جلمود صخر Posted June 8, 2018 Report Share Posted June 8, 2018 الثروة المذهلة فــــي الأردن هي السبب الرئيسي للصراع الأمريكي الإنجليزي عليه المعروف المشهور عن الأردن أنه قاعدة إنجليزية عسكريا وسياسياً، وهذه حقيقة ملموسة قام البرهان المحسوس عليها، أما كون الأردن كنزاً نفيساً من أعظم كنوز الأرض، فإنه أمر غير معروف ولا يحس به إلا الأقل القليل، بل الأمر على العكس من ذلك. إذ المعروف عن الأردن أنه بلد فقير وأنه لولا الإعانة الإنجليزية لما استطاع أهله أن يعيشوا فيه. وقد ركز هذا الوهم أن الأردن فقير تركيزاً قوياً وبذلت المحاولات العديدة، واستعملت الأساليب الخفية لإخفاء ما في الأرض من كنوز وما يحويه من ثروة مذهلة. وكان هذا الإخفاء من الإنجليز، يشاركهم في ذلك حكام الأردن منذ أيام عبدالله الأمير ثم الملك، إلى أيام حسين الملقب بملك الأردن. غير أن أمريكا وقد اطلعت على وجود الكنوز الهائلة التي يحويها الأردن بدأت تزاحم إنجلترا على الأردن من أجل هذه الكنوز، وشاركت كذلك في إخفاء هذه الكنوز. أما سبب هذا الإخفاء من الإنجليز ثم من الأمريكان فإنه انتظار الوقت الذي تصفي فيه قضية فلسطين وتركز إسرائيل حيث يتم تركيز وضع الأردن على وجه يمكن من البدء باستغلاله وإخراج كنوزه، أما والأردن في مهب الرياح العاصفة فإنهم يخشون من إظهار كنوزه مع البدء باستغلالها، ولهذا كان لابد من كشف الغطاء عما في الأردن من كنوز، ومن كشف خطط الإنجليز والأمريكان ومن ورائهما إسرائيل لأخذ هذه الكنوز وحرمان المسلمين منها كشأنهم فيما فعلوه في آسيا كالهند والعراق وإيران مثلاً، وفي إفريقية كالكونغو وغانا وجنوب إفريقيا مثلا، لتدرك الأمة ولا سيما أهل الأردن قيمة الكنوز التي تحت أقدامهم، وليتبينوا سبب الصراع الإنجليزي الأمريكي على الأردن. أما بالنسبة لكنوز الأردن فإنها على جانب عظيم من الأهمية. فإن فيه البترول بشكل غزير جداً وفيه من المعادن الحديد والذهب والفضة واليورانيوم والرصاص والنحاس والمنغنيز والبلاتين والراديوم، وكل ذلك صالح بشكل تجاري، وهناك مواد من الأحجار الكريمة، وهناك مواد تصنع منها الأصباغ (الدهان) ويعتبر البحر الميت من أغنى البحار في الأملاح المعدنية، ويعتبر القسم الجنوبي من الأردن من أغني البقاع في المعادن وفي البترول. أما البحر الذي لا يزيد طوله عن 47 ميلاً وعرضه عن عشرة أميال فإن مياهه تحوي ثروة خيالية ومذهلة، أما كونها مذهلة فلأنهم يؤكدون أنها تفوق ثروة الولايات المتحدة الأمريكية. ومن هذه الثروة الأملاح المعدنية التي تحويها مياهه بكميات هائلة. من ذلك مائتا مليون متر مكعب كلوريد البوتاسيوم وتسعمائة وثمانون مليون متر مكعب من بروميد المغنيسيوم، وأحد عشر ألف مليون متر مكعب كلوريد الصوديوم (ملح الطعام)، واثنان وعشرون ألف مليون متر مكعب من كلوريد المغنيسيوم، وستمائة مليون متر مكعب كلوريد الكالسيوم، فضلا عن أنواع أخرى من الأملاح. والمصدر الرئيسي للماء في البحر الميت هو نهر الأردن، ويصب ستة ملايين طن من الماء العذب يومياً في البحر. ولكن معدل التبخر اليومي خمسة ملايين طن ونصف مليون طن من الماء. فإذا تحول مجرى النهر فسيكشف البحر بشكل هائل، وهذا يزيد في الإنتاج، ولعل المشاريع الأمريكية في تحويل مجرى نهر الأردن تهدف