اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

وعدتم كما بدأتم...


Recommended Posts

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

أمــا بعــد ..

 

فلا بد أن يعلم كل موحد أن كل ملل الكفر على اختلاف مشاربها و مناهجها و تضارب مصالحها تدرك جميعا ً أن وصول الإسلام في مكانٍ ما إلى مرحلة الحكمِ حكمِ الله في الأرض وإعادة الخلافة الإسلامية أمر خطير دونه خرط القتاد وشلالات الدماء وهي القضية التي أجمعوا أنه لايمكن السماح بها أو المهادنة فيها فسخروا لذلك كل وسيلة ممكنة ضاربين عرض الحائط كل المبادئ الأخلاقية والمحسنات الجمالية التي طالما دجلوا بها على عباد الله المستضعفين.

 

ولأن وللأسف جيل ٌ المسلمين الآن ولد ونشأ في ظل حكم الذل والخنوع وبعدت عنهم كل معاني العزة والكرامة ونسيوا مجدهم و تاريخ بنائه كان لابد لنا أن نعود قليلاً إليه وخاصة إلى ما هو متعلق بمفهوم الدولة النبوية( الدولة الألى) و ظروف نشأتها ولأنه قد انطبع عند كثير منا أن مفهوم الدولة الإسلامية هو نفس مفهوم الدولة الطاغوتية التي رسمها سايكس بيكو اليهوديان .

 

والبعض يفهم خطأ أن مفهوم الدولة التي ينبغي قيامها وإعلانها هي دولة الرشيد يخاطب فيها السحابة في السماء ويغرف الذهب كالماء ويرسل الجيوش التي أولها عند عدوه وآخرها في بغداد.

 

فهيا بنا نتجه إلى المدينة النبوية لنرقب ولو شيئاً يسيراً من حركة بناء الدولة النبوية, وهل كانت المدينة فحسب ملاذا ً آمناً يأوي إليها المستضعفون من المؤمنين أم أنه عهد جديد من التضحية بالنفس والمال وفصل ٌ آخر من فصول الفقر والخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات ؟ ونريد أن نعرف هل قامت الدولة النبوية أول ما قامت قويةً راسخة متينة لا تهزها الريح ولا تأخذ فيها الفتن أم أن القلوب بلغت الحناجر وظنَّ الناس بربهم الظنون ؟

 

هل صحت مزارع القوم ونشطت تجارتهم وزاد عدد رجالهم, أم حصد القتل في سبيل الله شبابهم وشيوخهم وتعطلت تجارتهم وبارت مزارعهم ؟

 

هل كانت تلك الدار عذبة الماء طيبة الهواء أم أنها أرض كثيرة الوباء آجلة الماء ؟

 

هل كانت الجيوش النبوية وافرة العدد والعدة, أم كما وصف الله (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ) في قلة العدد ورثاثة العدة وضيق المعاش ؟

 

وعليه، هل الشام او جزء منهايصلح لكي يكون نقطة للإرتكاز،، ومن ثم التمدد للدولة الإسلامية القادمة بمشيئةالمهيمن الجبار،،، أم ما زالت " الدولة الحديثة " بإمكانياتها المادية هي المسيطرة على الأذهان.

 

 

 

صفة الدار التي هاجر إليها الرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام

 

فما هي صفة الدار التي هاجر رسول صلى الله عليه وسلم إليها وأقام فيها دولة الإسلام الأولى ؟

 

روى الإمام أحمد والشيخان وابن اسحق عن عائشة رضي الله عنها قالت : "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قدمها وهي أوبأ أرض الله من الحمى ، وكان واديها يجري نجلاً ـ يعني ماء آجناً- فأصاب أصحابه منها بلاء وسقم وصرف الله ذلك عن نبيه" .(1)

 

وفي الموطأ عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال : " ‏لما قدمنا ‏ ‏المدينة ‏نالنا وباء من وعكها شديد, فخرج رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم وهم يصلون في ‏سبحتهم ‏قعوداً, فقال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم :‏ ‏"صلاة القاعد مثل نصف صلاة القائم" ‏.

