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية...".

 

وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم عظم أجر المؤمن الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويحرص على جلب الخير له في دنياه وآخرته ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ففي حديث أنس المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". 

 

وفي حديث عبد الله بن عمرو، عند ابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك، وقال صحيح على شرط الشيخين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره". 

 

ومن هذا الباب أن يكون في حاجة أخيه وسعه، وأن يفرج عنه كربه جهده، ففي حديث ابن عمر المتفق عليه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة"، وبإسناد حسن رجاله ثقات أخرج الطبراني من حديث زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الله في حاجة العبد ما دام في حاجة أخيه".

 

ويندب للمسلم أن يلقى أخاه بما يحب ليسره بذلك، لما رواه الطبراني في الصغير بإسناد حسن من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لقي أخاه المسلم بما يحب ليسره بذلك، سره الله عز وجل يوم القيامة". كما يندب له أن يلقى أخاه بوجه طلق، لما رواه مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق". ولما رواه أحمد والترمذي وقال: حسن  صحيح، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك". 

 

أيها المسلمون:

 

بعد أن سمعتم ما سمعتم، وعرفتم ما عرفتم، ورأيتم ما رأيتم، من حب الصحابة لله تبارك وتعالى ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحب الصحابة بعضهم بعضا في الله جل في علاه، فهلا كنا مثلهم في حبنا لله ولرسوله وللمؤمنين؛ ليكون الله معنا كما كان معهم، وليكرمنا بنصره كما أكرمهم، ولنكون يوم القيامة معهم في صحبة سيد المرسلين، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا؟! 

 

مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، على أن نكمل تأملاتنا في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه. نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.  

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

إعداد الأستاذ محمد احمد النادي

الحلقة الخامسة عشرة

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: 

 

أيها المسلمون:

 

قلنا في الحلقة الماضية: يسن للمسلم أيضا أن يدعو لأخيه بظهر الغيب، كما يسن له أن يطلب من أخيه الدعاء له، و يسن له أن يزوره ويجالسه ويواصله ويباذله في الله بعد أن يحبه. ويندب للمسلم أن يلقى أخاه بما يحب ليسره بذلك. ونضيف في هذه الحلقة فنقول: إنه يندب للمسلم أن يهدي لأخيه، لحديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري، في الأدب المفرد، وأبو يعلى في مسنده، والنسائي في الكنى، وابن عبد البر في التمهيد، وقال العراقي: السند جيد، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير: سنده حسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا". 

 

ويندب له أيضا أن يقبل هديته، ويكافئ عليها لحديث عائشة عند البخاري قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها".

 

وحديث ابن عمر عند أحمد وأبي داود والنسائي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن استجار بالله فأجيروه، ومن آتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا، فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه".

 

وهذا بين الإخوان، ولا علاقة له بهدايا الرعية إلى الحكام، فهي مثل الرشوة محرمة، ومن المكافأة أن يقول: جزاك الله خيرا. 

 

روى الترمذي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وقال حسن صحيح، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صنع إليه معروف فقال لفاعله: "جزاك الله خيرا" فقد أبلغ في الثناء". والثناء شكر، أي مكافأة، خصوصا ممن لا يجد غيره، لما رواه ابن حبان في صحيحه عن جابر بن عبد الله، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: "من أولي معروفا فلم يجد له خيرا إلا الثناء، فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره، ومن تحلى بباطل فهو كلابس ثوبي زور". وبإسناد حسن عند الترمذي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: "من أعطى عطاء فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليثن به، فمن أثنى به فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره، ومن تحلى بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور". وكفر العطاء يعني ستره وتغطيته. 

 

وبإسناد صحيح روى أبو داود والنسائي عن أنس قال: "قال المهاجرون يا رسول الله، ذهب الأنصار بالأجر كله، ما رأينا قوما أحسن بذلا لكثير، ولا أحسن مواساة في قليل منهم، ولقد كفونا المؤونة، قال: أليس تثنون عليهم به وتدعون لهم؟ قالوا: بلى، قال: فذاك بذاك". 

