اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

إعداد الأستاذ محمد احمد النادي

الحلقة السادسة والعشرون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو "البكاء من خشية الله". البكاء من خشيته تعالى وعند ذكره مندوب، ودليل ذلك الكتاب والسنة: أما من الكتاب فقوله تعالى: {أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون}.(النجم60) وقوله تعالى: {ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا}. (الإسراء109) وقوله تعالى: {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا}. (مريم58). وأما من السنة فللأحاديث الآتية: عن ابن مسعود رضي الله عنهقال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "اقرأ علي القرآن". قلت: يا رسول الله، أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: "إني أحب أن أسمعه من غيري". فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}. قال: حسبك الآن. فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان". (متفق عليه).

 

وعن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط قال: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا قال فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم خنين". (متفق عليه).

 

أيها المسلمون:

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ... إلى أن قال: ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه". (متفق عليه). وعن ابن عمر قال: لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه قيل له في الصلاة فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس". قالت عائشة: "إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ غلبه البكاء". هذه رواية البخاري، وفي رواية مسلم "قالت: فقلت يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه ..." (متفق عليه). وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب رضي الله عنه: "إن الله عز وجل أمرني أن أقرأ عليك {لم يكن الذين كفروا}. قال وسماني؟ قال: نعم فبكى أبي". (متفق عليه). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم". (رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح). وعن عبد الله الشخير رضي الله عنه قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلموهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء". قال النووي: رواه أبو داود والترمذي في الشمائل بإسناد صحيح.

 

أيها المسلمون:

 

وعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أتي بطعام، وكان صائما فقال: "قتل مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو خير مني، كفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه، وأراه قال: وقتل حمزة وهو خير مني، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، أو قال أعطينا من الدنيا ما أعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام". وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون...". (رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح) وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله، حتى يصيب الأرض من دموعه،لم يعذب يوم القيامة". (رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي) وعن أبي ريحانة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فسمعته يقول: "حرمت النار على عين دمعت من خشية الله، حرمت النار على عين سهرت في سبيل الله، ونسيت الثالثة، وسمعت بعد أنه قال: حرمت النار على عين غضت عن محارم الله". (رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي والنسائي واللفظ له).

 

وعن ابن أبي مليكة، قال: جلسنا إلى عبد الله بن عمرو في الحجر، فقال: "ابكوا فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا، لو تعلمون العلم لصلى أحدكم حتى ينكسر ظهره، ولبكى حتى ينقطع صوته". (رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي). وعن علي رضي الله عنه قال: "ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي، ويبكي، حتى أصبح". (رواه ابن خزيمة في صحيحه). وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طوبى لمن ملك لسانه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته". (رواه الطبراني في المعجم الأوسط).

 

أيها المسلمون:

 

هكذا يكون البكاء من خشية الله، فهلا التزمنا به كما التزم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما التزم الصحابة الكرام رضي الله عنهم ليرضى الله تعالى عنا كما رضي عنهم، وليعزنا كما أعزهم، ولينصرنا كما نصرهم؟ نأمل ونرجو ذلك! وما ذلك على الله بعزيز!

 

إخوتي الكرام:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، على أن نكمل تأملاتنا في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

إعداد الأستاذ محمد احمد النادي

الحلقة السابعة والعشرون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق:

 

عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو "الرجاء من الله سبحانه، وعدم القنوط من رحمته". والمقصود بالرجاء حسن الظن بالله سبحانه، ومن إحسان الظن به تعالى أن ترجو رحمته وفرجه ومغفرته ونصره. وقد مدح الله سبحانه فاعله كما مدح من يخشاه ويخافه، وأوجب الرجاء وحسن الظن كما أوجب الخوف، فينبغي للعبد أن يكون خائفا راجيا، وقد مرت أدلة الخوف، وفيما يلي بعض أدلة الرجاء من الكتاب والسنة:

 

أما من الكتاب فقد قال تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم}. (البقرة218) وقال تعالى: {وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين}. (الأعراف56) وقال تعالى: {وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب}. (الرعد6) وقال تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا}. (الإسراء57) وقال تعالى: {ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين}. (الأنبياء90) وقال تعالى: {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب}. (الزمر9)

 

وأما السنة فمن أدلة الرجاء فيها الأحاديث الآتية:

 

فعن واثلة بن الأسقع قال: "... فأبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله جل وعلا: أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرا فله، وإن ظن شرا فله" (رواه أحمد بإسناد حسن وابن حبان في صحيحه). وقوله "وإن ظن شرا فله" قرينة على أن الطلب جازم أي أن الأمر بالرجاء، وإحسان الظن في الآيات والأحاديث يفيد الوجوب.

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني ... " (متفق عليه).

 

وعن جابر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، قبل موته بثلاثة أيام، يقول: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل" (رواه مسلم).

 

وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال: "كيف تجدك؟ قال: أرجو الله يا رسول الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف" ( رواه الترمذي، وابن ماجة، وقال الحافظ المنذري: إسناده حسن).

 

وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن).

 

وأما القنوط فهو اليأس، وهما لفظان مترادفان، وهما ضد الرجاء، والقنوط من رحمة الله، وروحه حرام، والدليل على ذلك الكتاب والسنة:

 

أما من الكتاب: فقوله تعالى: {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تايئسوا من روح الله إنه لا يايئس من روح الله إلا القوم الكافرون}. (يوسف87) روح الله: فرجه ورحمته. وقوله تعالى: {قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين. قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} (الحجر56) وقوله تعالى: {والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم}. (العنكبوت23) وقوله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}. (الزمر53)

 

وأما من السنة فللأحاديث الآتية: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد" (متفق عليه).

 

وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "... وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله رداءه، فإن رداءه الكبرياء، وإزاره العزة، ورجل كان في شك من أمر الله، والقنوط من رحمة الله". (رواه أحمد  والطبراني والبزار، والبخاري في الأدب، وابن حبان في صحيحه، وقال الهيثمي: رجاله ثقات). وعن حبة، وسواء، ابني خالد، قالا: "دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعالج شيئا، فأعناه عليه، فقال: لا تيأسا من الرزق ما تهززت رؤوسكما، فإن الإنسان تلده أمه أحمر، ليس عليه قشر، ثم يرزقه الله عز وجل". (رواه أحمد وابن ماجة وابن حبان في صحيحه). وعن ابن عباس أن رجلا قال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: "الشرك بالله، والأياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله". (رواه البزار والطبراني وحسنه السيوطي).

 

والرسل صلوات الله عليهم لم يستيئسوا من نصر الله وفرجه، وإنما استيأسوا من إيمان أقوامهم. قال تعالى: {حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين}. (يوسف110) روى البخاري أن عائشة رضي الله عنها كانت تقرأ {كذبوا} بالتشديد أي أن التكذيب هو من الأقوام للرسل، لأن الرسل معصومون.

 

أيها المسلمون:

 

هكذا كان "الرجاء من الله سبحانه، وعدم القنوط من رحمته، فهلا التزمنا بذلك كما التزم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما التزم الصحابة الكرام رضي الله عنهم ليرضى الله تعالى عنا كما رضي عنهم، وليعزنا كما أعزهم، ولينصرنا كما نصرهم؟ نأمل ونرجو ذلك! وما ذلك على الله بعزيز!

 

إخوتي الكرام:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، على أن نكمل تأملاتنا في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

إعداد الأستاذ محمد احمد النادي

الحلقة الثامنة والعشرون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق:

 

عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو "الصبر عند الابتلاء" آيات الصبر في القرآن الكريم كثيرة نذكر منها قوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}. (البقرة214).

 

وقوله تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}. (البقرة157).

 

وقوله تعالى: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور}. (آل عمران186). وقوله تعالى: {وبشر الصابرين}. (البقرة155).

 

وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبر‌وا وصابر‌وا ور‌ابطوا واتقوا اللـه لعلكم تفلحون}. (آل عمران200). وقوله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}. (الزمر10). وقوله تعالى: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}. (الشورى43). وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين}. (البقرة153).

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع" (أخرجه أحمد من طريق محمود بن لبيد). وأخرج أحمد من طريق مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: "الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل من الناس يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه وإن كان في دينه رقـة خفف عنه وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة". وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... والصبر ضياء ..." رواه مسلم.

 

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "... ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر" متفق عليه. وعن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:    "... وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" رواه مسلم. وعن أنس رضي الله عنه قال: "مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبيصلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك. فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى" متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة" رواه البخاري. وعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرها: "أنه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء، فجعله الله تعالى رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع في الطاعون، فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر الشهيد". رواه البخاري.

 

وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عز وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر، عوضته منهما الجنة". يريد عينيه. رواه البخاري. وعن عطاء ابن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى، فقال: "هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله تعالى لي، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها". متفق عليه. وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، انتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم، فقال: "يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، ثم قال: اللهم، منـزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم". متفق عليه.

 

أيها المسلمون:

 

هكذا يكون الصبر عند الابتلاء، فهلا التزمنا بهذا الخلق كما التزم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما التزم الصحابة الكرام رضي الله عنهم ليرضى عنا كما رضي عنهم، وليعزنا كما أعزهم، ولينصرنا كما نصرهم؟ نأمل ونرجو ذلك! وما ذلك على الله بعزيز!

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، على أن نكمل تأملاتنا في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.  

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة التاسعة والعشرون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق:

 

عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو "الرضا بالقضاء" فقد روى النسائي في سننه عن عطاء بن السائب، عن أبيه، قال: صلى بنا عمار بن ياسر صلاة فأوجز فيها، فقال له بعض القوم: لقد خففت أو أوجزت الصلاة، فقال: أما على ذلك فقد دعوت الله فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي، اللهم أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك العدل في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الغنى والفقر، وأسألك نعيما لا يبيد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين".

 

وقد مدح الشارع الحكيم استسلام العبد لله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أعلمك أو أدلك على كلمة من تحت العرش من كنـز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله، يقول الله عز وجل أسلم عبدي واستسلم" رواه الحاكم بسند قوي.

 

والسخط بالقضاء حرام. ذكر القرافي في الذخيرة الإجماع على هذا، وهو يقصد إجماع المجتهدين ولفظه "السخط بالقضاء حرام إجماعا"، وفرق بين القضاء والمقضي فقال: "إذا ابتلي الإنسان بمرض، فتألم من المرض بمقتضى طبعه، فهذا ليس عدم رضا بالقضاء، بل عدم رضا بالمقضي، وإن قال: أي شيء عملت حتى أصابني هذا، وما ذنبي، وما كنت أستأهله، فهذا عدم رضا بالقضاء لا بالمقضي". ويدل على تحريم السخط بالقضاء الحديث الذي رواه ابن ماجة في سننه عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.

 

والرضا والسخط من فعل الإنسان، ولذلك يثاب على الرضا ويعاقب على السخط. أما القضاء نفسه فليس من فعل الإنسان، ولذلك فإن الإنسان لا يسأل عن حدوث القضاء؛ لأنه ليس فعله، ولكنه يسأل عن رضاه أو سخطه لأنه فعله. قال تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}، ويكون هذا القضاء كفارة لذنوبه، ووسيلة تحط بها خطاياه، والأدلة على هذا المفهوم كثيرة منها حديث عبد الله المتفق عليه، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "... ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها". ومنها حديث عائشة المتفق عليه قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصيب المؤمن شوكة فما فوقها إلا قص الله بها من خطيئة"، وفي رواية "نقص". وحديث أبي هريرة المتفق عليه وأبي سعيد المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه". وفي الباب عن سعد ومعاوية وابن عباس وجابر وأم العلاء وأبي بكر وعبد الرحمن بن أزهر والحسن وأنس وشداد وأبي عبيدة رضي الله عنهم بأسانيد إما حسان وإما صحاح كلهم يرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن البلاء تحط به الخطايا. وحديث عائشة رضي الله عنها المتفق عليه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة" وفي رواية "إلا كتب الله له بها حسنة".

