Jump to content
منتدى العقاب

المصالح والمطامح الفرنسية في ليبيا


Recommended Posts

المصالح والمطامح الفرنسية في ليبيا

Jun 05, 2018

رمزي الزائري- 

عام مضى على وجود الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون القادم من عالم البنوك إلى وزارة الاقتصاد والصناعة والاقتصاد الرقمي، في قصر الإليزيه، عام لم يستطع خلاله هذا السياسي الطارئ الذي شكّل صعوده المفاجئ وفوزه غير المتوقّع، صدمة لدى قادة ورموز الأحزاب الفرنسية "العريقة"، على إنعاش الاقتصاد الفرنسي، الأمر الذي يبدو أنه كان الدافع كي يولي أهمية استثنائية لملفات السياسة الخارجية، على رأسها ليبيا.

ورغم فشل محاولة ماكرون الأولى التي بدأت بعد شهرين فقط من تسلمه منصبه لحل الأزمة الليبية، عندما جمَع الجنرال خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج في تموز 2017، إلا انه لم ييأس – في ما يبدو – حيث دعا الى مؤتمر دولي في باريس (29/05/2018)، بمشاركة 20 دولة معنية بالملف الليبي، بينها دول الجوار، وإيطاليا، والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وبإشراف رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة.

وتعمل فرنسا، في الوقت الراهن، على تطوير مقترح للحل السياسي في ليبيا، شهد سبعة إصدارت، جديدها المسودة السابعة (22 مايو/ أيار 2018)، ويلاحظ أن العوامل المشتركة يينها تقوم على عدد من النقاط، أبرزها ‎تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية بحلول نهاية عام 2018، وإعادة فتح سجل الناخبين لإتاحة الفرصة لتسجيل ناخبين آخرين، واحترام نتائج الانتخابات.

ماكرون يسعى لاستعادة الدور الفرنسي في المنطقة، وهو يرى بحسب مراقبين في اللعب على الساحة الدولية فرصة، يمكنه من خلالها الحصول على مكاسب سياسية وأخرى اقتصادية عبر البحث عن أسواق ودفع استثمارات متوقفة، واحتمالات نجاحه في الأخيرة تبدو مرتبطة على نحو وثيق بالمآلات التي ستنتهي إليها الأزمة الليبية.

سوق إعمار ليبيا يغري الشركات الفرنسية:

بعد أشهر قليلة على سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، سارع اتحاد أرباب العمل الفرنسي 'ميداف' في أيلول/سبتمبر 2011، إلى تقدير، تكلفة إعادة بناء ليبيا بنحو 200 مليار دولار على الأقل على مدى عشر سنوات، وأعرب الاتحاد -الذي يمثل مصالح كبرى الشركات الفرنسية في الخارج- عن الأمل في أن يكون لفرنسا التي لعبت دورا في دعم (الثوار الليبيين) نصيب كبير في الاستثمارات بليبيا، وهو ما يسعى فريق إدارة ماكرون إلى تحقيقه فعليا.

وفي إطار التباحث في مستقبل الاستثمارات الفرنسية بليبيا، التقى 400 مسؤولا كبيرا من شركات فرنسية كبرى -مثل توتال النفطية وجيدياف سويس للطاقة وبيجو لصناعة السيارات- في مقر الاتحاد بباريس، متطلعين للفوز بنصيب كبير من المشاريع على الأرض الليبية، فدمار ليبيا يمثل مركز جذب لكثير من الجهات، من بينها فرنسا التي تبحث دون شك، عن موطئ قدم لها في المشروعات المرتقبة، سواء على صعيد إدارة الموارد الاقتصادية، أو الفائدة المادية المباشرة.

اعتبر مراقبون أن إقبال الشركات الفرنسية على الاستثمار في ليبيا حاليا أكبر بكثير مقارنة مع حقبة القذافي، حينما كانت هناك أقل من 50 شركة فرنسية تعمل، في حين رجح المدير العام لاتحاد أرباب العمل تييري كورتيني أن تكون هناك منافسة حادة على السوق الليبية سيشارك فيها الإيطاليون والأميركيون والبريطانيون، حاثا أرباب العمل الفرنسيين على استهداف الفرص الجيدة والإعداد المناسب لها.

وصرّح وزير التجارة الفرنسي بيير لولوش إن الشركات الفرنسية تضع مع الحكام الجدد في ليبيا التفاصيل بشأن الدور الذي يمكن أن تؤديه في إعمار البلاد، والتقى مسؤولو نحو 80 شركة فرنسية من بينها "توتال" النفطية الكبرى وصانعة الاسمنت "لافارج" والمجموعة الهندسية "ألستوم" مع وزراء ومسؤولين ومديري شركات ليبيين خلال زيارة لطرابلس.

وتسعى شركات النفط الفرنسية إلى مقارعة "كونوكو فيلبس" و"ماراتون أويل" الأمريكيتين، وهما الشريكان الرئيسيان لشركة النفط الوطنية الليبية، إضافة إلى "بريتش بتروليوم" التي عادت الى ليبيا بعد زيارة رئيس الوزراء البريطاني لطرابلس ولقائه العقيد القذافي.

مصالح اقتصادية مباشرة:

يلاحظ الكاتب الأمريكي “جايسُون بَاك" أن الاستراتيجية القديمة كانت ترك الملف الليبي اقليميا ولكنه صار اوربيا بصفة كبيرة“. استبقت فيه فرنسا حالة الارتخاء السياسي الدولي بشانه، ومتجاوزة للتحالف المصري -فرنسي -اماراتي القديم في الشرق الليبي، فسارع “ايمانويل ماكرون”، الذي تضاءلت شعبيته، باقتناص الفرصة، ليكون رائدا في قضية هامة وحارقة، وهي موضوع الهجرة، محل النزاع الأوربي نتيجة لتوزيع حصص المهاجرين، الذي نزل بثقله على عاتق إيطاليا.

هي واحدة من الإشكالات الأوربية، إذ أن فرنسا تريد أن تبعث بالمهاجرين إلى ايطاليا بسبب وجود مكاتب الحجز هنالك، ومحاولة ضمان نفوذها في افريقيا ومصالحها في الجنوب الليبي مما دفعها الى الاسراع والإِرقَال لمحاولة احتواء الملف. فزعيمة القارة العجوز سياسيا، فرنسا، تملك وجودا عسكريا في مالي والنيجر والتشاد. والخطوة الفرنسية تسعى الى التموقع في السوق الليبية المقبلة على مرحلة الاعمار بمليارات الدولارات. فلفرنسا نصيب مما تركت الحرب والمتصارعون، والعلاقة التي تعود الى عهد القذافي، تعودت فيها على مربع الحسابات والتسويات.