 

وينبغي للمسلم أن يشكر القليل شكره للكثير، ويشكر الناس الذين يقدمون له خيرا لما رواه عبد الله بن أحمد في زوائده بإسناد حسن عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب".

 

ومن السنة أن يشفع لأخيه لمنفعة بر أو تيسير عسير، لما رواه البخاري عن أبي موسى، قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا إذ جاء رجل يسأل، أو طالب حاجة أقبل علينا بوجهه فقال اشفعوا فلتؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما شاء".

 

ولما رواه مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان لمنفعة بر أو تيسير عسير أعين على إجازة الصراط يوم دحض الأقدام".

 

ويندب للمسلم أيضا أن يذب عن عرض أخيه بظهر الغيب، لما رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة". وحديث أبي الدرداء هذا أخرجه أحمد وقال إسناده حسن، وكذلك قال الهيثمي. 

 

وما رواه اسحق بن راهويه عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من ذب عن عرض أخيه بظهر الغيب كان حقا على الله أن يعتقه من النار". 

 

وأخرج القضاعي في مسند الشهاب عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نصر أخاه بظهر الغيب نصره الله في الدنيا والآخرة". وأخرجه القضاعي أيضا عن عمران بن حصين بزيادة: "وهو يستطيع نصره". ولما رواه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد، وقال الزين العراقي: إسناده حسن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، من حيث لقيه، يكف عنه ضيعته ويحوطه من ورائه".

 

أيها المسلمون:

 

علمتم من خلال الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في هذه الحلقة، والحلقة التي سبقتها، أنه يسن لمن أحب أخا له في الله، أن يخبره ويعلمه بحبه إياه. ويسن للمسلم أيضا أن يدعو لأخيه بظهر الغيب. كما يسن له أن يطلب من أخيه الدعاء له. ويسن له أن يزوره ويجالسه ويواصله ويباذله في الله بعد أن يحبه. ويندب للمسلم أن يلقى أخاه بما يحب ليسره بذلك. ويندب للمسلم أن يهدي لأخيه. ويندب له أيضا أن يقبل هديته، ويكافئ عليها.

 

وينبغي للمسلم أن يشكر الناس الذين يقدمون له خيرا. ومن السنة أن يشفع لأخيه لمنفعة بر أو تيسير عسير. ويندب له أيضا أن يذب عن عرض أخيه بظهر الغيب. فهلا التزمنا بهذه الأحكام الشرعية، وسائر أحكام الإسلام؛ لنكون كما يحب ربنا ويرضى، حتى يغـير ما بنا، ويصلح أحوالنا، ونفوز بخيري الدنيا والآخرة؟! 

 

مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، على أن نكمل تأملاتنا في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه. نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

إعداد الأستاذ محمد احمد النادي

الحلقة السادسة عشرة

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: قال الله تعالى في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: بسم الله الر‌حمن الر‌حيم {والعصر‌. إن الإنسان لفي خسر‌. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر‌}. 

 

سورة العصر مكية، وقد جاءت في غاية الإيجاز والبيان، لتوضيح سبب سعادة الإنسان أو شقاوته، ونجاحه في هذه الحياة أو خسرانه ودماره. وقد أقسم الله تعالى بالعصر وهو الزمان الذي ينتهي فيه عمر الإنسان، وما فيه من أصناف العجائب، والعبر الدالة على قدرة الله وحكمته، على أن جنس الإنسان في خسارة ونقصان، إلا من اتصف بالأوصاف الأربعة وهي (الإيمان) و(العمل الصالح) و(التواصي بالحق) و(التواصي بالصبر) وهي أسس الفضيلة، وأساس الدين، ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله: لو لم ينـزل الله سوى هذه السورة لكفت الناس.