 

والثواب هنا على الرضا بالقضاء والصبر عليه، والشكر وعدم التشكي إلا لله، وقد ورد بهذا القيد أحاديث كثيرة منها ما رواه مسلم عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن"، وما رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عز وجل قال: يا عيسى إني باعث من بعدك أمة، إن أصابهم ما يحبون حمدوا الله، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا ولا حلم ولا علم، فقال يا رب كيف يكون هذا؟ قال: أعطيهم من حلمي وعلمي". وما رواه الطبراني بإسناد لا بأس به عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصيب بمصيبة بماله أو في نفسه فكتمها ولم يشكها إلى الناس، كان حقا على الله أن يغفر له". وما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول: "إن الله عز وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة"، وما رواه البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يشاك شوكة في الدنيا يحتسبها إلا قضى بها من خطاياه يوم القيامة".

 

أيها المسلمون:

 

هكذا يكون الرضا بالقضاء، فهلا التزمنا بهذا الخلق كما التزم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما التزم الصحابة الكرام رضي الله عنهم ليرضى عنا كما رضي عنهم، وليعزنا كما أعزهم، ولينصرنا كما نصرهم؟ نأمل ونرجو ذلك! وما ذلك على الله بعزيز!

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد احمد النادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة الثلاثون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو "الصبر واقعه ومدلوله" وهنا لا بد لنا من وقفة نتدبر فيها معنى الصبر؛ لإزالة الالتباس عند بعض المسلمين حول واقعه ومدلوله.

 

إن بعض الناس يظنون أن المرء إذا انطوى على نفسه، وانعزل عن الناس، وترك المنكر وأهله ورأى المحرمات تنتهك، وحدود الله تعطل، والجهاد يلغى، وهو لا يتخذ موقفا تجاه ذلك، بل هو مبتعد عنه، وتارك للنهي عن المنكر، بعض الناس يظن أنه بذلك يكون صابرا. أو يفهم الصبر أن يدفع الأذى عن نفسه، ويتفادى التعرض أن يناله شيء من ملاحقة أعداء الله، فلا يجرؤ على قول كلمة الحق أو العمل بما يرضي الله، بل يبقى صامتا قابعا في إحدى الزوايا، ويقول عن نفسه إنه صابر. إن هذا ليس هو الصبر الذي أعد الله لأهله جنات النعيم بقوله سبحانه وتعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}. (الزمر10) بل هذا هو العجز بعينه الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه: "أعوذ بالله من العجز والكسل والجبن والبخل، والهم والحزن، وغلبة الدين، وقهر الرجال".

 

إن الصبر هو أن تقول الحق، وتفعل الحق، وتتحمل الأذى في سبيل الله الناتج عن ذلك دون أن تنحرف أو تضعف أو تلين. إن الصبر هو الذي رتبه الله على التقوى بقوله سبحانه: {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين}. (يوسف90) إن الصبر هو الذي قرنه سبحانه بالمجاهدين بقوله تعالى: {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين}. (آل عمران 146)

 

إنه الصبر على الابتلاء، والصبر على القضاء، الذي يقود إلى ثبات لا إلى اهتزاز، ويقود إلى تمسك بالكتاب، لا إلى نبذه بحجة فداحة المصاب، والذي يزيد المرء التصاقا بربه لا ابتعادا عنه. قال تعالى: {فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}.(الأنبياء87)

 

إنه الصبر الذي يشحذ الهمة، ويقرب الطريق إلى الجنة، صبر بلال وخباب وآل ياسر، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صبرا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة". صبر خبيب وزيد، قال خبيب: "والله لا أرضى أن يصاب محمد صلى الله عليه وسلمبشوكة، وأنا سالم بأهلي". صبر الذين يأخذون على يد الظالم دون أن يخافوا في الله لومة لائم "كلا والله لتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا، ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض وليلعننكم كما لعنهم" أي كما لعن بني إسرائيل.

 

صبر الألى الغر الميامين، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين، صبر أصحاب الصحيفة، ومقاطعي الشعب، ومهجري الحبشة، والملاحقين لقولهم: ربنا الله.

 

صبر المهاجرين والأنصار في جهادهم أهل الشرك والفرس والروم، صبر الأسرى رهط عبد الله بن أبي حذافة السهمي، صبر المجاهدين المؤمنين الصادقين. الصبر أن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، ولا تضعف أمام الأذى في سبيل الله.

 

الصبر أن تكون جنديا في جيش المسلمين الزاحف لقتال أعداء الله. الصبر أن تكون مصداق قوله تعالى: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور}. (آل عمران186) وقوله سبحانه: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم}. (محمد31) ثم قوله سبحانه: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}. (البقرة 157).

 

أيها المسلمون:

 

هذا هو الصبر، وهذا هو واقعه، وهذا هو مدلوله، فهلا التزمنا بهذه المفاهيم كما التزم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما التزم الصحابة الكرام رضي الله عنهم ليرضى عنا كما رضي عنهم، وليعزنا كما أعزهم، ولينصرنا كما نصرهم؟ نأمل ونرجو ذلك! وما ذلك على الله بعزيز!

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد احمد النادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة الحادية والثلاثون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو "الدعاء". الدعاء عبادة، بل هو مخ العبادة لقوله سبحانه وتعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}. (غافر60) فالله جعل الدعاء في الآية الكريمة عبادة فذكر لفظ: {عبادتي} بعد ذكر لفظ {ادعوني}، وهذا على نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء مخ العبادة" أخرجه الترمذي من طريق النعمان بن بشير، وقال: حسن صحيح. فالدعاء عبادة، والله يحب عبده الذي يدعوه، فهو مندوب، ومن لم يدع الله يكون قد ترك خيرا كثيرا، فإن كان عدم دعاء الله سبحانه استكبارا كان صاحبه من جملة من قال الله فيهم: {سيدخلون جهنم داخرين}. أي أذلاء صاغرين مهانين.

 

إن الله سبحانه بين لنا كيف ندعوه ونحن مستجيبون له، نلتزم شرعه ونقتدي برسوله صلى الله عليه وسلم فقال: {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}. وكما قال صلى الله عليه وسلم: "... ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذى بالحرام فأنى يستجاب لذلك ". أخرجه مسلم. وأفضل أوقات الدعاء، أثناء السجود، وفي جوف الليل، ودبر الصلوات المكتوبات، عن أبي هريرة عند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء"، وعن أبي أمامة عند الترمذي وقال حديث حسن قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات". كما أن الدعاء في شهر رمضان له أجر عظيم. أخرج الترمذي، وقال حديث حسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: "ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين".

 

إن الدعاء - وهو عبادة - لا يعني أن نترك الأخذ بالأسباب. وسيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بينة في ذلك. فالرسول صلى الله عليه وسلم يجهز الجيش في بدر، ويرتب الجند كلا في موقعه، ويعدهم الإعداد الجيد للقتال، ثم يدخل صلى الله عليه وسلمالعريش يدعو الله راجيا منه النصر، ويكثر من الدعاء فيقول: "اللهم انصر هذه العصابة، فإنك إن لم تفعل لم تعبد في الأرض". حتى يقول له أبو بكر رضي الله عنه: "بعض مناشدتك ربك، فوالله لينجزن لك الذي وعدك". ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أذن الله له بالهجرة من مكة إلى المدينة اتخذ كل ما يمكن أن يتخذه بشر من الأسباب التي تؤدي به إلى النجاة، في الوقت نفسه الذي يدعو الله فيه على كفار قريش أن يصرفهم الله عنه وينجيه من مكرهم، ويوصله المدينة سالما. فبدل أن يتجه صلوات الله وسلامه عليه إلى الشمال حيث المدينة، اتجه إلى الجنوب واختفى في غار ثور هو وأبو بكر رضي الله عنه، ثم كان يستقبل الأخبار عن قريش وما تخطط وتدبر له من قبل عبد الرحمن بن أبي بكر، ثم عندما يعود إلى مكة يجعل غلام أبي بكر يرجع بالغنم إلى مكة خلفه ليطمس أثر الغنم أثر ابن أبي بكر لتضليل كفار قريش، وبقي ثلاثة أيام إلى أن خف الطلب عليه فواصل السير إلى المدينة المنورة، وكل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان واثقا من وصوله إلى المدينة سالما فهو يجيب أبا بكر وقد خشي وصول كفار قريش إليهما عندما رآهم أمام الغار، فيقول للرسول صلى الله عليه وسلم: لو نظر أحدهم إلى موطن قدميه لرآنا، فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر، لا تحزن إن الله معنا".  "يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما!". {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}. (التوبة40). ثم إنه صلى الله عليه وسلم يقول لسراقة وقد أوشك على اللحاق بالرسول وأبي بكر في هجرتهما ليدل عليهما ويمسك بهما نظير الجائزة التي وضعتها قريش لذلك، يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بأن يرجع وله سوارا كسرى". فرسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بالأسباب لنقتدي به صلوات الله وسلامه عليه في الوقت الذي يدعو الله أن ينجيه من طلب كفار قريش له، وأن يرد كيدهم في نحرهم، فهو يخرج من بيته ليلا، ويجد الكفار يحيطون بالدار، فيقذف في وجوههم التراب. وهو مطمئن إلى استجابة الله له وصرفهم عنه، وهكذا تم فقد ضرب عليهم النوم وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم. فالدعاء لا يعني تعطيل الأخذ بالأسباب بل هو ملازم لها. فمن أحب أن تقام الخلافة من جديد فعليه أن لا يكتفي بدعاء ربه لتحقيق ذلك، بل يعمل مع العاملين لإيجادها، ويدعو الله أن يمده بالعون في ذلك والتعجيل بتحقيقها، ويلح في الدعاء خالصا لله، وهو يأخذ بالأسباب.

 

أيها المسلمون: وهكذا في جميع الأعمال، يخلص المرء العمل لله ويدعو ويلح في الدعاء والله سبحانه سميع مجيب الدعاء.

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد احمد النادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة الثانية والثلاثون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: موضوع حلقتنا لهذا اليوم عن إجابة الدعاء وعن الذكر والاستغفار.

 

إن الله سبحانه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ويجيب المضطر إذا دعاه قال تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}. (غافر60) وقال سبحانه: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}. وقال: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء}. (النمل62). غير أن الإجابة لها حقيقة شرعية بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل الله له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: يا رسول الله إذا نكثر قال: الله أكثر".

 

وروى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل". قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: "يقول قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء". وهذا يعني أن إجابة الدعاء ليس بالضرورة تحقيقها في الدنيا، بل قد تكون كذلك أو يدخرها له الله في الآخرة، وهناك الأجر العظيم والثواب الكبير، أو يصرف عنه من السوء مثلها. فنحن ندعو الله سبحانه فإن كنا صادقين مخلصين طائعين نكون موقنين عندها بالإجابة بالمعنى الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وكذلك فقد أمرنا الله سبحانه بالذكر، قال تعالى: {فاذكروني أذكركم}. (البقرة) وقال: {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين}. (الأعراف205) وقال: {واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}. (الجمعة45) وقال: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا}.(الأحزاب42)

 

وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة". وعن أبي هريرة عند مسلم قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان فقال: "سيروا هذا جمدان سبق المفردون". قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيرا والذاكرات". وذكر القرافي في الذخيرة: وقال الحسن: الذكر ذكران: ذكر اللسان، فذلك حسن، وأفضل منه ذكر الله عند أمره ونهيه. وباب الأذكار المأثورة واسع فليرجع إليها في مظانها.