 

وعن عائشة رضي الله عنها كما في الصحيح , أن بلال لما وَعِكَ كان يقول : "اللهم العن شيبة ابن ربيعة, وعتبة ابن ربيعة, وأمية ابن خلف, كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء", ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد, اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا وصححها لنا وانقل حماها إلى الجُّحفَة", قالت: "وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله", قالت : "فكان بُطحانُ يجري نجلاً, تعني ماء آجناً" (2).

 

قال ابن بطال رحمه الله : "فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نزل بأصحابه من الحمى والوباء خشي كراهية البلد لما في النفوس من استثقال ما تكرهه فدعا الله في رفع الوباء عنهم وأن يحبب إليهم المدينة كحبهم مكة أو أشد" .

 

فهذه حمى المدينة ضربت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أن عائشة رضي الله عنها تقول عن أبيها وبلال: "فقلت يا رسول الله إنهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى", وأن بعض من هاجر إليها نكص على عقبيه ولم يتحمل وباء المدينة, كما ثبت في الصحيحين واللفظ لمسلم أن نفراً من عُقلٍ ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام فاستوخموا الأرض وسقمت أجسادهم وعند البخاري فاجتبوا المدينة وعند أحمد فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم أهل ضرع ٍ ولم يكونوا أهل ريف و شكوا حمى المدينة .

وفي الصحيح عن جابر بن عبدالله أن أعرابياً بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأصاب الأعرابي وعك ٌ بالمدينة فأتى الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله أقلني بيعتي", فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) .

 

مما سبق يتبين أن الأرض التي اختارها الله لهجرة نبيه وإقامة دينه كانت أرضاً شديدة الوباء آجلة الماء حتى أن كبار الصحابة كبلال رضي الله عنه استعظم بلاءها ودعا على من كان سبباً في المجيء إليها من الكفار وهو من هو في تحمل البلاء ومع ذلك لم يكن هذا الوباء وذلك البلاء أبداً ليجيز لأحد أن يترك دار الهجرة ويرتد على عقبيه كما في قصة العقليين والأعرابي السابقتين .

وبقي الصبر على بلاء المدينة من علامات سعادة المرء حتى بعد موت رسول الله صلى الله عليه سلم ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد مولى المهري أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحَرَّة فاستشاره في الجلاء من المدينة وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله وأخبره أنه لاصبر له على جهد المدينة ولأوائها, فقال: "ويحك لا آمرك بذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة إذا كان مسلماً " .

 

________________________________________

(1)قال هشام : وكان وباؤها معروفا في الجاهلية ، وكان إذا كان الوادي وبيئا فأشرف عليه إنسان قيل له : انهق كنهيق الحمار ، فإذا فعل ذلك لم يضره وباء ذلك الوادي ، وقد قال الشاعر حين أشرف على المدينة :

لعمري لئن عشرت من خيفة الردى نهيق الحمار إنني لجزوع

(2) وأخرج الإمام مالك رحمه الله في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن عائشة قالت : وكان عامر بن فهيرة يقول:

قد رأيتُ الموتَ قَبْلَ ذَوْقِه إن الجبانَ حَتْفُهُ من فَوْقِهِ

(3) وقد اخرج البخاري والنسائي والإمام مالك بعد هذا الحديث قول الرسول عليه الصلاة والسلام المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها وأخرج الإمام البخاري في صحيحه قول الرسول صلى الله عليه وسلم

أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير الخبث

 

 

------------------------------------------------------------------

 

يتبع إن شاء الواحد الأحد

رابط هذا التعليق
شارك

لحالة الاقتصادية في "الدولة النبوية"

 

وأما عن الحالة الاقتصادية" للدولة النبوية": (1)

 

فقد كانت تعيش "الدولة النبوية" الناشئة حالة فقر قاتل لم يستثنِ أحداً صغيراً كان أو كبيراً, ففي الصحيح عن أيوب عن محمد قال: "كنا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشقان من كتان، فتمخط فقال: بخ بخ، أبو هريرة يتمخط في الكتان؟ لقد رأيتني وإني لأخِرُّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة مغشياً علي، فيجئ الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون، وما بي من جنون، ما بي إلا الجوع ".

