Jump to content
منتدى العقاب

منقول: الحراك الثوري والصراع الحضاري - أ. يوسف الساريسي


Recommended Posts

بســــــم الله الرحـــــمــــــن الرحـــــيـــــــم

 

الحراك الثوري والصراع الحضاري

 

إن محاولة فهم ما يجري في المنطقة من هبات شعبية أدت إلى الإطاحة ببعض الحكام أوجدت تساؤلات كبيرة: لماذا لم يتوقع أحد حدوث ذلك؟ وكيف انطلقت الثورة على الحكام فجأة رغم القمع والبطش؟ وهل هناك أبعاد ومضامين كامنة وراء هذا الحراك الثوري كالصراع الحضاري؟ هذا ما نحاول استشرافه في هذه المقالة.

 

بداية لا بد لنا من التنويه إلى أن أي صراع يتخذ اشكالا مختلفة منها العسكري والسياسي والفكري والاقتصادي والحضاري، ونريد هنا إلقاء الضوء على بُعد يُغفِله الكثيرون ألا وهو البعد الحضاري. الذي هو الصراع الأساسي الذي تعتمد عليه جميع انواع الصراعات الأخرى.  فنقول بانه إذا قسنا الأمور من زاوية الصراع الحضاري نجد أن وجود "اسرائيل" مآله الفشل والزوال تماما كما أصبح وجود الصليبيين في الشام تاريخا، وكذلك فإن هزيمة المغول حضاريا لم تقل روعة عن هزيمتهم عسكريا، وهكذا. فعندما تبحث الأمور من هذه الزاوية تبدو الأمور أكثر حتمية وأكثر وضوحا ويتضح أن لما يجري آفاق بعيدة المدى.

 

اختلاف الحضارات:

 

إن الناظر في حضارة شعوب المنطقة الإسلامية يجد أنها واحدة مشتركة وهي تتحرك معا في حراك حضاري اختزنته في فؤادها الجماعي عبر تاريخها الطويل. والحضارة غير الدولة فالحضارة عابرة لحدود الدول ولا تستطيع الحدود والحواجز ايقاف تأثيرها وحركتها، وتشكل الحضارة من جهة أخرى القوة الناعمة للدولة المبدئية.

 

ولا وجود لما يسمى بحضارة إنسانية حيث أن الحضارة تختلف باختلاف الأمم وطرائقها في العيش، فالحضارة الشيوعية هي غير الحضارة الغربية، والحضارة الإسلامية غير الحضارة الغربية، وغير الحضارة الشيوعية ، لأن مجموعة مفاهيم الأمم والشعوب عن الحياة مختلفة ومتباينة. ولكن عند النظر إلى الإنتاج الإنساني عموما، لا بد لنا التفريق بين ما ينتجه العقل مما يتعلق بوجهة النظر في الحياة، وبين ما ينتجه من الأشكال المادية المحسوسة كالصناعات والاختراعات، فالإنتاج الأول المتصل بالمفاهيم هو خاص بمجتمع معين، أما الإنتاج الثاني فهو عالمي. ولأجل ذلك كان الإنتاج الأول أي مجموعة المفاهيم عن الحياة هو الحضارة، وكان الإنتاج الآخر هو المدنية، ولا مشاحة في الاصطلاح كما يقال.

 

أنواع الحضارات:

 

ليس بالضرورة لأن يرتكز مجموع المفاهيم عن الحياة التي تشكل حضارة مجتمع ما على قاعدة فكرية مبدئية، فقد تكون الحضارة مرتكزة على فكرة أو أفكار جزئية، فالحضارة الفرعونية والحضارة الفارسية والحضارة اليونانية وكذا باقي الحضارات البائدة كانت ترتكز على أفكار جزئية عن الحياة، أما الحضارة الرأسمالية والشيوعية والحضارة الإسلامية فكل منها يرتكز على فكرة كلية انبثق عنها نظامها أي على مبدأ. وإذا تفاعلت حضارة المبدأ بشكل صحيح في الشعب والأمة فإنها تصبح حضارة راسخة يصعب محوها أو استئصالها.

 

فالحضارة الشيوعية مثلا انكمشت ثم زالت بسهولة لأن الذي حملها لم يكن شعبا أو أمة بل أفراد وجماعات في روسيا وأوروبا الشرقية وطبقت بالحديد والنار. أما حضارة الإسلام فقد بقيت راسخة في نفوس المسلمين بالرغم من زوال دولتهم، لأن المجتمع الذي حملها ونهض على أساسها لم يتخل عن العقيدة الإسلامية، وبقيت الشعوب الإسلامية تعيش في بعض جوانبها وفق مفاهيم الإسلام عن الحياة.

