اذهب الي المحتوي
منتدى العقاب

Recommended Posts

مظاهر الانحطاط الأمريكي

هناك مؤشرات متعددة على الانحطاط الأمريكي، نشير إلى بعضها:

العنف:

في شهر مارس الماضي استيقط المجتمع الأمريكي على جريمة بشعة راح ضحيتها أربعة من التلاميذ ومُدَرّسة، وجرح أربعة عشر تلميذاً آخرون ومدرّسة، وكان بعضهم في حالة خطرة، نفذ الجريمة طالبان في مدرسة (ويست سايد) المتوسطة في بلدة (جونسبورو) بولاية (أركنساو) التي كان الرئيس الأمريكي حاكماً لها، وكان عمر أحد التلميذين أحد عشر عاماً والآخر ثلاثة عشر عاماً، وقد نفذا جريمتهما بعد تخطيط وتصميم وتهديد مسبق لزملائهما، واستخدم التلميذان في جريمتهما أسلحة رشاشة وأسلحة أخرى بلغ عددها تسع قطع، وكانا يرتديان ثياباً أعدوها للتمويه ومن ثم: قرعا جرس الطوارئ في المدرسة، فهرع الطلاب والمدرسون إلى الخارج حيث كان التلميذان يختبئان في ساحة قريبة وأطلقا النار عشوائياً على التلاميذ والمدرسين، ثم استسلما بعد خمس دقائق، وقال (كلينتون) إنها الجريمة الثالثة التي يقوم بها تلاميذ صغار خلال الأشهر القليلة الماضية. وجاءت الجريمة بعد أسبوع من نشر البيت الأبيض لدراسة قالت: (إن مدرسة من بين كل عشرة مدارس أمريكية شهدت أعمال عنف خطيرة العام الماضي)(10).

وفتحت هذه الحادثة المروعة ملف العنف في أمريكا؛ حيث قدم مشروع قانون لمجلس الشيوخ والكونجرس يطلق عليه: (قانون أمريكا بعد الدوام المدرسي)، وهذا القانون يشير إلى أن هناك حوالي خمسة ملايين تلميذ نسبة كبيرة منهم في سن الثامنة والتاسعة يقضون معظم أوقاتهم بعد الدوام المدرسي وحدهم، وهم بحاجة إلى المساعدة لإبعادهم عن مصادر المشاكل وإشغالهم بما هو مفيد، وذكرت دراسة البيت الأبيض السابقة (أن الوقت الطويل الذي يقضيه التلاميذ في مشاهدة التلفزيون وما يقدمه من أفلام ومسلسلات عنف يلعب دوراً رئيساً في انتشار العنف بينهم خصوصاً الصغار منهم) (11).

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن عدد قطع الأسلحة المنتشرة بين أيدي الأمريكيين تبلغ حوالي 200 مليون قطعة بين مسدس وبندقية، أي بمعدل قطعة سلاح لكل أمريكي رجل أو امرأة باستثناء الأطفال، وفي عام 1996 استخدم السلاح في ارتكاب 9390 جريمة قتل في أمريكا بينما لم تُرتكب سوى 30 جريمة مسلحة في بريطانيا، و15 جريمة مسلحة في اليابان، وتزيد نسبة ارتكاب الجريمة بين الأطفال دون سن الخامسة عشرة أكثر 16 مرة في أمريكا عما هي عليه في 25 دولة صناعية مجتمعة، وكل عام تشهد أمريكا 135 ألف جريمة قتل أو انتحار أو حادث مسلح(12). وتجارة السلاح مباحة في الولايات المتحدة باعتبارها تعبيراً عن الحرية وحق الإنسان في الدفاع عن نفسه؛ لكن الحقيقة هي أن لوبي صناعة السلاح هو الذي يقف وراء فلسفة الترويج لحق الإنسان في امتلاك السلاح للدفاع عن نفسه وأمنه. وفي الواقع فإن انتشار الأسلحة وتفجر العنف داخل الولايات المتحدة الأمريكية هو جزء من ثقافة العنف التي قامت على أساسها الحضارة الغربية وارتبطت بسحق الآخر وقتله، بيد أن تغلغل العنف في عصب النفسية الأمريكية يجعله لا يستخدمه ضد الآخر فقط، وإنما يستخدمه ضد مواطن مجتمعه أيضاً، إنها شهوة ممارسة العنف النابعة من الثقافة الغربية اليهودية الصليبية التي يعد العنف أحد أبرز تجلياتها.