 

فهؤلاء أضياف كرام في مسجد رسول الله صلى الله عليهوآله وسلم حيث يراهم جميع الصحابة يخرون صرعى من ألم الجوع وقسوته لايملك لهم أحد شيئاً, وإذا قال أبو هريرة رضي الله عنه كما في الصحيح: "كان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب, كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته, حتى إِنْ كان ليُخرج إلينا العُكَّة التي ليس فيها شيء فنشقها فنلعق ما فيها ".

 

ولنانحن المغمورون بنعمة الله أن تتصور حالة جوع تستدعي من كريم كجعفر ينقلب بأضياف كرام وليس عنده إلا وعاء جلد به آثار سمن يقطعونه ليلعقوا ما فيه ! هذا وقد كان مجيء جعفر إلى المدينة في فتح خيبر, وإسلام أبي هريرة في نفس السنة أي في السنة السابعة من الهجرة النبوية.

 

يعني أن حالة الفقر المؤلمة القاسية هذه كانت تضرب الدولة النبوية بعد سبع سنين من قيامها وبعد ما أنعم الله على المسلمين بغنائم خيبر, وعن حالة أضياف الإسلام وجوعهم يخبر الصحابي الجليل كيف أنه كان يقعد لكبار القوم يسألهم عن آية من كتاب الله قائلاً: " ما سألته إلا ليشبعني ", حتى دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد لبناً في بيته أُهدي إليه فقال: " يا أبا هر ", قلت: "لبيك يا رسول الله", قال: "الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي"، قال: "وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهلٍ ولا إلى مال ولا إلى أحد, إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هديةٌ أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها, فساءني ذلك فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة؟ كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاء أمرني، فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن؟ ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بدٌّ، فأتيتهم .. الحديث "(2) .

 

وهنا تتجلى صورة من صور الإيثار وهو أن يقدم غيره على نفسه في النفع له والدفع عنه

وكذا المسلم يجب أن يكون بين إخوانه في مواطن الشدة والبلاء

فالإيثار على النفس ما وجد إلا ليشد من عضد المسلمين

 

يقول الله عز وجل (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) الحشر آية 9

 

وهذا فارس المسلمين زوج بنت رسول الله صلى الله عليهوآله وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعمل عند يهودي في تمرات يسد بها ألم الجوع, فعند الترمذي قال: " خرجت في يوم شاتٍ من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخذت إهاباً معطوباً فحولت وسطه فأدخلته عنقي وشددت وسطي

فحزمته بخوص النخل وإني لشديد الجوع ولو كان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام لطعمت منه, فخرجت ألتمس شيئاً فمررت بيهودي في مال له وهو يسقي ببَكَرة له فاطلعت عليه من ثُلمة في الحائط, فقال: مالك يا أعرابي هل لك في كل دلو بتمرة ؟ قلت: نعم فافتح الباب حتى أدخل, ففتح فدخلت فأعطاني دلوه فكلما نزعت دلواً أعطاني تمرة حتى إذا امتلأت كفي أرسلت دلوه وقلت حسبي فأكلتها ثم جرعت من الماء فشربت" .

 

وإليك موقف جوع يشق الكبد ألماً فعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً فقال: " ما تشتهي؟", قال: " اشتهي خبز بر" , قال النبي صلى الله عليه سلم: " من كان عنده خبز بر فليبعث إلى أخيه" الحديث .

 

ولكن أن يكون الجوع يفترس الصِّبية فهذا والله شديد فعند أبي داوود عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه دخل على فاطمة, وحسن وحسين يبكيان فقال: "ما يبكيهما؟", قالت: " الجوع" .