مما تهدف إليه علاوة على مساعدة إسرائيل في الانتفاع بالمياه قطع المياه عن البحر الميت ليزيد إنتاجه حين تستولي عليه لاستغلاله على أوسع نطاق. لقد بدأت عملية استغلال الثروة من البحر الميت منذ سنة 1929 أيام الانتداب الإنجليزي على فلسطين، فقد أنشئ عليه معمل بوتاس، إلا أن استغلاله كان على نطاق ضيق. وحين كانت حوادث سنة 1948 أو مسرحية فلسطين لسنة 1948 أغرى الجنرال كلوب قائد الجيش الأردني حينئذ البدو وغيرهم في تحطيم معامل البوتاس ونهبها، فحطمت وأخذت آلاتها قطعا متفرقة، فتوقف استغلاله. وفي سنة 1949 وسنة 1950 أنشأت إسرائيل في المنطقة الجنوبية المغتصبة من البحر الميت معملاً للبوتاس، وأخذت تستغل ثروة البحر الميت، وهو ينتج مائة وخمسين ألف طن من البوتاس سنوياً تصدر إلى مختلف أنحاء العالم، ومنذ أسابيع أذاعت أنها حسنت مصنع البوتاس بحيث يصبح إنتاج البروم عشرة آلاف طن. وسعر الطن بالعملة الصعبة أربعمائة وأربعون دولاراً، وهي تصدر ملح الطعام أيضاً للخارج. كل ذلك حصل وما يسمى بالدول العربية لا تنتفع بشيء من هذه الثروة، غير أن مضي إسرائيل في استغلال ثروة البحر الميت حرّك الجامعة العربية لتقوم بعمل، ففي عام 1956 تأسست شركة البوتاس العربية بتوصية من اللجنة الاقتصادية للجامعة العربية برأس مال قدره (4500000) دينار أردني، وقد ساهمت ست دول عربية هي الأردن ومصر (الجمهورية العربية المتحدة) وسوريا والعراق والسعودية ولبنان في تغطية قيم الأسهم التأسيسية فدفعت مليوناً وألف دينار تقرر أن يبني بها مصنع تجريبي يكون بمثابة تجربة لإجراء الدراسات الفنية والتجارب لاختيار أنسب الطرق وأقلها كلفة لفصل ملح الطعام والمغنيسيوم عن البوتاس لتنقيته حتى يصبح النوع المستخرج من أجود الأصناف. وعلى ضوء تجارب هذا المصنع سوف ينشأ المصنع الكبير الذي سوف تبلغ تكاليفه ثلاثة ملايين ونصف المليون دينار أردني ستطرح كأسهم للجمهور بعد ظهور النتائج التجريبية. وقد بُني بالفعل المصنع النموذجي وبدأت عليه التجارب، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ لقد أنشئ المصنع التجريبي والوحدات الصناعية المتعلقة به عند الطرف الشمالي للبحر الميت وابتدأت التجارب منذ تشرين الثاني سنة 1959 بإشراف خبراء ألمان وعرب، وها هو ذا العام الثالث يكاد ينقضي على المصنع التجريبي ولم يصل بعد إلى اختيار الطرق المثلى لاستخراج البوتاس. صحيح أن عملية استخراج البوتاس عملية شاقة ومعقدة، وصحيح أنه يجب أن تمضي أكثر من تجربة لتصل الخطة المثلى التي يجب إتباعها كي تنشئ المصنع الكبير على أسس عملية صحيحة، ولكن كاد العام الثالث ينقضي ونحن لا نزال نتعثر، في حين أن إسرائيل قد مضى على معملها اثنا عشر عاماً وهو ينتج، وفوق هذا فإنهم يقولون حين يبت في الطريقة المثلى الواجب إتباعها تطرح الأسهم في الأسواق لبناء المصنع الكبير، ويقولون أيضاً إن هذا المصنع الكبير يصل إنتاجه سبعين ألف طن سنوياً من البوتاس في حين أن مصنع إسرائيل ينتج مائة وخمسين ألف طن منذ زمن قبل التحسينات التي أدخلت عليه منذ أسابيع. وبهذا يتبين المدى الضيق الذي يسير عليه استغلال البحر الميت، والسير البطيء والإنتاج الضئيل في هذا المدى الضيق. هذا بالنسبة للبحر الميت، أما بالنسبة للبترول فهناك احتياطي بترولي