بالتوازي مع ذلك تسعى فرنسيا إلى تفعيل الاتفاقيات النووية القديمة والتي تعود إلى سنة 2007 حين وقع اتفاق بين القذافي والرئيس الفرنسي ساركوزي على تفعيل منشات نووية في الجنوب الليبي، إذ ان ثلثي الطاقة النووية الفرنسية في الكهرباء متاتية من اليورانيوم الموجود في التشاد والنيجر التي تعد ليبيا بوابة اليهما، كما أنها ترغب في تامين طريق الغاز المستمر من النيجر الى الجزائر الى اوربا و تامين التبادل التجاري، ف 60 من الصادرات لأوربا تمر بشمال افريقيا.

تسعى فرنسا إلى الاستفادة بأفضلية تجارية واسعة مقابلة تدخلها في الثورة الليبية، فهناك اتفاقات مازالت قيد التفاوض في مجالات النفط والملاحة الجوية، بالإضافة إلى توريد طائرات إيرباص "ايه 320". 
والأمر الآخر الذي يجذب أطماع فرنسا إمكانية كبيرة لاستغلال خامات الحديد، وهذا "يعكس اللعبة الاقتصادية الانتهازية لفرنسا في هذه الحرب: أن تصبح مرة أخرى مستثمرا متميزا في ليبيا"، على حد قول الباحثة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية.

وأكدت أنه لأجل كل هذا، تجاوزت الحكومة الفرنسية حدود القرار 1973، وترجم ذلك بسلسلة من الانتهاكات الصارخة مثل تسليح المجلس الانتقالي من قبل فرنسا على الرغم من الحظر المفروض على توريد الأسلحة. وكذلك بوجود عناصر من المخابرات الفرنسية على الأرض أو حتى إطلاق القوات الجوية النار في منطقة الحظر الجوي شرق البلاد. وهذا يفسر ما قاله وزير الخارجية الفرنسي السابق، آلان جوبيه "إنه استثمار للمستقبل".

الجنوب الليبي خط الاقتصاد الفرنسي:

تعتبر فرنسا من أكثر الدول الفاعلة من الأزمة الليبية ولديها مصالح فى الجنوب وتسعى إلى تأمينها بين الحين والآخر سواء عبر التحركات التى تقودها عبر سفاراتها فى ليبيا أو عبر قوى وقبائل ليبية تحظى بدعم كامل وسرى من الإليزيه، وهو ما يفسر سبب الهيمنة الفرنسية فى جنوب ليبيا.

ومع تطورات الأحداث الراهنة فى الساحة الليبية، أيقنت فرنسا أنه لا بديل عن التحرك فى الشمال والغرب والشرق الليبى لتأمين مصالحها فى الجنوب الليبى، وهو ما أغضب إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية، ففرنسا لم تراع مصالح الدول الأخرى فى إيطاليا، وبات التغول الفرنسى محل قلق وشك من الجانب الإيطالى والولايات المتحدة الأمريكية التى ترفض التحرك الذى تقوده فرنسا والذى يهمش دور البعثة الأممية وتسخير غسان سلامة لتحقيق مصالحها كونه مواطنا فرنسيا.

مع بداية العام 2017 أصبح لدولة ليبيا التزامات مضمونة من بعض أكبر شركات الطاقة فى العالم بما فى ذلك شركة «توتال» الفرنسية التى وقعت ثلاثة عقود جديدة على الأقل، وضخ استثمارات بقيمة 450 مليون دولار فى الحقول الليبية.

وارتفعت الشحنات من ليبيا، صاحبة أكبر احتياطيات نفطية فى أفريقيا، الشهر الماضى، إلى 1.19 مليون برميل يومياً، وهو أعلى مستوى منذ أن بدأت وكالة «بلومبرج» تتبع ناقلات البترول من البلاد فى يوليو 2014، وارتفع الإنتاج إلى أعلى مستوى له فى عام ونصف العام.

وقال أوليفييه جاكوب، المحلل فى شركة «بتروماتريكس» بسويسرا، إن هناك دائماً بعض القضايا، ولكن إذا نظرتم إلى مصطلح العقود الموقعة، فإن «توتال» تعود بقوة إلى ليبيا، وسوف تزيد إنتاجها على المدى المتوسط.

وارتفعت صادرات ليبيا من 969 ألف برميل يومياً، فى يناير الماضى، ومن المتوقع أن تتجاوز تدفقات الإنتاج فى فبراير؛ حيث بلغت 1.05 مليون برميل يومياً، وهو أعلى مستوى منذ يونيو 2013.

لا يهمها استقرار ليبيا

الدول الاستعمارية لا يهمها استقرار ليبيا’ يعلّق عضو مجلس النواب الليبي جاب الله الشيباني، على المبادرة الفرنسية والتي جمعت الفرقاء الليبيين في باريس، بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة حضره ممثلو 20 دولة معنية بالملف الليبي، بينها دول الجوار، وإيطاليا، والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وبإشراف رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة.

يرى الشيباني، إن "مبادرة باريس تعد لشرعنة السراج ومجلس الدولة الذين لم يعترف بهما البرلمان وإلغاء الأجسام الموازية ومنها الحكومة المؤقتة والمصرف المركزي بالبيضاء "، فالدول الاستعمارية بحسب الشيباني "لا يهمها استقرار ليبيا طالما أن النفط والغاز يتدفقان إليهم وانخفاض معدل الهجرة غير الشرعية إلى شواطئهم".

ينسحب رأي الشيباني المتوجس من الدور الفرنسي في بلاده، على كثير من المراقبين والسياسيين والنشطاء، يصل لدى بعضهم حد الاتهام والتخوين، إذ يصف الكاتب والمحلل السياسي، عصام الزبير، التدخل الفرنسي في الشأن الداخلي الليبي لمنع وصول ليبيا إلى الاستقرار، طمعًا في ثروات الجنوب، والذي تعتبره جزء من مستعمراتها – بحسب قوله-، وأيضًا لقربه من مالي والنيجر، موضحًا أن الجنوب لو أحسن استغلاله سوف يكون سلة الغذاء والثروات لليبيا.

وأردف قائلًا: ”إن فرنسا تعي جيدًا حجم الإنتاجية الضخم لحقل الشرارة النفطي وتطمع فيه، لذلك تحاول التواجد في الجنوب”، مشيرًا إلى تقارير كانت قد سُربت بعد أحداث فبراير 2011، تفيد بقيام فرنسا بالمساعدة على دخول المهاجرين غير الشرعيين إلى ليبيا، واصفًا المخطط الفرنسي بـ “اللعبة القذرة”، التي تستهدف إحداث انقسام في الجنوب، عن طريق الدفع ببعض الشخصيات في الجنوب بالدعوة إلى الفيدرالية.