التطرف:

أحد التحديات التي تواجه الأمن القومي الأمريكي احتمال تصنيع المتطرفين الأمريكان لأسلحة (بيولوجية) يستخدمونها ضد المراكز الحيوية والاستراتيجية في أمريكا، وكان المجتمع الأمريكي يظن أن التطرف يأتي من العالم العربي والإسلامي فقط، لكنه عاين في 15/4/1995حادثة ضخمة قام بها شاب أمريكي راح ضحيتها 159 شخصاً، هذه الحادثة هي نسف المبنى التجاري في (أوكلاهوما). وفي الواقع فإن بعض الكتاب الأمريكان بدؤوا الكتابة عن خطر التطرف الأمريكي على المجتمع خاصة فيما يتصل بقدرته على استخدام الهندسة الوراثية في تصنيع الأسلحة البيولوجية، واجتمع (كلينتون) فعلاً مع مجموعة من المتخصصين في الهندسة الوراثية وناقش معهم ومع كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية التحديات التي تواجه الأمن القومي الأمريكي إذا استطاعت العناصر المتطرفة الأمريكية صنع أسلحة جرثومية. وفي تقرير لمركز (قانون الفقر) ذكر أن مؤامرات المتطرفين اليمينيين الرامية إلى إخراج قطارات عن القضبان واغتيال شخصيات عامة ونسف جسور زادت زيادة حادة في أمريكا في السنوات الثلاث الماضية، وأورد تفاصيل 24 مؤامرة رصدها منذ حادث (أوكلاهوما) واستهدفت هذه المؤامرات نسف مبانٍ حكومية وجسور ومكاتب صحف ومصارف.

وهناك مجموعات دينية أمريكية تؤمن بحلول نهاية العالم عام 2000م وأنها قد تستخدم الأسلحة البيولوجية لتحقيق ذلك(13)، وهناك منظمات متطرفة في أمريكا تستخدم السلاح لوقف ما تراه علمنة للمجتمع الأمريكي، وهذه المنظمات تقاوم الإجهاض كما تقاوم إباحة الشذوذ والمثلية الجنسية، وهناك منظمة أعلنت عن نفسها تسمى: (جيش الله) نفذت فعلاً عدة حوادث في مدينة (أتلانتا) (أبرزها الانفجار الذي حدث في أتلانتا عام 1996م في الألعاب الأولمبية، وهذه المنظمة تطرح فكرة المقاومة بدون قيادة، أي: تطرح فكرة اللامركزية في التصدي لما يرونه معارضاً لأفكارهم ولو بالقوة، وينتمي منفذ حادث أوكلاهوما إلى جيش الله الذي يرى أن هناك مؤامرة على أمريكا تقودها السلطة الفيدرالية والنظام العالمي الجديد، وأنه ما لم يتم الإنقاذ الروحي والجسدي لأمريكا فإنها إلى زوال(14).