 

حتمية صراع الحضارات:

 

إن الناظر والمتأمل في الكون والإنسان والحياة يجد أن الله تعالى قد أقام هذا الكون على مبدأ السببية وجعل له سننا لا تتغير ولا تتبدل. وما يجري في حياة البشر فإنه يجري وفق سنن جعلها الله تعالى تنظم حياة البشر، ولولاها لاختل نظام الإنسانية ولفسدت الحياة ولما صلحت الأرض ليستخلف الإنسان فيها.

 

ومن تدبر آيات الله في الكتاب المسطور والكتاب المنظور نجد عدة سنن تتعلق بحضارات البشر ومعيشتهم ومنها أن الله قد جعل التعدد والاختلاف بين الناس سنة مجتمعية لعمران الأرض. ومن السنن أن الله جعل لكل أمة أجل ولها أعمار كالأفراد فتموت الأمم -وحتى لغاتها- ليس بموت أفرادها ولكن بتخلي تلك الأمة عن حضارتها السالفة. ومن السنن الربانية سرعة عقوبة الظالم في الدنيا وما يترتب على الظلم من نتائج اجتماعية وبيلة تنتهي إلى خراب العمران. ومن السنن سنة التدافع لمنع الإفساد في الأرض وإعادة التوازن إلى الحياة.

 

إن صراع المصالح بين الدول والشعوب هو في أصله اختلاف فكري يتبعه صراع فكري ثم صراع على المصالح ويصل أحيانا إلى صراع عسكري، وهذا الصراع على المصالح يمكن أن يكون بين حضارتين مختلفتين، كما يمكن أن يكون بين دولتين أو شعبين من حضارة واحدة. فالصراع الفكري هو أساس كل صراع على وجه الأرض منذ اختلاف ابني آدم عليه السلام إلى يومنا هذا وسيستمر إلى ما شاء الله. إذن فصراع الحضارات أمر حتمي أي سنة.

 

لقد ظل الصراع بين الإسلام وحضارته وبين الحضارات الأخرى صراعا فكريا وعسكريا حتى عمَّ الإسلام أرجاء العالم القديم ودخل الناس في الإسلام وانسلخوا من دياناتهم وحضاراتهم السابقة وصاروا أمة واحدة، لكن المسلمين تعرضوا لعوامل داخلية وأخرى خارجية، أدت إلى انكماش حضارتهم وكادت أن تزول ولكنها لم تمت، وأزيلت دولة الإسلام التي طبقت هذه الحضارة، فيماارتفعت في المقابل حضارة الغرب الرأسمالية. فحضارة الغرب الرأسمالية قد صرعت المسلمين عسكريا وسياسيا واقتصاديا ولكنها لم تصرعهم فكريا، ولكن تأبى سنن الله إلا أن تكون الغلبة والنصر في نهاية المطاف للإسلام والمسلمين إن شاء الله.

 

الحراك الثوري:

 

من تدبر سنن الله في التغيير نجد أن كل الثورات وحركات التغيير التي عرفها الإنسان عبر تاريخه الطويل جاءت بداياتها أول مرّة في النفوس، نفوس تتغير وتتحول من الداخل كليا أو جزئيا لرفض الواقع والتمرد عليه، وتتشكل فيها الأفكار الجديدة والمشاعر المغايرة والمضادة لما هو قائم في اتجاه تحقيق التطلعات والآمال، وهذه سنة ربانية قال تعالى في الرعد: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ(11).

 

ولكن حين لا يحدث التغيير طبيعيا في ظل معيقات كشدة الظلم والتجبر، تبلغ الأمور حد التأزم عند طغيان الفساد، ويبلغ الاختلال في موازين الحياة مبلغا لا يحتمل، وتبلغ الثورة في النفوس النضج، تتحرك حينها سنة ربانية هي سنة الصراع التدافعي بين الأمة وحكامها لإزالة الظلم والظالم، قال تعالى في سورة البقرة: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ (251). عند ذلك تتحرك الثورة الشعبية التي تعبر عن صراع بين إرادتين متعارضتين في المبدأ والمنهج والغاية، فالثورة حراك طبيعي إنساني تاريخي ينطلق متى توفرت شروطه ولوازمه ساعيا إلى إحداث بناء جديد بعد تحطيم البناء القديم.