 

أقسم الله سبحانه بالدهر والزمان لما فيه من أصناف الغرائب والعجائب، والعبر والعظات، على أن الإنسان في خسران، لأنه يفضل العاجلة على الآجلة، وتغلب عليه الأهواء والشهوات، قال ابن عباس: العصر هو الدهر، أقسم الله تعالى به لاشتماله على أصناف العجائب، وقال قتادة: العصر هو آخر ساعات النهار، أقسم به كما أقسم بالضحى لما فيهما من دلائل القدرة الباهرة، والعظة البالغة ... وإنما أقسم تعالى بالزمان، لأنه رأس عمر الإنسان، فكل لحظة تمضي فإنها من عمرك ونقص من أجلك، كما قال القائل: 

 

إنـا لنفـرح بالأيـام  نقطعها          وكل يوم مضى نقص من الأجل

 

قال القرطبي : أقسم الله عز وجل بالعصر - وهو الدهر - لما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدلها، وما فيها من الدلالة على الصانع، وقيل: إنه قسم بصلاة العصر لأنها أفضل الصلوات. واستثنى سبحانه ممن هم في الخسران الذين آمنوا وعملوا الصالحات أي الذين جمعوا بين الإيمان وصالح الأعمال، فهؤلاء هم الفائزون، لأنهم باعوا شهوات الحياة الدنيا، واشتروا بها نعيم الجنة، واستبدلوا الباقيات الصالحات، بالشهوات العاجلة.

 

ولأنهم وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر، أي أوصى بعضهم بعضا بالحق، وهو الخير كله، من الإيمان، والتصديق، وعبادة الرحمن. وتواصوا بالصبر على الشدائد والمصائب، وعلى فعل الطاعات، وترك المحرمات.. لقد حكم تعالى بالخسارة على جميع الناس إلا من أتى بهذه الأشياء الأربعة وهي: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، فإن نجاة الإنسان لا تكون، إلا إذا كمل الإنسان نفسه بالإيمان، والعمل الصالح، وكمل غيره بالنصح والإرشاد، فيكون قد جمع بين حق الله، وحق العباد، وهذا هو السر في تخصيص هذه الأمور الأربعة بالذكر، في هذه السورة القصيرة. وقد أوجب الله سبحانه قبول المسلم عذر أخيه، وحفظ سره، ونصحه: أما قبول عذره، فلما رواه ابن ماجة بإسنادين جيدين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اعتذر إلى أخيه بمعذرة فلم يقبلها، كان عليه مثل خطيئة صاحب مكس". والمكس: الضريبة التي يأخذها الماكس، وهو العشار الذي يأخذ عشر الأموال ضرائب على البضائع المستوردة.

 

وأما حفظ سره، فلما رواه أبو داود والترمذي بإسناد حسن عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حدث رجل رجلا بحديث، ثم التفت فهو أمانة" والأمانة واجبة الحفظ، وتضييعها خيانة، والحديث يدل على حفظ المسلم سر أخيه حتى لو لم يطلب ذلك صراحة، بل بقرائن الحال كأن يحدث أخاه بحديث وهو يلتفت حوله خشية أن يسمع الحديث غيرهما. وواضح أنه من باب أولى لو طلب منه صراحة حفظ سره. وهذا إذا لم يكن في الحديث أذى عاما في حق من حقوق الله. فللجليس أن ينصحه وينهاه، وله أن يشهد قبل أن يستشهد كما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أنبئكم بخير الشهود، الذي يشهد قبل أن يستشهد". وأما نصحه، فلحديث جرير بن عبد الله المتفق عليه قال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم"، وحديث تميم بن أوس الداري عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة قلنا لمن؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". قال الخطابي: "ومعنى الحديث عماد الدين وقوامه النصيحة، كقوله صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة". أي عماده ومعظمه عرفة". كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم حق المسلم على المسلم، والأجر العظيم فيه، أخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حق المسلم على المسلم ست، قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه". فهلا التزمنا بأداء هذه الحقوق كي يرضى عنا خالقنا؟

 

مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، على أن نكمل تأملاتنا في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه. نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