تعافي الاقتصاد الليبي:

تبدو مؤشرات التعافي الاقتصادي في ليبيا مغرية للعديد من الدول التي تنظر إلى هذا البلد باعتباره طوق نجاة لإنعاش اقتصادياتها المتعبة، بما في ذلك فرنسا، وأعلن مصرف ليبيا المركزي في الخامس من شهر فيفري/ فبراير 2018، أنه في صدد وضع برنامج متكامل للمساهمة في تحريك عجلة التنمية الاقتصادية بالتنسيق مع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، للخروج من حالة الركود الاقتصادي بتوفير المخصصات اللازمة للمشاريع الإنتاجية والخدمية في قطاعات الإسكان والكهرباء والحديد والصلب والإسمنت والصناعات المختلفة والاتصالات والمواصلات، والمساهمة في تطوير أدائها وعوائدها وتوفير المزيد من فرص العمل للمواطنين.

بالتوازي مع ذلك توقع البنك الدولي أن يقفز معدل النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 3% العام 2018 من 1.8% العام 2017. وقال إن الإصلاحات التي تشهدها المنطقة ستكتسب قوة الدفع اللازمة، وإن القيود المالية ستخف حدتها مع ثبات أسعار النفط. 

تحاول فرنسا التعامل مع ليبيا بنفس سيناريو التعامل مع دول المغرب العربى وهو السيناريو الذى يصعب تحقيقه فى ليبيا لأنها تختلف عن الأوضاع فى الجزائر وتونس والمغرب، الرغبة الفرنسية الجامحة التى يقودها الرئيس الشاب للتعامل مع ليبيا وفقا للنموذج المغربى تدعمه قيادات المغرب وتونس والجزائر وهو ما يفسر التمثيل رفيع المستوى الذى تشارك به الدول الثلاث فى اجتماع باريس.

 

*الفقرات الجانبية:

تعتبر فرنسا من أكثر الدول الفاعلة من الأزمة الليبية ولديها مصالح فى الجنوب تسعى إلى تأمينها بين الحين والآخر سواء عبر التحركات التى تقودها عبر سفاراتها فى ليبيا أو عبر قوى وقبائل ليبية تحظى بدعم كامل وسرى من الإليزيه.

لا يمكن تجاهل الدوافع الاقتصادية للتدخل الفرنسي في ليبيا، فإذا كانت إيطاليا هي الشريك التجاري الأول لليبيا، فإن الحضور الفرنسي لم يكن بنفس القوة لأنها تحتل المرتبة السادسة خلف بريطانيا العظمى وألمانيا.

تبدو مؤشرات التعافي الاقتصادي في ليبيا مغرية للعديد من الدول التي تنظر إلى هذا البلد باعتباره طوق نجاة لإنعاش اقتصادياتها المتعبة.

تحاول فرنسا التعامل مع ليبيا بنفس سيناريو التعامل مع دول المغرب العربى وهو السيناريو الذى يصعب تحقيقه فى ليبيا لأنها تختلف عن الأوضاع فى الجزائر وتونس والمغرب.

Link to comment
Share on other sites

سياسة ماكرون في ليبيا... هل تصلح ما أفسده الأسلاف؟

Jun 05, 2018

رامي تلغ – بوابة افريقيا الإخبارية

كانت للعلاقات الفرنسية الليبية إبان حقبة العقيد معمر القذافي صلات سيئة في الإجمال، عدا حقبة جورج بومبيدو وصفقة طائرات الميراج الشهيرة، تخللتها مواجهات مباشرة في حرب تشاد ومواجهات بالوكالة ومنها عمليات إرهابية. وتحسنت هذه العلاقات في الولاية الثانية لعهد الرئيس الأسبق جاك شيراك (2002 - 2007) إثر موافقة طرابلس الغرب التخلص من سلاحها الكيميائي والتخلي عن برنامجها النووي ودفع تعويضات لضحايا طائرتي لوكربي ودي سي-10. واللافت للنظر أنه في 2007 عند انطلاق حكم نيكولا ساركوزي، برز اهتمام بالشأن الليبي من زاوية إطلاق سراح الممرضات البلغاريات (المتهمات مع ممرض فلسطيني بالتسبب بتسميم أطفال بالإيدز في بنغازي) الذي كانت قطر وسيطا فيه، وكان هذا المفتاح لزيارة القذافي إلى باريس في ديسمبر 2007 وما رافقها من كلام عن توقيع عقود مبدئية بقيمة عشرة مليارات دولار.

بيد أن هذه العقود بقيت في غالبيتها حبراً على ورق، ولَم تنجح باريس في تسويق طائرات رافال وكانت تتابع نشاط واشنطن لترتيب البيت الليبي. وهكذا بعد انـدلاع الحـراك التـونسي الـذي كـانت بـاريس في غفلة عنـه، بل كـانت من معارضيه، سرعان ما قرر ساركـوزي الاستـدراك في ليبيا كي تكون باريس حاضرة إبان حقبة الزلزال العربي السيـاسي الـذي أخذت تلاحظ ارتداداته انطـلاقا من سيدي بوزيد في تونس إلى ميدان التحرير في القاهرة.

منذ 2012 أخذ يرتسم في ليبيا السيناريو الكارثي لما بعد حرب العراق في 2003، وأخذ يتضح أن هدف بعض من ادعوا دعم الشعب الليبي لم يكن إلا السعي لتقاسم الكعكة الليبية في بلد غني بثروة الطاقة ومتمتع بموقع جيوسياسي متميز على أبواب أوروبا، ويربط بين العالم العربي والساحل والعمق الأفريقييْن.

ولوحظ منذ البدايات عدم قدرة باريس على التحكم باللعبة الخاصة لبعض شركائها في المغامرة الليبية، وخصوصاً دولة قطر بالرغم من العلاقة الحميمة بين الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي والقيادة القطرية وعلى وجه التحديد رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، ومن الأمثلة المهمة عدم تلبية طلب رئيس الحكومة الليبية الانتقالي محمود جبريل بنزع سلاح المليشيات والشروع في إعادة بناء الجيش والدولة.

سيتطلب الأمر بعض الزمن للكشف عن الوثائق الدبلوماسية وتحديد المسؤوليات الداخلية والإقليمية والدولية في انهيار الوضع الليبي. لكن مما لا شك فيه أن فرنسا المبادرة في فبراير 2011 من أجل تشريع التدخل الدولي، تتحمل قسطاً من المسؤولية في عدم التنبه لمسار مشابه لما رفض جاك شيراك الموافقة عليه في حرب العراق عام 2003.