 

ولأن الفكر الذي فرضه الاستعمار على الأمة ومن بعده ورثته من الحكام هو فكر رأسمالي مستورد وحضارة فرضت زورا على واقع حضاري مخالف، بالقوة القاهرة والاستبداد والقمع والجبروت، وقد آن زواله مهما امتلك من قوة قامت بتصفيح هذه الأنظمة لضمان عدم الانقلاب عليها وإزالتها. كان لا بد أن يحدث الصراع التدافعي ليزيل ظلمهم وتجبرهم، وكان لا بد من تحرك شعوب الأمة في صراعها لبقايا حضارة استنفدت أغراضها في بلادنا لتحل محلها حضارة عميقة الجذور في وجدان هذه الأمة، لذلك كان لا بد من حراك ثوري في بلدان العرب.

 

ضعف الحضارة انكماشها:

 

إن الحضارات المبدئية لا تموت في العادة، فإذا تبنتها شعوب وأمم وآمنت بفكرتها الأساسية وبقيت سائرة في الحياة وفق مفاهيم هذه الحضارة حتى لو تعرضت لعوامل خارجية كالغزو وذهاب دولتها فإن الحضارة تضعف وتنكمش ولكنها لا تزول. إن الحضارة تدخل طور الانكماش في العادة عندما لا تستطيع إيجاد حلول لمشاكلها الداخلية والخارجية بالاعتماد على قاعدتها الفكرية وتأخذ بالضعف عندما يضعف أثرها في نفوس أهلها ونفوس من تحمل المبدأ لهم وتنشره بينهم، وقد تفقد شرعيتها ويظهر نفاقها إذا اتبعت معايير مزدوجة في التطبيق.   عندما تدخل الحضارة طور الانكماش ، يقل الإبداع الفكري في المجتمع وتصبح الأجواء غير ملائمة للمفاهيم النهضوية ويصبح الإنتاج الفكري إما قليلا أو عقيما وتجمد قرائح الناس وتتعقد المشكلات ولا تجد لها حلا، ويتبع هذا الانحدار الحضاري ضعف في الانتاج المدني لزوما.

 

انكماش الحضارة الإسلامية ثم صعودها:

 

إن لنا لما حصل في تاريخ المسلمين لعبرة أي عبرة! ويعلمنا من سنن الله ما ينفعنا في حاضرنا ومستقبلنا، فكان لا بد لنا من دراسة تاريخ هذه الأمة بعمق واكتشاف أسباب ضعفها ثم التعرف على ما يعالج هذا الضعف من أسباب ومن ثم الأخذ بها للنهوض.

 

لقد كان إهمال شأن اللغة العربية في أوائل القرن السابع الهجري، ثم إغلاق باب الاجتهاد، ودخول بعض أفكار الحضارات القديمة من الفلسفة الهندية وأفكار الفلسفة اليونانية قد أدى إلى اضطراب فهم الأحكام الشرعية، وعندها بدأت الحضارة الإسلامية تنكمش فعليا، ثم أخذت طور الاضمحلال والانحدار عند الغزو الثقافي والغزو التبشيري، ثم شارفت على الانهيار في بداية القرن العشرين حين تم للحضارة الغربية هدم دولة الخلافة العثمانية. لكن حضارة الإسلام لم تمت وإن ضعفت، وما زالت شعوب المسلمين تمارس مفاهيم حضارة الإسلام بالرغم من هدم دولتها.

 

لقد بدأت الحيوية تدب في الأمة الإسلامية إثر الهزات العنيفة التي مرت بها الأمة حيث أدت هذه الهزات إلى جعل الأمة الإسلامية تتقدم نحو النهضة على شكل تحركات جماعية، وعودة الثقة للمسلمين بحضارة الإسلام وأنه يشكل البديل الحضاري الأمثل لهم، وبدأت مؤشرات ذلك تظهر بوضوح. ثم تلا ذلك حدث زلزل أركان المنطقة بفعل الحراك الثوري في بلاد المسلمين ابتدأت شرارته بدفع ذاتي خالص في تونس ثم انتقل هذا الحراك إلى مصر فتبعتها اليمن وليبيا والأردن والبحرين والمغرب والجزائر ثم وصلت الأمور إلى واسطة العقد في بلاد الشام، وكان من الأسباب المباشرة لهذا الحراك هو وصول الظلم والتجبر الذي مارسه الحكام إلى حد الأزمة المحرك للثورة. إن الحراك الثوري يعبر بشكل جلي عن انحسار حضارة الغرب في نفوس المسلمين وسعي الأمة لاستعادة مجد حضاري ضائع ضيعه حكامهم وزعاماتهم ولإزالة الظلم، ثم السعي للبحث عن البديل الحضاري الأمثل.

