اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

سعيـد بن عـامر الجمحي


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

سعيـد بن عـامر الجمحي  (رضي الله عنه)

صحابي قال عنه المؤرخون: رجل اشترى الآخرة بالدنيـا وآثر الله ورسوله على ما سـواهما.

 

كان الفتى سعيد بن عامر الجمحي واحداً من الآلاف المؤلفة الذين خرجوا إلى منطقة التنعيم في ظاهر مكة بدعوة من زعماء قريش ليشهدوا مصرع خبيب بن عدي أحد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن ظفروا به غدراً ، فقد شارك في سرية المنذر بن عمرو التي بعثها النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجد ليُعلموهم القرآن، فأُحيط بهم، وقُتل معظمهم، ووقع خبيب في الأسر، فباعوه إلى أناس من مكة، فأخذه أبو سروعة عقبة بن الحارث ليقتُله بأبيه الذي قُتل في بدر على يد خبيب.

وقف الفتى سعيد بن عامر الجمحي بقامته الممدودة يطل على خبيب وهو يقدم إلى خشبة الصلب، وسمع صوته الثابت الهادئ من خلال صياح النسوة و الصبيان، وهو يقول :إن شئتم أن تتركوني أركع ركعتين قبل مصرعي فافعلوا، فقالوا: لك ذلك، ثم رآه يقبل على زعماء القوم و يقول :والله لولا أن تظنوا أني أطلت الصلاة جزعاَ من الموت لاستكثرت من الصلاة !! ثم أبصر سعيد بن عامر خبيباً يرفع بصره إلى السماء من فوق خشبة الصلب ويقول : اللهم أحصهم عدداً و اقتلهم بدداً و لا تغادر منهم أحداً، ثم لفظ أنفاسه الأخيرة و به ما لم يستطع إحصاءه من ضربات السيوف و طعنات الرماح. وقد كان لهذا الدّعاء أثرٌ على من حضر قتله.
 

عادت قريش إلى مكة و نسيت في زحمة الأحداث الجسام خبيباً و مصرعه، لكن الفتى اليافع سعيد بن عامر الجمحي لم يغب خبيب عن خاطره لحظة لأنّ خبيباً علَّم سعيداً ما لم يكن يعلم من قبل ، علمه أنّ الحياة الحقة عقيدة و جهاد في سبيل الله حتى الموت.

وعلمه أيضا أن الإيمان الراسخ يفعل الأعاجيب و يصنع المعجزات ، وعلمه أمراَ آخر هو أنّ الرجل الذي يحبه أصحابه كل هذا الحب إنما هو نبي مؤيد من السماء، عند ذلك شرح الله صدر سعيد بن عامر إلى الإسلام.

هاجر سعيد بن عامر إلى المدينة و لزم رسول الله صلوات الله عليه، وشهد معه خيبر وما بعدها من الغزوات، و لما انتقل النبي الكريم إلى جوار ربه وهو راضٍ عنه ظل من بعده سيفاً مسلولاً في أيدي خليفتيه أبي بكر وعمر، وعاش مثلاً فريداً فذاً للمؤمن الذي اشترى الآخرة بالدنيا ، وآثر مرضاة الله وثوابه على سائر رغبات النفس وشهوات الجسد ، وكان خليفتا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفان لسعيد بن عامر صدقه وتقواه، ويستمعان إلى نصحه ويصغيان إلى قوله ، فقد جاء سعيد بن عامر سيّدنا عمر بن الخطّاب في أوّل ولايته وخلافته للمسلمين بعد أبي بكر ناصحًا: ” يا عُمر، أوصيكَ أن تخشى الله في النّاس، ولا تخشى النّاس في الله، وألّا يخالف قولك فعلك، فإنّ خير القول ما صدّقه العمل"، فطلب منه عمر بن الخطّاب ولاية حمص، فكرِه سعيد ذلك، فغضب عمر أنّهم ولّوه الخلافة ويريدون التخلّي عنه فيها. فألحّ عليه حتّى ولّاه عليها. وقال: ألا نفرض لك رزقاً؟ قال :وما أفعل به يا أمير المؤمنين ؟! فإنّ عطائي من بيت المال يزيد عن حاجتي ، ثم مضى إلى حمص، وما هو إلا قليل حتى وفد على أمير المؤمنين بعض من يثق بهم من اهل حمص، فقال لهماكتبوا لي أسماء فقرائكم حتى أسد حاجتهم ، فرفعوا كتاباً فإذا فيه :فلان وفلان وسعيد بن عامر ، فقال:  ومن سعيد بن عامر ؟! فقالوا :أميرنا ! قالأميركم فقير؟! قالوا :نعم و والله إنه ليمر عليه الأيام الطوال ولا يوقد في بيته نار، فبكى عمر حتى بللت دموعه لحيته.

