صوت الخلافة Posted February 22, 2021 Report Share Posted February 22, 2021 بسم الله الرحمن الرحيم أمة الوسط أمة الخير ستعود إلى تاج فروضها الخلافة هذا وعد الله سبحانه وبشرى رسوله ﷺ http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/73632.html قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لتَكونوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ وَيَكونَ الرَّسولُ عَلَيْكُمْ شَهيداً﴾ وقال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾. أسألك يا ربنا أن تعاملنا بما أنت أهله، وأن لا تعامِلنا بما نحن أهله، أنت أهل التقوى وأهل المغفرة، اللهم ألّف على طاعتك قلوبنا، ووحد في سبيلك صفنا، وأنزل السكينة علينا، وأورثنا الأرض نتبوأ منها حيث نشاء، آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين. اللهم بلطفك وبرحمتك ائذن لنا بخلافة راشدة على منهاج النبوّة وبنصرٍ عزيزٍ مؤزّر يُعزّ فيه أهل طاعتك ويُذلّ فيه أهل معصيتك، اللهم بعزّتك وسيف نقمتك انصرنا على أعدائنا واشفِ صدور قوم مؤمنين، أما بعد. جرت سنة الله في التغيير على أيدي الأنبياء الكرام عليهم السلام أن يُرسَلوا إلى أقوامهم، يدعونَهم إلى التوحيد وخلع كل أشكال الشركِ والكفر، وكان نبيّنا المصطفى الأسوة عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم خاتمَ الأنبياء والمرسلين، فعَمِل بسُنةِ مَن سبقه مِن الأنبياء بدعوة الناس إلى التوحيد وطالبَ أَتباعَهُ بل صاغهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأعدهم ليكونوا ربانيّين، وكما قال المفسرون رحمهمُ الله كالإمام القرطبي: "ربانيّين أي عالمين بالحلال والحرام، آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، يعلمون ما يجري حولهم ويُحذّرون أمتهم من أي خطر يُحدِقُ بهم"، "والرباني الذي يجمع إلى العلم البصر بالسياسة مأخوذ من قول العرب رَبَّ أمر الناس يربه إذا أصلحه وقام به فهو راب ورباني". قاله النحاس. فالخطاب بمعنى كونوا سياسيّين، وهكذا ينطبق وصف سياسيّين على وصف ربانيّين، إذ إنّ الذي يسوس الرعية هو الذي يأمرها وينهاها ويرعى شؤونَها لما فيه خيرُها ويحيط بما حولها من أخطار فيحذّر أمته منها. فقام صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإعداد كتلةٍ سياسيةٍ ربانيّة كان أفرادها رضي الله تعالى عنهم مصاحفَ تسيرُ على الأرض، صَقَلَ شخصياتِهم بالإسلام، فكانت عقلياتُهم عقلياتٍ إسلامية تفكر وتخطط وتقيس الأمور بمقياس الإسلام، وكانت نفسياتُهم نفسياتٍ إسلامية تُحب لله وتُبغض لله، ترضى برضا الله وتغضب لما يغضب الله، فكانوا خيرَ أمّةٍ أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهَون عن المنكر ويؤمنون بالله. وعلى أكتافهم قامت دولة الإسلام الأولى، وقد تعاهدها هؤلاء الكرام بعد النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن تبعهم رضي الله عنهم يسوسون الناس بالقرآن والسنة ومقياس أعمالهم الحلال والحرام، وغاية غاياتهم رضوان الله عز وجلّ، وطريقة حملِهمُ الإسلامَ للناس هي الدعوة والجهاد. نعم لقد منّ الله على هذه الأمة بهذا الدين العظيم وأخرجها به من الظلمات إلى النور وأعزها وأكرمها وجعل منها خير أمة أخرجت للناس، وكانت بحملها لهذا الدين حملاً صحيحاً سيدة الدنيا لما يزيد عن ثلاثة عشر قرناً من الزمان، انتشرت جيوشها شرقاً وغرباً لتزيل العوائق والحواجز المادية التي تحول بين الأمم الأخرى وبين هذا الخير، ففتحت البلاد ونشرت الخير والعدل بين العباد، وأزالت ملك الأكاسرة، وقهرت جبروت القياصرة، وأزالت