Jump to content
منتدى العقاب

اعلى درجات السمو الانساني


Recommended Posts

اعلى درجات السمو الانساني

إن أعلى درجة وأسمى حالة يكون فيها المسلم حين يكون على صلته بخالقه في عبادة أو عمل واجب أو قيام بمندوب، وكلما أدام العبد صلته بربه كلما ازداد خيراً وازداد من الله قرباً، ولهذا صار الأصل في المسلم أن لا يدع لحظة من حياته تفوته دون أن يفعل فيها واجباً أو يؤدي قربة من القرب، فالعمر واحد، والزمن الذي يمر لا يعود، فلا ينبغي على كيِّس فطن أن يشغل وقته أو بعض وقته بحرام أو فعل مكروه أو تشاغل عن واجب ومندوب، هكذا المسلم، وهكذا عمله وواجبه.

أما الواجبات والمحرمات فهي لا تفي بملء وقت المسلم، وبالتالي قد تنقطع صلته بربه ولو قليلاً، فليشغل الوقت بما ندب إليه الشرع من عبادات ونوافل، وتطوعات، فالمسلم إذا فكر في خلق الله تحركت مشاعره وقويت نفسيته، ولذلك لفت الله سبحانه وتعالى الأنظار إلى التفكر والتدبر في خلقه، قال سبحانه ]أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون[ ويقول ]أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج@ والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج@ تبصرة وذكرى لكل عبد منيب[. وروي أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه كان صمته فكراً وتدبراً ونطقه ذكراً.

والمسلم إذا جلس يسبح الله ويذكره بقلبه أو بلسانه وجدت عنده الروحانية، والله يقول ]وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب@ ومن الليل فسبحه وأدبار السجود[، والرسول e يقول: ‹‹من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين وحمد الله ثلاثاً وثلاثين وكبر الله ثلاثاً وثلاثين وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر››، وقال: ‹‹كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم››، وقال: ‹‹من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة››، وقال عليه الصلاة والسلام: ‹‹من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثاني رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب له عشر حسنات ومحيت عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه وحرس من الشيطان ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله تعالى››، وقال: ‹‹من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه››.

والمسلم يدعو ربه ويكثر من الدعاء في السراء والضراء، في الحل والسفر، في الليل والنهار، في الصحة والمرض، والدعاء قال فيه سبحانه ]فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان[ والرسول عليه الصلاة والسلام قال: ‹‹الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين››، وقال: ‹‹ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء››، وقال: ‹‹من لم يسأل الله يغضب عليه››. وللدعاء أدب، فقد روي أن الرسول عليه السلام كان إذا دعا رفع يديه حتى يرى بياض إبطيه، وروي أيضاً أن الرسول عليه السلام سمع رجلاً يدعو في صلاته فلم يصل عليه، فقال النبي e: ‹‹عجل هذا›› ثم دعاه فقال له ولغيره: ‹‹إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم فليصل على النبي e ثم فليدع بعد بما شاء››. وللدعاء ساعات وأوقات ترجى فيها إجابة الدعاء، فقد قيل للرسول e: أي الدعاء أسمع؟ قال: ‹‹جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات››، وقال: ‹‹أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء ــــــ أن يستجاب لكم››.

والمسلم قوي الرجاء بربه واثق به وبفضله وبرحمته، والرجاء عبادة تصله بربه، قال عليه السلام: ‹‹قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان ولا أبالي››. وقال تعالى ]وارجوا اليوم الآخر[، وقال سبحانه ]فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا[.

والمسلم يكثر من الاستعاذة بالله والاستعانة به، وهما من العبادة التي تقوي النفسية وتدنيه من رضا الله، وقد كان e يكثر من التعوذ من كثير من الشرور والمواقف، وقد روى ابن عباس أن الرسول عليه السلام كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول: ‹‹اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات››. وقال فيما يرويه عن ربه: ‹‹ولئن استعاذني لأعيذنه ولئن استنصرني لأنصرنه››. وقد وردت في السنة استعاذات كثيرة مثل الاستعاذة من الهم والغم والحزن والبخل والشح والكسل والفتن وغلبة الدين وقهر الرجال ومن الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق.

والمسلم يقوي نفسيته بخشية الله، والله يقول ]إنما يخشى الله من عباده العلماء[ ويقول ]اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون[. والرسول e يقول: ‹‹عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله››.

وكذلك تتقوى النفسية بالاستغفار والتوبة، قال تعالى ]استغفروا ربكم إنه كان غفارا[. والرسول e يقول: ‹‹والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة››، وقال: ‹‹سيد الاستغفار أنت تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: من قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة››.

