اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

أدب المناظرة


ابو الحسن

Recommended Posts

للكاتب الاديب مصطفى لطفي المنفلوطي

 

أنا لا اقول الا ما اعتقد ولا اعتقد الاّ ما اسمع صداه من جوانب نفسي فربما خالفت الناس في اشياء يعلمون منها غير

 

ما أعلم ومعذرتي اليهم في ذلك ان الحق اولى بالمجاملة منه وانا في رأسي عقلاً اجله عن ان انزل به الى ان يكون

 

سيقة للعقول وريشة في مهاب الاغراض والأهواء .

 

فهل يجمل بعد ذلك بأحد من الناس ان يرميني بجارحة من القول او صاعقة من الغضب لأني خالفت رأيه او ذهبت غير

 

مذهبه او ان يرى ان له من الحق في حملي على مذهبة اكثر مما يكون لي من الحق في حمله على مذهبي .

 

لا بأس ان يؤيد الانسان مذهبه بالحجة والبرهان ولا بأس ان ينقض ادلة خصمه ويزيفها مما يعتقد انه مبطل لها

 

ولا ملامة عليه في ان يتذرع بكل ما يعرف من الوسائل الى نشر الحقيقة التي يعتقدها الا وسيلة واحدة لا احبها

 

له ولا اعتقد انها تنفعه او تغني عنه شيئاً وهي وسيلة الشتم والسباب .

 

ان لاخلاص المتكلم تأثيراً عظيماً في قوة حجته وحلول كلامه المحل الاعظم في القلوب والأفهام والشاتم يعلم

 

عنه الناس جميعاً انه غير مختص فيما يقول فعبثاً يحاول ان يحمل الناس على رأيه او يقنعم بصدقه وان كان

 

اصدق الصادقين .

 

اتدري لم يسب الانسان مناظره؟ لانه جاهل وعاجز معاً أما جهله فلأنه يذهب في واد غير وادي مناظره وهو يظن

 

انه في واديه ولأنه ينتقل من موضوع المناظرة الى البحث في شؤون المناظر واطواره وصفاته وطبائعه كأن كل

 

مبحث عنده مبحث((فسيولوجي)) وما اعجزه فلأنه لو عرف الى مناظره سبيلاً غير هذا السبيل لسلكه وكفى

 

نفسه مؤونة أزدراء الناس اياه وحماها الدخول في مأذق هو فيه من الخاسرين محقاً كان ام مبطلاً .

 

لا يجوز بحال من الاحوال ان يكون الغرض من المناظرة شيئاً غير خدمة الحقيقة وتأييدها واحسب ان لو سلك الكاتب

 

هذا المسلك في مباحثهم لاتفقوا على مسائل كثيرة هم لا يذالون مختلفين فيها حتى اليوم وما ختلفو فيها الا

 

لأنهم فيما بينهم مختلفون . يسمع احدهم الكلمة من صاحبه ويعتقد انها كلمة حق لا ريب فيها ولكنه يبغضه

 

فيبغض الحق من اجله فينهض للرد عليه بحجج واهية واساليب ضعيفة وان كان هو قوياً في ذاته لان القلم

 

لا يقوى الا اذا ستمدّ قوته من القلب فاذا جئ بالحجج والبراهين لجأ الا المراوغة والمهاترة فيقول لمناظره مثلاً:

 

انك جاهل لا يعتدت برأيك او انك مضطرب الرأي لا ثبات لك تقول اليوم غير ما قلت بالأمس وهنالك يقول له الناس :

 

رويداً لا تخلط في كلامك ولا تراوغ في مناظرتك ولا شأن لك بعلم صاحبك او جهله فانه يقول شيئاً فان كان صحيحا

 

فسلم به او باطلا فبين لنا وجه بطلانه وهبه قولاً لاتعلم قائله ولا شأن لك باضطراب صاحبه وثباته فربما كان

 

بالأمس على رأي تبين له خطؤه اليوم والمرء يخطيء مره ويصيب فاذا ضاق بمناظره وبالناس ذرعاً فرّ الى اضعف

 

الوسائل وأوهنها فسب مناظره وشتمه وذهب في التمثيل به كل مذهب فيسجل على نفسه الفرار من تلك

 

المعركه والخذلان في ذلك الميدان .

 

على ان اكثر الناس متفقون على ما يظنون أنهم مختلفون فيه فان لكل شئ جهتين : جهة مدح وجهة ذم فاما ان

 

تتساويا او تكبر احدهما الأخرى فان كان الاول فلا معنى للاختلاف وان كان الثاني وجب على المختلفين ان يعترف

 

كل منهما لصاحبه ببعض الحق لا ان يكون كل منهما من سلسلة الخلاف في طرفها الاخير .

 

كان يقع بين ملك من الملوك ووزيره خلاف في مسائل كثيرة حتى يشتد النزاع بينهما وحتى لا يسلس أحدهما

 

لصاحبه في طرف مما يخالفه فيه فحضر حوارهما احد الحكماء في احدا الليالي وهما يتناظران في المرأة يعلو بها

 

الملك الى مصاف الملائكه ويهبط بها الوزير الى منزلة الشياطين ويسرد كل منهما على مذهبه أدلته فلما علا

 

صوتهما واشتد لجاجهما خرج ذلك الحكيم وغاب عن المجلس ساعة ثم عاد وبين أثوابه لوح على احد وجهيه صورة

 

فتاة حسناء وعلى الآخر صورة عجوز شوهاء فقطع عليهما حديثهما وقال لهما :أحب أن أعرض عليكما هذه الصورة

 

ليعطيني كل منكما رأيه فيها ثم عرض على الملك صورة الفتاة الحسناء فامتدحها ورجع الى مكان الوزير وقد قلب

 

اللوح خلسة من حيث لا يشعر واحد منهما بما يفعل وعرض عليه صورة العجوز الشمطاء فاستعاذ بالله من رؤيتها

 

وأخذ يذمها ذما قبيحاً فهاج غيظ الملك على الوزير وأخذ يرميه بالجهل وفساد الذوق وقد ظن انه يذم الصورة

 

التي رآها هو . فلما عادا الى مثل ما كانا عليه من الخلاف الشديد استوقفهما الحكيم وأراهما اللوح من جهتيه

 

فسكن ثأئرهما وضحكا ضحكاً كثيراً ثم قال لهما : هذا ما انتما فيه منذ الليلة وما أحضرت اليكما هذا اللوح الا

 

لأضربه لكما مثلاً لتعلما انكما متفقان في جميع ما كنتما تختلفان فيه لو انكما تنظران الى المسائل التي تختلفان

 

فيها من جهتيهما فشكرا له همته واثنيا على فضله وحكمته وانتفعا بحيلته انتفاعاً كثيراً فما كانا يختلفان بعد ذلك

 

الا قليلاً .

 

 

 

من كتاب النظرات للمنفلوطي

 

 

التعليق :

 

يحضرني بعض السجالات السياسية بين بعض اعضاء العقاب وخلافاتهم تشبه لوحة الحكيم

 

فيحاول احدهم تقديم تحليلاً سياسياً موضوعياً ليرد الآخر بما معناه ان النصر من عند الله

 

وهل يكون المسلم مسلماً مالم يعتقد ان النصر من عند الله

 

 

ان الوجه الجميل في اللوحة يمثل قوله تعالى:

 

 

((وما النصر الا من عند الله))

 

 

 

وان الحمد لله رب العالمين .

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...