ممالك وعروشاً، وصهرت بلاداً وشعوباً في جسمها فصارت جزءاً منها لا يتجزأ، انتزعتها من بين أنياب الغرب الذي كان يفترسها ويلتهم خيراتها، فحرَّرت الشعوب وأعادت إليهم خيراتهم وثرواتهم. وظل الصراع بين الأمة والغرب لقرون كانت الغلبة فيها للأمة التي ظلت مرتبطة بدينها تجعل منه أساساً لتفكيرها، وتجعل من أحكامه الشرعية حلولاً لمشكلات حياتها، وقوانين تسيِّر بها حياتها، فلم تكن قوة على الأرض تستطيع مغالبتها؛ فهي أمة تحركها عقيدة لو استعرضت للجبال لأزالتها، وهو ما ترجمته بشكل عملي بطولات الصحابة والتابعين وجيوش الأمة حتى آخر سلاطين المسلمين. أدرك الغرب، على مدار قرون، صراعه مع الإسلام ودولته أنه لن يستطيع التغلب على الأمة طالما بقيت على رباط بالعقيدة والأحكام الشرعية، فعمل على الفصل بين الأمة وبين عقيدتها، وعمل جاهداً على هدم الدولة التي ترسخ لهذه العقيدة وتحميها وتحملها للعالم وتطبق الإسلام وتلزم الناس به وبأحكامه؛ حتى يستطيع التغلب على هذه الأمة. نعم فقد كانت بعثة المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه رسولاً لا لقومه دون سواهم، بل للناس كافة، أبيضهم وأحمرهم، عربيهم وأعجميهم، قال تعالى: ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلّا كافَّةً لِلنّاسِ بَشيراً وَنَذيراً﴾، فجاء برسالة الإسلام العظيم دين الله الأوحد؛ ليخرج الناس من ظلمات طواغيت الأرض إلى نور الإسلام وهدايته، فحمل رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه دعوة الإسلام إلى قومه في مكة المكرمة كنقطة انطلاق، ثم أنشأ المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة، وأقام دولة الإسلام التي حملت دعوة الله باللسان والسنان حتى دانت العرب لأمر الله طوعاً وكرهاً، وكَوَّنَ أُمةً من دون الناس وصفها الله سبحانه في كتابه بالأمة الوسط: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾، ووصفها بخير الأمم في قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾، وَأَكد الرسول عليه الصلاة والسلام على خيريتها هذه بقوله فيما رواه البخاري: (باب ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾ - حدّثنا محمّد بن يوسف، عن سفيان، عن ميسرة، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس، قال: «خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ، تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ، حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ»). [صحيح البخاري]. ثم انتقل رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه إلى الرفيق الأعلى من بعد أن أدى الأمانة ودخل الناس في دين الله أفواجاً، لِتنتقل أمانة حمل رسالة الإسلام من بعده لأُمَّتِه الأمة الإسلامية، أي أن أمانة تبليغ رسالة الإسلام أصبحت في أعناق المسلمين، وبذلك نالوا شرف الخيرية والشهادة على الناس، فإن تنكبوا وقصروا في حملها وتبليغها تحملوا وِزر تقصيرهم وأثموا. ويبقى السؤال الآن: هل ما زال المسلمون خير أمة أخرجت للناس؟ وهل انتفت عنهم صفة الخيريةِ والشهادة على الأمم من بعد أن استدار الزمان عليهم، وتداعت عليهم الأمم تنهش لحومهم وتنتهك حرماتهم وتنهب ثرواتهم، بل وتعطل العمل بأحكام دينهم؟ ولكي لا نخرج عن الموضوع قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهيِداً﴾، جاء في كتاب (التيسير في أصول التفسير/ للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير حفظه الله): "الوسط في كلام العرب: الخيار والخيار من الناس عدولهم. جاءَ في لسان العرب: إن أوسط الشيء أفضله وخياره، فوسط المرعى خير من طرفيه، ومنه الحديث: "خيار الأمور أوسطها" [رواه البيهقي 3/273 والقرطبي 2/154] وجاء فيه كذلك في معنى قوله سبحانه: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾ أي عدلاً، ويضيف صاحب اللسان قائلاً: هذا تفسير الوسط، وحقيقة معناه، فإنه سبحانه تفضَّل على أمة محمد بأن جعلها أمةً وسطاً بين الأمم؛ لتكونَ شاهدةً على الناس، فجعلها الله سبحانه بهذا الوصف "الأمة الوسط" أي الأمة العدل؛ لتكونَ مؤهلةً للشهادةِ على الناس حيث إن العدالةَ هي الشرط الأساس للشهادة؛ وعليه يكون معنى الآية: إن الأمةَ الإسلاميةَ ستكون شاهد عدلٍ على الأمم الأخرى، على أنها بلَّغتهم الإسلام. والآية، وإن جاءت بصيغة الإخبار؛ إلا أنها في معنى الطلب من الله سبحانه للأمة الإسلامية أن تُبلِّغَ الإسلام لغيرها من الِأمم وإن لم تفعل أثِمت، فهي حجةٌ على الأمم الأخرى ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ كما أن الرسول حُجةٌ على الأمةِ الإسلامية بسبب تبليغه إياها الإسلام ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾. هذا من وجه أن الأمة الإسلامية شاهد عدلٍ على الأمم الأخرى بعد الإسلام من حيث تبليغها للإسلام لتِلكَ الأمم، ومن وجه آخر فهي شاهد عدلٍ على الأمم الأخرى قبل الإسلام، من حيث تبليغ الرسل السابقين رسالات ربهم لأقوامهم، كما جاء في الحديث: «يَجِيءُ النَّبِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ الرَّجُلُ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلَانِ، وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: لَا. فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ قَوْمَكَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ. فَيُدْعَى مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَ هَذَا قَوْمَهُ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُقَالُ: وَمَا عِلْمُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جَاءَنَا نَبِيُّنَا فَأَخْبَرَنَا أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا؟ فَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهيِداً﴾» فالأمة الإسلامية شاهد عدل على الأمم الأخرى بعد الإسلام وقبل الإسلام على النحو الذي بينَّاه..." [انتهى الاقتباس من كتاب التيسير] وأما في الآية الثانية من سورة آل عمران في قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرونَ بِالْمَعْروفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنونَ بِاللَّهِ﴾، فقد جاءت أيضاً بعد حديثٍ طويل عن أهل الكتاب؛ حيث نهى الله المسلمين أن يطيعوا الكافرين، ودعاهم إلى الاعتصام بحبله فلا يحذوا حذو أهل الكتاب؛ فجاءت الآية مُصرحةً بخيرية أمة الإسلام على الأمم كلها، قال عكرمة ومقاتل: "نزلت في ابن مسعود وأُبيِّ بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة، رضي الله عنهم؛ وذلك أن مالك بن الصيف ووهب بن يهودا اليهوديين قالا لهم: نحن أفضل منكم، وديننا خير مما تدعوننا إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية". قال أبو هريرة: "معناه كنتم خير الناس، تجيئون بهم في السلاسل فتدخلونهم في الإسلام" قال قتادة: "هم أمة محمد ﷺ، لم يؤمر نبي قبله بالقتال، فهم يقاتلون الكفار فيدخلونهم في دينهم؛ فهم خير أمة للناس". روى الترمذي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله ﷺ يقول في قوله تعالى: ﴿كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ﴾ قال: "أنتم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها عند الله". وقال: هذا حديث حسن، قال ابن كثير: "يعني خير النَّاس للنّاس، والمعنى: أنَّهم خير الأمم وأنفع النَّاس للنَّاس". نعم أيها الإخوة، إن خيرية أمة الإسلام مستقرة مستمرة لهذه الأمة ما دامت الحياة؛ لأن وصف الله تعالى لها بالخيرية والشهادة على الناس وصف شرعي دلَّ عليه النص دلالة قطعية، فقد ثبتت بدليل قطعي في ثبوته، قطعي في دلالته. فالأمة الإسلامية خير الأمم، وهي الأمة الوسط، أي شاهدة عدل على الناس منذ أن بنى رسول الله، صلوات ربي وسلامه عليه، النواة الأولى لهذه الأمة، وإلى يومنا هذا وحتى تقوم الساعة، ولا يقدح في خيريتها هذه وشهادتها تلك ما نزل بالأمة من فتن وبلايا أبعدتها عن مستواها كأمة صاحبة رسالة عالمية خالدة مُكلفة بتبليغها، بعد هدم الخلافة الإسلامية مطلع القرن الماضي، ودليل ذلك أن وصف الأمة بالخيرية وصف شرعي غير معلل وغير مشروط حيث لا مجال للعقل أن يخوض فيه، وهو بهذا الوصف حكم توقيفي، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن النصوص التي تناولت مسألة الخيرية والشهادة على الناس من الآيات والأحاديث، جاءت بألفاظ عامة مستغرقة لعموم أفراد المسلمين من غير مخصِّص يُخصصها في جيل من الأجيال، وكذلك جاءت بألفاظ مطلقة غير مقيدة بزمان ومكان معينين، فقوله: ﴿كُنتُم﴾ وقوله ﴿وَجَعلناكُم﴾ ألفاظ تدل على العموم، وفي هذا المعنى يقول ابن عاشور في تفسيره: "والمراد بأمَّة عمومُ الأمم كلّها على ما هو المعروف في إضافة أفعل التفضيل إلى النكرة أن تكون للجنس فتفيد الاستغراق". أي إنَّ إضافة اسم التفضيل ﴿خيرَ﴾ إلى اسم الجنس ﴿أمة﴾ يفيد الاستغراق، أي استغراق عموم المسلمين في كل مكان وزمان، وكل ما ورد من نصوص تناولت هذه المسألة، من آيات وأحاديث، جاء دالاً على تفاضل بين الأزمنة والأمكنة والأجيال بعضها على بعض. إذاً لا بد أن نعلم ويعلم الجميع أن الله تعالى بين لنا الغاية من خلق الناس في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهيِداً﴾ [البقرة: 143] وهذا خطاب للأمة الإسلامية وتكليف لها لتحمل الرسالة بعد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى سائر الناس، وقد حَمَّلها إياها النبي بعد أن بلّغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق الجهاد. وقف ﷺ في حجة الوداع يخاطب الأمة قائلاً: «... وَإِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابَ اللَّهِ، وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. ثُمَّ قَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُبُهَا إِلَى النَّاسِ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ...» (رواه أبو داود). وهكذا شهد علينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالبلاغ وتحميل الأمانة وأشهد الله علينا، وعلينا بعد ذلك أن نشهد على الناس بالطريقة نفسها كما فعل الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه. وقد بَيَّن الله تعالى أن هذه هي الغاية من الخلق قبل خلق آدم عليه السلام. قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 30] فالملائكة عباد لله لا يعصونه ﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6] وعندما قال الله لهم: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ الآية أدركوا أنه تعالى سيجعل فيها من يعصي وذلك من لفظ (خليفة)، لأن لفظ خليفة هنا بمعنى من يستخلفه الله أي من يوكله ليقوم بأعمال التقويم والرعاية وغير ذلك مما يقوم به المستخلَف على أمر ما، فإذا كان ثَمَّ دور