 

وأما الاستغفار فهو مندوب كذلك، قال تعالى: {والمستغفرين بالأسحار}. (آل عمران17). وقال: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} (النساء110). وقال تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}.(الأنفال33). وقال: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}.(آل عمران135).

وعن أبي هريرة عند مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا، لذهب الله تعالى بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم". وعن أنس عند الترمذي بإسناد حسن قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة".

 

وعن أبي سعيد الخدري عند أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال إبليس: وعزتك، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني". وعن عبد الله ابن بسر عند ابن ماجه بإسناد صحيح قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "طوبى لمن وجد في صحيفته استغفار كثير". وعن أبي ذر من حديث طويل عند مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: "... يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم ...". فهلا التزمنا بهذه الأحكام؟ نأمل ونرجو ذلك! وما ذلك على الله بعزيز!

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد أحمد النادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة الثالثة والثلاثون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: "التوكل على الله والإخلاص له سبحانه" التوكل على الله سبحانه تتعلق به مسائل عدة:

 

الأولى: متعلقة بالعقيدة وهي أن هناك خالقا هو الله سبحانه يعتمد عليه المسلم في جلب الخير أو دفع الضر، ومنكر هذا كافر.

 

الثانية: يجب على العبد أن يتوكل على الله في شأنه كله، وهذا التوكل من أعمال القلب، وإن تلفظ به العبد دون تصديق من القلب فلا اعتبار له. الثالثة: إن أنكر العبد أدلة التوكل القطعية فقد كفر.

 

الرابعة: التوكل غير الأخذ بالأسباب، وهما مسألتان مختلفتان، وأدلتهما مختلفة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوكل، ويأخذ بالأسباب، ويأمر صحابته بذلك، إما بآية أو حديث. فقد كان صلى الله عليه وسلم يعد ما يستطيع من قوة، كتغوير آبار بدر، وحفر الخندق، واستعارة الأدرع من صفوان، وبث العيون، وقطع الماء عن خيبر، وتعمية الأخبار عن قريش عندما سار لفتح مكة، ودخل مكة مظاهرا بين درعين. وكان يتخذ حرسا قبل نزول قوله تعالى:{والله يعصمك من الناس}. وغير هذا مما كان منه صلى الله عليه وسلم في المدينة بعد قيام الدولة، أما في مكة فإنه أذن لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة، وقبل حماية عمه أبي طالب، وأقام في الشعب طيلة مدة المقاطعة، وليلة الهجرة أمر عليا أن ينام في فراشه، ونام في الغار ثلاث ليال، واستأجر رجلا من بني الدئل هاديا خريتا، وكل هذا أخذ بالأسباب، وهو لا ينافي التوكل، ولا علاقة له به، والخلط بين المسألتين يجعل التوكل شكليا لا أثر له.

 

ومن أدلة وجوب التوكل: قوله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}. (آل عمران173). وقوله تعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت}.(الفرقان58). وقوله تعالى: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون}. (التوبة10).

 

وقوله تعالى: {فإذا عزمت فتوكل على الله}. (آل عمران159). وقوله تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}. (الطلاق2). وقوله تعالى: {فاعبده وتوكل عليه}. (هود123). وقوله تعالى: {فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم}. (التوبة129). وقوله تعالى: {ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم}. (الأنفال49). والآيات التي توجب التوكل كثيرة.

 

أما الأدلة من السنة فمنها الحديث المتفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما، في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم الذين لا يرقون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون".

 

ومنها الحديث المتفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا قام من الليل يتهجد قال: "... اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت ...".

 

ومنها الحديث المتفق عليه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: نظرت إلى أقدام المشركين، ونحن في الغار، وهم على رؤوسنا، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما".

 

ومنها الحديث الصحيح الذي رواه التزمذي عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال: "بسم الله توكلت على الله ... الحديث".

 

ومنها الحديث الصحيح الذي رواه ابن حبان في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: حسبك، قد كفيت، وهديت، ووقيت، فيلقى الشيطان شيطانا آخر، فيقول له: كيف لك برجل قد كفي ووقي وهدي".

 

ومنها الحديث الصحيح الذي رواه ابن حبان في صحيحه وصححه المقدسي في المختارة. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أنكم توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصا وتروح بطانا".  

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد احمد النادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة الرابعة والثلاثون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق:

 

عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: "الإخلاص في الطاعة لله عز وجل" قال تعالى: {وما أمر‌وا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}. (البينة5) فالإخلاص لله تعالى في الطاعة والعبادة هو ترك الرياء، وهو من أعمال القلوب لا يعلمه إلا العبد وخالقه، وربما خفي واختلط أمره على العبد، حتى يدقق ويحاسب نفسه ويعاود التفكير ويسأل لماذا قام بالطاعة؟ أو لماذا هو متلبس بها؟ فإن وجد أنه إنما يقوم بها لله وحده فقد أخلص؛ وإن وجد أنه يقوم بها لغرض آخر فقد راءى، ومثل هذه النفسية تحتاج إلى علاج، ربما طالت مدته، فإذا وصل العبد إلى مرتبة يحب فيها كتمان حسناته كانت علامة على الإخلاص. قال القرطبي: "سئل الحسن عن الإخلاص والرياء فقال: من الإخلاص أن تحب أن تكتم حسناتك، ولا تحب أن تكتم سيئاتك". قال أبو يوسف في كتاب الخراج: حدثني مسعر عن سعد بن إبراهيم قال: "مروا على رجل يوم القادسية وقد قطعت يداه ورجلاه، وهو يفحص، وهو يتلو قوله تعالى: {مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}. (النساء 69) فقال له رجل: من أنت يا عبد الله؟ قال: امرؤ من الأنصار ولم يذكر اسمه.

 

والإخلاص واجب، والأدلة على هذا متضافرة من الكتاب والسنة: قال تعالى في سورة الزمر: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين}. (الزمر2) وقال تعالى: {ألا لله الدين الخالص}. (الزمر3)وقال تعالى: {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين}. (الزمر11) وقال تعالى: {قل الله أعبد مخلصا له ديني}. (الزمر14) ومن المعلوم أن خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته.

 

أما الأدلة من السنة فمنها حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عند الترمذي والشافعي في الرسالة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يغل عليهن قلب المؤمن: إخلاص العمل لله، والنصيحة لولاة الأمر، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم".

 

وعن أبي بن كعب رضي الله عنه عند أحمد وقال في المختارة إسناده حسن. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، ومن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة نصيب".

 

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عند ابن ماجه والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده، وعبادته لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فارقها والله عنه راض".

 

وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عند النسائي وأبي داود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له فأعادها ثلاث مرات يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له، ثم قال: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه. قال المنذري: إسناده جيد.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد أحمد النادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة الخامسة والثلاثون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: "الثبات على الحق أثناء حمل الدعوة"، عن الأساليب التي استعملها كفار مكة لمقاومة الدعوة:

حامل الدعوة إما أن يكون في دار الكفر، ويعمل للتغيير وتحويل الدار إلى دار إسلام، كما هو الوضع اليوم في نهاية الربع الثاني من القرن الخامس عشر الهجري، فقد هدمت الخلافة منذ حوالي تسعين عاما، وطبقت الأرض إمرة السفهاء، وغيب الإسلام عن حياة المسلمين، وإما أن يكون حامل الدعوة في دار الإسلام، مشتغلا بالمحاسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والوضع الأول هو المقصود هنا، لأن المسلمين يعيشونه بشكل عام، وحملة الدعوة بشكل خاص، وحملة الدعوة للتغيير وضعهم أشبه بوضع المسلمين في مكة، وهم زيادة على ذلك مخاطبون بالأحكام التي نزلت بعد الهجرة، إلا أن البحث سيقتصر على ما قبل الهجرة لتشابه الوضعين، فقد كان الكفار في مكة يطلبون من المسلمين أن يكفروا ويرجعوا عن الإسلام، وأن يتركوا حمل الدعوة إلى غيرهم، وأن لا يستعلنوا بعبادتهم أمام الجماهير. وهذه المطالب فعلها الحكام الظلمة وزادوا عليها أن يتعاون حامل الدعوة إما بأن يصبح جاسوسا، وإما أن يكون عميلا فكريا، يروج الأفكار التي تخدم إمرة السفهاء، وتطيل بقاءهم وبقاء نفوذ الكفار في بلاد المسلمين، فوجد جراء هذا جيوش من الجواسيس والعملاء الفكريين والمفتين حسب الطلب. ومثل هذا المطلب الخبيث لا أعلم أن قريشا اتبعته. ولتحقيق المطالب المذكورة، استعمل كفار مكة أساليب متعددة، كالقتل، والتعذيب، والأذى والحبس، والوثاق، والمنع من الهجرة، وأخذ المال، والاستهزاء، والمحاربة في الأرزاق، والمقاطعة، وتشويه السمعة بالشائعات الكاذبة، وقد استعمل الحكام الظلمة هذه الأساليب، وزادوا عليها، وتفننوا في التعذيب، فاستعملوا المكتشفات الحديثة كالكهرباء بدل استعمالها في الثورة الصناعية. وقد كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مواقف يجب التأسي والإقتداء بها على وجهها. وهذا الإجمال يحتاج إلى شيء من التفصيل في المطالب والأساليب والمواقف التي تتخذ إزاءها، فمن الأساليب التي استعملها كفار مكة لمقاومة الدعوة:

 

أولا: الضرب: أخرج الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد على شرط مسلم ووافقه في التلخيص عن أنس رضي الله عنه قال: "لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غشي عليه، فقام أبو بكر رضي الله عنه، فجعل ينادي ويقول: ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ قالوا: من هذا؟ قالوا: هذا ابن أبي قحافة المجنون". وأخرج مسلم عن أبي ذر في قصة إسلامه قال: "... فأتيت مكة فتضعفت رجلا منهم فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إلي فقال: الصابئ. فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشيا علي - قال - فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر".

 

ثانيا: الوثاق: روى البخاري عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في مسجد الكوفة يقول: "والله لقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإسلام قبل أن يسلم عمر ولو أن أحدا ارفض للذي صنعتم بعثمان لكان". وفي رواية الحاكم "لموثقي وأمي" وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

 

ثالثا: الضغط من الأم: روى ابن حبان في صحيحه عن سماك بن حرب، قال: سمعت مصعب بن سعد، يحدث، عن أبيه سعد، قال: أنزلت في أربع آيات، فذكر قصة، فقالت أم سعد: أليس قد أمر الله بالبر، والله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر، قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها فنزلت هذه الآية: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا}. (العنكبوت 8) الآية.

 

رابعا: الصهر بالشمس: عن عبد الله بن مسعود، قال: "كان أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون، وألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا، إلا بلالا، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأخذوه فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد أحد". رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في التاريخ. وابن حبان في صحيحه، وسمى السبعة وقال: "فما منهم أحد إلا وإياهم على ما أرادوا" يعني وعدهم، وقد يكون فيها تصحيف، والأصل "واتاهم" أي طاوعهم، لأن المشركين لم يكونوا ليرضوا منهم بالوعد.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد أحمد النادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة السادسة والثلاثون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: في هذه الحلقة نواصل حديثنا عن الأساليب التي استعملها كفار مكة لمقاومة الدعوة: كنا قد تحدثنا عن أربعة منها ونواصل فنقول:

 

خامسا: التعتيم الإعلامي والمنع من مخاطبة الجماهير: أخرج البخاري من حديث طويل لعائشة رضي الله عنها قالت: "لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة، وهو سيد القارة - فقال أين تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر أخرجني قومي فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي قال ابن الدغنة إن مثلك لا يخرج، ولا يخرج فإنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق وأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلادك فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفار قريش فقال لهم إن أبا بكر لا يخرج مثله، ولا يخرج أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بالصلاة، ولا القراءة في غير داره ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا له إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك فإنا كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان".