في وادي عربة، وهناك كميات كبيرة في أماكن أخرى. وفي سنة 57/58 حصلت شركة بولي على امتياز تنقيب، وباشرت العمل وحفرت عدة آبار في المنطقة المحددة لها. وقد كان يشرف على الحفريات مهندس بترول ألماني، وكان يعمل بجد ونشاط فائق. وفجأة سحبته الشركة وحل مكانه مهندس أمريكي أخذ يتلكأ ويتباطأ بشكل ملحوظ، وقد استأجرت هذه الشركة مكاتب في جبل عمان وحدث أن همست أوساط القصر بأن البترول قد تفجر، وعقب ذلك نسفت مكاتب الشركة، وبعد فترة تنازلت الشركة عن الامتياز لشركة فيليبس مقابل خمسه ملايين دولار، وسعت هذه الشركة لتوسيع رقعة الامتياز إلى منطقة معينة ودفعت رشاوى ضخمة وكادت تفلح. ولكن حدث فجأة أن تنازلت عن الامتياز للحكومة وبذلك صارت الحكومة هي صاحبة آبار البترول، ولم تبق أي علاقة للشركات. غير أن الحكومة صارت تحاول منع استخراج البترول. فقد ذكر أحدهم أن البترول قد تفجر في منطقة الأزرق وقد أتوا بخبير أمريكي من بيروت بالطائرة وعلى جناح السرعة للتغلب على تدفق البترول وإغلاق البئر. ويبدو أن أمريكا تسعى لجعل البترول لها، ويقول أحد المطلعين إن الشركات الأمريكية هي التي تدفع معونة الأردن من الدولار لئلا تسمح الحكومة الأردنية باستخراج النفط، وهو يعني شركات النفط. وهذا كله يدل على وجود البترول ويدل على محاولة إخفائه وإن وجوده أصبح واقعاً ملموساً، وإنه تفجر ولا ينقصه إلا الاستخراج لولا محاولة الإخفاء. أما وجود المعادن فهناك أدلة كثيرة تدل على وجودها. ففي مجلس الإعمار الأردني تقرير سري عن معدن الراديوم، وقد جاء فيه أن الراديوم موجود في منطقة جرش، غير أن هذا التقرير محاط بسرية تامة وقد تمكن أحد المخلصين الواعين من قراءته والاطلاع عليه، منذ خمس أو ست سنوات تقريباً، حصل شخص من القدس اسمه حسن محمد عليوات على امتياز تنقيب، واستطاع هذا أن يكتشف منجم ذهب ونحاس صالح تجارياً للغاية، وكان يرفع تقارير للوزارة بذلك ومن جملة التقارير أن أحد العمال تحرقت أو تأثرت يداه أثناء عمله بسبب وجود مواد مشعة في ما كان يلمسه أثناء العمل. والظاهر أنه وضعت خطة للتخلص من عليوات، فقد تألفت شركة تنقيب من سعيد المفتي وبعض الشخصيات، واتصلوا بالرجل وأغروه بمشاركتهم، فوقع في الفخ، ولما أصبح شريكهم صار لا يستطيع العمل دونهم فجمدوا العمل فانسحب من الشركة وطالب بالامتياز. وهنا جاء دور الحكومة فرفضت وزارة الاقتصاد، وجن جنون الرجل وأخذ الرجل يهدد بإقامة دعوى على الحكومة. وقد أفاد عليوات هذا أنه مستعد أن يسلم الحكومة رطلاً أردنياً (ثلاثة كيلوات) من الذهب الخالص يومياً مقابل حصوله على الرخصة، وقد أكد خبراً عن خبراء أجانب أن اليورانيوم موجود في جنوب الأردن وهنالك شخص أردني يلاحق مسألة التنقيب عن المعادن ويقول هذا الشخص إنه أرسل عينة إلى ألمانيا للفحص وجاءت النتيجة بتوفر اليورانيوم بشكل تجاري ناجح، وتفيد معلومات خبراء آخرين أن نسبة اليورانيوم قد تبلغ 15% في بعض الأحيان وكان قد أعلن عن اكتشاف منجم من النحاس تقديراته الأولية اثنان وثلاثون مليون ونصف المليون طن، وبعد أيام من إعلانه كذّبت الحكومة الأردنية أمره وقالت إن تقديراته هي مليونان ونصف المليون فقط، وقد أفادت التحريات الصحيحة أن هذا المنجم من أنقى المناجم في العالم. وقد سمح لبعثة ألمانية