وهذا العجز الدولي عن متابعة العملية العسكرية وآثارها، وعن استباحة العديد من القوى الخارجية للساحة الليبية أدى ليس فقط إلى التفكك واندلاع عدة حروب في حرب، بل نتج عنه انتعاش الاٍرهاب في ليبيا والساحل المجاور مما حمل فرنسا أوائل العام 2013 على التدخل في مالي، ولا تزال عمليتها العسكرية في الساحل مستمرة منذ 2014.

شيئاً فشيئاً فقدت باريس ولندن دورهما المؤثر على مجرى الأمور مع بروز محورين إقليميين متصارعين (قطر وتركيا من جهة، ومصر ودولة الإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى)، إلى جانب مواقف رمادية لتونس والجزائر والسودان وغيرها من الأطراف الإقليمية، أما الأطراف الغربية فلم يكن هناك مواقف متجانسة بينها حيث عادت لغة المصالح وانتزاع مواقع نفوذ لتطغى على ما عداها بين باريس وروما ولندن تحت العين الساهرة لواشنطن وبدء العودة الروسية منذ 2015.

راهنت فرنسا إبان حقبة فرنسوا هولاند على دور منظمة الأمم المتحدة في التوصل إلى الحل السياسي المنشود ووقف التدهور الأمني والاقتصادي، وأسهم ذلك في إبرام اتفاق الصخيرات 2015 بعد مسار طويل وعسير من دون أن يدخل فعلا حيز التنفيذ مع أن مدته الانتقالية تنتهي عملياً أواخر العام 2017.

إزاء هذا المشهد الليبي المتصدّع والمتفجر والمهدد للأمن في المحيط المباشر وأوروبا، قرر إيمانويل ماكرون إطلاق مسعاه في تنظيم لقاء سان كلو قرب باريس، في 25 يوليو، بين المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني، وفائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني. وأتى التركيز على الشخصيتين الأكثر تأثيرا من الناحيتين السياسية والعسكرية كي يتم الخروج من المأزق وبدء ديناميكية حل فعلي يتوسع على كل الأطراف، وربما كان لوصول غسان سلامة الموفد الأممي الجديد واندلاع الأزمة الخليجية (حيث تنشغل الدوحة خصوصاً في شأنها الداخلي والإقليمي المباشر) دور في توقيت مبادرة ماكرون.

ويرى المراقبون أن جمع حفتر والسراج يمثل نجاحا كبيرا للدبلوماسية الفرنسية، وذلك بالرغم من العديد من المحاولات السابقة، التي فشلت في جمعهما، إذ أنه وللمرة الأولى وبعد محاولات القاهرة وأبو ظبي، تنجح باريس في جمعهم والوصول لاتفاق وإصدار بيان. وكانت أبو ظبي  قد نجحت في السابق في جمع الأطراف الليبية المتنازعة، إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى أي اتفاق.

وكثيرا ما تعثرت اتفاقات السلام السابقة في ليبيا جراء الانقسامات الداخلية بين مجموعة كبيرة من الجماعات المسلحة المتنافسة التي ظهرت في ظل الفوضى، منذ أطاحت قوى معارضة بمعمر القذافي في 2011.

ويرى الباحث والأستاذ في العلاقات الدولية في جامعة باريس، خطار أبو دياب أن الدور الفرنسي كان حاضرا وبقوة في الشأن الليبي في عهد ساركوزي. وكان لفرنسا دور كبير في حصول أغلبية في مجلس الأمن للقرار 1970، الذي كانت هي أيضا وراءه. كما أن الدور الفرنسي كان حاضرا منذ بدء الأحداث في بنغازي وفي مصراته، وكذلك قيام فرنسا بالضربات الأولى على ليبيا واعترافها الرسمي كأول دولة بالمجلس الانتقالي، يوضح الباحث في العلاقات الدولية.

ويؤكد أبو دياب أن الدور الفرنسي تراجع في عهد الرئيس السابق أولاند، في حين حاولت إيطاليا أن تحل محل الدور الفرنسي، فقامت بتوطيد علاقتها مع القوى الليبية، إلا أن الدور الإيطالي لم يترجم بأي اتفاق على أرض الواقع.

من جهته يعتقد زيدان خوليف أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس عربية أن ماكرون اختار إحياء الملف الليبي والدفع به كأولوية؛ بناء على عدة أمور قد تكون أهمها انخفاض شعبيته في فرنسا، التي تعود لفشله في تحقيق وعوده الانتخابية الداخلية ومنها محاربة البطالة وتحقيق الرفاهية للشعب الفرنسي. ويوضح خوليف أن ذلك دفع به إلى اختيار ملف خارجي من أجل رفع أسهمه من ناحية ومن ناحية أخرى لعب دور قيادي في الشأن الأوروبي، ما يتيح لباريس بالظهور بمظهر قيادي خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ويرى خوليف أن ماكرون يريد أن يظهر موقفا فرنسيا قياديا، وهو مدفوع من مستشاريه لأخذ زمام المبادرة أوروبيا، وذلك بعد اتهامه من المعارضة الفرنسية بأنه مبتدئ في عالم السياسة الخارجية، وغير ضليع بدهاليزها بحكم سنه، وهو ما يريد ماكرون إثبات أنه أمر غير صحيح.

لكن المبادرة الفرنسية أغضبت المسؤولين في إيطاليا، التي سبق أن تولت قيادة الجهود الرامية إلى إحلال السلام في مستعمرتها السابقة، وتحملت عبء الموجات المتعاقبة من المهاجرين الأفارقة، الذين يعبرون البحر المتوسط انطلاقا من الشواطئ الليبية.

وقال وزير الخارجية الإيطالي أنجلينو ألفانو لصحيفة لا ستامبا إنه يؤيد المبادرة الفرنسية؛ لكنه أضاف "يوجد الكثير من الأسئلة المفتوحة بشأن ليبيا.. وعدد كبير من الوسطاء وعدد كبير من المبادرات.. نريد توحيد جهودنا وتركيزها على مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة".

ويضيف خوليف، أن إيطاليا كان بودها أن تكون صانعة هذا الحدث إلا أنها فشلت، كما أن فرنسا لها ثقل أكبر في الشأن الليبي، وهو واضح هنا في قدرتها على جمع القيادات الليبية والوصول إلى اتفاق بالرغم من العديد من المحاولات المضنية التي باءت بالفشل.