 

سادسا: الرمي بالحجارة: ومن الأساليب التي استعملها كفار مكة لمقاومة الدعوة الرمي بالحجارة: أخرج ابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما عن طارق بن عبد الله المحاربي، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سوق ذي المجاز وعليه حلة حمراء، وهو يقول: "يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا". ورجل يتبعه يرميه بالحجارة، وقد أدمى عرقوبيه وكعبيه، وهو يقول: يا أيها الناس، لا تطيعوه، فإنه كذاب، فقلت: من هذا؟ قيل: هذا غلام بني عبد المطلب. قلت: فمن هذا الذي يتبعه يرميه بالحجارة؟ قالوا: هذا عبد العزى أبو لهب.

 

كذلك لما مات أبو طالب اشتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمد لثقيف رجاء أن يؤووه فوجد ثلاثة نفر هم سادة ثقيف، وهم إخوة: عبد ياليل بن عمرو، وحبيب بن عمرو، ومسعود بن عمرو، فعرض عليهم نفسه وأعلمهم بما لقي من قومه فقال أحدهم: أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك بشيء قط، وقال الآخر: أعجز الله أن يرسل غيرك؟ وقال الثالث: لا أكلمك بعد مجلسك هذا، لئن كنت رسول الله لأنت أعظم حقا من أن أكلمك، ولئن كنت تكذب على الله لأنت شر من أن أكلمك! وهزئوا به وأفشوا في قومهم ما راجعوه به، وأقعدوا له صفين فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما جعلوا لا يرفع رجلا ولا يضع رجلا إلا رضخوها بحجارة كانوا قد أعدوها حتى أدموا رجليه صلى الله عليه وسلم فخلص منهم وعمد إلى حائط من حوائطهم فاستظل في ظل نخلة منه وهو مكروب تسيل قدماه بالدماء، وإذا في الحائط عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ولرسوله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد أحمد النادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة السابعة والثلاثون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: في هذه الحلقة نواصل حديثنا عن الأساليب التي استعملها كفار مكة لمقاومة الدعوة، كنا قد تحدثنا عن ستة منها، ونواصل فنقول:

 

سابعا: طرح الأذى من فروث وغيرها: عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه قال: "بينا النبي صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش جاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور فقذفه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرفع رأسه فجاءت فاطمة - عليها السلام - فأخذته من ظهره ودعت على من صنع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم عليك الملأ من قريش أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف، أو أبي بن خلف شعبة الشاك - فرأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا في بئر غير أمية، أو أبي تقطعت أوصاله فلم يلق في البئر. وروى ابن سعد في الطبقات عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كنت بين شر جارين، بين أبي لهب وعقبة بن أبي معيط، إن كانا ليأتيان بالفروث، فيطرحانها على بابي، حتى إنهم ليأتون ببعض ما يطرحون من الأذى، فيطرحونه على بابي" فيخرج به الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: "يا بني عبد مناف أي جوار هذا؟!" ثم يلقيه بالطريق.

 

ثامنا: محاولة وطء الرقبة وتعفير الوجه بالتراب: روى مسلم عن أبى هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم. فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب! قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته! قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا".

 

تاسعا: مطلق تعذيب دون ذكر الأسلوب: روى الذهبي في التاريخ، والبيهقي في الشعب، وابن هشام في السيرة، وأحمد في فضائل الصحابة، عن عروة بن الزبير عن أبيه قال: "كان ورقة بن نوفل يمر ببلال وهو يعذب بذلك وهو يقول: أحد أحد فيقول: أحد أحد والله يا بلال ثم يقبل ورقة بن نوفل على أمية بن خلف وهو يصنع ذلك ببلال فيقول: احلف بالله لئن قتلتموه على هذا لأتخذنه حنانا حتى مر به أبو بكر الصديق ابن أبي قحافة يوما وهم يصنعون به ذلك، وكانت دار أبي بكر في بني جمح، فقال لأمية: ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ حتى متى؟ قال: أنت أفسدته فأنقذه مما ترى فقال أبو بكر: أفعل. عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك أعطيكه به قال: قد قبلت. قال: هو لك. فأعطاه أبو بكر غلامه ذاك فأخذ بلالا فأعتقه، ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر من مكة ست رقاب، بلال سابعهم. منهم عامر بن فهيرة الذي شهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة شهيدا، ومنهم أم عبيس، عتيقة الصديق كانت من المعذبين في الله، ومنهم زنيرة، فأصيبت ببصرها حين أعتقها، فقالت قريش: ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت: كذبوا وبيت الله، ما تضر اللات والعزى وما تنفعان، فرد الله إليها بصرها".

 

وأخرج الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي في التلخيص عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بعمار وأهله، وهم يعذبون، فقال: "أبشروا آل عمار وآل ياسر فإن موعدكم الجنة". وروى أحمد بإسناد رجاله ثقات عن عثمان رضي الله عنه قال: ألا أحدثكما عنه، يعني عمارا: أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذا بيدي نتمشى في البطحاء حتى أتى على أبيه وأمه وعليه يعذبون فقال أبو عمار: يا رسول الله الدهر هكذا؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اصبر" ثم قال: "اللهم اغفر لآل ياسر". وقد فعلت.

 

عاشرا: التجويع: أخرج ابن حبان في صحيحه عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاث من بين يوم وليلة، وما لي طعام إلا ما واراه إبط بلال. وأخرج ابن حبان أيضا في صحيحه، والحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي في التلخيص عن خالد بن عمير العدوي قال: خطبنا عتبة بن غزوان، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ولقد رأيتني وإني لسابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا، وإني التقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن أبي وقاص فارس الإسلام، فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها، وما أصبح منا اليوم أحد حي إلا أصبح أمير مصر من الأمصار، وإنني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وعند الله صغيرا.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد أحمد النادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة الثامنة والثلاثون

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: "الثبات على الحق أثناء حمل الدعوة". وحديثنا عن الأساليب التي استعملها كفار مكة لمقاومة الدعوة، كنا قد تحدثنا عن عشرة منها، ونواصل فنقول:

 

حادي عشر: المقاطعة: روى ابن سعد في الطبقات عن الواقدي  عن ابن عباس وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، دخل حديث بعضهم في حديث بعض: وكتبوا كتابا على بني هاشم ألا يناكحوهم، ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم، وقطعوا عنهم الميرة والمادة، فكانوا لا يخرجون إلا من موسم إلى موسم حتى بلغهم الجهد، وسمع أصوات صبيانهم من وراء الشعب، فمن قريش من سره ذلك، ومنهم من ساءه، فأقاموا في الشعب ثلاث سنين، وذكر الذهبي في التاريخ خبر المقاطعة من طريق موسى بن عقبة عن الزهري.

 

ثاني عشر: الاستهزاء والغمز: روى ابن هشام في السيرة قال ابن اسحق فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، عمد إلى نفر من ثقيف، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم، وهم إخوة ثلاثة: فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله، وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام، والقيام معه على من خالفه من قومه، فقال له أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك، وقال الآخر: أما وجد الله أحدا يرسله غيرك، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به. وأخرج ابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن عمرو قال: قد حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم في الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم أو كما قالوا، فبينما هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشي حتى استلم الركن فمر بهم طائفا بالبيت، فلما أن مر بهم غمزوه ببعض القول، قال: وعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى صلى الله عليه وسلم، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى صلى الله عليه وسلم، فمر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ثم قال: "أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده، لقد جئتكم بالذبح".

 

ثالث عشر: ضرب العلاقة بين القيادة والأتباع: روى مسلم عن سعد قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}. (الأنعام52)

 

رابع عشر: المساومة على المبدأ بالرئاسة والمال والنساء: روى أبو يعلى في المسند وابن معين في تاريخه بإسناد رجاله ثقات غير الأجلح وقد وثق، عن جابر بن عبد الله قال: قال أبو جهل والملأ من قريش لقد انتشر علينا أمر محمد، فلو التمستم رجلا عالما بالسحر والكهانة والشعر فكلمه ثم أتانا ببيان من أمره، فقال عتبة: لقد سمعت قول السحرة والكهانة والشعر، وعلمت من ذلك علما، وما يخفى علي إن كان كذلك، فأتاه فلما أتاه قال له عتبة: يا محمد أنت خير أم هاشم؟ أنت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد الله؟ فلم يجبه، قال: فبم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا؟ فإن كنت إنما بك الرئاسة عقدنا ألويتنا لك فكنت رأسنا، وإن كان بك الباء زوجناك عشر نسوة، تختار من أي بنات قريش شئت، وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم.

 

فلما فرغ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سورة فصلت قوله تعالى {بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تنزيل من الرحمن الرحيم.كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون}. حتى بلغ قوله تعالى: {فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود}. (فصلت13)

 

فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف عنه، ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم، فقال أبو جهل: يا معشر قريش، والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته، انطلقوا بنا إليه، فأتوه فقال أبو جهل: والله يا عتبة ما خشينا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب وأقسم بالله لا يكلم محمدا أبدا، وقال: لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا، ولكني أتيته، فقص عليهم القصة، فأجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا شعر ولا كهانة قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تنزيل من الرحمن الرحيم.كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون}. حتى بلغ قوله تعالى: {فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود}. (فصلت13) فأمسكت بفيه، وناشدته الرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب، فخفت أن ينـزل بكم العذاب.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد احمد النادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة التاسعة والثلاثون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: "الثبات على الحق أثناء حمل الدعوة". وحديثنا عن الأساليب التي استعملها كفار مكة لمقاومة الدعوة، كنا قد تحدثنا عن أربعة عشر منها، ونواصل فنقول:

 

خامس عشر: السب: أخرج البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن عوف قال: بينا أنا واقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت أن أكون بين أضلع منهما، فيغمزني أحدهما فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، ما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا فتعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال لي مثلها". وأخرج البخاري ومسلم أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}. (الإسراء110) قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن، ومن أنزله ومن جاء به، فقال: الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}. (الإسراء110) أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن {ولا تخافت بها} عن أصحابك فلا تسمعهم {وابتغ بين ذلك سبيلا}. وأخرج أحمد في المسند، ورجاله ثقات، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألم تروا كيف يصرف الله عني لعن قريش وشتمهم، يسبون مذمما، وأنا محمد". وفي حديث ابن عباس المتفق عليه أيضا قال: لما نزلت آية {وأنذر عشيرتك الأقربين}. (الشعراء214) خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف يا صباحاه، قالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد، فاجتمعوا إليه فقال: "أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبا، قال: فإنني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبا لك ألهذا جمعتنا؟ ثم قام، فنزلت سورة المسد: {تبت يدا أبي لهب وتب}". وأخرج الطبراني في المعجم الكبير عن منيب الأزدي، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وهو يقول للناس:قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، فمنهم من تفل في وجهه، ومنهم من حثا عليه التراب، ومنهم من سبه، حتى انتصف النهار، فأقبلت جارية بعس من ماء-أي قدح كبير- فغسل وجهه أو يديه وقال: يا بنية، لا تخشي على أبيك عيلة ولا ذلة، فقلت: من هذه؟ قالوا: زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلموهي جارية وضيئة".

 

سادس عشر: التكذيب: أخرج البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لما كذبني قريش قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه". وروى البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت...". وقد مر في أسلوب الرمي بالحجارة من حديث طارق المحاربي رضي الله عنه أن أبا لهب كان يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سوق ذي المجاز: لا تطيعوه فإنه كذاب ... وهو حديث صححه ابن خزيمة وابن حبان.