في التنقيب في الجنوب، وقد وجدت معدن الرصاص ولكن الحكومة الأردنية عادت ومنعت التنقيب، والرصاص موجود بوفرة كبيرة جداً وهو من أغنى المناجم في العالم، وقد أعلنت البعثة الألمانية عن اكتشافه، ولما أعلن عن اكتشاف الرصاص والتقديرات الأولية له أعادت الحكومة الأردنية الكرة في التنقيب عن المعادن وكذبت عن الرصاص وكانت قبلها كذبت عن اكتشاف النحاس. وثبت أن الحديد في خامات الأردن 95% وتوجد منه كميات وافرة، وشوهد منه عدد كبير من العينات، وقد حاولت السفارة السوفيتية في الشام إيجاد وسيلة لاستغلال المعادن في الأردن، فقد كلفت أحد السوريين بالبحث عن شخص في الأردن يستطيع الحصول على امتياز تنقيب عن (البكسايت) ويظن أنه من مركبات الألمنيوم الذي تعتمد عليه صناعة الطائرات اعتماداً هاماً، واتصل الشخص المذكور بأحد أقربائه الشوام في عمان وهو تاجر كبير، وهذا بدوره بحث الموضوع مع أحد كبار المسؤولين في شركة الفوسفات الأردنية بعمان على أساس أن تدخل معهم شركة روسية بالشركة، ويؤكد الرجل أن المعدن موجود بكميات كبيرة. وهناك منطقة معينة في الأردن محظور الطيران فوقها للقوة المغناطيسية الموجودة فيها، وهو يدل على وجود كميات وافرة من الحديد، وإن أحد البدو في الجنوب كان يلبس حذاء جيش (بسطار) فالتصقت قدماه في الأرض وأخذ ينتزعها حتى لم يستطيع السير في تلك الأرض، وقد تبين بعد البحث والتحري أنه كان يدوس في منطقة مغناطيسية فاجتذبت البسطار لما فيه من (الحذو) والمسامير الكثيرة مما يدل أيضا على كثرة الحديد هناك، وقد منعت الحكومة الأردنية التنقيب في الجنوب منعاً باتاً للجميع. وهذا كله يثبت ما في الأردن من ثروة خيالية مذهلة. غير أن هذه الثروة تحاول الحكومة الأردنية بإيعاز من الإنجليز طبعاً إخفاءها وعدم إظهار وجودها، ويلاحظ ذلك منها في تصرفات كثيرة. فلماذا كذبت المعلومات التي نشرت عن النحاس ثم أعادت الكرة بالنسبة للرصاص ولماذا أبقت وجود اليورانيوم سِراً عميقاً وتتكتم فيه وتحتفظ بالتقرير الذي يبين وجوده في مجلس الإعمار وتجعله تقريراً سرياً وتحاول التكتم الشديد في ذلك. ولماذا منعت البعثة الألمانية من التنقيب على الرصاص، ثم لماذا منعت التنقيب بتاتاً في جنوب الأردن. ثم لماذا عاكست الحكومة شركة بولي حتى تنازلت لشركة فيليبس ولماذا عاكست شركة فيليبس حتى تنازلت لها عن الامتياز. ولماذا أسرعت حين تفجر البترول في الأزرق إلى استدعاء خبير أمريكي من بيروت بالطائرة على جناح السرعة للتغلب على تدفق البترول ولإغلاق البئر، ولماذا هذا الحرص من الحكام على التكتم الشديد في كل ما يتعلق بالمعادن، ولماذا هذا التصعيب على إنشاء معمل البوتاس وجعله في مجال ضيق أقصى ما يؤمل أن ينتجه سبعين ألف طن في السنة، ولماذا لا يباشر باستخراج الأملاح الأخرى من البحر الميت، لماذا هذه التصرفات وأمثالها؟؟ أليست هي أعمالاً مقصوده لإخفاء هذه الكنوز ومنع استخراج هذه الثروة الهائلة؟ إن الأمر الطبيعي ان تسارع الحكومة الأردنية إلى استخراج النفط وقد وجد في بلادها فعلا بعد التنقيب عنه لا أن تأتي بالخبراء على جناح السرعة للتغلب على تفجيره ولسد البئر التي تنفجر به وتمنع التنقيب عنه وأن تبادر إلى استخراج الحديد والرصاص اليورانيوم والنحاس والذهب والفضة وسائر ما وجد في بلادها من معادن لا أن تسارع إلى تكذيب وجودها وتحاول إخفاء كثرتها وتمنع التنقيب بتاتاً عنها، وأن تنشئ المعامل لاستخراج الأملاح المعدنية الهائلة من البحر الميت وأن تشجع إنشاءها لا أن تحصر الاستخراج بالبوتاس وتحدده في مدى ضيق وتضع الصعوبات أمام الوصول حتى إلى هذا المدى الضيق من البوتاس. لذلك كان ما فعلته الحكومة الأردنية في منتهى الشذوذ وكان لافتاً للنظر بشكل قوي حتى في الأحوال العادية لو كانت الأردن غنية ووارداتها كافيه لها أن تعيش في رغد وسعة، فكيف وهذه الحكومة تستجدي المال لتغطية ميزانيتها وتتناوله صدقة من الإنجليز والأمريكان، ورعاياها يعيش الكثير منهم على صدقات هيئة الأمم ويعيش أكثر الباقين على رواتب الجيش؟؟ لا شك أن إخفاءها لهذه الثروة الخيالية المذهلة عن الناس وعن رعيتها وخاصة وهم أفقر الناس في منتهى الغرابة والاستهجان. إن هذا الإخفاء لهذه الثروات الهائلة لأمر جد خطير وعلى درجة كبيرة من الخطر على الأمة وعلى البلاد. وهو لا يكون لأن الحكام يريدون استغلال الثروة لأنفسهم فيخفونها عن الناس، إذ لو كان كذلك لفعلوا كما فعل حكام السعودية وحكام الكويت من جعل ثروة النفط ملكاً لهم خاص يعطون رعاياهم منها فتات موائدهم. ولا يكون لأن الحكام يخشون أن تغزوهم دول مستعمرة فيخفون هذه الثروة اتقاء لشر غزو استعماري لبلادهم لأن عهد الغزو الاستعماري قد ولى والعصر عصر تحرير المستعمرات وتصفية الاستعمار لذلك لابد أن يكون هذا الإخفاء عن الأمة حتى لا ينتبه الناس الفقراء إلى كنوز سليمان التي تحت أقدامهم، ولتمكين الإنجليز والأمريكان من استغلالها في منأى عن رقابة المسلمين وفي خفية عن أهل البلاد كما حصل ذلك في العراق وإيران وغيرهما من بلاد الإسلام. إن الأردن غربيه وشرقيه: فلسطين وشرق الأردن قد احتله الإنجليز حين انتصروا على دولة الخلافة في الحرب العالمية الأولى، وحكموه ثلاثين عاماً حكماً مباشراً بحاكم واحد له كله هو المندوب السامي لفلسطين وشرق الأردن، ثم أقاموا إسرائيل في القسم الأكبر من فلسطين وجعلوا ما بقي منه مملكة تحت سلطانهم ثم تحت نفوذهم فهم على علم دقيق بهذه الثروة، ورغم ذلك كتموا أمرها ولم تجر منهم محاولات لاستغلالها اللهم إلا معمل البوتاس الذي أنشئ على البحر الميت أيام الانتداب. أما لماذا كتموا أمر هذه الثروة ولم يحاولوا البدء باستغلالها فإن الحوادث تدل على أن سببه المشاكل التي وجدت في هذه المنطقة من جراء وعد بلفور، وما يحدثه ظهور الثروات الهائلة في البلاد المحتلة من أثر على العلاقات بين الدول لا سيما الدول المستعمرة المتنافسة على الاستعمار، إلى جانب إبعاد أهل البلاد عن معرفة أن لديهم ثروة بينما يتسنى لهم الاستيلاء عليها بشكل مشروع دولياً باتفاقيات مع من يسمون حكام البلاد، لذلك كتمت إنجلترا أمر هذه الثروة طوال هذه المدة غير أنه كان يبدو عليها أمران: احدهما حرصها على جعل فلسطين وشرق الأردن قطعة واحدة بالرغم من فصلها لهما إلى إقليمين وحكمها بنظامين أما الأمر الثاني هو حرصها على فصل هذه القطعة بتقسيمها عن سائر البلاد الإسلامية المجاورة. فبالرغم من أنها أي إنجلترا كانت تحتل مصر حين احتلت فلسطين وشرق الأردن واحتلت العراق، في الوقت الذي احتلتهما فإنها كانت جد حريصة على فصل هذه القطعة عنها وفصلها