ويؤكد أستاذ العلاقات الدولية من أصل جزائري أن "الفكر الماكروني" بعيد كل البعد عن الإرث الاستعماري الفرنسي، "لذلك فإن الهدف الذي يريده الرئيس الفرنسي الحالي هو إظهار فرنسا في دور قيادي أوروبي، والدفع بمبادرات ناجحة على الصعيد الخارجي، من أجل محاولة التغلب على الشأن الداخلي".

هذا ويتركز الصراع الإيطالي الفرنسي في ليبيا حول أمرين؛ الأول هو حسم ملف اللاجئين الذي تُعد إيطاليا أكثر الدول الأوروبية تضررًا من تبعاته وما يعنيه النجاح في هذا الملف من توليد شرعية نفوذ وهيمنة على الدولة الليبية إن أريد لها أن تُبنى من جديد، والأمر الثاني هو احتياطات الغاز الطبيعي الضخمة، فقد غنم الإيطاليون خلال السنوات الماضية كثيرًا من المشاريع في القطاع النفطي، ولا يريدون للشركات الفرنسية أن تنافسهم في القطاع وأن تقضم من حصتهم.

فبالتزامن مع الوساطة الفرنسية والإعلان عن التدخل البحري الإيطالي، بذرائع مقاومة الهجرة غير النظامية، طار إلى ليبيا قادمًا من روما مدير العملاق النفطي الإيطالي (شركة إيني) للقاء السراج ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، وجرى خلال اللقاء بحث المرحلة الثانية من مشروع تطوير حقل بحر السلام، واحد من أكبر حقول النفط في ليبيا ويعتبر مصدرًا مهمًا من مصادر إمدادات الغاز لخط جرين ستريم، الذي يمد إيطاليا بثمانية مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا. الجدير بالذكر هنا أنه وفي شهر مايو/آيار من العام 2016 قامت قوات موالية لحفتر بقطع خط الغاز (جرين ستريم) الواصل إلى صقلية اعتراضًا على الدعم الإيطالي لحكومة فايز السراج.

في الضفة الأخرى حسم الفرنسيون خيارهم منذ قدوم إيمانويل ماكرون في دعم حفتر. مع ماكرون بدت الصورة أوضح، فقد صرح الرجل في 21 من يونيو/حزيران 2017 بأن «فرنسا كانت مخطئة في شن حرب في ليبيا»، وأمعن النظر في تغيير السياسة الخارجية الفرنسية تجاه ليبيا بأن عيّن وزير الدفاع السابق جون إيف لودريان، الداعم بقوة لحفتر، في منصب وزير الخارجية، وكان هو المهندس الحقيقي لاجتماع باريس، الذي يتبنى ضمنيًا وجهة النظر المصرية للحل في ليبيا.

ترغب فرنسا في العودة إلى منطقة غرب أفريقيا مرة أخرى ولكن من خلال البوابة الغربية الليبية، كما تريد وبشدة وضع يدها على موارد النفط والغاز في المنطقة، فقد فازت فرنسا عام 2010 من خلال شركة «توتال»، بعقد لاستثمار الغاز بحوض «نالوت» غربي البلاد، والقريب من «مليتا»، قبل أن تعود ليبيا وتلغي العقد مع الشركة الفرنسية بعد جدل قانوني.

ويبدو أن إيطاليا وحلفاءها يحولون دون رجوع فرنسا إلى منطقة «نالوت»، التي تتحدث تقارير بأنها تحوي مخزونًا ضخمًا من الغاز الطبيعي. وكانت مصالح شركة «توتال» الفرنسية في الهلال النفطي، ورغبتها في استرجاع حوض «نالوت»، وراء تقديم فرنسا دعمًا عسكريًا لحفتر. هذا الدعم الذي كان معلنًا في معارك بنغازي، جاء خفيًا، عند استيلاء حفتر على منطقة الهلال النفطي.

وليس بعيدًا عن الشمال الليبي تنفرد فرنسا بالجنوب الذي تعتبره إرثها التاريخي بليبيا، حيث تمتلك الاستخبارات الفرنسية روابط  قوية ببعض الزعامات العسكرية المرتبطة بالنظام السابق أو الزعامات القبلية في المنطقة.

جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء 29 مايو 2018 الأطراف الأربعة الرئيسية في النزاع الليبي سعيا لتنظيم انتخابات تخرج هذا البلد من الأزمة بعد سبع سنوات على سقوط معمر القذافي، ووسط تشكيك الخبراء حيال هذه المبادرة. وذكر قصر الإليزيه أنه بمشاركة القوى على الأرض و"العرابين" الأجانب والقوى الإقليمية والدولية "يوضع كل واحد أمام مسؤولياته" إزاء الفوضى التي تعم ليبيا بعد سبع سنوات على التدخل الغربي عام 2011.

اتفقت الأطراف الليبية الممثلة في مؤتمر باريس على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في نهاية العام الجاري. الاتفاق اعتبر نجاحا لجهود الرئيس الفرنسي ماكرون في دفع الأطراف الليبية لتبني خارطة طريق للأزمة. لكن هل هذا هو كل شيء؟

يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لحلحلة الوضع في ليبيا بجمع أطراف النزاع الأربعة الرئيسية بهدف لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية تخرج البلد من أزمته المستمرة لسبع سنوات. قبيل الاجتماع، غرد الرئيس الفرنسي قائلاً: "لدينا كل مصلحة، من أجل أمننا، للعمل من أجل استقرار ليبيا. لهذا السبب جمعت اليوم في الاليزيه كافة الأطراف المعنية بالأمر".

وقبل انتهاء الاجتماع صدر بيان للإليزيه قال إن المشاركين "سيعملون على نص سياسي بهدف التوصل إلى التزام جماعي ببذل كل ما في الإمكان لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية بحلول نهاية السنة، والعمل على توحيد قوات الأمن، وتوحيد المؤسسات لقيام برلمان واحد وبنك مركزي واحد".

ويبدو أن مساعي ماكرون تكللت بالنجاح حيث غرد عقب الاجتماع: "هذه لحظة تاريخية لليبيين، ثمرة عمل طويل الأمد للوصول إلى طريق للخروج من الأزمة في ليبيا".

وصدر إعلان جاء فيه أن "القادة الليبيين يلتزمون العمل بشكل بناء مع الأمم المتحدة لتنظيم انتخابات سليمة وذات مصداقية". لكن منتقدين تساءلوا عن مدى الحاجة لهذا الاجتماع في ظل وجود "خطة عمل" أطلقها العام الماضي غسان سلامة مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا بهدف تمهيد الطريق أمام إجراء الانتخابات.