 

سابع عشر: الدعاية المضادة: أخرج أحمد والطبراني بإسناد قال عنه الهيثمي: "رجاله رجال الصحيح" عن أم سلمة رضي الله عنها من حديث طويل قالت: "فلما خرجا من عنده، قال عمرو بن العاص: والله لآتينه غدا عنهم بما أستأصل به خضراءهم، قالت: فقال له عبد الله بن أبي ربيعة  وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل فإن لهم أرحاما، وإن كانوا قد خالفونا. قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد، قالت: ثم غدا عليه الغد، فقال له: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما، فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه، قالت: فأرسل إليهم ليسألهم عنه، قالت: ولم ينزل بنا مثله قط، فاجتمع القوم، فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول والله فيه ما قال الله، وما جاءنا به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن...". وأخرج مسلم عن ابن عباس، أن ضمادا قدم مكة، وكان من أزد شنوءة، وكان يرقي من هذه الريح، فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون إن محمدا مجنون. الحديث. وأخرج ابن حبان في صحيحه عن ابن عباس قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة أتوه، فقالوا: نحن أهل السقاية والسدانة، وأنت سيد أهل يثرب، فنحن خير أم هذا الصنيبير المنبتر من قومه، يزعم أنه خير منا، فقال: أنتم خير منه. فنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن شانئك هو الأبتر}. ونزلت الآية: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا}.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد احمد النادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة الأربعون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: "الثبات على الحق أثناء حمل الدعوة". وحديثنا عن الأساليب التي استعملها كفار مكة لمقاومة الدعوة، كنا قد تحدثنا عن سبعة عشر منها:

 

ثامن عشر: ومن الأساليب التي استعملها كفار مكة لمقاومة الدعوة المنع من الهجرة: روى الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي عن صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرة، فإما أن تكون هجرا أو تكون يثرب". قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وخرج معه أبو بكر رضي الله عنه، وكنت قد هممت بالخروج معه فصدني فتيان من قريش، فجعلت ليلتي تلك أقوم ولا أقعد، فقالوا: قد شغله الله عنكم ببطنه ولم أكن شاكيا، فقاموا فلحقني منهم ناس بعدما سرت بريدا ليردوني، فقلت لهم: هل لكم أن أعطيكم أواقي من ذهب وتخلون سبيلي، وتفون لي فتبعتهم إلى مكة؟ فقلت لهم: احفروا تحت أسكفة الباب فإن تحتها الأواقي، واذهبوا إلى فلانة فخذوا الحليتين، وخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتحول منها - يعني قباء - فلما رآني قال: "يا أبا يحيى، ربح البيع" ثلاثا، فقلت: يا رسول الله، ما سبقني إليك أحد، وما أخبرك إلا جبريل عليه السلام.

 

وقد بلغ بهم الحرص على منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهجرة مبلغا جعلهم يعلنون عن جائزة لمن يقتله هو وصاحبه أو يأسرهما، أخرج البخاري عن البراء عن أبي بكر قال: "... فارتحلنا والقوم يطلبوننا ..." أخرج البخاري من حديث سراقة بن مالك بن جعشم يقول: جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما من قتله، أو أسره ... فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية ... وعن أنس بن مالكرضي الله عنه قال: أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وهو مردف أبا بكر، فالتفت أبو بكر، فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول الله، هذا فارس قد لحق بنا، فالتفت نبي الله: فقال: اللهم اصرعه، فصرعه الفرس، ثم قامت تحمحم، فقال: يا نبي الله، مرني بما شئت، قال: فقف مكانك، لا تتركن أحدا يلحق بنا. قال: فكان أول النهار جاهدا على نبي الله: وكان آخر النهار مسلحة له.

 

تاسع عشر: محاولة القتل أو التهديد به: أخرج البخاري عن عروة بن الزبير، قال: سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم}.

 

وأخرج البخاري أيضا في باب إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال بينما هو في الدار خائفا إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو عليه حلة حبرة وقميص مكفوف بحرير وهو من بني سهم وهم حلفاؤنا في الجاهلية فقال له: ما بالك؟ قال: زعم قومك أنهم سيقتلوني إن أسلمت قال: لا سبيل إليك! بعد أن قالها أمنت...".

 

ولم يكف المشركون عن التآمر على قتله صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر ابن حجر في فتح الباري قال: "قال ابن اسحق وموسى بن عقبة وغيرهما من أصحاب المغازي: لما رأت قريش أن الصحابة قد نزلوا أرضا أصابوا بها أمانا، وأن عمر أسلم، وأن الإسلام فشا في القبائل، أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم وبني المطلب، فأدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ومنعوه ممن أراد قتله ...).

 

وأخرج أحمد بإسناد رجاله ثقات غير عثمان الجزري وثقه ابن حبان وضعفه غيره عن ابن عباس في قوله تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.(الأنفال30) قال: "تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه ..." الحديث.

 

وأخرج ابن هشام في سيرته: قال ابن إسحق: "فحذرت قريش خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بالمدينة... فاجتمع الملأ من قريش في دار الندوة يتشاورون فيما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم... ثم قال قائل منهم: "احبسوه في الحديد"... ثم قال قائل منهم: "نخرجه من بين أظهرنا"... قال فقال أبو جهل: "والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد"! قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جلدا نسيبا وسيطا فينا ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه).

 

ومن الصحابة من صبر على القتل كسمية أم عمار رضي الله عنهما، وكانت أول شهيدة في الإسلام.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد احمد النادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة الحادية والأربعون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: "ثبات النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام على حمل الدعوة".

 

ثمة مواقف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه يتحدون فيها المشركين، ويظهرون من الثبات ما هم له أهل. ومن هذه المواقف ما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن موسى بن طلحة، أخبرني عقيل بن أبي طالب، قال: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك يؤذينا في نادينا وفي مجلسنا فانهه عن إيذائنا، فقال لي: يا عقيل ائت محمدا، فانطلقت إليه فأخرجته من كبس، قال طلحة: بيت صغير، فجاء في الظهر من شدة الحر فجعل يطلب الفيء يمشي فيه من شدة حر الرمضاء، فأتيناهم، فقال أبو طالب: إن بني عمك زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم وفي مجلسهم، فانته عن ذلك فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء، فقال:"ما ترون هذا الشمس؟"قالوا: نعم، قال:"ما أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم أن تشعلوا منها شعلة "قال أبو طالب: ما كذبنا ابن أخي قط فارجعوا.

 

ومنها ما رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: انطلق سعد بن معاذ معتمرا، قال: فنزل على أمية بن خلف أبي صفوان، وكان أمية إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد، فقال أمية لسعد: انتظر حتى إذا انتصف النهار، وغفل الناس، انطلقت فطفت، فبينا سعد يطوف، إذا أبو جهل، فقال: من هذا الذي يطوف بالكعبة؟ فقال سعد: أنا سعد، فقال أبو جهل: تطوف بالكعبة آمنا، وقد آويتم محمدا وأصحابه؟ فقال: نعم، فتلاحيا بينهما، فقال أمية لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم، فإنه سيد أهل الوادي، ثم قال سعد: والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك بالشام، قال: فجعل أمية يقول لسعد: لا ترفع صوتك، وجعل يمسكه، فغضب سعد، فقال: دعنا عنك، فإني سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك، قال: إياي؟ قال: نعم، قال: والله ما يكذب محمد إذا حدث، فرجع إلى امرأته، فقال: أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي؟ قالت: وما قال؟ قال: زعم أنه سمع محمدا يزعم أنه قاتلي، قالت: فوالله ما يكذب محمد، قال: فلما خرجوا إلى بدر، وجاء الصريخ، قالت له امرأته: أما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي؟ قال: فأراد أن لا يخرج، فقال له أبو جهل: إنك من أشراف الوادي، فسر يوما، أو يومين، فسار معهم، فقتله الله.

 

وما رواه الشيخان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم... فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل معه فسمع من قوله وأسلم مكانه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري قال والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ثم قام القوم فضربوه حتى أضجعوه وأتى العباس فأكب عليه قال ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار ، وأن طريق تجاركم إلى الشام فأنقذه منهم ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا إليه فأكب العباس عليه".

 

وما رواه أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة عن عروة قال: كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهموه؟ فقال عبد الله بن مسعود: أنا، قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه قال: دعوني فإن الله عز وجل سيمنعني. قال فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها حتى قام عند المقام ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم رافعا بها صوته {الرحمن علم القرآن} قال: ثم استقبلها يقرؤها. قال فتأملوه فجعلوا يقولون: ماذا قال ابن أم عبد؟ قال: ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد، فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ. ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا في وجهه، فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك! فقال: ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا، قالوا: لا، حسبك، فقد أسمعتهم ما يكرهون".

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد احمد النادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة الثانية والأربعون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون: 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: موضوع حلقتنا لهذا اليوم هو "ثبات النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام على حمل الدعوة". 

 

ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ... فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا له: "إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك، فابتنى مسجدا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك، فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان، قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال: قد علمت الذي عقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له قال أبو بكر: إني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله عز وجل!

 

ومن ذلك ما رواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لم تعلم قريش بإسلامه، فقال: أي أهل مكة، أنشأ وأسمع للحديث؟ فقالوا: جميل بن معمر الجمحي، فخرج إليه وأنا معه أتبع أثره، أعقل ما أرى، وأسمع فأتاه، فقال: يا جميل، إني قد أسلمت، قال: فوالله ما رد عليه كلمة حتى قام عامدا إلى المسجد، فنادى أندية قريش، فقال: يا معشر قريش، إن ابن الخطاب قد صبأ، فقال عمر: كذب، ولكني أسلمت وآمنت بالله، وصدقت رسوله، فثاوروه، فلم يزل يقاتلهم منذ غدوه حتى ركدت الشمس على رءوسهم، وحتى فتر عمر وجلس فقاموا على رأسه، فقال عمر: يا أعداء الله وأعداء رسوله، افعلوا ما بدا لكم، فوالله لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركتموها لنا أو تركناها لكم، فبينما هم كذلك قيام عليه، إذ جاء رجل عليه حلة حرير وقميص قومسي، فقال: ما بالكم؟ فقالوا: إن ابن الخطاب قد صبأ، قال: فمه، أي كفوا عن إيذائه، امرؤ اختار دينا لنفسه، فدعوه وما اختار لنفسه، أفتظنون أن بني عدي ترضى أن يقتل عمر؟ لا والله لا ترضى بنو عدي، قال: فكأنما كانوا ثوبا انكشف عنه، فقلت له بعد ذلك بالمدينة: يا أبت، من الرجل الذي رد عنك القوم يومئذ؟ فقال: يا بني، ذاك العاص بن وائل أبو عمرو بن العاص. 

 

ومنها ما أخرجه أبو نعيم في الحلية عن عثمان قال: "لما رأى عثمان بن مظعون رضي الله عنه ما فيه أصحاب رسول الله من البلاء وهو يروح ويغدو في أمان من الوليد بن المغيرة قال: "والله إن غدوي ورواحي آمنا في جوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني، لنقص كبير في نفسي!". فمشى إلى الوليد بن المغيرة، فقال له: يا أبا عبد شمس! وفت ذمتك، وقد رددت إليك جوارك! قال: لم يا ابن أخي! لعله آذاك أحد من قومي؟ قال: لا، ولكني أرضى بجوار الله عز وجل، ولا أريد أن أستجير بغيره! قال: فانطلق إلى المسجد، فاردد علي جواري علانية، كما أجرتك علانية. قال: فانطلقا فخرجا حتى أتيا المسجد، فقال الوليد بن المغيرة: هذا عثمان، قد جاء يرد علي جواري، قال عثمان رضي الله عنه: صدق، قد وجدته وفيا، كريم الجوار، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله، فقد رددت عليه جواره! ثم انصرف عثمان رضي الله عنه، والشاعر لبيد بن ربيعة في المجلس من قريش ينشدهم، فجلس معهم عثمان، فقال لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل. فقال عثمان: صدقت. فقال لبيد: وكل نعيـم لا محالـة  زائل!

