اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

مقالة: شعوب الأمة والدرس المستفاد من هجرة نبي الأمة


Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

شعوب الأمة والدرس المستفاد من هجرة نبي الأمة

 

لقد شكلت هجرة الرسول ﷺ من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة حدثاً مفصلياً في تاريخ الأمة الإسلامية، وهذا ما جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتخذها تقويماً للمسلمين، فقد كانت انتقالا من الضعف إلى القوة، ومن الملاحقة والاضطهاد إلى التمكين، وكانت بداية لأول دولة في الإسلام بناها رسول الله ﷺ.

 

واليوم وبعد أن مرت القرون على هجرة الرسول ﷺ، نتذكر تلك الأيام الفاصلة بين الحق والباطل، نتذكرها في ظل الأحداث الجسام والأوضاع الصعبة التي تحياها الأمة الإسلامية في أفغانستان وميانمار والهند ومصر وسوريا وفلسطين وتونس وتركستان الشرقية والسودان...إلخ، نتذكرها ونحن نتساءل: أما آن لنا نأخذ الدرس من هجرة رسول الله ﷺ؟!

 

صحيح أن الأمة الإسلامية اليوم في حالة تمزق وذلٍ وتخلُّف، ولكنّها بحق تستطيع أن تكون قائدة للعالم. الأمة الإسلامية عندها الرسالة الإلهية التي أنزلها الله لتكون نور الهداية للبشرية، وعندها تاريخ المسلمين الذين ظلوا الدولة الأولى في العالم من أيام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى نهاية الخلافة العثمانية، وقد أودع الله في أرضها ثروات عظيمة يحتاج العالم كله إليها، وهي موجودة في بقعة استراتيجية من الأرض تشكل واسطة العقد بين القارات، وفيها من الطاقة البشرية ما يكفي لإنجاز أضخم المشروعات. ومع كل هذه الميزات نرى شرذمة من اليهود يغتصبون أرض الإسراء والمعراج ويقتلون الناس ويعيثون في الأرض الفساد، وحكام المسلمين أعماهم الذل وأفقدهم الإحساس. والكافر المستعمر يحتل بلاد المسلمين ويهينهم ويضللهم، وحكام المسلمين عنده أذل من العبيد.

 

كان أول شيء فعله الرسول ﷺ بعد وصوله إلى المدينة أن أسس المسجد، ليكون المكان الذي تدار منه الدولة الناشئة، فضلا عن كونه مكان صلاة المؤمنين، ثم قام النبي ﷺ بكتابة وثيقة المدينة التي تشكل أول دستور مكتوب للدولة.

 

فالهجرة كانت بحق حدثاً مفصليا في تاريخ الأمة أسس لها دولة كانت النواة لأعظم دولة في التاريخ، وبعد وفاة رسول الله ﷺ، أي خلال فترة الخلافة الراشدة، زحفت قوة الإسلام باضطراد خارج حدود شبه الجزيرة العربية، ثم عم سلطان الإسلام ما يقرب من ثلثي العالم. لم يحكم الإسلام شبه الجزيرة العربية وجميع أنحاء الشرق الأوسط فحسب، بل امتد إلى أفريقيا وآسيا الوسطى أيضاً، وتغلغل في قلب أوروبا، وفوق ذلك تركز سلطان الإسلام في الأندلس بإسبانيا.

 

أما اليوم فلقد آن أوان تحول شعوب الأمة الإسلامية من النظام الرأسمالي المقيت إلى النظام المبارك الذي أنزله الله سبحانه وتعالى.

 

فالهجرة الحقيقية في الوقت الحالي تعني التحرك نحو تطبيق الشريعة، لأن هذه كانت الخطوة التي قام بها رسول الله ﷺ، وهي الهجرة من مكة التي يحكمها نظام الجاهلية إلى دولة المدينة التي يحكمها نظام الإسلام.