صراع الأعراق:

نشأت الولايات المتحدة أمةً متعددة الأعراق ولكنها استندت أساساً في بنائها الاجتماعي إلى ما يعرف باسم ال.... أي: البيض الأنجلوساكسون البروتستانت وهذه القاعدة الاجتماعية هي المسيطرة والمتحكمة، لكنه حدث تبدل في الخريطة الاجتماعية والعرقية في أمريكا يؤكد نشوب نزاعات عرقية بين عناصر المجتمع الأمريكي؛ فبحلول عام 2050م ستنخفض نسبة ال.... من 5، 72% إلى ما بين 49% 53%، فالسكان ذوو الأصول الإسبانية والآسيوية يتزايدون بسرعة قد تصل بهم ليصبحوا حوالي 35%من السكان عام 2010م؛ بينما ستبقى نسبة السود في حدودها الحالية وهي حوالي 12% 15%(15). وهذا التبدل في الخريطة العرقية يفتح الباب على مصراعيه لنشوب نزاع قومي وعرقي قد يؤدي إلى تفكيك أمريكا. ولدينا ولاية (بورتوريكو (وهي الولاية الواحدة والخمسون في الاتحاد الأمريكي تسعى الآن للانفصال عن أمريكا (16). وكانت أمريكا قد استولت عليها من إسبانيا عام 1898م، ولا يزال سكانها يتكلمون الإسبانية ويقاومون محاولات الإدماج الأمريكية بجعل الإنجليزية لغة رسمية، وبشكل عام: فإن ما أطلق عليه في الستينيات بوتقة الصهر للدلالة به على نجاح إدماج الأقليات في النظام الأمريكي ثبت إخفاقه اليوم؛ ويتصاعد الحديث عن تنامي نزوع الأقليات ليصل إلى تأكيد الذات والاستقلال. وإذا واجهت الولايات المتحدة الأمريكية مشاكل حقيقية فيما يتصل بالانهيار الاقتصادي فإن احتمال تصاعد تفككها سيكون كبيراً؛ لأن المشكلة الاقتصادية تفجر بدورها مشاكل الأقليات وتعزز مطالبها بالاستقلال، وهناك كتاب مهم لآرثر شليزينجر) بعنوان: (تفكيك أمريكا) يتحدث فيه عن مشاكل الأقليات خاصة السود ونزوعهم نحو الاستقلال، وأن هذا سيؤدي إلى تفكيك أمريكا.

الانهيار الأخلاقي:

يبين كتاب بريجنسكي (الانفلات) Out of Control بوضوح أن الخطر على أمريكا يتمثل في الأبعاد الأخلاقية والثقافية وانحدار مركزية المعايير الأخلاقية مع مضاعفة الانهماك في الإشباع الذاتي المادي الحسي، ويستخدم تعبير: (استباحة الإباحة) Premissive Corrucopia للتعبير عن وضع المجتمع الأمريكي الذي تستبد به قيم الاستهلاك وإشباع الغرائز بشكل مجنون، وارتبط إشباع الغرائز بغياب أي معايير أخلاقية؛ ولذا: انتشر الفساد والمخدرات وجرائم الشوارع، ويذكر بريجنسكي أن انتصار الشعار القائل بأن الله قد مات سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً لم يحدث في الدول الشيوعية الإلحادية وإنما في المجتمعات الغربية الديمقراطية الليبرالية التي عدت التساهل الأخلاقي تقدماً ثقافياً. وتحدث بريجنسكي عن الفساد الأخلاقي والانحلال الثقافي الذي تقدمه وسائل الإعلام خاصة التلفزيون، حيث تقضي ربة البيت الأمريكية ثماني وعشرين ساعة ونصف الساعة أمام التلفزيون أسبوعياً، ويقضي الشباب المراهق عشرين ساعة أمام التلفزيون أسبوعياً، ويقضي 20% من أطفال أمريكا خمساً وثلاثين ساعة أسبوعياً أمام التلفزيون، وبرامج التلفزيون تدعو للإباحية وإشباع الشهوات الفردية والقسوة، وجعل بريجنسكي مفهوم الأنانية وإشباع الرغبات الذاتية وتحقيق المتعة الفردية يهدد أمريكا من الداخل(17). وعلى سبيل المثال: فإن جرائم القتل تمثل العامل الرئيس للوفاة في أمريكا؛ حيث يأتي ترتيبها متقدماً على مرض خطير كالسرطان، وتواجه أمريكا ما يطلق عليه (أبارتيد اقتصادي) حيث يوجد طفل واحد من بين كل 8 أطفال لا يأكل ما يشبعه، وموت الأطفال في أحياء السود الفقيرة يجاوز المعدلات التي تحدث في بلد مثل سيريلانكا وبنما وشيلي، كما أن المفاهيم التي يرفعها الغرب عن حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية هي مفاهيم زائفة، وتكفي الإشارة إلى أن الثروة هي التي تشتري الإعلام والسلاح، وهذا ما يفرض على بقية المواطنين الذين لا يملكون وسائل السيطرة إكراهاً يسميه البعض (بالرق الحديث). وإن تكلفة مقاعد الكونجرس في أمريكا تصل إلى 500 مليون دولار. وتنتشر المخدرات بين الشباب كما ينتشر الشذوذ والمثلية الجنسية. وفي الواقع فإن المبالغة في (استباحة الإباحة) هي التي ستؤدي إلى تفكيك أمريكا؛ فهي أكثر خطراً من الصين أو غيرها كما قال بريجنسكي.