وكذلك الصبر عبادة وأي عبادة، ويكفي أن أذكر بقوله تعالى ]إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب[، ويقول رسوله الكريم وقد سأله سعد عن أشد الناس بلاءً، فقال: ‹‹الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة››.

وحين يقرأ المسلم ما يتعلق بفضل المساجد وصلاة الجماعة ثم يكثر من القيام بذلك توجد لديه الروحانية قوية مؤثرة، استمع إلى الله سبحانه يقول ]إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر[ ويقول في الحديث القدسي: ‹‹إن بيوتي في أرضي المساجد وإن زواري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، وحق على المزور أن يكرم زائره››، وقال الرسول الكريم: ‹‹سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل وشاب نشأ في عبادة ربه ورجل قلبه معلق في المساجد››، وقال: ‹‹بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة››، وقال: ‹‹من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة››. وقال عليه السلام في فضل صلاة الجماعة: ‹‹والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرواً بين حسنتين لشهد العشاء››. وقال: ‹‹صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بسبع وعشرين درجة››، وقال: ‹‹إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لآتوهما ولو حبواً››، وقال: ‹‹من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله››. وقال معاذ بن جبل: ‹‹احتبس عنا رسول الله e ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نترايا عين الشمس، فخرج سريعاً فثوب بالصلاة فصلى رسول الله e وتجوز في صلاته فلما سلم دعا بصوته، قال لنا: على مصافكم كما أنتم، ثم انفتل إلينا وقال: أما إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة، إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي، فنعست في صلاتي حتى استثقلت، فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال: يا محمد، قلت: لبيك ربي، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، قالها ثلاثاً، قال: فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي فتجلى لي كل شيء وعرفت. فقال: يا محمد، قلت: لبيك ربي، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات. قال: ما هنّ؟ قلت: مشي الأقدام إلى الحسنات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء حين الكريهات، قال: فيم؟ قلت: إطعام الطعام ولين الكلام والصلاة بالليل والناس نيام. قال: سل، قلت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت فتنة قوم فتوفني غير مفتون، اسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقرب إلى حبك. قال رسول الله e: إنها حق فادرسوها ثم تعلموها››. رواه الترمذي بسند صحيح.

هكذا ايها الشباب اعتبر الشرع التفكير عبادة، وذكر الله عبادة، والخوف منه ورجاءه عبادة، والاستعانة به والاستعاذة به عبادة، والدعاء مخ العبادة، والإحسان في أداء العبادات والتكاليف عبادة، والصبر والنوافل في الصيام والصلاة عبادة، فإذا أردت أن تكون الناحية الروحية لديك قوية فياضة فأدم صلتك بالله في فكر وقول وعمل، وسير كل ذلك بالإدراك لتحس بالرضا والطمأنينة في حالكات الأيام والمحن والخطوب التي نعيشها وتلفنا لفاً شديداً، كن في حالة طاعة لله دوماً، إعمل بعد الفروض وترك المحرمات سائر الطاعات ولازم العبادة واجبها ونافلتها، واذكر اقوالاً وردت في كل حال: في حال الكرب، وحين السفر أو القدوم منه، وحين الوداع، وعند النزول في أي منزل، وحين القيام من كل مجلس، وعند سماع الديكة والحمير، وعند الخروج من البيوت، وحين ارتداء ملابس جديدة، وحين يهل الهلال، وحين هبوب الريح، ونزول المطر، وعند دخول السوق، وعند عيادة مريض، وعند الخوف من عدو، وحين تقوم بأي عمل صغر أم كبر. وهذا رسولنا وقدوتنا كان يقوم الليل حتى تتورم قدماه، فقيل له: أما قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: ‹‹ألا أكون عبداً شكورا››. ونحن حملة الدعوة أولى المسلمين بأن نفعل المندوبات والطاعات، ونحن أحوج الناس إلى زيادة مذخورنا الروحي والتزود بالتقوى وقد سرنا بحمل الدعوة في طريقها الشاق الشائك ونذرنا أنفسنا لخدمة ديننا وأمتنا وإنهاضها، ونحن ندرك وعورة الطريق ووطأة الأعداء، وليس لنا قدرة على الصمود ومواصلة السير إلا بقوة نفسياتنا وبالقيام بما يقربنا من الله ربنا وخالقنا، فيجب أن تجتمع فينا سمات العابدين المتبتلين إلى جانب صفات المفكرين السياسيين فنجمع بين السياسة والرعاية والعبادة، لنكون كصحابة رسول الله عباداً في الليل وفرساناً وقادة في النهار لنكون كما قال الله ]التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين[.

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
Reply to this topic...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
 Share

×
×
  • Create New...