كذلك عن سوريا وعن الحجاز، مما يدل على أن هناك مخططاً خاصاً لهذا البلد الذي أطلقت عليه فلسطين وشرق الأردن ينفذ في المدى الطويل، ومما يلفت النظر أن العراق ظل تحت سيطرة الإنجليز ونفوذهم وأقاموا عليه حكاماً من أبناء الشريف حسين عميلهم كما هو الحال في الأردن تحت سيطرتهم ونفوذهم وعليه حاكم من أبناء الشريف حسين، فإنهم أي الإنجليز أصروا على فصل الأردن عنه رغما عن وحدة الحكم والسيطرة والنفوذ، ورغم إلحاح حكام البلدين وأهلها بالوحدة بينهما. وحتى لأن إنجلترا حين اجتاحتها عاصفة أمريكا بتيار الوحدة الجارف الذي كان يقوده عبدالناصر سنة 1958 صار خطر زوالها من البلدين أمراً يكاد يكون محققاً، فإنها ظلت على حرصها الشديد على فصلها، وأقامت بينهما اتحاداً شكليا لرفع تيار الوحدة ولكن على شكل يثبت الانفصال. فهذان الأمران: الحرص على جعل البلدين فلسطين والأردن بلداً واحد في الإطار السياسي، والحرص على فصله عن غيره: إذا قرن ذلك بإخفاء هذه الثروة الخيالية المذهلة التي ظهرت فيه، والتكتم الشديد بشأنها فإنه يوحي بأن هذا المخطط يتعلق بأمور هامة بالنسبة لوجود إنجلترا في المنطقة ويتعلق بالحرص على هذه الثروة الهائلة أن تبقى لإنجلترا وأن تستغلها هي لا غيرها، ومن أجل ذلك كتمتها إلى أن يحين الوقت المناسب محلياً ودولياً لاستغلالها. ويبدو أن إنهاء مشاكل وعد بلفور بإقامة إسرائيل دولة، وجعل إمارة شرق الأردن مملكة مستقلة كان ترتيباً ناجحاً للبدء باستغلال هذه الثروة عن طريق اتفاقات دولية في خفية عن أهالي البلاد، وكمبرر دولي للاستغلال مع إشراك اليهود كدولة في جزء من هذا الاستغلال لجعلهم دائماً تحت سيطرتها في هذه القطعة بالذات. وكان الأمر مبيتاً أن يبدأ ذلك فور إنهاء المشاكل الناجمة عن قيام إسرائيل وذلك بالصلح بين العرب واليهود ومن أجل ذلك ربطت إنجلترا بين إسرائيل والأردن بعلاقات وثيقة حتى أثناء مسرحية الحرب المصطنعة إلى درجة أن وزيرة خارجية إسرائيل تعطي تصريحا بأنه إذا حصل أي اعتداء على الأردن فإن إسرائيل سوف لا تقف مكتوفة الأيدي، ومن أجل ذلك أيضا حرص الإنجليز على تثبيت ابن غوريون في حكم إسرائيل وتثبيت أبناء الشريف حسين في حكم الأردن. غير أن أمريكا قد حالت دون تنفيذ هذه الترتيبات وأوقفت سير تلك المخططات، ولهذا السبب لم يبدأ استغلال هذه الثروة حتى الآن رغم مضى أربع عشرة سنة على إنهاء ترتيبات البدء بالاستغلال. وذلك إن أمريكا منذ اللحظة التي أقامت فيها إسرائيل دولة أخذت تعجل جدياً لإخراج الإنجليز من الأردن والعراق. فبعد عقد معاهدات الهدنة واتخاذ القرارات بإنشاء لجنة التوفيق اتصلت بالملك عبدالله لعقد الصلح مع إسرائيل وعرضت عليه إطلاق يده في أخذ سوريا والعراق وإعادة الحجاز إلى الهاشميين تحت حكمة، بإقامة دولة واحدة من الأردن والحجاز والعراق وسوريا وإمداده بالمال مقابل عقد الصلح مع إسرائيل. فكان هذا العرض مغرياً جداً، فوافق الملك عبدالله على ذلك وأخذ يجهر بآرائه في الصلح مع إسرائيل، وًخذ يحاول إقناع عبدالإله في العراق بإيجاد اتحاد بين الأردن والعراق كمقدمة لأخذ سوريا والحجاز، ويبدو أنه أطمع عبدالإله وصرح له باسترجاع الحجاز وإقامة دولة كبيرة للهاشميين، فوافق على ذلك، ولكنه كان يحاول أن يجعل الاتحاد بين العراق والأردن