لأحد ما بالتقويم والرعاية، فهذا يعني أن ثَمَّ من يحتاج إلى هذا التقويم وهذه الرعاية، وهذا يعني أنه سيحصل خروج على أمر الله، وهذا ما يؤدي إلى الشقاء والضنك والهرج، ولذلك قالوا: ﴿قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾ وبتعبير آخر، إذا كان الكون ليس فيه مَن أو ما يعصي فكل شيء يسير بأمر الله. فإذا أراد الله خلق من يقوم بعمل التقويم والهداية، فهذا يعني أنه سيكون هناك من يختار الضلال ويعصي الله. ولذلك فإن الغاية في الحياة والتي بينها تعالى قبل خلق آدم هي أن يكون الإنسان عبداً لله وأن يقوم بتعبيد الآخرين لله، ممن يضِل عن هذه العبادة أو يرفضها. والآن لا بد أن نعلم ويعلم الجميع أن رسول الله ﷺ رسول إلى العالم أجمع. فهل وصل الإسلام الذي جاء به نبينا محمد ﷺ إلى الناس أجمعين؟ أم نحن المسئولون في تبليغ هذا الدين ولا يكون تبليغ هذا الدين إلا بإقامة الدولة الإسلامية؟ قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً﴾ [الأعراف: 158]. وقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً﴾ [سبأ: 28]. وقال: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 33، والصف: 9]. وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 123]. وقال: ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: 29]. وقال ﷺ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (متفق عليه). وهكذا يُكرَه الكافرون على الخضوع لسلطان الإسلام ولسيادة شريعته وإن كانوا لا يكرهون على دخول الإسلام لقوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]. فالغاية أن لا قانون يطاع ولا تشريع يؤخذ إلا ما أمر به الله ولا حاكم إلا الله. وما يترك عليه بعض الكفار من اعتقاد وعبادة فبأمر من الله تُركوا عليه. وبالأخير يجب علينا أن نذكِّرَ أنفسنَا دائماً بمن أفنى حياتَه ونَذَرَ نفسَهُ من أجلِنا، إنه نبيُّنا الكريمُ الذي ضَحَّى بكلِّ ما يملكُ ليُخْرِجَنَا من ظُلُماتِ الجَهْلِ والوَهْمِ إلى نورِ الإسلامِ والعِلْم، فتلك الطريقُ قد رَوَتْها دماءٌ كثيرةٌ حتى وصلَ الإسلامُ إلينا، فهل ندركُ ونحفظُ ما نحنُ فيه من نعمةٍ وخيرٍ عظيم؟ لا بُدَّ لنا من الثباتِ على الحقِّ وتبليغ الناس هذا الدين والتضحيةِ بالغالي والنفيسِ في سبيلِ إقامة الدولة الإسلامية. ومن تَرَكَ شيئاً للهِ عَوَّضهُ اللهُ خيراً منه. وإذا أُمِرْنا بأَمْرٍ أو اضطُرِرْنا للتَّضْحِيَةِ بأنفُسِنَا أو وَقْتِنا أو مالِنا في سبيلِ استعادةِ الحكمِ بما أنزلَ الله؛ فيجبُ علينا ألا نُؤَجِّلَ أعمالَ الدعوة، بل الأصلُ أن لا نفكِّرَ: هل نقومُ بهذا العملِ أم لا، فالأمرُ لا يحتملُ التأجيلَ ولا يقبلُ التفكير؛ لأنه فرضٌ، بل هو تاجُ الفروض، وثمنُهُ غالٍ. إنَّه الفِرْدَوْس، فهل نُضَحِّي بالفِرْدَوْسِ، أم نُضَحِّي لِأَجْلِ الفِرْدَوْس؟! نسأل الله أن ينفعنا بما نسمع، وأن لا يجعل ذلك حجة علينا، كما نسأله تبارك وتعالى أن لا يمقتنا، ونسأله تبارك وتعالى أن يتجاوز عنا، وأن يعفو عنا، وأن يجعل ما نقول عظة لنا وسبيلاً إلى صلاح قلوبنا وأحوالنا وأعمالنا. قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ [فصلت: 30-31] #أقيموا_الخلافة #ReturnTheKhilafah #YenidenHilafet #خلافت_کو_قائم_کرو كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير الأستاذ عبد الله الزيلعي – ولاية اليمن Quote Link to comment Share on other sites More sharing options...
Recommended Posts
Join the conversation
You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.