مجموعة الأزمات الدولية حذرت من "نتائج عكسية" لمؤتمر باريس، إذا لم يكن هناك توافق أوسع يشمل أطرافاً سياسية وعسكرية أخرى. وأوضح المركز البحثي أن هذا المؤتمر تغيب عنه بالخصوص مدينة مصراتة، التي تعتبر فصائلها المسلحة من بين الأقوى في غرب ليبيا ويعتبر ساستها من الأكثر نفوذاً. وقاطع وفد مصراتة الاجتماع عندما أبلغ بأنه لن يُعامل كبقية الوفود الأربعة.

قال رشيد خشانة، مدير المركز المغاربي للدّراسات حول ليبيا (مقره تونس) إن ماكرون أقصى أطرافاً هامة من مؤتمر باريس. وبالرغم من أن الأطراف الأربعة المدعوة لمؤتمر باريس تعتبر "مفاتيح حل الأزمة، إلا أنها لا تلخص المشهد الليبي اليوم". لذلك فإن الأطراف الأخرى المغيبة "قد تشكل عقبة أمام تنفيذ أي اتفاق"، حسب خشانة. ودلل على ذلك بوفد مدينة مصراتة، الذي قاطع المؤتمر لأنه علم بأنه لن يعامل على قدم المساواة مع باقي الأطراف المدعوة، رغم أهمية المدينة وثقلها السياسي وقيامها بتمويل وتسليح الكثير من الكيانات حتى إن بعضها يحمي المجلس الرئاسي والحكومة المنبثقة عنه. وأشار خشانة كذلك إلى الجنوب الليبي الذي لا يوجد ممثل له "مع أنه ذو أهمية كبرى في ليبيا وهو الآن تتنازعه ميليشيات مختلفة بعضها آت حتى من بلدان الجوار مثل تشاد والسودان".

ورأى خشانة أنه كان من المفروض وضع خطة مرحلية للخروج من الأزمة "تركز بالدرجة الأولى على جمع السلاح من ليبيا لأن هذا هو أصل الداء وثانياً إبعاد الميليشيات والكيانات المسلحة عن المدن مسافات معقولة لتعود مناطق مدنية يسودها القانون وليس قانون الغاب الذي تطبقه الجماعات المسلحة".

ويخشى الكثيرون من دور المليشيات المتقاتلة والفوضى السائدة ومعارضة الليبيين لكل ما يعتبرونه تدخلا أجنبياً، فيما أثارت جماعات في غرب ليبيا الشكوك بشأن نجاح المحادثات معبرة عن مخاوف من أن تأتي نتائجها في صالح غريمها خليفة حفتر في شرق ليبيا.

وفي الوقت الذي عين فيه اللواء المتقاعد خليفة حفتر حكاماً عسكريين محل عمداء البلديات المنتخبين في معظم أنحاء شرق ليبيا ما رآه البعض تكرسياً للحكم العسكري في البلاد، طالب المجلس الأعلى للدولة في ليبيا بضرورة إخضاع المؤسسات العسكرية لسلطة مدنية ووقف إطلاق النار فوراً في مدينة درنة في شرق ليبيا ورفع الحصار الذي تفرضه قوات حفتر عليها.

ويقول المحلل السياسي رشيد خشانة إن الإصرار على وجود حفتر في الاجتماع آت من فرنسا بالدرجة الأولى والتي ساوته برئيس المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، كما أنها اختارت الفرقاء الأربعة.

Link to comment
Share on other sites

52_83.jpg?itok=XQoTECvX
 

فرنسا في الجنوب الليبي.. تحركات وأطماع

Jun 05, 2018
عبدالباسط غبارة– بوابة افريقيا الإخبارية

تمثل الأزمة الليبية، حالة معقّدة في المنطقة العربية، بسبب التدخل الدولي وما سببه من تداعيات أشعلت مسار النزاع الداخلي بين الأطراف المتصارعة منذ بداية الأحداث التي أدت إلى سقوط الدولة وتفشى الفوضى في البلاد. ورغم أن القوى الدولية المختلفة تسعى إلى البحث عن مخرج إلا أنها في واقع الأمر غير معنية بمصير الشعب الليبي الذي تتزايد معاناته يوما بعد آخر.

آخر تدخلات القوى الدولية في ليبيا، جاء من طرف فرنسا التي تعود من جديد الى الواجهة بمؤتمر خاص بالأزمة الليبية في باريس، في محاولة تكريس حضورها السياسي. وضم الاجتماع الأطراف الرئيسة في الساحة الليبية ودول ومنظمات كثيرة معنية بالأزمة. وألقت المبادرة الجديدة بظلال من الشك حول نوايا فرنسا التي سارع البعض إلي التأكيد على أنها تصب في خانة تأمين مصالحها في الجنوب الليبي، الذي تعتبره إرثها التاريخي في هذا البلد الغني بالموارد الطبيعية.

ويعتبر الجنوب أحد أهم الأضلع الليبية على مر العصور، فهو الضلع الثالث، مع إقليمي برقة في الشرق وطرابلس في الغرب، وتكون ثلاثتها وحدة متجانسة ومتناغمة بمختلف مكوناتها العرقية والمذهبية. لكن ومنذ العام 2011، أدى تجاهل الحكومات المتعاقبة لتلك المناطق، إلى غرقها في حالة من الفوضى والأوضاع المعيشية الصعبة بسبب ما تعيشه البلاد من حالة انقسام، رغم ما يزخر به من موارد طبيعية كالنفط والمعادن.

ومنذ العام 2011، بدأ الجنوب الليبي يحظى باهتمام خاص من قبل فرنسا، التي كان لها الدّور الأكبر في إسقاط نظام العقيد معمّر القذّافي، والتي تمتلك قواعد عسكرية شمال النيجر قرب الحدود الجنوبية الليبية، والتي تراهن على هذه المنطقة كأحد مصادر الثروات الباطنية من نفط وغاز ومعادن وتسعى إلى بسط نفوذها، مستندة على إرث تاريخي حيث كان إقليم فزان لفترة طويلة قابعًا تحت سيطرتها.