إعداد الأستاذ محمد احمد النادي

الحلقة السابعة عشرة

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: 

 

أما البغض في الله، فقد نهى الله سبحانه عن حب الكفار والمنافقين والفساق المجاهرين، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل}. (الممتحنة1) 

 

وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون. ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور}. (آل عمران 119)

 

وروى الطبراني بإسناد جيد عن علي كرم الله وجهه في الجنة، قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: "ثلاث هن حق: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، ولا يتولى الله عبد فيوليه غيره، ولا يحب رجل قوما إلا حشر معهم". وفي هذا نهي جازم عن محبة أهل السوء خشية أن يحشر معهم. 

 

وأخرج الترمذي في سننه، وقال هذا حديث حسن، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من أعطى لله، ومنع لله، وأحب لله، وأبغض لله، وأنكح لله، فقد استكمل إيمانه". وكذلك روى مسلم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل ثم ينادى في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه. فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل ثم ينادى في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض". 

 

وقوله صلى الله عليه وسلم: "ثم توضع له البغضاء في الأرض" خبر أريد به الطلب، وذلك بدلالة الاقتضاء، إذ إن هناك كثيرا من الكفار، والمنافقين، والفساق المجاهرين، يوجد من يحبهم ولا يبغضهم، فاقتضى صدق المخبر أن يكون المراد بالخبر الإنشاء أي الطلب، فكأنه يقول: يا أهل الأرض أبغضوا من أبغضه الله. 

 

وبالتالي فالحديث يدل على وجوب بغض من أبغضه الله، ويندرج تحتها وجوب بغض الألد الخصم، الوارد في حديث عائشة المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم"، ووجوب بغض من يبغض الأنصار الوارد في حديث البراء المتفق عليه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: أو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله". ووجوب بغض من يقول الحق بلسانه لا يجاوز حلقه، للحديث الذي أخرجه مسلم عن بسر بن سعيد عن عبيد الله بن أبى رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحرورية لما خرجت وهو مع على بن أبى طالب رضي الله عنه قالوا: لا حكم إلا لله. قال على: كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء "يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم    - وأشار إلى حلقه - من أبغض خلق الله إليه". قوله "لا يجوز" معناها لا يتعدى، ووجوب بغض الفاحش البذيء الوارد في حديث أبي الدرداء عند الترمذي، وقال هذا حديث حسن صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "... وإن الله ليبغض الفاحش البذيء". 

 

هذا وقد وردت بعض الآثار في بغض الصحابة للكفار، منها، ما رواه مسلم عن سلمة بن الأكوع قال: "... فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة، فكسحت شوكها، فاضطجعت في أصلها، قال: فأتاني أربعة من المشركين، من أهل مكة، فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبغضتهم، فتحولت إلى شجرة أخرى ..." 

 

ومنها حديث جابر بن عبد الله عند أحمد أن عبد الله بن رواحة قال ليهود خيبر: "يا معشر اليهود، أنتم أبغض الخلق إلي، قتلتم أنبياء الله عز وجل، وكذبتم على الله، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم ...". 

 

ومنها ما ورد في بغض من يظهر الشر من المسلمين، فقد أخرج أحمد وعبد الرزاق وأبو يعلى بإسناد حسن، والحاكم في المستدرك، وقال صحيح على شرط مسلم عن أبي فراس، قال: خطب عمر بن الخطاب، فقال: "... ومن أظهر منكم شرا ظننا به شرا، وأبغضناه عليه". 

 

فالحب في الله، والبغض في الله، من أعظم الأمور التي يتصف بها المسلم الذي يرجو رضوان الله ورحمته ونصره وجنته.

