اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

وحَّدَكم رمضان .. رغم أنوفكم


Recommended Posts

وحَّدَكم رمضان .. رغم أنوفكم

يُرفع أذان المغرب في كل أصقاع العالم فيتجمع المسلمون على موائد الإفطار، يأكلون ويشربون من المغرب حتى الفجر، وما أن يُرفع أذان الفجر حتى يُمسك الجميع عن الطعام والشراب والجماع طيلة النهار. 

هنا حرٌّ شديد وهناك نهارٌ طويل وهنالك عملٌ شديد .. ولكن رمضان ألبس الجميع ثوب الطاعة الإلهية حين أذعنوا لله الواحد القهار الذي خلقهم والذي علّمهم دينهم فاستجابوا طوعاً أو كرهاً.
وزادهم ربُّ رمضان نعمة فوق نعمة حين علّمهم، طوعاً أو كرهاً، أن يكونوا أمة واحدة من دون الناس، شاؤوا أم أبوا، حين خضعوا لأوامر الله بالصوم معاً وبالإفطار معاً وكأن المسلمين في كل أنحاء العالم يتحركون كموجةٍ إنسيابيةٍ عظيمة يعجب من يتاملها كاملة، كلوحة فسيفسائية خلابة، تتحرك هذه الموجة بقوة للأعلى لا يقهرها قاهر ولا يقف بوجهها قوي، يخشاها من يستوعب قوتها إن ارتطمت بحضارته لأنه سيدمرها، ويجهلها من لم يستوعب عظمتها وذخيرتها الخفية.

شهر رمضان ليس شهراً عادياً وليس هو شهرٌ للصيام فقط، إنه شهر الزلزال الإلهي كي تصحو الأمة الإسلامية وتعود لعزها ولمجدها، هو شهر على أعدائها يأتيهم كالتسونامي لا يعرفون كيف يتفادوه. 

وحين يبدأ الطوفان تنقنق الضفادع ولكن لا يُرى منها إلا محاولات يائسة لتفادي الطوفان الجارف، وهذا حال من خرج في شوارع بلد العقبة بن نافع يتحدى رب رمضان بالإفطار! لم يستوعب هؤلاء أن عظمة رمضان كامنة في كون قوانينه نافذة بلا جيش وبلا شرطة، ومهما فعل أعداء رمضان فإنه ماضٍ يغذّ السير في توحيد الأمة.

إنها أمةٌ واحدةٌ مهما قسمتها حدود سايكس بيكو ومهما رسم لها أعدائها من مشاريع كبيرة أو خطيرة، مهما قتّلوا ومهما خططوا، أمة جمعتها شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله قبل أن يجمعها مسجد الفجر وجامع الجمعة وصلاة الجنازة، أمة جمعتها الصلوات الخمس حتى في غياب خليفتهم وسلطانهم، أمة وحدها صوم رمضان وإن فرقها حكامها وجعلوا منهم فرقاً وشيعاً متناحرة، أمة جمعها الحج لبيت الله الحرام وأضحية ابراهيم عليه السلام وإن حاولوا تفريقها بفصائل وفرق ودولارات وخيانات! 

ثم بعد كل هذا يقف عالم سليط اللسان فارغ القلب منحط الفكر ليقول: لكل بلد حاكمها ولكل بلد مطلعها ولكل بلد أحكامها! بئس العلماء علماء السلاطين، بئس السخفاء الجاهلون أولئك الذين صدق فيهم شوقي رحمه الله بقوله:

أفتى خُزَعبَلةً وَقالَ ضَلالةً
وأتى بكفرٍ في البِلادِ بَواح

الآن فهمنا قول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام: 
« إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِى الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ »
وقد رأيناهم وأيم الحق في كل مكان يظهرون وعلى شاشات التلفاز يتحدثون، ينافقون يكذبون يمدحون يلفقون، عدّتهم وأدواتهم معروفة للجميع، تعرفهم بسيماهم، فهدفهم واحد لا غير وهو سيماهم: 
يحولون بين الأمة ووحدتها!

فالحذر الحذر من هؤلاء، يظهرون تارة بثوب المفتي، وتارة بثوب الفقيه وأخرى بثوب الناصح ومرة باسم الشرعي ومرة غيرها باسم هيئة دينية أو منصب مفبرك! 
يتحدثون عن كل شيء، عن روعة الخالق وعن الإيمان وعن الإعجاز، يبدعون في شرح آياتٍ من القرآن وأحاديث من السنة، لكنهم خرسوا عن كلمة حق في سلطان جائر ينتهك حرمات المسلمين ويضيّع ثرواتهم! وصمتوا صمت القبور عن منكر يروه كل يوم من سيدهم وكأنه لايعنيهم، إنهم كهنوت الحاكم ودهاقنة الرويبضات، من صدقهم أو تبعهم كان كمن قال تعالى عنهم: 
{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}.

هذا رمضان وحد الأمة وجمع شملها رغم أنوفنا فهل نستجيب له ولربه طوعاً إذن نفوز بأجره وبثواب الآخرة، قبل أن نستجيب له كرهاً حين ينادي منادي الخلافة أن أقبلوا بايعوا أمير المؤمنين؟

رمضان الخير ١٤٣٩

م. هشام البابا

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...