لم يمض على ذلك طويل وقت حتى أتى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ديار الشام يتفقد أحوالها فلما نزل بحمص لقيه أهلها للسلام عليه فقالكيف وجدتم أميركم ؟ فشكوه إليه وذكروا أربعاً من أفعاله ، كل واحد منها أعظم من الآخرقال عمر :فجمعت بينه وبينهم ، ودعوت الله ألا يُخيب ظني فيه ، فقد كنت عظيم الثقة به، فلما أصبحوا عندي هم وأميرهم ، قلتما تشكون من أميركم ؟ قالوا :لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار ، فقلت :وما تقول في ذلك يا سعيد ؟ فسكت قليلاً ، ثم قالوالله إني كنت أكره أن أقول ذلك ، أما وإنه لا بد منه ، فإنه ليس لأهلي خادم ، فأقوم في كل صباح فأعجن لهم عجينهم ، ثم أتريث قليلا حتى يختمر، ثم أخبزه لهم ، ثم أتوضأ وأخرج للناس . قال عمر :وما تشكون منه أيضاً ؟ قالوا:إنه لا يجيب أحداً بليل ، قلت :وما تقول في ذلك يا سعيد ؟ قال :إني والله كنت أكره أن أعلن هذا أيضاً، فأنا قد جعلت النهار لهم والليل لله عز وجل .قلت :وما تشكون منه أيضا؟ قالوا :إنه لا يخرج إلينا يوماً في الشهر ، قلت :وما هذا يا سعيد ؟ قالليس لي خادم يا أمير المؤمنين ، وليس عندي ثياب غير التي علي ، فأنا أغسلها في الشهر مرة وأنتظرها حتى تجف ، ثم أخرج عليهم في آخر النهار.  ثم قلت :وما تشكون منه ايضا؟ قالوا :تصيبه من حين إلى آخر غشية فيغيب عمن في مجلسهفقلت :وما هذا يا سعيد ؟! فقال :شهدت مصرع خبيب بن عدي وأنا مشرك ، ورأيت قريش تقطع جسده وهي تقول :أتحب أن يكون محمد مكانك ؟ فيقولوالله ما أحب أن أكون آمنا في أهلي وولدي ، وأنّ محمداً تشوكه شوكة ، وإني والله ما ذكرت ذلك اليوم وكيف أني تركت نصرته إلا ظننت أنّ الله لا يغفر لي، وأصابتني تلك الغشية. عند ذلك قال عمر :الحمد لله الذي لم يخيب ظني به ،  وقال له: خذ هذه الألف دينار فتقوَّ بها. قال: لا حاجة لي فيها، أعط من هو أحوج إليها مني. فقال عمر: على رسلك حتى أحدثك ما قال رسول الله، ثم إن شئت فاقبل وإن شئت فدع: إنّ رسول الله عرض عليَّ شيئًا فقلت مثل الذي قلت، فقال رسول الله: "من أعطي شيئًا من غير سؤال ولا استشراف نفس، فإنه رزق من الله فليقبله ولا يرده". فقال الرجل: أسمعت هذا من رسول الله؟ قال: نعم.

فقبله الرجل ثم أتى امرأته فقال: إن أمير المؤمنين أعطانا هذه الألف دينار، فقالت: الحمد لله الذي أغنانا عن خدمتك ، اشتر لنا مؤنة واستأجر لنا خادماً، فقال لها :وهل لك فيما هو خير من ذلك؟ قالت :وما ذاك؟! قال :ندفعها إلى من يأتينا بها ، ونحن أحوج ما نكون إليها قالت: وما ذاك؟! قال :نقرضها الله قرضاً حسناً. قالت :نعم وجزيت خيراً. فما غادر مجلسه الذي هو فيه حتى جعل الدنانير في صرر، وقال لواحد من أهله :انطلق بها إلى أرملة فلان، وإلى أيتام فلان، وإلى مساكين فلان.

رضي الله عن سعيد بن عامر الجمحي فقد كان من الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...