 

مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، على أن نكمل تأملاتنا في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه. نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

إعداد الأستاذ محمد احمد النادي

الحلقة الثامنة عشرة

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: 

 

الخوف من الله في السر والعلانية فرض، ودليل ذلك الكتاب والسنة. أما الكتاب فقوله تعالى: {وإياي فارهبون}. (البقرة40). وقوله: {وإياي فاتقون}. (البقرة41). وقوله: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}.(آل عمران175). وقوله: {ويحذركم الله نفسه ? وإلى الله المصير}. (آل عمران 28). وقوله: {فلا تخشوا الناس واخشون}. (المائدة3). وقوله: {يا أيها الناس اتقوا ربكم}. (النساء1). وقوله: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم}. (الأنفال2). وقوله: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد. إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود. وما نؤخره إلا لأجل معدود. يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد. فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق}. (هود106). وقوله: {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب}. (الرعد21). وقوله: {ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد}. (إبراهيم 14). وقوله: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم. يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}. (الحج2). وقوله:{ولمن خاف مقام ربه جنتان}. (الرحمن46). وقوله: {ما لكم لا ترجون لله وقارا}. (نوح 13) والمعنى ما لكم لا تخافون عظمة الله. وقوله: {يوم يفر المرء من أخيه. وأمه وأبيه. وصاحبته وبنيه. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه}. (عبس37). 

 

وأما السنن والآثار فمنها ما يدل بمنطوقه على وجوب الخوف ومنها ما يدل بمفهومه:

 

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه". 

 

عن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة، ما سمعت مثلها قط فقال: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا" فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم خنين. (متفق عليه).

 

وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله، ليس بين الله وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة". (متفق عليه).

 

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا، قلت يا رسول الله الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال يا عائشة الأمر أشد من أن يهمهم ذلك" (متفق عليه).

 

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلى منهما دماغه". (متفق عليه).

 

وعن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يوم يقوم الناس لرب العالمين، حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه".

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم". (متفق عليه).

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها بمثلها وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة ، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف". (متفق عليه). فهلا كان خوفنا من الله في السر والعلانية كما كان خوف الصحابة رضي الله عنهم دافعا لهم لامتثال أوامره واجتناب نواهيه فنسعد كما سعدوا في الدنيا والآخرة؟  

 

مستمعي ا لكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، على أن نكمل تأملاتنا في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه. نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

إعداد الأستاذ محمد احمد النادي

الحلقة التاسعة عشرة

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: الخوف من الله في السر والعلانية فرض، ودليل ذلك الكتاب والسنة. 

 

أما من السنة فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد". وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كان الكفل من بنى إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ارتعدت وبكت، فقال ما يبكيك؟ أأكرهتك؟ قالت: لا، ولكنه عمل ما عملته قط، وما حملني عليه إلا الحاجة، فقال: تفعلين أنت هذا من مخافة الله! فأنا أحرى، اذهبي فلك ما أعطيتك، ووالله لا أعصى الله بعدها أبدا. فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه: إن الله قد غفر للكفل فعجب الناس من ذلك" رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي ورواه ابن حبان في صحيحه، والبيهقي في شعب الإيمان.

 

روى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه جل وعلا، أنه قال: "وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة". 

 

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم هذه الآية:{يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}. (التحريم6) تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات يوم، فخر فتى مغشيا عليه، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده، فإذا هو يتحرك، فقال: يا فتى، قل لا إله إلا الله فقالها فبشره بالجنة، فقال أصحابه: يا رسول الله، أمن بيننا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما سمعتم قول الله عز وجل: {ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد}. (إبراهيم14) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

 

وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله، قول الله عز وجل: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة}. (المؤمنون60) أهو الذي يزني، ويسرق، ويشرب الخمر؟ قال: "لا، يا بنت أبي بكر أو يا بنت الصديق ولكنه الرجل يصوم، ويتصدق، ويصلي، وهو يخاف أن لا يتقبل منه". (رواه البيهقي في الشعب والحاكم في المستدرك، وصححه، ووافقه الذهبي). 