ومن ضمن العوامل التي جعلت الجنوب الليبي في بؤرة الاهتمام الفرنسي هو ارتباطه بمصالح باريس الإقتصادية والأمنية في المنطقة الإفريقية. حيث تعتبر النيجر هي المصدر الرئيسي للشركات الفرنسية المختصة بالتنقيب عن اليورانيوم، وعلى وجه الخصوص شركة (أريفا)، التي لها ارتباط مباشر بحكومة باريس، وتكمن أهمية استخراج فرنسا لليورانيوم من النيجر في كونه يعتبر العنصر الأهم في صناعة المفاعلات النووية سواء لأغراض سلمية كتوليد الكهرباء وغيرها، أو لأغراض عسكرية كصناعة القنابل النووية، ومن هنا تبرز المصالح الفرنسية في كل من تشاد والنيجر، والذي من شأن الجنوب الليبي المحاذي لكلا الدولتين أن يهدد المصالح الفرنسية ولو على المدى المتوسط، في حالة عدم توفر الاستقرار في تلك المنطقة.

وبدأت فرنسا بتعزيز وجودها العسكري في منطقة الساحل تحت غطاء مواجهة الإرهاب، فأنشأت أربع قواعد عسكرية في إنجامينا بتشاد، ونيامي في النيجر، وغاو وتيساليت في شمال مالي، وقاعدة للقوات الخاصة في بوركينا فاسو. وبلغ الحجم المعلن للقوات الفرنسية المنتشرة هناك أربعة آلاف جندي فرنسي، مزودين بعشرات طائرات الهليكوبتر، ومئات العربات المدرعة، وطائرات مقاتلة وأخرى بدون طيار.

وفي أعقاب الانتهاء من الانتشار في منطقة الساحل الإفريقي، بدأت فرنسا بالتخطيط لبسط نفوذها في ليبيا، فشرعت في عام 2014 في بناء قاعدة "ماداما" في أقصى شمال النيجر قرب الحدود مع جنوب ليبيا، وتم تزويدها بمطار حربي لتكون نقطة انطلاق نحو الأراضي الليبية. حيث يعد الجنوب الليبي همزة وصل جيوسياسية بين ليبيا ودول أفريقيا جنوب الصحراء، وتلتقي تلك المنطقة جغرافيا مع حدود أربع دول: تشاد والسودان والنيجر والجزائر. ويزداد عمق ذلك التماس مع تداخل المكونات السكانية القبلية بين الجهتين، بما يطرح تأثيرات أكثر تمددا للمنطقة باتجاه دول ليس متماسة مباشرة مع الجنوب الليبي مثل مالي وموريتانيا وبوركينا فاسو ونيجيريا.

وتحوّل الجنوب الليبي إلى بوابة للتنظيمات الإرهابية المتنقلة عبر الحدود من أفريقيا جنوب الصحراء أو الشرق الأوسط. واستغلت هذه التنظيمات ضعف السلطات الليبية والصراعات المحلية التي فشلت اتفاقات المصالحة في إخمادها. ومثلت المنطقة مصدرا أساسيا لتمويل أنشطتها الإرهابية في الدول المجاورة لليبيا عبر الانخراط في التهريب والجريمة المنظمة، خاصة عند ممر السلفادور الرابط بين جنوب ليبيا والنيجر والجزائر.

وتضم المنطقة جماعات إرهابية متنوعة، حيث تشير تقارير استخباراتية إلى أن فلول تنظيم "داعش" الذين هزموا في سرت في نهاية 2016 انتقلوا إلى جنوب ليبيا، وحذرت أفريكوم، خلال شهر يناير الماضي، من أن فلول داعش يسعون إلى إعادة تشكيل بنية تنظيمهم للهجوم على مناطق الهلال النفطي، التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي منذ نوفمبر 2016. كما ترجح بعض التقارير الغربية فرار عناصر وقيادات تنظيم "القاعدة" باتجاه الجنوب الليبي، ومنهم مختار بلمختار، وإياد أغ غالي زعيم حركة أنصار الدين. خاصة مع توجه غالي لبناء تحالف جهادي بين الحركات الإرهابية في الساحل الأفريقي في مارس 2017 تحت اسم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وضم "المرابطون" وأنصار الدين وكتائب تحرير ماسينا وإمارة منطقة الصحراء.

ويدفع هذا التهديد الإرهابي القوى الدولية إلى التمركز في المنطقة، واستهدفت باريس التي تحارب الإرهاب في الساحل الأفريقي الحد من تأثير تهديدات جنوب ليبيا على نفوذها الأمني والاقتصادي بالمنطقة. وذلك من خلال تفعيل قوة دول الساحل الأفريقي الخمس (النيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو ومالي وتشاد). وتتداخل مهام هذه القوة في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة مع أزمات الجنوب الليبي. وعززت فرنسا تواجدها في المنطقة عبر قاعدة "ماداما" الجوية الموجودة على بعد أربعين كيلو مترا من الحدود الليبية النيجرية، والتي يتم فيها تدريب قوات نيجيرية وتشاديه استعدادا لما تسميه فرنسا محاربة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي.

وفي أبريل 2017، اتهم حامد الخيالى، عميد بلدية سبها الليبية، القاعدة العسكرية الفرنسية فى منطقة ماداما النيجرية، بعقد شراكة مع مهربى المهاجرين ليس من أفريقيا فقط، بل حتى من دول آسيا، قائلاً إن هؤلاء أصبحوا يعبرون إلى ليبيا عبر النيجر وغيرها. وأكد "الخيالى" فى حوار صحفي، أن القاعدة كبيرة وبها كل الإمكانيات وجميع قوافل الهجرة غير الشرعية، وعمليات تهريب البشر تمر من أمامها دون أن يحرك القائمون عليها ساكنًا، مؤكدًا أن القاعدة بإمكانها إرجاع تلك القوافل إلى بلدانها الأصلية، متهما القاعدة الفرنسية بالمشاركة فى إدخال المهاجرين غير الشرعيين إلى ليبيا.

فالانفلات الأمني وغياب الدولة، حول الجنوب الليبي إلى محطة لشبكات تهريب المهاجرين غير الشرعيين التي استغلت الفوضى لتحويل المنطقة الى نقطة عبور وبوابة رئيسية لأفواج المهاجرين القادمين من إفريقيا. وباتت هذه الظاهرة ترسم شكلا جديدا من المعاناة الإنسانية في الجنوب، حيث تحولت المنطقة من مجرد مركز لعبور المهاجرين الأفارقة نحو السواحل، إلى مكان مناسب للاستقرار فيها بشكل نهائي، بعد أن اختار الكثير منهم البقاء والعيش فيها، وهو ما ينذر بانعكاسات سلبية على التركيبة الاجتماعية في الجنوب الليبي.

وتصاعدت التحذيرات من أن تواصل نزوح الليبيين من الجنوب إلى مدن الساحل الأخرى بسبب عدم توفر الاحتياجات الأساسية، والذي يقابله في نفس الوقت هجرة إفريقية إلى الجنوب الليبي ينذر بتغيير ديمغرافي في المنطقة خلال السنوات القادمة. حيث تساعد على ذلك تواصل تردي الأوضاع الأمنية والاشتباكات القبلية المتكررة التي تغذيها أجندات خارجية بحسب مسؤولين ليبيين.