 

ولعل النص الأول في وثيقة المدينة يوضح بما لا يدع مجالا للشك بأنها تؤسس لدولة قوامها المهاجرون والأنصار ومن تبعهم فلحق بهم، إذ هم وحدهم أمة واحدة من دون الناس، فالبند الأول يقول: (هذا كتاب من محمد النبي (رسول الله) بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس). ثم يبين أحد أهم نصوص الوثيقة أن المرجع الوحيد بل والسيادة المطلقة في هذه الدولة هي لشرع الله سبحانه وتعالى، إذ تنص على: (وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله، وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره)... لقد شكلت هذه الوثيقة الأساس المتين الذي تقوم عليه الدولة الناشئة، فكانت بحق أعظم دستور لأعظم دولة.

 

لقد كانت الهجرة إيذانا ببدء مرحلة جديدة، الإسلام فيها ممكَّن له في دولة قوية ذات شوكة، دولة تطبق الإسلام في الداخل وتحمله إلى الخارج بالدعوة والجهاد، وبها انتهت مرحلة كان المسلمون فيها مستضعفين، يستخفون بدينهم، يُقهرون ويعذبون ويفتنون عن دينهم، ويحاصرون في شعب أبي طالب، وتروّج ضدهم وضد دينهم الجديد الدعايات المضللة والأخبار الكاذبة... وبرغم كل ذلك كانت مرحلة مكة بكل صعابها ومعاناتها هي التي بُنيت فيها شخصيات الصحابة رضوان الله عليهم، فكانت عقلياتهم عقليات إسلامية ونفسياتهم نفسيات إسلامية، وكانوا بحق أفضل الخلق بعد الأنبياء والرسل، وكان الصراع الفكري والكفاح السياسي الذي خاضه الرسول الكريم وصحابته في مكة هو الذي صقل شخصياتهم وجعل منهم رجال دولة بحق قامت على أكتافهم دولة الإسلام الأولى، ولأهمية ذلك لم يكتف النبي ﷺ بإيمان ذلك النفر الذين بايعوه بيعة العقبة الأولى، بل أرسل لهم مصعب بن عمير مقرئاً يقرئهم القرآن، ويعلمهم أحكام دينهم الجديد، ويصقلهم بها، وكان يدعو كذلك غير المسلمين للإسلام، ومن ثم يعمل على بناء شخصية من يؤمن بالإسلام بناءً قويا متينا ليجعل منهم شخصيات إسلامية فريدة في التاريخ، ومن هنا ساهم الأنصار مع المهاجرين في بناء الدولة الإسلامية الأولى مع رسول الله ﷺ، فشكلوا الأرضية الصالحة الخصبة لقيام دولة ما عرف العرب حينها نظيرا لها، ثم ما لبثت أن فاجأت العالم بقطبيه الفرس والروم، فهزت عروشهما هزا عنيفا، وما هي إلا سنوات قليلة حتى أصبحت تلك الدولة هي الدولة الأولى في العالم.

 

فهل يعي المسلمون اليوم أن الهجرة كانت فاتحةَ عز وكرامة... ومجد ورفعة... وأن هدفها كان إقامةَ دولة تورف ظلالُها على المسلمين فتحميهم وترعاهم وتقودهم إلى سعادة الدارين؟!

 

هذا المفهوم للهجرة هو الذي يجب أن يسود في الأمة وهي تحيي هذه الذكرى التليدة... لتكون حافزا لها لإعادة بناء الصرح الذي بناه المهاجرون جنباً إلى جنب مع إخوانهم الأنصار، فعزوا جميعاً وسادوا وملأوا الأرض نوراً وعدلا، استنصر بهم الضعفاء فلبوا... واعتدى عليهم الباغون فأُدّبوا... دانت لهم الدنيا فبنوا وعمروا، جربوا فاخترعوا وطوروا وصنعوا، بحثوا ونقبوا فاكتشفوا وقدموا للإنسانية ما لم تحلم به من الأفكار والعلوم والمعارف،... وإن عودة دولة الإسلام؛ الخلافة لتؤذن بعودة ذلك المجد التليد والعز الأكيد للمسلمين وعودة الطمأنينة والأمان للبشرية جمعاء.

 

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الأستاذ خبيب كرباكة

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...