 

صعود الحضارة الرأسمالية ثم انكماشها:

 

قد يبدو للبعض أن الحضارة الرأسمالية ما زالت قوية وناهضة ولكن المدقق يعرف أنها دخلت طور الانكماش والضعف، فقد نشأت هذه الحضارة في أوروبا وظهرت بقوة، ثم دخلت طور العالمية بعد الحرب العالمية الأولى، لكن الرأسمالية سرعان ما انكمشت وضعفت مع انتشار الحضارة الشيوعية بعد الحرب العالمية الثانية جراء تعرضها لضربات فكرية وسياسية عنيفة، ثم عادت فصعدت بعد انهيار الحضارة الشيوعية سنة 1990 حيث بشرت امريكا بمشروع العولمة الرأسمالية. وأخذت نزعة العنجهية والتكبر على العالم تزداد في أمريكا.

 

هذه النزعة العنجهية والتكبر طمستا على عيون أمريكا وجعلها تستهين وتستخف بكل ما سواها من أمم دول وحضارات، ورأت أن مشروع القرن الأمريكي الجديد لن يكتمل إلا بصرع الحضارة التي ما زالت مستعصية عليها ألا وهي حضارة الإسلام، فأشعلت الحرب على ما يسمى بالإرهاب وأججت الصراع الحضاري بين الرأسمالية والإسلام مما أدى إلى تسريع عملية التغيير الحضاري على مستوى الشعوب الإسلامية، فأجبرهم الغرب على العودة سريعا إلى هويتهم الحضارية ليشعروا بانتمائهم إليها ويحتضنوها.

 

لكن الحضارة الرأسمالية وعلى رأسها أمريكا، قد دخلت فعلا طور الانكماش والضعف من جديد، وذلك بعد غزو العراق، حيث زلزلت المقاومة العراقية مشروع المحافظين الجدد، ثم تلا ذلك ضربة في الصميم بعد الأزمة المالية للنظام الرأسمالي سنة 2008 وظهرت مؤشرات متعددة على التصدع الحضاري لأمريكا.

 

قد يجادل البعض بأن مؤشرات انكماش الحضارة الغربية ليست بقوية، لكن ما يهمنا في هذا المجال هو حقيقة انكماشها بل تراجعها الكبير في العالم الإسلامي، فالصراع الفكري بين الحضارة الرأسمالية والحضارة الإسلامية قد ازداد في بلاد المسلمين منذ الخمسينات والستينات من القرن الماضي ثم ظهر للعيان بعد هزيمة 1967 اندحار المشروع القومي العربي وبدأ يخلي مكانه للمشروع الحضاري الإسلامي. فحضارة الغرب قد انكفأت فعليا في بلاد المسلمين وأخلت مكانها للحضارة الأصيلة التي تقدمت بخطوات سريعة.

 

الحراك الثوري هو نتيجة الصراع الحضاري:

 

أن الأمة قد قررت قرارها بضرورة العودة إلى حضارتها ومبدئها. أما الحكومات العميلة فكانت ما تزال تفكر بأن قوتها العسكرية وأمنها ومخابراتها كافية لحماية عروشها المتصدعة.في وجه غضب شعوبها التي شعرت بالظلم وبجبروت الحكام وتخاذلهم أمام الدول الرأسمالية الظالمة وخذلان أهل فلسطين وغيرها من الأسباب، فأتاهم الطوفان من حيث لم يحتسبوا.

 

ومن فهم سنن الله تعالى نجد أن إرادة الله اقتضت أن يحدث التغيير والتدافع بين الشعوب وحكامها، فتكسر الشعوب حاجز الخوف فتحدث الثورة. وهكذا كان فعلا، وحدث الحراك الجماعي العفوي من قبل الأمة الذي أطاح بعرش دولة بلغ فيها الصراع الحضاري أوجه بحربه الشديدة على الإسلام حتى وصل الأمر إلى إغلاق المساجد والتضييق على مصليها ومحاربة الحجاب. قال تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً) (الحج:41). لذلك كانت تونس وكان لا بد أن تكون تونس لأن جرعة الصراع الحضاري بالإضافة إلى كافة أشكال الظلم فيها قد بلغ مبلغه وخصوصا مساجد الله.