وعند الترمذي عن رافع بن عمرو قال: " كنت أرمي نخل الأنصار فأخذوني فذهبوا بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "يا رافع لمَ ترمي نخلهم ؟", قال قلت: "يا رسول الله الجوع" .

 

ولم يكن حال لباسهم وما يستر عوراتهم بأحسن من حال طعامهم, ففي الصحيح أن سائلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في ثوب واحد فقال صلى الله عليه وسلم: " أولكلكم ثوبان ؟ ".

ولقد كان هذا الثوب في أحيان كثيرة قصيراً ضيقاً لا يكاد يستر عورة الصحابي في صلاته وفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فعن سهل بن سعد قال: "كان رجال يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم عاقدي أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان, ويقال للنساء لا ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوساً" .

 

قال ابن بطال رحمه الله : "قال الطحاوي: إن الذين كانوا يعقدون أزرهم على أعناقهم لم يكن لهم غيرها والله أعلم, إذ لو كان لهم غيرها للبسوها في الصلاة و ما احتيج أن ينهى النساء عن رفع رؤوسهن حتى يتسوي الرجال جلوساً وتختلف أحكامهم في الصلاة وذلك مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم في الإمام: " فلا تختلفوا عليه " ولقوله: "فإذا رفع فارفعوا ", ألا ترى أن عمرو بن سلمة حين كان يصلي بقومه وتنكشف عورته لم تكن له غير تلك الجبة القصيرة فلما اشتريت له جبة سابغة تستره في الصلاة قال : "فما فرحت بشيء فرحي بها", إنما نهى النساء عن رفع رؤوسهن خشية أن يلمحن شيئاً من عورات الرجال عند الرفع من السجود" . اهـ

 

فهل بعد هذا الفقر من فقر؟ فقد يصبر المرء على ألم الجوع ولكن أن لا يجد مايستر عورته فهذا مؤلم وقاسٍ, وأن يرى النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام هذه الحالة ولا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً فلاشك أن الأمر شديد, ومما يدمع عين الموحد أن حالة الفقر هذه لم تستثنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم خير خلق الله وأكرمهم وأشرفهم, ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فوجدته جالساً مع أصحابه يحدثهم وقد عصب بطنه بعصابة, قال أسامة: وأنا أشق على حذر فقلت لبعض أصحابه: لم عصب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطنه؟ فقالوا: من الجوع" ,

وفي رواية: رأى أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعاً في المسجد يتقلب ظهراً لبطن فأتى أم سليم فقال: "إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعاً في المسجد يتقلب ظهراً لبطن وأظنه جائعاً", قال أنس: "فدخل أبو طلحة على أمي فقال:" هل من شيء؟", فقالت: "نعم عندي كِسَرٌ من خبز وتمرات فإذا جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده أشبعناه, وإن جاء آخر معه قَلَّ عنهم" . الحديث .

 

فتأمل أيها المشتكي من قلة الحال وضيق العيش كيف أن نبيك صلى الله عليه وآله وسلم أصابه جَهد الجوع حتى عُرف ذلك من وجهه بل و يتقلب ظهراً لبطن من شدة الجوع وفي رهط من الصحابة يسألهم أنس ما به فيجيبون الجوع ولا أحد يملك له صلى الله عليه وسلم شيئاً, وحينما وُجِد كان كسيرات من خبز لاتصلح لضيف كريم كرسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد كان صلى الله عليه وسلم يطوي الليالي دون أن يَطعم شيئاً صلوات ربي وسلامه عليه .

 

فعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لايجدون عشاءً وكان أكثر خبزهم خبز الشعير, نعم وأهله يا من تتمردن على أزواجكن طلباً للسعة وخاصة المجاهدين في سبيل الله, فهؤلاء نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنات الأكرمين يَجهدهم الجوع, ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : "والذي نفس أبي هريرة بيده ما أشبع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله ثلاثة أياماً تباعاً من خبز حنطة حتى فارق الدنيا", بل أنه صلى الله عليه وسلم لم يُشبع أهله خبزَ الشعير وبنخالته كما في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير".

