اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

أسامة بن زيد


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم ..والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين.. سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد :

من يحب أن يعرف قصة إنسان أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حباً شديداً وأحب والده حباً شديداً أيضاً. من يحب أن يعرف قصته المثيرة . إنه أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ.

نحن الآن في السنة السابعة قبل الهجرة في مكة . ورسول الله صلوات الله وسلامه عليه يكابد من أذى قريش له ولأصحابه ما يكابد ...ويحمل من هموم الدعوة وأعبائها ما أحال حياته إلى سلسلة متواصلة من الأحزان والنوائب ..وفيما هو كذلك أشرقت في حياته بارقة سرور . فلقد جاءه البشير يبشره أن "أم أيمن" وضعت غلاماً، أضاء أساريره عليه الصلاة والسلام بالفرحة، وأشرق وجهه الكريم بالبهجة .فمن يكون هذا الغلام السعيد الذي أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كل هذا السرور؟! إنه أسامة بن زيد.

ولم يستغرب أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهجته من المولود الجديد، وذلك لموضع أبويه منه (مكانة أبويه عنده) ومنزلتهما عنده .فأم الغلام هي "بركة الحبشية" المكناة بأم أيمن .وقد كانت مملوكة لآمنة بنت وهب أم الرسول عليه الصلاة والسلام، فربَّته في حياتها ..وحضنته بعد وفاتها.. ففتح عينيه على الدنيا وهو لا يعرف لنفسه أماً غيرها، فأحبها أعمق الحب وأصدقه، وكثيراً ما كان يقول :"هي أمي بعد أمي، وبقية أهل بيتي".

هذه أم الغلام المحظوظ، أما أبوه فهو حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، وابنه بالتبني قبل الإسلام، وصاحبه وموضع سره، وأحد أهله وأحب الناس إليه بعد الإسلام. وقد فرح المسلمون بمولد أسامة بن زيد كما لم يفرحوا بمولود سواه، ذلك لأن كل ما يفرح النبي صلى الله عليه وسلم يفرحهم. وكل ما يدخل السرور على قلبه يسرهم.  فأطلقوا على الغلام المحظوظ لقب : "الحِبُّ وابن الحِبِّ".

ولم يكن المسلمون مبالغين حين أطلقوا هذا اللقب على الصبي الصغير أسامة، فقد أحبه الرسول صلوات الله وسلامه عليه حبًّاً تَغْبِطُهُ عليه الدنيا كلها، فقد كان أسامة مقارباً في السن لسبط الرسول (ابن ابنته) الحسن بن فاطمة الزهراء. وكان الحسن أبيض أزهر رائع الحسن شديد الشبه بجده رسول الله صلى الله عليه وسلم .وكان أسامة أسود البشرة أفطس الأنف شديد الشبه بأمه الحبشية .لكن الرسول صلوات الله عليه ما كان يفرق بينهما في الحب، فكان يأخذ أسامة فيضعه على إحدى فخذيه. ويأخذ الحسن فيضعه على فخذه الأخرى، ثم يضمهما معاً إلى صدره ويقول :"اللهم إني أحبهما فأحبهما". وقد بلغ من حب الرسول صلى الله عليه وسلم لأسامة أنه عثر ذات مرة بعتبة الباب فشُجَّت جبهته .وسال الدم من جرحه؛ فأشار النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضوان الله عليها أن تزيل الدم عن جرحه فلم تطب نفسها لذلك . فقام إليه النبي صلوات الله وسلامه عليه وجعل يمص شَجَّتَهُ، ويَمُجُّ الدم وهو يطيب خاطره بكلمات تفيض عذوبة وحناناً.

وكما أحب الرسول صلوات الله عليه أسامة في صغره فقد أحبه في شبابه، فلقد أهدى حكيم بن خزام أحد سَراة (أشراف) قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة ثمينة شراها من اليمن بخمسين ديناراً ذهباً كانت (لذي يزن) أحد ملوكهم.  فأبى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقبل هديته لأنه كان يومئذ مشركاً، وأخذها منه بالثمن .وقد لبسها النبي الكريم مرة واحدة في يوم جمعة، ثم خلعها وأعطاها أسامة بن زيد . فكان يروح بها ويغدو بين أترابه من شبَّان المهاجرين والأنصار.

ولما بلغ أسامة بن زيد أشده.. بدا عليه من كريم الشمائل وجليل الخصائل ما يجعله جديراً بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .فقد كان ذكياً حاد الذكاء، شجاعاً خارق الشجاعة، حكيماً يضع الأمور في مواضعها .عنيفاً يأنف الدَّنايا .آلفاً مألوفاً يحبه الناس .تقياً ورعاً يحبه الله .

ففي يوم أحُد، جاء أسامة بن زيد مع نفر من صبيان الصحابة يريدون الجهاد في سبيل الله فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم منهم ما أخذ ..ورد منهم من رد لصغر أعمارهم .فكان من جملة المردودين أسامة بن زيد، فتولى (فرجع) وعيناه الصغيرتان تفيضان من الدمع حزناً ألا يجاهد تحت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم.  وفي غزوة الخندق جاء أسامة بن زيد أيضاً ومعه نفر من فتيان الصحابة .. وجعل يشدُّ قامته إلى أعلى ليجيزه (يأذن له) رسول الله، فرقَّ له النبي عليه الصلاة والسلام وأجازه، فحمل السيف جهاداً في سبيل الله وهو ابن خمس عشرة سنة.