 

أما باقي المناطق التي كان فيها الصراع الحضاري والظلم شديدا كسوريا ومصر والمغرب والجزائر والأردن فقد كانت نارا من تحت رماد. وكانت شرارة البداية ثورة تونس ورؤية الناس للنموذج التونسي والانهيار المدوي لحكم ابن علي قد أعطى دفعة قوية للنفوس حتى أوصل الصراع إلى النقطة الحرجة لحدوث الثورة والتغيير الحضاري، وإعادة سلطان الأمة المغصوب، فكانت مصر تاليا لنضوج الظروف فيها أكثر من غيرها، ثم وصل الحراك الثوري إلى القلب حيث الشام، وهنا أدرك الغرب أن مشروعه الحضاري وصل نقطة الأزمة الحقيقية فأجمع على الوقوف في وجه الشام لايقاف المد الحضاري للإسلام.

 

المشروع الحضاري البديل:

 

إن الحراك الثوري الذي دب في الأمة عابرا حدود دول سايكس بيكو، هو عملية انتقال سريع نحو الدرب الموصل إلى إحلال الحضارة الإسلامية إحلالا كليا محل حضارة الغرب، ولكن هذا الحراك يحتاج لمرحلة انتقالية حضاريا وهي مرحلة نسميهاتصفية الحكم الجبري الظالم، وتكون الأمور في هذه المرحلة غير واضحة المعالم فيتصدى لها أصحاب الفكر الوسطي الذين يحاولون التوفيق بين الحضارتين الإسلامية والرأسمالية، وفي خلالها تنتعش فرص هذه المدرسة التوفيقية، ولكنها بلا شك ستكون فترة مؤقتة ما دام الصراع الحضاري مشتعلا.

 

إن التحول الحضاري والحراك الثوري سيصل إلى نتائج أبعد مما يتصور هؤلاء الوسطيون التلفيقيون وسيتجاوزهم الزمن سريعا، ولن يكون مشروعهم الوسطي مناسبا للمرحلة القادمة وسيبوء بالفشل بإذن الله، ذلك لأنه فكر مزور، والأمة في المرحلة المقبلة ستحتاج إلى فكر حقيقي نابع من صميم مبدئها، فكر يكون هو البديل الحضاري الحقيقي لإعادة انهاض الأمة وبناء حضارتها على أساس متين وسليم، وسيأتي طور جديد لحضارة المسلمين يحقق فيه هذا الفكر المبدئي مشروعه ودولته والذي سيحرر الأمة فعليا وتجتمع كلمتها وتتوحد.

 

المشروع الحضاري ودولة الخلافة:

 

إن الحضارة التي تهدم نفسها ودولتها بيد ابنائها غير الحضارة التي تُهدم دولتها بيد أعدائها، وبالرغم من أن الكفار قد هدموا دولة المسلمين فلا زال الكثير من مفاهيم حضارتهم تحيا بين أظهرهم، لذلك كانت عودة دولة الإسلام أقرب لأن أثر الثقافة والحضارة الغربية المضللة قد محي أو كاد.

 

ولا بد للأمم والشعوب في صراعها الحضاري من استخدام أدوات معينة لإدارة هذا الصراع، فالمجتمع الذي يسيِّر حياته ومعيشته وفق مفاهيم حضارته يستخدم أهم أداة في هذا الصراع ألا وهي الدولة.

 

لكن استلام الحكم وإقامة الدولة لها سنن أخرى زائدة على سنن الصراع الحضاري، لأن إقامة الدولة لها عوامل أخرى لازمة، فإلى جانب الرأي العام المطلوب للحضارة الإسلامية، هناك السلطان والقوة ومن يمتلكهما. لذلك تقتضي سنن الله وأحكام الإسلام أن يكون أهل القوة والسلطان إلى جانب الفكرة الحضارية ليتم هدم أنظمة الكفر وإقامة الخلافة الإسلامية التي تحمل حضارته رسالة هدى ونور إلى العالم أجمع، وما ذلك على الله بعزيز.
 
أ. يوسف الساريسي
Link to comment
Share on other sites

السلام عليكم

نبارك للجميع عودة منتدانا منتدى العقاب للعمل من جديد وادعو الله أن بنفع به المسلمين 

مشكور أخي فارس الكلمة على نقل هذا الموضوع المنشور سابقا في مجلة الوعي

وارجو ان ينتفع به المسلمون في تغيير احوالهم إلى ما يرضي الله ورسوله

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
Reply to this topic...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
 Share

×
×
  • Create New...