 

فقال عثمان: كذبت، فإن نعيم أهل الجنة لا يزول! قال لبيد بن ربيعة: يا معشر قريش، والله ما كان يؤذى جليسكم! فمتى حدث هذا فيكم؟ فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه في سفهاء معه فارقوا ديننا، فلا تجدن في نفسك من قوله، فرد عليه عثمان حتى سرى أي عظم أمرهما. فقام إليه ذلك الرجل ولطم عينه فخضرها، أي لطم خده لطمة قوية جعلت عينه خضراء أو سوداء من شدة اللطمة. والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان. فقال الوليد: أما والله يا ابن أخي! إن كانت عينك عما أصابها لغنية، ولقد كنت في ذمة منيعة. 

 

فقال عثمان: بل، والله! إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله! وإني لفي جوار من هو أعز وأقدر يا أبا عبد شمس! فقال له الوليد: هلم يا ابن أخي إلى جوارك فعد، قال: لا، وكان عثمان بن مظعون رضي الله عنه شاعرا فقال فيما أصيب من عينه:

 

فإن تك عيني في رضا الرب نالها          يدا ملحـد في الدين ليس بمهتد

فقـد عوض  الرحمن منها ثوابه           ومن يرضه الرحمن يا قوم  يسعد

فإني وإن قلتم غـوى مضـلل           سفيه على دين الرسول محمـد

أريـد بذاك الله  والحق ديننـا           على رغم من يبغي علينا ويعتدي

 

ورغم ثبات الصحابة y، إلا أنهم شكوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلبوا منه أن يدعو ويستنصر لهم، فكان جوابه صلى الله عليه وسلم ما رواه البخاري عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: "كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم، أو عصب وما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون". 

 

أجل أيها المسلمون هكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم! لم يكونوا ثابتين على الحق أثناء حمل الدعوة فحسب، بل كانوا ثابتين أيضا أمام الكفار في ساحات القتال، وفي ميادين الجهاد في سبيل الله! وقد صدق فيهم قول الشاعر:  

 

كأنهم في ظهور الخيـل نبت ربا         من شدة الحزم لا من شدة الحزم

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم           إن التشبـه بالكـرام فلاح

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد احمد النادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة الثالثة والأربعون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون: 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: موضوع حلقتنا لهذا اليوم هو "ثبات حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام". 

 

في تركيا سطر الشباب آية رائعة في الصبر على البلاء والمحن في سبيل الدعوة إلى الحق والهدى، نستعرضها لتكون حافزا لنا على دعوتنا، ولتكون ملحا في العيون التي تأبى أن ترى الحق، وتتعامى عن عطاء المخلصين! لقد قامت السلطات التركية بملاحقة أحد الشباب المسئولين في حزب التحرير، واستمرت الملاحقة أكثر من سبعة أشهر، كان يعلم طوال هذه المدة بأنه مراقب، وأنه سيعتقل قريبا، ولكنه زاد من نشاطه، وصار يواصل العمل طوال النهار، وجزءا كبيرا من الليل، رغبة منه في إنجاز أكبر قدر ممكن من أعمال الدعوة، وصار يحمس الشباب من حوله حماسا منقطع النظير، ويدعوهم إلى عدم الخوف إلا من الله سبحانه وتعالى! وحدث ما كان متوقعا، فقد انقض على هذا الشاب وهو يمشي في الشارع أكثر من خمسة عشر رجلا من رجال الأمن، فقاومهم قدر طاقته حتى تكاثروا عليه فغلبوه، وأوثقوه وعصبوا عينيه، وساقوه إلى مكتب التحقيق! وهناك تعرض لتعذيب شديد، قلما يتحمله بشر، وما ذلك إلا ليعرفوا منه أسماء الشباب الآخرين أو أية معلومات أخرى حول الحزب، لكنه رحمه الله حيا وميتا لم يقل لهم إلا ما يغيظهم، وكان كلما زادوا عليه شدة التعذيب، يزيد السخرية والاستهزاء بهم، حتى يئسوا من تعذيبه الذي كان يستمر ما يقارب الثماني عشرة ساعة في اليوم الواحد، دون أن يحصلوا منه على أية معلومة تفيدهم! 

 

وبعد أيام من التعذيب والسجن الانفرادي جمعوه مع إخوانه في غرفة واحدة، وعلى الرغم من أن هذا المسئول كان منهكا إلا أنه التفت إلى الشباب، ودار بينهم حوار روحاني أود أن أذكر لكم مقتطفات منه: أيها الشباب: لقد قسم الله تعالى الناس في سورة الواقعة إلى ثلاثة أقسام، فقرب منه عز وجل من وصفهم "بالسابقين" ووعدهم بجنات النعيم حيث قال: {والسابقون السابقون. أولئك المقربون. في جنات النعيم}. (الواقعة12). وذكر بأن هؤلاء عددهم قليل، حيث قال: {ثلة من الأولين. وقليل من الآخرين}. (الواقعة14). 

 

وهؤلاء القليلون هم الصفوة من جميع بني البشر، منذ أن خلق الله آدم إلى يومنا هذا، وكان جل صحابة حبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، من هؤلاء الصفوة القليلين بإذن الله، حيث لاقوا عذابا شديدا، فصبروا، ولم يبق من هؤلاء الصفوة القليلين سوى أقلهم في أيامنا هذه. فكونوا أيها الشباب من هؤلاء أقل القليلين عددا من صفوة الناس، ولا ترضوا بأقل من ذلك! والسبيل إلى ذلك إنما يكون من خلال ثباتكم اليوم هنا أمام هؤلاء الأوغاد المحققين، وغدا أمام القضاة والحكام الذين باعوا ضمائرهم إن وجدت للشيطان! ولتعلموا أن هذا اليوم هو يومكم كي تفوزوا بهذا المقام عند الله! ألا ترون أن الله أكرمكم بأن وهبكم فرصة الانضمام لفئة السابقين؟! لينظر كل واحد منا إلى حياته التي يعيشها، هل تمر عليه فرصة مثل هذه الفرصة التي نعيشها الآن؟!

 

صبر على الأذى قليل، وبعده أجر عند الله عظيم! والله يا شباب، لنكونن من هؤلاء الصفوة الأخيار "السابقين" الذين وصفهم الله في سورة الواقعة، إن نحن ثبتنا على مبدئنا! والله يا إخوتي، إنني أحس بأن الله يحبنا فابتلانا، وأنه يريد أن يصطفي إليه الصابرين منا والثابتين على الحق!

 

أيها الشباب: اعرفوا قيمة الحزب الذي تعملون معه، فانظروا إلى الدنيا بأسرها، إنكم سوف تجدون أن الكفار قد طغى عليهم المبدأ الرأسمالي بكل وحشيته، والظلم قد استشرى في الأرض، نتيجة تطبيق هذا المبدأ العفن! والمسلمون منقسمون إلى فئتين:

 

فئة كبيرة منهم لا يعملون في الدعوة إلى الإسلام، وإن جلهم لا يدركون أن الديمقراطية والرأسمالية العفنتين هما سبب شقاء الناس، بل إن منهم من يدافعون عن الرأسمالية والديمقراطية على أنهما من الإسلام! 

 

وفئة أخرى وهم القليلون نسبيا يعملون في حقل الدعوة إلى الإسلام، ثم انظروا إلى حزبكم هذا بين هؤلاء العاملين، واحمدوا ربكم أنكم تمتلكون التصور الأوضح لحقيقة الإسلام، ولواقع الدولة الإسلامية، بل لواقع الطريقة الصحيحة لكيفية حمل الدعوة! أليس هذا وحده نعمة من الله منها علينا؟ فلا تجحدوا هذه النعمة، ولا تهنوا أمام هؤلاء الأوغاد، بل حاولوا أن تجعلوهم يحترمونكم، ويحترمون حزبكم! ولأجل هذا ما عليكم سوى التمسك بكونكم أعضاء في هذا الحزب العظيم، وأن تدعوهم هم أنفسهم للعمل مع هذا الحزب، أي اغلبوهم وانتصروا عليهم، ولا تدعوهم ينالون من دينكم أو من حزبكم، فأنتم قليلون، وصفوة الله قليلون!

 

أيها الشباب: لا أبالغ إن قلت بأنه قد يكون قليلا علينا إن نحن ضحينا بأرواحنا التي بين جوانبنا في سبيل هذه الدعوة، وفي سبيل أن نكون من الصفوة الأخيار، الذين رضي الله عنهم، فنحن الآن لا نملك ما نضحي به سوى هذه الروح، فغيظوا هؤلاء الظالمين، يرحمكم الله!

 

وقد يتراءى لكم أن عدد الكفار كبير، وأن هؤلاء الزبانية وهم أعوان الظالمين أقوى منكم، ولكن لا تنسوا أبدا أننا نملك عقيدة هي وحدها العقيدة الصحيحة في الكون! 

 

بموجب هذا فإننا نؤمن بأن لنا ربا ناظرا إلينا الآن، في كل آن، ونحن نعتقد بأنه هو القادر على كل شيء، ونعتقد بشكل جازم أنه هو الذي اختار لنا هذا الطريق، وبعلمه وبرضاه سبحانه دخلنا هذا المكان! أفلا ترضون ما رضيه واختاره لكم ربكم؟! فنحن نملك عقيدة قوية مبنية على الإيمان بالله، والله أقوى منهم جميعا! وهو الذي يعلم حالنا فنحن بهذا الإيمان أقوى منهم جميعا! وإلا فما هي قيمة الحياة لولا هذا الإيمان؟! فاثبتوا يرحمكم الله! 

 

أجل أيها المسلمون هكذا كان موقف حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام! لم يكتفوا بالثبات على الحق أثناء حمل الدعوة، بل يطمحون إلى أن يكونوا ثابتين أيضا أمام الكفار في ساحات القتال، وفي ميادين الجهاد في سبيل الله! وقد صدق فيهم قول الشاعر:

 

قف دون رأيك في الحياة مجاهدا        إنما الحيـاة عقيـدة وجهـاد

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد أحمد النادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة الرابعة والأربعون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون: 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: موضوع حلقتنا لهذا اليوم هو "ثبات حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام". 

 

وفي ولاية الأردن ضرب حاملو الدعوة من شباب حزب التحرير أروع الأمثلة في الثبات أمام السلطات الأمنية وأجهزة المخابرات العامة الذين أذاقوا الشباب أشد صنوف العذاب. 

 

وقد ذكرت لكم في الحلقات السابقة بعض المواقف التي تدل على ثباتهم، من خلال صلتي الوثيقة بهم أثناء فترة اعتقالي معهم عام ثلاثة وثمانين وتسعمائة وألف ميلادية، وسأذكر مواقف أخرى لأسباب أربعة: لتنتفع بها الأجيال القادمة، ولتدرك الأمة حجم التضحيات التي بذلها، ولا زال يبذلها أعضاء وقياديو شباب حزب التحرير، وهم يعملون لإقامة دولة الخلافة، التي تطبق شرع الله، وتحكم العباد بما أنزل الله على منهاج النبوة، ولتدرك الأمة كذلك مدى الجدية والحزم، والعزم والإصرار، لدى قيادة الحزب على تحقيق غايته التي هي تطبيق شرع الله، والحكم بما أنزل الله، ولكي تحافظ الأمة على هذه الدولة بعد قيامها قريبا بإذن الله! 

 

وأول هذه المواقف موقف حصل مع أحد شباب الحزب، وهو في مقتبل عمره، وهو في عمر الورد في ريعان شبابه، والدنيا مقبلة عليه. لقد أرسله أبوه إلى اليونان؛ ليدرس الطب ويعود بشهادة الدكتوراه. كان اسم هذا الشاب اسما على مسمى، اسمه مثال، وهو حقا مثال. 