ففي مارس 2018، أكد مولاي قديدي، رئيس المجلس الأعلى لطوارق ليبيا، "أن الأوضاع في الجنوب الليبي أكبر من مجرد صراع بين قبيلتين ولكنه بتدخل أجنبي لتنفيذ أجندات خارجية بأياد ليبية". واعتبر في تصريح للصحيفة "العرب" اللندنية، أن ما يحدث مرتبط بالصراع الفرنسي الإيطالي على جنوب ليبيا. وإتهم مولاي قديدي فرنسا بالانخراط في مشروع تغيير الخارطة الديموغرافية لجنوب ليبيا بالنظر إلى "يدها الطولى" في دول كتشاد والنيجر.

وقال قديدي "تستطيع فرنسا إقناع أنظمة تلك الدول بأن الجنوب الليبي الغني بالموارد هو مجال حيوي يستوعب أعدادا كبيرة من شعوبهم ليخففوا العبء عليهم ويستفيدوا من إيراداتهم. وأضاف "أما فرنسا فستكون الرابح الأكبر من هذه الصفقة، حيث ستسيطر مباشرة على الموارد وتستغلها بعمالة من دول الجوار"، معربا عن اعتقاده بأن "هذا المخطط ليس جديدا بل رتّب له منذ زمن وما نشر قواعدها العسكرية بالقرب من حدودنا إلا خطوة استباقية للتنفيذ".

تحركات فرنسا في الجنوب الليبي، جاءت أيضا تحت ذريعة الجانب الإنساني، ففي يناير الماضي، أعلنت السفارة الفرنسية لدى ليبيا أن باريس قدمت عام ألفين وسبعة عشر، ثلاثمئة ألف يورو لمنظمة الصحة العالمية، لدعم المرافق الصحية في الجنوب الليبي، في مدن الكفرة، وسبها، وأوباري. وأضافت السفارة في تدوينة على صفحتها بموقع فيس بوك أن فرنسا تضمن عن طريق هذا الشريك الموثوق، وصول هذه المساعدات إلى من هم في أمس الحاجة إليها.

ويرى العديد من المراقبين، أن ما يهمّ فرنسا في الجنوب الليبي، هو السيطرة على منافذ التهريب والتحكم فيها، بحيث تتمكن من مواجهة شبكات تهريب السلاح والمخدرات والهجرة غير الشرعية، وتجفيف منابع تمويل الجماعات المتشددة التي تتغلغل في العمق الإفريقي من خلال الجنوب الليبي. كما أنها تسعي للإستحواذ علي الاستثمارات الهائلة في مجال النفط والطاقة واستخراج المعادن والمواد الأولية، التي يحظى بها جنوب ليبيا، كأحد المصادر الهامة للاقتصاد الفرنسي في حال خضوعه للهيمنة الفرنسية، بحجة الحرب على الإرهاب ومكافحة الهجرة والتهريب.

وفي ضوء الحرب الإعلامية بين القوى الدولية على فضح مطامعها في ليبيا، قالت صحيفة "الجورنال" الإيطالية، إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يريد "سرقة" ليبيا، وإن الخطة الفرنسية "تستغل الصدام بين القبائل وانعدام اليقين الإيطالي"، ما لم يمنعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ورأت الصحيفة الإيطالية أن ماكرون يسعى إلى الاستحواذ على ثروات الطاقة في المستعمرة الإيطالية السابقة مستغلا الفوضى الليبية والفراغ السياسي الانتقالي الحالي في روما.

هذا الصراع الفرنسي الإيطالي بخصوص الملف الليبي، هو في حقيقته واحد من الصراعات الأوروبية للاستفادة من ثرواتها، فليبيا تحتوي على ثروات هائلة من النفط وتقدر احتياطاتها بنحو 46. 6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا. ناهيك عن موقعها الاستراتيجي الذي يجعلها دائماً عرضة للصراع بين الدول الاستعمارية الكبرى لكونها بوابة إفريقيا بلا منازع، والطريق الأقرب من سواحل البحر المتوسط إلى أعماق القارة البكر.

ويعيش الجنوب الليبي في ظل التشرذم السياسي والصراع العسكري بين الأطراف الفاعلة في المشهد الليبي، حروبا أهلية طاحنة أنهكت وعمقت من المعانات الإنسانية المزرية أصلا. ورغم الثروات التي يتمتع بها الجنوب إلا أنها لم تغن المنطقة عن الوقوع فريسة الأوضاع المعيشية المتردية والتي زادت صعوبتها بسبب التهميش وغياب الدولة، لتتحول هذه الثروات إلى ورقة رهان كبيرة على طاولة أطماع الدّول الكبرى. ويبقى تحقيق تسوية شاملة في البلاد وإرساء سلطة موحدة تدير مصالح كل المدن الليبية بشكل عادل، الأمل الوحيد في انتشال الجنوب الليبي من أزمته وإبعاد شبح الأطماع الخارجية.

 

الفقرات الجانبية:

تمثل الأزمة الليبية، حالة معقّدة في المنطقة العربية، بسبب التدخل الدولي وما سببه من تداعيات أشعلت مسار النزاع الداخلي بين الأطراف المتصارعة منذ بداية الأحداث التي أدت إلى سقوط الدولة وتفشى الفوضى في البلاد.

الانفلات الأمني وغياب الدولة، حول الجنوب الليبي إلى محطة لشبكات تهريب المهاجرين غير الشرعيين التي استغلت الفوضى لتحويل المنطقة الى نقطة عبور وبوابة رئيسية لأفواج المهاجرين القادمين من إفريقيا.

بدأت فرنسا بتعزيز وجودها العسكري في منطقة الساحل تحت غطاء مواجهة الإرهاب، فأنشأت أربع قواعد عسكرية في إنجامينا بتشاد، ونيامي في النيجر، وغاو وتيساليت في شمال مالي، وقاعدة للقوات الخاصة في بوركينا فاسو.

يرى العديد من المراقبين، أن ما يهمّ فرنسا في الجنوب الليبي، هو السيطرة على منافذ التهريب والتحكم فيها، بحيث تتمكن من مواجهة شبكات تهريب السلاح والمخدرات والهجرة غير الشرعية، وتجفيف منابع تمويل الجماعات المتشددة التي تتغلغل في العمق الإفريقي من خلال الجنوب الليبي.

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
Reply to this topic...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
 Share

×
×
  • Create New...