 

ومما يدمي القلب ولا طاقة للنفس بتصوره أن تعرف أن نبيك صلى الله عليه وآله وسلم أرهقه الجوع حتى أضطر إلى أن يجيب دعوة يهودي في طعام قبيح بل ويرهن درعه عنده كي يأخذ شعيراً يصنعه طعاماً لأهله ففي الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: " مشيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخبز الشعير وإهالة (3) سَنخَة ولقد رُهن له درع عند يهودي بعشرين صاعاً من طعام أخذه لأهله, ولقد سمعته ذات يوم يقول: " ما أمسى في آل محمد صلى الله عليه وسلم صاع تمر ولا صاع حب", وإن عنده يومئذ لتسع نسوة" .

 

قال الحافظ في الفتح في سرد قوله صلى الله عليه وسلم " ما أمسى في آل محمد صلى الله عليه وسلم صاع تمر ولا صاع حب " : " إنه لم يقله متضجراً ولا شاكياً -معاذ الله من ذلك- وإنما قاله معتذراً عن إجابته دعوة اليهودي ولرهنه عنده درعه " . ا هــ

 

نعم أجابَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم دعوةَ يهوديّ من جوعٍ على خبز شعير وشحمٍ تغيرت رائحته, بل وألجأته الحاجةُ أن يرهن أعظم ما عند المسلم شيئاً من سلاحه, وعند يهودي, والذي في أحسن أحواله أمواله مختلطة حلالٌ بحرام قال الله تعالى : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ), ولو وَجد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عند أَحدٍ من المسلمين ما يستقرضه منه حتماً لفعل, قال الحافظ: " قال العلماء: والحكمة في عُدوله صلى الله عليه وسلم عن معاملة مياسير الصحابة إلى معاملة اليهودي إما لبيان الجواز, أو لأنهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعامٌ فاضل عن حاجة غيرهم, أو خشي أنهم لايأخذون منه ثمناً أو عِوَضاً فلم يرد التضييق عليهم" . اهــ

 

قلتُ : محال أن يرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحه عند عدوه و إن كان معاهداً إلا لحاجة شديدة لا يمكن دفعها من غير هذا الوجه والله تعالى أعلم. .

 

وحسبُك أن تعلم أنه صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيح تُوفي ودرعه مرهونةٌ عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير أخذه طعاماً لأهله, وفي رواية: أخذها رزقاً لعياله, وعند أحمد: "ما وجد ما يفتكها حتى مات" .

 

________________________________________

 

(1) وفي هذا رد على من إعتقدأن على الدولةالإسلامية أن توفر للناس الطعام والشراب والتعليم والطب وجعلوها أركانا من أركان قيام الدولة الإسلامية وبغيرها لا تنعقد الدولة الإسلامية

ولكن بالعزم والثبات والتيقن بفرج الله يكون النصر والفرج

 

(2)أخرجه البخاري وغيره وتكملة الحديث

فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت قال النبي عليه السلام يا أبا هر. قلت لبيك يا رسول الله قال (خذ فأعطهم) قال فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد على القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد على القدح فيشرب حتى يروى ثم يرد على القدح حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى القوم كلهم فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إلى فتبسم فقال النبي عليه السلام (أبا هر) قلت لبيك يا رسول الله قال (بقيت أنا وأنت) قلت صدقت يا رسول الله . قال (اقعد فاشرب) فقعدت فشربت فقال (اشرب) فشربت فما زال يقول (اشرب) حتى قلت لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا قال (فأرني) فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة . انتهى

 

(3) الإهالة الشحم أو ما أذيب منه والسخنة المتغيرة الريح

 

---------------------------------------------------------

 

يتبع بإذن الواحد الأحد

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...