 

كان - على سبيل الطرفة - يعترض على الشباب حين يريدون توضيح بعض المسائل فيقولون: نريد أن نضرب لذلك مثالا. فكان يقول لهم: وماذا صنع لكم مثال حتى تضربوه؟  

 

إنه مثال للشاب التقي النقي الواعي! ينطبق عليه قول أبي حمزة الشاري في خطبته حيث قال فيها: " نعم، شباب والله، مكتهلون في شبابهم، غضيضة عن الشر أعينهم، ثقيلة عن السعي في الباطل أرجلهم، أنضاء عبادة، وأطلاح سهر، باعوا لله أنفسا تموت غدا، بأنفس لا تموت أبدا، قد خالطوا قيام ليلهم بصيام نهارهم، في جوف الليل منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن إذا مر أحدهم بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقا إليها، وإذا مر بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم في أذنيه".

 

وهناك في اليونان أبدى هذا الشاب تفوقا كبيرا في دراسة الطب، وأبدى تفوقا أكبر في مجال حمل الدعوة، لقد كان يمضي معظم وقته في الدعوة إلى الله، جاعلا إياها في المرتبة الأولى من سلم أولوياته، وبقي يعمل في مجال الدعوة طيلة سني دراسته، وكانت الأجهزة الأمنية قد دست أحد عناصرها بين طلاب الجامعة، وكان هذا العنصر يرقب تحركات هذا الشاب، ويكتب تقارير أسبوعية، ويبعث بها إلى السفارة الأردنية في تلك البلاد، وتقوم السفارة بدورها بإرسال تلك التقارير إلى دائرة المخابرات في عمان، واستمر إرسال التقارير سنوات عدة، إلى أن أوشك هذا الشاب على إتمام دراسته، واقترب من التخرج. 

 

ولما لم تبق على تخرجه من الجامعة إلا سنة واحدة، أحس والد الشاب بدنو أجله، وأحب أن يفرح بولده قبل أن يوافيه أجله، فما كان منه إلا أن أرسل برقية قال له فيها: "احضر حالا لأمر ضروري". تلقى الشاب برقية والده، ولما قرأها قال في نفسه: لولا أن والدي في خطر لما أرسل لي هذه البرقية، وتذكر الآيات التي تأمر ببر الوالدين، والإحسان إليهما، فسرعان ما تجهز للعودة، ولما حضر إلى مطار عمان وجد عناصر الأمن بانتظاره، فاعتقلوه من المطار معصوب العينين، واقتادوه إلى دائرة المخابرات العامة، وهناك أجروا معه تحقيقات عدة، وعذبوه أشد أنواع التعذيب، فلم يفلحوا بانتزاع أية معلومة، ولم يجبهم عن أسئلتهم التي وجهوها إليه، ولما يئسوا من التحقيق معه، استقر رأيهم على تحويله إلى المحكمة العسكرية، وأصدروا بحقه الحكم عليه بالسجن مدة ثلاث سنوات أي ما يعادل سبعة وعشرين شهرا، ويمضي الشاب مدة حكمه في السجن ثم يخرج منه ليستأنف نشاطه الحزبي من جديد، وما يكاد يمضي شهرا أو شهرين أو ثلاثة خارج السجن حتى يعتقل ثانية وثالثة ورابعة وخامسة ... إلخ. ونتيجة لكثرة اعتقال هذا الشاب ذاع صيته بين رجال الأمن وعناصر المخابرات، واشتهر شهرة واسعة فيما بينهم حيث كان لقبه عندهم "الدكتور" فكلهم ينادونه بهذا اللقب. وبقي على هذا الحال مدة خمسة عشر عاما، وبالطبع كان خلال هذه الفترة ممنوعا من السفر، ولم يتمكن من متابعة دراسته؛ وذلك لأن الأجهزة الأمنية قامت بحجز جواز سفره طوال هذه الفترة. 

 

وقد تعرض هذا الشاب إلى نوع آخر من أصعب أنواع الابتلاءات والفتن التي يتعرض لها حاملو الدعوة، ألا وهي فتنة الأهل والأحبة الذين يخشى عليهم المؤمن أن يصيبهم الأذى بسببه، وهو لا يملك عنهم دفعا، وقد يهتفون به ليسالم أو ليستسلم، وينادونه باسم الحب، والقرابة واتقاء الله في الرحم التي يعرضها للأذى أو الهلاك، وقد أشير في سورة العنكبوت إلى لون من هذه الفتنة مع الوالدين، وهو شاق عسير! 

 

قال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا  وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما  إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون}. (العنكبوت8) قام والد هذا الشاب بزيارته في السجن وقال له: يا ولدي اترك هذا الحزب وهذه الدعوة، وأنا أشتري لك بيتا، وأزوجك من أجمل الفتيات، وأشتري لك سيارة! فماذا كانت إجابة هذا الشاب يا ترى؟ قال الشاب: يا أبت، بيتي الذي ينتظرني في الجنة خير من البيت الذي ستشتريه لي! وزوجتي من الحور العين في الجنة أجمل من الفتاة التي ستخطبها لي! والنعيم الذي أعده الله لي وينتظرني في الجنة أفضل من السيارة التي ستشتريها لي! 

 

أجل أيها المسلمون هكذا كان موقف حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام! لم يكتفوا بالثبات على الحق أثناء حمل الدعوة، بل يطمحون إلى أن يكونوا ثابتين أيضا أمام الكفار في ساحات القتال، وفي ميادين الجهاد في سبيل الله! وقد صدق فيهم قول الشاعر:

 

قف دون رأيك في الحياة مجاهدا        إنما الحيـاة عقيـدة وجهـاد

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد احمد النادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة الخامسة والأربعون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون: 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: موضوع حلقتنا لهذا اليوم هو "ثبات حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام". 

 

في ولاية الأردن ضرب حاملو الدعوة من شباب حزب التحرير أروع الأمثلة في الثبات أمام السلطات الأمنية وأجهزة المخابرات العامة الذين أذاقوا الشباب أشد صنوف العذاب. وأما ثاني المواقف التي تدل على ثباتهم فهو موقف وقفه أحد شباب الحزب الذين أعرفهم معرفة جيدة، وقد طلب إلي ألا أصرح باسمه، أرويها لكم كما سمعتها منه. فهو يريد أن يبقى هذا الموقف بينه وبين الله تعالى؛ لأنه يخشى إن صرحت باسمه أن يدخل في باب الرياء والتسميع المحظورين، نعوذ بالله تعالى أن نقع في شيء من ذلك! اعتقل هذا الشاب في مطلع الثمانينات في الفترة التي اعتقل فيها أميرنا أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل حفظه الله، وأيده بنصره وأعزه. قال له المحقق كما قال لأميرنا: نحن الذين اعتقلناك، ونحن الذين نخرجك من عندنا بجرة قلم! ونظرا لكون هذا الشاب حديث عهد بالدعوة، فقد تم التركيز عليه ليصرفوه عن الحزب بكل السبل، خصوصا بعدما لم يستطع أن يجيب المحقق بما أجاب به أميرنا. بل إنه اكتفى بالقول لهم: أنا عضو من أعضاء حزب التحرير، أرفض إعطاء أية معلومات، وأرفض استنكار الحزب أو البراءة منه ثم التزم الصمت! في بداية التحقيق حاول المحقق أن يكون لطيفا معه؛ ليحصل منه على المعلومات التي يريدها، ولما لم يجد هذا الأسلوب، اتبعوا معه أسلوب التعذيب لانتزاع المعلومات، وتحت سياط التعذيب، وفي لحظة غفلة عن إدراك الشاب صلته بالله تعالى استطاع المحقق أن ينتزع من الشاب عبارة: دعني أفكر.    

 

-       المحقق: هل ستدلي بالمعلومات، أم نزيد في التعذيب؟

 

-       الشاب: دعني أفكر. عندها شعر المحقق بنشوة الانتصار، وأصدر أوامره للعسكر: أن زيدوا في التعذيب!  

 

-       المحقق: يكرر السؤال السابق.

 

-       الشاب: قلت لك: دعني أفكر، لكنك لم تقبل! ويتكرر المشهد ذاته للمرة الثالثة، ويزداد التعذيب لدرجة لم يستطع الشاب معها الوقوف على رجليه، عند ذلك أمر المحقق بحمله إلى زنزانته، وهناك كان معه فيها طبيب معتقل عضو من أعضاء الحزب الشيوعي. 

 

-       الطبيب: سأل الشاب عن موقفه مع المحقق وعن مجرى وسير التحقيق. 

 

-       الشاب: أخبر الطبيب بما حصل فعلا. 

 

-       الطبيب: إن مجرى التحقيق كان يسير بيانيا في خط مستقيم، وعندما قلت له: دعني أفكر، انحنى الخط البياني نزولا إلى أسفل. 

 

وهنا تأثر الشاب تأثرا بالغا من قول الطبيب الذي يعد خصما فكريا بالنسبة إليه، وصار يفكر كيف استطاع المحقق أن ينتزع منه تلك العبارة التي غيرت مجرى التحقيق، فتوصل إلى سبب ذلك من خلال تلاوته لقوله تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ? لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ? أولئك كالأنعام بل هم أضل ? أولئك هم الغافلون}. (الأعراف179) فعرف الشاب أن سبب ذلك هو لحظة غفلة عن إدراك صلته بالله تعالى. وعاد يسأل خصمه الشيوعي: 

 

-       الشاب: لقد قلت لي: إن الخط البياني لسير التحقيق معي انحنى نزولا إلى أسفل، فهل يمكن لهذا الخط أن يصعد إلى أعلى؟

 

-       الطبيب: أجل، من الممكن ذلك، لكن بشرط واحد، وهو أن يبقى الخط صاعدا، لأنه إن نزل ثانية فلن يصعد أبدا ...!

 

-       الشاب: -في نفسه-: صحيح قول الطبيب، ودليل ذلك قول الله جل في علاه: {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا}. (النساء137) سيصعد الخط شامخا وسيظل صاعدا إن شاء الله! وقرر في الحال أن لا تمر عليه لحظة من لحظات اعتقاله إلا وهو متلبس بحالة من الأحوال الأربعة التي تبقيه على صلة دائمة بالله تعالى: إما أن يكون قائما يصلي، أو يتلو القرآن، أو يذكر أو يدعو الله عز وجل أو نائما. وكان من دعائه الذي أجراه الله على لسانه: اللهم إن لم تثبـتني فلا ثبات لي، اللهم إن لم تثبـتني، فاقبضني إليك غير مفرط ولا مضـيع! فكان يفضل أن يخرج من المعتقل ميتا محمولا على الأعناق في جنازة على أن يضعف ويدلي بمعلومات تضر بواحد من أعضاء الحزب. 

 

أجل أيها المسلمون هكذا كان موقف حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام! لم يكتفوا بالثبات على الحق أثناء حمل الدعوة، بل يطمحون إلى أن يكونوا ثابتين أيضا أمام الكفار في ساحات القتال، وفي ميادين الجهاد في سبيل الله! وقد صدق فيهم قول الشاعر:

 

قف دون رأيك في الحياة مجاهدا        إنما الحيـاة عقيـدة وجهـاد

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد أحمد النادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة السادسة والأربعون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: موضوع حلقتنا لهذا اليوم هو "ثبات حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام".

 

في ولاية الأردن ضرب حاملو الدعوة من شباب حزب التحرير أروع الأمثلة في الثبات أمام السلطات الأمنية وأجهزة المخابرات العامة الذين أذاقوا الشباب أشد صنوف العذاب. نتابع معكم الموقف الثاني من المواقف التي تدل على ثباتهم: وهو موقف وقفه أحد شباب الحزب الذين أعرفهم معرفة جيدة، والذي كان قد طلب إلي ألا أصرح باسمه، ولكن أرويها لكم كما سمعتها.