يتم برضا الإنجليز فلم يستطيع ذلك فعارضوه بصراحة، ولما اشتد إلحاحه عليهم زجر وعنفوه. غير أن الملك عبدالله ظل مصراً على السير في هذه الخطة، وبدأ عمليا بخطوات، فزار العراق من أجلها، ثم أرسل لرياض الصلح ليسير معه، فأدرك الإنجليز أن الأمر جد، ولذلك قتلوا رياض الصالح بالرغم من أنه أخلص عملائهم لهم، ودبروا أمر قتل الملك عبدالله وقتلوه. وقد حاول السفير الأمريكي في عمان أن يثني عن الذهاب إلى القدس في السفرة التي قتل فيها هناك، وأخبره بصراحة أن الإنجليز دبروا مؤامرة لقتله في المسجد الأقصى وأصر عليه أن لا يذهب لأن ذهابه تدمير لخططهم، ولكن الأجل حمله على الذهاب فقتل في الأقصى، وبقتله دمرت خطط الأمريكان المهيأة للتنفيذ بواسطته فكان تحول الملك عبدالله عن عمولة الإنجليز إلى عمولة الأمريكان ثم ما حصل عقب ذلك من خلو الأردن من حاكم يتخذ أداة صالحة لعقد اتفاقيات الاستغلال للثروة سبباً في تأخير استغلالها إلى أن جاء حسين ونصب ملكاً على الأردن واشتد ساعده. وكان المفروض أن يبدأ الاستغلال بعقد اتفاقات الاستغلال سنة 1956 بعد تعديل المعاهدة الأردنية الإنجليزية باتفاقية جديدة أطلق عليها اتفاقية إلغاء المعاهدة، لولا أن جرى تأميم قناة السويس وكان العدوان الثلاثي، ثم في سنة 1957 وقع الأردن تحت ضغط الأحداث من قبل أمريكا وعميلها عبدالناصر لإخراج الإنجليز وإزالة عرش أبناء الشريف حسين وإقامة حكم جمهوري يكون تابعاً للأمريكان، فكان ذلك أيضاً مؤخراً لاستغلال هذه الثروات ثم في سنة 1960 جاء كندي رئيس جمهورية الولايات المتحدة بمشروع أمريكا لحل قضية فلسطين وفصل الضفة الغربية عن شرق الأردن مع المؤامرات التي قامت ولا تزال تقوم بها لقلب نظام الحكم في الأردن، فكان هذا مهدداً لوجود الإنجليز في الأردن وإسرائيل، وصحب ذلك منذ سنة 1961 تهديدهم في الكويت والخليج فشغلوا بأنفسهم عن البدء باستغلال هذه الثروات، فكان هذا الاستمرار في إخفاء هذه الكنوز حتى يحين الوقت المناسب محلياً ودولياً. وأمريكا حين تقوم بأعمالها في الأردن إنما تقوم بها من أجل أن تستولي هي على كنوزه، فتحاول تصفية الإنجليز منه لترثهم هي وتستخرج هذه الكنوز، وإن إنجلترا لتدرك هذا تمام الإدراك، ولذلك حاولت إشراك أمريكا في هذه الثروات حتى تبدأ الاستغلال، فسمحت لها أن تتولى الإنفاق على الأردن وتغطية ميزانيته بعد أن كانت تقوم هي بذلك، ورضيت أن تتولى الشركات الأمريكية هذا الإنفاق، وأطمعت شركات النفط في أمريكا بنفط الأردن، وجعلت الملك حسين يتصل بالشركات الأمريكية ويغريها حتى يستقدم الخبراء الأمريكان للتغلب على تفجير النفط وإغلاق البئر المنفجر، في حين عنده الخبراء الإنجليز، كل ذلك حتى يتوصل الإنجليز إلى اتفاق مع الأمريكان على ثروات الأردن. ولكن الأمريكان لم يرضوا ولن يرضوا، لأنهم يريدون هذه الثروات لهم وحدهم ولأنهم قد خبروا الإنجليز عشرات السنين، وعرفوا أن سماحهم بالمشاركة في ثروات أية منطقة إنما هي طعم لإسكاتهم وتسخيرهم لحماية هذه الثروات للانجليز، وهم يعرفون أن الإنجليز كما كانوا يقاتلون مع فرنسا لآخر جندي فرنسي هم كذلك يقاتلون مع أمريكا لآخر جندي أمريكي، ويشاركونها في ثروات الأمم لتستخرج لهم هذه الثروات وتحميها ولهذا لا يقبلون المشاركة ويعملون لتصفية الإنجليز