 

وعن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا، فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا، قال ثوبان: يا رسول الله، صفهم لنا، حلهم أو جلهم لنا أن لا نكون منهم، ونحن لا نعلم، قال: أما إنهم من إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها". (رواه ابن ماجة). وقال الكناني صاحب مصباح الزجاجة هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

 

وروى البخاري في صحيحه قال: حدثنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حديثين أحدهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم والآخر عن نفسه قال إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا قال أبو شهاب بيده فوق أنفه ...".

 

وروى مسلم عن سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله يحب العبد التقى الغنى الخفي".

 

وروى ابن حبان في صحيحه عن أسامة بن شريك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كره الله منك شيئا فلا تفعله إذا خلوت". 

 

وروى البيهقي في سننه عن عبد الله بن عمرو، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد". قال الكناني هذا إسناد صحيح.

 

وروى الترمذي في سننه عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ، ذو حظ من الصلاة، أحسن عبادة ربه، وأطاعه في السر، وكان غامضا في الناس، لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافا، فصبر على ذلك، ثم نفض بيده فقال: عجلت منيته، قلت بواكيه، وقل تراثه.

 

وروى الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح الإسناد عن بهز بن حكيم قال أمنا زرارة بن أبي أوفى رضي الله عنه في مسجد بني قشير فقرأ سورة المدثر فلما بلغ قوله تعالى:{فإذا نقر في الناقور} خر ميتا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "جهزوا صاحبكم" فكنت فيمن احتمله إلى داره.  

 

وروى الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط مسلم. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: "من لقي منكم العباس فليكفف عنه، فإنه خرج مستكرها، فقال أبو حذيفة بن عتبة: أنقتل آباءنا وإخواننا وعشائرنا، وندع العباس؟ والله لأضربنه بالسيف! فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر بن الخطاب: يا أبا حفص- قال عمر رضي الله عنه إنه لأول يوم كناني فيه بأبي حفص- يضرب وجه عم رسول الله بالسيف؟ فقال عمر: دعني فلأضرب عنقه فإنه قد نافق، وكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت، ولا أزال خائفا حتى يكفرها الله عني بالشهادة. قال: فقتل يوم اليمامة شهيدا". 

 

أيها المسلمون:

 

أرأيتم كيف كان خوف الصحابة وخشيتهم من الله تعالى؟ وكيف كان إيمانهم به سبحانه؟ وكيف كانت الأفكار التي يتلقونها من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم تتجسد لديهم، وتتحول إلى مفاهيم يصدقون بها تصديقا جازما، يحدثهم نبيهم صلى الله عليه وسلم عن يوم القيامة فيغشى عليهم، وكأن هذا اليوم قد صار واقعا محسوسا. فهل لدينا إيمان مثل إيمانهم؟ انتظروا الإجابة في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، وكان في العمر بقية.  

 

مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، على أن نكمل تأملاتنا في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه. نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

إعداد الأستاذ محمد احمد النادي

الحلقة والعشرون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: 

 

عرفنا في الحلقة السابقة كيف كان خوف الصحابة وخشيتهم من الله تعالى؟ وكيف كان إيمانهم به سبحانه؟ وكيف كانت الأفكار التي يتلقونها من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم تتجسد لديهم، وتتحول إلى مفاهيم يصدقون بها تصديقا جازما، يحدثهم نبيهم صلى الله عليه وسلم عن يوم القيامة فيغشى عليهم، وكأن هذا اليوم قد صار واقعا محسوسا. 

 

وفي ظل هذه الثورات المباركة، التي ثارت فيها الشعوب ضد حكامها وأنظمتهم التي ذاقوا في ظلها الويلات والهزائم والنكبات، وفي غمرة تلمس الأمة طريق الخلاص من هؤلاء الحكام، ومن تلك الأنظمة الجائرة، والبحث عن قائد مخلص يقود الأمة إلى طريق النجاة وإلى بر الأمان نتساءل قائلين: هل لدينا في زماننا هذا الذي نعيش فيه أناس أمثال هؤلاء الصحابة، عندهم إيمان راسخ مثل إيمانهم؟ 

 