وفي يوم حنين حين انهزم المسلمون ..ثبت أسامة بن زيد مع العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي سفيان بن الحارث ابن عمه .وستة نفر آخرين من كرام الصحابة .فاستطاع الرسول عليه الصلاة والسلام بهذه الفئة الصغيرة المؤمنة الباسلة أن يحول هزيمة أصحابه إلى نصر ..وأن يحمي المسلمين الفارِّين من أن يفتك بهم المشركون.

وفي يوم مؤتة جاهد أسامة تحت لواء أبيه زيد بن حارثة وسنه دون الثامنة عشرة، فرأى بعينيه مصرع أبيه، فلم يهن (يضعف) ولم يتضعضع، وإنما ظل يقاتل تحت لواء جعفر بن أبي طالب. حتى صُرع على مرأى منه ومشهد ثم تحت لواء عبد الله بن رواحة حتى لحق بصاحبيه .ثم تحت لواء خالد بن الوليد حتى استنقذ الجيش الصغير من براثن الروم. ثم عاد أسامة بن زيد إلى المدينة محتسباً أباه عند الله .تاركاً جسده الطاهر على تخوم الشام .راكباً جواده الذي استشهد عليه .

وفي السنة الحادية عشرة للهجرة، أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بتجهيز جيش لغزو الروم .وجعل فيه أبا بكر، وعمر، وسعد بن أبي وقاص، وأبا عبيدة بن الجراح ..وغيرهم من جِلة الصحابة (شيوخهم). وأمّر على الجيش أسامة بن زيد ..وهو لم يجاوز العشرين بعد ...وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء و قلعة الداروم، القريبة من غزة من بلاد الروم. وفيما كان الجيش يتجهز، مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما اشتد عليه المرض توقف الجيش عن المسير انتظاراً لما تسفر عنه حال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أسامة :ولما ثَقُلَ على نَبِيِّ الله المَرَض، أَقْبَلْتُ عليه وأقبل الناس معي، فدخلت عليه فوجدته قد صمت فما يَتَكَلَّمُ من وطأة الداء (ثقل الداء وشدته)، يرفع يده إلى السماء ثم يضعها علي ..فعرفت أنه يدعو لي.

ثم ما لبث أن فارق الرسول صلى الله عليه وسلم الحياة، وتمت البيعة لأبي بكر .فأمر بإنفاذ بعث أسامة .لكن فئة من الأنصار رأت أن يُؤخر البعث وطلبت من عمر بن الخطاب أن يكلم في ذلك أبا بكر وقالت له :فإن أبَى‘ إِلا المُضِيَّ ، فأبلغه عنا أن يولي أمرنا رجلاً أقدم سناً من أسامة .وما إن سمع الصديق من عمر رسالة الأنصار .حتى وثب لها وكان جالسا وأخذ بلحية الفاروق وقال مغضباً: ثكلتك أمك وعَدِمتك يا بن الخطاب ...استعمله (ولاه) رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه ؟!! والله لا يكون ذلك .ولما رجع عمر إلى الناس ..سألوه عما صنع فقال :امضوا ثكلتكم أمهاتكم (فقدتكم أمهاتكم)، فقد لقيت ما لقيت في سبيلكم من خليفة رسول الله .

ولما انطلق الجيش بقيادة قائده الشاب، شيَّعَهُ خليفة رسول الله ماشياً وأسامة راكب فقال أسامة :يا خليفة رسول الله والله لتركبن أو لأنزلن .فقال أبو بكر :والله لا تنزل ..و والله لا أركب ..وما علي أن أُغَبِّر قدميَّ في سبيل الله ساعة ؟! ثم قال لأسامة :أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك .وأوصيك بإنفاذ ما أمرك به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مال عليه وقال :إن رأيت أن تُعينني بِعُمرَ فائذن له بالبقاء معي، فأذن أسامة لعمر بالبقاء .

مضى أسامة بن زيد بالجيش، وأنفذ كل ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم .فأوطأ خيل المسلمين تخوم البلقاء و قلعة الداروم  من أرض فلسطين ونزع هيبة الروم من قلوب المسلمين، ومهَّد الطريق أمامهم لفتح ديار الشام ..ومصر ..والشمال الإفريقي كله حتى بحر الظلمات ..ثم عاد أسامة ممتطياً صهوة الجواد الذي استشهد عليه ابوه. حاملاً من الغنائم ما زاد عن تقدير المقدرين، حتى قيل إنه ما رُئي جيش أسلم وأغنم من جيش أسامة بن زيد.

ظل أسامة بن زيد - ما امتدت بالحياة - موضع إجلال المسلمين وحبهم وفاءً لرسول الله صلى الله عليه وسلم .وإجلالاً لشخصه .فقد فرض له الفاروق عطاءً (مرتباً) أكثر مما فرضه لابنه عبد الله بن عمر، فقال عبد الله لأبيه :يا أبت، فرضت لأسامة أربعة آلاف وفرضت لي ثلاثة آلاف، وما كان لأبيه من الفضل أكثر مما كان لك، وليس له من الفضل أكثر مما لي. فقال الفاروق :هيهات  (لقد أبعدت كثيراً) إن أباه كان أحب إلى رسول الله من أبيك ..وكان هو أحب إلى رسول الله منك. فرضي عبد الله بن عمر بما فُرض له من عطاء .وكان عمر بن الخطاب إذا لقي أسامة بن زيد قال :مرحبا بأميري ...فإذا رأى أحداً يعجب منه قال: لقد أمَّره علي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

رحم الله هذه النفوس الكبيرة، فما عرف التاريخ أعظم ولا أكمل ولا أنبل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...