 

زار الشاب والده وهو معتقل في مبنى المخابرات العامة، وقبل أن يجمعوهما معا: تم التحقيق مع والده فوجدوا أن الوالد ينتمي لتيار دعوي آخر لا يهتم بالأفكار السياسية فاستغلوا هذه الناحية لصالحهم! قالوا لوالده: إننا نفسح لك المجال لأن تدعو، أقنع ولدك بأن يدعو على طريقتك، ثم خذه واخرج من عندنا أنت وإياه، وقالوا له أيضا: هناك سببان لبقاء ولدك عندنا: السبب الأول يتعلق بالأفكار السوداء التي تسيطر على عقله، منها: فكرة الخلافة، وفكرة الجهاد، وفكرة الحكم بما أنزل الله. والسبب الثاني يتعلق بلسانه، ادعه كي يفك العقدة من لسانه، ويجيبنا عن الأسئلة التي نوجهها إليه. فإن فعل ذلك، فخذه معك!

 

حاول الوالد مع ولده، لكن المحاولة باءت بالفشل! ولكن والده لم ييأس وحاول أن يثنيه عن حمل الدعوة مرة أخرى عندما زاره هو وابن عم له حين كان الولد موقوفا لأجل غير محدد في السجن الذي يطلقون عليه بهتانا وزورا بأنه مركز إصلاح. وقد جرى بينهما الحوار الآتي:

 

-       الوالد: إلى متى يا ولدي ستبقى هكذا؟ ألا تريد أن تغير وتبدل؟ إذا أردت أن تغير وتبدل أقوالك لتعود إلى عملك، فسأجمعك أنت والمختار ومدير السجن.

 

-       الشاب: ألست يا والدي تدعو إلى الله، وتقول: إن نجاحنا وفلاحنا هو باتباع أوامر الله، وعلى طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

 

-       الوالد: بلى.         

 

-       الشاب: هل ما قلت لي يا والدي من طريق رسول صلى الله عليه وسلم؟ أنه كان يمر على آل ياسر وهم يعذبون، فماذا كان يقول لهم يا ترى؟ هل كان يقول لهم: غيروا وبدلوا. أم أنه كان يقول لهم: صبرا آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة!؟ فإذا أردت يا والدي اتباع طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل لي عندما تأتي لزيارتي: صبرا يا بني فإن موعدك الجنـة! 

 

-       ابن عم الوالد: هذا صحيح!

 

-       الشاب: ثم يا والدي: من الذي ينبغي أن يغـير؟ هل هو حامل الدعوة الذي يدعو إلى التمسك بالحق؟ أم الحاكم الذي يحكم بأنظمة الكفر؟ الوالد وابن عم الوالد: .... صامتان لا يتكلمان!

 

-       الشاب: ثم يا والدي، سأتلو على مسمعك آية كريمة من بدايتها، وأريد منك أن تتم قراءتها. قال تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر}. (الأحزاب 23)

 

-       الشاب: أليس تمامها قوله تعالى: {وما بدلوا تبديلا}؟ فإذا كان الله تعالى يطلب منا أن نثبت على الحق لا أن نـبدل كما تقول، فهل أطيعك في معصية الله، أم أطيع الله فيك؟  

 

-       ابن عم الوالد: هيا بنا أيها الحاج، لقد انتهى وقت الزيارة وعلينا أن نغادر، إن كلام ولدك صحيح، وهو وأفراد حزبه على حق. فكلهم متعلمون، وواعون، ولا ينطقون إلا بما يقرءون من الكتب!      

 

أجل أيها المسلمون هكذا كان موقف حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام! لم يكتفوا بالثبات على الحق أثناء حمل الدعوة، بل يطمحون إلى أن يكونوا ثابتين أيضا أمام الكفار في ساحات القتال، وفي ميادين الجهاد في سبيل الله! وقد صدق فيهم قول الشاعر:

 

 

قف دون رأيك في الحياة مجاهدا        إنما الحيـاة عقيـدة وجهـاد

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد أحمد النادي

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة السابعة والأربعون

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

 

في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: موضوع حلقتنا لهذا اليوم هو "ثبات حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام".

 

في ولاية الأردن ضرب حاملو الدعوة من شباب حزب التحرير أروع الأمثلة في الثبات أمام السلطات الأمنية وأجهزة المخابرات العامة الذين أذاقوا الشباب أشد صنوف العذاب. وأما الموقف الثالث من المواقف التي تدل على ثباتهم فهو موقف وقفه أستاذي الفاضل يوسف أحمد السباتين رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته، فله علي فضل كبير، إذ أشرف على تدريسي فترة طويلة فنهلت من علمه ما أرجو أن ينفعني في دنياي وآخرتي. ولن أتحدث عن موقفه، بل أتركه يتحدث عن ذلك بنفسه من خلال مذكراته التي كتبها قبيل وفاته؛ لينتفع الناس بها عموما، وحاملو الدعوة على وجه الخصوص!

 

يقول رحمه الله: في عام أربعة وستين وتسعمائة وألف ميلادية، تم تدشين الصخرة المشرفة في القدس، وجاءت الوفود من كافة الأقطار الإسلامية للاحتفال، وتهنئة الأردن بتلك المناسبة، فدعا الحزب كثيرا من شبابه  للقاء في المسجد الأقصى، وقرر زيارة الوفود الإسلامية، وإبلاغهم الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية، والكشف لهم عن عدم جدوى الاحتفال بالصخرة، وليت النقود التي أنفقت عليها أنفقت في شراء الأسلحة لحمايتها! ووزع الشباب على الوفود،كل اثنين منهم لزيارة وفد، وكان نصيبي وواحدا من الشباب الوفد السوداني، وتم تزويدنا بالأفكار الآتية لعرضها عليهم:

 

1.    إن حكام الأردن جواسيس لليهود في البلاد العربية.

2.    إن حكام الأردن نواطير لكيان يهود على الحدود.

3.    إن تقدم يهود في منطقة الطوري مسافة أربعمائة متر على مسمع ومرأى من الحكومة الأردنية، ولم تحرك ساكنا هو خيانة.

4.    بغير قيام دولة الخلافة تبقى هذه المشاكل دون حل.

 

لأجل القيام بهذه المهمة ركبنا نحن الاثنان سيارة أوصلتنا إلى فندق يسمى "إنتركونتنانتل" حيث يقيم الوفد السوداني، وهناك اعتقلنا، وضبطت المعلومات معي وأودعنا سجن القدس. وجاء مدعي المحكمة العرفية العسكرية "فائق الغضبان" للتحقيق. وقال لي: أنا ضابط تحقيق، وأساعد كل من يتعاون معي، وأبرز المستمسكات التي ضبطت معي، وكانت الأولى تحتوي على النقاط الأربعة التي ذكرنا. والثانية فيها هجوم عنيف على الحكام، وتسفيه تصرفاتهم، وكان قد كتبها واحد من أعضاء اللجنة المحلية، والثالثة فيها برنامج الحلقات الليلية والنهارية، وفي أي ساعة تعقد كل واحدة. فسألني: هل هذه الأوراق ضبطت معك؟ قلت: نعم. قال: من أي حزب أنت؟ قلت: من حزب الله. قال: هل أنت من حزب التحرير؟ قلت: من حزب الله. قال : هل حزب التحرير من حزب الله؟ قلت: عرف حزب التحرير. قال: أجب بـ "نعم" أو "لا". قلت: أنت تملك السؤال، وأنا أملك الإجابة، فإن أردت أجبتك بآية من كتاب الله، أو بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو ببيت شعر. فكرر القول، وكررت الإجابة، فنهض من خلف الطاولة منفعلا، ووقف على يساري وأنا جالس على كرسي وضربني ثلاث لكمات. فقلت له: لقد صرت شرطيا، ولجأت إلى"المرافصة" التي هي أسلوب الحمير! ألك علي دين؟ ألا تستحيي، وقد كنت تقول بأنك محقق؟ لقد جعلتني أستحيي من عملك! عد إلى مجلسك، وحافظ على رزانتك الأولى.

 

فوقف منبهرا فاغر الفم، ولم ينبس ببنت شفة أي لم يتكلم بأية كلمة، إذ لم يكن يتوقع أن يسمع ما سمع، فعاد إلى مجلسه، وسأل السؤال نفسه، فقلت له: غير سؤالك، فقد أقمت عليه معركة. فقال: هل تستنكر حزب التحرير؟ فقلت: السؤال خطأ. فقال ما الصحيح؟ قلت: السؤال يكون كالآتي: هل تستنكر أعمال حزب التحرير وتتبرأ من أشخاصهم؟ قال: فليكن السؤال كذلك. أجب. قلت: إنني مسلم، وأمتثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". فقل لي ما هي أعمال حزب التحرير المنكرة حتى أستنكرها!

 

إنني حينما أرى منكرا أستنكره استجابة لله ولرسوله، لا لطلبك مني أن أستنكره، ولا أنتظرك حتى تطلب مني أن أستنكره. وأما البراءة من الأشخاص، فالله تعالى يقول في الآية الرابعة عشرة بعد المائة من سورة التوبة: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ? إن إبراهيم لأواه حليم} فدلني على أعداء الله لأتبرأ منهم. قال: هل انتهيت؟ قلت: لا، بقيت الإجابة القانونية. قال: أجب إذا. قلت: هل في القانون الأردني مادة تقول: "إن من لا يستنكر حزب التحرير يعاقب؟" فلم يجب. فقلت: الجواب يحتمل أن يكون كلمة واحدة من اثنتين لا ثالث لهما: إما "لا" وإما "نعم". فإن كان الجواب "نعم" يكن  القانون الأردني أهمج قانون وجد على وجه الأرض، لأنك يا محقق لم تستنكر حزب التحرير، فتكون في نظر القانون الأردني مجرما تستحق العقوبة، وكل أفراد الجيش وضباطه كذلك. بل كل الموظفين والعمال والفلاحين وإن شئت قل: كل أفراد الشعب الأردني مجرمون لأنهم لم يستنكروا حزب التحرير. وهذا غير معقول! ولذلك فالجواب الصحيح هو "لا". فسؤالك مردود قانونيا. فقال: ماذا تعمل؟ قلت: مدرسا. قال: ما تحصيلك العلمي. قلت: ما زلت أدرس في كلية الشريعة في جامعة دمشق. فقال: لقد مضى علي ستة وعشرون عاما في هذا العمل، وقد جن جنوني من حزب التحرير، وأنت قد قضيت علي!

 

فقلت له: لا أعطاك الله العافية، ستة وعشرون عاما أمضيتها في خدمة النظام، وما زلت رئيسا برتبة ثلاث نجوم. وقلت محرضا إياه على ترك عمله: "إنهم يأتون بالراعي من وراء الجمال، لا يعقل شيئا ويضعونه في وظيفة بمثل وظيفتك، ورتبة ثلاث نجوم بمثل رتبتك! "ستة وعشرون عاما وأنت تظلم الناس؟ ألا تترك هذه الوظيفة، وتفتح لك مكتبا، وتعمل محاميا تدافع عن حقوق الناس المظلومين بدلا من اتهامهم، ونصب الفخاخ لهم لتوقعهم في شرك وحبائل الظالمين.

 

أجل أيها المسلمون هكذا كان موقف حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام! لم يكتفوا بالثبات على الحق أثناء حمل الدعوة، بل يطمحون إلى أن يكونوا ثابتين أيضا أمام الكفار في ساحات القتال، وفي ميادين الجهاد في سبيل الله! وقد صدق فيهم قول الشاعر:

 

قف دون رأيك في الحياة مجاهدا        إنما الحيـاة عقيـدة وجهـاد

 

عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

محمد احمد النادي

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...