نجيب فنقول: إن الأمة الإسلامية التي أنجبت أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وخالدا وأبا عبيدة والقعقاع وصلاح الدين وغيرهم من قادة الفتح العظماء الذين سطروا التاريخ المجيد لهذه الأمة، لا زالت بحمد الله قادرة على إن تنجب قادة عظماء أمثالهم! وأدلة ذلك الكتاب والسنة:

 

أما من الكتاب فقوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية. جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا  رضي الله عنهم ورضوا عنه  ذلك لمن خشي ربه}. (البينة 8)  

 

لقد امتدح الله سبحانه وتعالى بهذه الآية الكريمة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما امتدح كل من عمل بمثل عملهم من المؤمنين الذين جمعوا بين الإيمان وصالح الأعمال، فهم خير الخليقة التي خلقها الله وبرأها، ثوابهم في الآخرة على ما قدموا من الإيمان والأعمال الصالحة جنات إقامة دائمة تجري من تحت قصورها أنهار الجنة، ماكثين فيها أبدا، لا يموتون ولا يخرجون منها، وهم في نعيم دائم لا ينقطع، رضي الله عنهم بما قدموا في الدنيا من الطاعات، وفعل الصالحات، ورضوا عنه بما أعطاهم من الخيرات والكرامات، وذلك الجزاء والثواب الحسن ليس لهؤلاء الصحابة وحدهم بل لكل من خاف الله واتقاه، وانتهى عن معصية مولاه.

 

وقوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا  ذلك الفوز العظيم}. (التوبة100) 

 

وهذه آية أخرى كريمة امتدح الله فيها صحابة النبي صلى الله عليه وسلم والذين اتبعوهم بإحسان، فالسابقون الأولون في الهجرة والنصرة، الذين سبقوا إلى الإيمان من الصحابة والذين سلكوا طريقهم واقتدوا بهم في سيرتهم الحسنة، وهم التابعون، ومن سار على نهجهم إلى يوم القيامة، وعدهم الرحمن بالغفران والرضوان، رضي الله عنهم وأرضاهم، وهذا أرقى المراتب التي يسعى إليها المؤمنون، ويتنافس فيها المتنافسون، أن يرضى الله تعالى عنهم ويرضيهم، قال الطبري: رضي الله عنهم لطاعتهم إياه وإجابتهم نبيه، ورضوا عنه لما أجزل لهم من الثواب على الطاعة والإيمان، وأعد لهم في الآخرة جنات تجري من تحت أشجارها وقصورها الأنهار مقيمين فيها من غير انتهاء. ذلك هو الفوز العظيم الذي لا فوز وراءه، ولا فوز بعده. 

 

وأما من السنة فقد أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي نجيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره". وروى سلمة بن الأكوع في سننه عن عمار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل أمتي كالمطر، يجعله الله في أوله خيرا، وفي آخره خيرا".

 

أيها المسلمون:

 

لقد أكرمني الله وشرفني منذ عشرات السنين بحمل الدعوة مع حزب التحرير، وقد شارفت على الستين سائلا المولى تبارك وتعالى حسن الختام، والثبات على الإيمان، وقد عشت عيشا طبيعيا مع شباب الدعوة من القياديين، ومن غير القياديين، في السجن وفي خارج السجن، ومن خلال تجربتي الشخصية ومن خلال سيري في حمل الدعوة خرجت بنتيجة، مفادها ومؤداها أن قيادة هذا الحزب هي قيادة واعية، ومخلصة، وحكيمة، وهي قيادة حازمة، وجادة، وثابتة على الحق، لا تخشى في الله لومة لائم، ولا تطمع في شيء سوى رضا الله جل في علاه. 

 

وأحب أن أقدم النصح لشباب الأمة الذين يقودون الحراك الشعبي، فأقول لهم: كونوا مع هذا الحزب فهو يسعى لخيركم، ولخير أمتكم، بل لخير العالم أجمع.      

 

مستمعي الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير: 

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، على أن نكمل تأملاتنا في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه. نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...