نهائياً من الأردن كشأنهم مع الإنجليز في كل مكان، ومن أجل هذا أي من أجل هذه الثروة الخيالية المذهلة في الأردن يقوم هذا الصراع العنيف في الأردن بين الإنجليز والأمريكان، وهو صراع لا يقل عن الصراع القائم بينهما في الكونغو على كاتنغا سوى أن الصراع على كاتنغا وصل إلى الصراع الدموي بين عملاء الإنجليز وهيئة الأمم، حتى إن إنجلترا قتلت همرشولد سكرتير هيئة الأمم المتحدة لما رأت أنها على وشك أن تصفى من هناك. وأما الصراع على الأردن فإنه وإن كان وصل إلى حد الصراع الدموي بين عبدالناصر وحسين أي بين عملاء الأمريكان وعملاء الإنجليز ولكنه من المنتظر أن يشتد أكثر من ذلك فيما تهيئه الدولتان للمنطقة من مؤامرات. ومن أجل ذلك تعتبر المنطقة كلها ولا سيما الأردن على فوهة بركان لا يعرف أحد متى ينفجر في سبيل هذه الثروات إلى جانب بسط السيطرة والنفوذ. وإذا كان الأمريكان أقوياء دولياً فالإنجليز أقوى منهم في الأردن وإسرائيل والعقدة التي تعقد المشكلة أمام أمريكا هي هذا الارتباط الوثيق القائم بين إسرائيل والأردن، فإنه هو الذي يحطم جميع ترتيبات أمريكا، ومن أجل ذلك تحاول أمريكا فصل الضفة الغربية عن الأردن لإبعاد الفلسطينيين عن ثروات الأردن الهائلة حتى تظل علاقتها بأهل شرق الأردن وحدهم، ولفصل إسرائيل عن الأردن بحاجز يفصم هذا الارتباط. وعلى هذا الأساس قام المشروع الأمريكي لحل قضية فلسطين. وسيكون نجاحه أو إخفاقه كلمة الفصل في موضوع استغلال ثروة الأردن. هذه هي قضية ثروة الأردن الخيالية المذهلة، وهذا هو سر محاولة إخفائها عن الناس، فإلى متى تظل هذه الغفلة التامة عنها، وإلى متى يظل الناس في هذا البلد يعيشون على الصدقات، وكنوز سليمان تحت أقدامهم، بل كيف يرضى المسلمون أن يتصارع الإنجليز والأمريكان على ثرواتهم وهم في بلاهة وتغفيل راضين أن يكونوا آلات كالعصا في أيدي المتصارعين، إن هذه الثروات الهائلة في الأردن ليست قضية اقتصادية فحسب، بل هي قضية سياسية، القضية المصيرية قضية الحياة أو الموت مرتبطة إلى حد كبير بهذه الثروة، وإن تحرير البلاد من نفوذ الإنجليز والأمريكان مرتبط أيضا بهذه الثروة، وإن توحيد الأردن مع غيره من البلدان المجاورة مرتبط بهذه الثروة إلى جانب ارتباطه بعداء الكفر للإسلام. ولهذا كانت قضية إنقاذ هذه الثروة من براثن الإنجليز قبل أن يحاولوا استغلالها والحيلولة بين الأمريكان وبين الوصول إلى الاستيلاء عليها جزءاً هاماً من قضية الجهاد لإزالة إسرائيل، وجزءا جوهريا في قضية الكفاح لقلع جذور الإنجليز والأمريكان. وعملاً من أعمال إعادة الإسلام وإنا إذ نمُيط اللثام عما في الأردن من ثروة خيالية مذهلة تفوق ثروة الولايات المتحدة الأمريكية ونكشف عن سر محاولات حكام الأردن لإخفاء هذه الثروة، ونفضح الصراع الإنجليزي الأمريكي على ثروات بلادنا ندعو الأمة كلها في الأردن وخارجه لأن تقدر قيمة هذه الكنوز لا في الغنى والفقر فحسب، بل بمعركة التحرير التي نخوضها لإنقاذ فلسطين وتطهير البلاد من نفوذ الإنجليز والأمريكان. 21 من صفر 1382هـ حـزب التحريـر 23/07/1962م Quote Link to comment Share on other sites More sharing options...
Recommended Posts
Join the conversation
You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.