الانهيار الاقتصادي:

في كتابهما: (سقوط أمريكا) يوضح المؤلفان أن أمريكا هي الدولة المدينة رقم واحد في العالم؛ حيث لا يكفي دخلها القومي لتغطية نفقاتها، وحذر الكتاب من أن الديون الأمريكية وفوائدها ستصل إلى درجة يعجز معها النظام عن السيطرة عليها مع نهاية العقد الحالي.

وتنفق أمريكا على الديون وفوائدها أكثر مما تنفقه في قطاعات التعليم والتطوير الحضاري والزراعة والعمل والعدل والمواصلات الداخلية مجتمعة، وأشارت الدراسة إلى أن فوائد الديون الأمريكية بلغت 400 مليار دولار بينما بلغت الديون 4 تريليون دولار عام 1992م، وتشير التقديرات إلى أن فوائد الديون وصلت 517 مليار دولار عام 1994م، ومع قرب نهاية القرن العشرين فإن أمريكا ستبدو كأنها دولة مفلسة، وبالطبع فإن الوضع الاقتصادي المنهار سيؤدي إلى تراجع الهيمنة الأمريكية والعودة إلى أدراجها، وهناك تراجع في نسبة الإنتاج الأمريكي بالنسبة إلى الإنتاج العالمي؛ فنسبة قوة أمريكا من الإنتاج العالمي كانت 50% بعد الحرب الثانية، وبحلول عام 1971م أصبحت تنتج ما يمثل 30%، وأصبحت تستهلك أكثر مما تنتج مما جعلها تعتمد على البترول العربي، ومع بداية السبعينيات واجهت أمريكا لأول مرة في تاريخها تدهور قدرتها التنافسية في العالم؛ إذ أصبحت وارداتها أكثر من صادراتها (45 مليار دولار للواردات مقابل 42 مليار صادرات) ولم يعد الدولار قاعدة للتحويل إلى الذهب، ومنذ عام 1985م أصبحت أمريكا مدينة لأول مرة(18).

وأخيراً: فإن مظاهر الانحطاط الأمريكي تؤكد أن أمريكا كبقية الإمبراطوريات إلى زوال، ولا شك أن انهيارها سيؤدي إلى تعديل جديد في موازين القوى السياسية يكون لصالح المسلمين بإذن الله تعالى ((وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)) [آل عمران: 140] فالسنة الحضارية تؤكد انحطاط قوى الإمبراطوريات بعد صعودها، وأمريكا ليست استثناءً من ذلك.

رابط هذا التعليق
شارك

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

زوار
اضف رد علي هذا الموضوع....

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

جاري التحميل
×
×
  • اضف...